المحرر موضوع: مدافع آيات الله *  (زيارة 1601 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Muhsin Sabit

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مدافع آيات الله *
« في: 01:35 18/08/2005 »
مدافع آيات الله *
في نقد التوجه السياسي للأحزاب الشيعية في العراق
[/b]

محسن صابط الجيلاوي

عند وصول اية الله الخميني للسلطة، كان أول مدفع له تعيين( الليبرالي ) أبو الحسن بني صدر أول رئيس للوزراء، تطمينا للغرب عبر الإيحاء بان ما يحدث في إيران ليس دولة دينية تهدد مصالحهم، بعد 17 شهر شعر الملالي بقوتهم وترسخ حكمهم، أصبح بني صدر بالنسبة لهم خائن وعميل، مما أضطره للهرب إلى فرنسا ثانية.. لحق ذلك تغييب كل قادة اليسار من كيانوري وطبري* ومئات من القادة العلمانيين والليبراليين في سجن (أيفين) الرهيب، نفس السجن والسجان كما في عهد الشاه، الذي تغير فقط مصدري فرمانات الاعتقالات....
في إيران استطاع الآيات خداع امة كاملة بكل تنوعها الهائل – مثل الأمة الإيرانية - عبر الانخراط في الثورة وبالتالي استلم الآيات وحدة وطنية عملاقة، مدافعهم المتدرجة في القصف أضعفت هذه الروح وجعلتهم مع الزمن يتصرفون بقناعاتهم المطلقة وحدها وبكل ذلك الهوس الديني مما جعل شعارات ورغبات ثورة عظيمة تنحصر إلى دولة وسلطة تهمش كل الآخر وتوقف مجتمعا قادرا يمتلك ركائز قوية وهامة في الحداثة والعلم والثقافة على الدخول إلى ميدان التقدم والتطور..وإلى ثورة تأكل أبنائها بصمت وبحنكة وبتدرج حتى لم يبقى سوى آيات يبسطون هيمنتهم بشكل كامل...وستبقى الخمينية حاضرة دوما في واقع إيران اليوم وغدا كون مبررات وجودها لازالت قائمة وان ضعفت نسبيا...!
في إيران السائد آية الله واحد وماعداه ضعيف وتابع، حتى أكثرهم شهرة مثل آية الله حسين علي منتظري وما تعرض له سوى محاولة للقول:-الخميني ولا شيء آخر، لهذا ضاعت دعوته للتسامح والتعددية وسط عصاب الشارع المشدود إلى قائد تاريخي أخرج الأمّة من استلابها وخضوعها المر...
لهذا فرضت ولاية الفقيه نفسها بحكم أن التربة الحاضنة فكريا ودينيا وسياسيا المتمثلة بأمة مثل إيران وقائد مثل الخميني تلاقت في نقطة استيعاب ذلك وبالتالي أعطت تلك المشروعية المبررة أخلاقيا في تقبل ملايين من( الدهاة )* لفكرتها المتأتية من قوة بازار ورجال دين يمتلكون من الدهاء والمكر ما يكفي لخداع شعب عملاق مثل الشعب الإيراني...
ان الخمينية كظاهرة تاريخية حاولت في الثمانينات ان تؤثر وان تصدر مفهومها للثورة إلى باقي الدول العربية، سواء عبر الشيعة أو عبر أمثولة النموذج الديني للحكم، مع الزمن وبفعل غياب بريق الثورة باعتبارها مشروع يحرر الجماهير ويحارب الفقر حيث لا تحرير ومزيد من إفقار الناس بدأ يضمحل ويتراجع بريق مشروعها وسط الطائفة الشيعية أو سواها، بحكم كون سائر الحركات وخصوصا في دول الخليج كان ثقلها الأساسي في داخل بلدانها ولم تنتقل بفعل القمع السياسي إلى إيران كما فعلت سائر القوى الدينية العراقية حيث انتقلت قيادات وقواعد إلى هناك وذلك بسب القمع المنفلت للنظام الفاشي القائم آنذاك،  ثم جاءت الحرب العراقية واستمرارها لسنيين طويلة مضافا لذلك حملا التهجير والهجرة لأعداد هائلة من العراقيين كل هذا جعل القاعدة التي تتعامل معها الأحزاب الدينية ( العراقية ) في إيران تتسع بشكل كبير لهذا يمكن اعتبار تأثير النموذج الإيراني في العراق استثنائيا ومتميزا وفاعلا سواء في الحاضر أو الماضي وكما يبدو في المستقبل أيضا...
الخطأ الأكبر الذي ارتكبته إيران وبفعل عوامل لجوستيا الحرب بأنها حولت هذه الأحزاب وبدرجات متفاوتة إلى جزء من قوتها العسكرية وربطتها كليا بأجهزتها المخابراتية وجعلتها بفعل ذلك تفقد مشروعيتها كبديل سياسي لما كان قائما آنذاك، وعندما انتقلت الحرب لصالح إيران بدا الكثير ينظر لها سواء داخل العراق أو خارجه على أنها تخون مبدأ السيادة الوطنية – رغم كل قباحات الدكتاتورية – لم يكن مقبولا للكثير من العراقيين أفرادا أو قوى سياسية ان تتقدم مع جيش أجنبي لاحتلال وطن، كان المهم لأي قوة وطنية عراقية هو العمل المستقل والغير مترافق مع الخطة الحربية للجيش الإيراني..
وكانت الكثير من القوى حذرة في ذلك ماعدا القوى الدينية التي ربطت نفسها كليا مع ماكينة الحرب الإيرانية عبر تشكيل مليشيات كانت تُدرب وتمول إيرانيا...
لقد عاملت أجهزة الأمن الإيرانية العراقيين بقسوة في محاولاتهم للخروج من إيران- بتصعيب إجراءات الخروج- أو في الحصول على فرصة عمل شريفة تتيح لهم شيء من الحرية أمام ضغط وتنسيق تام مع القوى الدينية العراقية وبشكل خاص المجلس الأعلى، لهذا لم يجد الآلاف من الشباب العراقي إلا أن يدقوا أبواب هذه الأحزاب للحصول على لقمة العيش عبر الانخراط في التشكيلات العسكرية لها مقابل راتب يساعد على العيش والاستمرار في الحياة القاسية هناك...لقد زرت إيران ورأيت الكره الشديد للمجلس الإسلامي الأعلى الذي حاول دائما إذلال الناس هناك...
كما ان احد أسباب فشل انتفاضة 1991 هو دخول هذه القوى وكأنها جيش إيراني تمويلا وشكلا وأفرادا مما أضعف الانتفاضة سواء داخليا بانفضاض قوى كانت في طريقها للانضمام أو خارجيا حيث أخافت المجتمع الدولي من احتمال توسع دائرة النفوذ الإيراني، لست هنا بوارد تحليل أسباب فشل الانتفاضة لكن أورد هذا العامل الذي يتكرر دائما في أدبيات الكثير من المشاركين في أيامها المجيدة...

أوجه التشابه والاختلاف بين النموذج الإيراني والنموذج العراقي المحتمل:-

أربعة ملايين عراقي أو أكثر عاشوا أو مروا في إيران، تجربتهم القاسية هناك جعلت من الصعب على القوى الدينية العراقية أن لا تبحث عن شكل شكلي من التمايز عن ما جرى في إيران، ذلك التمايز الخجول فرضته عوامل قوية لتسويق أنفسهم بأنهم حالة عراقية أصيلة تأخذ الخصوصية العراقية بنظر الاعتبار، وأول مؤشر على هذا التمايز هو رفض ولاية الفقيه الخمينية، المرجعيات الشيعية العراقية لم تجد خيمة قوية كخيمة الخميني، رغم مسعاهم الحثيث في تشكيل شكل مشابه، عبر التحضير الجيد لعودة شخص أو مرجع ديني فيها تشابه مع عودة الخميني من باريس، حاولوا في عودة باقر الحكيم عبر البصرة أكبر المدن ( شيعيا ) وعندما فشلوا في ذلك حاولوا في مسرحية أخرى مع السيستاني عبر إخراجه إلى لندن بحجة العلاج، فيما كانت هناك معارك تدور بين الحكومة العراقية وبين وارث مرجعية آخر ( مقتدى الصدر )، حاولوا الإعداد لعودة الأول فيها ذلك الاستعراض والبعد الخميني، الفرق لا يوجد مطار لاحتضان الملايين المفترضة، مهدوا لذلك عبر البصرة أيضا ولكن العودة لم تقدم شكل رجوع قائد تاريخي بوزن وهيبة الخميني لا جماهيريا ولا كاريزما..
وبالتالي فشل الشيعة مرة أخرى في التوقيت والمكان من تسويق مرجعية دينية تتشابه مع الظاهرة الخمينية، وهنا تعددت الولاءات عبر تعدد الآيات والمراجع...فشلهم هذا قادهم للتعويل علي الانتخابات ( توحدوا تحت غطاء المرجعية بكل تلاوينهم ) كحل أخير للحصول على أغلبية تتيح لهم التفرد بالقرار السياسي وبصياغة مشروع ديني يختلف شكليا عن التجربة الإيرانية ولكن في المضمون يستفيد من كامل تجربتها وشكل إخراجها وتثبيت دعائمها..ليس أمامهم سوى هذه التجربة وتلك المدرسة التي تعلموها في منفاهم هناك عبر مؤسسات إيران السياسية أو العسكرية وبأكثرها تأثيرا المخابراتية كون كامل سلوكهم فيه غلبة لدهاء المخابراتي على السياسي في أغلب الأحيان....
ان الطبقة السياسية الدينية ( الشيعية ) في مأزق حقيقي اليوم لهذا تحاول أن تهرب إلى الأمام في تحقيق مكسب على الأرض، لهذا جاء طرح فدرالية الجنوب، وهي فدرالية طائفية مهما حاول( الحكيم) وأعوانه إيجاد تخريجات لها،  تم طرح هذا بعد أن شعر هؤلاء أن في العراق مكونات سياسية صعب ترويضها وبالتالي لا يوجد مخرج في تنفيذ مشروعهم إلا عبر فدراليات الهيمنة وبهذا يفتح لهم الباب واسعا لتحقيق شكل فدرالي يشابه الكردي في شكل هيمنة الأحزاب المعروفة حيث لا ديمقراطية ولا حرية ومن الممكن أن توزع هذه الكعكة الفدرالية على مناطق نفوذ كل حزب مثلا - حزب الفضيلة في البصرة، الدعوة في الناصرية، بدر في السماواة، المجلس في كربلاء، عصابات مقتدى الصدر في الثورة...الخ كما في كوردستان تماما، السليمانية لجلال، وأربيل لمسعود...سيُفتت العراق بطريقة ( صومالية ) منظمة وتوافقية من سائر هذه القوى التي لها مصالح ضيقة جدا جوهرها حب الزعامة والمغانم الشخصية ومحاولة تسويق فكر ضيق على جسد يرفض ذلك عندها ستتبخر الوحدة المطلوبة طالما النوازع مجتمعة بشكلها الحالي لا تؤمن بالوطن العراقي، لا تؤمن بأمة عراقية وبتلك التعددية التي لو أحسن إدارتها ستشكل مصدر غنى لرفعة العراق وتطوره على جميع الأصعدة...
إفشال هكذا مخططات سيعني إفشال المشروع السني المشابه والكردي القائم، والعودة إلى منطق العقل بفهم أن العراق وطن للجميع، وان دولة القانون والمساواة هي الحلول الناجعة لحل جميع المشاكل، أما إضعاف وطن بكامله لتحقيق الجزئيات يعني لا مستقبلية قادمة وهزيمة للجميع...ليدرك الجميع ذلك قبل فوات الاوان....!!
كما أني أعتقد جازما أن كتابة دستور من قبل هذه الطبقة السياسية عبر تقاسم ( غنائمي ) سيجعل أمر تنفيذه في خبر كان، ان ما يجري اليوم هي مسرحية أبطالها جوقة سياسية فاشلة بكل المقاييس، وستحكم الأيام القادمة وتجيب على السؤال العريض هل المهم هو كتابة دستور على ورق أبيض، أم المهم النوايا المعبرة عن قناعات حقيقية بالانتماء للعراق أرضا وشعبا ؟ ان المدافع التي تطلق على الجسد العراقي كثيرة ومتنوعة وامتداداتها كثيرة لكن المحزن ان الأداة عراقية  تلك التي ينقصها ذلك العمق المعرفي وذلك الانتماء للعالم الحديث وذلك العقل الذي يقرأ التاريخ بروحية مبدعة تتجاوز مكاسب اليوم إلى بعد مستقبلي يبني أمة قادرة على البقاء والنمو... 

على النخب العراقية، الشبيبة العراقية المتطلعة إلى الحداثة والمؤمنة بالوطنية العراقية وبالإنسان كقيمة عليا إلى دعم أي مشروع سياسي فيه عمق يعبر عن فسيفساء وتنوع الجسد العراقي..تلك هي المهمة الماثلة والعاجلة لتجاوز ممثلي المشاريع القائمة حاليا، عندها نستطيع أن نضع العراق على طريق الإبداع والبناء والوحدة والمساواة، على طريق الديمقراطية والتعددية والتقدم الاجتماعي...أي تهاون وإبطاء في ذلك يعني مزيد من الخسائر ومعها غياب لموارد العراق ولإنسانه ولمستقبل أجياله اللاحقة...! 

•   عنوان المقالة مستوحى من كتاب الصحفي المصري ( محمد حسنين هيكل ) عن الثورة الإيرانية والمعنون ( مدافع آية الله )
•   دهاة – مفردة تصف سكان الريف في إيران والذين عاملهم الشاه بطريقة مذلة حتى أنه منع دخولهم أحيانا إلى طهران بحجة أنهم يشوهون الوجه الحضاري للعاصمة بثيابهم الرثة وأشكالهم القروية...اليوم هم حماة السلطة القوي في إيران الإسلامية...!
•   كيانوري، طبري – من قادة حزب توده ( الشيوعي )الإيراني، لقب الأول ايه الله كيانوري كونه تملق لقادة الثورة من الآيات ولكن بعد أن أشتد عودهم كرموه على ذلك بزجه في سجن (أيفين) الرهيب.[/size]