أنور بدّاوي ... شهيد آشوري في انفجار بيروت الأخير (نقلاً عن جريدة "السفير" اللبنانية)...
عائلة الشهيد أنور البداوي أمس (عباس سلمان)
كتبت زينب ياغي لـ”السفير”:شرب أنور بداوي قهوته الصباحية مع زوجته، وخرج من منزله في الحدث، إلى حيث يعمل قرب مبنى ستاركو. كان ينتظر هناك دوره يومياً بين زملائه، كي يقل الركاب، فجاء الانفجار قبل أن يأتي الدور.
يعمل أنور وهو الشهيد الثامن في انفجار ستاركو، سائقاً لدى «شركة بلو تاكسي». يتوزع عمله بين مركزين، مبنى ستاركو وفندق الحبتور لاند، استنادا لطلب الشركة التي يعمل فيها.
لم يخطر في بال عائلته أنه لا يزال قرب المبنى لدى وقوع الانفجار، لكنها فجأة شاهدته عبر شاشة التلفزة، مرمياً على الأرض والدماء تنزف من رأسه، وقربه سيارة جيب يملكها زميل له تحترق. عرفته زوجته فوراً من ملابسه، لكنها لهول الصدمة لم تصدق، سارعت إلى الهاتف واتصلت به، فرد عليها موظفُ قسم الطوارئ في «الجامعة الأميركية». عرفته بنفسها، وقالت إنها تريد التحدث مع زوجها، فطلب منها المجيء إلى مركز الطوارئ. هرعت مع ولديها كي تجد زوجها في حالة غياب كامل عن الوعي. دخلت مركز العناية الفائقة حيث تم نقله، وحاولت الكلام معه، لكنه لم يجب.
زوجة الشهيد أنور بداوي أمس (عباس سلمان)
الله لا يجربها لحدا، تقول الزوجة، لقد كسر ظهري، أنور في الثامنة والأربعين، وهو رفيق عمري، والمسؤول الوحيد عن العائلة.
لقد قلب باستشهاده مصير عائلة بكاملها، لأن هناك مصائر تنقلب مع كل انفجار. نزح أنور مع أهله من بلدة بحمدون الضيعة خلال حرب الجبل، وأقاما في الحدث، ولم يستطع شراء شقة، فبقي يقيم في منزل بالإيجار، وهو يدفع بدل إيجار المنزل سبعمئة دولار شهرياً فقط، فما بال المصاريف الأخرى؟
يعمل نجله إيلي في محل تزيين نسائي براتب ستمئة دولار شهرياً، بينما كان مايك متفرغاً في الجيش وترك عمله، ولا تزال ابنته الصغرى دانييلا (ستة عشر عاماً) في المدرسة.
سهر مع عائلته ليلة الميلاد لدى شقيقته، فكانت سهرة الوداع.. حتى لقمة العيش اصبحت مغمسة بالدماء تقول الزوجة. كان بالكاد يحصل مصاريف المنزل، فالوضع صعب كما يعرف الجميع، وباستشهاده غادرت معه حياة بكاملها، من دون أن تعرف عائلته كيف ستتابع حياتها.
يقول نجله مايك إن والده يخرج غالبية أوقاته إلى العمل عند الحادية عشرة قبل الظهر، لكنه بدأ يخرج منذ يومين عند الثامنة والنصف، لمناسبة الأعياد، طمعا في استغلال المناسبة وتعويض الدخل المتدني، فالشركة تأخذ مقطوعة أسبوعية من دخله تبلغ ثلاثمئة وثمانين دولارا، بوصفها تملك السيارة أيضا، ولم يعد لديهم لا والد ولا دخل.
في الطابق الأرضي من مستشفى الجامعة الأميركية، كان يتم غسل جثمان الشاب محمد الشعار، وقراءة القرآن عليه قبل حمله ومواراته الثرى في روضة الشهداء، بينما كان جثمان أنور بداوي، يرقد في البراد، في انتظار نقله اليوم إلى الحدث، حيث يوارى في الثرى في مدافن كنيسة السريان. للموت في الانفجار رائحة خاصة، لا تشبه رائحة الموت الطبيعي، هي رائحة القتل البشري الممزوج بالبارود والدمار والتحكم بالمصائر.