كيف نوظف قانون اللغة العراقي لصالحنا وكيف نبعده عن صراعنا حول التسميات والمذاهب
ليون برخو
جامعة يونشوبنك
السويد
مقدمةفي خضم الفوضى غير الخلاقة التي يشهدها الشرق الأوسط نسمع ونقرأ بين الفينة والأخرى عن أمور تخصنا ولها نبرة إيجابية تدعونا إلى التحرك للحفاظ على هويتنا وخصوصيتنا القومية من الضياع. وقانون اللغة (رابط 1) الذي صادق عليه البرلمان العراقي يأتي في هذا المضمار.
والقانون واضح يمنح شعبنا في العراق قانونيا ودستوريا الحق في التشبث بلغته القومية – السريانية – ويجعل منها اللغة الرسمية في المناطق التي نشكل فيها أكثرية. بالطبع هذه المناطق قليلة وأخذة بالتناقص بيد ان هذا لا يعني وضع القانون على الرف بقدر تعلق الأمر بشعبنا.
بعض الشيء عن اللغةوقد قلت في اللغة والتراث ربما ما لم يقله أي من الأخوة على صفحات هذا الموقع وكذلك قمت بنشاط متواضع جدا من خلال الممارسة لتقديم نموذج محدد – وهو واحد من النماذج الكثيرة المتوفرة – في كيفية الحفاظ على الهوية القومية من خلال التشبث باللغة.
واللغة نظام – رموز كتابية وصوتية – نستخدمها للتعبير عن افكارنا والأفكار تنبع من العقل والإنسان دون العقل لا شيء واللغة والعقل والفكر متلازمان.
وتؤثر اللغة في الفكر الإنساني كثيرا وقد يكون التأثير أبعد من تأثير الفكر في اللغة والفلاسفة تعرّف الإنسان انه حيوان ناطق ومنها تنبع أهمية اللغة للإنسان بصورة عامة.
ولكن أهم خاصية تملكها اللغة تتمثل بطاقتها الهائلة كونها مستودع عقل الإنسان وهويته منذ نشأته ونشأة الهوية معه. في هذا المستودع فقط بإمكان الباحث عن الهوية كشف ماضيه وتراثه الاجتماعي وفنونه وآدابه وعقائده وذكرياته كتاريخ وتراث وفكر وحضارة وفنون الأسلاف، أي أنها تصل الأحياء بالأموات من الذين كانوا ينطقون ذات اللغة.
واللغة التي نكتسبها هي التي تصبح مستودعنا بالمفهوم أعلاه اشأنا أم أبينا. فإن انتقصنا من لغتنا القومية على حساب لغة أجنبية دخيلة معناه أننا انتقصنا من ثقافتنا وفنوننا وتاريخنا وتراثنا وباختصار معناه انسلخنا عن هويتنا لأن اللغة المكتسبة تصبح مستودعنا.
وعلميا وأكاديميا واستنادا إلى ما يقوله فلاسفة وعلماء اللغة لا يجوز تفضيل لغة على اخرى بالقول ان هذه اللغة لها مفردات أكثر من الأخرى او ان اللغة تلك أكثر جمالا وفصاحة من الأخرى. القول أنه يجب علينا تبني لغة غير لغتنا لأن لغتنا غير قادرة على التعبير او الإفصاح عن افكارنا ومتطلباتنا قول مرفوض أساسا.
ولا معنى، كما يؤكد إدورد سابير، وهو من أكابر علماء وفلاسفة اللغة والثقافة، للقول أن هناك لغة أي لغة هي أكثر فصاحة او تعبيرا عن لغة اخرى. قد تكون أكثر صعوبة وتعقيدا من حيث الأصوات والنحو ولكن حتى هذه مسائل تتعلق بالثقافة وماهية اللغة ذاتها.
وضعنا الراهنوضعنا الراهن كشعب لا يحسد عليه لأننا لم نتمكن حتى الأن من وضع خط فاصل بين الهوية التي تمثلها لغتنا القومية وبين القضايا والمسائل الشائكة الأخرى التي تعصف بنا كشعب منها المذهب والطائفة والتسمية التي يجب لأي شعب يبحث عن نهضة حقيقية إخراجها خارج قوس الهوية ولكن يبدو ان هذا ألأمر صار شبه مستحيل بالنسبة إلينا.
وهناك أيضا حقائق تاريخية واجتماعية وثقافية ولغوية يجب أخذها بعين الاعتبار لاسيما كوننا شعب مهجّر غالبيته الساحقة تعيش خارج أرض الأجداد في بلاد الله الواسعة واقلية تعيش في أرض الأجداد.
وهنا تكمن مشكلة لا يدركها الكثير منا مفادها أننا نحن الذين نعيش في المهجر في طريقنا إلى خسران هويتنا كما خسرها الأمريكان من أصل الماني والذين يشكلون حوالي نصف سكان أمريكا تقريبا وكما خسرها خمسة ملايين أمريكي سويدي وكما خسرها 11 مليون لبناني في المهجر ولا أثر لهويتهم العربية إلا في بلاد الشام (سوريا ولبنان).
اولادنا في المهجر في طريقهم إلى خسارة الهوية وأحفادنا صاروا أجانب وباتوا ينظرون إلى لغتنا وكأنها لغة أجنبية حقا وبهذا يكونون قد اكتسبوا هوية جديدة – لغة جديدة بمستودعها حسب ما شرحته أعلاه.
هذه حقيقة لا نستطيع نكرانها اللهم إلا إن قمنا بتأسيس مدارس وكليات للحفاظ على خصوصيتنا وهويتنا كما تفعل بعض الجاليات النشطة. وحسب ظني ليس هناك اي مدارس رسمية حتى الأن عدا كلية مار نرساي الأشورية في أستراليا وبعض المدارس في أرمينيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق أسسها الأشقاء الأشوريون على عاتقهم وبمساعدة الدولة.
ولهذا من حيث الهوية والقومية لا أمل لنا اليوم إلا في أشقائنا في أرض الأجداد. هم الخير وهم الهوية ولولاهم لانقرضنا عن بكرة أبينا وصرنا في خبر كان ربما ليس اليوم ولكن بعد جيل او جيلين.
الأمم والدول وقوانين الحفاظ على اللغةولأن اللغة هي الهوية ترى ان أغلب الدول في العالم وأغلب الأقوام في العالم من المتشبثين بهويتهم يسنون قوانين دستورية تتعلق بكيفية المحافظة على اللغة القومية والأمثلة كثيرة جدا ولا حاجة للإتيان بها وإننا اليوم الأمة الوحيدة في العالم لم نسنْ او نشرع او نفرض على أنفسنا قانون كهذا بخصوص لغتنا إن على المستوى المؤسساتي المدني او الكنسي.
الأكراد مثلا ليسوا دولة مستقلة ولكن اول عمل قاموا به هو تشريع قوانين للحفاظ على هويتهم أي جعل أمر اللغة مادة دستورية وكانت هذه المواد جزءا من النظام الداخلي للأحزاب الكردستانية ولا زالت وأتمنى أن تصبح جزءا من النظام الداخلي لكل مؤسساتنا المدنية والدينية.
واليوم تخلت الأمم والدول الحريصة على هويتها عن مبادىء دخيلة حاول البعض عن جهل وقصد إدخالها في الشعوب المستضعفة كون ان لغتهم لا تلبي متطلبات العصر. أمم صغيرة جدا اقل عددا منا تتشبث اليوم بلغتها وجعلت منها وسيلة للتعليم بكافة مراحله.
لذا أمل وحرصا على هويتنا وخصوصيتنا القومية أن نبعد قدر المستطاع لغتنا السريانية التي تشكل الركن الأساسي لهويتنا ووحدتنا عن الفرز والاصطفاف المذهبي والطائفي والتسموي الذي يعصف بشعبنا وصار بمثابة مرض خطير قد يؤدي في النهاية إلى انقراضنا.
وأقترح النهل من المستودع الهائل والذي ربما هو أكثر غنى وشمولا من اي مستودع أخر لأي لغة أخرى في العالم الذي تركته لنا لغتنا السريانية وأدعو مديريات الثقافة السريانية والتعليم السرياني وكذلك كل مؤسسات شعبنا الحزبية والمدنية ومعها الكنائس إلى النهل من هذا الينبوع إن كنا حقا حريصين على هويتنا وخصوصيتنا القومية والكنسية.
نموذج حي وفي الختام امل من كل مكونات شعبنا الاقتداء بالمكون المؤسساتي الأشوري المدني والكنسي النشط من حيث الحفاظ على اللغة والاقتداء به. المكون الذي يحافظ على لغتنا السريانية والنهل من مستودعها هو الذي يملكها.
وإلى محبي لغتنا القومية – هويتنا – أهدي هذا الشريط – الفيديو – الذي تبجّل فيه مطربة اشورية ابجديتنا – ܐܠܦ ܒܥܬ ܓܡܠ ܕܠܬ ܘܫܪܟܐ الب بيث كمل دلث ... الخ – وأمل ان نقتدي بها كلنا لتمجيد هويتنا والحفاظ عليها من خلال لغتنا:
http://www.youtube.com/watch?v=ZMYKIQLOQrk ولا ضير على الإطلاق ان يحول الكلداني كلمة "اثور" إلى "كلدو" والسرياني إلى "سورييو" لأن هذا لا يغير البتة في عدد أحرف لغتنا الجميلة ولا في نحوها وصرفها ولا في مستودعها وفنونها وموسيقاها وآدابها وتراثها وتاريخها وثقافتها ولا في كونها تشكل هويتنا وخصوصيتنا القومية التي تَعّبُر وتتجاوز كل خلافاتنا ومشاحناتنا ومهاتراتنا حول المذاهب والتسمية.
+++++++++++++++++++++++++
رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,719986.msg6181035.html#msg6181035