المحرر موضوع: لوحة الجرح الكبير  (زيارة 1714 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عادل دنو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 99
    • مشاهدة الملف الشخصي
لوحة الجرح الكبير
« في: 14:56 17/01/2014 »
لوحة الجرح الكبير
قراءة في قصيدة سريانية للشاعر سرهد هوزايا
[/size]

لذكرى جريمة كنيسة سيدة النجاة
دموع عينيكِ 

عادل دنو
[/size]


عنوان غير مختزل
يوحي العنوان الذي لم ينفصل عن بنية النص الشعري نفسه وهذا ما يتوجب ان يكون على حد قول جيرار جينيت " ان العنوان يرتبط عضويا بالنص"، واختياره جاء متساوقا مع سياقات النص ولكن هل جاء العنوان ليؤول فكرة النص وكان مفتاح النسيج الشعري.! او هل جاء ليختصر النص ويختزله. اني أرى ان العنوان لم يكن مستقلا لتفهم دلالاته كونه اول فكرة يتلقاها او يقرأها القارئ، ولو لم تكن سبقتها عبارة" لذكرى جريمة كنيسة سيدة النجاة" لضاع الربط والقصد الذي يحفزه العنوان عادة على المبنى والمعنى السائد في النص.
وعند الربط يتبادر الى الذهن ان الشاعر يخاطب سيدة النجاة التي هي " السيدة المبجلة مريم العذراء التي وضعت الكنيسة بشفاعتها"، ويتحدر المعنى مباشرة نحو الرابط الذي يربط الجريمة والموت بالدموع.. وكأني بالشاعر يناجي العذراء القديسة بقوله ان كانت دموع عينيك ستمسح الحزن الطاغي الذي تلا الجريمة وخاصة وان الجميع يعرف ان الجريمة كانت مذبحة اودت بحياة الكثيرين. والفكرة الثانية التي تراود من يقرأ العنوان ان القصيدة ولا بد ان تجلي وتحيل القارئ الى الواقع المسيحي في العراق وتشظيات تناقضاته والمأسي التي يتعرض لها المسيحيون.

مادة القصيدة

عادة ما تكون المآسي وآثارها على بني شعبنا هي المادة التي تحلق في عقول والباب الشعراء، وتتأتى البنية التي يؤسس عليها الشاعر قصيدته من الخيال الجامح والقلِق والمتشظي لحظة انثيال الافكار وربما العبرات لتنتج مقاطع تتجسد فيها صور القلق والتشظي..
وهذا ما يظهر في القصيدة موضوعنا التي كتبها الشاعر سرهد هوزايا ونشرها مؤخرا على موقع عينكاوة الالكتروني الاغر، وهو الشاعر الذي ابتدأ بكتابة الشعر قبل عدة سنوات متكئا على ثقافته ومطالعاته وهمومه المتعلقة ببني شعبه الذي يرزح تحت وطأة عبودية من نوع خاص في قرن ينعم فيه الاخرون بحرية في جانب ما، وبدأ انه يعمل جهده لرسم قصيدة غاضبة مفعمة بأحزان جمعية، ويتسرب من ابيات القصيدة نوع من اليأس رغم محاولة الشاعر دعمها بالأمل وترجي الحفاظ على الوجود.

بنية القصيدة

القصيدة مؤلفة من مقاطع تبين معاناة عقل الشاعر الذي عايش واحدة من ابشع المذابح التي ارتكبت في العراق ضد اناس عزل يرفعون اصواتهم بابتهالات لرب المجد يسوع ولامه العذراء القديسة لتشفع لهم لدى ابنها الممجد لينعم عليهم بالسلام والحياة الهانئة الهادئة، يعاني الشاعر في المقطع الاول من عجز الرؤية الواضحة، فرؤيته ضبابية مرسومة منذ الاف السنين لتنعاد بخطوط عنيفة لتحجر مفاهيم كانت ستكون حضارية لولا انقلاب الخيال الى واقع والواقع الى خيال، نمط التضبب يجعل الرؤية غريبة جدا غير مترابطة مثلما لم تكن مترابطة فكرة اناس يصلون في كنيسة مع فكرة او حدث ذبحهم داخل الكنيسة نفسها.. فتأتي الاسئلة قاسية مجزوءة الرؤية غلب عليها الغموض الناتج اثر صدمة هزت خيالات الشاعر للبحث عن اسس ليبني عليها موضوعه ليتحول الى اسطوري من خلال صور متفككة ابتداء من ملحمة كلكامش ...
 
صورة مأساوية بشرية تتكرر .. تساؤل يعرف الشاعر انه عبر الاف السنين ليتكرر اليوم وبعد ان تكرر عشرات ومئات المرات في حياة سليلي كلكامش الى اليوم وهذا الواقع يجعل خيال الشاعر يطلق سؤالا متخما بقضية "الوجود" ... وهكذا يستهل المقطع بعنوان فرعي " من ملحمة كلكامش" .. ويختزل كل المه في التساؤل المحير لم الموت؟ لم الحياة؟ ذلكم هو البداية، والهم الاساس .. ذلكم هو الانسان حين يحس بطعم مرارة وجوده..
واذا كان القلق بهذا القدر فكيف سأبقى حيا!؟
ويضعنا الشاعر قصدا بمتاهته التي رسمها خياله وعقله الذي تفجر الما وليضيعنا او بالاصح ليضعنا معه في الصدمة المقلقة .. والتساؤلات المتقاطعة العابثة ببنية الترتيب المنطقي..
ينتهي المقطع الاول بشطر تساؤل مباشر، وكأنه يصدمنا بعد ان يضيعنا في متاهات مسرح اضاء فيها شعلة واحدة ولكنها تغشي ابصار المتفرجين وتحرق افئدتهم حرقا.. ثم صدمة السؤال   
 
اسئلة هذا المقطع محفورة على الخلود" او الوجود الجمعي" بحسب رؤيا الشاعر هنا، وكأن المقطع غير منظم مبني او معتمد على عناوين او تعاويذ مقلقة وصادمة القارئ بزلزال الجري وراء الخلود..

عالم الدموع

في المقطع الثاني يعود الشاعر بالقارئ ويذكره بعنوان القصيدة " ܕ݂ܡܥܹ̈ܐ ܕܥܵܝܢܹܟ݂ܝ" وليستعيد اشتغالاته في بنية النص الشعري ويعيد تنظيم مرايا خيالاته في التأويل، انه انتقال الى مقطع جديد كليا انتقال الى عالم حزين يبدا بالدموع وهو سؤال آخر كبير يعبر عن عجز الانسان امام الموت.. وبالاخرى عجز القوم الذي ينتمي اليه الشاعر امام قدرته على الاحتفاظ بوجوده.. وجوده الذي يمثل خلودا.. فكما كلكامش يصرخ ويستنجد بالعشبة، شاعرنا اليوم يستنجد ب سيدة النجاة او الكنيسة ككل وبدمعتها .. هل الدمعة تنقذ ما تبقى وتبقي على الحياة
 
ولكن التساؤل اليوم هل تكفي دمعة، لتطفئ الموت.. تساؤل قد يقودنا الى كشف ثنائية العشبة -الدمعة والموت – الارهاب ولكن لا يلزمنا لحد اللحظة هذا الشاعر الشفاف ان يقرر طالما ان العشبة استولت عليها الحية وبقي الموت يرقص حوالي كلكامش كذلك فان الدمعة تختلط بدخان القنابل ويرقص الارهابيون حوالي ابناء شعبنا.. يفترض ان الموت قلب وناره قد تطفئها دمعة .ولكن اية دمعة.! انها دمعة ثمينة تترقرق في عين العذراء القديسة سيدة النجاة او يمكن ان يعني الشاعر الكنيسة عموما، واذا كان اختيارنا دمعة الكنيسة فان الشاعر يقر بواقع اخر لهذه الامة وهي ان الكنيسة الملجأ الأخير في هذه الأمة لان الامة خلت تماما من مؤسسات ثانية، رغم وجود الاحزاب والجمعيات الفقيرة على طول الخط، وتصبح هذه الدمعة اثمن لانها وحيدة، انها الدمعة التي لا يريد الشاعر وهو يعبر عن احاسيس ابناء الامة ان يضحوا بها رغم الأمل الاعجازي الذي قد تنتجه هذه الدمعة في دحرجة الموت من امام عجلة الحياة. 
فهل هذا ممكن !
 
ليست ثيم التساؤلات الكبيرة في الحياة هي التي تعيدنا ربطا بالتاريخ، بل ان الدموع كذلك توصل اليوم بالامس، هكذا يعود الشاعر الى رموز براءة الحياة، من خلال العجين والخبز وطعم الحياة فيهما، الممزوجة بالدموع ، هذه الدموع التي تسللت عبر المآقي منذ البدء وكأننا نعود اليوم الى الحياة البدائية البسيطة ذاتها ...
ܕܸܡܥܹ̈ܐ ܕܥܵܝܢܹܟ݂ܝ
ܛܲܪܦܝܼܢ ܠܕܲܒ݂ܩܵܐ
ܚܵܡܥܝܼܢ ܠܠܲܝܫܵܐ
ܛܵܥܡܵܐ ܕܠܲܚܡܵܐ
ܝܼܦܲܝܬܵܐ ܒܐܝܼܕܵܟ݂ܝ
ܠܵܛܡܝܼܢ ܠܠܸܒܝܼ ܫܵܝܢܵܐ ܘܕܘܼܫܵܐ

تناغم قومي روحي

في مقطعين متتاليين يتناغم الوجود والعالم الروحاني في وحدة متأصلة فينا اذ لا يمكن لنا كما الشاعر ان نفصل بين وجودنا ومسيحيتنا، فكل المشكلات التي مرت بنا تكون تعزيتنا في كنيستنا في سر السلام الداخلي الذي تمنحنا اياه. وحين ينتابنا الضعف ونشكو الهزيمة المرة فانه في البعد شعاع الامل والرجاء وفي الافق يلوح ظل المسبحة الوردية ويكوّنان معا اصرة تجري على الجروح وتندمل الخدوش وينهض البنون والبنات اجيالا متعاقبة بتناغم قومي ديني مرة اخرى في حضن الكنيسة أو ام الكنيسة. 
التشرذم
في مقطع اخر يتحول الشاعر الى اشكالية اخرى لها علاقة وجودية مكانية، يعترف الكل انها مشكلة العصر بالنسبة لنا وهي العيش في المهاجر، العيش في حالة التشرذم ... ولكنه لا يتوقف عند حالة اليأس الصادم بل انه يستغيث بالنهر الجاري "يارا" ليوصل امواجه بأمواج دجلة والزاب الخالدان في ارض الآباء وكأنه يريد وصل الماضي بالحاضر المتصدع المتلهف الى الماء.. وكأن الشاعر يقر بجفاف النهرين حين تفرغ الارض من عصبها وجذورها الخضراء وشواطئ دجلة يبست وتشققت منذ سنين مثال الامة التي تصدعت وتشققت.
بعبارة مباشرة يعيدنا الشاعر الى السؤال الجوهري الذي ابتدأ به القصيدة ليكمل الحلقة ربما المفرغة، التي اراد الدوران فيها على غرار الامة يتساءل عله يجد الحل. نام كلكامش رأس المدينة وسرقت الافعى العشبة، ونام رؤساؤنا وسرق الارهاب وجودنا، هكذا يتراءى لي خيال الشاعر ويعيد سؤال التشظي اليائس، لكنه يعود ليفتح كوة يأتي منها النور وكما حصل في الماضي اننا تمسكنا بالمسيحية رجاؤنا فخُلدنا واستمر وجودنا الى اليوم. ما ان وجد لنا مخلص وهو المسيح يسوع له المجد حتى بموته سحب العشبة من فم الافعى ليمنحها لنا.

ثيم غير غاضبة

القصيدة دائرة تمركزت حول مأساة الخلود والخلود لشعبنا ماساة وجود على المحك، هذا الوجود محاط بالافعى.. أفعى العصر بل افعى عصور طويلة ظلت تدور حوالينا.. لتسرقنا العشبة وأشياء اخرى.. ولكن عشبتنا تصبح في كنيستنا.. ثيم القصيدة هذه تنثال من عقل الشاعر ومشاعره الجياشة المكتسبةمن المشاعر الجمعية.. وذكر اسم نهر في المهجر لعله دليل على محاولات الربط.. والاستنجاد بالعشبة التي ربما يلقاها في اعماق النهر وعسى ان الا تكون هناك افعى.. الرمز او الصور في القصيدة رسوم وصور ضبابية احيانا متلاطمة داكنة أحيانا اخرى او قد تكون بيضاء شديدة التاكيد على تساؤل الوجود انه تساؤل مكيف لحالة شعبنا.
وتقودنا رؤيانا للقصيدة الى موضوع في غاية الاهمية، هل يمكن ان يتحول الشعر في المنفى الى امتزاج ازلي بقضية الوجود السرياني.؟
إن البناء الشعري لتجربة جمعية لا تتساوق مع فعل الرفض النابع من قلب الشاعر لأن الشاعر بقي متناغما مع فعل حركي غير مغامر نحو الغوص في الاعماق وانتشال العشبة.
تختلط المفاهيم بل تمتزج لدى الكثير... فهم الوجود اوهم الخلود مع مفهوم روحي عند الجمع وعند الشاعر نفسه.. فيدخل موت يسوع له المجد لا كرمز وانما مفهوم ايماني واقعي.

قراءة اخيرة

هل يعني كلكامش لدى الشاعر ذلك الوجود الذي يترك ملكه وعرشه بحثا عن سر الخلود في عوالم أخرى؟ عندها يمكن ان نتساءل هل وجودنا في المنافي والمهاجر هو بحثا عن الخلود واثباتا للوجود.؟

قراءة الشعر من زاوية واحدة قتل للقصيدة او الشعر كما يُقال، القصيدة خيال، الهام، وبعض رسالة، اريد ايصالها من خلال واقع استلهم  من عذاب عاشه الكثير من ابناء الشعب كتبها الشاعر لاكمال لوحة الجرح الكبير.


لقراءة القصيدة انقر الرابط التالي : http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,711811.0.html