المحرر موضوع: الكلامُ الحَكيم  (زيارة 916 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كوركيس مردو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 563
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الكلامُ الحَكيم
« في: 23:56 12/01/2007 »

                            الكلامُ الحَكيم

لم يَقُل المُرَبّون والمُعَلِمون جُزافاً بأن البيتَ هو المدرسةُ الاولى ، فالطفلُ قبلَ دخولِه  الروضة  ثمَّ المدرسة  يَنمو ويترَعرَعُ في كَنفِ والديه ، وعندما يُصبِحُ في عُمر يُؤَهِّلُه الدخولَ الى المدرسة ، يكون قد تَعَلَّمَ  اسلوبَ التعامل مع  والديه  وبقية أفراد العائلة  والأقرباء والأصدقاء ،  بألفاظ ٍ مُحَبَّبةٍ  تَتَّسِمُ بمسحةٍ مِن الأدب  يعود الفضلُ باستخدامِها مِن قِبَلِه الى والديه  وبقية أفراد أُسرتِه الذين سعوا الى تلقينه إياها ،  فما أجملَ أن يقولُ الطفلُ  ( اعذُرني ، إسمَح لي  Excuse me  -  أنا آسف  I am sorry  -  مِن فَضلِك  Please  -  شُكراً  Thank you ) إنها كلماتٌ سحرية  تُبهجُ السامعَ وتُعطيه انطباعاً جميلاً عَن قائلِها ، وهذا ما يُعرَف  بالكلام الحكيم أو الكلام الساحر !  وبالتأكيد  سيفرحُ لها الكادرُ التدريسي ويُعَبِّرُ عَن تقديره ، ويسعى الى تَركيزها فيه جَنباً الى جَنبِ  تَعليمِه  التهجِئَة والقراءَة والكتابة والرسمَ والحساب ، بالإضافة الى المفاهيم الخُلقية والمُثُل والخِصال الحميدة ومُختَلَفِ أساليب السلوك الإجتماعي ، وبذلك تنضجُ وتَتَبَلوَرُ شخصيتُه ، إن  مَرحلة الطفولة ذاتُ أهمية وتأثير  على مَرحلة المُراهقة  الصعبة  ، فإذا كانت البيئَة التي  يعيشُ الطفلُ في مُحيطها وتَتمَثَّلُ بالدرجة الاولى بالوالدَين ثمَّ بقية أفراد الاسرة وذوي القُربى ايجابية المظاهر تَنعكِسُ على سلوكِه المُتَّزن في فترةِ مُراهقتِه ،  حيث تُحَدِّدُ مسارَ شخصيتِه مع اكتمالِها ، ولِذا فغالباً ما تُعتَمَدُ مَرحلتا الطفولة والمُراهقة اعتماداً كبيراً مِن قِبَل المختصين بعِلم النفس عند تحليلهم لشخصية المَرء  نظراً لأهميتهما وتأثيرهما في بناء الشخصية وتكوينِها .

مِما تَقدَّمَ سَردُه يَتَبَيَّنُ مدى تأثير البيئَة على حياة الأطفال ، فإن لم تَكُن بيئةً مليئةً بالأفكار البنّاءة خُلقياً ودينياً  لا يُمكنُ  تكوين شخصياتٍ مِن هؤلاءِ الأطفال ذاتِ  صِفاتٍ جيدة ، بل ستكون شخصياتُهم مُعَرَّضة للوقوع في مشاكلَ وعُقَدٍ نفسية عديدة  تنعكسُ سلباً على حياتِهم وحياة والديهم ومُحِبيهم ،  فماذا يُرتَجى مِن طفل يعيشُ في جَوٍّ مِن العُنف المنزلي المتواصل ؟ أو ذلك الذي يُسمحُ له بمشاهدة أفلام الإثارة والرعب ؟ ألا ينشأُ إنساناً عدوانياً  ! وماذا عَن الطفل المحروم مِن الأصدقاء ؟ ألا  يعيش حياةً انعزالية  في مُقتبل حياته ! أليس الطفلُ المُبالَغُ في تدليلِه  غالباً ما يُعاني مِن ضُعف الشخصية في العديد مِن نواحي حياتِه ! يخشى مِن مجابهة الحياة بمفرده ويكون بحاجةٍ الى دعمٍ وإسنادٍ مِن الآخرين !  كم مِن طفل وطفلةٍ مَن يكره أحدَ والديه ويتعلَّق بالآخر ، أليست هذه الظاهرة عقدة نفسية تنتاب هؤلاء الأطفال !

إننا نعيشُ في بلدان المهجرالغربية ،  تَختلفُ مُجتمعاتُها عَن مُجتمعاتِ بُلداننا الشرقية ، سلوكاً وعاداتٍ ومُمارساتٍ ،  فيها مِن الايجابيات أكثر مِن السلبيات ، ولكنَّ غالبية أبنائنا مع الأسف ، تنساقُ وراء سلبيات هذه المجتمعات ! لماذا ؟ لأننا قَصَّرنا تُجاههم بعدم تحصينهم بما يحميهم مِن الإنزلاق الى مخاطر تلك السلبيات ، وبعدم إرشادهم للتمسُّكِ بمحاسن مُجتمعاتنا واختيار محاسن مُجتمعاتنا الغربية الجديدة ، ولذلك نرى الكثير مِن عوائلنا تشكو مِن ظاهرة ضياع أبنائها في خِضَمِّ بحر مساويء المُجتمعات الغربية ، ولكنهم يتناسون بأنهم يتحمَّلون القسط الأكبر مِن المسؤولية  في انجراف أبنائهم وضياعهم ! هل تساءَلت هذه العوائلُ يوماً إذا كانت قد خَصَّصَت جزءاً يسيراً مِن وقتِها لِتَتَحَدَّثَ الى أبنائها عَن صِفات المُجتمع الجيد ؟ هل ذَكَّرتهم بتقاليد وايجابيات مُجتمعاتِنا الشرقية  مِن حيث طاعة الوالدين واحترامهما والإصغاء الى نصائحهما ؟ هل عَلَّمتهم أن لا يعزلوا أنفسهم عن أبناء مُجتمعهم  بل أن يُوطدوا علاقاتهم معهم ، ويُشاركوهم في مُختلف المناسبات ؟ هل نصحوهم بأن يَتَجَنَّبوا أصدقاء السوء ويُحافظوا على أخلاقهم المسيحية ؟ كلا ، بل ربما كانت هي ذاتُها قد تجاهلت تلك المُثُل والتقليد والمُمَيَّزات التي كان يزخرُ بها مجتمعُنا الشرقي ، ولذلك علينا أن لا نَتَّهِمَ المُجتمعات الغربية دوماً ونُلقي عليها اللومَ بأكملِه .

إننا في وضع صعب يحتاجُ مِنا تَدارُكَه بِجِدِّيةٍ وعناية ، علينا دراستَه دراسة مُستفيضة  ونُناقشُ الأمرَ بأفكار ايجابيةٍ  ونُقدِّمُ مُقترحاتٍ بنّاءة ،  ومَن اعتمدَ الايجابية في فكره يتعزَّزُ بدوافعَ تُقَوِّي ثقتَه بنفسه  وتقودُه  الى ايجاد حَلٍّ للمعضلة التي تجابهُه ، فالنُحارب الإنطباعَ السلبي  المُتهم به شعبُنا ومُجتمعُنا ، إن شعبَنا ذَكيٌّ وشجاع وليس شعباً جباناً وخاملاً ، علينا أن نُخاطبَه بكلام حكيم يُثيرً لديه الإحساسَ والغَيرة  والعَزمَ على مُراجعة  سلبياتِه  وأخطاءَه .  باتَ مِن الضروري الإدراكَ  أن لأطفالنا مسؤولية كُبرى في أعناقِنا ،  لنخلقَ منهم جيلاً  مؤمِنا ذا ثقةٍ  بحاضره  ومُستقبلِه  ويتباهى بانتمائه الى شعب البطولات والإنجازات الحضارية التي وضعت الأُسسَ الاولى  للبناء الحضاري العالَمي الحالي ،  لا نطلبُ منه التفاخرَ بأمجاد آبائه  فقط  بل نُطالبُه يَجعلِها نِبراساً أمام ناظريه  لكي تدفعَه للإستلهام مِنها القوة والعزمَ والمثابرة لبناء مُجتمع مُترابط ومتين يكونُ قادراً على تطوير حاضره وتمهيد الطريق للوصول الى مُستقبل آمِنٍ ومُزدهر .

الشماس كوركيس مردو
في 12 / 1 / 2007