ماذا تعني كلمة سريان؟ شرح بسيط غير اكاديمي
اسعـد صومـا
ستوكهولم
[/color][/size][/b]
الجزء الاول
إذا اردتَ ايها القارىء اللبيب ان تعلم ماذا تعني كلمة "سريان" و من هم "السريان"، فاقول بكل بساطة: ان كلمة "سريان" ܣܘܪ̈ܝܝܐ (سوريايى/سورايى) هي اسم لمجموعة من البشر تضم الكثير من الافراد والجماعات والمؤسسات التي تنتمي اليها. وهذا ليس غريباً لأن جميع الناس يُقسمون الى مجموعات بشرية تتكون منها القبائل والشعوب والامم كبيرة كانت ام صغيرة، وان لكل شعب اسمه الخاص الذي يعرف به، وكذلك السريان ايضاً، فهم ليسوا استثاء من هذه القاعدة، بل هم "شعب" مثل غيرهم من الشعوب ولهم اسمهم السرياني هذا.
وكما ان لكل شعب بعض الامور الهامة المنظورة وغير المنظورة المشتركة بينه والتي تربط افراده ببعضهم برباط ووشائج متميزة قد تميزه عن غيره من الشعوب كاللغة والاثنية المشتركة والدين والتاريخ والثقافة والعادات، الخ. كذلك للسريان ايضاً بعض الامور المشتركة التي تربط افرادهم ومجموعاتهم ببعضهم بروابط عديدة، منها مادية ومنظورة وقد يعيها ويعلمها، ومنها معنوية وغير منظورة قد لا يعيها ولا يعلمها الفرد لكنها موجودة وتلبسه حلته السريانية التي تعطيه خواصه التي يتميز بها وتميزه عن غيره من الشعوب.
كان الموطن الاصلي لهذه المجموعة البشرية التي تُسمى بالسريان يشمل منطقة كبيرة من الشرق الاوسط ممتدة من البحر المتوسط لغاية فارس ومن اواسط تركيا الحالية لغاية منتصف فلسطين. حيث كان السريان يشكلون الغالبية العظمى من السكان في ديارهم هذه لغاية وقوعها في قبضة العرب المسلمين الذين احتلوا المنطقة في القرن السابع الميلادي.
كان السريان في القرون المسيحية الاولى يقسمون سياسياً ومناطقياً الى سريان مشارقة (تقريباً في العراق الحالي) واقعين تحت حكم الفرس، وسريان مغاربة (تقريبا في سوريا الحالية) تحت سلطة البيزنطيين، لكن عند احتلال العرب المسلمين للشرق الاوسط زال الانقسام من المنطقة السريانية واصبحت تحت سلطة حاكم واحد. وبزوال الحدود السياسية بين السريان اصبح معظمهم مواطنين في دولة واحدة هي "الدولة العربية المسلمة"، لكن القسمة الكنسية والطائفية واللغوية استمرت بينهم لغاية اليوم، لذلك بامكاننا ان نتحدث اليوم عن "فرق سريانية" و "كيانات سريانية" يتكون منها "الشعب السرياني".
ورغم الانقسام الطائفي والكنسي الذي ضرب السريان قديماً، ورغم الصراع اللاهوتي الحاد والمقيت بينهم في القرون التي تلت انقسامهم، إلا ان نخبة مثقفيهم من فلاسفة واطباء من السريان المشارقة والمغاربة ممن كانوا يعيشون في العاصمة بغداد اثناء حكم العباسيين، كانوا يلتقون بشكل طبيعي في الحلقات الدراسية الشهيرة حينها في دراسة المنطق والفلسفة، كما كانوا يدرسون على بعضهم، ويحضرون محاضرات بعضهم ويناقشون رسائل بعضهم، بغض النظر عن اختلافاتهم الكنسية القائمة. وكان الحكام العرب والخلفاء ينظرون الى السريان على انهم "شعب" سرياني "واحد" رغم انتماءاتهم الكنسية المتباينة، وكانوا يسمون جميعهم باسم السريان، (والملفت للنظر انه لم يكن حينها يطلقون على احد منهم اسم "عرب" كما يفعل الحكام اليوم في سياستهم التعريبية).
ونجد في بعض كتب التراث العربي القديمة بأن تسمية سريان تطلق ايضاً على بعض الحكماء والاطباء من طائفتي "الصابئة" و"اليهود" من سكان العراق القديم، فمثلا يقول ابن ابي اصيبعة في كتابه "طبقات الاطباء" عن ماسرجويه متطبب البصرة بانه "كان يهودي المذهب سريانياً" (طبعة بيروت، صفحة 232) وهذا إن كان صحيحاً وإن دل على شيء فانه يدل على ان الاسم السرياني حينها كان فيه تعددية دينية وطائفية، وهنا تسقط المقولة الهشة التي تدعي ان لفظة السرياني كانت تعني مسيحي. بل استعمل السريان ثلاث كلمات للدلالة على المسيحي: اثنتان سريانيتان وهي ܡܫܝܚܝܐ (مشيحايا) و ܡܗܝܡܢܐ (مهَيمنا) والاخرى يونانية وهي ܟܪܝܣܛܝܢܐ (خريسطيانا)، لذلك لم يكونوا بحاجة حينها ليستعملوا اسمهم بمعنى مسيحي.
لكن منذ القرن الخامس عشر وبعدها وبسبب ما حل بالمنطقة على يد جحافل تيمورلنك وقعت بلادنا في بحر العزلة والانغلاق، وأخذت المجموعات السريانية تسبح في مستنقع الجهل والتخلف، فأخذ اسم السريان في "التقليد الشفهي" يتقوقع عل ذاته ليعني ايضاً مسيحي الى جانب معناه السرياني التقليدي. ونفس الشيء حدث لكل المجموعات البشرية حيث ارتبط اسمها بدينها وبمذهبها وتلاحم الاسمان معاً. أما في التقليد الكتابي فلا نجد في النصوص السريانية بان كلمة سرياني كانت تعني مسيحي. أما اذا كانت لفظة سرياني "سورايا" تعني مسيحي اليوم، فهذا ليس شاذاً بالقياس عما حلَّ باسماء بقية شعوب المنطقة (فاسم الكردي "قوردايا" يوحي ايضاً الى الاسلام). ان التطور الذي حصل في استعمال لفظة "سورايا" ادى بها الى ان تحمل المعنيين معاً، اي انها الى جانب معناها "السرياني" الاصلي، فقد تولد فيها "معنى اخر" هو المسيحي وارتبط بها بقوة لغاية اليوم. وكل من ادعى من الكتّاب القدماء والمحدثين بان كلمة سرياني لا تدل على شعب او قومية، فان كل المصادر السريانية القديمة وبالاجماع تفنّد هذا القول "السياسي" الملغوم.
من هم سريان اليوم؟
[/color][/size]
ان الجواب على السؤال "من هم سريان اليوم؟" بسيط للغاية لدى العارفين وعلماء الدراسات السريانية، لكنه قد يكون "صعباً" نوعاً ما لدى العامة من الناس والقراء. ولكي نجيب على السؤال المذكور نقول: ان سريان اليوم يُقسمون الى قسمين: القسم الاول يضم سريان الشرق الاوسط والقسم الثاني يضم "سريان الهند".
1. أما سريان القسم الأول أي سريان الشرق الاوسط، فهم ابناء وأحفاد السريان القدماء، الذين يسمون انفسهم اليوم باسم "سريان واشوريين وكلدان وموارنة". وقد كان اجداد هؤلاء جميعاً يُعرفون باسم "سريان" ܣܘܪ̈ܝܝܐ ويُسمون انفسهم بهذا الاسم السرياني بشكل طبيعي وبدون تعقيد وارتباك بل بفخر واعتزاز. وهذا واضح في جميع كتبهم السريانية. كما ان العرب المسلمين بعد قدومهم الى بلادنا واختلاطهم بشعبنا استعملوا بدورهم كلمة "سريان" واطلقوها على السريان. وكان هذا الاسم السرياني هو الاسم "الرسمي" الوحيد الذي أطلقه العرب علينا بعدئذ، وكمثال بسيط حول الموضوع احيلك ايها القارىء الى احد الكتب التراثية العربية التي بحثَتْ في تاريخ الحضارة والفلسفة والطب وهو كتاب "عيون الانباء في طبقات الاطباء" لمؤلفه "ابن ابي اصيبعة" ويحتل الحديث عن اجدادنا السريان حيزاً كبيرا من الكتاب، حيث خصص المؤلف الباب الثامن من كتابه عن اطبائنا وفلاسفتنا ويسمى هذا الفصل "طبقات الاطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس"، لكن فصول الكتاب الاخرى ايضا تحتوي على الكثير من اخبار فلاسفتنا واطبائا السريان الذين عاشوا اثناء حكم العرب وخاصة اثناء حكم الدولة العباسية. ولو راجعتَ كتاب "الفهرست" لابن النديم، وكتاب "اخبار العلماء" للقفطي، و"طبقات الاطباء والحكماء" لابن جلجل، وغيرها من الكتب، ستجد كتبهم مليئة بذكر علماء وحكماء وفلاسفة واطباء وتراجمة السريان. والسريان الذين يتحدثون عنهم هم اجداد جميع الذين يسمون انفسهم اليوم بالكلدان والسريان والاشوريين.
أما اسماء "اشوري" و"كلداني"، فللأسف، لم تكن موجودة حينها في هذه الفترة التي نتكلم عنها، ولم يكن احد يعرفها إلا من خلال ذكرها في العهد القديم. ولو كانت هذه الاسماء موجودة، لاستعملها الكتّاب دون اي تردد.
2. أما القسم الثاني من السريان فهم "سريان الهند"، أي "الهنود المسيحيون" الذين يعيش معظمهم في ولاية كيرالا في جنوب الهند. ويُسمون سرياناً لأنهم ينتمون الى الكنائس السريانية الهندية ارثذوكسية كانت أم كاثوليكية أم بروتستانتية أم نسطورية. وتلتحق معظم الكنائس السريانية الهندية بالكنائس السريانية التي في الشرق الاوسط وتستعمل طقوسها ولغتها السريانية وتتبع تقاليدها الكنسية.
ويوجد بين المسيحيين الهنود اقلية متميزة لها تقاليدها الخاصة بها تصرّ على انها تنحدر من "اصل سرياني"، وتقول انها قدمت الى الهند من منطقة الشرق الاوسط، وخاصة من الرها ومن العراق. ان غالبية اعضاء هذه الاقلية "السريانية المتميزة" يتبعون كنيسة السريان الارثوذكس ولهم مكانة خاصة متميزة في هذه الكنيسة ويتمتعون بحقوق اكثر من اشقائهم الاخرين من ابناء كنيسة السريان الارثوذكس في الهند ممن هم هنود اصلاً، إذ يحق لهم بالمشاركة في اختيار بطريرك الكنيسة السريانية الارثوذكسية، بينما ابرشيات الكنيسة السريانية الارثوذكسية الهندية الاخرى لا يحق لها بالمشاركة في اختيار البطريرك اثناء انتخابه لأنها ليست من أصل سرياني.
وينقسم سريان الهند الى مجموعتين تُعرف الاولى باسم Syro Malabar "سيرو مالابار" اي السريان الملاباريين ومعظمهم كاثوليك ويستعملون ويتبعون الطقس الكنسي "السرياني الشرقي" ويستعملون الفرع الشرقي للغة السريانية كما يلفظها الكلدان واغلبهم تابع للكنيسة الرومانية، واقلية صغيرة تتبع الكنيسة الاشورية.
وتُعرف المجموعة الثانية باسم Syro Malankara "سيرو مالانكارا" ويستعملون الفرع الغربي للغة السريانية كما يلفظها السريان والموارنة، ويتبعون في طقوسهم وتقاليدهم والبسة كهنتهم السريان الارثوذكس. كما ان اغلبهم ارثوذكس مع وجود مجموعة كاثوليكية هامة ضمن هذا التقليد واخرى مرتبطة مع الكنيسة الانكليكانية.
اي ان جميع الهنود المسيحيين ممن يرتبطون عضوياً أو تراثياً بكنائسنا السريانية والكلدانية والاشورية هم "سريان" ويسمون انفسهم "سريان" ويُطلق عليهم اسم "سريان". كما انهم يطلقون اسم السريان حتى على مؤسساتهم ومنشآتهم ليس فقط الكنسية والثقافية منها، بل حتى على مؤسساتهم الاجتماعية والاقتصادية والمالية والصناعية، فمنها على سبيل المثال "البنك السرياني الكاثوليكي" الذي هو من اشهر البنوك في ولاية كيرالا في جنوبي الهند.
وبالمناسبة ان اتباع "الطقس الكلداني" في الهند لا يسمون انفسهم "كلداناً" ولا يسمون كنيستهم كلدانية، بل يسمون انفسهم "سريان" ويسمون كنيستهم "سريانية ملابارية"، كما ان اتباع الكنيسة الاشورية في الهند لا يسمون انفسهم "آشوريين" ولا كنيستهم آشورية، بل يسمون انفسهم "سريان" وكنيستهم باسم "سريانية كلدانية".
إذاً، ان النساطرة في الهند (اتباع الكنيسة الاشورية) يسمون كنيستهم باسم "سريانية كلدانية"، بينما اتباع الطقس الكلداني هناك لا يسمون اسم كنيستهم بهذا الاسم الكلداني.
ويبلغ عدد جميع اتباع الكنائس السريانية الهندية اكثر من عشرة ملايين، وحوالي نصفهم يتبع تقاليد الكنيسة السريانية الارثوذكسية ويمارسون طقوسها واعيادها وتقاليدها الكنسية، ويستعمل الباقي تقاليد وطقوس كنيسة المشرق.
اما الكنيسة النسطورية في الهند والتي تسمى رسمياً الكنيسة الكلدانية السريانية، فهي من اصغر الكنائس في الهند ويبلغ عدد اتباعها اليوم حوالي 25 الفاً فقط.
كما ان كل الكنائس السريانية في الهند تستعمل اللغة السريانية في طقوسها لكن بنسب متفاوتة. لكن كنيسة السريان الارثوكس تستعمل اللغة السريانية اكثر من باقي الكنائس الهندية السرياية الاخرى.
النتيجة:
[/size][/color]
إذاً، وكما رأينا ان السريان ينقسمون اثنياً وجغرافياً الى قسمين: الاول هو الشعب السرياني الذي هو سرياني الانتماء والاصالة واللغة والحضارة في منطقة الشرق الاوسط ويضم السريان والكلدان والاثوريين، والثاني هو الشعب الهندي المسيحي الذي هو هندي الانتماء والحضارة لكنه سرياني الكنسية لأنه ينتمي الى الكنائس السريانية بتقاليدها ولغتها منذ اعتناقه المسيحية ولغاية الان.
والخلاصة ان مسيحيي الشرق الاوسط عدا الاقباط والارمن هم بالاساس "سريان" اثنياً وحضارياً، وكذلك فإن مسيحيي جنوب الهند هم "سريان" لكن كنسياً وطقسياً.
قريباً سأنشر القسم المتبقي من المقال وهو "
حول أصل واشتقاق لفظة سريان".
أسعد صوما[/size]
[/size]