المحرر موضوع:  قانون الالـــــه ام قانون الانسان ؟  (زيارة 1299 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل اوراها دنخا سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 687
    • مشاهدة الملف الشخصي

 قانون الالـــــه ام قانون الانسان ؟
مع ازدياد اعداد الانسان منذ الخليقة، سواء كان خالقها خالق ام جاءت بصدفة كما اعلن عنها عالم الفيزياء ستيفن كنغ، صار يفكر في ضوء تصرفاته بترتيب حاله، مبتدئاً بالعائلة ومرورا بالقبيلة ووصلا الى الدولة، كلٌّ حسب موقعه الجغرافي وزمانه. ترتيب الحال هذا تطلب تفكير نخب المجتمع في تنظيم شؤونه عن طريق سن قوانين وتشريعات تتلائم وظروف الزمان والمكان. قوانين كانت غايتها بالتأكيد حماية الفرد والعائلة ومن ثم المجتمع. وبالطبع فان سن القوانين كانت ايضاً متأثرة بعادات وتقاليد المجتمع، ومن فولكلوره ايضاً. عادات وتقاليد خطها بنفسه لنفسه، قسم منها جاء نتيجة ما كان يمليه عليه عقله، بحسب البيئة وتأثيرها، وقسم نتيجة التجائه الروحي وبصورة غريزية الى الاله الذي كان يخطه في عقله ويجسده بتمثال او حيوان او نبات او شيء آخر كالنار او الضياء الى الخ من الاله التي ادخلها الانسان في اساطيره ليغرسها في عقل اجياله وليتم تبنيها وتطويرها بحسب مقاييس الزمن ولتنتقل الى الاجيال التي بعده بعد قام بترتيب طقوسه ايضاً.
 الجانب الروحي اخذ مساحة واسعة جداً في حياة الانسان وتأثيرها عليه، وتغلغل الى قلوب الناس وعقلهم، واضحوا يجتهدون في تثبيت صحة ما يؤولونه، سواء كان منطقياً ام غير ذلك، فنشأت الاديان التوحيدية المؤمنة بفكرة الاله الواحد الازلي القادر على كل شيء ونسبت اليه كافة صفات القوة والجبروت والرحمة والحكمة ومكافأة الانسان او معاقبته على حسب افعاله. ومن شدة حب وشغف الانسان بإلاهه اخذ يدافع عنه بقوة وصلت الى مرحلة بذل الروح من اجله. بذل الروح هذه استحدث لها صفة الاستشهاد التي صارت طريقاً سهلاً للوصول الى الجنة الموعودة، ثم اضحت هذه الصفة تلصق بكل محارب او مقاتل او مناضل او عامل من اجل عمل روحي او دنيوي سياسي. ومع ما تحويه الجنة من متع ابدية يسيل لها لعاب الانسان وخوفا من المجهول ما بعد الموت تم استغلال الجانب الروحي ولصقه بالمادي الدنيوي لتنفيذ مآرب سياسية بحتة على حساب بني البشر البسطاء الذين تغلغلت في اعماقهم جذور الايمان الروحي، وصاروا يستخدمون الشعارات والعناوين المعبرة عن العقيدة، بحجة الدفاع عن الدين.
 ما نقوله لم تشذ عنه اوربا التي استخدمت الدين واستغلته اسوأ استخدام مما دعا النخب الى اعادة التفكير في بناء الانسان اولاً بعيدا عن الدين والمعتقد ليستطيعوا بناء اوطانهم، وليثبوا اول صولاتهم بأنشاء القوانين الخاصة بحقوق الانسان مبتعدين عن مراكز الانشقاقات والمماكحات الفكرية الدينية. قوانين تخدم الانسان وتسير بلدانهم من دون التعويل على اشخاص مهما كان منصبهم الديني او الدنيوي رفيعا. على عكس بلداننا العربية والاسلامية التي لا تزال تستخدم العقيدة الدينية للسيطرة على مقدرات شعوبها من خلال تأثير الاشخاص من ذوي الالقاب الدينية الرنانة، وبذلك تكون الدولة قد سيرها هؤلاء، وبزوالهم يزول تأثيرهم وتبقى الدولة متأرجحة الى حين قدوم آخرين.
الدولة كي يستمر نظامها لا يجب ان تقوم على شخصية انسان (صدام والخميني مثالاً). الدولة تستمر بقانونها، قانونها الذي يعتبر رئيس وزرائها وجمهوريتها وكل الوزراء موظفين يؤدون عملا لشعبهم وامتهم، يتقاضون اجورهم بحسب ادائهم وكفائتهم، لا ان تكون الدولة في خدمتهم، وان انهارت الحكومة تنهار الدولة بكاملها.
ببساطة الدولة يجب ان يسيرها القانون وليس الرؤساء، والرؤساء يجب ان يخدموا الدولة، لا ان تخدمهم الدولة !
ان ما يجري الآن في العراق مستند الى العقلية الروحية التي تتحكم في الشخصية العراقية والتي من خلالها استطاعت فلول النظام البائد من الاستحواذ على عقلية العراقي المنتمي روحياً الى الفئات التي تطلق على نفسها صفات روحية (جهادية!)، لان الانتماء الروحي تأثيره اكبر بكثير من الانتماء الى القانون، لشعور هذا الانسان بان القانون هو من صنع الانسان في حين ان قانون الجهاد هو من الاله الذي يؤمن به والذي تكلمنا عنه في بداية المقال. وما زال الفرد مرتبط في بلداننا بقوانين الشريعة المستمدة من الدين تبقى بلداننا دائمة الحروب والنزاعات ولا يهدأ لها بال. وما لمسناه وعشناه من الربيع العربي (المقصود به عودة حكم الاسلامي!) يؤكد ذلك، ويؤكد فشل القانون المبني والمستمد من اي شريعة كانت، لا يعطي الاستقرار الى اي امة. فهل تونس وليبيا وسوريا، وقبلهما مصر التي تداركت الامر، شهدت الاستقرار بعد الربيع الذي كان شتاءً بحلة الربيع ؟ وهل داعش، المعروفة عقيدتها وتوجهها، ستأتي بربيع غير ربيع احمر !
رحم الله الامام علي (رض) عندما وصف الكتاب الذي يؤمن به بحمال الاوجه، فها هي داعش قد حملت الوجه الدموي لجعل الربيع العراقي احمراً.
في الختام نقول: لقد اضحى من الواضح ان بناء اية امة ودولة صار مرتبط ببناء قانون حقوق الانسان اولاً والابتعاد عن اي مصدر روحي ومن اي دين كان، وغرسه في قلب وعقل الانسان منذ الصغر... فبارك الله بكل من يسعى لبناء دولة القانون ... بالطبع قانون حقوق الانسان !
اوراها دنخا سياوش