المحرر موضوع: داعش اليوم وكنيسة الأمس.. وتأريخ يعيد نفسه  (زيارة 808 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ايفان جــاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 197
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
داعش اليوم وكنيسة الأمس.. وتأريخ يعيد نفسه
                                                                                             
ايفان جاني
مريرة كالعلقم هذه الأيام التي نعيشها، وكأننا نعيش في كابوس مزعج، ولحد الأن هناك من لايريد أن يصدق أن العراق قد وصل إلى مرحلة لايمكن لأي كان تخمين أو تصور عقباها. لقد أعادت بعض القوى المتطرفة التي تتخذ من الديانة الإسلامية غطاءاً لها، العراق قروناً إلى الوراء. فبعد أن سيطرت بعض المجاميع المسلحة التي تدعي إسلاميتها وعلى رأسها الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروفة بـ(داعش)، على مدن كبيرة وإستراتيجية في العراق مثل نينوي وصلاح الدين وأجزاء من كركوك وديالى، شرعت بنفث سمومها في المجتمع العراقي، عندما بدأت بإصدار فتاويها ونشر تصريحاتها من مأذن الجوامع وعبر المكبرات الصوتية بضرورة تفجير وهدم وإحراق الكنائس بيوت الكفرة. وبحسب بعض الوكالات الإعلامية فإنه تم تفجير وإحراق معظمها بعد أن سلبت محتوياتها. يتصرف أتباع هذه الجماعات المتطرفة وكأنهم أربابنا ويحاسبوننا على أفعالنا، مسبقاً. في الوقت الذي نجهل الشريعة التي يعتمدونها، والنص الديني الذي يبرر أفعالهم، والآية القرأنية التي تجيز جرائمهم. هل يبررون أفعالهم بالآية التي تقول :" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس 109، أو الآية التي تقول:" فمن إهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ظل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل" يونس 108، أو الآية التي تقول:" إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل" هود12، أو الآية التالية:" وما جعلناك عليه حفيظا وما أنت عليهم بوكيل" الأنعام 107. وغيرها من الآيات القرأنية التي تدحض هكذا أفعال إستهتارية تعيث بالأرض خراباً وتهين كرامة الإنسان وتدوس على مبدأ المواطنة والتسامح الديني. فمسيحيوا العراق وفي يوم من الأيام لم يساهموا في أي مخطط أو عملية هدفها النيل من سيادة وكرامة وقدسية هذه البلاد، بل بالعكس كانوا السباقين في بسط يد العطاء والبناء والتضحية له وفي مجمل المجالات. اليوم كنائس نينوي تدمر، بعدما دمرت بالأمس القريب كنائس تكريت والنجف وأورهاي ودياربكر وحمص وحلب ووو.. فعلى من سيقع الدور غداً، ومصير من سيكون الهلاك؟!.
شاءت الصدفة أن أطالع هذه الأيام كتاب الباحث والكاتب العراقي الكبير (رشيد الخيون) الذي يحمل عنوان (المجتمع العراقي تراث التسامح والتكاره). ووجدت بين أسطره وفي الصفحة رقم 35، هذا الحوار أنقله لكم، ونحن نبكي وننوح على شعبنا المسيحي الذي سحق في الموصل وكنائسنا التي أمست حطام. يقول الأب سهيل قاشا في مقابلته مع جريدة الشرق الأوسط في 3 إكتوبر من عام 2007، :"بحسب ماوثقته كنائس الموصل من أحداث:" أن الإنكليز عندما دخلوا الموصل (1918) أرسل القائد في طلب البطريرك (مطران الطائفة الكلدانية)، يوسف توما الثاني (ت 1947)، وأخبره بنية الإنكليز في قيام دولة مسيحية بشمال العراق، ولما سمع البطريرك هذا الرأي قام منتفضاً، ورد عليه بالقول: هل إستشرت أخوتي الآخرين؟ قال: من هم؟ قال له: المسلمون وغيرهم". ها نحن اليوم كشعب ندفع جزية كل ذلك، فأين إخوتنا الذين ربطنا مصيرنا وقدرنا بهم!!.
التأريخ يعيد نفسه. نعم، فبالأمس وبلغة التأريخ وتحديداً العام 1933، هب العراق بشيعته وسنته وجزء من العشائر الكردية متناسين خلافاتهم العميقة، يداً بيد وبمباركة بريطانيا التي كانت كافرة وأمست بين ليلة وضحاها مخلصهم المنتظر، هبوا لقتل وسلب الآشوريين المسيحيين "الكفرة" في سميل وما حاطها، لأنهم طالبوا بأن يعيشوا بسلام في أرض يحكمونها، وأن تزود قراهم ومناطق سكناهم بمستوصفات ومدارس لاأكثر. فتحمس الجميع حماساً شديداً بعد أن تدخلت بعض المرجعيات الدينية، وأشعلت فتيل الفتنة الحكومة العراقية وصحافتها اللاوطنية. فوحدت الجماهير المستغفلة كلمتها، وتجاوزت خلافاتها الطائفية والعشائرية التي كانت نارها مستعرة يومها، وبدأت بشحذ سيوفها وجز أكبر قدر من الرقاب، وسبي أعلى رقم من النساء والأطفال، لتثبت عراقيتها!!؟. ( للمزيد راجع: جرجيس فتح الله، نظرات في الحركات القومية العربية مداً وجزراً حتى العام 1970، المأساة الأشورية، الجزء الرابع، مطبعة أراس، أربيل، ص1804). وها إن التأريخ يعيد اليوم نفسه، والضحية واحدة وهو العراقي الأصيل.