المحرر موضوع: العراق بين خيارين: حكومة وحدة وطنية أو التدخل الأجنبي  (زيارة 1490 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العراق بين خيارين: حكومة وحدة وطنية أو التدخل الأجنبي
عماد هرمز 

الأزمة السياسية التي خلقتها تحركات داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في العراق في سيطرتها على مدن العراق السُّنية وضعت الكيانات السياسية وقادة العراق في وضع لا يُحسد عليه. للأسف هذه الأزمة كبيرة جدا ً لدرجة أن الحكومة العراقية تلاقي صعوبات جمة وحقيقية في التعامل معها والسيطرة عليها وبسبب هذا الضعف الحكومي وبسبب ثروة العراق النفطية والمعدنية التي كانت دائما الحافز لاستقطاب اهتمام الدول المجاورة أو الكبرى أصبح ضرورة التعامل مع هذه المشكلة من الأولويات السياسية لدول عديدة وتحولت قضية داعش، التي تهدد بتوسيع رقعة تحركاتها إلى الدول المجاورة أو حتى عالميا ً، من قضية عراقية سورية محلية إلى قضية وأزمة عالمية. وبالطبع أول المهتمين بشأن العراق هم الأمريكان الذين على أيديهم حصل التغيير السياسي في العراق من دكتاتورية صدام المدنية إلى ديمقراطية طائفية مزيفة. فما كان من الحكومة العراقية إلا أن تطلب العون من الأمريكان لمساعدتها على حل هذه الأزمة التي تبدوا جدية أكثر من ذي قبل. 
وأمام الحكومة الامريكية خيارات عدة لكن الواحد أحرج وأصعب من الاخر. وثلاث من تلك الخيارات هي عسكرية، الخيار الأول يتمثل في ارسال قوات أمريكية أو جيش أمريكي إلى العراق والخيار الثاني يتمثل في المساعدة في توجيه ضربة جوية لقوات داعش والخيار الثالث والأكثر قبولا لدى الشعب الأمريكي وبعض فئات الشعب العراقي المناهضة للوجود الأمريكي في العراق هو أن تقوم أمريكا بالمساعدة اللوجستية العسكرية للحكومة العراقية وذلك بإرسال معدات عسكرية وتقديم التدريب اللازم للجيش الوطني وخدمات عسكرية أخرى.
 أما الخيار الرابع فهو الخيار السياسي المتمثل في الوساطة الأمريكية السياسية لحل الخلافات السياسية بين الكيانات السياسية السُّنية والكيانات السياسية الشيعية والعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل أطياف الشعب العراقي بعد أن أخفق الساسة في العراق من تحقيقه. وهذا سيتطلب حدوث تغيرات جذرية في النظام السياسي الحالي في العراق قد تصل إلى حد إزالة كافة الرموز السياسية العراقية الحالية وحقن دماء سياسية جديدة من الطرفين ( السُّني والشيعي) في مجرى الدم السياسي العراقي وهذا معنها أن نشهد إزالة المالكي والهاشمي وعلاوي والجلبي والتكريتي والنجيفي وغيرهم  من الرؤوس والرموز الكبيرة ( التي جاءت مباشرة بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي) والتي للأسف لم تستطيع وعلى مدى العشر سنوات الماضية في التغلب على خلافاتهم الشخصية أو الطائفية وهذا أدى بمرور الوقت إلى استفحال مشكلة العراق الطائفية وبالتالي نشهد ما نشهده الآن من انقسام كبير ليس طائفيا فحسب بل تحول إلى انقسام في الوطن والبلد. فأصبح الشمال بأيدي الأكراد والوسط بيد السُّنة والجنوب بيد الشيعة. وهذا ما شخصه الرئيس الأمريكي أوباما عندما أوضح قائلا ً بأن القادة العراقيين لم يستطيعوا تجاوز الخلافات الطائفية بينهم، وهو ما خلق وضعاً هشاً في البلاد. وقد يتطلب التغيير السياسي في العراق إلى تحجيم تدخل المرجعيات السياسية الشيعية في السياسة مثلا ً حل التيار الصدري وتحجيم دور المجلس الإسلامي الأعلى وسيطرته على بعض القوى السياسية. بالطبع هذا الخيار صعب تحقيقه فلا أتصور بأن تلك الرموز السياسية القديمة التي خلقت مشكلة الطائفية في العراق سترتقي في تفكيرها في ليلة وضحاها وتقرر بأن تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الأخرى الطائفية أو الشخصية وتتخلى عن مراكزها وسلطتها للاعبين جدد قد يستطيعون أن يمنحوا للعراق أمل جديد وحقيقي في حياة مستقرة في العراق. 
ويرى الرئيس الأمريكي أوباما بأن الحل السياسي بين أطياف الشعب العراقي وقادته يجب أن يتحقق في العراق قبل حتى التفكير في اتخاذ أي تدخل عسكري لوضع حد لتدخل داعش في العراق وهذا ما جاء في تصريحه عندما قال "لن نشارك في عمل عسكري في غياب خطة سياسية يقدمها العراقيون". وبالطبع أصبحت أمريكا الأن في ظل الوضع الراهن الذي فيه الحكومة العراقية ضعيفة في مكان تستطيع من خلاله أن تعطي النصائح والإرشادات للقادة السياسيين حول كيفية إدارة شؤون بلادهم وكيف أنه يجب عليهم أن يتحدوا وتقع مسؤولية ما يحصل في العراق على عاتقهم وبأنه هم وحدهم القادرين على حل هذه الأزمة وبالتالي أنه "على القادة العراقيين اتخاذ قرارات صعبة والتوصل لحلول وسط للحفاظ على وحدة بلادهم". اليس هذا درس بديهي لكل قادة العالم وليس للعراقيين فقط، هل القادة العراقيين بحاجة إلى نصيحة قائد لدولة أخرى حول ما هو مطلوب منهم للقيام بدورهم بشكل صحيح وتحمل مسؤوليتهم تجاه شعبهم ومواطنيهم.   
وقد يتبادر إلى ذهن الكثير من العراقيين أو العرب عن سبب عدم رغبة أمريكا في التدخل عسكريا في العراق لحل قضية داعش وخصوصا وقد سنحت لحكومتها الفرصة الذهبية المتمثلة بطلب الحكومة العراقية بنفسها من أمريكا للتدخل والحضور إلى العراق والمساعدة للقضاء على داعش وهذا الطلب في إرسال قوات عسكرية إلى العراق تم على لسان وزير خارجية العراق هوشيار الزيباري وشخصيات أخرى من الحكومة العراقية. ودائما يتصور الكثير من العراقيين بأن أمريكا تطمح وتخطط في أن يكون لها موضع قدم في العراق لتشكل جبهة مواجهة قريبة من إيران.  لكن باعتقادي والذي حصل بعد عدة سنوات من الاحتلال، هو اكتشاف أمريكا بأن العراق اصبح أرضية إيرانية والحصول على موطأ قدم في العراق هو بحد ذاته طلب صعب المنال ولا يمكن لأمريكا تحقيقه بواسطة القوة العسكرة وتواجد جيشها فيه الذي كان مستهدف من قبل الشيعة والسُّنة.  فكان الوجود الأمريكي مرفوض من قبل السُّنة المتمثل في تنظيم القاعدة الذين كان ينظر إلى الجيش الأمريكي على أنه احتلال لأرض العراق وكذلك حاربت مليشيات الصدر المتمثلة بجيش المهدي بالتحديد الوجود الأمريكي المحتل في العراق. وهذا التناحر بين الطائفتين كان سلبيا ً على الوجود الأمريكي حيث كان الاثنين في صراع دائم وهذا يعني وجود مليشيات بشكل دائم ومتواصل في العراق في حوزتها السلاح اللازم لمحاربة القوات الأمريكية. وعليه يمكن القول بأن أمريكا تعلمت درسها في العراق ووصلت إلى قناعة بأنها مهما حاولت القيام به في العراق لإصلاح الأمور فأن شدة الصراع الطائفي في العراق أكبر من قوتها العسكرية  وهذا ما عكس في خطاب الرئيس الأمريكي عندما صرح موضحا ً إنه لن يكون هناك تأثير لأي دعم من دون استقرار داخلي في العراق. وكذلك في جوابه ورده على طلب العراق في المساعدة مع قضية داعش الذي كان واضح وصريح عندما أوضح قائلا ً بأنه لا جدوى من أي عمل عسكري من دون وجود اتفاق بين الفصائل في العراق.  
وفي مطالعتي عن رأي الأخوة العراقيين من الطائفة السُّنية فوجدت بأن نظرة السنة لداعش أو للمليشيات السنية هي نظرة دفاع عن الذات وعن الوجود السُّني وحقوقهم في العراق وهذا ما صرح به نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في مقابلة مع قناة الحدث حيث قال "إذا كان الدفاع عن أعراض السُّنة، وعن الشباب المعتقلين. وإذا كان الدفاع عن أعراضهم ومعتقداتهم، وهويتهم يعتبرها الطرف الآخر تطرفا وإرهابا... فليسمع العالم كله أن طارق الهاشمي هو أول الإرهابيين". والطامة الكبرى والمعضلة الحقيقة في العراق التي تستفز كل عراقي وطني سُّني هو التواجد الإيراني الكثيف في العراق وتدخله المباشر في سياسية العراق بتحكمه ببعض الرموز السياسية الرئيسية وللأسف بمباركة المرجعيات الشيعية. ورأيت بأن لا مانع لدى الكثير من السُّنة أو الأطياف الأخرى في أن يحكم الدولة رجل شيعي لكن بشرط أن تكون الحكومة وطنية ولا تسمح بوجود غريب على أرضهم،  يمدهم بالعون الاستخباراتي ضد أبناء الشعب الواحد ويسرق موارد العراق كما تقوم به إيران في العراق، فهذا مرفوض شكليا وضمنيا وعليه يرى المقاتلين السُّنة سواء الذين يقاتلون مع داعش أو في مليشيات سُّنية بأن قتالهم ضد الحكومة هو عمل مشروع لأنهم يحاربون حكومة خائنة اقترفت خطأ فضيع في إيوائها للغريب والذي يعتبر بحد ذاته خيانة لبلدهم ووطنهم في سماحها للغرباء في بناء عش لهم داخل ارض الوطن وعليه يجب مقاتلة تلك الحكومة وجيشها وليس جيش العراق. فهم لا يقصدون محاربة الجيش العراقي لكنهم يسعون لمحاربة جيش يحاول التستر على الأجنبي وهو بالتالي كما يظنون ليس جيش عراقي وطني بل هو جيش شيعي لإيوائه الإيرانيين في العراق. وللأسف إذا شاهدت الإعلام العراقي وخصوصا قناة العراقية ستجد بأن الجيش العراقي يروج عن نفسه على انه جيش شيعي فكلما انتصر الجيش نجد شعارات شيعية تطلق من حناجر المقاتلين ونرى صور للمراجع الدينية الشيعية تُعلن وترفع هنا وهناك وهذا استفزاز بحد ذاته لكل القوى الوطنية رغم محاولة الحكومة عكس غير ذلك. 
وبالتأكيد اضم صوتي لصوت وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي صرح في لقاء مع المحطة الاخبارية الفرنسية "بي إف ام"، بأن "فرنسا تدعو العراق الى تشكيل "حكومة وحدة وطنية" سواء كانت بوجود نوري المالكي أو بدونه، المهم أن يتم تشكيلها بأقرب وقت. وأعطى نصيحته للقادة في العراق بأنهم إذا أرادوا مقاومة الارهاب فلابد من قيام الوحدة الوطنية العراقية حتى تستطيع مجابهة الارهاب.  ووصف لوران الوضع في العراق بأنه كارثي وخطير. وانتقد المالكي من حيث أنه لم يرفض التحالف مع العشائر السُّنية فحسب بل "لاحقها بطريقة غير مناسبة على الإطلاق". وعبر عن قلقه من ناحية استحواذ وسيطرة داعش على المصادر النفطية العراقية عندما صرح فابيوس قائلا ً "إنها المرة الأولى التي تهدد مجموعة إرهابية بالسيطرة على دولة تملك ثروات نفطية"، موضحاً أن ذلك "لن يعني أن العراق سيتفكك فحسب أو سيشتعل، بل المنطقة برمتها وتالياً أوروبا والعالم بأسره كما يبدو سيتأثر أيضًا".
فيا ترى هل أضاع العراق فرصته في العيش بأمان وسلام وحكومة وحدة وطنية وتصالح بين الشيعة والسُّنة كما قال الرئيس الأمريكي أوباما في تصريح له لشبكة "سي ان ان" قائلا "منحنا العراق فرصة لإقامة نظام ديموقراطي شامل وليعمل فوق خطوط الطائفية لتأمين مستقبل أفضل لأطفالهم، ولكن مع الأسف شهدنا انهيارا في الثقة" وبالطبع يقصد بالثقة بين الطائفتين الرئيسيتين في العراق السُّنة والشيعية. وهل بالفعل وكما صرح أوباما أيضا ً بانه "ليست هناك قوة نار أميركية ستكون قادرة على إبقاء البلد موحدا" فهل هذا معناه بأننا خسرنا الأمل في الحصول على وساطة دولية لحل أزمة الانشقاق والانفصال والتفكك الحاصل بين مكونات الشعب العراقي وهل بالفعل يجب أن نفقد الأمل في الوحدة الوطنية. 
والاستنتاج الوحيد الذي يمكن استخلاصه من تصريحات قادة الدول وقادة العراق الوطنيين المخلصين هو أن جسم العراق بحاجة إلى دواء واحد فقط لشفاء مرضه الذي فتك بأعضائه وهذا الدواء هو "حكومة وحدة وطنية" الذي يمكن حقنه في جسم العراق عن طريق وريد المصالحة الوطنية بين الطائفتين السُّنية والشيعية وحماية بقية مكونات الشعب من الأقليات.