المحرر موضوع: † مذبحـة صوريـا ، محطـة الشّهادة في تاريخ الكلـدان الحديث !!! †  (زيارة 2138 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل النوهدري

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 24150
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
مذبحة صوريا ، محطة الشهادة في تاريخ الكلدان الحديث :
 بقلم / سعد عليبك
 الثلاثاء : 16 ـ 09 ـ 2014
 تمر علينا هذا اليوم الذكرى التاسعة والثلاثون للمجزرة النكراء التي نفذت بحق ابناء شعبنا الكلداني المسالم
 في قرية صوريا الكلدانية التي راح ضحيتها العشرات من الابرياء اطفالاً ونساءاً وشيوخاً بالاضافة الى العشرات من الجرحى والمعوقين ..
 هؤلاء الأبرياء لم يكونوا مسلحين او مفتعلين لأعمال تقلق وتزعج النظام الفاشي الحاكم في حينه ،
 ذنبهم الوحيد هو ان قريتهم المنكوبة كانت تقع على طريق سير القوافل العسكرية التي يتحكم بقيادتها جلاوزة
 النظام البعثي المنحلّ ؛ والمتعطشة للدماء ، ليصبحوا ابناءها بذلك صيداً سهلاً لوحوش كاسرة دون رحمة
 او وخزة ضمير او مخافة الخالق .
 هكذا اصبح اهالي صوريا الابرياء ضحية حقد وغرور الاوغاد ، فرَوَوا تراب قريتهم بدمائهم الزكية ،
 ليسطّر التاريخ عن امة الكلدان العريقة ، سِفراً آخراً في الشهادة ، ولتبدأ من بعدها المجازر والمذابح
 بحق العراقيين جميعاً بكافة قومياتهم ومذاهبهم .
 بهذه المناسبة الاليمة ترجع بنا الذاكرة الى قرية صوريا الشهيدة وتستحضرنا بعض تفاصيل المذبحة في ذلك اليوم المشؤوم حسب ما روى عنها زوارها وشهود عيان و سكان القرية المغلوب على أمرهم :
 تقع قرية صوريا ( 113كم شمال الموصل ) في الجنوب الغربي من السهل السليفاني وعلى ضفاف
نهر دجلة .. مركزها الاداري هي ناحية العاصي ( باتيل حاليا ) في قضاء زاخو في محافظة دهوك / العراق .اسباب المذبحة *1:
 كان مقر الفوج العسكري في مركز ناحية السليفاني" عاصي " سابقاُ ، وفي صباح كل يوم ثلاثاء كانت هناك مفرزة تخرج من العاصي متوجهة الى قرية فيشخابور في المثلث الحدودي ( العراقي السوري التركي ) ، وكانت هذه المفرزة تمر بعدة قرى في السهل السليفاني ومن ضمنها قرية صوريا الكلدانية .
 وفي صباح يوم الثلاثاء 16 ـ 09 ـ 1969 ؛ مرت المفرزة المؤلفة من ( اربعة عجلات ) * 2
 ( حيث كانت هذه المفرزة بأمرة الملازم ثاني عبد الكريم خليل الجحيشي) كعادتها بهذه القرى
 ووصلت الى قرية صوريا ومكثت المفرزة بعض الوقت في القرية ورحب بهم اهالي القرية وقدموا لهم ما وجد
 لديهم من مأكل و مشرب . وبعد مغادرة المفرزة لقرية صوريا وعلى بعد حوالي خمسة كيلومترات انفجر لغم تحت احدى عجلات المفرزة . ولم يحدث الانفجار اية اضرار بشرية بالمفرزة .
 أمر الملازم عبد الكريم الجحيشي بالتوجه الى قرية صوريا ثانية وجمعوا اهالي القرية في حضيرة للحيوانات
 وقام الجنود بتنفيذ اوامره ؛ وتم تطويق القرية من قبل الجنود وكان في نفس اليوم قد وصل القس حنا بيث قاشا
 من زاخو الى القرية .. وعن تفاصيل المذبحة يقول احد الناجين من ابنائها واسمه هرمز * 3 :
 « عندما كان الجنود يجبرون سكان القرية باعقاب وحراب بنادقهم كان البعض يفكر بالفرار ؛ الاّ ان الاب حنا قاشا الذي لم يدرك بأنّ وحوشاً كهؤلاء و سادتهم في بغداد ؛ ليس لهم مثيل على هذه الارض على
الاطلاق ، نصح بعدم القيام بهذه المحاولة وطلب من سكان القرية ان يتجملوا بالصبر ويركنوا الى الهدوء وبعد لحظات حينما أتم الجنود جمع سكان القرية سحب الملازم الجحيشي اقسام رشاشه . في هذه اللحظة ادركت « ليلى » آبنة المختار ما سيحصل فقفزت عليه وامسكت بماسورة الكلاشينكوف بقوة وحينما ادرك الملازم استحالة آنتزاع الغدّارة من قبضتها سحب مسدسه واطلق النار على رأسها فأرداها قتيلة في الحال ،
 ثم بدأ باطلاق النار من رشاشه على المدنيين من دون تمييز وكلما نفذت رصاصاته استبدل مخزن الرشاش بمخزن جديد وراح يواصل اطلاق النار حتى اذا ما تأكد بأنه لم يبق إنسان قائما امامه ؛ اصدر اوامره الى الجنود المحيطين به بأن يبقروا الاجساد المثخنة بالجراح بحراب بنادقهم ويضرموا النار في بيوت القرية والسور المحيط بها لكي يحولوا دون محاولة بعض الناجين من الفرار .
 " هرمز " يكبح دموعه ويلوذ بالصمت لثوان عدة ثم يقول : « لقد كنت اشعر بانني كنت ادفن تحت اكداس من الاجساد التي كانت تسقط تحت وابل الرصاص . والمشكلة الكبرى التي واجهناها بعد هذه المذبحة انقاذ الجرحى والعثور على بعض منهم ممن هام على وجهه في البراري .
 سكان القرية المجاورة الذين هبوا لانقاذ الجرحى واوصلوهم الى المدن القريبة جوبهوا برفض مسؤولي المستشفيات تقديم العلاج لهؤلاء الضحايا ؛ ولولا تدخل بعض الاطباء والشخصيات المحلية – بعضها طبعا – المتنفذة لما تم ادخالهم الى غرف العمليات واجنحة هذه المستشفيات والكثير من الاطفال الذين نجو من هذه المجزرة باعجوبة تشبثوا بجثث ذويهم واخوتهم لساعات طويلة ولم يفارقوا مكان المجزرة الا بعد ان فصلوا عن الجثث بقوة ، في هذه الاثناء كان الجنود يمنعون الناس من الوصول الى موقع الجريمة لدفن الموتى وتركوا أجساد الضحايا لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال كاملة ما جعلها فريسة الطيور الكاسرة والكلاب السائبة .
 ويقول الكاتب " شوقي بدري " * 4 :
 في وصفه لاحداث المذبحة : (( انه فى 16 ايلول 1969 ؛حدثت مذبحه صوريا فى بدايه وصول صدام للسلطه .. فلقد آنفجر لغم فى سياره عسكريه بالقرب من قريه صوريا . وبالطريقه النازيه التى كان يمارسها الألمـان فى البلاد المحتله آتّجه الجيش لأقرب قريه وجمعوا كل الناس وطلبوا منهم ان يأتوا بمن وضع اللغم .
 ولم يشفع لهم قولهم بانهم فلاحون مسيحيون ليس لهم درايه باستعمال السلاح . وتصادف ان كان القس
 فى زياره الى القرية ، فحاول ان يتوسط ويناشد الضابط عبد الكريم الجحيشي ؛ فقال الضابط لرجاله بما
معناه ( هذا الكلب الاسود آرموه اولاً ) . اشاره الى رداء القس الاسود .
 فى زيارتى للقرية ( لا زال الكلام للكاتب المذكور اعلاه ) تحدثت مع العجوز بطرس والشاب عماد ,
 ووسط شعور الالم والاحساس بالمراره تكونت عندى صوره واعطونى كتيب مذبحه صوريا باللغه الكرديه .
 وما عرفته منهم ان آبنـه المختار ليلى اندفعت تستجدى الضابط عبد الكريم لكى لا يقتل والدها المختار ,
 الاّ أنّ الضابط اطلق النار على والدها وصرعه فهجمت ليلى عليه وانتزعت رشاشته فقاموا بقتلها ؛
 وعقاباً لها أُلقيت فى النار بعد أنْ أحرقوا القريه .. ولم يكتفي المجرم القاتل بهذه الجريمةالبشعة ، بل اعطى اوامره للجنود بحرق المحصول الموجود في كل بيت وقتل المواشي في القرية . ومات عدد كبير من الجرحى نتيجة إصابتهم بحروق وعدم استطاعتهم الهرب من القرية )) .
 بعد تنفيذ المجرم الجحيشي وجلاوزته لهذه الجريمة الشنعاء لم تشبع غريزتهم ، بل راجعوا مستوصف ناحية العاصي وأمـروا موظفي المستوصف بعدم اسعاف الجرحى ، وفعلاً نفذت أوامره خوفاً من بطشه وتهديداته .
 ومن اللذين نجوا من المذبحه الطفل سمير الذى لم يزد عمره عن اربعين يوماً وجدوه حياً بين الجثث فى اليوم الآخر وكانت أمّــهُ قد حمته بجسمها . أمّـا والده منصور وشقيقته سميره فلقد تصادف انهما كانا فى بلدة زاخو الكبيره .ولنستمع الى ما قاله المرحوم البرزانى : * 5
عن هذه الجريمة فى احدى مذكراته الى هيئه الامم المتحده .. ( وابيد فى يوم 16 ايلول 1969 ، 97 مواطناً
 قتلاً وجرحاً هم كل سكان قريه صوريا غرب زاخو . وقذف الجنود بالاطفال منهم وهم فى مهودهم الى الماء
 فغرقوا فى النهر. وكان القس الكلدانى حنا قاشا بين القتلى ايضاً . )) .
 وعندما نستذكر شهداء صوريا ، تحضرنا قصص وصور الشهادة لأبناء هذه الأمة العريقة خلال العصور التي توالت بعد سقوط المملكة الكلدانية ق.م والى وقتنا الحاضر، كمذابح الملك الفارسي شاهبور في سنة 339م والتي آمتدت نحو اربعة عقود من الزمن ، وثم مذابح التتر والمغول سنة 1258م وصولا الى مذابح السلطان عبدالحميد منذ سنة 1895م وما بعدها والتي شملت ( مذابح وقتل الآلاف في قرى علي بكار ونصيبين* 6 :
 والقوافل في 10 ، 11 ، 15 حزيران 1915 ، ومذبحة سعرت و شهادة المطران أدي شير * 7 :
في 17 حزيران 1915 ، ومذبحة حوزة وباتة * 8 :
 بين الاعوام 1914-1916م ، مذابح نصيبين ودارا في 15 حزيران في العام 1916م . وكذلك كل الذين استشهدوا بعد تأسيس دولة العراق ، الى ضحايا صدام وزمرته في حروبهم المتعددة ثم احداث السنوات الاخيرة التي شهدت هجمات شرسة من قبل الارهابيين وقوى الشر والظلاميين الراديكاليين ضد الكلدان والتي شملت تفجير الكنائس وخطف وقتل المئات من أبناءه منهم الأب الشهيد رغيد كني ورفاقه الشمامسة وحيد وبسمان وغسان في الموصل بتاريخ 3/6/2007 ، واستشهاد مرافقي المطران رحو اثناء اختطافه ، سمير وفارس ورامي في الموصل بتاريخ 29 ـ 02 ـ 2008 . ثم استشهاد المطران مار بولص فرج رحو في 13 ـ 03 ـ 2008 ، وبهذه الذكرى الاليمة نشعل الشموع على الارواح الطاهرة لشهداء أمتنا الكلدانية . مبتهلين الى الرب ان ينعم عليهم في ملكوته حيث الملائكة والقديسين ، ونضع اكاليل الزهور على أضرحتهم اكراماً و اجلالاً لدمائهم الزكية التي اريقت على تراب هذه الارض المقدسة من اجل زرع
بذرة المحبة والسلام في قلوب أبناءه .
 لنجعل من ذكرى مذبحة صوريا ، هذه المحطة المؤلمة من تاريخ أمتنا الكلدانية ، رمزاً خالداً ويوماً مميزاً وتذكاراً للآلاف من شهدائنا الابرار الذين ذبحوا وأُعدموا بمزاج تفوقي عنصري وبطريقة وحشية ، فهذا أقل واجب يمليه علينا ضميرنا تجاه التضحيات الكبيرة وملاحم الشهادة التي سطرها أبناء أمتنا على مر العصور .
saad_touma@hotmail.com
 الهوامش
 1- عن مقال صلاح زورو حول مجزرة صوريا ( في مجلة نجم بيث نهرين )
 2- الكاتب حميد المالكي ( مذبحة صوريا ) .
 3- نفس المصدر اعلاه .
 4- الكاتب شوقي بدري ( العراق .. المسيحيين ومذابحهم )
 5- نفس المصدر اعلاه .
 6- عن كتاب القصارى في نكبات النصارى للأب أسحق السرياني .
 7- الشماس نوري مندو / شهادات موثقة تشير الى استشهاد المطران أدي شير .
 8- عن كتاب القصارى في نكبات النصارى للأب أسحق السرياني .
http://www.kaldaya.net/2008/articles...SaadTouma.html