نظرية المؤامرة ،والعرب؟
بإعتبار اليوم أن غالبية منطقة الشرق الأوسط ،يعرفون أنفسهم كعرب ،لذلك من الجدير بكتابة بحث ،ولو قصير عن نظرية المؤامرة في الثقافة العربية؟
سآخذ نقطة البداية الربع الأول من القرن العشرين ،الإنطلاقة كانت أعوام الثورة العربية الكبرى،ثورة الشريف الحسين ١٩٠٦-١٩١٦.
لكن تبلور الفكر القومي العربي الحديث ،تبلور على يد ميشيل عفلق ،ورفاقه اللذين أسسوا ،وتبنوا الفكر العربي القومي الشامل لكل بلدان الشرق الأوسط ،فكر شمولي أقصائي ،ليس مكان للآخر المختلف فيه ،وإن وجد المختلف فهو جزء من مؤامرة.
وبالعودة لحياة عفلق ،نراه تسلق على أكتاف طائفته أول الأمر ،وليدخل قبة البرلمان السوري ،كممثل لطائفة الروم،لكن هل كان أميناً للذين أنتخبوه ،ليس ذلك مهم عنده ،فقد وصل البرلمان ،يعني فرصة أكبر لإفكاره ،وأماله.
طرح المشروع القومي العربي بقوة ،وأراد بعثه من جديد بصيغة عصرية وربطه بالإسلام ،وجعل العلاقة بينهما متلازمة ،ووضع الأسس النظرية لفكره هذا ،ووجد التربة الخصبة له في كل العالم العربي ،وكانت سوريا والعراق ساحتي التطبيق العملي لذلك الفكر.
وبالرغم من أن تطبيق الفكر القومي العربي ،بدا علماني الملامح ،لكن بالباطن كان أصولياً متزمتاً دينياَ ،بحيث لم يكن هناك أي فصل للدين عن الدولة ،قوانين على الورق،لكن بالحقيقة الفرز هو ديني غير متكافئ للجميع.
لذلك من الطبيعي جداً ،أن تجد أن الفكر القومي العربي ،لم يتقبل الآخر مهما كان ،محلياً أو عالمياً ،فالشيوعي قتل،وتم ربطه بالمعسكر الشرقي لإختلافه الفكري ،والليبرالي ،أو الفكر الحر تم تصفيته ،وتم ربطه بالمعسكرالغربي.
وبين هذا وذاك ،لم يتركوا أي وسيلة لتدمير كل مختلف ،ليصلوا للحزب الشمولي.
شخصياً أعتبر عبد الناصر هو أحد أبناء هذا الفكر،وهو من خيرة من يمثلونه ،كان قومياً عربياً ،لكن حقيقة كان متديناَ قضى على كل آمال دولة المواطنة ،وفرز مواطني دولته على أساس الأنتماء الديني ،لا بل حافظ على سياسة التمييز العنصرية تجاه الأقباط بشكل خاص في مصر ،وباتجاه المسيحيين في سوريا أيام الوحدة.
وبإعتبار أن الفكر القومي العربي كان ولا يزال يعتمد هذا التلازم بين العروبة والإسلام ،فقد ورث أيضاً فكر تكفير الآخر المختلف ،قومياً ،دينيا ،عقائدياً،أو أي إختلاف كان ،ويتم التعامل مع المختلف بقسوة وبطش ،وكله من أجل المعركة الكبرى ،وأية معركة هي ،الله أعلم.
التهم جاهزة لكل مختلف ،تبدأ بالشيوعي عدو الله ،وأي آخر هو من أتباع الأمبريالية والصهيونية،وما بينهما وضعت خانة تحوي من تريد بأسم الرجعية العربية.
وبهذا عزل هذا الفكر نفسه عن العالم أجمع ،وتبع خطوات الفكر النازي القومي ،أو الفاشي.وهذا العزل جعل بقية العالم كله أعداءً ،وأنهم يتآمرون في كل حين للنيل من العروبة والإسلام.
وأني أرى اليوم أن كل الحركات الأصولية الأسلامية ،وبمختلف تسمياتها ،من داعش ،إلى القاعدة ،مروراً بالنصرة،كلهم وليدة هذا الفكر الأقصائي ،الفكر الذي ترعرع في مدرسة ميشيل عفلق القومية.
إن الفكر الإسلامي الذي أعتمده عفلق للنهوض بالفكر القومي العربي ،هو الأشد تطرفاً في التاريخ ،حتى من تاريخ بعث الإسلام نفسه.
لذلك تدفع المنطقة اليوم ثمن ذلك ،ومع ذلك لا زال ينظر للأمر بأنه مؤامرة
ولليوم الفئة القوية التي تحكم وتتسلط عنوة هي الجهة المدمرة لكل طاقات الأوطان ،كأنهم هم جزء من المؤامرة التي يدعونها،.ناسين أن العالم كله قائم على صراع المصالح ،وسوق العرض والطلب.
يبدو أن سوق القومية قد كسد ،والمعروض اليوم هو ديني عقائدي فمن له المصلحة أن يبيع ،أو يشتري،وأتذكرك أيها المعري بأنك لم تجن على أحد ،لكن أقول ما تزرع أياه تحصد؟
