المحرر موضوع: العراق بين قضبان الفساد؟  (زيارة 2402 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عماد هرمز

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 292
  • الجنس: ذكر
  • مترجم وكاتب وسياسي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العراق بين قضبان الفساد؟
عماد هرمز 
ملبورن / استراليا

الفساد بكل أشكاله هو سرطان المجتمعات المتحضرة ويؤدي انتشاره إلى تدمير نسيج البلد المصاب وشل نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.  لذلك تحاول المجتمعات المتمدنة محاربته ومكافحته من خلال تجريمه وإنزال اقصى العقوبات بمرتكبيه من المفسدين. وتحتفل الأمم المتحدة في التاسع من شهر كانون الأول / ديسمبر باليوم العالمي لمناهضة الفساد في العالم تشن الأمم المتحدة في هذه اليوم حملة لمكافحة الفساد في العالم رافعة شعار "حطموا سلسلة الفساد". والفساد تتعدد اشكاله وأنواعه وعليه تتعدد تعريفاته. فبحسب تعريف معجم أوكسفورد الإنكليزي فأن الفساد هو "انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة"، وتعرفه منظمة الشفافية العالمية بأنه "استغلال السلطة من اجل المنفعة الخاصة". اما البنك الدولي فيعرّفه بأنه "اساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص". ويعرف الدكتور صبري محمد خليل وهو أستاذ الفلسفة في جامعة الخرطوم الفساد على أنه " اصطلاحاً تتعدد تعريفاته، لكن هذه التعريفات تشترك في وصفه بانه إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص" وعليه بحسب دكتور صبري فأن الفساد "يحدث في العادة عندما يقوم موظف بقبول او طلب ابتزاز او رشوة لتسهيل عقد او اجراء طرح لمنافسة عامة، كما يتم عندما يعرض وكلاء او وسطاء لشركات او اعمال خاصة بتقديم رشى للاستفادة من سياسات او اجراءات عامة للتغلب على منافسين وتحقيق ارباح خارج إطار القوانين المرعية. كما يمكن للفساد ان يحصل عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء الى الرشوة وذلك بتعيين الاقارب او سرقة اموال الدولة مباشرة. ومن خلال هذه التعريفات يتبين لنا ان للفساد صور واشكال متعددة منها الرشوة والمحسوبية المحاباة والواسطة وسرقه المال العام والابتزاز والتقاعس عن اداء الواجب وعرقلة مصالح المواطنين". وهناك امثلة كثيرة منها في العراق الذي بحسب الكثير أصبح الفساد نمط من أنماط الحياة وجزء من النظام الاجتماعي الجديد في العراق.

ليس من الصعب على أي مواطن عراقي سواء كان يعيش في الوطن أو المغترب أن يدرك بأن سرطان الفساد، وللأسف، قد أصاب جسد العراق وبدأ ينخر في نسيجه الاجتماعي ليضيف هذا المرض ثقل إضافي على كاهل العراق الذي يعاني من مرض الإرهاب الطائفي. فانتقال السلطة من دكتاتور له سلطة مطلقة على المال العام كما كان في عهد الطاغية صدام حسين إلى أيدي ساسة عراقيين تختلف انتماءاتهم الحزبية والفكرية والعقائدية التي تحولت لتصبح وقود للفساد وأصبح الفساد الإداري سلاح بأيدي الطامعين في النفوذ والسلطة يستخدمونه كعتبة يضعونها على اكتاف الشعب العراقي ليتسلقوا سلم السلطة إلى اعلى المناصب فتراهم يغذون عجلة الفساد في البلد من خلال التصرف بالمال العام بشكل يكون بعض الأحيان بعيد كل البعد عن الأخلاق لرجل وظيفته العمل لأجل المصلحة العامة وحماية مصالح الشعب والدولة الإدارية منها والمالية.  تفشى الفساد بشكل كبير في العراق لدرجة أن دفاتر الحسابات أصبحت غير صالحة للاستعمال لأن الأرقام فيها أصبحت بعيدة عن منطق الرياضيات في الجمع والطرح وأصبحت البيانات الحسابية وكشوفات البنوك لا معنى لها ولا تفسر الهدر الكبير الذي يحصل في أموال الدولة. وعليه وفي أكثر من مناسبة يتساءل المواطن العراقي أين ذهبت مليارات العراق من عائدات النفط؟ فبحسب الحسابات الرياضية المنطقية، وفي الرياضيات الأرقام لا يمكن تحويرها، فأن الكشف العام من الدخل القومي والمصروف القومي يجب أن يتطابقان ويجب أن تسجل الكشوفات الحسابية كل الوقائع المالية. فبحسب المنطق الرياضي وعندما كان سعر البرميل من النفط الخام في أوج قممه، لم نرى أو يشهد العراق مشاريع تفسر ضياع أموال الشعب وعليه نرى بأن العراق شبه يتراوح في محله ولم يتقدم خطوة كبيرة يمكن احتسابها ضمن فئة التطور المدني أو الحضاري أو المعماري أو الاجتماعي. 

وهناك الكثير من المزاعم التي تشير إلى أن الفساد انتشر واستفحل في عهد حكم المالكي الذي طال ثمان سنوات.  وهناك من يلقي باللوم على المالكي وحده في تشجيعه لهذه الظاهرة وبالتالي خلق ثقافة الرشاوي وأصبح العراق يُدار على أساس قابلية الدفع وليس احقية المواطن للخدمات المتوفرة وهذا تسبب في خلل في النظام الإداري في العراق وتسبب في تسيب في الإدارة وبالتالي شجع هذا في السماح بالتلاعب في ممتلكات وأموال الدولة وسرقتها من قبل من ليس لديهم وازع ضمير ولا يكترثون لمصلحة الشعب العراقي. لكن هل من الصحيح أن نلقي اللوم بالكامل على شخص واحد ونتصور بأنه كان من القوة بحيث استطاع استغلالها في خلق هذه الظاهرة الرهيبة، وبالتالي كان قادر على تدمير العراق بزرعه للفساد؟ وما دور الشعب في ذلك. أنا براي لكي يزرع المالكي أو أي مفسد أو قائد سياسي بذور الفساد في تربة أي دولة أو العراق وهنا نقصد بالتربة الشعب العراقي، يحتاج ذلك القائد إلى تربة خصبة وارضية تتلقى تلك البذور وتنميها وعليه فأنا برأي فأن شعب العراق كان تربة خصبة للفساد وكان ذلك بسب الظروف الصعبة التي مر بها من حرمان وطغيان في عهد الأنظمة الدكتاتورية البائدة التي حرثت فيه كثيرا من الفساد وبالتالي كان تربة خصبة لنشر الفساد في ربوعه.

وبحسب موقع حراك ((فقد أفادت دراسة أطلقها برنامج الأمم المتحدة الانمائي، في وقت سابق، ان نسب الفساد الاداري في العراق مرتفعة وتتزايد باضطراد، وان نحو 60 بالمائة من موظفي الخدمة المدنية في العراق يتعاطون الرشاوى، كما ان العراقي يضطر إلى دفع الرشوة أربع مرات في السنة، بحسب دراسة انجزتها لجنة النزاهة العراقية بدعم من الجهاز المركزي للإحصاء، وركزت على “الفساد والنزاهة في القطاع العام العراقي")). هذا التقرير يكشف حجم انتشار ظاهرة الرشوة في العراق عن وجود أو خلق ثقافة الرشوة في مختلف شرائح العراق وهذه الثقافة من أخطر أنواع الثقافات في المجتمعات.  فهي ثقافة تدميرية لقيم الأنسان وأخلاقه وهي كالمرض المعدي إذا اصابت فئة معينة تنتقل كالفايروس إلى كل شرائح المجتمع ومؤسساته الخدمية فتراها تطبق من أصغر وظيفة وحتى أكبر وظيفة حكومية. وتنتشر حلقاتها مثل حلقات الماء عندما ترمي بحجرة في مياه راكدة. فأن الرشوة تنتشر بنفس الطريقة مولدة أثار مدمرة ونتائج سلبية في كل منطق تصلها هذه الإثار تتراوح بين سلب حقوق المواطن وهدر لأموال الشعب. حيث أنها تعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات لأن إنجازها يتم بطرق غير شرعية وغير قانونية وبالتالي تؤثر على مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب.  الظلم والاستغلال والتملق والنميمة والخداع والمراوغة هي من مقومات الرشوة وإذا زرعت في المجتمع فأن المجتمع لا محالة مُقدم على كارثة اجتماعية حقيقية مدمرة لمقومات المجتمع الإنساني المتحضر.   

بالطبع كان نوع من المفاجئة في أن يصرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم الاثنين المصادف الثامن من شهر كانون الأول / ديسمبر 2014، وبحسب ما ورد على موقع "فرانس بريس" بأنه عازم على محاربة آفة الفساد ولو كلفه الأمر حياته على حد تعبيره واعتبر العبادي بأن الفساد تهديد يضاهي الإرهاب. تصريح العبادي هذا له معانيه الكبيرة ومدلولاته الخطيرة. فمن معانيه الواضحة هو أن الفساد بات متفشيا ً بشكل كبير في ربوع وأروقة المؤسسات الحكومية وأنه متشعب بشكل كبير ووصلت تشعباته إلى كل دوائر الدولة الصغيرة والكبيرة وانه مزمن ومتفحل في نفوس الضعفاء من أبناء شعبنا. ويظهر تعليق العبادي مدى وعمق ودرجة تفشي الفساد في صفوف القادة السياسيين وغيرهم ذوي النفوذ الكبير في العراق لدرجة أن رئيس الوزراء الجديد وبعد ثلاثة أشهر فقط من استلامه للسلطة، حيث كان العبادي قد استلم حيدر العبادي السلطة في شهر أيلول/ سبتمبر 2014، يعلن بأنه أعلن الحرب على الفساد. فمعنى هذا أن رئيس الوزراء قد وضع الفساد في قمة أجندته كرئيس وزراء واعطاها الأولوية الكبرى وهذا دليل على مدى تفشي ظاهرة الفساد في العراق وتأثيرها على النظام السياسي في العراق.  وفي الآونة الأخيرة شهدنا تحرك العبادي بشكل كبير من أجل تطهير العراق من مخلفات الفساد الإداري حيث أقال الكثير من المسؤولين الحكوميين أو العسكريين وأحدث تغييرات إدارية كبيرة في العراق.

ومن مدلولاته أيضا ً هو أن الفساد ليس مقتصرا على المستويات الأدنى من المؤسسات الحكومية بل انتشرت عدواه لتصيب رأس العراق وبالتالي أصابت القادة أو المسؤولين الحكوميين ووصل إلى اعلى المراتب الحكومية أو العسكرية ولهذا نرى العبادي يصرح " لقد بدأنا بالحيتان الكبيرة في مكافحة المفسدين". ويبدوا من تصريح العبادي بأنه مقبل على حرب كبيرة على الفساد لأنه قرر البدء من الأعلى ونزولا إلى الأسفل وبذلك نرى العبادي قد استهل معركته بالحيتان الكبيرة ويبدوا من تصريحه بأنه على دراية كافية وعلم بأنه يعرض حياته للخطر لأن المفسدين سيحاولون ما بوسعهم للوقوف بوجهه وتجنب أي محاولة من رئيس الوزراء أو حكومته بفضح أعمالهم الدنيئة الخسيسة من سرقة أموال الشعب والتلاعب بممتلكاته من دون حق واستغلال سلطتهم ونفوذهم بدون مسؤولية لأجل مصلحتهم الذاتية بدلا من خدمة الشعب ومصلحته. هذا التهديد والتخوف من رد فعل الفاسدين أكده النائب عن التحالف الكردستاني، وعضو لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي، أردلان نور الدين، في تصريح صحفي لأحدى وسائل الإعلام ((بأن "في حال فتح أي تحقيق حول ملفات الفساد في العراق، فعلينا أن نتوقع ألا يمر الأمر من دون عقبات، لأن مصالح كثير من الشخصيات ستكون في خطر". وذكر البرلماني العراقي، إنه "من دون شك هناك قضايا فساد عديدة وكثيرة نفذت في الثمان سنوات الماضية في جميع مفاصل الدولة، وهي بحاجة إلى فتح تحقيق عنها ومعاقبة المتورطين فيها".))

ولأن الفساد الإداري له علاقة بالنزاهة فقد تم تشكيل هيئة النزاهة العراقية بعد سقوط الدكتاتور مباشرة وهي هيئة تتمتع باستقلالية إدارية ومالية وتخضع لرقابة مجلس النواب. هيئة النزاهة كانت ولا زالت دؤوبة على الإمساك بزمام الأمور الإدارية لمنع او التقليل من الفساد وعليه فأن من مهام الهيئة هو "منع الفساد ومكافحته، واعتماد الشفافية في إدارة شؤون الحكم على جميع المستويات". ومن جهتها قالت مصادر في لجنة النزاهة البرلمانية، أن الملفات والتحقيقات في قضايا الفساد خلال فترة ولايتي المالكي لحكومتين متعاقبتين، لا تحمل نوايا سياسية، إنما هي من صلب مهام مجلس النواب، واللجان التابعة له. وهذا قد يفسر على مدى حذر هذه الهيئة في تصريحاتها لكيلا ً تُهاجم من قبل أصحاب النفوذ. لكن تبقى مهمة تطبيق النزاهة حرجا ً في العراق رغم السلطات المسموحة لها ففي تصريح لإيلاف أكد موسى فرج، رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق، ((أن قادة الفساد هم الساسة والحكوميون الكبار، مشددًا على أن هذا الفساد كان في مقدمة الأسباب التي أفضت إلى سقوط ثلث العراق بيد داعش، موضحًا أن الساسة اختزلوا الشعب العراقي بالمكونات والمكوّن بالأحزاب والحزب بالمقربين والمقربين بالبطانة. وشدد فرج في حديث مع "إيلاف" على أن الفساد موجود في مختلف دول العالم وفي كل العصور، ولكن لم يبلغ ما بلغه في العراق بعد عام 2003 من حيث سعة التفشي وضخامة القضايا وحجم الضرر.))

فيا ترى هل ستكون الحكومة الجديدة بالتعاون مع هيئة النزاهة قادرة على قطع رأس حية الفساد في العراق باصطياد الحيتان الكبيرة وإيداعها في اقفاص المجرمين أم سيتمكن الحيتان الكبار من إفساد الحكومة الجديدة وذراعها هيئة النزاهة لتحيدها عن هدفها النبيل في إخراج العراق من قفص الفساد الذي دمره واتى باقتصاده قتيلا ً أو على الأقل تحيّدها لتغض النظر عن نشاطاتها المشبوهة؟ هذا الأمر سيقرره الشعب العراقي وأتمنى أن يتعاون الشعب العراقي مع حكومته للقضاء على الفساد في العراق. ونتمنى بالطبع أن تنكسر قضبان الفساد ليتحرر العراق منها ونشهد بناء كبير وتقدم ونمو وتطور حقيقي في العراق في كل المجالات وعلى كافة الصعد.