المحرر موضوع: عنكاوه وانقلاب 8 شباط الاسود  (زيارة 2027 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فريد قرياقوس داود

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 54
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عنكاوه وانقلاب 8 شباط الاسود

لعل من المفيد ان نذّكر الجيل الحالي ما عاناه الاباء واهل عنكاوه من كوارث على مدى تاريخ حياتهم واحدى هذه النكبات القتل والتشريد ثم اعتقال العشرات من اهالي عنكاوه على يد انقلابي شباط الدموي .. وفي مثل هذه الايام من عام 1963 هاجمت مجموعة من العسكرين يقودهم المجرم العقيد خليل والمعروف بوحشيته بدمويته اذ كان على رأس قوة عسكره وحاصرت هذه القوه المدججه بالسلاح عنكاوه ومن ثم امر باقحام البيوت والاعتقال العشوائى لاهالي عنكاوه و جمع الرجال من البيوت ... والشوارع وتم سوقهم الى ساحةالحديقه وهي الان جمعية مار عوده وتم تسيجها بالاسلاك الشائكه مثل معسكرات النازيه وانهال جنوده بالضرب باعقاب بنادقهم لهؤلاء المساكين...
وصادف جنوده ان التقوا الشهيد اسحاق عيسى اوستا الفلاح الكادح والبسيط اذ كان قادما من حقله وهو بعيد عن السياسه ومشاغلها وانهال الجنود عليه بالضرب المبرح باعقاب بنادقهم وساقوه الى العقيد خليل وامر بمواصلة ضربه حتى سقط جثة هامده ويكاد الشهيد اسحاق عيسى اوستا اول شهيد في عنكاوه سقط في عهد الانقلاب الدموي وزاد العقيد خليل جام حقده وغضبه بحق لاهل عنكاوه لانهم اناس مسالمين ولكونم مسيحين وان اكثرهم كانوا متعلمين ومثقفين وتهمتهم انهم كانوا مؤيدن للحزب الشيوعي وبعدها تمّ سوق الكثير منهم الى معتقلات اربيل وكركوك والموصل ونقرة السلمان وتم الحكم على الكثيرن منهم باحكام جائره من قبل المحاكم العسكريه والمجالس العرفيه وبذلك نالت عنكاوه حصتها من القتل والتشريد على يد انقلابي شباط الدموي ...حقا انها اياما سوداء عاشتها عنكاوه في تلك الحقبه المظلمه
ملاحظه....سمعت هذا السرد من اشخاص عاصروا هذا الحدث المأساوي والذين شملتهم هذه الهجمه الشرسه من قبل المجرم العقيد خليل وانقلابي 8 شباط الاسود واتمنى من له اضافات لهذا الحدث المهم في تاريخ عنكاوه وذلك لتوثيق هذه المعلومات ...
فريد قرياقوس داود
هولندا


غير متصل جلال مرقس عبدوكا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 156
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: عنكاوه وانقلاب 8شباط الاسود
« رد #1 في: 12:23 08/02/2015 »
تحية وتقدير أخي فريد
 
ما ذكرته وإن لم تكن شاهدا لما حدث ، بل أن أقسى ما عانته جماهير البلدة قاطبة كان إنتقاما ليس ضد الشيوعيين فحسب إنما لكون البلدة موطنا للمسيحيين المسالمين حصرا وهو ما جن جنون العسكر ورئسهم السفاح خليل ، شمل الإعتقال حتى اليافعين الصغار من طلاب مدارس المتوسطة والإعدادية وكبار السن وبعضهم تجاوز الستين والسبعين عاما.
 تقبل إحترامي مع تحياتي للعائلة الكريمة.

      jalalmabdoka 

غير متصل falpatty

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 393
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: عنكاوه وانقلاب 8شباط الاسود
« رد #2 في: 13:47 08/02/2015 »
الصديق العزيز جلال مرقس شكرا للاضافه واهتمامك بهذا الموضوع لانه جزء من تاريخ عنكاوه والتي عانت الكوارث والنكبات طيلة تاريخها الطويل واخرها غزوها من قبل المجرم العقيد خليل في عهد انقلاب 8 شباط الاسودوهي المحنة التي مرت بعنكاوه واهلها الطيبين ومثل ما قلت امعانا وحقدا على اهلها لكونهم مسيحيون وفيها نسبة عاليه من المتعلمين والمثقفين وبحجة انها فيها مؤيدين للحزب الشيوعي مع خالص تحياتي لك وللعائله..
 فريد قرياقوس داود

غير متصل نبيل دمان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 896
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
احداث 1963 في القوش
نبيل يونس دمان

     إنقلبت افراح الناس في السنوات الخمسة لثورة 14 تموز 1958 الى مآسي وأحزان في شباط 1963، وقد شمل ذلك العراق باسره ومنها بلدتي القوش التي تقع شمال مدينة الموصل. اعتقل معظم معلمي المدارس وبعض الطلبة وعدد من الفلاحين وسائقي السيارات والكسبة، وسيقوا الى السجون واقبية الاستجواب والتعذيب في الموصل وكركوك. عندما هَمّوا بإعتقال معلم الرياضيات عبد جمعة، اعطى مدير المدرسة يعقوب شكوانا اشارة له بالهرب، وهكذا عبر اسطح المنازل توارى عن الانظار والتحق بفصائل المقاومة المشكلة حديثاً، فيما نقل مدير المدرسة إدارياً الى ناحية البعاج على الحدود العراقية- السورية.
      في احد الايام توجهت السيارات المسلحة الى مدرسة العزة في القصبة لإعتقال بعض المعلمين وكان احد السواق واسمه بحو پولا( حنكَلّو) متوجهاً الى سوق البلدة فأعترضته والدتي قائلة" ارجع الى بيتك، وفوت الفرصة عليهم" فأجابها بأنهم سفلة ولا يأبه بما ينتظره ،فواصل مشواره ليجد نفسه مكبلاً فوق واحدة من السيارات المسلحة، وليمضي فترة في السجن المكتظ بالمئات دون مسوغ قانونية او محاكمات اصولية.
      صعد الكثير من الناس بسلاحهم الى الجبل وكان وادي الدير العلوي و"بسقين"  اماكن تجمعهم، منهم العمال  والفلاحين والطلبة والمعلمين وبعض النساء اتذكر منهم ساره لازو( زوجة يوسف ككا)، ماري( من عنكاوا) وسعيدة اسرائيل تومكا، وقد شمل ذلك التجمع مختلف قوميات الشعب الهاربين من سطوة الارهاب  في شتى انحاء العراق.
      شنت الحملة المسلحة الاولى على ألقوش في حزيران 1963 بقيادة زعيم خليل ومجموعة من المرتزقة بقيادة  احد امراء الايزيدية المدعو" معاوية اسماعيل جول" الذي اشتهر بالسكر والعربدة، فجاء هؤلاء المأجورين بسلاحهم وعصيهم ليجوبوا ازقة البلدة ويجمعوا عشرات الرجال خصوصاً من اصحاب الدكاكين والمارة وبشكل عشوائي ، فسيقوا جميعاً الى الساحة المقابلة لمركز الشرطة " قشلة" ، وشرعوا في تعذيبهم والتنكيل بهم.
     اتذكر كيف عُذِب جاري الطيب غريبو جبو حيدو الى درجة سحقت علبة سجائره المعدنية في جيبه، وكذلك عُذب اخوه ابراهيم بقسوة وهو في الطريق الى مزرعته فآوته احدى الاسر الطيبة لتلف جسده بجلود الاغنام من اجل امتصاص الكدمات التي سببها ضربه المبرح. ايضاً عذب صاحب محطة الوقود الياس جيقا، وصاحب الدكان يلدا بوداغ( تكرر ضربه مرتين) وغيرهم كثيرون، ثم اعتقل بعض الاهالي وعاد المرتزقة عصراً الى الموصل. كان لتلك الحملة أثرها في تزايد نقمة الناس على الحكومة، وفي نفس الوقت تتوارد الاخبار عن مئات الاعتقالات لابناء البلدة في بغداد والبصرة وكركوك وغيرها، واودع بعضهم في سجن" نقرة السلمان"  الصحراوي ويقال ان اصغر سجين فيه آنذاك كان من القوش واسمه عزيز اسطيفانا( 17 عام) وكذلك كان عدد من ابنائها ضيوفاً على قطار الموت في تموز 1963 وفي مقدمتهم المقاوم الصلب سليمان يوسف بوكا، والحاكم ابراهيم يوسف عبيا، وقبل ذلك ابلغت والدة العريف الشهيد توما ياقو ابونا عند باب السجن في بغداد بان ابنها اعدم ولم تسلم جثته فقفلت راجعة الى البلدة الصابرة وهي تحمل ملابسه، تولول، تبكي، وتملأ الدنيا صراخاً.
      في  يوم الاحد المصادف 7 / تموز / 1963 توجهت الحملة العسكرية الثانية والمؤلفة من الجيش والمرتزقة ليلاً  وعندما شاهد الناس قدومها على طريق الموصل اخبر بعضها البعض بسرعة لترك البلدة  والصعود الى الجبل، هكذا ترك الرجال بيوتهم بسلاح او بدونه، ولكن الحملة تركزت اساساً على الجبل ولم تتعرض للمدينة التي لم يبق فيها غير النساء والاطفال. انتشرت تلك القوة متسلقةً الجبل  وحصل التقدم من مختلف المحاور.
     عاش الناس في ذلك اليوم في قلق وترقب حيث لا حول لهم ولا قوة، اذكر عندما طرق الجحوش **  باب بيتنا طلبا للماء، شرعت جدتي شمّي تناولهم الماء من سطح منخفض دون ان تفتح لهم الباب لعدم الثقة بهم، وعندما سألها احدهم عن موقع دير الربان هرمزد، اشارت الى اتجاه مغاير لان قلبها كان يخفق خوفاً على اولادها الثلاثة الذين غادروا البيت فجراً الى ذلك الوادي.
      حدثت مناوشات وصدامات محدودة خلف الجبل وشارك فيها قائد الانصار توما توماس ،اتذكر عندما طرق باب بيتنا ثانية والقلق يلفنا من عودة الجحوش، ظهر الطارق انه احد اقربائنا القادم من بغداد، وقد حدثنا عن حجزه لعدة ساعات في المعسكر المخيم جنوب البلدة وكيفية مشاهدته لعدد من قتلى الجانب الحكومي فوق سيارة عسكرية. بعد ظهر ذلك اليوم سحلت جثتان من الجبل ورميتا على قارعة الطريق الرئيسي المحاذي لتل المقابر، هرع الناس للتعرف عليهم وانا ايضا بصحبة والدتي. لم يستطع احد تمييزهم نتيجه تغير ملامحهم من السحل والركل وكثرة ثقوب الرصاص في اجسادهم. واخيراً ظهر انهم الشهداء بطرس هرمز جركو الطالب في ثانوية القوش، وكوريال اوراها( معلم من قرية تلسقف) وكان الاخير متزوجاً وزوجته حامل  فولدت توأماً سمتهما بطرس وكوريال ! .
     دفن الشهيدان في مقبرة الغرباء عند ضريح مار شمعون من قبل البلدية، وبعد فترة استتب الوضع نسبياً فشيعوا في احتفال مهيب حضره مئات من الناس الى مثواهم الاخير في الدير العلوي، وقد ألقيت كلمات واشعار مؤثرة تلتها زخات من الرصاص، واليوم تجد قبورهم بجانب ثلاثة شهداء آخرين في اجمل مكان على مقربة من مجمع دير الربان هرمـزد.
      في حملة الاحد تلك، اصيب بطرس سليمان ﮔولا الذي لازال معوقاً من قبل الطائرات التي كانت تقصف الجبل، وقد حمله والدي على ظهره من موقع الاصابة بين الصخور الى الدير وبمساعدة نجيب عيسى كولا، وتمت معالجته على يد حنا زلفا الذي كان يمارس الجراحة والتضميد. وقبل مغيب الشمس انسحبت القوات المعتدية من الجبل، ونحن على سطوح المنازل  نراقب انسحاب تلك الكتل البشرية من الجبل والتي ولّت صوب الموصل. وتبين لاحقاً بان هؤلاء الجبناء اطلقوا النار على راعي الاغنام الشاب كريم يلدا ارمنايا الذي كان في موقع الدفاع  فأردوه قتيلاً.
      بعد يومين فقط اي الثلاثاء 9/ 7/ 1963 شنت السلطة حملة اخرى على البلدة من قبل الحرس القومي الذي فتك بالناس العزل في اكثر مناطق العراق. عانى الناس بشدة  من نتائج يوم الاحد الدامي، ولهذا آثرت ان تبقى في داخل بيوتها عندما لاحت سيارات الحرس القومي في صباح ذلك النهار التموزي على الشارع الرئيسي، ومن المعلوم محلياً بان الحي القديم المتاخم للجبل يضم العديد من المغاور الصخرية العميقة والتي استغلها الناس فدخلوا في دهاليزها وظلامها الشديد ومنهم كاتب هذه السطور وكنت في الحادية عشرة من عمري ، تكدس الرجال والاطفال في تلك الاقبية الوخمة لساعات طويلة من النهار دون ان يعرفوا ماذا يحصل في البلدة، دون طعام، فقط كان البعض يدخن سكائره خلسة وبحذ، ويأتيهم صوت الرصاص بشكل متواصل من رشاشات الحرس القومي التي غالبيتها مصرية الصنع من نوع بورسعيد.
      في تلك الاثناء حاول الحرس اقتحام سردابنا الذي فيه اكثر من خمسين شخصاً، وتدخلت صاحبة المنزل حبي ميخا جهوري والتي كانت تقف في فناء البيت بلغة عربية ركيكة جداً مصحوبة باشارات من اليدين، ودار بينها وبين احد افراد الحرس المدجج بالسلاح والمستعد للاطلاق في اية لحظة الحديث التالي:
+  اين رجل المنزل؟
-  سنجار!
+  وماذا يفعل في سنجار؟
( بحركة من يديها  تشبه العزف الموسيقي وهي تصطنع الابتسام، فينفعل الحرس .....) ثم تنطق كلمة  ندّاف التي كانت فعلا مهنة زوجها.
+  هل يوجد رجال داخل المنزل؟
-  لاء!
+  نريد نتأكد.
-  روحو!
+  لكنه ظلام.
-  ( باشارة من يدها) بمعنى ماذا افعل؟
+  جيبي فانوس( وسيلة الاضاءة الوحيدة في البيت) بسرعة.
-  نعم ( تأتي بفانوس ويدها على قلبها هلعاً على زوجها واولادها وعلى باقي الرجال) .
+  اشعلينوا !!
-   ( وتلتمع في راسها فكرة في ذلك الجو المرعب وتنفذها حالاً، وذلك بخفض فتيلة الفانوس الى ادنى حد ممكن فتسقط في داخل خزان الوقود، بعدها تحاول عبثاً إشعاله بعيدان الكبريت).
+  (بهستيريا ) جيبيه انا أشعلوا!!
     ومهما حاول لم يستطع اشعال الفانوس، فضربه بمقدمة حذائه وهو يتفوه بالشتائم، ثم اطلق عدة اطلاقات في الهواء قبل ان ينصرف فتسلم المجموعة بأكملها. بقي الرجال في تلك السراديب حتى العصر، هنا انسحب الحرس القومي من البلدة عائداً الى الموصل وقد وصلت بشائر النساء الى الجميع بالخروج بعد زوال الأخطار.
     حين خرج المختفون لم يتم التعرف عليهم بسهولة بسبب تغير هيئاتهم وكأنهم في حفلة تنكرية! فقد اصبحت ملابسهم، اجسادهم، ووجوههم سوداء! بمادة الكاربون( السُخام) المتراكمة لعشرات السنين، ربما لم تستخدم تلك السراديب الا في أهوال مماثلة في السفر برلك عام 1914. عندما خرج الاطفال من الظلام الى الضياء المتدفق فجأة على اعينهم، لم يستطيعوا فتحها بسهولة الا بعد برهة من الزمن.
      ومن الجرائم التي اقترفها الحرس القومي في ذلك النهار، هو قتل رجلين مسنين، احدهما اسمه ياقو هرمز قيا في عقر داره والثاني  واسمه بولس هرمز اوسطايا وكان شديد التدين جاثياً على ركبتيه بيده مسبحة الصلاة عندما سقط مضرجاً بدمائه. وكذلك جرح حبيب نيسان جراء اطلاق النار عليه، حالما أوصد باب بيته ليمنع دخول الحرس القومي. اما من جانب الانصار فقد حاولوا التقدم للدفاع عن القوش لكنهم اصطدموا مع قوة متقدمة من عين سفني فجرت معارك بينهم استمرت حتى المساء ، فقتل العديد من افراد القوة فيما استشهد من الانصار سعيد شمو من قرية دوغات وجرح علي خليل من دوغات ومحمد خالد( والد صديقي د.عصمت رئيس جامعة دهوك حالياً).
    بعد انتهاء حملة الثلاثاء اخذ الناس يتركون دورهم وبلدتهم ، فقسمٌ ذهب الى القرى الايزيدية وقسمٌ الى دير الربان هرمزد وآخر تسلل في خلسة وخطر الموت قاب قوسين او ادنى الى الموصل وبغداد، اما القسم الاعظم الذي بقي فقد اصبح تحت طائلة الارهاب المسلط من مأمور المركز السيئ الصيت" ابو خالد" . وهكذا صار يعتقل الاهالي ويعذبهم ويهدد الآخرين ويضرم النار بمتاع الذي كان يشك بولائهم للسلطة وتكررت تلك الافعال التي لا  تعد ولا تحصى لسنوات عديدة.
     في شهر آب 1963 جابهت قوة انصار صغيرة مع سيارة شرطة مسلحة قرب قرية بيبان، وكانت النتيجة أليمة، حيث استشهد احد الانصار ووقع الثاني وهو حميد الياس حنو جريحاً ثم أسِر من قبل الشرطة. نقل الجريح الى المعتقل في الموصل وتعرض للتعذيب الشديد ثم تقرر اعدامه، فنصبت مشنقة له مقابل كنيسة المار قرداغ جنوب البلدة. توجهت سيارات الحرس القومي بقيادة المجرم سالم حمدون ومعهم الشاب حميد ، وسارت احدى سياراتهم المزودة بمكبرات الصوت تدعوا الناس لحضور عرس الدم. لم ُيلبّ نداؤهم احداً، ولكن بقوة السلاح اجبر البعض على ذلك خصوصاً من كان في السوق  وبعض  طلبة المدارس، وفي تلك الاجواء المكفهرة بالحزن والاسى من يوم 24 /9 / 1963، ارتقى حميد المشنقة وهي المرة الاولى في تاريخ البلدة حيث يشنق فيها احد ابنائها. وخوفاً من غضب الاهالي حمل الحرس الجثة على عجل، وفي طريقهم الى الموصل سلمت الى بلدية تلكيف ليتم دفنها في مقبرة المدينة.
     في وقت سابق إلتحق هرمز مالك جكو وهو آشوري من قرية( كوري كافانا) القريبة من ناحية زاويتة تاركاً عمله في سد دربندخان، واصبح مسؤولاً في منطقة القوش، واشتهر بالشجاعة النادرة. عندما استشهد الشاب فؤاد شمعون ديشا في نيسان 1963 جراء حادث مؤسف** جاء هرمز جكو ورجاله الى البلدة مواسين اهله في مصابهم الجلل وقد كانت فرصتي الفريدة ان احظ برؤية الرجل، وفي العام التالي عندما كانت الهدنة سارية بين الحكومة والثوار جاء وفد من الانصار بقيادة الثائر توما توماس  يحمل صورة فؤاد  مكللة بالورود الى منزله وقد القى المعلم الثائر عبد جمعة الكلمة المناسبة، لا زلت احفظ مقطعاً منها يقول" ....ان روح فؤاد ترفرف فوق رؤوسنا! ".
     ازداد تذمر الاهالي من تسلط مدير ناحية القوش المدعو سيروان الجاف ، ووصلت معاناتهم الى اسماع الانصار فقرر هرمز  بنخوته واقدامه ان يحتل مركز شرطة البلدة للانتقام من المدير المذكور دون التفكير ملياً بعواقب ذلك. هكذا جهز هرمز رجاله وكذلك توما توماس وانحدروا من الجبل ليلة 23 /11/1963 لاحتلال المركز( قشلة) .
في ليلة شتائية يكللها الضباب والشوارع معتمة الا من ضياء فوانيس البلدية، والمركز محصن كأنه قلعة عاتية، وفيه تحصينات منيعة في كل زاوية للمقاومة وترتفع اكياس الرمل على طول اسيجة السطوح. عصر ذلك اليوم وصل عريف للشرطة في سيارة مسلحة، وعندما حان وقت غلق باب المركز بوضع اكياس من الرمل خلفه إمتنع العريف عن الدخول بل آثر المبيت داخل سيارته ويقال بانه كان مخموراً.
     وصل رجال الحركة الكردية المسلحة، واحتلوا سطوح البيوت المحيطة بالمركز وتحصنوا من جهة الجبل خلف الصخور، واستعدوا للمعركة المقبلة بقيادة المرحوم هرمز. بعد انتصاف الليل شق صوت جهوري سكون المكان داعياً مدير الناحية للاستسلام واقسم له بشرف الثورة ان تحفظ حياته وامهله فترة قصيرة للاستسلام. من داخل المركز سمع سيروان النداء وقرر المقاومة فجهز الشرطة تجهيزاً جيدا.
     تواصل الصوت بالعربية والكردية ليكرر نفس النداء السابق، ثم شرع بالعد التنازلي وصولاً الى الصفر، هنا اطلقت قذيفة على المركز فدوى صوتها، وانهال الرصاص من كل صوب، تخللته اطلاقة من مدفع محمول( عقدة 2) لكنها سهت واحدثت ضرراً طفيفاً باحدى غرف المركز، يقال ان رامي المدفع لم يشأ ان يصيب الهدف وكذلك كان عدد من المقاتلين لا يرغبون في احتلال المركز خوف قصف البلدة في اليوم التالي من طائرات السلطة، وتلك المسالة كانت مهمة ولكن هرمز لم يمعن التفكير بها، وربما لم يتيسر له الوقت الكافي للتفكير بها وكان صارماً لا يتراجع عن قراره. هكذا استمر القتال بين الجانبين دون نتيجة واصبح الوقت يمضي بسرعة، هنا صاح هرمز برجاله للهجوم على باب المركز.
     تقدم اثنان منهم احدهم من القوش وأسمه بطرس شمعون ديشا( وهو شقيق الشهيد فؤاد) والثاني من قرية شيخكا الأيزيدية وأسمه حجي خُرما، فزحفوا حتى باب المركز ووقفوا ملتصقين ببابه، ثم جهز حجي رمانة يدوية وابتعد قليلاً ثم قذفها بقوة على امل ان تسقط داخل المبنى، ولكنها اصطدمت بأسلاك التلفون فرجعت الى الارض امام الرجلين فوقع الثائر حجي شهيداً( دفن في اليوم التالي في مقبرة الغرباء عند ضريح مار شمعون) فيما اصيب بطرس بجروح بليغة، استطاع ان يسحب نفسه وهو ينزف متمسكاً ببندقيته الى مسافة معينة حيث انتشله رفاقه، وعولج بشكل اولي في محلة سينا، وفي النهاية اصبح معوقاً في احدى يديه.
     هنا هب بعض المقاتلين الى السيارة المسلحة لاحراقها و قتل سائقها برتبة عريف، واستمرت المعركة دون حسم الى ان اقترب الفجر، فقرر المهاجمون الانسحاب، وعند وصولهم اطراف محلة سينا، ابدى هرمز اسفه لفشل المهمة، ويقال انه ذرف الدموع قائلاً " اية عملية قتالية توجهت اليها حالفني النجاح، إلا في احتلال هذا المركز البائس"  وأقسم امامهم ان يعود لاحتلاله في اقرب فرصة.
     لكن الموت لم يمهله للعودة الى القوش ابداً، فقد هجم بعد اسبوعين على قطعات عسكرية مرابطة عند جسر( آلوكة) قرب مفرق سميل- دهوك، واستطاع هرمز ان ينجح في العملية ويحرق العديد من السيارات ويأسر ويغنم الكثير، لكنه اضاع بعض الوقت في اللحاق بإحدى السيارات بغية الاستيلاء عليها. حدثني احد الرجال المشاركين في تلك الواقعة بعد زمن من وقوعها، بان هرمز وضع خطة لمهاجمة المعسكر واتفق معهم ان يرابطوا على مقربة منه وحال سماعهم صوت الرصاصة الاولى يبدأ هجومهم، ويعقب انهم شاهدوا بعد برهة من الزمن اضطرام النار في احدى السيارات وظهر ان هرمز قد تقدم لوحده وهو يطلق شرارة المعركة الاولى! . وفي نشوة الانتصار تلك، وصلت تعزيزات عسكرية قوامها دبابات تابعة للجيش السوري الذي استقدم للقتال بجانب القوات العراقية ، حيث حوصِر المرحوم هرمز وداهمه الموت من كل جانب.
     قاتل هرمز قتال الابطال حتى اُصيب باحدى رجليه ثم واصل القتال رغم جروحه حتى اصيب بقذيفة من الدبابات السورية فقضى شهيداً بطلاً . نقل جثمانه في مراسيم خاصة بالثوار الى قرية سينا وشيخ خدِر ليدفن هناك في شهر كانون اول 1963.
*موضوع منشور سابقا، اعيد نشره مرة اخرى، وهو مستل من كتاب ينتظر الطبع، بدأته عام 1994 والان كامل مكتمل من 285 صفحة، اجريت تغييرات متواصلة عليه، منها تغيير عنوانه السابق( القوش حصن نينوى المنيع) الى العنوان اعلاه.

**  في طريقه وهو يقود مجموعة من الانصار الى جبل مقلوب، ونتيجة خطأ غير مقصود ثارت رصاصة من بندقية احد افراد المجموعة أدت الى استشهاده في الحال، وللشهيد دور بارز في التصدي لانقلاب 8 شباط المشؤوم.

nabeeldamman@hotmail.com

غير متصل falpatty

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 393
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الصديق نبيل دمان المحترم
شكرا لهذا السرد الرائع لمأساة اهالي قوش الابطال  وهو سفر مؤلم ودامي  لما عانت منه  مدينة القوش الباسله من قتل وسجون واعتقالات  عندما استبيحت من قبل قطعان الحرس القومي في شباط الاسود حالها كحال شقيقاتها من مدن العراق وهي تعتبر وثيقة تاريخيه تؤرخ من قبل شاهد عيان عاصر تلك الحقبه لانقلابي شباط الدموي..مع خالص تحياتي

   فريد قرياقوس داود