نظرة أوسع لموضوع نقل مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية
=========================================
أبرم شبيرا
من قال بأنني أدعو إلى بقاء مقر كرسي البطريرك في المهجر وأن لا ينقل إلى وطن الأباء والأجداد؟؟،
هل فعلاً دعوت إلى بقاء كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في المهجر وعدم إنتقاله إلى وطن الأباء والإجداد في الموضوع السابق وتحت عنوان (نظرة من ثقب الباب على موضوع نقل كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية)... أنظر الرابط أدنا ؟ هذا ما أعتقده بعض القراء الأفاضل وبينوا أرائهم حول الموضوع وبكل ممنونية قبلت أرائهم سواء أتفق معها أم. ولكن من جانب آخر أقول بأن معظمهم لم يفهموا مغزى الموضوع الذي كتبته رغم وضوح معالمه وإنطلاقه من الحقيقة التاريخية والواقع الحالي للموضوع وأثباته بببعض الواقع التاريخية المعاصرة والظروف السياسية المحيطة بالكنيسة والأمة، سواء في الوطن أم في المهجر. إن عدم فهم مغزى هذا الموضوع يكون إما بسبب : (1) تم قراءته وبسرعة وبمرور الكرام وبناء تصور معين قائم على بعض المنطلقات الشخصية والفكرية، و (2) أعتماد على العواطف والأحاسيس المفرطة والفياضة في القومية متغاضيا الوقائع السياسية المأساوية التي تفعل فعلها المؤثر في واقعنا القومي والكنسي.
كلنا نتمنى، وخاصة المعنيين بالأمر الكنيسي والقومي، أن ينتقل مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية من المهجر ويستقر في وطنه التاريخي، ولكن التمني يبقى في عالم الفكر والطموح ما لم يقترن بفعل قادر على إنزاله من عالم الفكر إلى عالم الواقع وعبر ممارسة فعلية على الواقع (Praxis) القابلة للتطبيق. أن العمل القومي الناجح والمثمر، سواء في جانبه السياسي أو الديني لا ينتج من الأفكار والمعتقدات فحسب بل من دراسة الواقع دراسة موضوعية ومعرفة مدى فاعلية وواقعية العمل القومي وجديته وإلا سنبقى محصورين في عالم المثالية والميتافيزيقية البعيد عن الواقع الموضوعي. فإنطلاقاً من الظروف السياسية الواقعية والموضوعية المحيطة بكنيسة المشرق الآشورية وتحديدا موضوع مقر كرسي البطريرك بحثنا في هذا الموضوع. أنه من البديهيات المعروفة لكل مسيحي بأنه يجب على رأس الكنيسة أن يكون بالقرب من أتباعه ويلتصق بهم ويعايش أفراحهم وأتراحهم ويكون من أول المضحين والمتفانين في سبيل كنيسته ورعيته... أنظر عزيزي القارئ ماذا قلت بهذا الخصوص في الموضوع السابق
(فلو أرتكنا إلى عالم الدين والإيمان المسيحي الذي يفرض على رجل الدين التضحية وتحمل الصعاب من أجل خدمة أبناء كنيسته، فعليه إذن أن لا يأبى لا بالظروف السياسية ولا بمفاهيمها في الديموقراطية والإستبدادية بل عليه أن يكون مع شعبه في السراء والضراء وأن يكون بقربه ليشكل عاملاً معنوياً قوياً لصمود شعبه والإلتصاق بتربة وطنه وتحمل ظروفه الصعبة والماحقة وعدم هجره. لا جدال إطلاقاً في صحة هذا القول إطلاقاً من الناحية المعنوية والإيمانية). ولكن لنكن واقعيين حتى نعرف الواقع والحقيقة التي قد تحجب بعض جوانبها بسبب الحدود الضيقة التي توفرها لنا الكنيسة في كشف الحقيقة والواقع سواء أتفقنا مع هذا الواقع أم رفضناه فإن الكشف عنه لا يعني أي منهما، أي رفضه أو تأييده. هناك في العراق لكنيسة المشرق الآشورية مطربوليت واحد وأسقف واحد، مع أسقف واحد في كل من سوريا وإيران. أما في بلدان المهجر (عدا الهند) فهناك مطربوليت واحد في إستراليا وثلاثة أساقفة في الولايات المتحدة مع أسقف آخر ترك أبرشيته في بغداد منذ عدة سنوات وأستقر في الولايات المتحدة الأمريكية من دون أبرشية، وأسقف واحد في كل من كندا وأوربا. وكل هؤلاء عاشوا في بلدان المهجر لسنوات طويلة وتطبعوا بأسلوب حياتها وألتصقوا برعيتهم إلتصاقاً رعوياً وإجتماعياً وإدارياً وحتى شخصياً، والأكثر من هذا فأن معظمهم أن لم يكن جميعهم قد حصلوا على جنسية بلد المهجر. فالسؤال "الجرئ" هنا هو هل سيأتي إلى العراق أي واحد من هؤلاء الأباء الأفاضل فيما إذا أنتخب بطريركاً للكنيسة ويجعله مقرا لكرسي البطريرك؟ ونحن نعرف حسب نظام الكنيسة أنه يجب أن يتم إنتخاب البطريرك الجديد بعد أربعين يوماً من شغور الكرسي البطريركي ولكن كلنا يقينين بأن الأمور لن تهداً في العراق بعد هذه الفترة ولا بعدها بسنوات طويلة. طبعاً من الصعب جداً الإيجابة على مثل هذا التساؤل "المحرج" ولكن للخروج من مأزقه ورغبة في أن يكون مقر كرسي البطريرك في الوطن وينتقل إليه بطريقة مضمونة وواقعية بعيدا عن المثالية والإنزلاق نحو الرومانسية في الفكر القومي، وجدنا خارطة طريق له يؤدي في نهاية المطاف إلى الوطن وقد تبينت هذه الخارطة عندما ذكرنا في موضوعنا السابق
مايلي (وإنطلاقاً من هذه الواقع والحقيقة وبعيدا عن المجاملة والعواطف، أرى شخصياً بأن الظروف السياسية الحالية تسمح بأن تكون دولة لبنان مقرا مؤقتا... أكرر مؤقتاًً لكرسي البطريرك كخطوة أولى ليكون أقرب إلى شعبه وتراب وطنه من بلدان المهجر ولحين إستقرار الأوضاع في العراق ومن ثم النظر في أمر تنفيذ قرار المجمع السينودي في بغداد حول نقل مقر الكرسي البطريركي إلى العراق، سواء إلى بغداد أم أربيل). هل هذه هي دعوة إلى بقاء كرسي البطريرك في المهجر ؟؟ ومن قال بأنني أدعو إلى بقاء مقر كرسي البطريرك في المهجر وأن لا ينقل إلى وطن الأباء والأجداد؟؟، فلو قرأ القراء الأعزاء المنتقدين هذه الفقرة لأدركوا على الفور المغزى من موضوع مقر كرسي البطريرك والطريق الصحيح والعملي لإنتقاله من المهجر إلى الوطن.
أن أغرب وأكثر أثارة للعجب هو محاولة تشبيه بعض القراء كنيسة المشرق الاِشورية ببقية الكنائس في العراق وتحديداً الكنيسة الشقيقة الكبرى، الكلدانية الكاثوليكية وخاصة موضوع وجود كرسي البطريرك في الوطن من عدمه. فالكرسي البطريركي الكلداني كان منذ عقود طويلة في العراق وتسنم هذا الكرسي ستة بطاركة منذ تأسيس كيان العراق السياسي وكان مؤمنيها يشكلون النسبة الكبرى للمسيحيين، وهي كنيسة جامعة في شركة مع الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية العالمية، كلها كانت عوامل قوة وثباتاً وإستقراراً وتطور للكنيسة ولرعيتها. في حين لم يكن مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في دولة العراق بعد تأسيسها عام1921 والذي لم يتسنمه غير بطريركان فقط وكلاهما كانا من دون جنسية عراقية ولم يستقرا في العراق بل ظلا لعقود طويلة في بلدان المهجر وبقت الكنيسة طيلة زمنها الغابر مستقلة غير مرتبطة لا بكنيسة جامعة أخرى أو بدولة من دول العالم أو كانت كنيسة ضمن عائلة كنسية حسب تصنيف مجمع كنائس الشرق الأوسط. كما إن البطريرك الكلداني لم يطالب بحقوق قومية للكلدان ولا أعتبر نفسه زعيماً قومياً لهم ولا داعياً قومياً ومطالباً بالحقوق القومية لاتباعه، كما كان الحال بالنسبة لبطريرك كنيسة المشرق الآشورية لهذا لم يتعرض البطريرك الكلداني إلى مضايقات جسيمة من قبل سلطات نظام الحكم ولا إلى محاولات الإغتيال أو التسمم أو التجريد من الجنسية العراقية والنفي خارج العراق كما تعرض بطريرك كنيسة المشرق الآشورية، هذا ناهيك عن تعرض أتباعها بسبب مطالبتهم للحقوق القومية وتشكيل تنظيمات سياسية قومية إلى المطاردة والسجن وحتى الإعدام. فمن السذاجة الفكرية أن نغفل هذه الخلفية التاريخية لمسألة تحديد مقر كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية من دون أن نضعها وبأهمية بالغة بنظر الإعتبار عند الحديث عن إنتقال كرسي البطريرك من المهجر إلى وطن الأباء والأجداد. صحيح هو من يقول بأن نظام البعث الإستبدادي والأنظمة الفاسدة والإستبدادية السابقة له قد ولت ولم يعد لها وجود بعد عام 2003 ولكن من جانب آخر أن العقول والأفكار الفاسدة والرافضة للآخر المختلف قد بقت هي نفسها للنخبة الحاكمة والسياسية ولم تتغير بتغير نظام الحكم، هذا الأمر يذكرنا بقول المفكر القومي يوسف ماليك عندما قال (أن تغيير الفيسة (القبعة التركية) إلى السدارة (القبعة العراقية) لا يعني تغيير الأفكار والعقول.
أنا كإنسان علماني وقد أتجرأ وأصف نفسي كقومي يحب قوميته مهما كانت تسميتها مفردة أم مركبة ويهمني جداً كغيري من القوميين من أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" لا بل أحلم أن أراها متوحدة أو سائرة على طريق الوحدة والتفاهم من أجل تحقيق المصلحة القومية العامة. وكل عمل أو نشاط أو فكر أو دعوة أو حديث يأتي ضمن هذا المسلك فأنه سيكون موضوع تقدير كبير وتثمين عالي من قبلي ومن قبل غيري من القوميين. فلو لاحظنا نشاط بطريرك كنيسة المشرق الأسبق المثلث الرحمات مار إيشاي شمعون نرى بأنه كان في معظمه يأتي ضمن هذا السياق. والحال لم يكن يختلف مع المغفور له قداسة البطريرك مار دنخا الرابع أسكنه الله في جناته منذ تسنمه كرسي البطريركية وحتى آخر رمق من حياته فكل أحاديثه وخطبه وفي جميع المناسبات والتجمعات كانت وحدة أمتنا والتذرع لتقدمها تشكل جزءأً مهماً منها إلى جانب دعواته الكنسية والدينية، لا بل كان البطريرك الوحيد الذي دعا وأيد الحكم الذاتي لأبناء شعبنا في سهل نينوى. أن هذه الإشارة إلى هذه الوقفة القومية لمثلث الرحمات مار دنخا الرابع لا يعني إطلاقاً بأنه ليس لبقية بطاركة فروع كنيسة المشرق مواقف قومية تصب في وحدة أمتنا وكنيستنا، بل المغزى من هذه الإشارة هو أن قداسته كان يعيش في أجواء ديموقراطية تتيح له مساحات شاسعة من الحرية لإطلاق ما يؤمن به من دون قيود قانونية أو سياسية أو فكرية أما بقية بطاركتنا الأجلاء فأنهم عاشوا ويعيشون في أجواء جلها الطائفية الحاقدة وتسودها سياسات الكره ورفض الآخر والعقول العفنة التي لا تريد أن تسمع طموحات وصرخات ومعاناة المختلفين عنهم... وهل هناك عقول عفنة أكثر من عقول رؤساء العراق الثلاثة الذين غادروا قاعة المؤتمر الخاص بالمسحيين في العراق بمجرد قيام قداسة مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لإلقاء كلمته؟ ألله يكون في عون بطاركتنا الأجلاء مع مثل هذه العقول!!!.
أن كنيسة المشرق وعبر زمانها الغابر كانت المؤسسة الرئيسية الوحيدة والفاعلة في مجتمعنا ومن خلالها كانت تمر الهوية القومية لأبناء شعبنا ولازالت في أيامنا هذه تتصف بهذه الصفة في بعض جوانها. وأنا كعلماني يهمني الجانب القومي من كنيسة المشرق وصفتها الموسساتية التاريخية والتراثية... أما جانبها الديني والمسيحاني فأنه من الممكن أن أجده في أي بلد من بلدان المهجر. من هذا المنطلق يجب أن ننظر إلى مسألة نقل كرسي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية إلى العراق، فإذا فقدت صفتها القومية وعجز بطريركها عن التعبير عن أفكاره القومية وعن مساندته لشعبه لنيل حقوقه القومية حينذاك سيكون لموضوع نقل كرسي البطريرك إلى العراق شأناً آخر قاصراً على جانبه الديني، وهو أمر لا يعنيني إلا بقدر إيماني المسيحي وبربنا يسوع المسيح له المجد، وهو الإيمان الذي أستطيع أن أجده إينما كنت في العالم لأن المسيح واحد سواء أكان في المشرق أم في المغرب. فمن هذا الإيمان وأنا قابع في خيمتي في المهجر أتذرع إلى ربنا يسوع المسيح له المجد أن يلهم أعضاء المجمع السينودي المقدس لكنيستنا المشرقية الآشورية بروح القدس وبالحكمة والمحبة في إنتخاب بطريرك جديد للكنيسة وتقرير مقر كرسي البطريركية يكون قادراً ومستعداً للسير على نفس الطريق الذي سلكه بطريركنا الراحل قداسة مار دنخا الرابع رحمه الله وأسكنه إلى جانب القديسين والأبرار والشهداء.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=776698.0