كنائسنا - السياسة والدين فلسفيا ( كيف نستطيع ان ننتزع من الديني رغبته في احتلال الحقل السياسي ؟)
ابو سنحاريب نسمع ونقرا احيانا عن تدخل رجال الدين في السياسة وعن ضرورة فصل الدين عن السياسة وعن اسباب تدخل رجل الدين في السياسة
حيث كما نعلم ان المعرفة البشرية في كل العلوم قد توسعت واصبح لكل حقل علمي او روحي او فني تخصص فيه .
ومن الاسئلة التي تطرح باطراد لماذا يتدخل رجل الدين في السياسه ؟
وفي قراءة لسيرة حياة بعض رجال الدين الذين تدخلوا في السياسة نجد ان ظروف بعضهم او المرحلة التي كان يمر بها شعبهم انذاك فرضت عليهم امتحان السياسة حيث كانوا يحتلون مناصب روحية وقومية لقيادة شعبهم .ويمكننا الاستشهاد بامثلة من رجال كنائسنا الذين كانوا زعماء روحانيين قادوا شعبنا في ظروف ماساوية . وخير مثال على ذلك هو حياة قداسة ما بنيامين الذي كان بمثابة القائد الروحي والزمني للعشائر الاشورية في حكاري اثناء الحرب الكونية الاولى
ونفس الشئ يمكننا ايجاده في القوميات والمذاهب الاخرى وخاصة بعد اصدار نظام الملل في الدولة العثمانية في منتصف القرن الثامن عشر خيث اصبح لكل ملة زعيمها السياسي او الديني الذي يمثلها في الحكومة انذاك
ولكن في وقتنا الحالي وخاصة في عهد قداسة البطريرك الراحل قداسة مار دنخا فان فصل الدين عن السياسة اصبحت واقعا معاشا حيث كان قداسته يترك ما للاحزاب الاشورية مهماتها الخاصة بها فيما اقتصر عمل رجال الكنيسة على شوؤن الدين وحده
ومع ذلك يبقى السؤال مهما عن اقدام بعض رجال الدين في شعبنا
حول التدخل في السياسة ؟
وفي قراءة لاسباب او دوافع ذلك قد نجد ان البعض يعتقد ان السبب هو اعتبار ان العمل الديني هو عمل ممل ورتيب ومكرر مما فيما ان العمل في الساحة السياسية واسع ومتحرك يجذب السياسي يقود رجل الدين الى التدخل في الشوون السياسية
كما ان البعض قد يعزو سبب ذلك الى فشل او ضعف الاحزاب السياسية في فرض هيبتها ووجودها واثبات نفسها كقوة مسؤولة في الساحة السياسية .
اضافة الى وجود قوة سياسية خارجة عن الساحة الداخلية تستطيع ان تفرض نفسها وارادتها على رجال الدين وبما يتماشى مع سياستهم في ادارة شوون الدولة
ومن اجل التوصل الى اجابة مقنعة وفلسفية عمدت الى قرات بعض الكتب السياسية والفلسفية حتى وجدت ضالتي في هذا الكتاب الذي سوف اقتبس منه مفاهيم تكون بمثابة الجواب الفلسفي لكل سؤال يثار حول الموضوع ومن اجل ان نتعلم الحكمة والتفسير المنطقي من رجال الفلسفة والسياسية ونبتعد عن التخمينات والتحليللات الكثيرة التي تجعلنا ندور في حلقات من الجدل العقيم
وقبل المباشرة في اقتباس تلك المفاهيم الفلسفية اود اولا ان اشير الى ان عنوان المقال ( كيف نستطيع ان ننتزع من الديني رغبته ووسائله على وجه الخصوص - في احتلال الحقل السياسي ) هو مقتبس من كتاب ( الفلسفة السياسية اليوم - كريستيان دولاكامباني - ترجمة نبيل سعد الطبعة الاولى 2003 م
كما اود ان اوضح بكل امانه وصدق بان كلامنا ليس موجه ضد اي عمل قام او يقوم به اي رمز من رموز كنائسنا او شعبنا
واعتقد ان الموضوع يفيد كل الاطراف المعنية بالامر من رجال الثقافة والسياسية والكنيسة
ونبدا بالاقتباس من الصفحة 44 ( ان الصراع بين السياسي والديني هو قديم العهد
كما تقرا في موضوع السياسة والدين ما يلي ( بما ان الظاهرة الدينية تقوم على افتراض وجود قوى غير مرئية لا تخضع للعقل فهي مجموعة من الاعتقادات والسلوكيات الجماعية التي تستهدف تحريك تلك القوى بصورة رمزية بهدف الحصول على بعض ردود الافعال وهي تعتبر على هذا الاساس بعدا كليا للوجود البشري
ان الديني والمجتمعي قابلان للتعايش حتى نقطة ما اني لا اغفل بالتاكيد ان صورا للتدين اكثر ذاتية ابتداء من العمل الايماني البسيط حتى الصوفية البحتة يمكنها ان توجد على هامش تلك العمليات الجماعية الا اني لن اعالج فيما يلي سوى شكلية الديني التي يتجسد بها هذا الاخير في مؤسسات .
تثير هذة الشكلية في الواقع بوجودها ذاته صعوبة جوهرية كيف يستطيع الديني بطموحه في ان يشكل الصلة الاجتماعية المثلى ان يتعايش مع السياسي الذي يستهدف شيئا مناظرا له ؟
لندرس حتى نعرف الرد الصور الرئيسية الثلاث التي اتخذتها علاقاتهما عبر التاريخ
يوجد اولا مجتمعات يمتص الديني الجانب السياسي بالكامل اي تمتص السلطة الروحية السلطة الدنيوية تماما وتسمى هذة المجتمعات التي يشكل الدين فيها القوة الجامعة الوحيدة تيوقراطيات
كانت المملكة الدالاي لاميه عندما كان يشكل التيبيت دولة مستقلة عن الصين وكان الدالاي لاما يتولى المثال الكلاسيكي وهو اخر تلك الممالك المعروفة مع دولة الفاتيكان للتيوقراطيات
السلطة السياسية في كافة المجتمعات الاخرى وبقدر ما يمكن تمييزها عن السلطة الدينية تستطيع لكي تحافظ على استقلاليتها ان تفاوض الديني وتعقد معه حلولا وسطا وان تناضل من اجل الحفاظ عليها ان ما هو كلي اي ما يجب اعتباره على راس ترتيب الاسباب ليس هو اذن التعايش السلمى بين السياسي والديني وانما على العكس علاقة تنافسية بين الاثنين كما ان السياسي لا يستطيع الفوز باستقلاليته الذاتية سوى في مواجهة الديني وكما لو ان الديني لا يستطيع الا اذا تم احتواؤه بواسطة علاقات القوى - الا ان يعمل على استعادة الارض التي احتلها السياسي باختصار كما لو ان الديني لا يتحدث عن شئ اخر سوى عن السياسة حتى لو كانت اللغة التي يستخدمها لا تبدو للوهلة الاولى - لغة السياسي
اخيرا قد يحدث ان تطرح قضية نظرية وهي الخاصة بمجتمع متماثل مع الثيوقراطية انتهى حال الديني فيه بعد ان يكون السياسي قد امتصه تماما الى السبات الكامل في واقع الامر حاول بالفعل نظام واحد على الاقل هو النظام السوفيتي ان يجتث الدين تماما وان ينشر الالحاد بل انه تم اعداد متحف مفيد للغاية لهذا الهدف داخل احدى كنائس لينينجراد
ان المسالة المطروحة علينا هي ببساطة ان نعرف الى اي مدى يتعين على السلطة السياسية او الى مدى يمكنها ان تنفصل عن الديني
اي في قول اخر كيف نستطيع ان ننتزع من الديني رغبته ووسائله على وجه الخصوص في احتلال الحقل السياسي
هل على السياسي ان ينفصل عن الديني ؟|
لكي نعيد ادراكنا لمعنى هذا التساؤل ساعيد دراسة النظرية القائلة بان الديني لا يتحدث عن شئ اخر سوى عن السياسي
توجد سلستان من الملاحظات تشتركان في دعمها
1- فعلى احد الجانبين يفترض كل دين منظم وجود رجال دين اي هيئة مشكلة من خدام الطقوس الدينية يتولون مسئولية استمرارية العقائد والطقوس الخاصة بكل دين
وترى الهيئة المذكورة انها خولت بمعارف وبشكل متلازم بسلطان الا ان السلطان بطبيعته توسعي ورمزي ولا يتعدى حدود تاؤيل العقائد فهو يميل عند الممارسة الى الخروج عن هذا الدور كلما كان ذلك متاحا
حيثما لا يصطدم رجال الدين بمقاومه فهم يعملون على فرض تاثيرهم تشجع على هذا الميل حقيقة ان اي دين يتطلع الى فرض معايير يمكنها ان تنظم حياتنا اليومية سواء غذائنا او ملبسنا او عملنا وعلاقاتنا الجنسية او تبادلاتنا بصفة عامة
2- تستطيع اي هيئة من رجال الدين من جهة اخرى ان تتدخل بطريقة غير مباشرة في الحياة الجماعية مستخدمة لبلوغ ذلك الهدف حزبا سياسيا توحي له باستراتيجيتها وجدت مثل تلك الاحزاب في اشكال مختلفة عبر كافة العصور نذكر على سبيل المثال الحزبين الكاثوليكي والبروتستاني في فرنسا في القرن السادس عشر او موخرا الاحزاب الاصولية سواء كانت من اتجاه مسيحي او يهودي او اسلامي او هندوسي
تنبع المشكلة من انه ما ان تكتسى الاحزاب الدينية داخل مجتمع ما اهمية كبرى تختل قواعد اللعبة السياسية والواقع ان اي مجتمع هو منظومة من قوى متباعدة تبحث كل منها مصالحها الخاصة
فبما ان القوى الموجودة على الساحة تعرف لدى الممارسة الطبيعية لهذة اللغبة انها تعبر عن مصالح متناقضة لمجموعات غير متجانسة فهي تعرف ايضا انه يتعين عليها ان تتفاوض فيما بينها وان تصل الى حلول وسط وان تدافع عن تطبيقها لا احد في مثل هذا السياق يكون على خطا و عن حق كامل
وفي المقابل عندما يظهر بين القوى القائمة حزب سياسي تجد المفاوضات نفسها بسرعة في طريق مسدود بما ان الحزب الديني لا يقول انه يمثل مصالح مجموعة معينة وانما يمتلك ال حقيقة المطلقة
الاحزاب الدينية كشريك اجتماعي تعتبر لاعبين لا يحترمون قواعد اللعبة طموحهم ليس الاشتراك في السلطة وانما مصادرتها
ولذلك على السلطة السياسية ان تعترض على فكرة الحزب الديني
وباختصار نقول انه يتعين على السياسي لو اراد ان يبقى حيا ان يحرر نفسه من وصاية الديني
وفي العالم الغربي حاليا تنكر على جميع الكنائس حق التدخل في الشئون المدنية والعامة والسياسية ) انتهى الاقتباس الىصفحة 50
ومن الصفحة 54 نقتبس ( يقول لوك - الكنيسة هي مجتمع من البشر الذين تجمعوا بارادتهم لخدمة الله علنا ويقدمون له الطقوس التي يقدرون انها ترضيه والتي تجعلهم يحصلون على الخلاص )
يترتب على ذلك انه يتعين على السلطة الكنيسة ان تتقيد بحدود الكنيسة وان يحرم عليها ان تمتد الى الشؤون المدنية باختصار يتعين على الكنيسة ان تكون منفصلة ومتميزة تماما عن الدولة وتترتب على هذا الجانب واجبات متبادلة بين الجانبين اي واجب التسامح من جانب الدولة وواجب التحفظ من جانب الكنيسة
ثم يؤكد لوك على ان الحدود يجب ان تبقى ثابتة لا تتعير بين الجانبين ما دام ان الرغبة في توحيد هذين المجتمعين فيه خلط بين السماء والارض وهما متباينتان تماما ومختلفتان كلية الاولى عن الاخرى سواء بالنسبة لاصلهما او لهدف كل منهما او لصالحهما ) ص 55
وبهذا ننهى اقتباساتنا وندعو القارى على قراءة الكتاب لما فيه من افكار وشروحات مهمة تفيد كل من يبحث في السياسية