مخاوف عراقية من 'انقلاب' إيراني على المسار الإصلاحي للعباديحملة الإصلاح التي يقودها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بلغت مدى يمكن أن يشكل تهديدا للنفوذ الإيراني داخل العراق، الأمر الذي يبرر تحذيرات عراقيين من إمكانية استخدام طهران لبعض أذرعها في الداخل العراقي لوقف ذلك المسار قبل أن يأخذ البلد خارج مدارها.العرب [نُشر في 19/08/2015،
إيران تقرأ في سياسة العبادي بوادر تمرد على نفوذهابغداد - ألغى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي زيارة رسمية إلى الصين كان مقررا أن يبدأها اليوم لأسباب لخّصها مكتبه الإعلامي بالتداعيات الأمنية بكلّ من محافظتي صلاح الدين والأنبار والانشغال بحزمة الإصلاحات الحكومية التي يقودها.
غير أن مصادر عراقية وُصفت بالمطلعة على الوضع في البلاد شكّكت في أسباب تأجيل الزيارة، وخصوصا ما يتعلّق بالجوانب الأمنية قائلة إنّها ليست أخطر من ذي قبل وإنها قائمة منذ فترة ولم تمنع رحلات سابقة لرئيس الوزراء خارج البلاد.
وفي المقابل أكّدت أن السبب الحقيقي لإلغاء الزيارة هو تحذيرات مقربين للعبادي من تحرّك مضاد ضد عملية الإصلاح قد يدبّره رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من إيران، بعد أن تحوّل إلى أكبر المتضرّرين من الحركة الإصلاحية لسلفه بإلغاء منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وبعد أن ضاعف تقرير لجنة التحقيق في سقوط مدينة الموصل من متاعبه بأن وضعه ضمن كبار المسؤولين على كارثة سقوط المدينة بيد تنظيم داعش صيف 2014.
ومن جهته أشار حيدر العبادي أمس، إلى وجود مخاطر على حملته الإصلاحية قائلا إن “أصحاب الامتيازات والفاسدين يحاولون عرقلة العملية الإصلاحية بخلط الأوراق وحرف المطالبات الشعبية عن هدفها الحقيقي”، متوعّدا في الوقت ذاته “بإحالة من يثبت تورطه بالفساد إلى القضاء لينال جزاءه العادل مهما كانت منزلته”.
ويقول مراقبون إنّ إيران لا تقلّ عن نوري المالكي قلقا من التوجّهات الإصلاحية لحيدر العبادي الذي استند فيها إلى دعم الشارع العراقي ومساندة مرجعية النجف.
وذهب البعض حدّ القول إن إيران تلمس في هذه الإصلاحات التي تمت دون تنسيق مسبق معها -على عكس ما جرت به العادة منذ تولي الأحزاب الشيعية زمام السلطة في العراق قبل حوالي 12 عاما- بروز تيار شيعي عراقي عربي محلّي ذي منزع استقلالي سيادي، يمكن أن يكون حيدر العبادي أحد رموزه السياسيين مستندا إلى مرجعية النجف غير المتحمّسة -حسب هؤلاء- لتطبيق نموذج ولاية الفقيه المتبّع في إيران على العراق.
إحسان الشمري: طهران لا تريد التخلي عن المالكي وترى له دورا كدور حسن نصرالله في لبنان
ويذكّر أصحاب هذا الطرح بالأزمة العابرة التي حدثت بين طهران والعبادي بعد أشهر قليلة بعد توليه رئاسة الحكومة حين طالب جميع دول المنطقة -دون أن يستثني إيران- باحترام سيادة بلاده.وغير بعيد عن هذا الطرح نقلت وكالة الأناضول عن الخبير السياسي حامد فاضل قوله إن إيران تراقب التطورات الإصلاحية في الساحة العراقية عن كثب، وترى أن تضحية العبادي ببعض الأحزاب والشخصيات تصفية سياسية من وجهة نظرها.
أمّا المحلل السياسي إحسان الشمري فلم يتردد في الحديث عن نظرة الريبة التي تنظر بها إيران إلى حيدر العبادي قائلا إنه في نظرها أقرب إلى واشنطن وإنه في رأيها ينفذ القرارات الأميركية أكثر من الإيرانية.
وأضاف أن العبادي عالق بين مطرقة ضغوط الأحزاب والمجموعات السياسية، والتطلعات المشروعة للجماهير، معتبرا أن قرارات العبادي استهدفت شخصيات مقربة جدا من إيران مثل المالكي.
ولفت الشمري إلى أن طهران بإمكانها عرقلة عمل البرلمان والحكومة في العراق من خلال نفوذها لدى كثير من الأحزاب والكتل الشيعية في الساحة السياسية.
وقال إنّ طهران لا تريد التخلي عن المالكي الذي تثق به كثيرا بغض النظر عن منصبه، فهي تعتبره قائدا يوازي في ثقله السياسي زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله حسب قوله.
وتبرّر هذه التحليلات مخاوف بعض العراقيين من قيادة المالكي تحرّكا مضادّا ضدّ عملية الإصلاح التي يقودها سلفه حيدر العبادي، متخذا من إيران منصّة لحركته تلك.
المالكي مازال رغم ضعفه يمتلك الكثير من الأوراق القابلة للتوظيف في إرباك الوضع بالبلاد
ويقول متابعون للشأن العراقي إن المالكي مازال رغم ضعفه يمتلك الكثير من الأوراق القابلة للتوظيف في إرباك الوضع بالبلاد ومنع المضي في عملية الإصلاح.وإضافة إلى الدعم الإيراني، ونفوذه في حزب الدعوة الذي ينتمي إليه أيضا رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، يقول معارضون لرئيس الوزراء السابق إنه يستند إلى كمّ هائل من الأموال المنهوبة من الدولة. كما يستند إلى دعم كبير من ميليشيات مسلّحة مشاركة في الحرب ضدّ تنظيم داعش.
ومنذ تقديم العبادي لحزمة إصلاحاته الجريئة ركّز الإعلام العراقي الموالي لنوري المالكي على التحذير من أنّ ما يجري في البلاد يمثل تهديدا لما يسميه “الحكم الإسلامي”، في إشارة إلى سلطة الأحزاب الشيعية.
وخلال الأيام القليلة الماضية اتخذ المالكي من إيران، حيث يشارك في مؤتمر فقهي، منصّة للهجوم على بلدان جوار العراق وللتعليق على ما يجري في البلاد، دون أن يغفل الثناء على ميليشيات الحشد الشعبي الذي تمثل بعض فصائله ذراعا عسكرية له.
وقال المالكي أمس، معلّقا على ورود اسمه بالتحقيق في إسقاط الموصل بيد تنظيم داعش والذي أحاله البرلمان إلى القضاء إنّه “لا قيمة للنتيجة التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية”، معتبرا أن اللجنة “سيطرت عليها الخلافات السياسية وخرجت عن موضوعيتها”، ومؤكّدا أن “ما حصل في الموصل كان مؤامرة تم التخطيط لها في أنقرة ثم انتقلت المؤامرة إلى أربيل”.
وكان المالكي لفت الانتباه بتركيزه خلال زيارته لإيران على الثناء على ميليشيات الحشد الشعبي، حيث قال إنّ قوة الحشد “تعني عدم السماح بمخططات ترکیا والسعودیة في العراق، ولولا الحشد الشعبي لسقطت بغداد”. ويشي ذلك، حسب مراقبين، بتعويل المالكي على تلك الميليشيات التي باتت بمثابة جيش رديف للجيش العراقي في مقارعة خصومه ومعارضيه في العراق، وتعطيل مسار الإصلاح.