هكاري، الفردوس المفقود : جولة في محاضرة الدكتور نيكلوس الجيلو
القى مؤخراً الدكتور نيكولس الجيلو وفي قاعة المجلس القومي الآشوري في شيكاغو محاضرة مرفقة بالصورلأربع زيارات جريئة قام بها خلال السنتين الآخيرتين الى منطقة هكاري في تركيا التي كانت تضم كل من تياري العاليا وتياري السفلى ن جيلو وكَاور. واسغرقت محاضرته هذه زهاء الساعتين استعرض فيها بعض من تاريخ وجغرافية المنطقة حيث نوه ان هذه المنطقة الواقعة حاليا في جنوب شرقي تركيا وكانت جزء من مقاطعة وان ابان الحرب العالمية الأولى كان يقطنها حوالي 150,000 من الأشوريين الذين كانوا يؤلفون حوالي 60% من سكان المنطقة والبقية كانت من الأكراد والأرمن.
الوجود الآشوري في المنطقة وكما اورد المحاضر هو اقدم مما يعتقد حيث كان يعتقد ان ألآشوريين احتموا في تلك المناطق هرباً من غزوات االمغول في القرن الثالث عشر الميلادي، لكن المحاضر اكد ان الوجود الآشوري ربما يعود الى الألف الثاني قبل الميلاد اذ كانت هذه المنطقة متاخمة لمملكة اراراتو والتي شهدت حروب مع ملوك آشورعلى مدى عدة قرون. كما ان لائحة بأسماء المواقع في هذه المنطقة هي بالأكدية وقد ورد ذكرها في ألأثار الآشورية ومن هذه الأسماء وردت اسم بيتكاري والتي تعني مكان جباية الضريبة ، ولحد الأن ثمة وجود لهذه القرية وهناك من الآشوريين الذي يسمون انفسهم "بيتكاريناي" وهناك على الأقل ثمانية قرى اخرى في المنطقة اسمائها من اللغة الأكدية. وهكاري كلمة أكدية وآرامية وتعني الفلاحة.
وقال المحاضر وان لم يكن سكان هكاري يعرفون دوماً بأسمهم الحالي آثورايي / أشوريين ولكنهم بالتأكيد كانوا يعرفون ب "سوارايي" الذي لايعني مسيحيين كما يظن البعض لكنه اسم مشتق من آشورايي وحتى التسمية الفارسية والأرمنية " آسوري " والعربية "السريان" كلها مشتقة من الكلمة آشوراي ألآشورية.
مع اشتعال اوزار الحرب العالمية الأولى عام 1915 كان موقف الآشوريين صعباً في اختيار الطرف الذي ينحازون اليه مع العثمانيين الذين لم يلقوا منهم غير الظلم ام مع الحلفاء الذين وعدوهم بالخلاص واجتمع مارشمعون مع الوالي العثماني للوقوف الى جانبهم وأنتهز العثمانيون الفرصة لتجنيد الآشوريين وهم امرلم يتعود عليه هولاء الذين عرفوا انفسهم بالعشائر المستقلة وكان لهم دوما لهم ملِّكي / ملوك. وهرباً من هذه الحالة المزرية نزح حوالي 50,000من اصل 150,000آشوريي هكاري الى اورميا اما ال 100,000 فلم يبقى لهم أثر. وحتى في اورمي لم يسلموامن الشرالعثماني الكردي الأسلامي فنزحوا في اكبر مسيرة مأساة بشرية عرفها العصر الحديث الى بعقوبة قاطعين آلاف الأميال مشياً الى حيث كان قد اعد لهم الأنكليز الخيم . الأنكليز لم ينفذوا وعدهم بدولة مستقلة لهم في شمال العراق وتم اسكانهم في قرى مبعثرة في شمال العراق. حاول البعض الرجوع الى اراضيهم في هكاري ولبضع سنين استطاعواان يستقروا في خضم المشاكل في مناطقهم ولكن في عام 1924 جوبهوا بالردع من السطات التركية الحديثة وطردوا من مساكنهم عنوة وهكذا ضاعت وسرقت هذه الأرض الطيبة من اهلها والى الأبد.
عشرات الكنائس والأديرة زار خرائبها الدكتور نيكولسن مع سبعة أكادميين شجعان أخرين من مختلف قارات العالم، في أيار من عام 2015 وفي رحلة اقل ما يقال عنها مجازفة لا يقدم عليها الى اؤلئك الذين تربطهم مع تلك الأرض علاقة أدم مع تربة الفردوس. اغلب هذه الكنائس التي ذكرها الجيلو كانت تحمل اسم مار كَوركَيس اومطمريم/ مريم العذراء وكثيرمن هذه الكنائس اصابها الدمار لكونها متروكة لفترة طويلة وكذلك بسبب نبش السكان المحليين عن الذهب ظانين انه مطمور في هذه الكنائس. وقد زار المحاضر القرى التي ينتمي اليها كل من البطريرك الراحل مار دنخا الرابع والحالي مار صليوا الثالث بطريرك كنيسة المشرق الآشورية. ومما يذكر ان اصول كل من بطريركي كنيسة المشرق القديمة مار أدي وبطريرك الكنيسة الكلدانية مار لويس روفائيل ساكو هو من منطقة هكاري المقدسة. كما ان مثلث الرحمات مار روفائيل بيداويذ بطريرك الكنيسة الكلدانية الأسبق هو الآخر اصله من قرية بلن الواقعة في جبال هكاري.
في زيارة لكنيسة مار ساوا في رومتا، تياري كان ثمة لقاء مع نجم الدين وهو رجل كردي أظهرالكثير من المودة للوفد وقال لهم انه بكل سرور يتنازل عن مسكنه في هذه الكنيسة لو استطاع الوفد ان يعوضها له ببيت بديل لأنه رجل فقير وليس له مكان آخر للسكن. الكنيسة هذه هي من طابقين السفلي هو الكنيسة والعلوي كان مخصصاً لزيارة المطارين والبطريرك لهذه المنطقة.
في القسم الثاني من المحاضرة قدم لنا المحاضر الكريم صور أُخذت خلال جولة استمرت 15 يوماً وكل يوم كان مخصص لمنطقة معينة من محافظة هكاري. الصور التي عرضت كانت محزنة من حيث ما آلت اليه كنائس وأديرة وقرى الأشوريين المسيحيين في هذه المنطقة التي بكل ما املك من شاعرية , ذوق، وأحساس-- ولا يهمني رأي الآخرين هنا لأني كما قال الرب يسوع "اعرف خاصيتي وخاصيتي تعرفني" وقديس هو اسم الرب، انا هنا ايضاً اعرف جمال الطبيعة لأنه اختصاصي-- اعود وأقول ان هذه المنطقة هي حقاً فردوس ارضي بجبالها وسهولها الخضراء والأهم ب " زاوا/ الزاب الكبير " الذي يسقى ارضها الطيبة. زاوا العظيم او الكبير كما يسمى في العراق الذي تصب فيه سواقي مياه الثلوج من أعالي الجبال ومن كل حدب وصوب يصب أخيراً في دقلت/ دجلة الخير الى الجنوب من سهل نينوى.
في كل يوم كان زيارة مخصصة لقرية معينة وقد استقبلهم الأخوة الأكراد بكل رحابة صدر الا منطقة واحدة نفى سكانها وجود ايّ اثر للأشوريين هنالك، وفي منطقة اخرى وقد اصبحت عامرة حالياً أظهر اهلها غلاظة مع الوفد ومنعوهم من زيارة المنطقة، كما لمح الوفد تهديدات بالقتل من بعض الأسلاميين الأتراك ، وكما قال المحاضر: يعني احوَل مزدينتا واوا / الوضعية كانت مخيفة حقاً.
المحاضر ذكر العلاقة الطيبة بين الأكراد والأشوريين فيماكان يعرف نظام "بازكي" والذي هو اتفاقية شفوية بين عشائر المنطقة كردية وآشورية وكانت غالباً ثنائية وأحياناً أكثر لحماية الطرف الآخر حين يقع هجوم على اين منهم وهذه العلاقة كانت جزء من ثقافة المنطقة واستمرت لفترة طويلة حتى بعد عودة قسم من الآشوريين من العراق الى مناطقهم في تركيا كما ذكرنا.
في معرض حديثه تكلم الدكتور الجيلوعن لقائه بأكراد من اصل آشوري وما أكثرهم في هذه المنطقة . حجي حسن كان آشوريا من بيت مرقس وجبرته قساوة الظروف والظلم العثماني في تخوما ان يتحول الى الأسلام وها هي صورة لعائلته وفيها ابناء حجي حسن وأحدهم هوحجي محمد . وقصة اخرى حكاها الجيلو: نادل في مطعم التقانا وأخبرنا ان جده كان اسمه هرمز ثم أخذنا لشرب الشاي في بيته ويرينا عائلته الكبيرة المكونة من 30-40 شخصاً. وحالياً ثمة عشرين عائلة انبثقت من ضلع هرمز الطفل اليتيم الذي تلقاه شيخ كردي ورباه في بيته بعد ان فقد الطفل كل ذويه في الفرمان العثماني . وحتى سائق الوفد في اليوم الأخيراقر ان اسم جده لأمه هو اوشانا. وهنا اقول من لا يعرف ماهو التغيير الديمغرافي فليأخذ الدرس من هذه الحكايات.
وقفة اخرى فيها عِبرة وعبرَهذا التقرير المتواضع ذكرها المحاضر قائلاً في اليوم العاشرمن جولته وصل الوفد المذكور الى قرية يسكنها آتوراي / آشوريين كما ذكر وانا اقول هنا كلدان نسبة الى الطائفة التي ينتمون اليها ومن محاضرة سابقة للباحث الأكاديمي نينب لاماسو من استراليا كان قد ارانا صور لبعض العوائل من صناديد اهلها وقد تركوا الرفاه والسلام في اوربا وجاءوا ليعيشوا البساطة والخطورة في ارض الأجداد، كَزنخ الجميلة. هكذا ايضا الباحث نيكلس الجيلو ذكر وأرانا الصور عن المخلصين من هذه القرية وقد جاءوا بثلاث من رفات المتوفين في بلجيكا لتكون راحتهم الأبدية في قلب الفردوس الأرضي، كزنخ الجميلة قرية الأباء والأجداد. هؤلاء الأشاوس جلبوا معهم كاهنين واحد كلداني وآخر سرياني لأداء مراسيم الدفن حسب التقاليد الموروثة.
في الختام وبعد ان زرت صفحة "الفيس بوك" Assyrian Hakkari and Botanالتي تعود للدكتور نيكولس الجليو وأقرانه احببت ان أخذ منها ومن بعد رخصتهم هذه المقابلة التي اجراها معه مندوب تلفزيون نينوى في شهر ايلول من هذا العام اثناء انعقاد الكونفشن الآشوري في مدينة شيكاغو.
الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=bDCwnoOq4zM&feature=youtu.be بعد هذا اود ان اقدم بعض الصور التي التقطتها في هذه المحاضرة القيمة، ولكن قبل ذلك علي ان اسجل اعجابي بشجاعة نيكولس الجيلو المولود في استراليا , واول زيارة له الas ى موطن اجداده في جيلو تركيا كانت حين عمره 19 سنة. حالياً هو بروفسور في جامعة ملبورن / القسم السرياني.
العجيب في هذا الشخص حين تستمع اليه لا تصدق كيف حفظ عن غيب القلب المئات من اسماء القرى في تركيا والعراق وسوريا وايران، واضافة الى تعلمه كافة اللهجات ويلفظ الكلمات العامية " جلفي" سواء بالسورث او العربي العراقي وكأنه قد تربى على تلك اللهجات. هذا عدا معرفته الكاملة بأحداث المنطقة وتاريخ الأقليات في المنطقة والذي هو اختاصاصه.
حنا شمعون / شيكاغو