المحرر موضوع: كواليس عالمنا كوابيس: نعيش فنطازيا روائية!  (زيارة 905 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل برهان الخطيب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 40
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
كواليس عالمنا كوابيس: نعيش فنطازيا روائية!

برهان الخطيب
للصورة أكثر من صورة، للمشهد، حسب زاوية النظر. كذلك المشهد السياسي، من زاوية روسيا لا تراه كما تراه من تركيا، بل ومن أي منهما له أكثر من صورة، في كل بلد اليوم أكثر من مركز قوة، أكثر من صورة مرغوبة لأوطان مرعوبة. روسيا تدافع عن وجودها المادي والمعنوي الممتد بعيدا، كذلك تركيا، عند نقاط التماس الاصطدام محتمل، العقل الوطني في أي منهما يرفض أي اصطدام، فيه خسارة الطرفين، العقل الأجنبي يحبذه فيه قوة له. من زاوية مصلحة الطرفين أنظر إلى إسقاط الطائرة الحربية الروسية والتصعيد الإعلامي حوله أرى الموضوع فتنة تركية روسية جديدة، يروج لها الإعلام إضافة إلى فتنة سنية شيعية يطبلون لها لا تنشب، عربية كردية عليها عتب، والآن قوة عربية، تركية، أمريكية، إلى العراق يُراد منها شغب. عليه يجب تدارك الفتنة التركية الروسية، أردوغان يدرك ذلك متأخرا يخاطب بوتين:  خلينا لا نُفرح أحدا بالذي حصل! بوتين له حق ينفعل يكرر بالقطيعة مع تركيا خطأ منع وصول السياح الروس إلى مصر.
مصدر الفتنة الرئيس ليس في أي من البلدين بل خارجهما، لماذا؟ لأن كلا البلدين ينطلق في سلوكه من قيم يريد المحافظة عليها، ايران وروسيا ينجحان في ذلك، لرجاحة الحكم إلى وطنيين أقحاح، على تركيا وروسيا النجاح أيضا هنا وأبعد لمصلحتهما. نبقى نتساءل لماذا مصدر الفتنة من الخارج؟ نعم، النزعة الروحية في كل من تركيا، روسيا، إيران، العراق، غيرها، تدفعهم إلى تسويات وتآلف مع المختلف، لكن النزعة المادية التي يقوم عليها الغرب، يروّج لها في منطقتنا إعلامه أيضا، ضمنا تدخله السافر المتكرر البعيد، هي مصدر المشاكل والحروب دائما.
طبعا يمكن النظر من جهة أخرى إلى ترويج الفكرة الأخيرة، ولو فيها نقد للغرب، نرى إن ذلك الترويج والنقد في ذاته من أسلحة الغرب، يمنح التمسك بالروحانيات فرصة إحساس فوقاني، ليبقى الشرق عليها مع ما فيها من أسباب تأخره عن الغرب. هكذا الحال مع أي فكرة، لها وجهان، نقض النقيض أسلوب إلى الحقيقة، يتم الوصول إليها يتحرك عملاء لإحباطها بمختلف الأساليب، يعني بداية صراط أمة إزاحتهم، بتشريع قانون يكبحهم، يعيدهم إلى رشدهم، والأمة إلى هدف سوي.
الكارثة تكبر
وجهة النظر التركية الأردوغانية لو تصح، جمع المسلمين مجددا في أمة واحدة لا غبار عليها في الظاهر، تآلف الأقوام في المنطقة، جغرافيا، دينيا، أخلاقيا، اقتصاديا، بل وثقافيا أيضا مادام للمشروع سابقة ناجحة في أمة الرشيد الرشيدة حيث تتآخى مختلف الديانات، في أمة الأندلس، بل ويبدو مشروعه تعويضا أو تطويرا  في منطقة حيوية  للمشروع السوفيتي المُحبط من داخله، لأسباب عند التقصي نراها أيضا وراء إحباط المشروع الأردوغاني في المستقبل تؤكد الدلائل، ما هي تلك الدلائل؟ ما يحدث منذ إسقاط الطائرة الروسية وتجيش الغرب جيوشه لدخول المنطقة وملئها نفوذهم لإزاحة الروس، يعني الاستعداد لإقامة نظام جديد في المنطقة لا يحدث بسبب تطور قدراتها الذاتية إلى نموها وحماية ذاتها بل بتنصيب من الخارج نحو استكمال نظام جديد للعالم، أي تكرار خطأ قديم، قوى وطنية لا تُردع بقرار سقيم، ذلك لا يحدث فجأة، بل ان تفاصيل حادث اسقاط الطائرة وما قبله مليء تفاصيل أخرى تكشف افتعاله، تدبيره، للوصول إلى النتائج السياسية المعاشة اليوم، المستَحدثة أو المحبَطة غدا.
محليا، كما يحدث اليوم، أواخر ستينات القرن الماضي قبل وأثناء صعود البعث يعيش العراق فراغا سياسيا رغم ضجة يدفعنا نحن الشباب إلى التفكير في ملئه عوض الأحزاب الشائخة البائخة سبب خراب العراق، نقرأ التجارب الثورية نحاول ابتكار الحلول لبلدنا، بعضنا يتعجل، ينزل إلى الأهوار، أخسر صديق الطفولة زميل كلية الهندسة سامر مهدي صالح (اسمه في البيت صلاح) إلى من يصعد إلى الجبل، إلى من ينضم إلى المقاومة الفلسطينية، إلى خوض نشاطات ديمقراطية، عرائض، احتجاجات، يُعدم الصديق مطشر حواس، آخرون لا أعرفهم، يختفي من يختفي، أستَدعى إلى أمن الوزيرية للتحقيق، أصل إلى استنتاج في بداية فورة أدبية: لا بد من تصوير الوضع بالكلمة، عقلنته، تحويله من فوضى طاحنة تتلف الأخضر واليابس إلى صورة واضحة تجنبنا مزيدا من خسائر. أبدأ مشروعي الأدبي.
لمحة تاريخية
أول ما يجابهني ولا يزال سؤال: ما هو الشر ما هو الخير، ينعكس ذلك مباشرة في روايتي الأولى (شقة في شارع أبي نؤاس)... ذات ليلة رأى سليمان في الحلم كأن الرب يقول له: يا سليمان سل ما أحببت لأعطيك؟ فقال سليمان: يا رب أنعمت على داود نعمة عظيمة وصيرت عبدك سليمان ملكا بعده فاعطني يا رب قلبا حكيما لأحكم بالعدل وافهم الخير والشر. فقال الله: طلبتَ هذا الأمر ولم تطلب مالا ولم تطلب أنفس أعدائك ولم تطلب طول العمر... ص73  (شقة في شارع أبي نؤاس) 1972 طبعة بيروت. الرواية مكتوبة عام 1968 تشير الصفحة الأخيرة من طبعتها المذكورة.
أحمل السؤال الفلسفي مع دراستي الهندسة تطبيقيا منتصف الستينات إلى مصر، التقي هناك الممثل العظيم محمود المليجي المختص في أدوار الشر كل عمره، وهو السيد النبيل المهذب الراقي، أدهش كيف يجيد رجل الخير قربي أداء أدوار الشر، الشر والخير متلازمان يكمل أحدهما الآخر؟ لماذا تختص أستاذ محمود بها وأنت الصالح لأدوار الفتى الأول بما لك من قامة هيفاء وشكل جذاب؟ يقول بأسلوبه الرصين المتأني بعد تردد: الخير والشر ما لهمش علاقة بالمظهر، ويمكن لولا الشر لا يظهر الخير. نتكلم طويلا في الموضوع، اتأكد من كلامه بعد أسبوع فقط حين أقابل الممثل العظيم الآخر إسماعيل ياسين، نقيض محمود المليجي في كل شيء على الشاشة، أراه في الواقع كاسحا يصلح لدور الشر أكثر من محمود المليجي، حتى وهو يهزل معي حين يقول: تعال إلى المسرح  بكرة، العرض أحسن من عرض اليوم. أقول له لا يمكنني غدا مع الأسف الحضور إلى المسرح، بسبب ارتباط مسبق. يرد (سُمعة) يمثل الانزعاج: طيب هات ثمن التذكرة وانشاءالله ما تجيش! أضحك عاليا، ثم أمزح في الحال معه ممثلا الزعل أرد: صحافي مهم زي حلاتي مش بس يستاهل تذكرة مجانية منك يستاهل ترقص له كمان! يفتح سُمعة عينيه وسعهما، يصيح فجأة يكلم مُرافقه وراء الكواليس: يا مصيبتي! الواد العراقي ده هيقلعني هدومي.. خدوه مني قبل ما أضربه يضربني!..
يُختصر مفهوم الخير والشر عندي إلى: لا تؤذ غيرك! ذلك يصح وقت انعدام الشر، إنما وقت حضوره متمثلا في الغير لا بد من إيقافه. نعود نحدد معنى الخير والشر، القانون يحدد ذلك، يتحول القانون إلى شر أحيانا حتى في دول متقدمة أرى هل نبدأ ثورة عليه، ندور في حلقة مفرغة؟ لا بد من فصل الخاص عن العام، ولا بد من جمعهما، على ساحة الأدب في الأقل تجنبَ الوقوع في شر على طريق بناء خير، خلاف ساسة يرتكبون الشر عامدين لتحقيق خير في رأيهم لاحقا، لا ندري عنبهم يتحول إلى خل أو نبيذ بعد حين. في هدي من ذلك اللحن الحزين أوشك على انجاز مشروعي الأدبي درزن روايات، دراسات، ذلك قد يعين اليوم على النظر من زاوية أكاديمية إلى الأحداث تراها العين كما هي في الواقع، تحلل، تشخّص لمصلحة عامة، لا كما يراها غوغائي من زاوية طائفية أو عرقية أو دينية أو طبقية تزيد التشاحن تضيع في النتيجة المصلحة الخاصة والعامة، ولا كما يراها انتهازي من زاوية نخبوية تغلّب الخاص جدا على العام، النتيجة تدمير العام.
ندرس تجارب غيرنا لا ندفع ثمن الخبرة من تجاربنا، مرارة، خسران. تلك فائدة وضرورة النزعة الأكاديمية التي يجري حتى عليها صراع بين النزعة الغوغائية والنزعة النخبوية، لركوبها واستثمارها لفائدتهما، ذلك يمنح بعض الدراسات المعاصرة قيمة الصفر المطلق. شهادات دكتوراه أدري تُمنح لأناس لا يستحقون شهادة متوسطة، وقت يجري عزف نشيد لا على بلد بل من بلد المحبوب وديني قبل استلام تلك الشهادة عن استحقاق فقط لعدم الانضمام إلى جوقة الأرقاء. يعني ميدان المعرفة المعركة يمتد إلى كل الآفاق، بدايتها قلت نقرأ في الستينات: يمكنك الاستفادة من سلاح العدو، يمكنك استعمال قوة العدو لإيقاعه، استعمل زخم العدو لإطاحته، الوصول إلى فرد عبر أقاربه، أخوته، تألبهم الواحد على الآخر منهم تكسبهم، التدمير يمكن بالمحاصرة، بالعزل، بالحسنى.. تلك الوصايا الميكافيلية وغيرها وراء المشاكل والحروب في منطقتنا قبل صراع مصالح يمكن فضه في تفاهم.. يا أردوغان تريد أن تكون خليفة المؤمنين سر نحن وراءك، تزيد اندفاعته، (اجبحه اثناء ركضه) شيخة الناتو امريكا تصفق له: لتركيا حق الدفاع عن حدودها، وهي لا تدري أين سقطت الطيارة، أعطوهم ملايين الدولارات لإيقاف الهجرة، كأنما الهجمة تشن على تركيا فعلا لا على سوريا بشار البطلة الصامدة! حتى بوتين يحاولون استعداءه على الجيران.. تريد أن تكون خليفة بطرس الكبير سر نحن وراءك.. اسرائيل تؤكد له على طرف المعادلة المقابل: لن نسقط أي طائرة روسية حتى لو تدخل حدودنا، وانت يا أردوغي يصيبك جنون العظمة! اكتبوا عن بوتين في مواقعنا صحفنا: أقوى رجل في العالم.. يواصل الاصطدام بوتين وأردوغان.. النتيجة بأي آلاء ربكما تكذبان.. قطيعة روسيا مع جيرانها مطلوبة لا لإسعاف بل لإضعاف روسيا والجيران.. لتقدم الغرب الحيران..
لمحة جغرافية
بالقلم العريض، بعد اسقاط الغرب الاتحاد السوفيتي من الداخل، بعد حرب باردة ممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، ونهوض الروس مجددا بقيادة تيار بوتين، تيار يدعمه غالبية الروس، من شيوعيين إلى قوميين، أكثر من ثمانين بالمائة ينتخبوه، المثليون، السحاقيات، اللصوص، المتهرئون، لا ينتخبوه. النزعة الأخلاقية، أهمية العائلة، برعاية الكنيسة وسلطة الكرملين واضحة عند عموم الروس الأسوياء بوصفهم عامل وحدة أيضا يجمع عموم الشعب ضد تفكيك يهددهم يهدد كل الأقوام من جهة متحللين كوسموبولوتيين، من طامعين.
 يواصل الغرب سعيه على أكثر من محور، بأكثر من أسلوب، عنفي وسلمي، ظاهر خفي، نحو استكمال تفكيك روسيا لإلحاقها بالغرب في الطريق إلى تفكيك الصين لاحقا وإلحاقها به أيضا وتكوين قرية عالمية واحدة عاصمتها الانترنت. من أجل ذلك يجري ضرب حلفاء الروس، القذافي وتفكيك ليبيا، صدام وتقسيم العراق، علي صالح وتهشيم اليمن السعيد، إلى المالكي والعبادي وما يتبقى من العراق، إلى السيسي وتخريب مصر، حتى اسرائيل وتركيا لا تسلما على مدى بعيد من توسع الغرب نحو الشرق، كل الاتجاهات. ذلك لو ينجح الغرب لاحقا في هجمته الحالية المعقدة لا تصير مقعدة له.
تسليم روسيا بخسارتها في ليبيا، تركها الأوضاع تتعقد في العراق وسوريا، اسقاط طائرة الركاب الروسية في شرم الشيخ، اسقاط المقاتلة الروسية من تركيا، غير ذلك قد يبدو انتكاسا لمعسكر الشرق الذي تقوده روسيا اليوم، لكن هل حقا هو انتكاس؟ لا يحتاج المرء أن يكون قائدا عاما لقوات مناهضة للناتو، رأس حربة هجمة الغرب الخفية حتى الآن، ليعرف أن تراجع روسيا في ليبيا، ارتباك موقفها سابقا في العراق، في اليمن، إن هو إلاّ انسحاب مؤقت لامتصاص الهجمة، لتجميع الصف ورسم الخنادق صحيحا كي لا تتداخل، أكثر من تداخلها الكثيف الحالي، لا تؤدي إلى مزيد من خسارة. كوتوزوف تراجع في البداية أمام نابليون حتى إلى مشارف موسكو ثم دحر العدوان الفرنسي، ستالين تراجع أمام العدوان الألماني ثم دُحر العدوان. فالعِبرة ليس فقط في الدفاع عن النفس، عن الكرامة حسب، بل في الخروج من حالة الدفاع منتصرا. ذلك مختصر أذكره قبل سنين عن سكوت التاريخ وتقدم الجغرافيا، يكون لها الكلام الحسم في النهاية. يعني كان لا بد لروسيا التراجع إلى حيث لا تخسر لو.. أو.. حين تكبر المواجهة، لا هي، لا التيار الوطني فيها، لا ذلك التيار عضيدها في الدول الأخرى، المهدَّدة أيضا من  اتساع شهية رأسمالية متوحشة لا تريد أو لا يمكنها ترويض حالها.
فنطازيا.. ليتها روائية!
عند بوابات روسيا السفلى المتصلة بالبحر الأبيض المتوسط، البحر الأسود، أمامها استعداد لأكبر منازلة، تضطر إلى دخول مواجهة، دفاعا عن وجودها، بالتالي عن وجود الدول الوطنية في منطقتنا قبل غيرها، التي تريد مواصلة عيشها في سلام في ظل أخلاقياتها شرائعها عاداتها لا تريد استبدالها بأخرى وافدة، دع كلام الثروات الوطنية جانبا، لا تريد إضاعة حالها حال أوربا في غيرها، من هنا عدم رضا عسكر تركيا على انفلات أردوغان وتوقيف بعضهم، من هنا التلاحم الروسي الإيراني العربي القفقاسي الصيني الكازاخي القرغيزي.. إلخ.. حاليا، غدا يتبعه تلاحم تركي روسي وأبعد لو يتم تأهيل مجنون العظمة، أو تحييده ولو في حلم له نحو خط رجعة، نحو استقالة. لا يرتدع، لا يعقل، لخضوعه إلى أبالسة الإيهام والعدوان لا الإبداع والسلام، تتسع المواجهة!
قبلها تغدو التضحية بأي من أبطال الحقيقة انكسارا لا يشفى. تساؤل الستينات وقبلها عن الخير والشر باقٍ اليوم.. لا يضيع بين تركيا وروسيا.