المحرر موضوع: بابل... ملتقى الأديان الإبراهيميّة وتربة قبور الأنبياء ومقاماتهم ومزاراتهم  (زيارة 1340 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37779
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


المونبتور / وسيم باسم

العراق، بابل- تنتشر في أنحاء العراق المعالم الدينيّة، وهي في أغلبها مراقد لشخصيّات دينيّة وتاريخيّة، إلاّ أنّ محافظة بابل (100 كلم جنوبيّ بغداد) وحدها تنفرد بوجود عدد من مقامات الأولياء والأنبياء من مختلف الأديان. ووفق المعلومات الموجودة في كلّ مرقد أو مقام، نعرف أنّ هؤلاء إمّا مرّوا في المدينة وإمّا أقاموا فيها وإمّا ماتوا فيها. ففي مدينة الحلّة، مركز المحافظة، يقع مقام النبيّ أيوب على شاطىء الحلّة، وهو فرع من نهر الفرات، وتفيد لوحة معلومات علّقت على حائط المكان أنّ هذا النبيّ، الّذي ورد ذكره في القرآن وعاش قبل نحو 2500 سنة، أعطى مثلاً عن الصبر وقوّة إحتمال النوائب، وعلّمهما إلى الناس، إذ أنّه صبر زمناً طويلاً على مرضه حتّى دعا إلى الله، فشفاه. ولقد شاهد "المونيتور" كيف أنّ الناس يقصدون بئراً في المكان يغرفون منها الماء ليغتسلون فيه. ووصفت امرأة عجوز لـ"المونيتور" حملت كوب الماء في يديها، وهمّت لتغتسل به هذا الماء بأنّه "مبارك فجّره الله تحت قدمي النبيّ أيوب، وهو يشفي من الأمراض".

ورغم أنّ النبيّ أيّوب ليس مسلماً، إلاّ أنّ المسلمين يحجّون إليه ويتبرّكون بزيارته، إذ ورد ذكره في القرآن بوصفه رسولاً من الله.

وإنّ الإتّفاق على أنّه نبيّ مرسل، لم يمنع الإختلاف على مكان إقامته، فثمّة مقام له في سوريا، وفي عُمان أيضاً، إلاّ أنّ الشيخ علي الياسري، وهو أحد رجال الدين الّذين يقومون بالإشراف على المكان، قال لـ"المونيتور": "النبيّ ولد في سوريا فعلاً، لكنّه نزح إلى العراق".

بيد أنّه لا يمتلك الدليل على ما قاله سوى أنّ "هذه المعلومات التاريخيّة تداولتها الأجيال".

وفي مدينة الكفل، الّتي تبعد نحو 30 كيلومتراً عن الحّلة - مركز المحافظة، يرقد النبيّ اليهوديّ ذي الكفل، الّذي قدم إلى العراق خلال السبيّ البابليّ الأوّل لليهود في عام 597 ق.م، ويزور المسلمون قبره ويتبرّكون به لورود اسمه في القرآن كنبيّ مرسل من الله. وكان "المونيتور" قد زار المكان في 6 أيّار/مايو من عام 2015، فوجد أنّ تربته ضمّت قبور شخصيّات يهوديّة مقدّسة مثل مقام يوحنا الديملجي المعروف بأنّه من الّذين كتبوا التلمود القديم، وهو مجموعة من النصوص المقدسة، يقول اليهود عنها إنها أعطِيت للنبي موسى حين كان على الجبل،

وتحدّث مدرّس التاريخ في الدراسة الإعداديّة ببابل حسن المالكي مع "المونيتور" فأشار إلى أنّ "أغلب هذه الأماكن لم يتمّ التثبّت من حقيقتها التاريخيّة، لكنّها رغم ذلك أضحت أماكن مقدّسة لما لها من رمزيّة روحيّة"، لافتاً إلى المفارقة الإجتماعيّة في هذا الشأن، وقال: "الوازع الدينيّ القويّ بين الناس يجعلهم يزورون هذه الأماكن، فيما تكاد الزيارات للأماكن التاريخيّة مثل آثار بابل وكيش تنعدم بسبب عدم ارتباطها بالمشاعر الدينيّة".

ويبدو أنّ هذه المفارقة الإجتماعيّة تعمل بأماكن أخرى في هذه المنطقة، إذ تلتقي سياقات تاريخيّة مختلفة مع ما يؤمن به الناس، كما هي الحال في مقام ولادة النبيّ إبراهيم، الواقع في قرية بورسيبا بين الكوفة والحلة، الّذي زاره "المونيتور"، ورأى كيف أنّه بات مزاراً دينيّاً يؤمّه الناس، وهو على غرار أغلب المعالم الدينيّة تعلوه قبّة خضراء، لكنّ هذا البناء الشاخص يتعارض مع المعلومات الّتي تفيد بأنّ ولادة ومقام النبيّ إبراهيم كانت في أور، بمحافظة الناصريّة جنوبيّ العراق.

وفسّر هذه التّعارضات لـ"المونيتور" رجل الدين حمزة الياسري قائلاً: "النبيّ إبراهيم هو أبو الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، ورغم اكتشاف بيت له في أور حيث ولد، إلاّ أنّ الروايات المتداولة بين الناس تفيد بأنّه أقام في هذا المكان".

ومن الواضح أنّ كلام حمزة الياسري يحتاج إلى دعم الأدلّة التاريخيّة، لكنّ هذا غير مهمّ إزاء ما يعتقده الناس. والحال، لا شكّ في أنّ هذه الأماكن الدينيّة تكتسب اليوم رمزيّة خاصّة، لأنّ أغلبها يرتبط بمعتقدات المسلمين الشيعة الّذين يقدّسون الأئمة والشخصيّات الدينيّة في شكل مقامات ومراقد، على عكس المذاهب الإسلاميّة الأخرى، مثل المذهب الوهابي المنتشر في السعودية ودول الخليج، الّتي تعتبر ذلك شركاً بالله، وهو ما يفسّر تهديم الكثير من القبور في مناطق النزاع بين السنّة والشيعة، كما هي الحال في مقام النبيّ الخضر بشمال بابل، حيث قامت جماعات مسلّحة تابعة لتنظيم القاعدة بهدمه في عام 2008 بسبب اعتقادها بأنّ زيارة القبور شرك بالله، في حين أنّه كان مقاماً دينيّاً يزوره الشيعة.

وتحدّث رجل الدين عمران الياسري لـ"المونيتور" عن هذا المقام قائلاً: "الدليل على صحّة وجود مرقد الخضر هنا، تلك الكرامات في شفاء الأمراض وجلب الرزق، وهذا الدليل يفوق في أهميّته أيّ بحث تاريخيّ يمكن أن يكشف عن حقيقة المكان".

هذا ولاحظ "المونيتور" أنّ هذه المقامات الدينيّة، ذات هياكل بناء جيّدة، وتتوافر فيها الخدمات، إذا ما قورنت بأماكن أثريّة غير دينية مهملة، ولا تصل إليها يدّ العناية على رغم إنها تابعة لوزارة السياحة والآثار.

وعزت عضو مجلس محافظة بابل سهيلة الخيكاني في حديثها لـ"المونيتور" هذا الإهتمام إلى"التّكافل الإجتماعيّ والتبرّعات من قبل الناس لترميم هذه الأماكن، لما تمثّله من أهميّة دينيّة بالنّسبة إليهم".

وإزاء ذلك، رأى رجل الدين سعيد الموسوي في حديثه لـ"المونيتور" أنّ "أيّ تشكيك بحقيقة وجود هذه المقامات هو مؤامرة تقف وراءها جهات تكفيريّة تدعو إلى هدم المراقد والمقامات، وهو ما ينادي به تنظيم داعش".

غير أنّ التّشكيك بحقيقة بعض هذه المقامات "حقّ مشروع"، بحسب باحث إجتماعيّ، رفض الكشف عن هويّته، لـ"المونيتور"، لأنّ "البعض يستغلّ الوازع الدينيّ للناس، ويسعى إلى إقامة مقامات دينيّة وهميّة لغرض التكسّب"، مؤكّداً أنّ "المرجعيّات الدينية ترفض مثل هذه المزاعم".

وهذا الرأييدعمه تأكيد المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي، في 3 أبريل/نيسان 2013 من "انتشار ظاهرة المزارات الدينية من دون التحقيق في صحة نسبتها إلى أصحابها".

ومهما كان الموقف القانوني والشرعي من هذه المزارات الدينية، فإنّ الأمر المؤكّد، هو في تحوّلها إلى أماكن جذب للزوار من داخل العراق وخارجه، ما يدفع إلى تنشيط السياحة الدينية التي يُعوّل عليها في ضخ واردات جديدة إلى خزينة الدولة العراقية في ظل أزمة اقتصادية سببها انخفاض أسعار النفط
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية