وقفة مع بعض النقاشات في الشان المسيحي
بطرس نباتي منذ مدة طويلة قررت ان لا أتدخل سلبا او ايجابا بامور تخص الشان الكنسي والحزبي وابتعدت قدر المستطاع عن الكتابة او الردود بهذين المنحيين
ولأسباب عديدة وفي مقدمتها ،ان من يتولى شؤون وشجون ما تسمى احزاب شعبنا وقادة كنائسنا يتصورون أنفسهم اكثر عقلا وأفضل دراية منا في أمور الدين والدنيا (وعذرا للمفكر والكاتب يعقوب افرام صاحب كتاب بهذا العنوان) ، وبتصورهم ان ما يفكرون به يتفوق على ما يمكن ان تفرزه عقول أبناء الرعية ،فنحن جميعا رعية او خراف ضاءعة او في طريقها الى الضياع ،وهم رعاة وقادة ،حكماء لا احد يعرف حتى مصلحة عائلته اكثر منهم .
اضافة الى الردود المتشنجة والتي تصل يعضها لحد السب والشتم لمن يحاول ان يتناول شانا لا يعجب الذي يكتب الرد فيتمادى بشن حملات دينكوشوتية على من يدلي برأي يخالف رأيه وكأنه هو من يمتلك الحقيقة كلها اضافة لما يأتي به من المنطق ومن فلاسفة اليونان ويستنسخ كل ما تجود به قريحة الشيخ (كوكل ) ليفند المقابل لان ما ذهب اليه كاتب المقال لا ينسجم مع تلك المصالح التي يسعى لتحقيقها والذي يضع كل جهوده في مدح هذا او ذاك من اجل تحقيقها .
لهذه الأسباب التي ذكرت البعض منها فقط ، عزفت عن أدلي برأي في هذا الشأن ثم أليس هناك مثل يقول (الباب اليجي منه الريح سده واستريح) وانا من ضمن هؤلاء المسترحين ولحد الان .
ولكني لا اخفي عليكم بين فترة واُخرى ،ومنها في هذه اللحظة ، اود ان اجلب لنفسي القليل من الصداع وخاصة من قبل اصحاب الردود التي ترى في الكاهن شخصا سماويا مقدسا لا يمكن مناقشته الا بكيل المديح له ،وردود اخرى مودلجة ترى في حزب او في صاحب حزب ما منزّها عن الخطا وحتى ولو كان ما يدعوه حزب ، مجرد حانوتا صغيرا في حارة باءسة ، وان هذا الرئيس او صاحب هذا الحانوت يتمتع بأروع صفات القيادة والمقدرة والقوة ، وكأنه سوبرمان او سبايدر هذا العصر .
في البداية اود ان احيي السادة رجال الدين المسلمين لأنهم استطاعوا خلال هذه الأعوام الاخيرة من تاريخ العراق الحديث اي بعد 2003 ان يحتلوا ثلاثة او اربع مواقع مهمة في القرار السياسي العراقي وتمكنوا بجدارة واقتدار من إيصال العراق الى فساد وتأخر وصراعات طائفية وتدمير لا نجد له مثيل في تاريخ هذا البلد المبتلى بهم ،من هذه المواقع :
أولها : أصبحوا قادة سياسيين يقودون احزاب دينية استأثرت بالسلطة وهذه الأحزاب هي حزب الدعوى والمجلس الأعلى الاسلامي العراقي والحزب الاسلامي العراقي وحزب الله والذراع السياسي لجيش المهدي والحزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني وحزب التحرير الاسلامي ومنظمة العمل الاسلامي واتحاد علماء المسلمين وجماعة ومنظمة العمل الاسلامي وحزب التحرير الاسلامي منظمة العراق ورابطة علماء العراق وكومه له ى إسلامي كردستان ، ما شاء الله على هذا العدد ،وهناك غيرها لا تسعفني الذاكرة لتعدادها، هذه الأحزاب وصل مرشحيها الى قبة البرلمان العراقي وشكلوا فيه أغلبيات لها وزنها عند التصويت على اي قانون او قرار ويجب ان يجير لصالحها وإذا شعرت بانه لا يخدم تطلعاتها فإنها تعمل على نسفه او عرقلته وهي تصل الى سدة الحكم والبرلمان عادة بتزكية المرجعيات الاسلامية ، وبتزوير البطاقات الانتخابية ، وباستغلال مواقعها في الحكومة لإعطاء وعود بالتوظيف او بإهداء أراضي او بمبالغ نقدية ومساعدات اي بشراء الذمم وياتي في مقدمتها حيازتها على تأييد ومباركة المرجعيات الدينية طبعا .
ثانيها : ما تسمى بمرجعييات وفتاويها وخطاباتها التي اصبحت شريعة اخرى لله على ارض الرافدين هناك مرجعية سيستاني ومرجعية صدرية للتيار الصدري ومرجعية حكيم ومراجع سنية عديدة منها حزب العمل الاسلامي والكبيسي والوقف السني هذه التيارات والمراجع الدينية استأثرت بالسلطة في العراق عبر فتاوى واستطاعت خلال السنوات السابقة ولحد الان سحب البساط السياسي والاداري من تحت الأحزاب الليبرالية والعلمانية والقومية وجردت هذه الأحزاب الاخيرة الأحزاب الاخرى الييبرالية ليس من السلطة في حكم البلاد بل عملت هذه المراجع والتيارات والأحزاب السياسية على تسقيط كل فكر ليبرالي او علماني بواسطة سيطرة هذه القوى الدينية على عامة الناس وتأجيجها الشارع العراقي ضد القوى العلمانية مستفيدة من سطوتها الدينية على شارع جاهل للأسف يشكل الأكثرية من الشعب العراقي.
بعد انفراد هؤلاء اللصوص بالسلطة ضاع المواطن العراقي وسط نزاعات طائفية هم كانوا أدواتها ورموزها ودمروا الوطن بالفساد والارهاب ،وهم سنة بعد اخرى يدفعون بالوطن نحو هاوية الفقر والجهل واستباحوا خيراته بالنهب والابتزاز وبأرقام تفوق التصور ،وهم يمعنون يوما بعد يوم في اذلال وتضليل المواطن البسيط وجعله منفذا لمشاريعهم الخبيثة والتي يتحكم بها دول لها اطماع ومشاريع دنيئة في العراق
هذا حصيلة ما جنيناه من تدخل المرجعيات السنية والشيعية اي الدينية في الشأن السياسي العراقي.
وأصبح حال المواطن العراقي يصرخ يحرقة (باسم الدين باكونا الحرامية ) ولا من مجيب .
في المقابل نحن المسيحيين او لنقل جميع المكونات الاخرى غير الاسلامية كانت ولا تزال منذ تأسيس حكومة العراق ولحد الان بدون مرجعيات دينية ، 'وكانت تدخلها بالشان السياسي ، يتوزع بين احزاب تدعى بالاحزاب القومية س او تلك المنبثقة عن قوميات اخرى ،احزاب كردية. او عربية ، او احزاب اممية ، ومؤخراً احزاب عديدة اتخذت من التسميات مجالا في العمل الحزبي او تأسست بارادة الغير اي من خارج تلك التسميات وحاولت هذه الأحزاب ان تشارك في أية عملية انتخابية والفوز ببعض المقاعد بطرق عديدة منها
1-اعتمادها على الجمع بين التسميات الكلدانية والآشورية والسريانية والتعويل على أصوات تأتيها من هذا الخلط رغم ان هذه التسميات تعود الى شعب واحد لا يمكن تجزئته .
2-رفع شعارات مؤثرة مثل رفع التجاوزات على اراضينا او وحدة شعبنا وعدم التفرقة بين التسميات
3-الاعتماد على الأحزاب الكبيرة والتي تتقاسم إرادة هذه الأحزاب والطلب منها التصويت لهذا الفصيل ام او ذاك لكون الاقتراع يجري بصورة مفتوحة ولا تحصر أصوات كل قومية لقواءم لصالح المرشحين من تلك القومية.
4-دخول حزبين كبيرين يملكون كثافة عددية من أعضاء ومؤيدين داخل الوسط المسيحي اضافة الى إمكانية عظيمة وخبرة نظال طويلة ، وهما الحزب الديموقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي الكردستاني في الانتخابات الاخيرة وربما سيفكر قادة احزاب اخرى ايضا بانتهاج هذا النهج مستقبلا وإني ارى مبررا لدخول هذه الأحزاب الكبيرة في العملية الانتخابية لأسباب عديدة سوف اعزف عن ذكرها الان وربما سأضطر الى ذكرها في مقال اخر .
اود وبقوة ان تتحد كنائسنا لا فقط على صعيد الرءاسات اي على صعيد قمة الهرم الكنسي بل على مستوى المؤمنين ايضا وعلى صعيد الطقوس والأعياد والصلاة المشتركة. وان يكون لقيادة مثل هذه الوحدة دوره الفاعل في ارشاد وتوجيه المؤمنين. وهذه التمنيات ربما هي احلام. بعيدة جدا ربما اكثر من بعد استراليا عن العراق مثلا، ولكن لو تحقق ولو جزء منها سيكون له شانه في صالح بقاوءنا في اراضينا مهما كانت الضروف ، ولا اتمنى مطلقا ان تخوض أية مرجعية دينية سواء كانت كلدانية او غيرها أية تجربة انتخابية وسأحاول ان اجمل الأسباب بما يلي مع ترك الحرية المطلقة لاصحاب الشأن للخيار ما يرونه مناسبا لاتخاذ الخطوات التي تقع في صالح المسيحيين عموما وليس لقسم منهم ..
١-في البرلمانين العراقي والكردستاني لدينا كوتا متكونة من 10 أعضاء مناصفة بين المجلسين ومنذ 2003 أعضاء هذه الكوتا لم يستطيعوا التأثير قيد شعرة على قررات البرلمان لكونهما يشكلان أقلية لا تذكر لان التصويت يتم وفق مبدأ الأقلية والأكثرية والنفس السياسي او الجو السياسي العام المسيطر داخل البرلمانيين يستند على مقومات وتراصفات دينية او قومية تسيطر عليه الأكثرية والتي تتكون من تحالفات لا ناقة لنا بها ولا جمل.
٢-السياسة في العراق بعد ٢٠٠٣ تحولت الى مستنقع اسن كبير يتصارع فيه حيتان كبيرة ولا وجود فيه لأسماك لا تتقن لغة السياسة الخبيثة وحسب تصوري ان من كنّا نعتقد بانه متقن لخباثة ودناءة السياسة العراقية سوف يفلح على الأقل في ان يوازن العصا من الوسط الا انه لم يقوي حتى من الاقتراب من اي من طرفيها ، فكيف للذي سوف يترشح وهو لا يعلم بألف باء هذه السياسة المشهورة بانحناءاتها والتواءاتها ودهاليزها وموامراتها .
٣-قبل دخول ما تسمى احزاب شعبنا في الترشيح والانتخابات كانت هذه الأحزاب او بعضها تحوز على ثقة مواطنينا وكانوا قريبين منها ومن تطلعاتها ولم يحصل ان فقدت هذه الأحزاب ثقة أهالينا الا بعد ان تدخلت في الانتخابات وعندها وجدناها لا حول لها ولا قوة وأصبح كلما يطالبها المواطن بشيء تعجز عن تحقيقه فازداد الشرخ بينها وبين مؤيديها وبينها وبين من أعطى لها ثقته وأعطاها صوته كي تترشح لهذه المجالس، وحسب تصوري ان من يأتي مستقبلا سوف لن يكون حظه في التأثير على القرار السياسي العراقي اكثر من سابقيه .
٤-لدينا تجربة في تدخل الكنيسة ومعها جهة اخرى في الشأن الانتخابي في عنكاوا وبالذات انتخاب المجلس البلدي وما آلت اليه ،وهذه التجربة سوف لن اتحدث عنها بمفردي ،ولكن زيارتكم لبعض مواقع عنكاوا او الفيس بوك ستتعرفون على حيثياتها.
٥-وجدت خلال متابعتي لكل المحاولات الساعية من اجل المطالبة بحقوق الأقليات ومن جميع الاتجاهات سواء الحزبية او غيرها من المرجعيات ان جميع من تولى شؤون مكونات العراق بدون استثناء تسعى من اجل نيل المناصب وتحقيق المكاسب وليس من اجل رفع الحيف والظلم وإحقاق الحق ونيل الحقوق وخاصة في الارض ،وفي رفع الغبن وانهاء معانات أبناء هذه المكونات وفي المساواة بين الأكثرية والأقلية ،ويحضرني هنا قول احد اصدقاءي وهو قاض واكاديمي في القانون فقد كتب لي يوما (اما نحن (يقصد به الحالة العراقية سياسيا)
فمعظم ممثلي الاقليات يبحثون عن مناصب باسم الاقليات وكاءن الحقوق في المناصب)
هذا ما كتبه لي احد اصدقاءي ضمن مجموعة اعتز باراءهم اوءيد بقوة ما ادلى به وكان نقاشنا حول الأقلية والأكثرية في العراق خاصة وفي بلدان ذات الأكثرية المسلمة عدديا .
إذن سؤالنا الهام الذي اود طرحه.
ماذا سيفعل لنا هؤلاء القادمين باْذن الروساء ، هل سيكونو افضل في أداءهم من غيرهم يا ترى ؟
سوى تحقيق بعض المناصب وإيرادات وأملاك بملايين الدنانير لأنفسهم اي جاه واموال .
وحسب تصوري من يهلل لمشاريع من هذا النوع و يبرز عضلاته، يامل بانه عسى وعلى يكون من المختارين القادمين ويكون له حصة من الكعكة العراقية المحروقة تالي عمره ...على كل حال ..
ما علينا سوى الانتظار والمثل يقول (الغد لناظره لقريب) .
اما ما ادلى به الاخ عماد يوخنا احد قيادي زوعا وعضو البرلمان العراقي بتشكيل مجلس مسيحي يكون كمرجع لنا حالنا حال الشيعة والسنة ، فانه أعاد بذاكرتي الى الوراء الى حفنة من السنين كنّا في نقاش حول إمكانية مساهمة رجال الدين في السياسة العراقية بعد تغير نظام صدام اتذكر كيف انبرى رابي ياقو وهو يستشهد بمقولة الجنرال آغا بطرس للبطرك الشهيد مار بنيامين شمعون لما علم القائد القومي الجنرال آغا بطرس بخبر زيارة البطريرك لسمكو الخبيث ، اكتشف ما وراء زيارته من خطورة وعليه تقدم بتوسلاته ورجائه إلى البطريرك مار بنيامين شمعون يرجوه بالإقلاع عن هذه الفكرة قائلا (فداؤك سيدي اترك هذه الأمور لنا ونحن خير من يقدر عليها ، لك الصليب واترك السيف لنا ( صليوا قالوخ وشوق سيبا قالن ) بعد ان تذكرت ذلك دعوت للشهيد مار بنيامين شمعون بالدعاء بالملكوت له وللجنرال آغا بطرس ، وقرأت لهما أبانا الذي في السماوات.. ولعدة مرات .
هامسا مع نفسي ..سبحان مغير الأحوال.
الامر الاخر فإذا كنّا محتاجين هكذا لمثل مجلس بالفعل اي لمجلس مسيحي موحد ،فماذا يا ترى عن تجمع احزاب شعبنا ؟ وحبر نظامه الداخلي لم يجف والتجمع مقبل على خطوات مهمة منها ، توحيد قواتهم على الارض وتثبيت نظام داخلي وغيرها من الخطوات الفعلية.
ملاحظة : كلمة حق يجب ان تقال ..
اذا سألت إذن ماذا تريد من جميع رجال الدين المسيحي أقول اتمنى ان يكونوا للكل. اي للمجموع بدون استثناء وان يصلوا في كنائسنا صلاة مشتركة ليل نهار من اجل ان تعبر الأزمة التي نحن فيها بسلام ،ان يكونوا عونا للمهجرين قسرا من مدننا وقصباتنا.
أقولها بصدق وباختصار أريدهم ان يكونوا عونا وموجها للكل بدون استثناء يحملون السلام والرحمة للجميع .
وان لا تتحول كنائسنا الى مراجع دينية ولا دنيوية او سياسية ، لأننا كرهنا المراجع واصحاب المراجع من أية ملة او دين كانوا، وحتى الأديان باتت مكروهة من كثرة وتعدد مراجعها وفتاويها . وكنتيجة تدخلاتها بتنا نكره وطننا لانه توزع بموجب حصص على المراجع والفتاوى ولان هذه المراجع وفتاويهم سبب مصيبة العراق .