المحرر موضوع: إنسان أولا وعراقي ثانيا ومسلم أو مسيحي عاشرا  (زيارة 1371 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عصام خبو بوزوة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 172
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
إنسان أولا وعراقي ثانيا ومسلم أو مسيحي عاشرا

للأسف الوضع الصعب الذي نعيشه اليوم في العراق انعكس على كل الاتجاهات الاجتماعية ودخل إلى ابسط تفاصيل الحياة العراقية سواء تلك المتمثلة بما يعيشه المواطن العادي المتواجد في قلب الحدث أو ذلك المترقب للتطورات الجارية من خلف الحدود .
وابرز تلك المؤثرات تتمثل بالخلافات والانقسامات المذهبية التي حازت على مكانة خاصة من تفكير الناس بل أصبحت لدى الكثير من البسطاء ثقيلة جدا ولا تحتمل فاخذوا يعبرون عنها بجمل ضعيفة وكلمات تخدش الأدب ويطلقون على بعضهم البعض أوصاف وتعابير لا يحق لأي إنسان أن يطلقها على إنسان أخر مثله والإدانة لم تعد تلك الكلمات الصعبة التي لا تخرج إلا بعد المستحيل بل أصبحت مألوفة وإذا أردت الانتقام كلاميا من احدهم فما عليك سوى أن تتلفظ بكلمات تافهة مثل "كافر وملحقاتها" حتى لو كانت في حقيقتها لا تعكس سوى سطحية مطلقيها وعدم تعمقهم في أسباب وجودهم الإنساني قبل الانطلاق من اعتبار أنفسهم أبناء صالحين أوفياء لدين معين أو لذاك المذهب أو غيره وللتأكد من صحة هذا الكلام لا يتطلب الأمر سوى نزولا سريعا إلى اصغر شوارعنا والتحقق من كل ما يدور فيه من كراهيات وإذا تعذر عليك التأكد من ذلك فافتح ابسط صحيفة أو مطبوعة صغيرة تصدر بعيدا عن رقابة الحكومة والمتنورين من أبناء الشعب لتجد فيها أسماء كثيرة تشع غضبا عن جهل دفين ومكرا وخداعا يسوقون به سلعهم الرخيصة ويرتقون على أشلاء الثقافة والكتابة وأساليب التعبير الحرة التي أتاحت اليوم لكل العراقيين حرية شبه مطلقة في تناول كل العناوين وما يزيد الطين بله هو وجود الكثير من الأبرياء المنخدعين بكلام هذا الكاتب المخضرم أو المبتدئ وذاك الداعية (( الجليل)) أو بقسمات وجوه رجال الدين الصافية الخشوعة المتقية حتى لو لم تكن كذلك .
وللتمادي في توثيق ثقافة العنف الرائجة بين العراقيين يكفي أن تدخل أي موقع الكتروني مخصص للتعارف والمداعبة لتجد المئات من ضحايا الانقسامات السياسية والطائفية الرائجة في عراق القرن الواحد والعشرين ولا تتفاجأ إذا قرأت عبارات بالغة في الخطورة وشتائم تطال أبناء كلا المذهبين السائدين في العراق لتستكمل لاحقا بمشادات كلامية قاسية تحيل أجواء التعارف وغرف الدردشة الى جحيم يهرب منه الكثيرين ويبادرون بالخروج من غرف أصلا صممت لتكون للتعارف والترفيه واحدا تلو الأخر علما بان الهروب ليس حلا للمشكلة ومقاومة الخطأ ومحاولة تقويمه قد تكون أحيانا بطرح تساؤل بسيط أمام صاحب المنطق الجارح واللغة الجديدة في مخاطبة مواطنيه مهما كان انتمائهم . سؤال يدعوهم إلى مراجعة مواقفهم فلماذا وألف لماذا وبأي حق نتبادل تلك الألفاظ القاسية ونسمم أجوائنا بكلمات تخلو من رائحة الأخلاق وتنقصها اخف ذرة في معايير التعامل الإنساني .
نحتاج اليوم في العراق إلى تبني تعريف جديد للمواطنة ولقيمة الفرد الواحد وأهميته بالنسبة لمجتمعه ولبلده فكل عراقي مهم ومؤثر في الاتجاه الذي سيتبناه ويخدم به البلد أو يهدم به نفس البلد وكل عراقي يجب أن يراجع نفسه ويحدد مفهوما لشخصيته الوطنية ومن تلك الزاوية ينظر إلى شركائه وأخوته في الوطن فنحن واحد حتى لو نظر ألينا الآخرين عكس ذلك ورغم كوني مسيحي فقد تألمت كثيرا عندما شاهدت في أحد مواقع التعارف عبارات مبتذلة وبذيئة وشتائم تطال الرموز الدينية يتم تبادلها بين شخصين من المفروض أنهما ينتميان إلى دين واحد فلم أستطع الوقوف ساكنا بل دخلت في خضم هذه الحرب الأهلية المصغرة على النت بعبارة عامية ساذجة ومكررة ... ليش.. ليش .. ليش.. فرد احد الخصوم مستفسرا عن تبعية صاحب المداخلة وصدم عندما قرأ الرد (( أنا إنسان أولا وعراقي ثانيا ومسيحي عاشرا )) ليصمت وكأن صاروخا قد وقع بجانبه ويعرب عن حرجه أمام  هذه الكلمات وفي الحال يعتذر من الجميع ويخرج .
نحن فعلا يجب أن نعترف بإنسانيتنا قبل أن نتباهى بديانتنا أو مذهبنا ونفترس الآخرين لأنهم مختلفين معنا . نحن فعلا يجب أن نؤمن بأننا عراقيون أخوة مهما كانت اختلافاتنا فالوطن يجمعنا ومصلحته توحدنا كل شيء أخر سيأتي في النهاية حتى لو أقرينا بتبعيتنا الدينية وانتمائنا المذهبي أو الطائفي فهذا طبعا بعد اعتراف مسبق بتبعية الآخرين وإنتماتهم وضرورة احترامها احتراما كاملا فما فائدة توجيه كلام سيء من أخ لأخيه لن تخسر بتلك الفعلة ديانة معينة أو مذهب ما بل ستكون تلك الكلمات سكاكين تقطع أوصال البلد وتبعد أبنائه عن الشعور بالمواطنة وبالحق المقدس بالانتماء . العراق يخسر الكثير وسيخسر أكثر بكلماتنا الجارحة وسجالاتنا القاسية وبدل أن نحرم بعضنا البعض من حق معين ونتبادل اللوم والاتهامات على ما هو جزء من شخصيتنا التاريخية والاجتماعية . لما لا ندعو بعضنا البعض إلى رحاب الحرية في وطن يقدس أبنائه إنسانيتهم وعراقيتهم قبل أن تجرفهم مشاعرهم الطائفية الضيقة إلى دوامات النهر الخطرة ودهاليز الكهوف المظلمة حيث سبات جديد وحروب من نوع أخر نحن في غنى عنها .




                                                                             عصام سليمان  -  تلكيف .