المحرر موضوع: مَحْو الأُمِّيَّة ...........  (زيارة 1335 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شذى توما مرقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 586
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« في: 16:41 08/05/2016 »
     
   
مِنْ مُذكَّرات إِنْسَانَة .........                                                                 
  ــ مُجْتمع ــ / 5                                                                               

"  مَحْو الأُمِّيَّة  "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : شذى توما مرقوس
السبت 9 /4 / 2011  ــ الأربعاء 17/ 8 / 2011


أُقارِعُ بِشِدَّةٍ وتَحَسُّرٍ وأَلَمٍ تَسْمِيةِ الشَخْصِ الَّذِي لايَعْرِفُ القِراءَةَ والكِتابَةَ أَوْ الشَخْص المُتَخَلِّف عَن قِيمِ العَصْرِ الحَالِيَّة بِالـ  " أُمِّيّ " ، وتَوَسَّعَ مَدْلُول هذِهِ الكَلِمَة في المُجْتَمَعِ وصَارَتْ تُسْتَعْملُ لِلدَلالَةِ على المُتَخَلِّفِ ، وغَيْرِ المُتَحَضِّرِ ، والمُتَصَلِّبِ ، والعَنِيدِ مِمَّنْ لايَقْبَلُ جَدِيداً في الحَيَاةِ ويَتَمَسَّكُ بِالقَدِيمِ حَتَّى وإِنْ كَانَ بَالِياً ، ولايَقْبَلُ رَأْيَاً غَيْرَ رَأْيهِ ولايُعِيدُ التَفْكِيرَ في مَواقِفِهِ بِاعْتِبارِ إِنْ هذا يُشِينهُ ، ويَتَصَرَّفُ بِخُشُونَةٍ ، ورُبَّما بِرُعُونَةٍ وبِدُوْنِ تَخْطِيطٍ ، أَوْ تَفْكِيرٍ ولايُسَيطِرُ على انْفِعالاتِهِ وتَقُودهُ رُدودُ أَفْعالِهِ المُنْفَلِتَة ...... إلخ ، بَلْ صَارَتْ هذِهِ الكَلِمَة تُسْتَعْملُ كَشَتِيمةٍ وإِهانَةٍ ، بَيْنَما نَحْنُ كُلَّ يَوْمٍ في وَاقِعِنا وفي أَحْلامِنا نَقُولُ لأَرْوعِ إِنْسَانَة " أُمّي " ، نَتَحَسَّسُ هذه الكَلِمَة بِسَعادَةٍ وعُذُوبَةٍ لاتُضاهِيها أُخْرَى ، ونَتَذوَّقها بِأَعْمَقِ خَلايا كَيانِنا وذَواتِنا .                                   

 أَعْتَرِضُ على هذِهِ التَسْمِيَةِ ، فهي مِنْ وجْهَةِ نَظَرِي تَطَالُ الأُنْثَى والأُمُومَة بِإِهانَةٍ وإِنْ كَانَت غَيْر مَقْصُودَة وإِجْحاف لَغوِيّ بَالِغ بِحقِّهنّ ،  حَتَّى وإِنْ قَالَ المُدافِعُون أَوْ تَحَجَّجَ المُتَحجِّجون بِتَقَارُبِ الكَلِمَتينِ لَفْظاً وتَبَاعُدَهُما مَعْنَىً .                                         
 إِنَّهُ لَمِن الإِنْصافِ والعَدَالَةِ إِنْ يَتِمَّ الفَصْم التَّام بَيْنَ لَفْظَة " أُمِّي " الَّتِي تَمُتُّ لِلأُمُومَةِ الجَلِيلَةِ بِصِلَة ، وبَيْنَ غَيْر العَارِفِ ، أَوْ الجَاهِلِ ، أَوْ الَّذِي لايَلُمُّ بِأُمُورِ الكِتابَةِ والقِراءَةِ ، أَوْ ظَلَّ على ما وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهِ ( كما وَرَدَ في القَامُوسِ )  ، وأَنَّ يَتِمَّ اخْتِيار لَفْظَة أُخْرَى لِلاسْتِدلالِ على غَيْرِ العَارِفِ ذاك ...... هذا الفَصْمُ التَّام يَجِبُ أَنْ يَكُون ..........           
طُوبَى ونِعْمَةً لأُمّي وكُلِّ الأُمَّهات فهُنَّ لايَسْتَحِقنَّ غَيْرَ التَكْرِيمِ .                               
كَانَت أُمّي إِنْسَانَة بَسِيطَة ، جَادَّة ، طَمُوحَة ومُثَابِرَة ...... لَكِنْ كُلّ طُمُوحاتِها ذَهَبَتْ لِلتَلاشِي بِفِعْلِ العَيْشِ في مُجْتَمَعٍ رَسَمَ لِلأُنْثَى دَوْرَها وحَدَّدَ خُطُواتَها ، مُجْتَمَعٍ لايُسَاعِدُ الأُنْثَى بَلْ يَقْمَعُها ويَدْحَرُها ، مُجْتَمَعٍ يَنْكُرُ لِلأُنْثَى كُلَّ حُقُوقِها ويُساوِمُها على حَقِّها في الحَيَاةِ والكَرَامَةِ ، المُجْتَمَع بِأَعْرافِهِ وتَقالِيدِهِ وعَشائِرِيتِهِ وطَائفِيتِهِ ...... إلخ .           

رَافَقَتْ أُمِّي سنينَ عُمُرِها الرَغْبَةُ الجامِحَة نَحْوَ العِلْمِ والدِرَاسَةِ والتَعْلِيم ولكمْ تَمَنَّتْ لَوْ تَخَرَّجَتْ مُعَلِّمَة ( وأَنا أَعْتَبِرُ التَدْرِيس عِلْماً وفَناً ، عِلْم التَدْرِيس ، فَنُّ التَدْرِيس ) ، وكَانَ هذا أَوَّلُ طُمُوحِها مُنْذُ صِغَرِها حَتَّى إِنَّها ولِعُمْقِ رسُوخِهِ في نَفْسِها قَوِيَّاً تَضَرَّعَتْ دائِماً لَوْ وَرَثَتْ هذا الطُمُوح عَنْها إِحْدَى بَنَاتِها ، ( وكَانَت هذِهِ المِهْنَة في حِيْنِها كَبِيرَة جِدَّاً وعَالِيَة في المَرْكزِ والمَكَانَةِ ولَها مَرْتَبة مُجْتَمعِيَّة جَلِيلَة ، نَافَسَتْها فيما بَعْد مِهنٌ أُخْرَى في علُومٍ مُغايرَة المَكانَةَ والرِفْعة ) ، لَكِنْ أُمْنِيَّة أُمّي لَمْ تَتَحَقَّق لأَنَّ في زَمَنِ طُفُولَتِها حَيْثُ كانَتْ تُقيم لَمْ تَكُنْ هُناكَ مَدارِس يَذْهَبُ إِلَيْها الأَطْفَال ، وحِيْنَ انْتَشَرَتْ المَدارسُ في وَقْتٍ لاحِقٍ كَانَتْ والدتي قَدْ تَجاوَزَتْ العُمْر الَّذِي يَسْمَحُ لَها بِالذِهابِ إِلى المَدْرَسةِ ، بَلْ إِلى مَحْوِ الأُمِّيَّة .                                                                                   
أَذْكُرُ في وَقْتِها أَنَّني كُنْتُ في مَرْحَلةِ الدِراسَةِ ، وكَانَ البَثْ التلفزيوني العِراقيّ يَعُجُّ بِالتَمْثِيلِياتِ ( بِالأَسْودِ والأَبْيضِ ) عَنْ مَوْضُوعِ مَحْوِ الأُمِّيَّة مِنْ خِيرَةِ الفَنَّانِين والفَنَّانات حِيْنَها .                                                                                                 
أَذْكُرُ الفَنَّان راسم الجُميلي حِيْنَ كَانَ يَعُودُ في إِحْدَى تَمْثِيلِياتِهِ مِنْ مَرْكَزِ مَحْوِ الأُمِّيَّة ويَسْتَلْقِي على الأَرْضِ وهو مُنْهَمِكٌ بِتَعَلُّمِ الحُرُوفِ والقِراءَةِ ...... كَمْ امْتَعنا هو وغَيْرُهُ مِن الفَنَّانِين والفَنَّانات ........ .                                                                     
في طُفُولَتي كَانَت أُمِّي تَأْخُذُني مَعَها حَيْثُ تَذْهَب ، رُبَّما لأَنَّني كُنْتُ هَادِئة جِدَّاً وقَرِيبة إِلى نَفْسِها ، وفي مَرَّاتٍ كَثِيرَة حِيْنَ تَذْهَبُ إِلى السُوقِ الكَبِيرِ لاقْتِناءِ حَاجاتِ العَائِلَةِ مِن الكِساءِ والمَلابِسِ والأَغْطِيةِ ومَواد الخِياطَةِ وغَيْرِها ، كَانَ عَلَيْها أَنْ تَسْتَقِلَ الحَافِلَة ، وبِما أَنَّها لم تَكُنْ تَتَعَرَّف على الأَرْقامِ فكَانَت تَحْتَاجُ إِلى مُساعَدَتي لِتَسْتَقِل البَاص ذُو الرَقْم الصَحِيح حَتَّى لايَذْهَبُ بِنا إِلى جِهَةٍ أُخْرَى( حَيْثُ كَانَ البَاص رَقْم تسْعَة يَتَجه بِخَطِ سَيْرٍ آخَر )  ........                                                                                   
كَانَت أُمّي تَسْأَلُني :                                                                                   
ــ كَمْ رَقْمُ هذا البَاص يا ابْنَتِي ؟                                                                     
ــ إِنَّهُ البَاص رَقْم سَبْعَة يا أُمِّي .                                                                   
ــ إِذَنْ عَلَيْنا أَنْ نَسْتَقِلَهُ .                                                                             
والِداي تَعَلَّما لُغَةَ المَدِينة لَدَى انْتِقالِهما إِلَيْها نَتِيجَةً لِظُرُوفِ عَمَلِ والِدي ، ولِهذا واجَها تَحدِيات كَبِيرَة مُماثِلَة لِلتَحدِياتِ الَّتِي تُواجِهُ أَيَّ مُهاجِرٍ أَوْ مُنْتَقِلٍ لِلعَيْشِ مِنْ مَكانٍ إِلى غَيْرِهِ كتَحدِياتِ اللُغَةِ ، التَكيُفِ مَعَ البِيئَةِ الجَدِيدَةِ ، المَناخِ ، طَرِيقَةِ التَعامُل مَعَ النَاسِ ، الأُمُور المُتَعارَفِ عَلَيْها المَقْبُولَةِ والأُخْرَى المَرْفُوضة ..... إلخ ، كَانَت بِيئَةً جَدِيدَة عَلَيْهما لَكِنَّهُما نَجَحَا في التَغَلُّبِ على التَحدِياتِ وكَافَحَا لأَجْلِنا .                               
كَانَت الحَافِلَة رَقْم سَبْعَة كَغَيْرِها مِنْ حَافِلاتِ النَقْلِ الَّتِي انْتَشَرَتْ في المَدِينَةِ حِيْنَها تَتَمَيَّزُ بِتَقْسِيمِ المَقاعِدِ ، هذهِ المُلاحَظَة لَفتَتْ انْتِباهي وكَانَ هذا التَقْسِيم في نَفْسِي مَرْفُوضاً لأَنَّهُ يَجْعَلُ النَاس في وَضْعِينِ مُتَباينينِ ولَيْسَ في وَضْعٍ واحِدٍ مُسْتَوٍ مُتَساوِي ، الصُفُوفُ الأَمامِيَّة في الحَافِلَةِ عِبارَة عَن مَقاعِد جِلْدِيَّةٍ مُرِيحَةٍ تَكْلِفَة بِطاقَةِ الجُلُوسِ فيها هو عَشْرَة فِلْس ، أَمَّا النِصْفُ الثَاني مِنْها فكَانَ مَقاعِدَ خَشَبِيَّة خَلْفِيَّة وتَكْلِفَة بِطاقَةِ الجُلُوسِ فيها خَمْسَة فِلْس ، والوَاقِفين مِن الرُكابِ كَانُوا يَقْطَعُونَ بِطاقَةً بِخَمْسَة فِلْس .                           
كُنْتُ في كُلِّ مَرَّة أَسْأَلُ أُمّي :                                                                       
ــ ماما ..... لِماذَا المَقاعِد الخَشَبِيَّة بِخَمْسَة فِلْس والجِلْدِيَّة بِعَشْرَة ؟                       
كَانَت أُمّي تُجِيب :                                                                                   
ــ لأَنَّ الجِلْد أَغْلَى سِعْراً وتَكْلِفَةً مِن الخَشَبِ لَدَى الصُنْع .                                     
أَمَّا أَنا (  وبِالتَأْكِيدِ أُمّي أَيْضاً رَغْمَ أَنَّها لَمْ تَبُحْ لي بِذلِك عَلانِيَّة خَوْفاً على مَشَاعِرِي الغَضَّة مِنْ عَالَمٍ قَاسٍ وقَبِيح ) فكُنْتُ أَشْعُرُ بِأَنَّ المَقاعِدَ الخَشَبِيَّة صُنِعَتْ لِلفُقراءِ والمَقاعِدَ الجِلْدِيَّة لِلمُتَمَكِّنِين مَادِيَّاً والأَغْنِياءِ ، وكَأَنَّهُ لايَكْفِي الفُقراء عَذَاب مايُقاسُون وما يُحْرَمُون مِنْهُ ، وحَتَّى في الحَافِلَةِ يُزِيدُ العَالَم آلامَهم بِجَعْلِهِم يَجْلُسُون على مَقاعِد غِيْر مُرِيحَة هذَا إِنْ اسْتَطاعُوا تَغْطِيَة تَكالِيفِ التَنَقُّل بِالبَاصِ ، ويُسِيءُ لِعَضَلاتِهِم المُتَصَلِّبَة بِفِعْلِ مايُقاسُون أَذَىً وأَلَماً ولِعِظَامِهِم المُتَخَشِّبَة ويُزِيدها تَخَشُّباً ، وعلى العَكْسِ يزِيدُ المُتَمَكِّنِين مَادِيَّاً رَاحَةً فَوْقَ رَاحَة ، ويُضْمِنُ الصِحَّة لِعَضَلاتِهِم اللَيِّنَة بِفِعْلِ امْكانِياتِ الرَاحَةِ المُتَوَفِّرَة لَهم ، ويُغْرِقُ مُؤْخِرَاتهم في مَقاعِدٍ وَثِيرَةٍ ومُرِيحَةٍ فتَزْدادُ لِيْناً ، فيَزْدادُ الأَغْنِياء تَكَبُّراً على الفُقراء ويَحْتَقِرونَهُم ( في حِيْنِها لم تَكُنْ السَيَّارات الخُصُوصِيَّة مُنْتَشِرَة بَعْد في هذهِ المَدِينة إِلا فيما نَدر )  .                                     
كُنْتُ أَقْرأُ كَطِفْلَةٍ في عُيونِ الجَالِسين في المَقاعِدِ الجِلْدِيَّة زَهْوَهُم وتَرَفُّعَهُم بِيْنَما تَتَكَسَّرُ النَّظَراتُ خَجَلاً في عُيونِ الجَالِسين في المَقاعِدِ الخَلْفِيَّة الخَشَبِيَّة ، وما كَانَ يُزِيدُ التَمْييز حِدَّةً إِنَّ البَابَ الأَمامِيِّ لِلحَافِلَةِ أَصْبَحَ تِلْقائِيَّاً لِمَنْ يَجْلُسون في المَقاعِدِ الجِلْدِيَّة بِيْنَما تُرِكَ البَاب الخَلْفِيِّ لِلحَافِلَةِ لِمَنْ يَجْلُسون في المَقاعِدِ الخَلْفِيَّة الخَشَبِيَّة ، وأَيْضاً قَاطِعُ التَذاكِر ( الجَابي ) إِذْ كانَ يَمُرُّ على الجَالِسين في المَقاعِدِ الأَمامِيَّة لِقَصِّ البِطاقاتِ يَفْعَلُ ذلك بِاحْتِرامٍ يَتلاشى بَغْتَةً حِيْنَ يَصِلُ إِلى المَقاعِدِ الخَشَبِيَّةِ الخَلْفِيَّة والوَاقِفين في البَاصِ ، وكُنْتُ أَسْمَعُ في أَحْادِيثِ الكِبارِ عِنْدَما يَتَلاقُون عَنْ مَخَاوِفِهِم وتَحَرُّجِهِم مِنْ أَنْ يَمْسِكَهُم أَحَدَ مَعَارِفِهم بِالجُرْمِ المَشْهُودِ وهُم في البَاصِ بِبِطاقَةِ الخَمْسَة فِلْس ولَيْسَ العَشْرَة ، لَيْسَ هذا فَقَطْ فلَقَدْ كَانَ الفُقَراء يَتَحاشون اللِقَاء في البَاصِ بِمَنْ يَعْرِفُونَهُم تَجَنُّباً لِلحَرَجِ مِنْهُم ، وحَتَّى أُعَبِّرُ عَن سُخْطِي على هذا التَمْييزِ كُنْتُ وبِطَرِيقَةٍ طُفُولِيَّة أُصِرُّ على الوُقُوفِ في الحَافِلَةِ .                                                                                 
لِماذَا يَلْجأُ الإِنْسَانُ إِلى التَمْييزِ ، هَلْ كَانَ ضَرُورِيَّاً تَصْنِيعُ الحَافِلاتِ بِهذا الطِرازِ ( الحَافِلات على ما أَعْتَقِدُ كَانَت مُسْتَورَدَة مِنْ بريطانيا ) ، إِنْ كَانَت غَايَةُ المَصانِعِ حَصْرَ التَكْلِفَةِ وتَقْلِيلَها لِلحَافِلَةِ الوَاحِدَةِ فلِماذَا لم تُفَكِّرْ العُقُولُ المُدْبِرَة في حَلٍّ أَبْسَط ، كَأَنْ تَجْعَلَ بَعْض الحَافِلاتِ كَامِلَةً بِمَقاعِد جِلْدِيَّة وأُخْرَى بِمَقاعِد خَشَبِيَّة ، وكَانَ لِلدَوْلَةِ المُسْتَورِدَةِ تَحْدِيدَ خَياراتِ اقْتِناءِ هذا النَوْع أَوْ ذاك أَوْ كِلا النَوْعَين ، مَعَ الاحْتِفاظِ بِتَسْعِيرةٍ وَاحِدَةٍ لِلبِطاقَةِ لِلجَمِيعِ ، أَمَّا أَنْ تَكُونَ الغَايَة إِنْسَانِيَّة مِنْ تَواجُد المَقاعِدِ الجِلْدِيَّةِ كَخِدْمَةٍ لِلمَرْضَى والمُعاقِين وكِبارِ السِنِّ ..... إلخ ، فاخْتِلاف تَسْعِيرَة البِطَاقَة يَخُونُ هذه الغَايَة ولايُراعِيها ويَجْعَلُ الشَكَّ مَشْرُوعاً وقَائِماً ويَقِيناً وكذلِك الوَقَائع ، نَاهِيك عَن اسْتِحْقاقِ الفُقَرَاءِ أَيْضاً لِشمُولِهم بِهذِهِ الغَايَةِ الإِنْسَانِيَّةِ أُسْوَةً بِالمَرْضَى والمُعَاقِين وكِبار السِنِّ ..... إلخ .                                                                                       
هذا التَقْسِيمُ في المَقاعِدِ لَهُ جُذُورٌ في نَفْسِ الإِنْسَان ، تِلكَ الجُذُور المُنْتَمِية إِلى خَلِيطِ المَشَاعِرِ مِنْ التَكَبُّرِ والأَفْضَلِيَّةِ والعَداءِ والرَغْبَةِ في التَمَيُّزِ والاسْتِعلاءِ والفَوْقِيَّة ..... .... إلخ ، تِلكَ الجُذُور البَعِيدَةِ عَنِ الرَغْبَةِ في السَلامِ والاحْتِرامِ والتَسَاوِي والحُقُوقِ المَكْفُولَةِ لِلجَمِيعِ ........ إلخ .                                                                       
إِنَّها بَعْضٌ مِنْ قِصَةِ الإِنْسَانِيَّة .                                                                     
إِنْ كانَ هذا النَمَط مِنْ التَمْييزِ في الحَافِلاتِ الآن قَدْ انْمَحَى ، فالمُسَلْسَل لازالَ مُسْتَمِرَّاً في القِطاراتِ حَيْثُ الرُّكابُ دَرَجَة أُولَى ، أَوْ ثَانِية  ..... إلخ ، وفي صَالاتِ السِينما ، وفي المَسارِحِ والفَنادقِ وحَتَّى في أَنْواعِ أَنْظِمةِ التَأْمينِ الصِّحِّيّ ..... إلخ .                 
بَعْضُ الأَدْيانِ سَانَدَتْ وشَدَّتْ مِنْ أَزْرِ الطَبَقِيَّةِ أَوْ التَعَدُّدِ الطَبَقِيِّ في المُجْتَمعاتِ بِطَرِيقَةٍ سَلْبِيَّة وعَمَّقَتْ تِلك الهُوَّةِ مِنْ خِلالِ نَظْرَتِها الحَيَاتِيَّة .                                         
خِتَاماً أَشْكُرُ لأُمّي صَبْرَها ورِعايِتَها لَنا جمِيعاً الأَبْنَاء والبَنَات ، أَشْكُر لَها لَيالي السَهَر وحِمْل الهمُوم والتَفْكير فيما نَابَنا مِنْ أَحْوال ، أَشْكُر لَها ولِوالدي مُرافَقَتهُما لِمسِيرَةِ حيَاتِنا والأَخْذِ بِأَيَادِينا إِلى بَرِّ المُسْتَقْبَلِ الأَمين ، أَشْكُر لَهُما حِمايَتَهُما لَنا مِنْ كُلِّ شرُورِ الحيَاةِ وبِقَدْرِ اسْتِطاعتِهما . ما وفَّرَاهُ لَنا قَدْ لا نكُونُ قَادرِين على تَوْفِيرَهُ لِمَنْ بَعْدَنا .   

لأُمّي المَحَبَّة والذِكْرَى العَطِرَة في نَفْسِي ، ولِكَلِمَةِ " الأُمِّيَّة " اسْتِنْكارِي القَاطِع ورَفْضِي ، ولِلتَمْييزِ بِيْنَ البَشَرِ الفَنَاءُ التَامّ وكُلّ الجُهُودِ لِمَحْوهِ .                             
ولكُم مِنِّي ، قَارِئات وقُرَّاء ، خَالِصَ الودِّ والمَحَبَّة .                                             

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                             

هَامش :                                                                                         
عن قاموس لسان العرب : ـ                                                                 
الأُمِّيّ : الذي لا يَكْتُبُ                                                                         
قال أَبو إسحق : معنى الأُمِّيّ المَنْسُوب إلى ما عليه جَبَلَتْهُ أُمُّه أي لا يَكْتُبُ ، فهو
في أَنّهُ لا يَكْتُبُ أُمِّيٌّ ، لأَنَّ الكِتابة هي مُكْتَسَبَة فكأَنه نُسِب إلى ما يُولد عليه أي
على ما وَلَدَته أُمُّهُ عليه .                                                                   






غير متصل جان يلدا خوشابا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1835
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #1 في: 02:17 10/05/2016 »
اختي العزيزة شذى
تحياتي
لازلت تكتبين بحرفية ومهنية عالية  ، لقد اعجبتني قصتك كثيراً  وهنا في امريكا حيث اعمل ( املك محطة وقود )   جاءت إعداد كثيرة  من العراقيين ولصعوبة اللغة الجديدة عليهم   يأتي الكثيريين من العراقين الاحبة  كبار العمر . ولكن لا يعرفون اللغة الانكليزية وتراني أنا ومن يعمل معي  في المحطة نحاول  ان نوضح ونشرح ونرشدهم على الطريق الصحيح بالذهاب الى مناطقهم التي يسكنونها  وعلى الشوارع التي يجب ان يمرون بها  وعلى البنايات الحكومية التي يحاولون الذهاب اليها .
وهذا جلب انتباهي ايام كنتي الدليل لامك وتراقبين. وتقراءين ارقام الباصات

قصة واقعية خفيفة و جميلة
 تقبلي تحياتي
جاني . 

غير متصل زاهـر دودا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 267
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #2 في: 02:33 10/05/2016 »

الكاتبة العزيزة شذى توما مرقوس
اجمل تحية مع التقدير
اهنئك على ذاكرتك الجميلة وعلى احساسك المبكر بالمشاعر الانسانية وبنظرات طفولتك الثاقبة على ما دار من حولك من مشاهد اجتماعية .
الرحمة والراحة الابدية للراحلين من الاباء والامهات الذين ناضلوا وعانوا في سبيل ابنائهم وفعلوا المستحيل من اجلهم . وعيد الام سعيد لكل امرأة تحمل في داخلها الامومة .   
رؤية جميلة ورأي اجمل حول كلمة الامي والامية وما لها من معنى مقارن مع كلمة الام كما ذكرت ، وانا اتفق معك حول رفضك ان ينعت الجاهل بالامي او المتخلف بالامي ويجب ان يسمى المسمى بما يتطابق مع صفاته وتصرفاته .
احب ان انوه ان الذي لا يعلم كتابة لغة كلامه وحديثه بلغته (لغة الام) يعتبر جاهلا ومتخلفا (أميّا) مهما نال وحصل من شهادات وتعلم لغات اجنبية عديدة  !!!!!!!!
اما بخصوص الباص وثمن تذكرة الاغنياء والفرق بينها وبين الفقراء , ارى ان الغاية كانت لنيل المال من الطبقة الغنية في المجتمع وبمجرد وضع قطعة جلد على المقاعد الامامية لجذب الانظار ليس الا ، طالما ان وقت الوصول هو نفسه ( أي لاستغلال الاغنياء وليس لإحراج الفقراء ). لأن الفكر الرأسمالي يخترع طرق واساليب ليستقطب بها الاموال وان كانت على حساب المشاعر والقيم الانسانية .
لكن حالة الباص (وسيلة النقل) ليست بهذا السوء كما في الاماكن الثابتة كصالات السينما أو المسرح وغيرها .
وان ما يؤسف ويقلل من قيمة الانسان حالة التمييز بين البشر في قاعات الاجتماع العامة كالمحاضرات الثقافية والاجتماعية والحفلات الخاصة أو العامة ، فيها نجد المقاعد الامامية الفخمة تختلف عن غيرها وتكون محجوزة ومخصصة لفئة (ربما) لا تفقه من المناسبة بشيء ولكن لاعتبارات شخصية ومادية وطبقية ومن ضمنها سياسية حزبية أو دينية وسلطوية .
وغالبا لا يدفعوا مالا ثمن الحضور ، كما يدفع الجالس في الصفوف الاخيرة البعيدة عن الحدث أو النشاط الثقافي او الفني !! 

أتمنى لك التوفيق والنجاح دائما 
  زاهر دودا   

غير متصل جلال مرقس عبدوكا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 156
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #3 في: 07:42 10/05/2016 »
 الأخت العزيزة شذى المحترمة
تحية حب وتقدير
كثيرة هي إجراءات وأفعال تمييز البشر عندنا ، الموضوع يستحق التمعن ،
التفريق حسب المركز الوظيفي بين شرائح المجتمع مصدره السلطة ..
راتب المسؤول المتنفذ إداريا كان أو سياسيا هو أضعاف مضاعفة لراتب بقية الموظفين..
سيارات ذات الدفع الرباعي لجميع المسؤولين بدءاَ من مدير عام صعودا الى أعلى مرتبة وظيفية هي مظللة ومجازة بالظل ،أما سيارات بقية الناس على أصحابها أن يزيلوا ظلالها أو تبديل زجاجها وإن مصدره هو المنشأ الذي صنعها ..
الندوات التى تقام من قبل أية جهة ولأي سبب وموضوع ، تحجز المقاعد الأمامية للمقامات العليا وهي من نوعية فاخرة وبقية المقاعد مباحة للجميع..
 تحياتي مع جزيل الشكر
جلال مرقس







غير متصل albert masho

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2017
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #4 في: 19:24 10/05/2016 »
الاخت العزيزة شذى توما:  موضوع جميل اعادنا الى الزمن الجميل كما سلط الانتباه الى اجمل كلمة أمي(الوالدة الحنون)بكل صفاتها من حنان وطول البال والتحمل الى النهاية والتضحية دون مقابل. لاكن في الجانب الاخر من المعنى لنفس الكلمة وهو الجهل والتخلف الناتج من الفقر والحرمان من التعليم بسبب خارج الارادة مثل الذي يحصل للنازحين او المهجرين قسرآ من الديار والذي ينتج عنه( نحوا الامية) وليس محو كما هناك الذي لا يهتم للعلم ولا يريد الدراسة ولا يسمع الى نصائح الاهل فقط يهتم بالعمل وجمع المال كما ينقل نفس الفكرة الى اولاده ويكون سبب حرمانهم من التعليم وخاصة التعليم العالي. تقبلي محبتي.

غير متصل شذى توما مرقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 586
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #5 في: 23:13 10/05/2016 »
  خالص تحياتي أخي العزيز جان ....
   شكراً لمرورك اللطيف ، وكما ذكرتَ في تعقيبك إن مشكلة اللغة هي العائق الأول الذي يواجه الجدد في المجتمعات التي وصلوها راغبين أو مرغمين ، وبالمساعدات التي تقدمها أنت والكثيرون من الطيبين والطيبات أمثالك في الشرح والإرشاد والتوجيه يستطيع هؤلاء القادمين الجدد تخطي ولو بعض العقبات في بداية مشوارهم ..... شُكراً لتعاونك وجهودك في هذا المجال فهي لن تُنسى ....
  ودي وتقديري ....

غير متصل شذى توما مرقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 586
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #6 في: 00:18 12/05/2016 »
  أخي العزيز زاهر
  عمت صباحاً / مساءاً ، وأهلاً بمرورك .
أشكر لك لطافة أسلوبك وكلماتك ....
  النور لمثوى الراحلين من الآباء والأمهات ممن قدموا / قدمنَّ الكثير لأجل أطفالهم/ ن ، والعمر المديد المحفوف بالصحة والعافية لمن لا زالوا على قيد الحياة ويُسعدون بوجودهم قلوب أبنائهم وبناتهم ...
ملاحظتك حول ضرورة الالمام بالكتابة باللغة الأم ، هي ملاحظة جديرة بالاهتمام والتفكير وفيها من الصواب ما فيها ، لكنني مع البحث والتقصي عن أسباب ذلك لمحاولة تقويض هذهِ الأسباب والدواعي ، وبرأيي الظروف كانت ولا زالت ضد الشعب المسيحي على طول الخط في العراق والتحديات كبيرة حتى إنه أحياناً يصعب تذليلها ....
 أما نظريتك حول ثمن التذاكر في الباص فلقد أثارت انتباهي وحقيقة لم تخطر لي ببال رغم إنها واردة جداً ....... أشكرك على هذهِ الملاحظة القيمة ...
 وكما ذكرتَ عن حالة التمييز بين البشر ، أنا ينتابني الغضب وليس العجب عندما أرى أو أتذكر المقاعد الأمامية الفخمة المحجوزة لفئة محددة وكما ذكرتَ أنتَ لاعتبارات شخصية أو مادية أو طبقية أو دينية .... وإلخ ، وصدقتَ أخي زاهر هم غالباً لا يدفعون مالاً مقابل حضورهم ، بينما يدفع غيرهم من الحاضرين ثمن بطاقات الحضور ....
 هذا بعضٌ من قصة الإنسانية أخي زاهر ....
كل الشكر لمرورك وتفاعلك مع نقاط الموضوع وإضافتك إليه ملاحظاتك المثيرة للاهتمام والمحفزة على التفكير  في زحمة أيامنا المكتظة بالمشاغل ، بحيث ينسى الإنسان الانتباه إلى الكثير مما حوله من ظواهر غير حميدة ....
تمنياتي لك بالمزيد من العطاء
طابت أيامك خيراً وبركة ....
مع كل الود والتقدير

غير متصل شذى توما مرقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 586
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #7 في: 22:36 12/05/2016 »
  رابي جلال مرقس الفاضل
  كل الشكر لمتابعتك ، أسعدني هذا .
  ليس لي ما أضيفه على تعليقك القيم ، أوافقك على كل النقاط التي أشرت إليها ....
  فكلها بعض من قصة الإنسانية ....
  دُمت بخير وعافية ، وطابت كل أيامك خيراً وبركة ....
  مع خالص الود والتقدير ...
   

غير متصل شذى توما مرقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 586
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: مَحْو الأُمِّيَّة ...........
« رد #8 في: 21:24 13/05/2016 »
   أهلاً بأخي العزيز البرت ماشو
سرني مرورك اللطيف وأسعدني تواصلك واهتمامك ، وأؤكد على ملاحظتك الثمينة بخصوص النازحين والمهجرين قسراً من الديار ، هي ملاحظة تستحق الاهتمام والتباحث لإيجاد الحلول لها .....
 طابت أيامك خيراً وبركة ....
 مع الود ....