المحرر موضوع: لقاء مع الرئيس.. فصل من رواية برهان الخطيب (الجنائن المغلقة)  (زيارة 1461 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل برهان الخطيب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 40
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
لقاء مع الرئيس..
فصل من رواية برهان الخطيب (الجنائن المغلقة)

تصدر رواية (الجنائن المغلقة) لبرهان الخطيب في ستوكهولم عام 2000 عن دار بوديوم شبه الرسمية تثير ضجة كبيرة في الصحف العربية الصادرة في أوربا، يعتبرها بعض النقاد (فاتحة عصر نهاية عالم القطب الواحد) آخر يتناول جانبها الشخصي يراها (تكوين هندسي من دوامات الشجن) ثالث يتناول منحاها الروحي يجدها (تفتح بواباتها نحو سماء بلا حدود) الكاتب الكبير عبد الرحمن الربيعي، صديق العمر مع الخطيب، يكتب عنها بداية الألفية الثانية في مجلة الحياة الثقافية التونسية: يعتبر الروائي العراقي الستيني برهان الخطيب أكثر زملائه سواء من ابناء جيله أو الجيل السابق له تركيزا على الرواية كتابة وترجمة حيث نشر لحد الآن تسع روايات أغلبها روايات كبيرة الحجم ليس هناك مقابل لها في المدونة السردية العراقية..  ونجد برهان الخطيب قد أفاد في هذه الرواية من المناخ الأوربي لإثراء مناخ روايته وقد فعل الشيء نفسه في روايات أخرى غيرها مع احتفاظه بالمحور الأساس وهو العراق أو الوطن العربي بشكل عام..  برهان الخطيب ليس وحده من يُغمط حقه.. لم تصل أعماله إلى كل البلدان العربية لتدرس في المدونة السردية العربية كاملة..  إلى غير ذلك.. تحصل الرواية على أعلى نسبة استعارة من مكتبات السويد العامة حتى اليوم، تعود وزارة الثقافة العراقية عام 2006 تعيد نشر الرواية في جزئين تحقق مبيعات نسخها كاملة خلاف السائد من تكدس منشورات الدار عادة في المخزن لا تصلها اليد حسب اعتراف مسئول المخزن ما يدفعه إلى تقديم اقتراح إعادة طبعها إلى الدار والمؤلف، الكاتب الكبير برهان الخطيب ينتهي أخيرا من تحديث وإعداد سباعيته للنشر مغيرا عنوان إحدى الروايات وهي سقوط سبرطة يصير تسلسلها الآتي: 1 بابل الفيحاء - عن العهد الملكي، 2  الجسور الزجاجية - عن جمهورية قاسم،  3 ليلة بغدادية - عن جمهورية البعث، 4 حب في الغربة - عن الهجرة العراقية منذ أوائل السبعينات، 5 الجنائن المغلقة – عن منعطف التغيير العالمي الكبير نهاية التسعينات، 6 على تخوم الألفين – عن عهد ما بعد صدام، 7 الحكاية من الداخل – عن يومنا الراهن والغد. هذا المشروع الأدبي الضخم  يبدأه الخطيب  عملا متواصلا رغم المعوقات منذ نهاية الستينات إلى اليوم، حوالي نصف قرن أو جل عمر المؤلف ينقضي عليه. النتائج مبهرة. العالم تنشر هذا الفصل من روايته (الجنائن المغلقة) يتعرّف القارئ العراقي عليها، إذ أن اغلب مؤلفات الخطيب يتم نشره خارج العراق، اليوم ننتظر إصدار الطبعة العراقية الأم لها. 

 بغداد – العالم.




  الرئيس يسأل الأخوين صلاح، عبد الصمد، عديلهما عدنان، عند جمع أقطاب معارضة عراقية في قصره يتشاور معها عن وضع بلدها على حدوده الشرقية:
 - ما قضية الأخوة الأعداء أمامي.. نجدها كل مكان زمان.. أتصورها ظاهرة عندي فقط. سلفيون يقولون عن وزيرة الثقافة تبعتنا هي شيوعية.. غيرهم يقولون عن أخيها زعيم سلفيين.. شو مين يكتب ها المسرحية.. شكسبير!
 يبتسم الرئيس مرحا مسترخيا كالمعتاد عنه مع ضيوفه، التلفزيون يعرض فيلم مقابلاته مساء، يواصل مزاحه معهم باسطا كفيه:
 - كأنكم في الأحداث شخصيات شكسبير في مسرحياته. نزاع عائلة نزاع أمة. هاملت، أمه، عمه، على عرش الدنمارك. عطيل، زوجته، كاسيو، رودريغو على قبرص..
 يسكت الرئيس محاولا تذكر المزيد. يجرؤ صلاح يضيف:
 - مكبث مكدف في اسكتلندة.
 يشير الرئيس إليه في ثناء يكمل بشر الوجه:
 - رحم الله والديك. إنما قل لي صحيح ما يقوله عراقيون عن شكسبير أنه في الأصل عراقي اسمه.. شيخ زبير؟!
 يضحك صلاح قليلا أيضا يرد في احترام فائق:
 - ليتنا سيادة الرئيس نتفق على يومنا عسى نعرف تماما ما في أمسنا.
 يلتفت الرئيس إلى الرجل المعمم صارم الوجه يمينه:
 - ما تقول أنت يا عبد الصمد؟
 - في هاملت عندهم جانب من مقتل الحسين على أرضنا.. فيه مختصر تاريخ البشر.. الحق يغتصبه أغنياء يضيعه جهل فقراء.
  يلتفت الرئيس إلى عدنان يقول عدنان:
 - لو شكسبير أو شيخ الزبير لا عربي الأصل أو الجنسية هو حتما عربي التبعية مع الروح وإلاّ لا يرى هاملت غيمة السماء بعيرا وقت لا بعران في الدنمارك، ولا يربط الجَمال مع الفضيلة في أعماله متلازمين على سنة العرب بعد الإسلام. بل عصر البعث، النهضة يقولون، كله عربي، أنظر سيادتك إلى ملابسهم موسيقاهم آنذاك..
 يضع الرئيس يده على ذقنه:
 - نقرأ مسرحياته نرى صراع قيم أفراد أمم ذلك الوقت، ينقلون لي ما دار يدور بينكم أرى بينكم لا صراع مصالح أو اقتصادات أمم.. بل صراع قيم.
  نظرته تدور على وجوه الجالسين:
 -  فهل لا تزال منطقتنا العربية تعيش عصر ما قبل شكسبير.. العالم ينتقل من صراع المُثل أو القيم، بعد التفاهم لكلٍ قيمه، إلى صراع مَن يستحوذ أو يدير مَن؟ أدري صلاح يرى كل صراع على مصالح، عبد الصمد يراه على قيم، عدنان على مناطق نفوذ، لكنه عندكم ينحرف عن معنويات إلى مكاسب مادية آنية، صحيح المادي يسهّل الوصول إلى المعنوي، لكن عدم اتفاقكم يبعد الكل عن هدفه.. النتيجة يفقده.. المطلوب لا تخاطب طرشان.
 
في دهاء يتحول  المزاح إلى جد، الرئيس لما يزل مبتسما، وجوه الحاضرين مدركة جوهر خطابه، عليهم الجلوس إلى طاولة مفاوضات بدل مهاترات إعلامية بينهم، على مناشير، صحف صغيرة، صب نشاطهم في جبهة مستوعبة خلافاتهم قادرة على استبدال حكم أهوج، له جيوب حولهم، إلى آخر كلام جميل يغير كل شئ ربما إلاّ أساس الاختلاف.. الموقع الشخصي لكلٍ منهم.. موقع النفط العام.. مَن يضع يده عليه كيف تقاسمه؟ لكن الكلام مخجل في موضوع مادي، يُؤجَّل.

  خاتمة اللقاء يهمس موظف التشريفات في أذن عدنان، يبقى إلى جانب الرئيس بعد مغادرة المجموعة. وحدهما في الصالة الكبيرة ذات الأثاث البسيط المريح الجميل، يميل الرئيس في مقعده إلى عدنان يواصل مزج مزاح مع الجد:
 - تدري.. أجهزة إسرائيل منصوبة على مرتفعاتنا الجولان على بعد كيلومترات، ربما يسمعوا بعض ما في دمشق لا كلامنا.. كن صريحا، عندك مرشح يخلف صدام في العراق؟ كيف.. ما المساعدة المطلوبة منا؟..
 
 انعطاف آخر في حياة عدنان، ولاء مبدئي يكنه إلى الرئيس السوري مبعثه انتماؤهما إلى حزب الوحدة الحرية الاشتراكية، وطن العرب، رغم خلافات بسيطة بين فرعي الحزب من تغليب عاطفة على عقل، ولاء يتعرض إلى شرخ من تدخل آخر في شؤون وطنية محلية، من ثلب كتمان ضمان نجاح مسعاه.
 
يود عدنان أن لا يكشف ما عنده إلى رئيس جار، لكنه لا في موقع قوة. هو ضيف بلده الزاخر أعداء له من أبناء الجلدة، لا خط رجعة، لا حليف أمامه، لا باب طوارئ قربه، طالب السر رئيس البلد المضيف لا موظف مكتب عنده، يقرر اطلاعه لكن لا على السر الأساس، يذكر أسماء عسكريين صغار راغبين التحرك ضد صدام، يخفي اسم قائدهم مكتفيا وصفه من القدامى غير الحزبيين.
 الرئيس متجهما محذرا يذكّره:
 - عندك ثقة هو لا فخ إلى آخرين يصنعه صدام؟
 - متأكد.
 - كيف؟
 - تصلني أخباره سنوات اختبار كافية.
 - لماذا الاعتقاد لا تصل غيرك؟
 - تصل عن طريق خاص جدا.
 - طريق زوجته؟
 - قريب له.
 - لماذا تصل إليك لا إلى غيرك؟
 - الشاب يعمل لي حصرا.
 - أنت متأكد من إخلاص الشاب لك؟
 - تماما.
 - تجربه تعرفه.. لكن قد يغير ولاءه..
 - لا يجرؤ، أسراره في يدي لو أفضحه آذيه أكثر من تصفيته.
 - ما هي خطتك.. أو الخطة الأساس؟
 - أفضّل إبقاءها سرا حاليا سيادة الرئيس.
 - لا تريد اشغالي مع تفاصيل.. عدم الثقة بي لا يخطر لك في بال؟
 - لا أريد تكرار خطأ قديم.. تركيز المسؤوليات في يد واحدة.
   يستنتج الرئيس:
 - معك حق. ما درجة قرابة الرجل الأول إليكم؟
 - في مدينتنا يقال النساء عِرق حشيش.. يمتد إلى أي مكان.
 - زواجه بعد موافقة مخابراتكم العسكرية؟
 - يطرح استقالة من الجيش إذا لا يحصل على الموافقة. يحبها لا شائبة لها.
 - انتماؤه السياسي عندي له أفضلية على انتمائه العائلي العشائري.. أخشى لا يعطي أفضلية لحزبنا بعد نجاح التغيير.
 - الأفضلية الأولى حاليا إنقاذ بلدنا من كارثة الحرب، الانغلاق..
 - استباق التآمر الخارجي تنساه؟
 - أكاد أذكره سيادة الرئيس.
 - ماذا يؤخرك عن ذِكره؟
 - قلّة أهمية العامل الخارجي.
 - أتصور فيك فطنة حسبانه.. قبل سبحانه.
 - أسمع عن مزاحكم الكثير أتصوره غنيا يغيّر المقابل.. أصيب!
 - يأتي التغيير من خارج حزبنا يظن الناس حزبنا سبب الحرب الكارثة.
 - عمليا حزبنا غير موجود هناك. السلطة في يد فرد. إذاً يسهل التغلب عليه.
 - أسمع منك بعض ما يقوله عدونا!
 - مع الأسف يقول العدو أحيانا الحقيقة سيادة الرئيس.
 يتطلع الرئيس إليه طويلا حتى يفصح أو ينصح:
 - لا حركة تغيير ناجحة يؤديها فرد أو اثنان. المبادرة تبقى في يد حزبنا لا تفلت الأمور. أمتنا لا تزال تحتاجنا لا نزال قادرين خدمتها رغم سوء حظ أو تدبير. سؤال آخر عندي لك.. صلاح اتهمك دس سم له في قهوة.
 - واردة حالات تسميم معارضين قليلة. صلاح لا منهم و إلاّ الثاليوم أو غيره من أسلحة بغداد الخفية لا يمهل أكثر من شهر.
 - السؤال الأخير.. بيع مرتفعات الجولان مقابل بقائي في السلطة كيف تراه؟
 - الإشاعة جزء من حرب العدو النفسية ضدنا.. لا أخوّن أي رئيس عربي.. أو لا تراني أمامك.
 - لا تخوِّن..  فلماذا تهرب من رئيسك صدام؟
 - هو يخونني ينوي تصفيتي.
 - مخلص إلى عروبتك أنت.. حتى الروس يعلمون.. مع مَن يخوِّنك!
 - يصدق إشاعات أتكلم عنها.. لا يصدقني!
 -  ربما معه حق.. لا نار من غير دخان.
- زيارة أجنبي أو غيره في بيته.. تقرير مغرض.. لا يؤكدان خيانة.
- الحدية.. قطع شعرة معاوية.. لا تخدم السياسي متى يتعلّم؟
- يتعلم بطيئا.. الدروس تتراكم.. الفجوة تكبر.

ينتهي لقاء الرئيس معه باردا، من جهة الرئيس، في النهاية من جهة عدنان.