المحرر موضوع: تذكرة على إحدى عربات قطار الزمن السريع ...  (زيارة 2986 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تذكرة على إحدى عربات قطار الزمن السريع ...
بقلم : صباح دمّان
قطار الحياة الذي لا نهاية لخطوطه ومحطاته وهو يمضي بسرعة فائقة لا يمكن إيقافه أو تخفيف سرعته، يتكون من قاطرة هائلة تسافرعلى متنها مجموعات بشرية متباينة في الثقافة والإنتماء والسلوك والمبادئ والمعتقدات، وحتى في نظرتها إلى مجمل مفردات الحياة والعلاقات الإجتماعية والإنسانية، ولكنها مترابطة مع بعضها بخيوط غير مرئية، وتتحكم بها قوة خارقة يعجز الكثيرون عن إستيعاب عظمتها ومدى بُعد سلطانها وإدراك جوهرعطائها اللامتناهي .
 للقاطرة بوابة ضيقة واحدة في المقدمة مصمَمَة بنظام خارق مذهل لدخول المسافرين إليها، وأخرى في النهاية فسيحة لمغادرتهم بعد حين . بيد أن كل منهم يعجز عن معرفة مدة إنتهاء صلاحية تذكرته، وتخمين موعد ختام رحلته عند إيقاظه من قيلولته، وإبلاغه بأنه وصل إلى محطته الأخيرة وعليه ترك مقعده والخروج من عربته .......
يُحجز لكل قادم تذكرة بلا إستشارته، ويحشر في العربة دون إذنه، ويرغم على السفر بلا إرادته، وهو لا يعلم ماذا يجري حوله ولماذا سيخرج من شرنقته الأمنة...! وحينما يُخرج من عشه الجميل، يصرخ ويستغيث خشسة من واقعه الجديد، ولكنه يواصل مشواره المثير في عالمه الثاني المريب.
 بمرور الأيام يتكامل كيانه وتنضج معرفته، فيبدأ بالبحث عن شريك له لكي يُسمح لهما بقطع عدد من التذاكر المشتركة بعد دفع أثمانها وحجز مقاعداً لضيوف لهم قادمون من منعطفات متتالية.
في كل محطة يتوقف فيها القطار يُقرع الناقوس وينطلق صوت المنادي ليعلن أسماء الذين تم إستدعاؤهم لترك مقاعدهم دون السماح لهم بالرفض أو الإعتراض، لأن عليهم فقط الطاعة والإمتثال، فيصعد غيرهم ويواصل قطار الزمن مساره.
مصمم وصانع ومالك قطار المعجزة يُسِره رؤية بعض المتابعين جالسين قرب النوافذ وهم يراقبون ظواهر الكون لإكتشاف أسرار الحياة، فيدونون ملاحظاتهم المثمرة ويترجمون أفكارهم المستنيرة إلى مفردات رقي ورفاه لهم ولغيرهم، وحتى للنائمين الذين لا توقظهم شمس الظهيرة، وبعض المتسربلين بينهم والمتسولين في أزقتهم والهاربين إليهم من قسوة طقوسهم ومن ظلم أهل بيتهم. فيترك اولائك المتفانون بصمات رائعة في سجل تذكرتهم وذكرى طيبة لكل مسافر قادم بعدهم.
في المقاعد الخلفية ملامح أناس بدائيون خرجوا من غابة نائية، داهموا إحدى العربات في غفوة من الزمن، تفاجئوا بضياء ساطع يلفح وجوههم، فهاجوا وماجوا وشرعوا يلوحون بأيديهم لحجبه ويطلقون صرخات لإبعاد مساره ، وحينما يئسوا، تمردوا وطغت غرائزهم على عقولهم، فأخذوا يرهبون غيرهم مؤمنين بأن أمراً صدر لهم بذلك لضمان صعودهم إلى عربة عجيبة قادمة، لا وصف جدير بها ولا مثيل لما فيها، من مغريات ومتع وملذات لا تخطر على بال ولا في الخيال، فيحطمون نوافذ القطار وهو يسير، ويقفزون منه وهم يصرخون مستبشرين بعد أن فقدوا بصرهم وبصيرتهم. فيتركون أماكنهم بحالة يرثى لها، حيث الفضلات بين ثناياها، ورائحة كريهة تفوح من جوانبها، فينالون سخط كل من مدَّ  يد العون لهم، وعلى الباقين أن يزيلوا مخلفاتهم، ويعيدوا السلام إلى قلوب المسافرين معهم والإستقرار الأمان إلى أجواء المحطات التي شيدوها في مخيلتهم ....
في زوايا المقاعد أصناف بشرية غريبة الأطوار، تعبث بكل ما حولها تلبية لرغباتها، تكرس أوقاتها لإشباع غرائزها المكبوتة، فتنغمس في الملذات بموجب أهوائها، وترتكب أفعالاً مشينة ترفضها مواثيق العربة، دون خجل من بشر أو وازع من ضمير أو خشية من رقيب، لا محرمات تقيدها ولا قيم إنسانية تكبح جماح ميولها.
قوم يحملون على أكتافهم هموم الدنيا ويحسبون لكل تفاهات الأمور ألف حساب، فتراهم منهمكين الليل والنهار في جمع قشور الحياة المتساقطة وأهمال ثمرتها الناضجة، يبخلون على حتى أعزائهم الإستمتاع بشيءٍ منها، وكأنهم باقون إلى أبد الدهر. مشاريعهم تكبر معهم وأحلامهم كل ليلة تتضخم، وغاب عن بالهم بأن المنادي قد يفاجئهم ويستدعيهم في أية لحظة وأية محطة، دون منحهم فرصة لتوديع أحبة أهملوهم أو مشاركتهم بقيراط مما ملكوه أو للندم على ما لم يفعلوه أو الإعتراف بإثم إقترفوه، فيلبون على عجل النداء، تاركين لمن بعدهم حيرة وحسرة بلا رجاء، أو خير ورفاه بلا شقاء.
كثيرون ينكرون أن للمركبة الهائلة ربان قدير يدير دفتها بحكمة، ويظنون بأنها تسير من ذاتها وصَنعت نفسَها بنفسِها، ويؤمنون بأنهم سيختفون حال خروجهم من بوابتها كفقاعات بعد إنطلاقها، وبأن هنالك ربما قطارات أخرى ومسافرون أخرون سيلتقون بنا يوماً في أيام قادمة ومحطات بعيدة. ولهؤلاء مسارات مختلفة:
1. غالبيتهم مسالمون طيبون يعملون بإخلاص ويخدمون بنزاهة ويقدمون للأخرين عصارة ذهنهم وإنجازاتهم إنطلاقاً من ثقافتهم ونظرتهم الإنساية لكل البشر، وقد لا يؤمنون بالفلسفة التي تقول بأن الضميرعند البعض هو تلك القوة الخفية التي تقود مركبتهم .
2. وأخرون يمضون معظم اوقاتهم في اللهو والمتعة والسهر مع المقربين منهم، فلا يبالون بما يجري حولهم وما تحمله الأيام في طياتها لهم، فيخلقون عالمهم الخاص ويعيشون يومهم دون تفكير بما يأتيه غدهم، ويسخرون من الذين يؤمنون بالأساطير والغيبيات حسب أرائهم .
فجأة ينطلق صوت صارخ ويتوقف القطار، فيُجمع كافة المسافرين مع السابقين في قبة كونية هائلة بشكلهم الأثيري لمشاهدة أحداث وصورٍعن رحلتهم، تغمر قلوب بعضهم بالبهجة والمسرات، وتملئ نفوس غيرهم بالحسرة والأهات، وأخرون بالندم على خرافات صدقوها وروايات حفظوها.                           
   مع أمنياتي الطيبة لكم بعمر مديد وعيش رغيد في سفرِ قطارالحياة الفريد .                   
                                    الجمعة : 6 / 1 / 2017


غير متصل بطرس ادم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 849
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

أستاذ صباح
بانــورامــا رائعــة الوصف لحياتنــــا علـــى هـــذه الأرض  أستاذي العزيز ، نعم كلنـــا مسافرون علــى هــذه الأرض ، بيتنــــا ومقرنــــا الدائــــم هــو فــي السمــــاء ، وطــوبى للمســــافــر الذي يتـــرك قطـــار الحيــــاة ويؤمـــن بـأنــه ســوف يكــون مــع المسيـــح للأبـــد ، ذلـــك يجعلـــه أن يتغلَّـــــــب علـى مشـــاكل الحيــــاة ....... ويجعلـــه محبـــاً لأخيــــه وغافـــراً لزلاتـــــه ...... لتبقـــــى أنظــــارنــا متجــهــــة نحـــــو الأبديـــــة .


غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

الأخ العزيز والشماس الموقر بطرس ادم المحترم
أسعدني كثيراً مرورك الكريم وكلماتك الرقيقة... التي عبرت فيها عن وجهة نظرك حول المقالة التي نشرتها ... فإن دلَّ ذلك على مغزى ، فإنما يدل على  ثقافتك الغزيزة وإيمانك الراسخ ونظرتك الثاقبة لجوهر الحياة الموقتة التي نعيشها على هذا الكوكب والتي هي بمثابة خليط من أحداث ربما غير متجانسة في حلم جميل أو مريع، قد يقصر أو يطول ...
وتقبل خالص مودتي وتقديري أخي العزيز الطيب بطرس أدم.... أبو وميض



غير متصل فوزي دلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 107
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأخ العزيز صباح دمان
تحياتي
شكرا جزيلا على هذه الصورة الرائعة التي رسمتها أناملك ووضعت فيها عصارة أفكارك القيمة لمسيرة حياتنا , هذه الصورة التي  بمقدور كل واحد منا أن يفكر بأنها تعنيه .
أعجبني قولك ... 
- فيترك اولائك المتفانون بصمات رائعة في سجل تذكرتهم وذكرى طيبة لكل مسافر قادم بعدهم  -
هذه الفقرة تعطينا معاني كثيرة أهمها أننا ضيوف على هذه الأرض ولا تنفع  كل ملذات الدنيا بعد الرحيل , فالكلمة الطيبة والعمل الأنساني وما نقدمه من أيجابيات لمجتمعا هو الذكرى الطيبة لمن  تعايشوا معنا ومن سيأتي بعدنا .
لك ولقرائك كل المحبة والأحترام
فوزي دلي

غير متصل د.عبدالله رابي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1273
  • د.عبدالله مرقس رابي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاستاذ العزيز صباح دمان المحترم
تحية
شكرا على ابداعك الفني والمعرفي الذي اختصرت فيه الحياة بلوحة فنية فكرية رائعة بكل تفاصيلها واحداثها وادوار الافراد والجماعات  فيها،والافكار والسلوكيات ،فهي درس قيم لمن لا يعرف ما المطلوب منه في هذه الحياة للقيام به .ففي الحقيقة قدمت رؤية شاملة لمجريات الحياة الانسانية بقدرة عقلية عميقة ثاقبة للواقع .
والى المزيد من هذه الدروس المستوحاة من خبرة معرفية وحياتية
اخوكم
د. رابي

غير متصل صباح قيا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1901
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أخي أستاذ  صباح
سلام المحبة
لوحة حياتية رائعة من ألفها إلى يائها ... عدت بالقارئ إلى أدبيات كتاب النثر أيام زمان وإبداعاتهم .....
مقالك ألهم مشاعري فاسمح لي أن أقول :

أنا اليوم ضيفٌ على الحياةِ غداً مسافرْ
لا أدري كيف السبيلُ ومَنْ مِنْ قبلي يهاجرْ
كلُّ علمي مَنْ على الأرضِ حتماً بعدي يغادرْ
هيَ الأجسادُ على الأجسادِ نامتْ بالمقابرْ.........أين أمضي

مَنْ يصنعُ الخيرَ يلقى في الخلدِ خيراً وفيرا
ومنْ يزرعُ الشرَّ حصاده نبتاً مريرا
قطارُ العمرِ ماضٍ نحو منْ رسمَ المصيرا
فرحُ هناك أو الأسنان تشكو صريرا ...... أين أمضي


تحياتي

غير متصل نيسان سمو الهوزي

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3606
    • مشاهدة الملف الشخصي
استاذ صباح كل عام وانت والاهل بسلام وصحة : سفرة جميلة ورحلة ممتعة ولكنها ليست للجميع كذلك ! فهناك من يكون المقعد ضيقا له فيكسر أضلاعه ويتألم طول الرحلة والاخرين يجلسون في مقاعد ومقصورتها درجة أولى وهناك اختلاف كبير بين الركاب ومتعتهم وآلامهم في تلك الرحلة ! انهيت سفرتك بانها ستتوقف بصافرة عظيمة ولكنني لا اعتقد ستتوقف بصافرة بل قد لا تتوقف أبدا واذا توقفت فقد تكون مأساوية كانقلاب القطار او احتراقه او اصطدامه بصخرة رهيبة تقضي على كل المسافرين ! ولا اعتقد بأنهم سيتجمعون في بودقة واحدة بل تختفي الاجساد وكل ما فيها كما تختفي البعوضة او اي حشرة اخرى ولا اعتقد سيكون هناك بودقة تجمع الفانين مرة اخرى ! هذا راي الشخصي ولا اقلل من ابداعك في رسم تلك الرحلة الوقتية ! تحية طيبة

غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

الأخ العزيز والصديق الطيب فوزي دلي المحترم
قبل كل شيء أقدم لك جزيل شكري لمرورك الكريم وإطرائك على المقالة التي نشرتها  وعبرتُ فيها من وجهة نظري الخاصة في تفسير الحلم الذي سنستيقظ منه يوماً على هذه الارض ، ونحن نتصارع فيما بيننا ونقدح بعضنا ونغتب الاخرين ونكره أصدقاء لنا بمجرد نقدهم لبعض سلوكنا ...... وغاب عن بالنا الحكمة التي أفهم جزءها الأول بعدم الإساءة للغير والسير في طريق الضلال ، بل زرع الطيبة ونثر المحبة ونيل السمعة الطيبة : " إعمل لدنياك كأنك ستعيش أبد الدهر وإعمل لأخرتك وكأنك ستموت غداً "... مع أمنياتي لك بالصحة الدائمة وطول العمر..
وثانيا ما تفضلت به وأضفت من افكار، أتمنى للجميع أن يدركون فحواها ويقفون وقفة طويلة امامها ويتاملون جوهرها ويتعضون من مسيرة غيرهم في مجتمعاتنا ....
... ولك مني فائق المودة وجزيل المحبة...

غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

أخي وصديقي العزيز الدكتور عبد الله رابي الموقر
كلماتك المعبرة وثنائك الرفيع للمقالة التي اوجزتُ فيها واقع الإنسان بكافة إنتماءاته ومعتقداته وثقافاته ونظرياته لحل طلاسم هذه الحياة الزائلة، هي  شهادة تقديرية أعتز بها كما أعتز بصداقتك وشخصيتك المتميزة.....
وأقول بأن إصرار بعض البشر على تحجيم عقولهم وحجب الثقافة عن أفق إدراكهم، جعلتهم ينظرون للأمور حولهم بمنظار أفقي ضيق، كالطير الذي يشاهد ما حوله بعينيه الجانبية، مما يؤدي إلى عدم إكتمال الرؤية أمامه من كافة جوانبها، وخلل في جمع أجزاء الصورة الشاملة ، فيسبب لذلك الإنسان قصر في الرؤية ويحدث فجوة كبيرة بينه وبين فلسفة الحياة الإيمانية ، فتتلاشى علاقته بتلك القوة الخارقة التي خلقت الحياة وأوجدت الكون ، وهي غير منظورة  عن طريق العيون بل في العقول الثاقبة ، تراقب مسيرة الإنسان وتنمي قدراته وتنظم كل ما حوله...
ولك مني كل مودة وتقدير وإحترام ....

غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

أخي الدكتور صباح قيَّا المحترم
كما عودتنا في كافة مداخلاتك التي تضيف إلى الموضوع بغزارة ثقافتك وإسلوبك المتجدد لمسة فنان محترف يعزف لحناً عذباً في حفل بهيج ....
أبيات رائعة أوجزت فيها فلسفة الحياة على هذا الكوكب الجميل..... وأضيف:
الحياة حلم والموت يقظة ......... والإنسان بينهما في ترحال
يدور هائماً في واحة الزمان .......  غافل بانه زائل باي حال
ودمت أخي وعزيزي الدكتور صباح قيَّا...مع خالص تحياتي

غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 وانت بألف خير وصحة دائمة ورفاه وأفضل حال... عزيزي أستاذ نيسان سمو الهوزي....     مع جزيل شكري لمرورك المشكور وإضافتك مشهداً أخر إلى المقالة من وجهة نظرك الشخصية التي أحترمها بكل تاكيد.... بيد اني أضيف : بأن القطار حتى لو إنقلب او إحترق أو إصطدم بصخرة وضعتها مجموعة مارقة على سكة الحياة ، سينجو بعض المسافرين من الكارثة بمعجزة أحياء، ويواصلون مشوارهم ويستمرون في تقديم عطائهم لبعضهم البعض وللناجين في العربات الاخرى... ويقدمون شكرهم لتلك اليد التي إمتدت إليهم وإنتشلتهم من أنياب الموت، مهما كان السبب ومهما أطلقنا على تلك اليد أو تلك القوة الغير منظورة من مسميات.... التي قد تكون كامنة في ضمير الإنسان....
مع فائق مودتي وتقديري وامنياتي الطيبة لك وللعائلة الكريمة .....وعذراً على التاخير في الرد بسبب بعض الإلتزامات..

غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أستاذ صباح
بانــورامــا رائعــة الوصف لحياتنــــا علـــى هـــذه الأرض  أستاذي العزيز ، نعم كلنـــا مسافرون علــى هــذه الأرض ، بيتنــــا ومقرنــــا الدائــــم هــو فــي السمــــاء ، وطــوبى للمســــافــر الذي يتـــرك قطـــار الحيــــاة ويؤمـــن بـأنــه ســوف يكــون مــع المسيـــح للأبـــد ، ذلـــك يجعلـــه أن يتغلَّـــــــب علـى مشـــاكل الحيــــاة ....... ويجعلـــه محبـــاً لأخيــــه وغافـــراً لزلاتـــــه ...... لتبقـــــى أنظــــارنــا متجــهــــة نحـــــو الأبديـــــة .


تذكرة على إحدى عربات قطار الزمن السريع ...
بقلم : صباح دمّان
قطار الحياة الذي لا نهاية لخطوطه ومحطاته وهو يمضي بسرعة فائقة لا يمكن إيقافه أو تخفيف سرعته، يتكون من قاطرة هائلة تسافرعلى متنها مجموعات بشرية متباينة في الثقافة والإنتماء والسلوك والمبادئ والمعتقدات، وحتى في نظرتها إلى مجمل مفردات الحياة والعلاقات الإجتماعية والإنسانية، ولكنها مترابطة مع بعضها بخيوط غير مرئية، وتتحكم بها قوة خارقة يعجز الكثيرون عن إستيعاب عظمتها ومدى بُعد سلطانها وإدراك جوهرعطائها اللامتناهي .
 للقاطرة بوابة ضيقة واحدة في المقدمة مصمَمَة بنظام خارق مذهل لدخول المسافرين إليها، وأخرى في النهاية فسيحة لمغادرتهم بعد حين . بيد أن كل منهم يعجز عن معرفة مدة إنتهاء صلاحية تذكرته، وتخمين موعد ختام رحلته عند إيقاظه من قيلولته، وإبلاغه بأنه وصل إلى محطته الأخيرة وعليه ترك مقعده والخروج من عربته .......
يُحجز لكل قادم تذكرة بلا إستشارته، ويحشر في العربة دون إذنه، ويرغم على السفر بلا إرادته، وهو لا يعلم ماذا يجري حوله ولماذا سيخرج من شرنقته الأمنة...! وحينما يُخرج من عشه الجميل، يصرخ ويستغيث خشية من واقعه الجديد، ولكنه يواصل مشواره المثير في عالمه الثاني المريب.
 بمرور الأيام يتكامل كيانه وتنضج معرفته، فيبدأ بالبحث عن شريك له لكي يُسمح لهما بقطع عدد من التذاكر المشتركة بعد دفع أثمانها وحجز مقاعداً لضيوف لهم قادمون من منعطفات متتالية.
في كل محطة يتوقف فيها القطار يُقرع الناقوس وينطلق صوت المنادي ليعلن أسماء الذين تم إستدعاؤهم لترك مقاعدهم دون السماح لهم بالرفض أو الإعتراض، لأن عليهم فقط الطاعة والإمتثال، فيصعد غيرهم ويواصل قطار الزمن مساره.
مصمم وصانع ومالك قطار المعجزة يُسِره رؤية بعض المتابعين جالسين قرب النوافذ وهم يراقبون ظواهر الكون لإكتشاف أسرار الحياة، فيدونون ملاحظاتهم المثمرة ويترجمون أفكارهم المستنيرة إلى مفردات رقي ورفاه لهم ولغيرهم، وحتى للنائمين الذين لا توقظهم شمس الظهيرة، وبعض المتسربلين بينهم والمتسولين في أزقتهم والهاربين إليهم من قسوة طقوسهم ومن ظلم أهل بيتهم. فيترك اولائك المتفانون بصمات رائعة في سجل تذكرتهم وذكرى طيبة لكل مسافر قادم بعدهم.
في المقاعد الخلفية ملامح أناس بدائيون خرجوا من غابة نائية، داهموا إحدى العربات في غفوة من الزمن، تفاجئوا بضياء ساطع يلفح وجوههم، فهاجوا وماجوا وشرعوا يلوحون بأيديهم لحجبه ويطلقون صرخات لإبعاد مساره ، وحينما يئسوا، تمردوا وطغت غرائزهم على عقولهم، فأخذوا يرهبون غيرهم مؤمنين بأن أمراً صدر لهم بذلك لضمان صعودهم إلى عربة عجيبة قادمة، لا وصف جدير بها ولا مثيل لما فيها، من مغريات ومتع وملذات لا تخطر على بال ولا في الخيال، فيحطمون نوافذ القطار وهو يسير، ويقفزون منه وهم يصرخون مستبشرين بعد أن فقدوا بصرهم وبصيرتهم. فيتركون أماكنهم بحالة يرثى لها، حيث الفضلات بين ثناياها، ورائحة كريهة تفوح من جوانبها، فينالون سخط كل من مدَّ  يد العون لهم، وعلى الباقين أن يزيلوا مخلفاتهم، ويعيدوا السلام إلى قلوب المسافرين معهم والإستقرار الأمان إلى أجواء المحطات التي شيدوها في مخيلتهم ....
في زوايا المقاعد أصناف بشرية غريبة الأطوار، تعبث بكل ما حولها تلبية لرغباتها، تكرس أوقاتها لإشباع غرائزها المكبوتة، فتنغمس في الملذات بموجب أهوائها، وترتكب أفعالاً مشينة ترفضها مواثيق العربة، دون خجل من بشر أو وازع من ضمير أو خشية من رقيب، لا محرمات تقيدها ولا قيم إنسانية تكبح جماح ميولها.
قوم يحملون على أكتافهم هموم الدنيا ويحسبون لكل تفاهات الأمور ألف حساب، فتراهم منهمكين الليل والنهار في جمع قشور الحياة المتساقطة وأهمال ثمرتها الناضجة، يبخلون على حتى أعزائهم الإستمتاع بشيءٍ منها، وكأنهم باقون إلى أبد الدهر. مشاريعهم تكبر معهم وأحلامهم كل ليلة تتضخم، وغاب عن بالهم بأن المنادي قد يفاجئهم ويستدعيهم في أية لحظة وأية محطة، دون منحهم فرصة لتوديع أحبة أهملوهم أو مشاركتهم بقيراط مما ملكوه أو للندم على ما لم يفعلوه أو الإعتراف بإثم إقترفوه، فيلبون على عجل النداء، تاركين لمن بعدهم حيرة وحسرة بلا رجاء، أو خير ورفاه بلا شقاء.
كثيرون ينكرون أن للمركبة الهائلة ربان قدير يدير دفتها بحكمة، ويظنون بأنها تسير من ذاتها وصَنعت نفسَها بنفسِها، ويؤمنون بأنهم سيختفون حال خروجهم من بوابتها كفقاعات بعد إنطلاقها، وبأن هنالك ربما قطارات أخرى ومسافرون أخرون سيلتقون بنا يوماً في أيام قادمة ومحطات بعيدة. ولهؤلاء مسارات مختلفة:
1. غالبيتهم مسالمون طيبون يعملون بإخلاص ويخدمون بنزاهة ويقدمون للأخرين عصارة ذهنهم وإنجازاتهم إنطلاقاً من ثقافتهم ونظرتهم الإنساية لكل البشر، وقد لا يؤمنون بالفلسفة التي تقول بأن الضميرعند البعض هو تلك القوة الخفية التي تقود مركبتهم .
2. وأخرون يمضون معظم اوقاتهم في اللهو والمتعة والسهر مع المقربين منهم، فلا يبالون بما يجري حولهم وما تحمله الأيام في طياتها لهم، فيخلقون عالمهم الخاص ويعيشون يومهم دون تفكير بما يأتيه غدهم، ويسخرون من الذين يؤمنون بالأساطير والغيبيات حسب أرائهم .
فجأة ينطلق صوت صارخ ويتوقف القطار، فيُجمع كافة المسافرين مع السابقين في قبة كونية هائلة بشكلهم الأثيري لمشاهدة أحداث وصورٍعن رحلتهم، تغمر قلوب بعضهم بالبهجة والمسرات، وتملئ نفوس غيرهم بالحسرة والأهات، وأخرون بالندم على خرافات صدقوها وروايات حفظوها.                           
   مع أمنياتي الطيبة لكم بعمر مديد وعيش رغيد في سفرِ قطارالحياة الفريد .                   
                                    الجمعة : 6 / 1 / 2017