المحرر موضوع: الستينيون.. الروح العراقية المبدعة  (زيارة 1731 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أدب

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 308
    • مشاهدة الملف الشخصي


الستينيون.. الروح العراقية المبدعة


بغداد ـ العالم


على منعطفات التاريخ تطل ظاهرة الفورة الأدبية في آداب العراق، العالم، قد تعقبها ثورة على محيط السياسة، فورة تستحدثها كوكبة ثرة من الكتاب، منفعلة أو فاعلة في الأحداث تتفاعل مع التغيرات، حاملة معها ارهاصات، قلة منها يلاحظ نقاد يمكنها التعبير في فصاحة في رجاحة عن جوهر وأبعاد تلك التغيرات، تعبيرا لا يتجلى بالضرورة ناضجا في الحال. نضج ذلك الجيل، أي جيل، يحتاج غالبا أكثر من عقد ليشع ألقه، من تلك النخبة  يبقى على الساحة الأدبية عدد أقل .. يسطع نجوما مع أنواره الإبداعية منيرا سماء الثقافة، زمن بوشكين، دستويفسكي، شكسبير، همنغواي، فلوبير، أو ستندال، غيرهم، هناك العشرات من الكتاب  يصخبون، يملئون المجالس نقاشا، كتابات، يبقى اليوم من إبداعهم بيننا الأكثر قدرة على التعبير عن روح زمنهم، عن تطلعات الناس.
عبر تأريخ العراق تنشأ أكثر من فورة أدبية، خاصة في الخمسينات، في الستينات، ترافقها فورة أخرى في مجالات الإبداع الأخرى، الرسم، النحت، التمثيل، تؤدي إلى تحولات سياسية عميقة، أحيانا يحصل العكس.. تغيرات السياسة تستحدث فورة أدبية ثقافية.. إنما على السطح.
اليوم تتعرض ثقافتنا، بل الحضارة برمتها، إلى انقلابات مرئية، غير مرئية، بتأثير من الداخل كماً، من الخارج نوعاً، في العراق تكتمل تجارب كتابنا في العقود الماضية، منها تجربة قصاصي وروائيي ستينات القرن الماضي. على منعطف الستينات إلى السبعينات يتحدث شيخ النقاد العراقيين المرحوم د. علي جواد الطاهر عن الكتّاب الجدد حينه، في مقابلة إلى مجلة ألف باء العراقية، يفهرسهم في تيارين أو خانتين، تجريبية متأثرة بالأدب الغربي عبر تراجم عنه، الفرنسي خاصة، تضم عبد الرحمن مجيد الربيعي، محمد خضير، زملاء لهما، الثانية واقعية على نهج الأدباء العراقيين والعرب السابقين، يمثلها الراحل خضير عبد الأمير، غازي العبادي، وآخرون. الطاهر يفرز برهان الخطيب عن التيارين، يصفه: هو نسيج نفسه. بداية الثمانينات الماضية يكتب المستشرق الروسي المعروف بوريس جوكوف دراسة عن الرواية والقصة العراقية، يترجم نماذج منها إلى أكثر من كتاب وموسوعة، يصف الخطيب تحديدا روايته (ضباب في الظهيرة) نوعا جديدا من الفن الروائي يتطور في أوربا يمكن تسميته (الرواية الضد). نهاية القرن الماضي، آذار 2000 تنشر بروفسورة مارينا ستاغ السويدية كلمتها عن رواية الخطيب (الجنائن المغلقة) على آخر صفحة منها تنهيها قائلة عنها: الرواية سياسية تحبس الأنفاس، لها أعماق وجودية، تستحق القراءة جدا. قبل ذلك، يمنع نظام حكم الحزب الواحد في بغداد تداول روايات الخطيب كما هو معروف منذ مؤلفه (شقة في شارع أبي نؤاس) يحظر أيضا الكتابة عنها أكاديميا، يبقى الحظر قائما حتى يتغير النظام. في تصريح للأكاديمي المعروف د. صالح هويدي يقول: لم يكن هذا الموقف هو الوحيد الذي كاد يعصف بمشروع أطروحة نيفت على السنوات الثلاث، وكان للأستاذ المشرف دور واضح في طمأنة صاحبها. فبعد أن أقرت الأطروحة أكاديميا، أحيلت إلى جهة ما يعرف بالسلامة الفكرية. ولم يدر في خلدي أن الأمر سيعنيني أو أنه سيتجاوز الحدود الروتينية. لكن ظني اهتز تحت دواعي الدهشة التي فاجأني بها أستاذ السلامة الفكرية، عضو فرع التنظيم الذي أخبرني أن في الأطروحة ما يمنع إجازتها في شكلها الحالي، وأنه لا بد من تخليصها من أعمال كاتبين في الأقل هما: غائب طعمة فرمان وبرهان الخطيب. ولم تجد حججي معه كثيرا؛ من القول بأن الأعمال موضوع الدرس مطبوعة في بغداد، ولا في أن التناول النقدي اهتم بالبعد الأدبي ولم يتجاوزه إلى ما عداه... بل وأحالني إلى قصة لبرهان تصور عائلة تسمى بآل يعرب تصويرا ينال منهم في دلالة رمزية مقصودة على حد زعمه، كان حدثا عصيبا، فليس الأمر هذه المرة مما يتصل بالمنهج أو القيمة العلمية التي يمكن أن تناقش، بقدر ما هو موقف يهدد المشروع بالمصادرة والإلغاء."
ينتهي الاقتباس عن الدكتور الجليل هويدي من موقع: http://ittijahat.info/articles/salih_alhwaidi.htm
الملاحظ إن شيوعيي موسكو تبين مؤخرا من حديث أحدهم أيضا يقاطعون الخطيب حينه، لكن غائب طعمة فرمان من غير إعلان لا يلتزم بذلك يزوره يوميا في شقته المجاور لشقته، الناقد الراحل قاسم عبد الأمير يكتب عن أحدى تلك الزيارات، يخرق الحظر أدباء وأساتذة شجعان مثل الأديب عبد الرحمن مجيد الربيعي يكتب عن الخطيب في الصحافة اللبنانية، كذلك الناقد عبد الجبار عباس، د. باقر جواد، د. علي عباس، غيرهم. حتى اليوم يبتعد بعض المحافل.. بالوراثة، متحدثين عن سلبيات المحاصصة، عن ابداع الخطيب الوفير، حين يتبادلون المديح بينهم. عدم الاستقرار في العراق، العالم، يؤثر سلبا على كافة أصعدة المجتمع العراقي من سياسية إلى اقتصادية، ثقافية، أكاديمية، إنما تبقى العقول العراقية العالية، مراكز  بحث فيه، تسعى إلى تجاوز المحنة وتنجح في ذلك، تحقق نتائج طيبة مع الاصرار والتعاون بين مخلصين إلى ثقافة الوطن. الخريف الماضي في كلية الآداب بجامعة بغداد يتم إقرار وإعداد ومناقشة رسالة ماجستير السيدة مروج حسين، الموسومة (الفضاء الروائي في روايات برهان الخطيب) تحت اشراف أ. م. د. كرنفال أيوب محسن بناء على توصية من رئيس قسم اللغة العربية في الكلية المذكورة أ. م. د. عقيل رحيم علي. تنجح الباحثة في الدفاع عن أطروحتها تنال درجة جيد جدا عنها بعد نقاش حامي الوطيس مع ناقديها، أ. د. فليح كريم الركابي، أ. م. د. باسم صالح حميد، م. د. حيدر فاضل عباس، مع أساتذة متشددين يقفون بالمرصاد لدراسات لا على هواهم ربما، يتم تصديق الرسالة من قبل مجلس كلية الآداب بجامعة بغداد بتوقيع عميد الكلية المذكورة أ. د. صلاح عايد الجابري. الرسالة أو الدراسة تتناول إلى الفحص والتحليل الأدب الروائي لأحد أهم كتاب الرواية العربية منذ منتصف ستينات القرن الماضي رأينا آن تبدأ مرحلة تجديد الأدب العربي على أسس حديثة متحررة، تجربة حيوية تقطع شوطا طويلا تنتج الكثير من الأعمال الروائية والقصصية الباهرة، منها يُترجم إلى لغات أجنبية، يدخل موسوعات كبرى، روسية، ألمانية، أمريكية، هنغارية، سويدية، مثل سامية الاسكندرانية، الفيضان، دولاب الهوا، السحب الخريفية من قصص ب الخطيب، أو ينتج إلى السينما كقصته الشمس السوداء.
رغم ذلك تجد الباحثة مروج حسين الدراسات العراقية تحديدا، أكاديمية أو صحافية، قلما تتعرض لأدب الروائي برهان الخطيب، يصير ذلك أحد أسباب تحفيزها إلى اعتماده موضوع دراستها الأكاديمية، تقسمها إلى ثلاثة فصول، لكل منها مبحثان، مع مقدمة وتمهيد مسهبين، مع خاتمة، يعقبها سجل مصادر ومراجع مختلف النقاد، خلاصة الاطروحة باللغة الانكليزية. غدا نستعرض أفكار ومضامين دراستها الأكاديمية.