المحرر موضوع: هل المطلوب منا ان نعيش في السماء؟!!!!  (زيارة 1182 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل المطلوب منا ان نعيش في السماء؟!!!!



لست محاسبا على ما تقول،
انت ايضا محاسب على ما لم تقل،
حين كان لا بد ان تقوله   مارتن لوثر كنك



تيري بطرس
غاية العمل السياسي هو تحقيق المصالح، وقد قيل ان الحرب هي السياسية بوسائل اخرى، اي ايضا لتحقيق المصالح، ولكن بوسائل اخرى. السياسة ليست تبشير بالمبادئ، السياسية هي استعمال ادواة القوة في الاتيان بالحقوق او الحصول على المزيد منها، في عالم مضطرب، كل يريد لنفسه اللقمة الاكبر. من هنا وعلى كافة المستويات القومي او الوطني او العالمي، يعمل الجميع  من اجل ان يكون ممتلكا لاكبر عدد من عوامل القوة لكي يكون محصوله وافرا من الحقوق كما ونوعا. وهناك ثوابت في عوامل القوة تؤخذ بنظر الاعتبار وهي الموقع الجغرافي وعدد السكان، ولكن بعض الدول او الشعوب، تمكنت ان تتبوا مراكز متقدمة في عالم المصالح وحساب عوامل القوة بالتعويض عن عدد السكان من خلال التقدم  العلمي والتطور الاقتصادي، وهو عامل مهم في عوامل القوة.
الولايات المتحدة الامريكية، تعتبر احدى الدول الاكثر امتلاكا لعوامل القوة، ولذا فهي تدير العالم، او ان رايها بارز في ادارة العالم، لان النظام الاقتصادي الدولي يمر من خلالها، ولان اقتصادها الداخلي قوي جدا، ولان العلوم والاختراعات فيها متقدمة وتأتي بالمزيد من الاموال، ولان قوتها العسكرية لا تضاهيها اي قوة على الارض، ولتنوع شعبها وموقعه المثالي خارج صراعات العالم القديم، وللحريات الفردية فيها، هذا ناهيك عن امتلاكها الموارد الطبيعية، والارادة. اسرائيل تفتقر الى عامل العدد، ولكنها استعاضت عن ذلك بالتطور الاقتصادي والعلاقات السياسية الطيبة على مستويات مختلفة مع العالم، وميزة انها اول دولة تم انشأها بناء على قرار المجتمع الدولي. وبالتالي فان دعاية سحق اسرائيل او رميها في البحر كذبة سيواجهها العالم كله، وان اختلف مع بعض سياساتها، ناهيك عن قدرتها على تأسيس جيش قوي يعتبر من اقوى جيوش العالم. وقد تدخل بعض الدول ممن امتلك عوامل قوة كبيرة جدا، صراعا خاسرا، الا ان خسارتها مهما كانت ستبقى ضئيلة ولا ترى ولا تؤثر في مستقبلها، كما حدث في فيتنام بالنسبة لاميركا. بعكس ما حدث للاتحاد السوفياتي، حينما كان تدخله في افغانستان احد الاسباب الرئيسية في تفككه.
بعض الشعوب ومنها شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، قد لا يمتلكون القدرة او الحرية الكافية، لبناء عوامل القوة المذكورة اعلاه. فشعبنا داخليا متفتت، متوزع الولاءات ومتصارع على امور هي بالاساس واحدة، لانها جزء من تاريخه الواحد. ولكن البعض يعتقد بانه بالقفز واعلان الرغبة لامتلاك عوامل قوة، يكذبها الواقع و اوليات السياسية، يحقق انتصار. فان هذا البعض، بدلا من انتصار المنتشي بالكلمات سيصحو على تجريده من المزيد مما كان يمتلكه من هذه العوامل، التي هي اكثر من ضرورية للتفاوض والحوار السياسي، في طريقنا لتثبيت مصالحنا. ان البعض يعود الى تبسيط العمل السياسي وكانه لعبة في حارة او في بيت واحد، او خلاف عائلي يحل بتنازل كل طرف او ان القوي يفرض ارادته ولكنه لا يؤذي الاخرين لانهم اخوته على كل حال. ان احد نتائج  تبسيط العمل السياسي، هي تدمير القدرة على المقاومة وتيئيس الناس ودفعهم للهروب، في زمن باتت وسائل الهروب كثيرة ومتعددة ويتم تصوريها باشهى الصور. وفي زمن باتت ديمغرافية شعبنا مثار تساؤل كبير.   
كما اكدنا ان العمل السياسي يختلف عن العمل التبشيري، في الغايات والوسائل، فلكي تنجح في العمل التبشيري فاغلب ما تحتاجه، هو سعة الاطلاع قياسا بالمحيط الذي تبشر فيه، وسرعة البديهية، وناس تشعر بان الافق مسدود امامها. من هنا تبدا بالدعوة الى عمل ما وما ينتظر الناس من نجاحه. في العمل السياسي، انك تتحاور وتتفاوض لكي تفرض وجودك وحقوقك بين الاخرين، وانت بحاجة لعوامل قوة كثيرة تساعدك في هذا الامر. اذا من ما مر بنا، ندرك ان الصراخ والصياح والسب والعناد، لن يحققا لنا كشعب اي مردود، والمؤسف ان ما قلته للتو معروف ويقال مرارا وتكرارا، ولكن نلاحظ اللجوء الى هذه الادوات التي تدمر في الكثير من الاحيان عوامل قوة يمكن ان يكون شعبنا قد صرف الكثير من اجل بناءها. وبذلك نعود كل مرة الى نقطة خوار القوى والياس ولا مفر الا الهروب.
ليس في هذه الحياة من هو اقرب الينا من بني امتنا، وليس مطلوبا منا كل ابناء هذه الامة ان نكون كاسنان المشط متساويين بالفهم والقدرة والجهد، فبالتالي نحن ابناء بيئتنا. ونشاهد الامور من زاوية نظرتنا وبما نمتلك من المعلومات، وبالتالي لو كان هذا فهمنا للامور منذ البداية، لكان يفترض ان نكون في موقع افضل بكثير ونمتلك ادواة قوة اكثر بكثير. من هنا اود القول والتأكيد اننا وبجدارة تامة وبعناد ما بعده عناد. سرنا في الطريق مغمضي العيون، نحارب بعضنا البعض، ونكسر همة بعضنا البعض، ونلتجئ للاخر لكي يحمينا من ضربات هذا البعض.
من هنا كان لابد لنا ان نستغل السياسة كعامل اساسي في بناء عوامل القوة، رويدا رويدا،واول مرحلة في هذه الطريق الطويلة هي وحدة القرار لشعبنا،  وان نعلم بان الامور لا تأتي بمجرد عدالتها او المطالبة، فاي حق يتم اخذه او دفع الاخر للاقرار به، يجب ان ندرك ان لهذا الاخر ايضا اوليات او قدرات محددة يخضع لها. وبالتالي فان القبول او الاقرار او التمتع بحق ننتزعه، يجب ان لا يكون بان الاخرمضطر او تحت ضغوط قوية بل يفضل في السياسية اظهار الامور وكانها تفاهمات لصالح الجميع والا فان الطرف المتنازل سيحسب الف مرة قبل ان يقر بما لنا. ولكن من مراقبة العمل السياسي او العمل القومي بصورة عامة، نجد انه ليس المطلب هو المراد في الغالب من يعض من ذوي الاصوات العالية، بل اظهار الانتصار او البطولة او اذلال الاخر. وهذا هو نوع من الامراض النفسية لا اعرف له اسم. فبابسط محاورة يدرك الجميع ان التمتع بحقوقنا ومساواتنا مع الاخر وازالة كل ما يعيق تقدمنا، يجب ان يكون في الوطن، وهذا الوطن له سمات معينة اليوم، وجلب التاريخ ورميه في وجه الاخر لن يفيد، ولن يغيير من واقع الامر اي شئ.  والعامل الاكثر ايلاما اننا نرمي التاريخ في وجه الاخر حينما نحاورهم في الوقت الذي نهرب من مسرح التاريخ تاريكنه ولاعنينه باعتباره سبب مأسينا والامنا.
ان المنطقة التي هي ارضنا التاريخية، تعج بشعوب وملل مختلفة، وخيارنا الهرب يلغي اي خيار اخر لنا في الوطن، فالحقوق والامتيازات والواجبات تطبق على البشر، فان زال البشر لا معنى للحقوق او زال ممارسها على الاقل. وان كان خيارنا البقاء وهذا ما اعتقده لدى الكثيرين من ابناء شعبنا، فالخطوات يجب ان تكون بدعم الوجود وترسيخه والايمان بان التعايش هو فرصتنا الاولى وتدعيم التعايش بخطوات متتالية للاستحصال على حقوقنا في اطار متفق عليه او متوازن مثل التطورات السياسية والاجتماعية للمنطقة او لكل جزء منها.
ان حقي في الوجود يعادله حق الكوردي والعربي والتركماني والفارسي، ويساويه حق المسلم بشيعته وسنته وعلويه والازيدية والمندائية، فهؤلاء كلهم في ميزان العدالة الانسانية كافراد او كمجموعات متساوون في المكانة وحق الوجود. ونحن من القوى الضعيفة، وندرك ان بعض القوى في المنطقة والتي تعتبر من القوى القوية، يجب ان تدرك هذا الحق في الوجود والمساواة. وهذا الادراك لن يتحقق بالسباب والتجريح والادعاء بان الاخر محتل والاخر اصيل. فكلنا اصلاء على هذه الارض رغم التفاوت في الظهور او التواجد. فنحن تحولنا وتغيرنا وتبدلنا، من هذا الطرف الى ذاك بفعل عوامل تاريخية. وما حدث في التاريخ لا احد يمكنه ان يتحمل تكاليفه، فما تم اقترافه بحقنا ابان المذابح الكبرى، ان اردنا الانتقام له، فانه يعني ان يقدم لنا ذابحينا مقابل كل شخص فقد مئة شخص، لان من ذبح لكان اليوم قد تناسل وتكاثر وصار اكثر من مئة.  والاتكال على المعادلة الانتقامية يعني استمرار القتل والقتل المتبادل. ان الحلو لا تأتي ابدا بما يرغبه ويعتقده كل طرف، بل بما ينمي بين الاطراف المختلفة من عوامل الثقة البناءة وترسيخها في ممارسات سياسية وقانونية  وثقافية مقبولة.
الغريب هو ان اكثر الناس تعنتا، ومعاداة الاخر هم من ابتعد عن الساحة الفعلية التي نريد ان تتجسد فيها حقوقنا، رغم التناقض الواضح في مواقفهم، فهم في بلدانهم الجديدة يتعايشون مع مختلف الالوان والاشكال والاديان والقوميات، لان القانون يقر بالمساواة وبالكرامة الواحدة لجميع البشر. ولكن في بلدهم لا يرتضون الا الانتقام لماضي كلنا نقر بما حدث فيه من مأسي والام.
لكي نتمتع بحقوقنا، علينا الادراك التام ان ذلك يجب ان يتأتي بمراحل وليس بمرحلة واحدة، وان تمتعنا بهذه الحقوق سيكون مع الفيسفساء الساكنية القائمة، وليس خارجا في السماء. وان مشاركتنا بفعالية في رفد الحياة الثقافية للمجتمع بطروحات وباعمال ترسخ المساواة والنظرة الواحدة لكل مكونات المجتمع القومية والدينية والجنسية (النساء والرجال)، عامل مهم للانتقال بالمجتمع نحو ازالة عوامل الاحتقان فيه. ان نضالنا في التمتع بحقوقنا، هو نضال مركب ويمكن ان يقوى بمساندة قوى تدعمنا في الاكثريات ممن لا ترى مستقبل لها الا بالتعددية الدينية والقومية. ان نضالنا في هذا الصدد هو حليف كل القوى التي تناضل لاجل المساواة واقامة دولة القانون وترسيخ مفهوم القانون فوق الجميع، وتوزيع السلطة والادارات بشكل يشمل الكل واقامة مناطق للادارة او الحكم الذاتي حتى لو كان على اساس ثقافي قانوني عابر للجغرافيا مثالا.
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ