المحرر موضوع: اخر رئيس لاساقفة الموصل يروي شهادته‎  (زيارة 2866 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37776
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


The catholic weekly
ترجمة: الاب دنخا عبدالاحد



قال اخر رئيس لأساقفة الموصل في العراق: ان أفضل إجابة يمكن إعطائها من قبل المسيحيين امام تهديد "الدولة الإسلامية" هي ان نعيش المسيحية بصدق وبدون خوف.
 
عندما احتلت الدولة الإسلامية مدينة الموصل في سنة 2014 غادر المطران اميل نونا المدينة. وفي سنة 2015 عيّنهٌ البابا فرنسيس مطارنا على ابرشية مارتوما الرسول الكلدانية في استراليا ونيوزلندا.

بالنسبة لشخصٍ عايش الكثير من المأساة وواجه الاضطهاد في مدينة مزقتها الحروب وتُعد واحدة من اخطر الأماكن للمسيحيين؛ يلاحظ عليه الهدوء الذي يكشف عن قوة ولدت من الايمان العميق والحازم. يقول سيادته: عندما كنتُ راعٍ لقطيع مسيحي صغير وخائف "كان ذلك افضل وقت في حياتي"

ولد المطران نونا في القوش، القرية المسيحية في شمال العراق، كان مهتما بالتقليد الكنسي الكلداني، وترعرع على الطقس والليتورجيا الكلدانية منذ نعومة اظفاره. ويضيف سيادته في هذا الصدد: "أنا لا أتذكر حقيقةً متى بدأت أذهب للكنيسة لكنني كنتُ أذهب للكنيسة كل يوم".

شعوره ورغبته بالكهنوت كانت بسبب حبه لليتورجيا وكذلك تأثره بمثال الكاهن الشاب الذي كان يخدم في القرية (القوش) ويعلق على ذلك: "كان رجلا طيبا جدا، وأردتُ ان أكون مثله لخدمة الاخرين وجعلهم سعداء".

وبعد دراسته في المعهد الكهنوتي في بغداد لست سنوات رُسِم كاهنا في سنة 1991 وعاد للخدمة في قريته القوش مساعدا للكاهن ومن ثم كاهنا للخورنة. ومن ثمّ ذهب للدراسة الى روما وحصل على شهادة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا (علم الانسان) من جامعة لاتران الحبرية في روما.

عندما تم اختياره كرئيس للأساقفة في سنة 2010 من قبل السينودس الكلداني، الإعلان كان بمثابة قلق كبير لعائلته وأصدقائه، كون سلفهُ رئيس الأساقفة بولس رحو كان قد اختطف وقُتل.

وقال سيادته: "لم اتلقى تبريكات من عائلتي واصدقائي عند اختياري رئيسا للأساقفة كان هناك قلق كبير من قبلهم كوني سأكون رئيسا لأساقفة الموصل" ويضيف مبتسماً: "بدل من ذلك، سألوني كيف يمكنني ان اذهب هناك!". وحتى الان المطران نونا يرتدي حول عنقه صليب سلفه المطران الشهيد فرج رحو.

وبوصفه مطرانا للموصل وجد الكثير من الارتياح في العمل مع الطائفة المسيحية الصغيرة هناك: "الى سنة 2014، اعتقد كانت أفضل لحظات حياتي، كان هناك مجموعة صغيرة وبنفس الوقت خائفة من المسيحيين. لم يكونوا يفعلوا أي شيء سوى الذهاب للعمل والعودة للمنزل ولكنني بدأت معهم ببعض النشاطات الصغيرة ومن ثم زيارتهم في المنزل، في ذلك الوقت كنت فرحاً جداً بما بدأت أعمل عليه".

وفي حزيران 2014 أي في اليوم الأخير قبل ان يحتل مقاتلو "الدولة الإسلامية" مدينة الموصل. سافر المطران الى أحد الخورانات خارج المدينة لارتباطه باجتماع مع مجموعة من الشباب، هناك تلقى اتصالاً هاتفياً يخبرهُ بأنه لن يستطيع العودة الى مقره في المدينة. في اليوم التالي حاول ان يعود الى مقره بشتى الوسائل لكنه مُنع من ذلك، وأضاف: "وبعدها لم أرى مدينة الموصل مرة أخرى"

وطوال تلك الليلة (ليلة سقوط مدينة الموصل) كان المسيحيون يفرون من المدينة. اذ معظمهم فرّ الى مناطق سهل نينوى (منطقة يسكنها الأقليات تقع الى شمال وشمال شرق من مدينة الموصل) ويضيف سيادته: "ان الوضع كان مأساوياً".

وقال سيادته: انه كان يشعر بالقلق الكبير على إزاء 17 فتاةً كانوا يعيشون في دار لرعايا الايتام، ويضيف: "كنتُ خائفاً وقلقاً جدا عليهم، وكنتُ على تواصل دائم معهم لإخراجهم من المدينة بسلام. بالحقيقة استطعنا اخرجاهم ووصلوا الينا نحو الساعة الخامسة فجراً. الوضع كان رهيباً"

وفي نفس الليلة حاول سيادته الاتصال بكل العوائل التي تقطن الموصل لأعلامها بالوضع واخراجها من المدينة حالاً. والأيام التي تبعتها سعى المسيحيون الى إيجاد مأوى لهم بعد ان تحولوا الى مُهجّرين من منازلهم ومدينتهم. ويضيف: "الكثير من المسيحيين نزحوا نحو شمال العراق الى منطقة إقليم كردستان. في الأسابيع الأولى كان الوضع حقيقةً مأساوي جدا. الكثير من الناس توجهوا نحو الكنائس وبدون أي شيء باحثين عن مأوى"

ويكمل سيادته: "لقد حاولنا ان نوفر لهم كل شيء، وانا اعتقد لقد نجحنا نوعا ما. بعد أسابيع استطعنا ان نوفر لهم بعض المستلزمات المهمة ووضعناهم داخل غرف كرفانية او وجدنا بعض الحلول الأخرى لنأويهم. بالحقيقة، الكنيسة قامت بعمل عظيم في ذلك الوقت وما زالت تعمل الى يومنا هذا"

ويوضح سيادته ان المسيحين يسكنون مدينة الموصل وضواحيها منذ القرن الأول بعد الميلاد. فاثنين من الرسل، هم من بشروا المنطقة من جنوب تركيا الحالية الى شمال العراق. معلقا: "لقد أتوا الى منطقتنا في نهاية القرن الأول وبشروا جماعتنا بالمسيحية"

وقبل الحرب الأخيرة سنة 2003 كان يسكن مدينة الموصل ما يقارب 35.000 مسيحي. ولكن عدم الاستقرار الناجم عن إزاحة نظام صدام حسين، أدى الى زيادة اضطهاد سكان المدينة من المسيحيين، والذي تراجع بسرعة خلال السنوات التي تلت. داعش كان موجودا في الموصل منذ سنة 2003 وبعدها. وفي وقت الذي سيطر فيه تنظيم داعش "الدولة الإسلامية" على مدينة الموصل في سنة 2014 لم يكن في المدينة سوى 3000 مسيحي تركوا بعدها مدينة الموصل. "واليوم لا مسيحي في المدينة"

وعلى الرغم من ان الجزء الشرقي من المدينة وبالإضافة الى سهل نينوى تم تحريرهم اليوم من قبل قوات الجيش العراقي في أكتوبر من السنة المنصرمة، لكن سيادته يشكك كون المسيحيون سيعودون مثل أي وقت مضى الى المدينة. ويعلق سيادته: "لربما بعض العوائل ستعود، ولكن الوجود المسيحي في الموصل باعتقادي قد انتهى"

تعتمد الدولة الإسلامية على التخويف والإرهاب المستمر للاخرين من اجل موصلة حكمها. فلذلك وفقاً لسيادته من الضروري ان يعيش المسيحيون حياة مسيحية اصيلة وان لا يشلهم الخوف والإرهاب: "أعتقد يجب ان نكون اقوى. لا تخافوا منهم"

ويُضيف سيادته: "انهم يعرفون جيدا ان الشعوب الغربية خائفة على الديمقراطية في مجتمعاتها، لذلك نرى هجوماً هنا وأخر هناك، لتخويف الناس حقيقةً. لذلك اعتقد اننا يجب ان نكون أقوياء وان لا نخاف منهم. ولا يمكن أن يفعلوا شيئا إذا كنا بالحقيقة نعيش كمسيحيين حقيقيين واقوياء مدافعين عن أسلوب حياتنا".

حتى عندما كان المطران نونا في الموصل نصح هناك المسيحيين بعدم الخوف: "اذا عشنا مسيحيتنا حقاً، فانهم لن يستطيعوا ان يفعلوا شيئا. عشتُ معهم (الدولة الإسلامية) لمدة اربع سنوات، وبالحقيقة لم اخف من أي شيء. قلت للمؤمنين انذاك في المدينة: "اذا قتلونا غدا، أو حتى خلال ساعة، علينا ان نعيش هذه اللحظة بمليء الفرح الكامل لمحبة يسوع المسيح".

ماذا يعتقد المطران نونا ان المسيحيين في الغرب يمكنهم القيام به لمساعدة زملائهم المسيحيين في الشرق الأوسط؟
يجيب سيادته: "ان المسيحين في الغرب يجب ان يكونوا مسيحيين حقاً". هذا أمر مفيد للمسيحيين في الشرق الأوسط، اذا عشنا ايماننا هنا بالتأكيد سنُلهم ونساعد الاخرين في بلدان الاضطهاد، ليس مع الأسلحة او ما شابه وانما مع القيم التي نحملها كمسيحيين نستطيع ان نساعد وهذا مهم جداً".

 شعار سيادته هو "خلال الازمات والاضطهاد، يجب ان نبقى ممتلئين من الامل" على الرغم مما عاينه من معاناة في الموصل، المطران نونا لا يزال لديه امل في المستقبل.

ويختم سيادته: "دائما يجب ان يكون لدينا الامل. الامل في المسيحية لا ينتمي الى مكان، بل ينتمي الى الشعب. حيث هناك مسيحيون، هناك امل. إذا كنا قد استطعنا ان نعيش ايماننا في مدينة الموصل، كذلك يمكننا ان نعيشه في سيدني. وإذا كنا قد استطعنا عيشه في سيدني، كذلك يمكننا ان نعيشه في نيويورك او روما. ارضنا مهمة جداً لنا ولكن ايماننا أكثر مهم".
 
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية