المحرر موضوع: في ذكرى إغتيال رسام الكاريكاتير الحزين ناجي العلي  (زيارة 931 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف الموسوي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1150
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في ذكرى إغتيال رسام الكاريكاتير الحزين ناجي العلي
علي إبراهـيم الدليمي
في يوم 29 من آب عام 1987، فارق الحياة الرسام والصحفي الفلسطيني المناضل ناجي العلي، على اثر عملية إغتيال دنيئة وجبانة، دبرت له من قبل (الموساد) الإسرائيلي، وعملاء الصهيونية العالمية، ونفذت ضده في أحد شوارع لندن من يوم 23 تموز.
لقد أختار المجرمون، ناجي العلي، لإغتياله لإنه كان فناناً ملتزماً بقضية وطنه المغتصب، وأهله المشردون.. بل وإتجاه الإنسانية جميعاً.. ولإنه كان يصنع الأمل القادم ويبشر فيه، ولإنه أستنكر بشدة الأوضاع المتردية التي يعيشها أهله داخل الأراضي المحتلة، من الإجراءات التعسفية والتعذيب المستمر، ولايزال، التي تستخدمها صهيونية الإحتلال المقيتة ضدهم.
نعم.. لقد نالت الأيدي المجرمة من ناجي العلي كـ (جسد) ولكنها لم تنال من روحية رسوماته التي لم تمت، والتي حفرت وترسخت بعمق في ذهن وضمير كل عربي، ومسلم، وإنسان في كل مكان.. وزمان.
فقد أستخدم العلي، لغة فن الكاريكاتير المعبرة والصارخة، كسلاح جارح بقوة في فضح وتعرية كل أبعاد وأهداف المرحلة الصهيونية البغيضة، وأطماعها التوسعية في الأراضي العربية.. ما جعل الدوائر والمؤسسات المعادية والمشبوهة تخشى ريشته الساخرة.. وبالتالي تصفيته، ويدفن في مقبرة بروك وود .. في المملكة المتحدة، بعيداً عن وطنه الذي ناضل من أجله !!.
لقد عاش الفنان الشهيد ناجي العلي (مواليد 1938) منذ صباه حزيناً، ترعرع وقد فتحت عيناه تحت تسلط وإرهاب وإحتلال وطنه، لم يذق طعماً للحرية قط في حياته.. معذب، مشرد، رصاص الإحتلال.. والغدر والخيانة تلاحقه أينما وجد، لكنه كان يبتسم بأمله للمستقبل وللحياة وللسلام... حتى رسوماته الساخرة غلب عليها طابع الحزن والألم، كان يرسمها باللون الأسود فقط .. غير ملونة، لانرى فيها (قهقهة) الكاريكاتير المعروفة، نراها ونلمسها محملة بالآلأم الموجعة، والجراح العميقة، التي تخزنت في خوالجه كرسام وإنسان ومناضل فلسطيني صلب.. فالهمّ عنده ليس همّاً شخصياً، بل همّ جماعي يرتبط بالآم الآخرين، بالآم الوطن، بالآم الإنسان العربي.. ويعتبر الحزن الذي أنتابه منذ الصبا ظاهرة مريحة لوجدانه، وحالة الحزن هذه بالنسبة له ظاهرة إنسانية نبيلة، بل هي أنبل من الفرح نفسه، فالإنسان يستطيع إفتعال الفرح.. أما الحزن فلا...
لقد سعى ناجي العلي، منذ بدايته الفنية، في الستينيات إلى اللجوء لإسلوب وأفكار جماعة (توبور) الفرنسي، المبشرة بكاريكاتير (الضحكة السوداء) لإنه أصلاً لايريد أن يضحك أحداً، بل أن يستفز عواطفه ومشاعره إلى أقصى حد ممكن من خلال تعميق إحساسنا بقضية جوهرية وطنية وإنسانية خالصة، توحدنا في الألم والتطلع.. كان يرسم لا ليقهقة الناس، وترسم البسمة على وجوههم وينسوا قضيتهم الأساسية، بل ليقرأوا همومهم المثقلة، ويستذكروا جلياً ماضيهم، لشحن فيهم إستنفارهم وتحريضهم للثورة على ظلم الإحتلال، ويرسم ليعالج الألم الموجع، ويداوي الجرح العميق المنزف الذي أصاب جسد أبناء وطنه المحتل فلسطين.
وقد رافق ناجي العلي، طيلة مسيرته الفنية (حنظلة) ذلك الطفل الصغير، الذي لم يتقدم بالعمر، الحافي القدمين، المرقع الملابس، يديه معقودتين الواحدة على الأخرى خلف ظهره الذي داره علينا، منذ اللحظة الأولى من ولادته، لينظر بآسى كبير إلى مايحدث.
حنظلة، هذا الصبي الصغير بحجمه والكبير بعقله، الذي خرج من أعمق أعماق روحية وضمير ناجي العلي، وقد أصبح فيما بعد وكأنه توقيعه الخاص بدلاً من الكتابة على الرسم، جعله الشاهد الذي يعي قضيته برهافة وإحساس وطني وإنساني، لإنه ولد ونشأ طبيعياً من رحم القضية الفلسطينية، وظل كالحارس الأمين، الذي يحاول أن يراقب بدقة عن كثب، كل مايجرى حوله وأمامه، بكثير من الألم والصبر، يحمل هموم ومأساة شعب مظلوم، وينتظر اللحظة المناسبة والحاسمة مع الناس الشرفاء في العالم.. لكي يعلنوا مصيرهم المحتوم في النصر والتحرير الأكيد