المحرر موضوع: فارس تمر والانطباعية الزاخولية من المحلية إلى العالمية  (زيارة 1264 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عصمت شاهين الدوسكي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 464
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
فارس تمر والانطباعية الزاخولية
من المحلية إلى العالمية

عصمت شاهين الدوسكي

في طريقنا من دهوك إلى زاخو حيث الطريق السريع ومساحات واسعة وروابي خضراء ويمتد نظرك حينما تقترب أكثر ليقترب كلي زاخو الدولي الذي شهد حوادث انقلاب السيارات الكبيرة والصغيرة وراح ضحيتها ناس أبرياء لشدة انحداره والتواءه وانحناءه ، وعندما تصل لقمة الكلي وتمر على الانحدار القوي الذي يؤدي إلى مدينة زاخو يتسع نظرك إلى جنان جميلة في كل الاتجاهات بلدة متراكمة على بعضها ، ومن أصول تسمية زاخو إلى الكلمة الآرامية السريانية " زاخوتا " وتعني الانتصار وتعزي هذه التسمية تقليديا إلى انتصار اسكندر المقدوني على البارثيين في واقعة بالقرب من زاخو ، وهناك معاني أخرى ، يتخلل البلدة جسر العباسي " جسر  دلال " الذي يبسط قوته التاريخية أمام السائحين والزوار أحجاره وأقواسه تحكي حكاية الإنسان القديم بنسيم نهر عليل ، وبعد عبورنا الجسر لمنطقة العباسية ومنطقة " سرهلدان  " وتعني الانتفاضة ومرورنا بشارع المؤدي إلى تل كبر وفي احد الأزقة وصلنا إلى بيت المفكر والمناضل والكاتب " فرهاد عمر السليفاني " الذي استقبلنا بحفاوة وكرم أهل زاخو الطيبين

 

وبعد استراحتنا من تعب الطريق جرى بيننا حديث طويل عن الثقافة والصحافة والفن التشكيلي في دهوك وزاخو وكوردستان عامة بتناقضاتها وتأثيرها في الساحة المحلية والعربية والعالمية ، ثم انتقلت إلى الغرفة المجاورة التي اعتبرتها قاعة لعرض لوحات الفنان التشكيلي " فارس تمر " الذي يعتبر بن عم المفكر فرهاد عمر وبعد حديثنا عن لوحاته الانطباعية انتقلنا إلى مرسمه
 
بناء مميز فيه صالة لاستقبال الأصدقاء والضيوف وقاعة ورشة للرسم وأخرى للتصميم والإعلان معلقة على جدرانها لوحات فنية تتحدث عن أزمنة مختلفة ولكل لوحة سحر ورمز وجمال خاص وبمضمون ومعاني راقية تمس الإنسان والمجتمع وقد لفت نظري هذا الكم الجميل والراقي من اللوحات الانطباعية والسريالية التي تأخذك إلى عالم روحاني وفكري وإحساس ينبض له القلب بأمان وراحة نفسية ، لو تأملنا هذا الكون وأبصرنا ما حولنا لأدركنا عمق وعظمة الخالق المصور الذي أبدع هذا الجمال الكوني الطبيعي والإنساني ، الله بقدرته العجيبة يقدم لنا لوحات تسمو بألوانها وترتقي بشفافيتها النقية نقف أمامها مشدوهين وقد صمت وعقد فكرنا وخيالنا ورؤيتنا هذا الإبداع الجمالي سبحان الله صور وخلق فأحسن كل شيء ، ومن خلال الموهبة الفنية التي يهبها الله للإنسان يخزن بدوره الرؤية ويجسدها على لوحات فنية انطباعية وتجريدية ، المدرسة الانطباعية التي يتميز فيها الفنان التشكيلي فارس تمر هي احد أنواع الفنون التي ساهمت في تغيير الفن العتيق الماضي والمعاصر ، فالفن التشكيلي الانطباعي يؤخذ من الطبيعة الواقع يصغ الفنان بأسلوبه ورؤيته الخاصة الجديدة التي تحتاج إلى رؤية بصرية محسوسة ،
 

وقد كان استهلالها في فرنسا بين مجموعة من الفنانين الذين كانوا يحلمون بالحرية وتكوين الذات والتفرد والتميز مع الإخلاص في العمل الفني ليكونوا مدرستهم الفنية الخاصة التي هاجت وعصفت بالماضي وأساليبه القديمة وهجرهم المظاهر الزائفة والنبلاء والأغنياء وعيشهم مع البسطاء والفقراء والمحرومين والمساكين ألهمهم جوهر الفن الراقي وكان في مقدمتهم " كلود مونيه " تنسب الانطباعية إلى إحدى لوحاته عنوانها " انطباع شروق الشمس " وفي البداية كانت مصدر استهزاء ودعاة للسخرية لكن مع الزمن أصبحت عنوانا راقيا يشار إليها بالبنان ، الفنان التشكيلي " فارس تمر " من قرية بيزهي ، زاخو عاش طفولته بين الطبيعة وترعرع مع الناس البسطاء فعرف أدق التفاصيل وأعظمها ، بالإضافة إلى الرسم خطاط ومصمم وعندما رأيته في بادئ الأمر تجلت ملامح وجهه الجبلية وشعر رأسه وجسده القوي الذي يوحي إنه ليس فنان تشكيلي فقط بل قائد ثورة فنية وإنسانية ثقته بنفسه ورؤيته العميقة الصائبة للأشياء تفرز طاقة ايجابية ، ورغم المعارض الكثيرة التي أقامها وشارك فيها في الداخل والخارج وتميزه وإبداعه الفني ومركزه وعمله كمدير ل " كاليري " في زاخو  الخاصة بعرض اللوحات الفنية والتشكيلية بأقسامها التابعة لدائرة الثقافة والفنون وإعادة انتخابه عدة مرات ،

 
 تجده متواضع بسيط يحاورك كأنه صديق قديم ، هذا التواضع الشخصي والفني أسمى بقدراته وإمكانياته وارتقى بحب الناس بجميع صفاتهم ومكانتهم ومناصبهم ، الفنان فارس تمر موهبته الفنية بدأت منذ الصغر حينما كان مخربش على الجدران والأرض بصور وخطوط فطرية وفي المراحل الدراسية وجد ضآلته بين القلم والورقة يرسم ما يحس ويحلو له فلفت أنظار الأصدقاء والأقرباء وخاصة المختصين في فن الرسم ولا غريبة أن تستعين قيه المدرسة في المناسبات الفنية والتشكيلية ليضع بصماته الطرية على خلفيات المسارح ورسم جداري لواجهات المدارس حيث ذاع صيته الفني فاستعانت بفنه المنظمات والمؤسسات الرسمية والاجتماعية والإنسانية وأصبحت له قاعدة جماهيرية واسعة ليس في زاخو ودهوك وكوردستان فقط بل في العالم من خلال مشاركاته التشكيلية المميزة تتميز لوحاته بالألوان المشعة كألوان قوس قزح متجلية بانعكاس الضوء والظل على سطح اللوحة بلمسات راقية بالفرشاة وتظهر آثارها بتضاريس بارزة مكونة مضمون الفكرة والرؤية  ويترك للمتلقي مساحات واسعة للتأويل التي تعتبر متعة فكرية ونفسية وتحليلية ،
 

يعتمد الفنان " فارس تمر " على نقل صورة الواقع والحدث من الطبيعة والمجتمع كلوحة مجنون زاخو " سينان " الذي يتكأ على صخرة ما بجسده وهيئته المعروفة لدى أهل زاخو بملابسه البسيطة ولحيته الكثة فهو شخص من المجتمع يعرفه الفنان من زمن قديم وهو أيضا يعرف الفنان فارس تمر وكأنه في اتصال إنساني غير منظور بينهما فكلما رآه في أي مكان أو سمع صوت الفنان فارس يصيح بأعلى صوته ينادي اسمه ، ليوجه من خلال اللوحة رسالة الرحمة وقد كتب في يسار اللوحة بالخط الكاريكاتيري " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " فاهتمامنا بالفقراء والضعفاء والمجانين والمساكين والمحرومين قضية إنسانية مهمة جدا ، فلا يمكن هذا الإهمال واللا مبالاة من المؤسسات الحكومية والأنظمة الإنسانية التي تدعي وترفع شعار حقوق الإنسان أن لا تراعي مثل حال " سينان " وغيره ،

 

وقد اقترح الفنان فارس تمر على المعنيين اختيار مكان لمثل حالة " سيبان " ورعايتهم فكريا وصحيا واجتماعيا ويكون مع جماعته الفنيين متطوعين لهذا الأمر ، لكن لا حياة لمن تنادي ، لو كان الفنان التشكيلي فارس تمر في غير دولة مثلا أوربية لوفرت له ما يحتاجه لينتج ويبدع ورغم العروض الخارجية التي هالت عليه أبى أن يترك بلدته وأهله ، ومن اهتماماته التراث والفلكلور الكوردي والمرأة الكوردية كلوحة المهد الخشبي وقطع من السجاد اليدوي القديم وجعبة مزركشة كان يحملها الفلاح وراعي الغنم يحمل فيها زاده وماءه وما يحتاجه بمزيج بهي من الألوان الغامقة والفاتحة الأحمر والأخضر والأسود والأصفر وجاء حبه للتراث تأثير القرية  والأشياء البسيطة التي خزنت صورها في ذاكرته ليعتبر كوردستان كلها خزين ثري لأعماله التشكيلية ولوحة الدومينو التي جمعت مدرستين الانطباعية والسريالية معا قطع النرد الدومينو بلونها الأبيض والنقط السوداء فوقها جعبة فلكلورية بألوانها الغامقة تخرج منها يد قوية عليها آثار التعب والعمل ليجسد من خلالها ويعالج كيف يكون قضاء الوقت بالعمل بعيدا عن اللعب فالإنسان الحقيقي بعمله وإنتاجه ليعكس وجوده وفائدته للإنسانية ،

 
وهناك لوحة فانوس الذي يعتبره رمز للطبقة الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة وهي الطبقة المضحية دائما في المجتمع لكن هذه المرة يد مسالمة جميلة تخرج من الفانوس بألوانها الفاتحة لتعكس المحبة والسلام والتعايش والتسامح والتواصل والتقارب المجتمعي بين الطبقات وهذه اللوحة اختيرت في المهرجان التشكيلي في السليمانية من بين " 174 " فنانا تشكيليا لتجوب معارض العالم كله وأول محطة عالمية ألمانيا ، وهناك لوحات راقية كل لوحة تشكيلية تحمل رسالة إنسانية وفنية هذه بعض اللمحات عن الفنان الموهوب الكوردي فارس تمر الذي وصل بإصراره وإبداعه وثقته بنفسه وإخلاصه في عمله الفني من المحلية إلى العالمية . فعلى الجهات المعنية الاهتمام بالأدباء والمفكرين والتشكيلين فهم يعبرون عن المجتمع بصورته الحقيقية وينقلون حضارة البلد للعالم .

***************************
فارس تمر درويش / تشكيلي وخطاط ومصمم
مواليد 6 / 6/1972 قرية بيزهي / زاخو – دهوك
خريج إعدادية زراعة زاخو 1992 م
اقام ستة معارض فنية تشكيلية .
مشاركات عديد في اغلب المعارض التشكيلية التي أقيمت في إقليم كوردستان العراق تقدر بأكثر من 70 مشاركة فنية .
مشاركات في مهرجانات ومعارض تشكيلية في تركيا .
عام 2005 م عين موظفا في دائرة الثقافة في زاخو .
عام 2010 م عين مديرا لكاليري زاخو وما يزال .
عام 2012 م تم انتخابه كمسئول للبيت التشكيلي في زاخو .
وأعيد انتخابه وما زال .
حصل على العديد من الجوائز وشهادات تقدير .
تم اختيار بعض لوحاته لأغلفة المجلات والكتب داخل وخارج العراق وخاصة في السويد .
شارك في المهرجان التشكيلي الكبير الذي أقيم في السليمانية 12 / 7 / 2017 م مع 174 فنانا تشكيليا واختيرت لوحته لعرضها عالميا في كافة الدول وأول محطة ألمانيا .