التسمية كلدو وآشور هل هي صحيحة ؟
د. نزار ملاخا
من ألاخطاء الشائعة ترويج مصطلح (كلدان وآثوريين) بين ابناء شعبنا من دون أن يعرفوا كيف يميزوا ما بين الإثنين، وهل يجوز هذا المصطلح لغويا وتاريخياً؟ وإن كان جائزاً فما هي الصور التي يمكن ان يكون فيها صحيحاً. بعد التخبط الذي نراه وإستغلال التسمية تجييراً لصالح البعض ولصالح أجندات معروفة، كان لابد لنا من توضيحها لكي لا يقع ابناء شعبنا بأخطاء هم في غنى عنها.
هل هذه التسمية هي تسمية قومية لشعبين ؟ أم لقبيلتين ؟ أم نعود إلى ايام جدتي رحمها الله ونستمع إلى حكاياتها ونظاراتها فوق على رأسها لتقول كان كلدو وآثور أخوين شقيقين، وكانا يسكنان بغداد، وفي يوم من الايام تشاجرا على تقسيم المُلك فذهب كلدو إلى بابل واصبح ملكا هناك بينما يمم آشور وجهه صوب الشمال وتوج ملكاً هناك، وعاشوا عيشة سعيدة،
أعزائي هذا حديث مغالطات، هذه كايات على غرار حكاية الجني والسعلوة، لا يقبله منطق ولا عقل، فلا يوجد في التأريخ مثل هذه المغالطات، ولغرض الوقوف على حقيقتها نقول لا يجوز الجمع بين كلمتي (كلدو وآثور) والسبب بسيط جداً وهو أن كلدو أسم قبيلة، هذه القبيلة كانت تسكن منطقة بابل، بالإضافة إلى بلاد ما بين النهرين من المنبع إلى المصب، وكانت في بابل عدة بيوتات تتبع هذه القبيلة، أما كلمة (آشور) فهي تدل على صنم كان يُعبد في أزمنة قبل الميلاد، وكلمة آشور وردت في الكثير الكثير من المصادر التاريخية وغيرها، العربية والكلدانية والأجنبية على أنها موقع جغرافي وليس أسم قبيلة أو عشيرة، إقليم آشور، والتنسيب لسكنة إقليم آشور (آشوري) كما ينتسب العراقي للعراق، والالقوشي إلى ألقوش والمنگيشي إلى منگيش والحلي إلى الحلة،أو الدجيلي المنسوب للدجيل أو البصري او الكوفي وغيرهم، وبالحقيقة لا توجد قبيلة بأسم ألقوشي أو بطناوي أو تكريتي، لأن الذي يضع اسم هذه المناطق إلى اسمه فهي للدلالة على الموقع الجغرافي، لأن التكارتة شعب متكون من عدة قبائل مثل ألبو ناصر والبو خشمان وغيرهم، كما أن الألاقشة شعب فيه من القبائل شكوانا وأبونا ورابي يونان وأسمرو وغيرهم، أما آشور وآشوري وآشوريين فهم حالهم حال الأمثلة التي أوردناها، شعب سكنوا منطقة آشور، وهذا الشعب كان متكون من قبائل الكلدو وقبائل الميديين والعرب والفرث وغيرهم، كما نرى اليوم فإن إقليم كردستان جميع القبائل التي تسكنه تنتسب إلى شعب أسمه الشعب الكردستاني ولا يعني أنهم كلهم أكراد، لأن شعب كردستان يتكون من الأكراد والعرب والكلدان والتركمان والأرمن وغيرهم، أما كلمة (كردستان) فهي تعني موقع جغرافي مناطقي محدد.
الشعب الاشوري، كانت هذه التسمية سارية المفعول لحد عام 612 ق.م وفي هذا التاريخ أو بعده بقليل أجتاحت جيوش الكلدان المنطقة وأصبحت جميع تلك الاقاليم كلدانية وأنتهى إقليم آشور كتسمية جغرافية (والتي تسمت فيما بعد بـ حدياب ومن ثم تحددت بأربيل وبقية المناطق التي تقع بين الزابين)، وتسمى الشعب بأسم الكلدان (الشعوب على دين ملوكها)، وأصبحت الإمبراطورية الكلدانية هي الحاكمة وسلطتها هي السائدة وتعتبر آخر حكم وطني حَكَم العراق لحد عام 528 ق.م، ومنطقة أو إقليم آشور كان يقع بين الزابين (الزاب الأعلى والزاب الأسفل). لقد استخدم العلامة المطران الشهيد مار أدي شير مصطلح (كلدو وآشور) وضمن هذا العنوان ألّف كتاباً ضخماً حول ذلك، كما أستخدم مصطلح (جنساً ووطناً) وتلازم المصطلحان مع بعضهما، فيقول مثلا (كلدان آثوريين جنساً ووطناً) ولتوضيح هذا الكلام نبدأ من حيث ما أنتهى به، فالمقصود (جنساً) هي القومية، و(وطناً) هي تلك الأرض أو البقعة الجغرافية التي تسكنها هذه القبيلة او هذا الشعب، والمقصود بها (كلدان جنساً وآثور وطناً) وبهذا يدل دلالة واضحة على أن المقصود بها هو الكلدان الساكنين في منطقة أو إقليم آثور أو آشور، وليس المقصود بهذه العبارة ما يذهب إليه البعض من إخوتنا وأبناء شعبنا من أن آثور أو آشور هي تسمية قومية، مطلقاً لم ترد في أي كتاب من كتب التأريخ على أن آثور تسمية قومية بل هي تسمية مناطقية جغرافية، وتسمية شعب، وهي حالها حال التسمية (الشعب العراقي أو الشعب الأمريكي ...والخ) هذه الشعوب تنتسب إلى بلدانها التي هي مناطق جغرافية لأنه لا توجد قومية بأسم العراقي أو الأمريكي أو غير ذلك، وكذلك الحال بالنسبة (لألقوش آثور أو القوش الآشورية التي ورد ذكرها في كتاب ألقوش عبر التاريخ) بعض الألاقشة يفهم خطأ أن شعب ألقوش هو شعب آثوري بمعنى إنتساب قبلي عشائري (هذا خطأ فادح)، ويعتمدون في ذلك إلى ما ذكره المطران بابانا في كتابه المذكور، ولكن قصد المطران بابانا هو نفس ما ذهب إليه المطران أدي شير وما يؤمن به كل علماء التاريخ، إذن اين هو التعبير الصحيح ؟ التعبير الصحيح أن نقول (بابل وآشور) وبهذا نبتعد عن خطأ التسمية التي لا معنى لها، فـ (بابل و آشور) تسميتان تدلان على مناطق ومواقع جغرافية وشعبهماهو خليط من قبائل كلدانية وأخرى أتينا على ذكرها في أعلاه.
لقد كانت ألقوش تقع ضمن الرقعة الجغرافية للدولة الآشورية وسميت (ألقوش آشور) بعدها أصبحت ألقوش التابعة أو ضمن حدود الدولة الكلدانية وبعدها ضمن حدود الدولة العثمانية ومن ثم ضمن حدود الدولة العراقية فهل يصح أن تبقى ألقوش تتحدد بتسمية زمنية معينة؟ ألقوش منطقة جغرافية، بالأمس القريب كانت ألقوش تتبع محافظة نينوى ولما أستلمت مسؤولية الناحية فتاة ارادت تغيير إنتساب وعائدية ألقوش فالحقتها بمحافظة دهوك (وكان تصرفاً فردياً) واليوم عادت ألقوش لتلتحق بمحافظة نينوى، فاية تسمية يمكن أن ننسب ألقوش إليها ؟ التاريخ لا يتبع أهواء الأفراد، عندما أصبحت ألقوش عثمانية هل يعني ذلك ان شعب ألقوش بعوائله وعشائره تغير إلى شعب عثماني ؟ من الغباء أن نؤمن بذلك، بالأمس البعيد كانت ألقوش آشورية اي تتبع الدولة الآشورية أو تقع ضمن حدود إقليم آشور جغرافياً كأرض وليس شعب، ثم أصبحت عراقية اي تتبع الدولة العراقية (وهذا ما ذكره المطران بابانا ايضاً)، وحصل الإنفصال لكانت ألقوش اليوم تسمى كردستانية فهل يعني ذلك أن أهلها من الأكراد؟ أو أن نسمي هذا الإنتساب الجغرافي تسمية قومية للقبائل الألقوشية ؟ تسمية ألقوش الآشورية أنتهت منذ عام 612 ق.م ومن الخطأ التأريخي الكبير والظالم أن نسمي اليوم ألقوش وننسبها إلى (الآشورية)، هذا خطأ تاريخي، والسبب أن إقليم آشور أنتهى، منذ أكثر من ألفي عام، ولكن على سبيل المثال لو خضعت المنطقة إلى تقسيم جغرافي جديد وخارطة جديدة فأكيد ستحمل ألقوش إنتساب جغرافي إلى ما تفرزه الخارطة ويفرزه التقسيم، ولكن مع الإنتباه أن شعب ألقوش بعشائره بالكامل هو شعب كلداني الهوية القومية، جغرافي الإنتساب.
لا ننسى بأن العراق حمل عدة إنتسابات فسمي بـ (عراق العجم) و (عراق العرب) و(العراق التركي) ...والخ.لذا لا يجوز الترويج لمصطلح (كلدو وآثور إلا إذا أرفقناه بمصطلح جنساً ووطناً) وإلا فإن التسمية الصحيحة هي بلاد (بابل وآشور).
16/2/2018