زيف كلدانية منگيش، قومياً
لا بد ان أدوّن هنا ان سبب كتابتي لهذا المقال وبهذا العنوان الحاسم هو التحدي الذي ابداه لي اثنان من أقربائي من ان منگيش كلدانية القومية وذلك تلبية لنداء كاتب إنترنيتي مستجد خَص المُقَربَين بذكر أسمائهما أنهما يقولان منگيش كلدانية. وحال قراءة استنجاد هذا الكاتب لتخليصه من ورطته انبرى الأخوان سامي ديشو والدكتورعبدالله رابي لنشر إثباتاتهما في هذا الخصوص ورديتُ عليهما رويداً رويداً ولكن بقوة مما اغضب الدكتور عبدالله وقررعلناً عدم الرد علي وهو الذي بدأ النقاش وهو الذي خرج عن طوره ، لكن بلا شك هو يبقى صديق وقريب ولن يكون خلاف الرأي سبباً للقطيعة بيننا، لأني أعرف طيبة الدكتور عبدالله رابي الجزيل الأحترام ولأن الغاية هي اسمى وهي منكَيش العزيزة والحقائق عنها.
للأسف ان عنكاوا . كوم ومن غير حق حذفت المقال الذي دار جدالنا فيه والذي كاد ان يكون أرضاً خصبة لنمو الحقائق والتي من المفروض ان نصل اليها بالإثباتات وتحكيم المنطق . الرد بقوة في هكذا نقاش ليس بحرام . الحرام هو الردود المشاكسة ولكن لا احد يستطيع منع الغايات السيئة حين تريد ان تطفو عَلى السطح.
اني هنا اجدد الكتابة في هذا الموضوع الهام لان التشبث بكلدانية منگيش قومياً هو تشبث بكلدانية كل قرانا الحبيبة في شمال الوطن. تقع منگيش حوالي على بعد ما يقارب 45 كيلومترا الى الشمال من مدينة دهوك وفي نصف المسافة التي بين العمادية وزاخو . منگيش هي القرية التي بلغتها وبيئتها وتراثها تجمع بين قرى السهل وقرى الجبل حين نخصها بتسمية قرى " السورايي " وان كانت تميل في لهجتها المحكية الى لغة القوش ام القرى.
في صيف عام ١٨٤٦ مرّ بها الآثاري المعروف هنري لايارد ووصفها وصفاً جميلاً و قائلاً عنها انها "قرية كلدانية كاثوليكية كبيرة" وهنا كانت حجة اخينا سامي ديشو المحترم من انها قرية كلدانية قبل ان تكون كاثوليكية . انا أقر واعترف ان التعريف الآثوري جاء بعد التعريف الكلداني بعدة قرون، لكن هل كان ذلك ذي أهمية تذكر . انه كان يصف بعض القرى الاخرى نسطورية لا ليعبر عن قوميتهم بل ليعبر عم مذهبهم ، فهو هنا يتكلم عن مذهبين متخاصمين الكلدان الكاثوليك والنساطرة ، الريح القومية حينذاك لم تكن قد هبت على العالم ولذا فهو كان يشير الى مذاهب دينية وليس الى قوميات كما نعرفها ونتعصب لها الآن . العرب كانوا مسلمين أولاً و بدرخان ارتكب جرائمه بحق المسيحيين سواء كانوا كلدان او نساطرة لانه كان مسلماً وليس لأنه كان كردياً كما تفعل داعش الآن. سؤالي منذ ظهور الاسم الكلداني حوالي ١٤٤٥ م لتمييزهم عن النساطرة مذهبياً وليس قومياً ، هل في سنة من السنين هب الكلدان لأثبات وجودهم الكلداني مثلما هب الآثوريون منشدين الأشعار الحماسية كما أنشد فريدون اتورايا المواطن الجورجيي/ الروسي عن نينوى بعد سنين قليلة من ظهور الاسم الآثوري. وهل كان الكلدان يوماً ما قوميين! لا يا سامي خذها مني ولو انك تعرفها. اين نبولاصر اين نبوخذنصر وأين عشتار في أسمائكم . فقط اريدك هنا ان تعترف بالحقيقة من ان كلدانية الكاثوليك كانت حبر على ورق لحين سقوط نظام صدام حسين ومن بعده عقد مؤتمرات النهضة الكلدانية الي هي الأخرى لم تفلح في إثبات قومية الكلدان المعاصرين.
اخي سامي لابد انك راجعت كتاب عبدالله رابي ، "منگيش بين الماضي والحاضر" هل من ذكر لبابل أو ملك كلداني فيه. لكن سنحاريب الملك الآشوري مرتين يرد ذكره في الكتاب ضمن منحوتات تقع في تراب منگيش . وآسفاي ان لايارد لم تقع عينه عليهما لكن قال من هنا مرت جيوش سنحاريب الى ارمينيا عدة مرات .
الدكتور عبدالله رابي حجته كانت ملتبسة وازدواجية فهو من ناحية يؤيد الذين جاءوا بنظرية في تقديري سخيفة من ان قرى السورايي الحالية هي كلدانية لأن الملوك الآشوريين جلبوا الأسرى الكلدان الى المنطقة وبمرور الزمن أصبحت الأرض ارضهم والقرى قراهم . اعرف اني أصوغ كلماتي بهيئة نقدية لاذعة لأن الكلام بهكذا سذاجة يقلقني وقلت ان قطعة السكر تذوب بسهولة في قدح الشاي وبدلاً من ان يعترف الدكتور بهذا القانون العلمي راح يفسره على سجيته من ان السكر قد يغلب الشاي. وبصيغة اخرى يعرف الدكتور عبدالله ان منگيش إبان الحرب العالمية الاولى حلت فيها بضع عوائل من بلون التركية لهم لهجتهم وعاداتهم ولم تمر سوى بضعة عقود حتى ذابوا في المجتمع المنگيشي وأصبحوا منگيشيين أقحاح. المزيد عن نظرية الأسرى الكلدان نجدها في الرابط المرفق أدناه.
ومن جهة اخرى فان تعريف الدكتور رابي للقومية او الأثنية كما يود ان يسميها هو اقرب الى الطائفة فهو يحسب التنشئة او البيئة او العصرنة او المشاعر هي العامل الحاسم في تقرير الأثنية . عند الدكتورعبدالله رابي " لا يرث الأنسان قوميته بالولادة" . اللغة ،الموطن ، والتاريخ كلها ليست ذات أهمية بالمقارنة مع الشعور القومي المعاصر اي يكفي انك تشعر بالكلدانية كي تكون كلداني. سؤالي الكبير بعد انفصال الكاثوليك عن النساطرة تولدت ضغينة وحقد بين الطرفين وأود هنا ان اخاطب الدكتور المحترم : وانت تعرف هذا وقد حدثتنا عن جد ابيك ، كيسو البازي الذي تحول من النسطورية الى الكثلكة. حسب تفسيرك ان اولاد جد ابيك هم من غير قومية أعمامهم -- مرة اخرى لايرث الانسان قوميته بالولادة-- وفي هذه الحالة تحولوا كلدان بمشاعرهم المناوئة لأبناء عشيرتهم لأن جد ابيك عُذب على يد النساطرة. انا اعرف وألتمس الضغينة بين النساطرة والكاثوليك الى يومنا هذا وعلى هذه الحالة لا يمكن ان تجمعهم قومية واحدة حتى لو كانوا من عشيرة واحدة. مسألة شائكة تحتاج الى تأمل . المشاعر يا عزيزي الدكتور لا تخلو من الأحقاد والغيرة وهي وان كانت احيانا ً تحسم الامر في تحديد القومية لكنها حسب فهمي خادعة ولذا لا يجب الأعتماد عليها.
منگيش لم تتطأها اقدام الكلدان القدامى فكيف تكون كلدانية. بعد ان استبعدنا فكرة الأسرى الكلدان لانها غير منطقية ، لنأتي الى التاريخ كما دونه المؤرخون ومن هو أفضل من المطران أدي شير !! فهو الذي يذكر في كتابه كلدو وآثور: فاقتسم الماديون والكلدان البلاد الخاضعة للآثوريين. فأصاب الماديين البلاد الشمالية وأصاب نبولاسر قسم من عيلام وبلاد مابين النهرين وسوريا وفلسطين.
وانت في كتابك "الكلدان المعاصرون" تذكر : وتم الأتفاق بين المتحالفين من الجانب الميدي والكلداني على اقتسام تركة الامبراطورية الآشورية بينهما فكانت المناطق الشمالية الشرقية من نصيب الميديين ، والمناطق الجنوبية والغربية من نصيب الكلدانيين وهي تشمل على اجزاء بلاد النهرين وعلى سوريا الحالية بأكملها.
من هذين الأقتباسين بالتأكيد يظهر ان الكلدان طيلة حكمهم الذي دام اقل من ثمانين سنة لم يكن لهم وجود في منطقة منگيش فكيف أصبحت اليوم هذه القرية الجليلة كلدانية القومية؟؟
كنت اتمنى من الأخوان سامي ديشو والدكتور عبدالله رابي ان لا يستعجلا في تاكيد قول الكاتب الأنترنيتي ويؤيدان قوله من ان منگيش كلدانية ، ولكن رُبَ ضارةٍ نافعةً. هذا الذي ذكرته نزر يسير من الأثباتات الدامغة على خطأ المقولة، وأرجو اني أوضحت الفكرة للقراء الكرام.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=396392.0 حنا شمعون / شيكاغو