المحرر موضوع: اللاجِئون العراقيون والمَصير المجهول !  (زيارة 886 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كوركيس مردو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 563
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اللاجِئون العراقيون والمَصير المجهول  !

لقد كان مِن الصعبِ أن يَتصَوَّرَ الإنسانُ العراقي  بل لم يكُن يَخطرُ في بالِه أن يَصِلَ الحالُ بالعراق والعِراقيين الى هذا المُستوى المُزري مِن الإنفلاتِ الأمني والدَوَران في دَوّامة العُنفِ والفوضى  مع انهيار القانون والنظام  وازدياد الفساد الإداري  وتفاقُم العُنف الإجتماعي ،  فقد ثَبُتَ بما لا يقبلُ الشك بأن الدولة العراقية عاجزة عن توفير الحماية لأبناء شعبِها وحَلَّ مَحَلَّها النظامُ الحيواني المعروف بنظام الغابة وهو قيام القوي بإفتراس الضعيف دون أيِّ مِعيار للعدالة ،  وحتى العصابات اللصوصية يسودُ فيما بينها نوعٌ مِن العدالة  عند تقاسُمِها للغنائم ولكن المُتسلِّطين على حُكم العراق اليوم قد انتفَت مِن قاموسِهم لفظة العدالة  فكيف يعرفون ما لها مِن معنى !

وفي خِضّمِّ هذا الوضع الشاذ والتَطرُّفِ العنصري البَشِع لم يبقَ أمامَ العراقيين ولاسيما الساكنين في المُدن الكبرى كالعاصمة بغداد  والبصرة والموصل وكركوك غير البحثِ عن مكان آمِنٍ  يَحتمَون فيه  للنجاة بأنفسهم وأطفالهم مِن أخطار الإرهاب والتصفية الجسدية على الهوية ! فهنالك المسلمُ السني  يقتُلُ المسلمَ الشيعي على هويته المَذهبية والعكسُ تماماً يفعلُه المُسلمُ الشيعي بقتله المُسلِمَ السني  ولِكِلا الطرفَين السني والشيعي مَليشياتٌ تقفُ وراء هذا المُسَلسَل الهَمَجي الدامي ،  أما الأقلياتُ القومية الاخرى غيرُ المُسلمة  كالمسيحيين  والمِندائيين  واليزيديين الذين لا  يملكون مليشيات  ولا يُؤمِنون بها أصلاً ، فإنهم يتعَرَّضون للترهيب والخطف والإبتزاز والقتل ، وقد وَصِلَ الحِقدُ العُنصري الديني ببعضِ العصابات المُسلَّحة المُسيطرة على مَنطقة الدورة حالياً بمُطالبة مسيحيي المنطقة وتحت طائلة التهديد بالقتل للتَخَلِّي عن دينِهم واعتناق الإسلام أو مُغادرة منازلهم خلال  مُدةٍ مُحدَّدة هي ( 24 ساعة ) ولا نَدري على أيِّ نَصٍّ قرآني إستندت هذه الجماعاتُ الإسلامية المُتزَمِّتة  لفرض الإسلام بالقوة !  لم نقرأ في التاريخ ومنذ ظهور الإسلام قبل ما يَقربُ مِن ألفٍ وأربعمِئة عام وحتى الآن  ،  بأن أحداً مِن ناشري الإسلام مهما كان عاتياً ومُتزَمِّتاً  قد لجأَ الى فرضِه بالقوة ولا سيما على الذين يؤمِنون  ويوَحِّدون الله الواحد الأحد  ! ولا مارس التهديد بالقتل لإجبار الناس الأبرياء المُسالمين على هَجر منازلِهم لكي يَستحوذَ عليها بكُلِّ ما فيها !

إن ما دَعَت إليه هذه الزُمَر اللاإسلامية في حقيقيتِها ، لأن الإسلامَ الصحيح لا يدعو الى مِثل هذه الأفعال الشرِّيرة ، بل إنها تُمَثِّلُ نموذجاً إرهابياً دموياً شاذاً فاقَ كُلَّ التوَقعات ، لم يسبِقها إليه أحدٌ في التاريخ القديم والحَديث  ،  وفي ظِلِّ هذا الواقع المأساوي المَرير  وعدم قدرة الحكومة المركزية على فرض سطوتِها  وهيبَتِها  مِن أجل استعادةِ  النظام  والقانون المفقودَين ،  أضطرَّ العراقيون وفي مُقدِّمتِهم المسيحيون والأقليات الاخرى  المُرَشَّحة يومياً للإبتزاز المادي والتصفية الجسدية مِن قبل إخوانهم في الوطن العرب المُسلمين بمَذهَبيهم السنة والشيعة  الى اختيار طريق الهجرة نحو بُلدان الجوار  وبخاصةٍ الاردن وسورية ، ورُبما كانت سورية البلدَ الأكثرَ استيعاباً لعددِ المهاجرين الهائل الذين رأوا فيه بلداً عربياً كريماً أمَّنَ لهم الأمانَ ووَفَّرَ الكثيرَ مِن الخدماتِ  كالماء والكهرباء والتعليم والعِلاج  والى آخره . . .  اسوة بمواطنيه السوريين  .

وبالرغم مِما تُوَفِّرُه الدولة السورية للمهاجرين العراقيين مِن الإهتمام  مِن حيث الخدمات والتسهيلات الاخرى ، فإن حياتَهم لا تخلو مِن الصعوبات والمُنغصات المليئةِ  بالهموم والشجون ، فقد أخبرني أحدُ الذين اكتملت أوراقُه  ووصل الى الولايات المُتحدة ،  بأن العراقيين لا يأمنون مِن استغلال أصحاب المطاعم لهم وابتزازهم ،  والشيءَ ذاتَه  يَلقونه مِن سائقي سيارات الاجرة ، أما ايجار السَّكَن  فهو الأصعبُ والأقسى  ويتحَكَّمُ به  مَزاجُ المالكِ واستغلالُه لظروفِ العَرض والطلب التي تُغريه الى رفع الايجار بين كُلِّ حين وآخر .

وهنالك أمام المُهاجرين العراقيين صعوبة الإنتظار الذي لا يدرون  مَداه  للوصول الى دول المهجر الغربية التي  تُشعِر الإنسان بقَدْره وتمنحُه حقوقَه ، والأعدادُ التي يُحالفها الحظ  في القبول فيها رسمياً لا تتناسب والعدد الهائل مِن المُهاجرين الذين لا ينقطعُ يوميا تَدَفقهم الى سورية ولبنان والاردن ، وقد ضاقت بضغطِهم دوائر الهجرة .  كما أن بعض المُهاجرين مِن الذين يملكون مبلغاً مِن المال لا بأس به  يُغامِرون بحياتِهم ومالِهم سأماً مِن الإنتظار المُمِل ، فيلجأون الى المُهرِّبين واضعين بين أيديهم مصيرَهم المجهول آملين الوصولَ الى أيِّ بلدٍ غربي  .

إن المُهاجرين العراقيين المُتواجدين في الاردن وسورية ولبنان وحتى في تُركيا ، لا يُفارقهم  القلقُ النفسي  وهم في حالٍ يُرثى لها مِن التفكير في كيفية تدبير امورهِم الحياتيةِ اليومية مِن طعام وسكنٍ وملبسٍ بالإضافةِ الى إجرآت الإقامة الروتينية  ، ورغم هذا كُلِّه  فآذانُهم تتصَيَّدُ لسماع الأخبار التي تنشرُها مُختلفُ وسائل الاعلام عن وطنِهم العراق ولا سيما مِن العاصمةِ بغداد بالذات لِعَلَّها تَمنحُهم بصيصَ أملٍ بأن مَيدان السباق للسياراتِ المُفخخة وارتداء الأحزمةِ الناسفة وزرع الألغام  المُستَغَلَّ مِن قبل العصابات المُدربة  قد بدأ العدُّ التنازلي الى إغلاقه  نهائياً  وفي أقربِ فرصة ، لكي يُباشروا  بالعودة الى ديارهم وأملاكِهم التي غادروها مُرغمين ، ويعلمون جيداً بأن ذلك لا يتحقق إلا بعقولِ رجالٍ مِن أبناء العراق مُخلصين يَحملون أفكاراً عِلمانية مُشبعة بالتحَرُّر والديمقراطية ، وبعيدة كُلياً عن التَعَصُّب الديني والمذهبي المُتحَجِّر ، وعندئذٍ  سيستطيبُ العيشَ السنيُّ مع الشيعي والعربيُّ مع الكُردي والمسلمُ مع المسيحي والصابئي واليزيدي . هذا هو السبيل الأمثل والأسلم الذي سيجعلُ العراقيين بكُلِّ مُكَوِّناتهم المُتعدِّدَة القوميات والأديان والمذاهب أن يَحملوا هوية واحدة هي الهوية العراقية ،  ويُنقذهم مِن ويلاتِ تشرذُمِهم وتشَتُّتِهم .

بهذا العمل أيها الرجال العراقيون الأحرار المخلصون ، تستطيعون انتشال بلدكم مِن المُستنقع الآسن الذي أعَدَّه لإنغماس العراقيين فيه أعداءُ العراق وحُسّادُه ، اولئك الذين يُرعِبُهم اختيارُهُ طريقَ  الحرية والديمقراطية مساراً له ،  خشية أن تنتقلَ عدواهُ  إليهم  فتُزيحُهم عن مناصبهم وتسلُّطِهم على رقابِ شعوبهم المغلوبةِ على أمرها  وهي تتصيَّدُ الفرصة المناسبة  للخلاص مِنهم  والتنَعُّم بإستنشاق نسيم الحريةِ المحرومة منه  زمناً طويلاً ،  فالى العمل الجاد أيها الرجال .

الشماس كوركيس مردو
في 19 / 4 / 2007