المحرر موضوع: الثقافة والسلطة... أشوريا  (زيارة 970 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تيري بطرس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1326
  • الجنس: ذكر
  • الضربة التي لا تقتلك تقويك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الثقافة والسلطة... أشوريا
« في: 21:38 29/03/2018 »
الثقافة والسلطة... أشوريا
 
 
 
 

تيري بطرس
قد يكون العنوان متعسفا نوعا ما، لأننا أساسا لم نملك سلطة حقيقية وبالأخص خلال الفترة التي يمكن ان تدرج ضمن هذه المقالة. إلا انه لا يمكن ايضا، تناسي او تجاهل البعض  وممارساتهم ممن حاول ان يتمثل او يدعي السلطة (بمفهومها الشرق أوسطي)، وحاول ممارسة دورها الغبي في الاستحواذ على كل الأدوار ووضعها تحت إبطه وتسخيرها لترديد الشعارات السياسية والدفاع عنها والتحكم على الاخرين، من المثقفين.  ولما اشوريا، لانه في شعبنا والجزء منه المؤمن بالاشورية، وتحت يافطة العمل القومي الاشوري، ظهرت اغلب الممارسات التسلطية.
مع تأسيس النادي الثقافي الاشوري، والذي كان بحق حاضنة المثقفين القوميين الاشوريين. برز نوع من الانقسام بين من كان يعتبر نفسه مثقفا، وبمعايير ذالك الزمان، وبين اعضاء اخرين .وكان هذا الانقسام مستندا، الى الدور الذي يؤديه كل طرف، فكان هناك صراع خفي بين المشتغلين بالثقافة ويدعمون الانشطة الثقافية . وبين من كان يدعم النشاط الاجتماعي والفني، رغم ان الفن هو جزء من الثقافة بصورة عامة. كانت هناك نوع من النظرة الفوقية من المحسوبين على المثقفين تجاه الاخرين. واعتبروا ما يقوم به المهتمين بالعمل الاجتماعي والفني ( الحفلات، السفرات، المسرحيات، والامسيات الاخرى). نوع من الترف. رغم انه كان يرفد النادي بالأموال اللازمة لدعم مسيرته ككل. في ظل امتناع النادي عن بيع المشروبات الروحية كبقية الاندية الاجتماعية والثقافية العراقية.
في مقابلة تلفزيونية، اجراها مقدم البرامج المميز يوسف بيت طورو وفي تلفزيون سوريو تي فاو، مع رجل دين من الكنيسة السريانية، يعترف هذا الرجل بانه هو من انشاء وخلق التيار الارامي، ويقول رجل الدين، ان استمد التسمية من الالمان حينما قالو له انتم تتكلمون الارامية. وسبب قيامه بهذا العمل لتعرضه، للتجريح من قبل بعض مدعي الاشورية، ويذكر رجل الدين، ان مدعي الاشورية كانوا معروفين بوضع القلم في جيب القميص كعلامة للثقافة. كما ترون ان الغضب والعناد، يمكن ان يؤدي الى نشوء حالة انقسامية حادة في الشعب. وسبب ذلك، لان المجتمع فيه تاثيرات عشائرية قوية لحد الان وليس لحد وقت هذه الحادثة. وهذه القيم لا اثر لها للقومي والمصالح القومية.
الصراع المنوه عنه اعلاه لوكنا بعقلية اليوم،ولو كنا اكثر تواضعا حينذاك، وقبلنا الاراء الاخرى ولم ندعي امتلاك الحقيقة، لما حدث. ولكن التجارب هي التي تصقل الانسان. وخصوصا انه لم يكن لدينا تجارب قومية اخرى معروفة لنا، الا تجربة اللجنة الادبية للشباب الاشوري في ايران والتي كانت تجربة ناجحة من ناحية النتاج ولكن لم نعلم عن تجاربهم ومعاناتهم ومشاكلهم.
ولكن تجربة جمعية اشور بانيبال كانت ناضجة اكثر، وانفتحت بمقدار اكبر على الثقافة الوطنية، وكان هناك تكامل بين الادوار المختلفة التي كانت تؤديها. ولذا فان صداها امتد ايضا الى مساحات اوسع، وحتى نشاطها واعضاءها كانوا من مناطق مختلفة. علما انه بحسب علمي ليس هناك من كتب في تقييمها لحد الان، وشخصيا لا اقدر ان افيها حقها لانني لم اكن من اعضاءها. الا ان هذه الجمعية ايضا لم تسلم من تسلط السياسي والعمل من اجل الاستحواذ عليها، بمختلف الطرق الغير الشرعية، مما ادى لخمولها لحد انه لا اثر لها  الان في حياتنا الثقافية.
وفي بداية التسعينيات ايضا، تم انشاء المركز الثقافي الاشوري في دهوك. والظاهر انه لم يتمكن ان يقوم بدوره او لم يتم السماح له بذلك. فسريعا ما تم وضع اليد عليه وربطه بالتنظيم السياسي. لكي يكون بوقا لها وليس منبرا للثقافة والتثقيف والحوار المنتج. ورغم استمرار المركز في اصدار مجلته، الا ان تاثيرها كان ضئيلا حقا.  وتحول المركز الى بوق دعاية، ودفع من لم يكن من اعضاء او مؤيدي التنظيم السياسي، دفعهم الى اصدار كراس اوراق من الوطن التي اظهرت تاثيرا نسبيا ولكنه لم يستمر. لانها كانت ايضا بدعم من تنظيم سياسي اخر معارض لمن استولى على المركز الثقافي المؤسس بجهود التنظيم صاحب اوراق من الوطن.
ماذا اراد السياسي القيام به؟ الحقيقة انه لا جواب منطقي، فالثقل والمسؤولية التي كان يمكن ان يتولاها المثقفين، صارت  ايضا جزء من مشاغل السياسي. عمليا وفعليا الموارد التي تتأتي باسم النشاط الثقافي، تذهب لتكون تحت سلطة السياسي. وبذا فهو حين يدعم النشاط الثقافي، يريد ان يقول انه اب وحامي كل المجالات ولا دور لاحد، الا هو. فالسياسي الفقير ثقافيا يحاول ان يغطي فقره، باظهار انه الاب والداعم لمن سماهم بالمثقفين، وهم بالاساس لم يكونوا الا بعض المطبلين للسياسي ولدوره ، وغطاء لممارسة الاخطاء وترسيخها ومبررين باسم الثقافة والمثقفين لكل ما يقوله اويصرح به السياسي. هنا يجب ان لا ننسى دور الكثيرين ممن استساغ اطاعة الحزب باعتباره سلطة قومية على شعبنا، وسلم كل المقاليد لها وكانها منزلة او منتخبة من الشعب. في الوقت الذي كانت كل الامور واضحة، سواء من ناحية التجربة الفعلية والتي هي محك الحكم على قضية ما. او ناحية ان الكثير من ادعاءات السياسي كانت اكاذيب مفضوحة لا تصمد امام حقيقة دور الدولة واجهزتها وذلك للتغطية على سرقات فعلية. كما ان هذه الممارسات والمبررات التي ساقها وساندها بعض المثقفين تتصف بتناقضها مع الاليات الديمقراطية والحريات التي كنا نطالب بها، لا بل سلب الحريات من الناس تحت غطاء الصالح القومي الذي لا احد كان يعلم ماهو، غير السياسي . ناهيك عن ضياع جهد كبير في التلاقي المثقفين مما كان سيخلق اجواء تعمها النقاشات العابرة للشعارات السياسية، لتصل إلى وضع تصورات للكثير من المشاكل اليومية والبعيدة المدى ايضا.
اليوم في اقليم كوردستان لنا، المركز الثقافي الاشوري، المركز الثقافي الكلداني، النادي الثقافي الاشوري. يا ترى ماهو نشاطهم؟ اعتقد اننا لو اتينا بمقياس ما سنجد ان النشاط يمكن ان يكون لاشئ. وهذا واضح وليس تعسفا في الحكم. ولعل احد اهم اسباب ذلك، هو التحكم الايديولوجي، في مثل هذه المراكز. فبدلا من ان تكون مفتوحة للحوار والنقاش، ولا علاقة لادارتها بالتنظيمات السياسية، ولا تتلقى اي اوامر منها، صارت بهذه الطريقة او اخرى بوق دعاية ايديولوجية اما للتنظيم السياسي وقيادته تحديدا.  او في احسن الاحول، مع طرف ضد الاخر في النقاش الغير المنتهي حول التسمية.  
شكا لي محاوري من واقع المركز الثقافي الاشوري، علما انه محسوب على قيادة التنظيم الذي يدعي قيادة الامة. قلت له انفتحوا، افتحوا ابواب المركز للجميع. نعم ليس مطلوبا ان يتحول المركز الى الة ثقافية  او شعلة من نشاط الثقافي القومي، ولكن ليكن توازن، بين مهامه، الاجتماعية والثقافية. ليكن هناك توازن بين انتماء بعض قياداته السياسية وبين حرية الحضور والاعضاء في ادارة نشاطات ثقافية، ومنها نقد التجارب الثقافية او السياسية. ان هذا المركز لو كان قد بقي، يدار بحرية وكان اعضاءه من مختلف التوجهات السياسية والتسموية. لتحول مقياسا لكي يتم قياس الراي العام. ولتحول المركز الى صوت وضمير الناس في ما يعانوه. وخصوصا في التسعينيات وحتى العشرية الاولى من القرن الواحد والعشرون. لانه كان هناك امال في التطور والتغيير. بل لكان قد ساهم في ايجاد حلول حقيقية للكثير من المشاكل التي نعاني منها.
في ما نشرته قبل هذه المادة، والتي عنونتها بالمطبوع السرياني، لم اشر الى ظاهرة مقرفة وغير مقبولة، وهي تدل الى الواقع المزري للثقافة ومدعيها. وهي تسيس المنتوج الثقافي. وليس فقط المؤسسة الثقافية، والتسيس هنا تأتي بمعنى ان بعض المؤسسات الثقافية، تتعامل مع المنتوج الثقافي حسب الموقف السياسي. فمثلا ان كان س اصدر منتوج ما، وهو معروف بانه ينتقد سياسيات الحزب ص، فان ما ينشره او يدعمه او يروج له ممنوع من الدخول الى المؤسسة الثقافية   المحسوبة على ص. عندما تصل الامور الى مثل هذا الوضع، فاننا امام ظاهرة خطرة حقا. ظاهرة يجب ان نتوقف عندها ونقول هل نحن مجتمع سوي ام مريض؟
المثقف هو الصوت المرن والناشط والمتفاعل مع الاخر. انه الصوت الذي نتكلم من خلاله مع الاخر، مع الكوردي والعربي والتركماني. كثيرة هي الشكاوي التي سمعتها في زيارتي الاخيرة. ولكنها تبقى  شكاوي، وليست طروحات يمكن ان تفتح افاق لحلول ولخلق بدائل. ولكن المثقف الحر، والخارج من اطار الطاعة الحزبية المقيتة، يمكنه العمل على الطروحات. يتلاقى العمل الثقافي والسياسي في نقطة انهما يدعيان البحث عن الحلول. ولكن في حين ان دوافع السياسية قد تظهر مصلحيته وانيته، الا ان المثقف يرى العمل فتح افاق مستقبلية لتوسيع الحريات ونشر السلام، وبعيدا عن المساومات السياسية.
نحن اليوم بحاجة الى دور المثقف القادر على كسب الاخرين لدعم قضايانا. مثقفون يعملون من اجل خلق مجال مفتوح للنقاش حول المستقبل الإنساني لأبناء الإقليم، ويعمل من اجل حفظ كرامتهم ويطرح الحلول الممكنة والمنفتحة للتطور لما يعانوه من التجاوزات عليهم وعلى تطلعاتهم، بما فيها مشاركتهم الحقة في صنع القرار.
السياسي ليقدم التنازلات، سيحسب كم صوت سيمنحه هذا او ذاك، ولكن المثقف سيحسبها كم من أفاق التعايش الحر، سيمكن ان نفتح بالإقرار بحقوق الاخر ومساواته مع الكل. ان للطرفين حسابات مختلفة. وعلينا عدم نسيان الحوار مع الاخر وبالأخص مع مثقفيهم وعلمانيهم، لأنه ليس أمامنا إلا طرق محدودة. مع الأسف.
ܬܝܪܝ ܟܢܘ ܦܛܪܘܤ