المحرر موضوع: الآشوريون وتحديات المرحلة، والخَيار المصيري قراءة وحلول (الجزء الثاني)  (زيارة 1808 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامي هاويل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 365
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الآشوريون وتحديات المرحلة، والخَيار المصيري
قراءة وحلول
(الجزء الثاني)


سامي هاويل
سدني/ 28- 5- 2018


   
   إشارةً الى خاتمة الجزء الأول وفي معرض حديثنا فيه عن أهم الأسباب التي حالت دون تحقيق منظومة قومية قادرة على تمثيل القضية الآشورية ، والتي قادت الى تدني الأوضاع  لتصل الى عزوف الشعب الآشوري عن التفاعل مع الأحداث والمستجدات على الساحة القومية السياسية، فإلى جانب تلك الأسباب لابد لنا من الإشارة الى بعض النخب القومية التي لعبت دوراً مشيناً طوال العقدين الماضيين، خاصة ذوي الأقلام الملونة والذين كان قسماً منهم يتربعون على عرش الكتابة في الشأن القومي ونشر الوعي بين صفوف الآشوريين . هذه النخبة التي بدلاً من أن تكون لسان حال الشعب الآشوري، تمارس دور الحارس الأمين على المصلحة والثوابت القومية، وتعمل من أجل تشخيص العلل والأخطاء في المسيرة القومية السياسية والأتيان بالمقترحات والحلول المناسبة، أنزلقت هي الأخرى الى درك خلافات التيارات السياسية لتكون طرفاً في الصراع، وبدأ العديد من أصحاب الأقلام البارزة بفقدان مصداقيتهم، خاصة عندما لم يكتفوا بمؤازرة تيار قومي ضد آخر فحسب، بل وصل بهم الحال الى قبول التلاعب بمقدسات الأمة الآشورية ومحاولة ذر الرماد في عيون الشعب الآشوري من خلال تسويق أعذار لشرعنة هذه الظاهرة الخطيرة، وبذلك تمكنوا من تمويه عدد لا يستهان به من الآشوريين ليتقبلوا البدعة الجديدة تحت ذريعة تحقيق الوحدة القومية!!، لا بل تجرأ قسم منهم الى تنسيب من كان يتمسك بجلوده الآشورية الى فصيلة العنصرية وضيق الأفق. هكذا قادت تصرفاتهم  الى خلق جو من الضبابية والضياع داخل البيت القومي، وشرعت الأبواب على مصراعيها لمن كان يتحين الفرص لنفث سمومه داخل المسيرة القومية سواءً كان طائفياً أو عشائرياً، وأُتيحت الفرصة لأيادٍ من خارج البيت القومي لتغدي هذه الصراعات والهيمنة على السلطة والقرار الاشوري، وها نحن اليوم ندفع ثمن هذه الممارسات غالياً.

  مجمل ما تطرقنا إليه أفرز حالة من النفور في الشارع الاشوري، واصبح من الصعب جدا تعبئة الجماهير لتبني أي مشروع قومي حقيقي، كما أنها عكست صورة سيئة جدا لدى الشركاء والخصوم السياسيين في العراق، مما أفقدنا فرصة إقامة أية تحالفات من شأنها أن تنقذ ما تبقى لنا من وجود على أرض الوطن، وتحفظ حقوقنا الوطنية كمواطنين من الدرجة الأولى على أقل تقدير.

توقعات للمرحلة المقبلة:

 
  بعد أن مُنِيت وللأسف تياراتنا السياسية على الساحة العراقية بخسائر كبيرة، وفشلت في تبني وطرح أي مشروع قومي مدروس للمناقشة والعمل من أجل تحقيقه، وخسرت رصيدها القومي والسياسي إثر فشلها في حماية مقاعدها "المسيحية" التي كانت تمكنها من المشاركة في العملية السياسية، لابد لها أن تتحرك بشكل أو بآخر لإعادة أعتبارها في الشارع الآشوري وعلى الساحة السياسية العراقية على حدٍ سواء، وعليه سوف نشهد في الفترة المقبلة بعض التجاذبات والأصطفافات والتراصفات مشابهة بالشكل ومتطابقة بالمضمون مع تجمع التنظيمات السياسية الذي تشكل حفاضاً على ماء الوجه على إثر مذبحة كنيسة سيدة النجاة عام 2010. هذا الحراك حتماً سوف يتخطى حدود العراق وسوريا ليطرق أبواب المهجر الآشوري، وسنشهد أجتماعات ولقاءات وربما مؤتمرات أيضاً بهذا الخصوص، وهنا لا بد لنا أن نقول لكافة أبناء الشعب الآشوري " حذارِ! ومن ثم حذارٍ من مغبة الوقوع من جديد كما حصل سابقاً ضحية العواطف القومية التي تهيجها الخطابات التي تحاكي العاطفة يتخللها شعارات رنانة "، لأن ذلك سيؤدي الى تحطيم كل الآمال في الشعب الآشوري ويقود الى المزيد من التشتت والضياع، وسينعكس بشكل مأساوي على فئة الشباب ويدفعهم بعيداً عن مجمل القضايا القومية ليخلق حالة من القطيعة لا يمكن معالجتها في هذه المرحلة على الإطلاق.

مقترحات وحلول:

   عندما نرغب مناقشة الحلول في الشان القومي لابد أن تتصدر الوحدة في المقدمة، ولكي تكون حقيقية، علينا أن نعي ما هي الوحدة المقصودة وكيف تكتمل، الوحدة القومية ليست عبارة عن عملية مثول تيارات قومية سياسية على طاولة مستديرة يتمخض منها محضر أجتماع وبيان بشأن مسالة معينة تخص القضية القومية، والوحدة القومية ليست مؤتمر يعقد هنا وهناك يُختتم بقرارات وتوصيات آنية غير مدروسة بشكل دقيق، تتأثر بالواقع ولا ترتقي الى مستوى الطموح القومي المشروع، والوحدة القومية ليست عملية ترقيع ثقوب أحدثتها الخلافات الطائفية منذ عقود خلت، والوحدة القومية ليست بتلك السذاجة التي تعني صهر وتذويب جميع الأحزاب والتيارات القومية وإعادة قولبتها في هيكل واحد، والوحدة القومية لا تتحقق بكنس العقبات وإخفائها تحت البساط من خلال أستخدام مصطلحات مبهمة مثل (شعبنا، أمتنا، مسيحيتنا، كلدوآشوريين،كلدوآشوريين سريان، كلدان سريان آشوريين، آراميين، سركلدوشيين!)، فهذه الممارسة لن تحقق الوحدة أبداً، بل هي مجرد تأجيل لعُقَد وخلافات سوف تستفحل أكثر وأكثر يوماً بعد يوم، وقد أثبتت الخمسة عشرة سنة الماضية صحة ما نذهب إليه، ولا حاجة لينبري أحدهم يتشدق بأعذار واهية في محاولة لتسويف هذه الحقيقة وتمريرها على الفرد الآشوري، إن هذه الممارسات لحد هذه اللحظة أجهضت القضية القومية وشلًت مسيرتها ولم يستفد منها إلا الذين يبحثون عن مكاسب طائفية وحزبية وشخصية بين أنقاض حطام البيت الآشوري.

   الوحدة الحقيقية تتمثل في وحدة الفكر القومي الآشوري، ووحدة الرؤى المبنية عليه لكل ما يمت بصلة للآشورية كهوية ووجود وحق وكيان وقضية ومسيرة، نعم الآشورية ليست تسمية يمكننا الأستغناء عنها أو صفها في مقام التسميات، لأن الآشورية ليست أنتماء عرقي فحسب، بل تعدت ذلك لتصل الى الأنتماء الوطني لأمة وحضارة ودولة كاملة بكل مفاصلها في التاريخ القديم، أنضوت تحت لوئها قوميات وملل مختلفة، والآشورية في العصر الحديث هي هوية لمسيرة أنطلقت قبل أكثر من قرن ونصف، وتكللت بدماء آلاف الشهداء، وأصبحت راية وقِبلة لكل الحركات والنضالات القومية، والآشورية كانت العنوان العريض والصريح لكل مناضلينا وأدبائنا وروادنا القوميين من مختلف طوائفنا الكنسية طوال فترة المائة والخمسين سنة الماضية، والآشورية ليست وليدة عقد من السنين، بل هي عنوان وهوية  لقضية شعب منكوب نوقِشت  في محافل عالمية متعددة، وأقرّت بها جهات دولية عديدة، وعليه لا يمكننا اليوم أن نمارس عملية سلخها من كل صفاتها وخصوصياتها التي ذكرناها أعلاه لنجعل منها مادة للتفاوض عليها، وهل يمكن لشعب أن يتفاوض على هويته القومية؟؟. كل ما أوردناه أعلاه يؤكد بشكل لا يقبل الشك والتأويل على أن الآشورية تتربع على قمة ثوابتنا القومية، وهي أحد الخطوط الحمر التي لا يجوز عبورها. وقد ألتمسنا تبعات المساومة عليها خلال الخمسة عشرة سنة الماضية ولازلنا نعاني من عواقب تلك الممارسة لحد اللحظة.

   بالأستناد على الآشورية كهوية قومية شاملة لشعب له ارضه التاريخية وخصوصية قومية تتمثل  باللغة والتراث والنضالات والتضحيات وإرث تاريخي وأدبي حافل، ويتمتع بكل مقومات الأمم الحية، ويمنحه كل الحق للمطالبة والدفاع عن حقوقه المشروعة إسوة بباقي شعوب المعمورة، عليه يجب أن يُعاد صياغة الخطاب القومي الآشوري الذي حتماً سيحدد المباديء الأساسية كمعايير قومية ثابتة، وعلى أساس هذا الخطاب يتم وضع المشروع القومي الآشوري، ودراسة كل السبل لوضع أستراتيجية قومية وخطة عمل مدروسة وشاملة تغطي كافة السبل والوسائل التي تضمن النجاح  للسير نحو الأهداف القومية المرسومة، الى جانب الفعاليات والنشاطات داخل البيت الآشوري التي من شأنها أن تعمل على رفع وعي الفرد الآشوري وإدراكه لواقعه وقضيته وحقوقه وتشبثه بهويته وخصوصيته القومية، تلعب فيها كافة الجهات والتيارات القومية دورها المحدد ضمن خصوصيتها سواءً كانت مؤسسات شبابية أو ثقافية أو منظمات مجتمع مدني تتمتع بأستقلالية القرار من غير أن تكون خاضعة لوصاية أية جهة أخرى داخل البيت القومي، الى جانب المؤسسات الكنسية والمنظمات والأحزاب السياسية وأفراد مستقلين من ذوي القدرة والأهتمام، كل ما ذكرناه لن يكتمل إلا من خلال التهيئة لوضع برنامج على هذا الأساس، ومن ثم العمل لعقد مؤتمر قومي شامل تدعى إليه كافة الجهات القومية الى جانب الشخصيات الآشورية البارزة ذات الشأن والمكانة والأختصاص، وأؤكد على ضرورة إشراك مستشارين من خارج البيت القومي من ذوي الدراية والأختصاص بالشؤون الدولية في بعض جلسات المؤتمر.

    إذا ما تمكنّا من تحقيق ذلك، حينها يمكننا القول بأننا وضعنا خطوات صحيحة في المسار الصائب، وسنشهد تفاعل أيجابي مع القضية الآشورية من مختلف الأطراف، محلياً وأقليميا ودولياً ، لأننا سنظهر كشعب له حق تشرعنه المواثيق الدولية، وخطاب صريح ومفهوم، ومشروع يحمل في ثناياه أهداف واضحة، وآلية عمل جاهزة، ليس كما نحن اليوم شعب متمثل بهوية دينية، ذات ملامح قومية مشوهة، يعتمد على أجتهادات شخصية لبعض رجال الدين والسياسة، ليس له خطاب موحد، ولا مشروع جدير بالأهتمام ولا يتبنى أهداف معلنة، يتمايل في مطاليبه وأدائه بشكل آني وهزيل وفق معطيات وإفرازات الأحداث على الساحة السياسية.

أدناه هو رابط الجزء الأول:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=877301.0