المحرر موضوع: قراءة في اوراق توما توماس الجزء الثاني  (زيارة 4112 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل داود برنو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 139
    • مشاهدة الملف الشخصي
قراءة في اوراق توما توماس    الجزء الثاني


بقلم داؤد برنو   

كتبتُ مقالاً حول مذكرات توما توماس قبل شهر تقريباً وتم نشره على موقع عينكاوه مشكوراً وجاءتني عدّة رسائل ومكالمات يطالبون فيها بعض الايضاحات حول الموضوع كوني احد الاطراف السياسية في القوش آنذاك لأبيّن الحقيقة حول حادث استشهاد صبري الياس دكالي الملقب (جندو) وعلاقة المرحوم سعيد تيزي بها والتي لا زال الكثير من اهالي القوش يشككون في صحتها، فلم اتجاهل الطلبات في هذا الوقت بالذات علماً ان هناك آخرون مثلي من اهالي القوش يملكون الحقيقة نفسها إلا ان بعضهم غير مبالي والبعض الآخر لا يجرؤ على الكلام، وهنا لا ابالغ اذا قلت بانني كنت على إطلاع مباشر بكل ما يتعلق بهذه القضية وقضايا اخرى حصلت في القوش والمنطقة بسبب نشاطي السياسي مع الحركة الكوردية في الستينات من القرن الماضي ولي تجربة غنية هي حصيلة عمل سبعة اشهر في مقر هيز (لواء) حسوميرخان دوله مري ومقر لجنة محلية الشيخان وكان يمثلها آنذاك السيد نوري حسين الاتروشي وهو من اهالي الشيخان، كنت اعمل مساعد مسؤول ارزاق المنطقة مع المعلم كاكاعلي صوراني وهو من اهالي السليمانية كان مدير مدرسة اتروش وهو الذي دبّر عملية الاستيلاء على ربية اتروش بالتعاون مع آمر قوة السيد امين كورتي، كنت في نفس الكلي لقرية (بيري وباصفري) مع مجيد افندي الاتروشي والامام ملّى خليل وحجي طاهر وشاكر الشيخلي وآخرون، ثم نُقلتُ كمسؤول الطابو لعدد من القرى في منطقة ارماش بشكل مؤقت اثناء الصيف وكنت ساكن في قرية آرماش المسيحية في بيت المختار يوسف واخيه صادق، في تلك الفترة جاء الى المنطقة القائد هاشم ميروزي بأمر من القيادة البارزانية بديلاً للقائد حسو ميرخان لاسباب لا مجال هنا لذكرها، طلب هاشم ان اعمل معه كمسؤول عن شؤون المسيحيين في المنطقة وفعلاً التحقت معه ولمدّة اسبوعين فقط، قُتل هاشم في جبل اتروش بالوقت الذي كنت مع السيد علي جوقي في قرية بيبوزي ننتظر رجوعه الينا ليلاً لكنه قتل برصاص ابن عمه مصطفى ميروزي الذي كان رئيس فرسان آنذاك، شارك في عملية التقدم والهجوم على ربايا اتروش، وللاسف ان الذي حصل كان كارثة  خاصة بالنسبة لي وجميع الخطط تبدلت بسبب استشهاد هاشم، وعلى اثر استشهاد القائد البارزاني هاشم ميروزي تركتُ منطقة اتروش ورجعتُ لاعمل مع قوة الشهيد هرمز ملك جكو التي كانت تحت قيادة السيد طليا شينو وهو احد اقرباء هرمز جكو، كان مقر القوة في دير الربان هرمزد على جبل القوش، تبلغتُ من السيد رشيد عارف اتروشي عضو فرع الحزب في قرية شاوريكي آنذاك بأن اكون المسؤول السياسي في هذه القوة والى هنا اكتفي بهذه المقدمة عائداً الى موضوعنا الرئيسي لنناقش ما ورد في تلك المذكرات من قضايا سياسية وحزبية وغيرها من الشؤون الداخلية للحزب الشيوعي في القوش والموصل بقدر ما يخص موضوعنا، وعلى سبيل المثال لقد قرأت بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بعد وفاة توما توماس مباشرة واشار فيه للتاريخ السياسي لابو جوزيف حيث ذكر البيان ان المرحوم انتمى للحزب الشيوعي بعد ثورة 14 تموز 1958 وانا ايضاً احتفظ بمعلومة خاصة منذ اكثر من ثلاثون عاماً سمعتها من صديقي المدرّس موفق حميد حكيم وهو موضع ثقة الجميع وحصل هذا في اواسط السبعينيات عندما كانت الجبهة الوطنية بين البعث والشيوعية لا تزال قائمة، وبينما كنا نناقش بعض القضايا السياسية قال لي هل تعرف ان السيد سالم يوسف اسطيفانا هو الذي كسب توما توماس ونظمه في الحزب الشيوعي العراقي ومعه عدد من العسكريين في مدينة كركوك بعد ثورة 14 تموز 1958، فاستغربتُ من حديثه وقلت له ربما ابو آزاد يبالغ في هذا الموضوع تحديداً لان الدرجة الحزبية لابو جوزيف اعلى من درجة ابو آزاد بفارق كبير، فقال لي ليس هذا هو المقياس ولكن ربما لابو آزاد موقف معين في قضية معينة لا يتفق مع منهج الحزب فيؤدي به الى المراوحة في محله لسنين عديدة، وتذكرتُ نفس الحالة سمعتها من المرحوم الشماس ابرم عما حيث جدّد نشاطه الحزبي بعد عام 1961 عندما كان يطرح القضية الآشورية جنباً الى جنب مع القضية الكوردية لكن اللجنة المركزية كانت تؤجل النظر في طلبه الى اشعار آخر غير محدد والى الآن لم تنظر اللجنة المركزية وبشكل جدي في قضية شعبنا (الكلداني الآشوري السرياني)، ثم شرح لي الاستاذ موفق وبالتفصيل كيف ان سالم اسطيفانا كان يتكلم عن تاريخ نضال الحزب الشيوعي قبل عام 1958 وبعده وسأل ابو جوزيف قائلاً له، هل تتذكر عندما التقيت معكم في كركوك؟، أجابه نعم انني التزمت بتنظيم الحزب الشيوعي من خلال ذاك اللقاء الذي تحقق بيننا، وهذا دليل حي لانه حصل هذا الحديث في بيت المرحوم توما توماس وبحضور اكثر من خمسة مدرسين وهم على قيد الحياة باستثناء واحد وهو المرحوم اندراوس حنا قيا مدرس ثانوية القوش سابقاً، بينما يظهر في المذكرات غير ذلك ولا نعرف من الذي نصدق فهذه تبقى مسؤولية القاريء لكن مع كل هذا ليس بالضرورة ان نهتم بهذه القضايا لانها لا تؤدي ضرراً بأحد، لكن عندما يتعلق الامر باستهداف البعض من اهالي القوش الابرياء لا سيما الذين عانوا من تلك الضروف الكثيرة من الويلات والمآسي ولاسباب يعرفها الجميع عند ذلك يكون من مسؤوليتي الرد عليها وكشف الحقائق حولها امام القارئين لانني كنت اتحمل مسؤولية سياسية معينة في ذلك الوقت لاسيما في قصبة القوش بالتحديد، كما ان كشف الحقائق لا يعني التقليل من اهمية تلك الاوراق او الاساءة الى احد ما انما تملي علينا مسؤوليتنا التاريخية والاخلاقية بأن نحدد موقفنا مما جاء في البعض من هذه المذكرات التي تتناول اشخاص معينين وتتهمهم بشتى التهم مع الاخذ بنظر الاعتبار الاحداث التاريخية الاليمة التي فرضتها علينا تلك الضروف السياسية القاهرة التي عشناها مكرهين لا خيار لنا بها ولا مفر منها، كما علينا استعمال العقل والمنطق في الكتابة مع مراعاة احترام مشاعر الناس وآرائهم وقناعاتهم مع اظهار الحقيقة كاملة من خلال الادلة والبراهين كي لا نكون عرضة لتهمة الكذب او الجهل، كيف نريد من الناس تصديقنا دون وجود دليل قاطع يؤيد صحة كتاباتنا وانا واثق ان المرحوم توما توماس لو كان مازال على قيد الحياة لاعاد النظر في هذه المذكرات لان المصادر التي استقى منها معلوماته في ذلك الوقت كانت محدودة وربما كانت مقتصرة على مصدر واحد ذو رؤية وثقافة احادية الجانب، ويمكن في هذه الحالة ان يخطيء الفرد بشكل غير مقصود، اما الآن وبعد سقوط النظام فيمكن للكثير من الناس ان يتكلموا بصراحة وان يبرزوا الحقيقة بعيداً عن التهديد والخوف من السلطة او غيرها، ان ما يهمني في هذا الرد هو تسليط الضوء على اتهام المرحوم سعيد تيزي بانه السبب لهذا الحادث الاليم لان هذه القضية تقلق الكثيرين مثلي ولا يمكن السكوت عليها لاظهار الحقيقة كاملة، ومن خلال علاقتي الوطيدة مع عائلة ال تيزي عرفت عنهم روح التضحية والشعور بالمسؤولية والاخلاص وهم من الاوائل الذين اسسوا الحزب الديمقراطي الكوردستاني في القوش منذ عام 1959 في مرحلة كان نفوذ الحزب الشيوعي سائد في المنطقة كلها بالرغم من ان مسؤول منظمة حزب البارت في القوش كان الاستاذ المرحوم حبيب صادق شدّة إلا ان قاعدة الحزب كانت تستند الى ال تيزي وكانوا يشكلون تحدياً للحزب الشيوعي في القوش في بداية الستينات وحافظوا على نشاط هذا الحزب طوال تلك الفترة وفي مقدمتهم المرحوم حسقيال تيزي وابن عمه السيد عبد صادق (زيدكي) ابو الوليد واعتقد ان ابنه يواصل الآن مسيرة والده في نفس الحزب، كما كانوا اولادهم في الحزب باستثناء المرحوم سعيد لانه لا يؤمن بالحزب ابداً، اما المرحوم حميد ميخا تيزي فقد بدأ نشاطه مع الشهيد مالك هرمز مالك جكو منذ عام 1962 والتحق معهم في عام 1963 وتم تعيينه معاون مدير ناحية القوش من قبل قيادة الحركة الكوردية كما تسلم مسؤولية منظمة القوش لفترة معينة اعتقد كان في عام 1965، كان يحظى باحترام كبير من قبل لجنة محلية الشيخان وخاصة من السيد فاروق سعيد بيك والسيد صالح نرمو والمرحوم علي جوقي وآخرين بالاضافة الى السيد حسو ميرخان، اما ابن عمه السيد نجيب سمو تيزي فقضى اكثر من سنة في سجون الموصل بسبب انتماءه الى حزب البارت والتحاقه مع البيشمركة عام 1963، وهنا اود ان اشير الى موقف واحد للمرحوم جميل ميخا تيزي وبايجاز شديد، في اواسط عام 1974 لدى وجودي في القوش قمت بزيارته في الدائرة التي كان يراسها وهي بلدية القوش ثم دخلتُ الى غرفته وسلمتُ عليه ولم اتلقى الرد فوجدته ينظر اليّ بقلق مما اثار استغرابي، وبعد هنيهة نهض من كرسيه واقفل الباب قائلاً لي اريد ان اصارحك بشيء واردف قائلاً ربما ساتعرض الى الاعتقال او اكثر من ذلك، استفسرت عن السبب فاجابني اخبرني الاخ صالح نرمو عضو اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكوردستاني في قضاء الشيخان ان ورق الطباعة نفذ عندهم وهو مفقود في المنطقة وان اللجنة المحلية بحاجة ماسة اليه فقمت بارسال بند ورق (الف ورقة) على وجبتين مع احد اخواننا اليزيديين ولا اعرف ان كان سينكشف هذا السر للاجهزة الامنية ام لا، هذا الموقف اضيفه الى مواقفه الاخرى حيث دخل السجن لمدّة اكثر من سنة ومعه الاخ يونان يلدا الوالي وكاتب هذه السطور وهو الذي تعرض الى التعذيب اكثر منا جميعاً اثناء وجوده في السجن بسبب نشاطه المستمر في الحزب وفي اتحاد طلبة كوردستان، والآن اسمع عن الكثيرين من اهالي القوش بانهم حصلوا على رواتب تقاعدية ومساعدات انسانية من حكومة الاقليم وانني اقيّم هذه المساعدات ونشكر حكومة الاقليم وقيادتها ونطالبها بالمزيد وان تواصل اهتمامها بهذه القرية واهاليها، كما ونرجو من اللجنة المحلية للبارت ان يقوم بمراجعة التاريخ السياسي لاهالي هذه القرية من الذين عملوا في صفوف الحركة الكوردية وحزب البارت لكي لا يحرم من تلك المساعدات من يستحقها فعلاً وعدم اختزال نضال هؤلاء المناضلين جميعاً ولفترة طويلة من الزمن بشخص واحد او اثنين من اهالي القوش لتسود العدالة بين الجميع، واتمنى من الاخ المناضل صالح نرمو ان يقوم بدوره في اثبات هذه الحقائق لانه ربما هو الوحيد الباقي على قيد الحياة من الذين عاصروا تلك الفترة متمنياً له طوال العمر، وهنا لا يسعني الا ان اذكر واقيّم دور كل من المرحوم الياس ياقو حنو والمرحوم حبيب صادق شدّة والمرحوم حسقيال تيزي الذين انتقلوا الى رحمته تعالى، اما عن المرحوم سعيد تيزي وما اتهم به إبتداءاً اود ان اعرض نبذة مختصرة جداً عنه بقدر ما يتعلق الامر بهذه القضية، من المعروف ان المرحوم سعيد لم يكن يوماً ما في حياته سياسياً ولم ينتمي الى اي حزب، لقد برز نجمه بعد انقلاب 17 تموز 1968 بسبب علاقته الشخصية والمهنية مع كل من سالم علي غزال الطائي واحمد الجبوري اللذان تم نقلهما بشكل اداري نفياً من الموصل الى القوش وتم تنسيبهم الى مدرسة القوش الابتدائية الثانية(العزة) لكونهم اعضاء في حزب البعث السابق وميليشيات الحرس القومي وتعززت العلاقة بينهم اكثر عندما سكنوا بجوار بيت عمه المرحوم ميخا تيزي، كان لتلك العلاقة اسبابها الخاصة ايضاً ومنها الوضع الامني المتردي في القوش، كانوا يبدون مخاوفهم من ذلك الوضع المضطرب ووجدوا في عائلة ال تيزي المأمن الوحيد لهم لما لهذه العائلة من احترام واسع في داخل القوش وخارجها بسبب علاقاتهم التاريخية مع الحركة الكوردية وقيادتها في المنطقة، وبعد انقلاب تموز 1968 اصبح كل من سالم الطائي واحمد الجبوري اعضاء فرع في حزب البعث في محافظة نينوى، وبعد استلام مواقعهم في الدولة والحزب ابدوا استعدادهم لتقديم اية خدمة لهذه العائلة رداً على مواقفهم تجاههم وعلى الفور تم تعيين المرحوم جميل تيزي رئيس بلدية القوش وهو بعمر لم يتجاوز اربعة وعشرون عاماً ولم يكن يعرف عن البعث شيئاً ولا احد في القوش كان له علاقة او مجرد معرفة مع حزب البعث او احد اعضاءه حتى بداية عام 1969، في تلك السنة تم تنسيب المعلم جليل ابراهيم العطية وهو من اهالي الشرقاط مسؤول لنشاط حزب البعث في القوش، وفي عام 1970 تعرفت على الاستاذ جليل (ابو سحر) وهو انسان هاديء ومن عائلة محترمة جداً في الشرقاط، شكى لي من بعض الاسماء الذين يشكلون عقبة في طريق نشاطه وفي مقدمتهم كل من المرحوم سعيد تيزي الذي لم ينتمي ولم يشجع احد على الانتماء لحزب البعث ويقول ان المعوقين فقط ينتمون الى الحزب، والشخص الثاني كان المرحوم الاستاذ صباح كامل الذي يقول ان حزب البعث تخلى عن دوره واصبح حزب عشائري، لقد كانت علاقة سعيد مع مسؤول حزب البعث في القوش متوترة دائماً لكنه كان مدعوم من قبل كل من سالم الطائي واحمد الجبوري، كان يوظف تلك العلاقة من اجل تقديم الخدمات الى قسم من اهالي القوش وخاصة في مجال ايجاد فرص العمل لهم في الموصل، اما بالنسبة له شخصياً لم يستفيد من تلك العلاقة ابداً، لقد قدم طلباً للحصول على اجازة مبيعات مرات عديدة لكن دون جدوى وظلت تلك العلاقة حتى وفاته، وهنا اود الاشارة الى موقف واحد للمرحوم سعيد من حادثة حصلت في القوش، في اواسط عام 1987 قامت مجموعة من الانصار (الشيوعيين) بعملية عسكرية داخل قصبة القوش تتضمن اطلاق قذائف RBG 7 ونيران الرشاشات على دار مسؤول حزب البعث في القوش المدرس اديب قرياقوز وهو من اهالي تللسقف وتم اطلاق تلك النيران من على سطح الدار الذي يسكنه الفلاح المعروف عبد القس يونان وتمت العملية امام مرأى ومسمع بعض الجيران، وفي الصباح الباكر ذهب عبد الى المرحوم سعيد وتوسل اليه من اجل تجاوز هذه المشكله بسلام، وكما هو معروف لدى الجميع ان سياقات العمل لدى الحكومة العراقية آنذاك تؤكّد عند تعرض اي مسؤول في حزب البعث او الاجهزه الأمنية لاطلاق نار فيكون الرد سريعاً وعنيقاً يؤدي حتماً بحياة القائمين بهذا العمل، وينطبق الاجراء على كل من ساعد هؤلاء او علم بهذا الفعل ولم يبلّغ السلطة عنه، لكن المرحوم سعيد تبنى الموضوع على عاتقه وتكفّل بالعمل من اجل حل هذه المشكلة، ومنذ الصباح قامت اجهزة السلطة باعتقال 34 طفل وامرأة من اهالي المنطقة التي اطلقت منها النيران وبعض تلك العوائل كانت من ال تيزي، وطلب سعيد من الجميع بعدم اخبار السلطة بأن النيران اطلقت من بيت السيد عبد القس يونان لان حياته سوف تتعرض للخطر بالتاكيد، سافر سعيد الى الموصل للقاء بعض المسؤولين وفي مقدمتهم عضو فرع الحزب احمد الجبوري كذلك جاء من بغداد الى الموصل ابن عمه جميل تيزي للعمل مع مسؤولين لاطلاق سراحهم ومن ضمن المعتقلين كانت المرحومة والدته، يتمتع السيد نجيب تيزي بعلاقات جيدة مع بعض رؤساء العشائر الكوردية في زاخو ودهوك والموصل، وبعد ايام عديدة من الجهود المبذولة في هذا المجال تم اطلاق سراحهم جميعاً وكان للمدعو احمد الجبوري الدور الرئيسي في حل هذه المشكلة، ومنذ اليوم الثالث من الاعتقال عرضت السلطات على المرحوم سعيد باطلاق سراح اقربائه فقط وترك الآخرين لكنه رفض ذلك وهذا كان موقف ابن عمه نجيب ايضاً، ان هذه الحادثة معروفة للجميع وشهودها معظمهم على قيد الحياة والحمد لله ويمكن لكل من يشكك بذلك ان يتاكد واود هنا الاشارة الى حالة مشابهة لما ذكرته انفاً حصلت معي في القوش ايضاً، في عام 1967- 1968 تم نقل المدرّس قاسم يحيى من احدى ثانويات الموصل الى ثانوية القوش ادارياً لكونه من البعثيين السابقين ومعه ايضاً زوجته التي تم نقلها الى متوسطة البنات في القوش وكنتُ في حينها مسؤول اتحاد طلبة كوردستان في ثانوية القوش وكان اتحاد الطلبة يضم الكثير من اخواننا اليزيديين واتذكر منهم السيد حسو موسو من قرية دوغات والسيد خالد علي من قرية فريسكة والسيد بيبو قدو من قرية بيبان والسيد نادر الشيخ ميرزا من قرية بيبان وآخرين، كان الوضع الامني في القوش غير مستقر حيث كان المسلحين من البيشمركة الآشوريين (قوة الشهيد هرمز) ومفارز الانصار الشيوعيين يدخلون القرية في معظم الليالي وغالباً يحدث اطلاق نار، وفي احد الايام فاتحني الاستاذ قاسم بمخاوفه من الوضع الامني السائد في القوش قائلاً لي انني لم ولن اخاف ابداً في حياتي من اي بشر لكن زوجتي كلما يحصل رمي اطلاق النار ليلاً ينتابها الخوف والرعب وهي حامل في طفلنا الاول وانا لن اطمئن طالما تشعر هي بهذه الهواجس فاطلب منك بصفتك كالقوشي اولاً وكناشط سياسي مع الحركة الكوردية ثانياً ان تهتموا بامننا خاصة ونحن ضيوفكم واننا لمسنا في القوش طابع عشائري ينبع من قيمنا وعاداتنا العراقية الاصيلة برهنت على ذلك في احداث حركة الشواف عام 1959 كيف حافظ اهالي القوش على مدير المعارف آنذاك الاستاذ محسن توحلا لدى وجوده في القوش اثناء تلك الاحداث، وكيف حافظتم على ممتلكات المقاولين من اهل الموصل التي كانت في القوش، ان ذاكرتنا نحن اهل الموصل قوية نحافظ على هكذا معلومات في ذاكرتنا ونقيّمها، وانا من جانبي قمت بواجبي تجاهه بشكل جيد، بعد انقلاب تموز 1968 اخبرني قاسم انه تم نقلهما الى كركوك وقال لي ان عنواني غير معروف لكن عنوان زوجتي هو ثانوية التسعين في كركوك وطلب مني ان ازورهم، وبعد اكثر من سنة ارسل لي رسالة يدعوني بزيارتهم، وبعد فترة التقيتُ السيد بطرس قودا في القوش كان موظفاً كبيراً في مديرية تربية كركوك سالته عن قاسم يحيى فاجابني من اين تعرفه، واوضحت له الامر ثم اخبرني انه اصبح عضو فرع في حزب البعث بكركوك وهو مهم جداً، فقلت له انه بعث لي برقية لكي ازوره لكن كركوك بعيدة عن القوش ولاني اعرف انه يريد تقديم اي خدمة لي، لكنني مقتنعاً انني قمت بالواجب تجاهه ليس لشيء ولم ابتغي شيء من تلك العلاقة باستثناء رغبتي الشديدة في المحافظة على انطباعه حول هذه القرية واهلها، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا لم التقي مع قاسم يحيى وانقطعت اخباره منذ عام 1976 ولو كان السيد قاسم في الموصل ربما كنت اقوم بزيارته وهذه العلاقة هي مماثلة لعلاقة المرحوم سعيد تيزي مع سالم الطائي واحمد الجبوري اعضاء فرع الحزب في الموصل.
والآن نعود الى موضوعنا الرئيسي حول الاحداث التي ادّت الى استشهاد صبري دكالي في نهاية تموز من عام 1969 وصادفت مناسبة زواج السيد كوريال يوسف بلو، ان هذا الشخص غني عن التعريف لدى الاوساط السياسية في القوش والمنطقة وهو من المقاتلين القدامى في صفوف الحركة الكوردية ولا يزال الى يومنا هذا، في ذلك الوقت كانت الحكومة تتدخل في شؤون الكنيسة حيث انها منعت اجراء مراسيم الزواج الا بعد حصول الموافقة من مديرية أمن المحافظة في الموصل وكان السيد كوريال على عجل من امره ولم يتيسر له الوقت الكافي للحصول على تلك الموافقة بسبب الروتين المتّبع في تلك الاجراءات فقرر اختصار هذه الفترة بالذهاب الى سعيد تيزي لمساعدته في اجراء التحقيق معه في الموصل مباشرة غير مهتماً بدائرة أمن القوش، وفعلاً سافر سعيد وكوريال يوم الخميس الى الموصل وقابلوا سالم الطائي، تم إجراء التحقيق معه لكنه لم ينتهي بنفس اليوم وان حفلة الزفاف قد تم تحديدها والتحضير لها يوم الجمعة التالي وابو آشور لم يحصل على الموافقة فعرض الموضوع على سالم الطائي، آمر ضابط التحقيق بمنحه الموافقة لاجراء مراسيم الزواج غداً على ان يعود لاكمال التحقيق يوم السبت الذي يلي يوم زواجه، وفعلاً تحقق الزواج في الكنيسة وفي يوم السبت اخبر ابو آشور المرحوم سعيد بان موقفه حرج للغاية ولا يستطيع تنفيذ وعده بالذهاب الى الموصل في هذا اليوم بسبب كثرة الوافدين الى داره للتهنئة بهذه المناسبة السعيدة وان البعض من زواره قادمين من اماكن بعيدة ولا يستطيع اهمالهم، قال انني مستعد للذهاب الى الموصل يوم الاثنين القادم فاضطر سعيد للاتصال بسالم الطائي ليخبره بذلك، ذهب الى دائرة البريد التي كانت تقع قرب مركز قديم للشرطة في شمال القريه واستصحب معه ابن عمه الاستاذ عادل تيزي محاولين الاتصال مع سالم الطائي ولمرات عديدة لكن دون جدوى فأصرّ المرحوم سعيد على الذهاب الى الموصل رغم ان الوقت اصبح متأخراً ودار نقاش بينه وبين ابن عمه عادل فلما سمعهم مسؤول البريد المرحوم عبد الاحد عوديش اخبرهم فيما اذا كان لهم امر مستعجل فيمكن بعث برقية فاقتنع سعيد بذلك وطلب من عادل ان يكتب البرقية بخط يده وجاء في مضمون البرقية (الى السيد سالم الطائي ان الذي اتفقنا عليه تأجل الى يوم الاثنين القادم رجاءاً)، وفي يوم الاثنين وعن طريق الصدفة حصل التقدم الى جبل القوش من قبل جحفل الفرسان (ولا اريد ان اناقش هذه العملية واهدافها لان الموضوع طويل ولسنا الآن بصدده)، لكن تلك البرقية تسللت بطريقة ما الى جيب توما توماس وبعدها اخذت طريقها الى دائرة أمن القوش واستقرت في مديرية أمن الموصل وتم القبض على مأمور البريد وايداعه في السجن وكادت تلك البرقية ان تؤدي الى كارثة في القوش لولا تصرف توما توماس الذي اتسم بالعقلانية والواقعية لان حالة الهيجان كانت تسود اهالي المنطقة بعد حادث استشهاد جندو مباشرة، هذا مختصر لدور سعيد تيزي بهذه القضية ربما يفي بالغرض.
اما بالنسبة الى قضية المرحوم جندو فكانت كالاتي: في صباح يوم الاثنين الذي حصل فيه الحادث بدأ التقدم الى القوش باتجاه الجبل وحصل اطلاق نار خفيف لعدم وجود اي مقاومة امامهم وفي تلك الاثناء خرج توما توماس لوحده من البيت متجهاً نحو الغرب باتجاه قرية بيندوايا، ذهبت زوجته الى بيت جارهم صبري دكالي من خلال الاسطح المتلاصقة وايقضته من النوم فسالتها والدة صبري لماذا توقضيه فاجابتها هناك تقدم الى القوش من قبل الفرسان والجيش وان ابنك هارب من الخدمة العسكرية فسوف يقبضون عليه، فردت عليها والدة صبري ان معظم الشباب في القوش هاربين من الخدمة العسكرية فليكن حاله من حالهم، وفي تلك الاثناء نهض جندو وقال انا مستعد ان الحق بعمي توما ولكن ليس عندي سلاح، فاجابته انها ستجد له قطعة سلاح حالاً وعادت الى بيتها من نفس الطريق ولحق بها المرحوم جندو وامه تبكي خلفه واستلم البندقية والعتاد وخرج من بيت توما توماس وهو لا يعرف من اين اتجه توما توماس لان الرمي بدأ يزداد، وبعد عبوره البيادر وقع في كمين للفرسان وحصل الحادث، كان البعض من الاهالي ينامون فوق السطوح فسمعوا وشاهدوا تلك الحادثة المأساوية والكثير من الجيران لا يزالون على قيد الحياة.
لقد كان الحادث اليماً وساد في القوش حالة من الحزن الشديد لما كان يتصف به هذا الشاب من مزايا حميدة فكان الجميع يحبونه ويحترمون، كان مثالاً للاخلاق والتضحية وهنا لا اتهم احداً بكونه سبباً بهذا الحادث لان جميع الاحداث لا بد وان يكون لها اسبابها وكل شخص حر في تصرفاته واعماله وهو الوحيد الذي يتحمل هذه المسؤولية وانني واثق بشكل مطلق بأن المرحومة ام جوزيف قامت بهذا العمل انطلاقاً من حرصها الشديد على حياة الشاب صبري دكالي وانني سمعت عنها الكثير وعن مواقفها الشجاعة والمخلصة لهذه القرية، عرفتها عندما كنت في سوريا مع المعارضة العراقية في بداية الثمانينات في مناسبة عيد الميلاد المجيد ومنذ الصباح الباكر زارني في شقتي عدد من شباب القوش واتذكر منهم ابن خالي المرحوم باسل الياس صفار وابن خالته رمزي ياقو توماس وآخرين وقالوا لي ان ام جوزيف تقول انك يجب ان تشاركنا اكلتنا (الكيباي) وهي اكلة العيد فعليكم ان تاتوا به الآن، كانت شقتي لا تبعد اكثر من كيلو متر واحد تقريباً، ذهبتُ معهم وكنتُ موضع احترام من قبلها وابنها حكمت كما التقيتُ مع عدد قليل من اعضاء قيادة الحزب الشيوعي واتذكر منهم السيد عادل سفر وهو من اهل الموصل.
واخيراً هكذا كانت تجري الامور في ذلك الوقت بحيث لم يكن بوسع احد في القوش ان يضمن حياته ومستقبله لان المسؤولين في السلطة كانوا يتصرفون بحسب اهواءهم دون حسيب او رقيب ولا يستطيع احد ان يثنيهم عن تجاوزاتهم ضد الاهالي وممتلكاتهم خاصة عندما كانت تلك الاعمال ترتكب ضد القرى المسيحية، هذه هي معلوماتي حول تلك القضية واعتقد بانها صحيحة وفي المرة القادمة ساكتب عن حقيقة استشهاد المرحوم فؤاد شمعون كردي.