المحرر موضوع: المسؤول العراقي والغجرّ  (زيارة 724 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المسؤول العراقي والغجرّ
« في: 06:17 29/06/2018 »
 المسؤول العراقي والغجرّ
لم تكنْ تتوقع عائلة المجيد والتي ينحدر منها الرئيس الراحل صدام حسين المجيد أن يأتي يوم وتزول فيها دولتهم القوية حسبهم؛ كالأمويين  والعباسين والقرامطة والفاطميين، والتي تحولت قبل السقوط المدوي إلى مزرعة خاصة لهم ولإسرهم، ولم يكن يتوقع إيضاً علي حسن المجيد أبن عّم الأول  1941 - 2010،  أن تحترق خيمته ويجف نهر الذهب الذي يَصْب في خزائنه من أموال النفط والرشاوي، وأن يحل يوم العِقاب وهو داخل قفص الأتهام وعيناه شاخصة نحو الأدعاء.

يظهر أن الأخير أيَّ علياً كان يحب التصوير ( فيديو ) فكان يقوم بتصوير كل حفلاته الماجنة الخاصة والعامة مع الغجرّ ( الكاوليه) على شرائط كاسيت، وبعد السقوط في 2003 حُمِلت هذه الشرائط وأنُِزلت على موقع اليوتيوب بأعداد وأجزاء كثيرة، ويظهر إيضاً أن الشخص أو الجهة التي أنزلت الأفلام تُريد أن تُصور مدى همجية وقروية هذا الكائن الغير مجيد، فخلال سنوات الثمانينات والحرب العراقية الإيرانية على أشدها والشهداء الشباب بالألف يعودون إلى الوطن ملفوفين بالعلم العراقي وملطخين بدمائه وأمهاتهم ثكَاَلى عليهم، كان هو يرقص ويشرب على جُثثهم مع غجره، فعل أخلاقي مُشين أليس كذلك؟، هذا ماعدا المفقودين والاسرى الذين لا عدّ ولا حصر لهم. هنا يظهر لنا وبشكل جليّ لا يقبل النفي مَدَى رعونة أزلام النظام السابق واستهتارهم بمقدرات دولة لكانت الأن في مصاف دول  متطورة لولا الحماقات. وهنا الحديث ليس عن مسؤول عادي أو موظف في دائرة الماء والمجاري، أو قائمقام قضاء المحاويل، لا هو ثاني رجل بالدولة، واقوة شخص بعد صدام حسين ذاته، مدير الأمن العام، وزير الداخلية، وزير الدفاع  برتبة فريق أول ركن، عضو قيادة قطرية في حزب البعث، مسؤول تنظيمات الشمال. كل هذا في أنسان جاهل وغير مؤهل من الأساس.

الأفعال هي نتيجة حتمية للأفكار والتي تؤول الى تصرفات في النهاية المطاف، وتوظف من أجل بناء وإعمار البلد. رجل الدولة الحقيقي يكون صاحب رؤى وفكر ثاقب ونظرة بعيدة للمستقبل تتبلور من خلالها نظرته لتطوير مؤسسات دولته، تّمر بتعرجات ومنحنيات وسقطات بين الفترة والأخرى لا يهم هذا كثيراً فهذا من طبيعة الأشياء!، المهم هو النهوض بالمنجز ذاته على أعتبار هو غاية الغاية، وحافزه المشروط هو ترك أرثٍ ذاتَ نمطْ عريق للأجيال اللاحقة ترسم حدود دولة ذات سيادة وقوية. في العراق الترسيمات تختلف تماماً، فجل أهتمام رجل الدولة ما بين الساقين والخيم والغجر، حتى صدام حسين لم يقدر أن يتخلص من هذه العقدة وهذا الإرث البغيض، إرتدى أرقى البدلات وتزوج مرة ثانية من بيت بغدادي عريق، ومسحتْ ألمانيا الشرقية الوشم الذي كان منتشراً على جلده، ولكن الوشم الحقيقي ظل محفورا في داخل الجلد بين حنايا النفس، ليس بمقدور احد ان يمحوه لأنه جرحاً غائر في الاعماق، أقول، كيف يستطيع شخص يحمل كل هذه الترسبات أن يبني دولة متطورة اذا هو أصلا منغلق على قضايا تافهة، وسنسأل مرة ثالثة ورابعة وخامسة وألف؟، كيف تكون العقل العربي، وأنحدر وينحدر بوتيرة سريعة للدرك الأسفل من الموجود الحضاري للبشرية وتطورها الهائل!. لن أرجع الى كُتب محمد عابد الجابري بالطبع، ولا إلى الباحث العراقي علي الوردي، ولكن بنية التكوين الأساسية واللبنات الأولى للعقلية العربية والعراقية بالذات بِنُية قبلية قروية صحراوية متخلفة، وهذا التأسيس الأولي على هذا الفعل قادَّ مع مرور الوقت إلى هكذا نماذج في غفلة من الزمان سيطرت على زمام البلد وتحكمت به وبأفراده، فجعلته إحتكار لتلك الأفكار ووظفت الخطاب الفكري القروي الساذج في بناء تلك الدولة، كيف يصح هذا؟، هنا ينجلي وبمكان ما وضع العراق الأن من الفوضى والخراب والتجزء والسرقة والفساد الغير مسبوقْ بأسم الوطنية والوطن، نفس ما كانت تفعله الغجرية بالضبط، ترقص على خارطة الوطن بكوفية المسؤول الحمراء على الخاصرة. لا أحد يستغرب من فشل الأنتخابات الأخيرة والتزوير  وحرق صناديق الاقتراع، وصعود رُعاع إلى مناصب رفيعة في  الحكومات السابقة والأتية، وتبوء الجهلة أرقى المراتب لأن الوضع الطبيعي مع الجهل المستشري في مفاصل الحكومة والدولة هو  هذا، والخطاب السلبي للسياسي العراقي الذي يصمْ الأذان في القنوات الفضائية المباشر منه والغير مباشر والذي يقتدي به الشعب يكمن أثره السلبي فيما يولده هذا الشخص من ضرر على الآخر والحياة والمجتمع والدولة ذاتها كخريطة لحدود جغرافية يعيش به الانسان بأمان وحرية، والأخطر من ذلك هو إن الخطاب المضمر والمبطن هو جزء من بنية العقل الجمعي للسياسي العراقي.
 ويبقى الطرح مفتوح، هل بمقدور الساسة والبرلمانيين والمسؤولين التحرر من كل هذه القيود التي كبلت وتُكبل العقول ليخدموا مجتمعاتهم وأوطانهم بشكل أفضل؟.