رسالة إلى جدي آشور بانيبال ملك العالم من حفيدك أبرم شبيرا:
====================================
بمناسبة إنبعاثه في المتحف البريطاني:
----------------------
جدي العزيز،
كتبكم في الماضي السحيق رسائلكم بالحفر على الحجر الصلد ,دونتم أعظم المأثورات الإنسانية في التاريخ وبأزاميل من الفولاذ وأرسلت جيوشك ورجال حاشيتك وعلماءك إلى أقاصي بلدان العالم حتى يجمعوا الألواح التي كتب عليها أجدادك السومريين والأكديين والبابليين معارف الدنيا وأخبارها ودونوا تراثهم وتاريخهم وملحماتهم وأساطيرهم، وبفضلك وعملك الجبار في إنشاء أول مكتبة في التاريخ وصل إلينا تراث أجدادنا كما وصل أيضاً إلى بقية شعوب العالم التي في هذا اليوم تنبهر بما أنجزتم من معطيات حضارية تعتبر أساس التطور الحضاري الذي تشهده الإنسانية في عصرنا هذا، واليوم بإنبعاثك في المتحف البريطاني الضخم والمشهور والمعروف عالمياً يؤكد لك هذه الحقيقة. كم نحن فخورون بك يا جدي العظيم، بحضارتنا القديمة والتي وإن كان قد زال نظامها السياسي وإطارها القانوني من الوجود المادي قبل ما يزيد عن خمسة وعشرين قرناً فأنها لا تزال عامرة في قلوبنا وشامخة في روحنا وجارية في عروقنا وتسمتد منها الإنسانية جمعاء أسس تطور حضارات هذا اليوم.
بالأمس البعيد كتبتم يا جدي العظيم كآشوريين اسماً وروحاً وعملاً وفكراً وبناءاً، واليوم نحن كأحفادك نحاول أن نقتفي أثرك في ذلك وإن أختلف الأسلوب وأدواته، إلا إننا لا نزال نملك نفس الروح والفكر والهمة رغم الظروف القاسية التي تمر علينا. صحيح إننا لا نملك إمبراطورية ولا قصور ملكية ولا ملوك جبابرة ولا جيوش جراره، لا بل ولا حتى دويلة صغيرة نمارس فيها حقوقنا القومية، وهو الأمر الذي أتاح لللصوص والقراصنة سرقة جوانب من عظمتها وينسبونها إليهم. ولكن مهما تمادوا في غيهم ونهبهم لحضارتنا العظيمة فأنهم يضلون فاقدين إلى الأهم من كل هذه الأشياء، هو روحك وأسمك الذي لا يمكنهم إطلاقا سرقتهما. كن مطمئناً يا جدي مع كل هذا الإفقار المادي، بأننا ممتلئين ثقة وثبات لنؤكد لك بأن الدنيا تزول واسمك لا يزول أبد الدهر. ولا يهمك أبداً حتى أن كنًا أقلية أو قومية صغير في هذا الزمان وبالكاد بعض الناس يعرفون أو سمعوا عن الآشوريين، ولكن لنا إصرار مميت بأنه حتى لو بقى في هذا الزمان شخص واحد فقط من نسلك النبيل فأن أسمك سيبقى خالداً ولا يفنى، وهذا ما فعله أبناءك في المتحف البريطاني قبل بضعة أسابيع. فبالرغم من بعدهم البعيد عن وطنهم آشور، فأنهم أستطاعوا ربط واقعنا وتراثنا ومآثرنا بواقعك وتراثك ومآثرك العظيمة ليؤكدوا للعالم أجمع الرابطة العضوية التي تربط آشوريي اليوم بآشوريي الأمس وليؤكدوا للعالم أجمع بأن أسمك وأبناءك وأحفادك وأنسالك خالدون وباقون مدى الدهر رغم قساوة واقعهم وظلمه عليهم طيلة قرون طويلة.
أحفادك يدمجون الحاضر بالماضي في المتحف البريطاني===============================================
قد يتصور البعض من ضعفاء النفوس والمشوهين روحياً بأن مخاطبتك يا جدي بهذه الرسالة وأنت ساكناً في العالم الآخر الذي يبعد عنا قرون طويلة من الزمن هو نوع من الغرابة والهلوسة ولكن بسبب تخلخل عقولهم واهتزاز روحهم لا يعرفون بأنك تعيش في هذا العصر وتقيم بيننا وتشارك حياتنا ليل نهار وفي كل عمل نقوم به وفي كل كلمة ننطق بها أو في كل سطر نكتب مواضيعنا ونعبر عن أحاسيسنا وأفكارنا، فأنت نحن في الزمن الغابر ونحن أنت في الزمن الحاضر، وهؤلاء لا يعرفونك ولا يشاهدونك، لا بل ويتجاهلونك أو ينكرونك، لأنهم ليسوا لا فكراً ولا روحاً من أحفادك النبلاء الأصليين المنحدرين من صلب ظهرك القوي. لا تحزن أبداً أبداً يا جدي المبجل ولا تيأس من هؤلاء الذين كانوا حتى الأمس القريب من أقرب أقرباءك ومن أبناء حاشيتك الملكية، واليوم ينكرون أسمك لأن روحك طارت من أجسادهم وسكنتها أرواح شيطانية غريبة وقوى خارجية وأجنبية عنهم فرضتها ظروف الزمن القاسي الذي مروا بها، بحيث وصلوا إلى درجة ينكرون أسمك ويبعونه للسلطات المستبدة التي استولت على أراض مملكتك العظيمة بثمن بخس أو خوفاً وخنوعاً للحاكم الظالم. أنظر يا جدي العزيز ما الذي يقوله حفيدك الصحفي الثائر فريد نزها في عام 3319 في رده على أحد المتخاذلين الناكرين لأصله: " إذا كانت هذه الصفة (أي الآشوري) تشير الى الغير راضين بالاندماج في العربية والخضوع للحكومات الغاشمة وقد نالهم بسبب ذلك القتل والاضطهاد والسلب وكل أنواع المظالم والفظائع (ويقصد بها مذبحة سميل وما رافقها) ، فذلك شرف عظيم انفردوا به. وستردد الأجيال القادمة ذكر ذلك الاستشهاد وآثار تلك الفواجع التي أنزلها بهم أعداء الله والإنسانية ما بقي آدمي على وجه هذه البسيطة" هكذا يا جدي فبعد سنوات طويلة يعودوا احفادك ويبجلوا شهداءك في الثامن من آب من كل عام كما توقع حفيدك الثائر فريد نزها بأن الأجيال القادمة سترد ذكر هذا الإستشهاد في سميل.
فهؤلاء موتى لا حياة لهم لأنهم لا يملكون الروح. إذن، أفهل يستحقون أن نعطي لهم أية أهمية وهم ناس لا وجود لهم في هذا العالم رغم إصرارهم لخدمة الحاكم المستبد واستمرارهم في التعبد للفلس الأحمر، فبالأمس القريب سوف تسمع يا جدي الكبير بأن مصير هؤلاء هو مزبلة التاريخ كمصير غيرهم الذين سبقوهم في الغدر والخيانة وإنكار الأصل، لا بل سيصبحون طعماً للوحوش المفترسة والطيور الكاسرة المدجنة من قبل الأنظمة الاستبدادية، لأن كلنا نعلم بأن الجسد بلا روح هو جثة هامدة لا يطول الزمن بها إلا وتفسد وتتحلل وتضمحل من الوجود. لهذا السبب فهم لا يستحقون أية عناية أو اهتمام ومن العار أن نعتبرهم آشوريين أو أن نشير إليهم بأنهم كانوا آشوريون في الماضي، فبهذه الطريقة يتحصن أسمك من قذارتهم وتتطهر روحك من تصرفاتهم المشينة.
أكرر القول يا جدي، بأنه رغم الأحوال السيئة البادية على مجمل أمور حياتنا القومية، بأن لا تيأس أبداً ولا تحزن علينا طالما أسمك يسري في عروقنا ويهمن على عقولنا، ولا تعتقد بأنني الوحيد من بين أحفادك يخاطبك لأول مرة وأكتب إليك بشكل مباشر، فهناك العشرات بل المئات والألوف من أحفادك الذين لا يكتفون بالكتابة إليك فقط وإنما يناضلون ليل نهار من أجل رفع أسمك عالياً واستمرار خلوده للأزمان البعيدة القادمة. لقد كان لك جيوشاً جرارة تهاب الدنيا منها ولك علمائك ومستشاريك يبهرون الطريق أمام حكمك العادل. أما نحن في هذا الزمان فلنا أيضا أحزاب سياسية ومنظمات قومية تحاول بكل إمكانياتها الشحيحة وظروفها الصعبة أن تناضل من أجل صيانة وجودك في أرضك التاريخية وفي تعزيز مقومات أحفادك الصامدين عليها وبمعنويات فولاذية لإعادة بناء ما دمره أحفاد هولاكو وجنكيز خان وغيرهما من المتوحشين من أمثال سمكو الشيكاكي وبكر صدقي وداعش المجرمة وأخواتها وأبناءها، لا بل وهناك آلاف من أحفاد أحفادك يجلسون على كراسي متكسرة وقديمة في مدارسهم السريانية في وطنك آشور ولكن في عيونهم بريق آمل يبنى عليه مستقبل الأمة.
وكما ترى يا جدي بروحك النيرة بأنه رغم تشرد أحفادك من أرضهم وإنتشارهم في أقاصي الدنيا، فإن هذا لن يلين الصلابة والثبات والإصرار التي ورثوها عنك والتي تتجسد في تنظيمات تحمل أسمك وتعظمه في كل نشاطاتها بحيث أصبح الروح المسير لهم ولوجودهم، فهنيئاً لك يا جدي بأن لك شخصيات فذة ومنظمات قومية في المهجر تناضل من أجل أن تستمر روحك تسري في أجساد أحفاد أحفادك، لا بل تصور يا جدي بأن لك منظمة عريقة فدرالية تسمى الاتحاد الآشوري الأمريكي القومي الذي في كل سنة من شهر آب، شهر الشهادة الآشورية، تقوم برفع أسمك عالياً وتجمع الألوف من أحفادك في مجلس واحد يبتهلون باسمك ويمجدون عظمتك. ألم أقل يا جدي سابقاً بأنك حياً خالدا تعيش بيننا ولا تموت حتى ولو ماتت الدنيا كلها. ليس هذا فحسب يا جدي العظيم، فهناك منظمة شبابية تعرف بأسم كشرو تعمل بكل جهد لربط احفادك الشباب بين بلدان الشتات وأرضك آشور وستراهم كل سنة في الأول من نيسان في مقدمة المسيرة الجماهيرية وستجدهم أيضا وهم يزورون القرى والقصبات والمدن التي كانت بالأمس جزء من أمبراطوريتك العظيمة.
أحفادك أعضاء كشرو من بلدان الشتات يلوحون لك يا جدي العظيم وهم على الجسر سائرون نحو أرضك=======================================================
أنظر يا جدي الخالد في الفيديوات أدناه إلى أحفادك وهم يزورون أرضك ومشاعرهم جياشه ودموعهم تروي أرضك التاريخية.
https://www.youtube.com/watch?v=jcjQTFqKLn0https://www.youtube.com/watch?v=4SA5Low789U=====================================
ولا شك إطلاقا بأنه أيضا ستكون روحك وأسمك في مقدمة المسيرة النيسانية التي سينظمها أحفادك في الحركة الديموقراطية الآشورية وستقوم أنت بروحك وأسمك بقيادة عشرات الآلاف من أحفادك القادمين من مختلف مناطق أمبراطوريتك ومن عدة بقاع العالم. ومن المؤكد بأن مسيرتك النيسانية في هذه السنة ستكون أعظم بكل ما سبقتها.
==========================================================
أنظر يا جدي المبجل إلى أحفاد أحفادك الذين رغم أنهم تركوا أرضك وأصبحوا بعيدين جداً عنها إلا أنها تعيش فيهم، فأشور هو آشور إينما كان في الوطن أم في المهجر، في الأرض والواقع أم في الفكر والقلب فهو سرمدي لا يزول أبدا حتى لو أبتعد إلى نهاية العالم. فمن أقصى مشرق العالم، أستراليا، إلى مغربه، الولايات المتحدة الأمريكية، يبقى جسرك الروحي رابطاً بينهما ليؤكد للعالم بأن الأمة الآشورية باقية مدى الدهر ولا تزول إطلاقاً.
صحيح ما قاله أبينا السامي الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية بأن هناك الكثير من أبناء أمتنا هاجروا الوطن ولكن بالمقابل هناك من هو باقي وصامد في أرض الوطن رغم الظروف القاسية والمميتة التي تحيط بهم. وهذا واحد من بين الألاف منهم:
إلا يفرض الواجب علينا جميعاً خاصة نحن الذين نصبنا خيامنا في بلدان المهجر أن نركع أمام هؤلاء الصامدين في أرض الوطن ونقبل أياديهم كعرفان على صمودهم أمام الصعاب والمأساة التي تحيط بهم في أرض الوطن وهم يواجهون التحديات المميتة بإمكانيات شحيحة؟
وهنا من الضروري أن أقول يا جدي العظيم لا تيأس من الظاهرة التي قد تبدو غريبة عن زمانك بأننا في مجالات معينة نستخدم تسمية مركبة من "الكلدان السريان الآشوريون" لأمتنا فهي ليست إلا وسيلة أو طرح سياسي لضمان وحدة أبناء شعبنا وسلاحاً وحدوياً لإنتزاع حقوق أمتنا من الأنظمة المستبدة. فأبناء هذه التسمية المركبة هم أبناءك ومن صلب آرض آشور التي عاش فيها أجداد أجدادهم منذ ألاف السنين وبقوا صامدين فيها لحد يومنا هذا. فهذا الشعب العريق يجمع ويشمل كل التسميات التي أطلق عليه عبر قرون طويلة من الزمن وهو الأمر الذي لا يزعز إيماننا في كوننا جميعاً أبناء أمة واحدة وأن أختلف التسميات في هذا الزمن طالما الأركان الحقيقة والموضوعية التي تجمع جميع أبناء هذا الشعب هي واحدة ومشتركة ويسعى الكثير منهم لتحقيقها على أرض الواقع.
أنت تعرف يا جدي الجليل، بأن الجسم يموت ويزول، كما مت أنت وغيرك من أجدادنا العظماء، ولكن الروح تبقى خالدة لا تموت أبداً كما هي روحك خالدة بيننا. وصحيح أن جسم أو كيان أمتنا في هذا العصر قد وهن ونحل بسبب قسوة الزمن عليها، فالتضحيات التي قدمها أحفادك، لم تكن لمنفعة شخصية أو طمع مادي أو سعياً للشهرة بل كانت من أجل أن تبقى روحك طاهرة قادرة على ربط أحفادك بعضهم بالبعض في وحدة روحية، وهي الروح التي لا تهرم أو تشيخ ولا تعرف قيود للزمان والمكان ولا للحدود، والتي يمكن أن تسافر في كل أقاصي الدنيا وبدون جواز سفر أو الفيزا ويمكن أيضاً أن تتواجد أو تنشأ في أي وقت وفي أي مكان ومن دون حاجة إلى برنامج عمل أو منهاج سياسي أو تقويم زمني أو حتى قطعة أرض أو دولة. فمثل هذه الروح لا يستطيع أطغى طغاة العالم من سجنها ووضعها خلف القضبان أو تعليقها بحبال المشانق أو رميها بالرصاص لهذا السبب فهي دائمة فاعلة ومؤثرة ومدركة سواء أكان ذلك في وطننا التاريخي أم في المهجر. إلا ترى يا جدي العظيم رغم أن نظام البعث علق أبطالنا يوسب ويوبرت ويوخنا على مشانق الإستشهاد الآشوري وغابوا عنًا جسدا ألا أنه فكريا وروحياً هم دائما وأبداً معنا نذكرهم بكل إجلال ووقار، فمن روحهم الطاهرة أنبعثت نسمات مضيئة لطريق الكثير من أبناءك السائرون على هدى أبطال أمتنا الخالدون. وكما ترى يا جدي بأننا نكتب إليك بلغة أجنبية هي غير لغتك أنت التي كانت تملئ الدنيا في الزمان الغابر، ورب سائل يسأل كيف يمكن فهمك لهذه الرسالة وأنت لا تجيد مثل هذه اللغات. فالجواب بسيط أيضاً ولا يحتاجه مشقة وعناء، فهو لأنني أكتب إليك بأبجدية روحية مستمدة من روحك التي تسري في وجداني وعقلي تجعل التفاهم بيننا سهلاً جداً. هذا ما لا يستطيع فهمه واستيعابه من لا يملك نسمات من روحك.
وفي الختام ليست لي نية على الإطلاق في أن أودعك، فلا وداع بيننا لأن حتى الموت لا يستطيع أن يبعدني عنك ولا أن يفنيني من روح آشوريتي التي استمدتها منك، فأنت معي سواء في الحياة أم في الموت طالما روحك خالدة، وهي التي ستخلد جميع أحفادك النبلاء وسيتعزز هذا الخلود أكثر فأكثر عندما تتجسد روحك على أرضك التاريخية، فهو أملنا الكبير الذي لا يهتز ولا يضمحل أو نيأس منه مهما طال الزمن حتى ولو انتظرنا ألف عام أخرى. إلى اللقاء يا جدي العظيم في رسالة أخرى قادمة، وتقبل تحيات جميع أحفادك النبلاء.
المخلص
حفيدك الوفـي أبرم شبيرا