المحرر موضوع: العلاقة العضوية بين القومية والأرض التاريخية ... كيف يجب أن تُفهم ؟؟  (زيارة 881 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
العلاقة العضوية بين القومية والأرض التاريخية ... كيف يجب أن تُفهم ؟؟
خوشابا سولاقا
عندما نطلع على تاريخ كل أمم العالم منذ فجر الحضارات الانسانية الأولى في التاريخ والى يومنا هذا من زاوية العلاقة بين الانسان والأرض سوف نجد أنه هناك علاقة عضوية جدلية تكاملية قوية وراسخة لا انفصام فيها بين الأرض والقومية التي تعيش عليها بالشكل الذي أما أن تأخذ الأرض كوطن الأسم القومي للأمة أو على العكس من ذلك أن تأخذ الأمة الأسم القومي لها من اسم الأرض ، وبما أن أرض الوطن ثابتة ومستقرة في مكانها جغرافياً لا يمكن ترحيلها من مكان الى آخر فتبقى بذلك حاملةً للأسم التاريخي معها مدى الدهر ، بينما من يرحل من ساكنيها الى أرض أخرى مسماة جغرافياً واجتماعياً ويتخذ منها وطناً بديلاً له كما هو اليوم حال بلدان المهجر سوف يتبنى المُهاجر شاء أم أبى الأسم الجديد للآرض التي اختارها وطناً له عليه واجبات مستحقة نحوها يستوجب أدائها كما هو حال السكان الأصليين ليحق له التمتع بما يتمتع به السكان الأصليين من حقوق وطنية وانسانية ، صحيح أن القادم الجديد يحمل الثقافة واللغة والتقاليد والعادات والطقوس العِرقية التي كان يعتز بها في وطنه الأم ويحاول المحافظة عليها وحمايتها من الأنصهار في بوتقة ثقافة وعادات وتقاليد وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد في بداية الأمر إلا أن تقاليد الحياة الجديدة ومستلزماتها في الوطن الجديد تفرض علية التنازل والتراجع بشكل تدريجي ثم التخلي عنها شيءً فشيءً مع مرور الزمن ، وهكذا وبمرور وتعاقب الأجيال تبقى طبائع وثقافة وتقاليد وعادات وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد هي السائدة وسيدة القرار في مجتمع الأمة المُهاجرة الى أن تنصهر بالكامل بعد جيلين أو ثلاثة على أبعد تقدير وهذا ما بدأت بوادره بالظهور جلياً في الأجيال الشابة من أبناء وبنات أمتنا الآشورية ممن هاجروأ أبائهم وأجدادهم أرضهم التاريخية قبل أربعين أو خمسين سنة وأكثر . 
 أيها القارئ الكريم إن عملية الأنصهار القومي والثقافي والأجتماعي للمُهاجرين من أرضهم التاريخية التي تحمل بصماتهم الحضارية في بوتقة الأمة ذات الأغلبية القومية المعينة في بلدان المهجر تأتي عبر عملية تراكمية تاريخية تأخذ وقتاً من الزمن وخير مثال على ذلك هو هِجرة الأوروبيين من بلدانهم الى العالم الجديد في القارتين الأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلاندا ، حيث نجد أن القومية الغالبة ثقافياً وحضارياً كانت القومية الأنكليزية لذلك انصهروا كل الأوروبيين  المهاجرين الى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا الحالية في بوتقة الأمة الأنلكليزية الغالبة والمهيمنةً ثقافةًً ولغةًً وتقاليداً وعاداتاً وطقوساً وتشكلت على أثرها أمم جديدة بمقومات وخصائص اجتماعية وسمات ثقافية جديدة الى حدٍ ما تجمع عرقيات واثنيات وأديان مختلفة على شكل الأمة الأمريكية والأمة الكندية والأمة الأسترالية بجوهر انكليزي ، الجميع يتكلمون اللغة الأنكلزية لكونها اللغة الرسمية ولكن يرفضون أن يكونوا انكليزاً  قومياً ، وهكذا الحال في قارة أميريكا اللاتينية تشكلت أمم عديدة بأسماء سكان البلاد الأصليين وبجوهر اسباني وبرتغالي والجميع يتكلمون الأسبانية أو البرتغالية ولكنهم يرفضون كونهم اسبان أو برتغاليين  قومياً، هكذا وبمرور الزمن وتعاقب الأجيال وتطور الحياة الاجتماعية في تلك الأمم قد يتحول أسم الأمة في تلك البلدان الى أسم قومي وهوية قومية لسكانها المنحدرين من أعراق وأثنيات مختلفة . 
الهجرة حتماً في نهاية المطاف تنتهي بالمُهاجر شاءَ أم أبى وبناءً على متطلبات الحياة ومواكبة التفاعل والانسجام مع المجتمع الجديد الى التخلي عن لغته وعاداته وتقاليده وطقوسة ومقوماته القومية الآصيلة التي حملها معه من وطن الأم ويتبنى بدلاً منها ما هو سائد في الوطن الجديد للقومية الغالبة فيها ليتمكن من الأستمرار في العيش والأندماج في المجتمع الجديد ، وبعد جيل وجيلين أو ثلاثة أجيال في أحسن الأحوال وبسبب التفاعل والأختلاط الاجتماعي والتزاوج المتبادل سوف يكون المُهاجر المنحدر من أصول عرقية معينة منسلخاً بالتمام والكمال في سلوكه الاجتماعي وثقافته وحتى طبائعه عن تلك الأصول ، وربما سوف لا يتذكرون الأجيال اللاحقة والتي ولدت وتربت في المجتمع الجديد شيئاً عن أصولها العِرقية القديمة المنحدرين منها وبذلك تدخل الأمة قومياً في بلدان المهجر في مرحلة الغيبوبة والأحتضار والاستسلام للأمر الواقع وهذا قدرهم المحتوم لا مفر منه .
ولتوضيح هذه العلاقة العضوية أي علاقة القومية بالأرض التاريخية وكونها علاقة لا انفصام فيها نأخذ أمثلة من واقع الحال ومن مختلف قارات الأرض سوف نجد من خلالها حقيقة وواقع وماهية هذه العلاقة وكما يلي :-
•   أرض الأمة والقومية اليابانية الغالبة .... هي اليابان
•   أرض الأمة والقومية الهندية الغالبة ..... هي هندستان
•   أرض الأمة والقومية الباكستانية الغالبة .... هي باكستان
•   أرض الأمة القومية الأفغانية الغالبة ... هي أفغانستان
•   أرض الأمة والقومية الكازاخية الغالبة ... هي كازاخستان
•   أرض الأمة والقومية الطاجيكية الغالبة ... هي طاجيكستان
•   أرض الأمة والقومية الكوردية الغالبة ... هي كوردستان
•   أرض الأمة والقومية التركمانية والتورك الغالبة .... هي تركمانستان وتركيا الحالية .
•   أرض الأمة والقومية الروسية الغالبة .... هي روسيا
•   أرض الأمة والقومية الفرنسية الغالبة .... هي فرنسا
•   أرض الأمة والقومية الآيرلندية ( الآيرش ) الغالبة ,,, هي ايرلانده 
•   أرض الأمة والقومية الاسكوتلندية ( السكوتش ) الغالبة ... هي اسكوتلانده
•   أرض الأمة والقومية الأنكليزية ... هي اينكلاند England   
•   أرض الأمة والقومية الألمانية الغالبة .... باللغة الألمانية ( دوتش ) ... هي ألمانيا أي دوتشلاند .
•   أرض الأمة والقومية الأسبانية الغالبة .... هي اسبانيا
•   أرض الأمة والقومية الأيطالية الغالبة ..... هي إيطاليا
•   أرض الأمة والقومية البرتغالية الغالبة ..... هي برتغال
•   أرض الأمة والقومية الآشورية الغالبة في وقتها ..... هي آشــــور التاريخية .
•   أرض الأمة والقومية العربية الغالبة .... هي عربستان أي أرض الجزيرة العربية الحالية قبل الأحتلال العربي الأسلامي للبلدان المجاورة . 
هذه النماذج هي مجرد أمثلة بسيطة لأستعراض وتوضيح طبيعة الأرتباطات والأشتقاقات التسموية اللغوية إن جاز التعبير للعلاقة العضوية بين " القومية " الغالبة وأرض الوطن الأم ، حيث لا يمكن أن تكون هناك " قومية " ذات غالبية على غيرها من الأثنيات العِرقية تعيش في أرض ما من دون أن تأخذ هويتها القومية من هوية أرض الوطن .
في الأمم التي تشكلت حديثاً ومصدر سكانها هو الهجرة من البلدان الأخرى كما هو في حالة أميريكا وكندا واستراليا ونيوزيلاد وأمم أميريكا  اللاتينية وغيرها فإنها ما زالت في طور التكوين والتشكيل وتعيش مخاض اجتماعي ثقافي وحضاري في عملية انصهار الأثنيات العِرقية المُهاجرة في بوتقة القومية الغالبة المهيمنة اجتماعياً وثقافياً لولادة أمة جديدة بمقومات خاصة تختلف عن مقومات الأعراق الأصيلة لها .
بناءً على هذه المعطيات لا يمكن للفرد أن يحافظ على هويته القومية التي استمدها من هوية أرضه التاريخية إلا من خلال البقاء في أرض الوطن الأم وبعكس ذلك فإن متطلبات ومقومات الحياة في أوطان المهجر تفرض علية بل تجبره في نهاية المطاف بعد أجيال على تخلى أحفاده عنها واكتسابهم للهويه القومية من هوية الوطن الجديد في المهجر .
إن علاقة الأرض بالقومية كعلاقة الانسان المسيحي بالعماذ في الطقوس المسيحية ، ان كل قومية تُعمذ بعماذ الأرض التي نشأت عليها تاريخياً ، وبذلك لا يمكن لأي إنسان من أية قومية  كان أن يحافظ على هويته القومية التي عُمذ بها إلا في أرض عماذه التاريخية .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 11 / ت1 / 2019 م