المحرر موضوع: صدق اليهودي العراقي ..( الأحد يأتي بعد السبت!!)  (زيارة 2623 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماجد عزيزة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 759
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

صدق اليهودي العراقي ..( الأحد يأتي بعد السبت!!)

ماجد عزيزة /

قبل حوالي ست سنوات ، وبعد وصولي كندا بأشهر ، كنت في حفل عائلي للمقام العراقي غنى فيه المطرب الفنان الصديق جورج الياس مجموعة من المقامات العراقية مع ( بستاتها) ، وحين غنى ( أحيا واموت عالبصرة) كان أحد الحضور وقد تجاوز السبعين من العمر وابيض شعر الرأس منه ، قد انزوى في ركن من أركان القاعة وراح في نشيج خفي وامتلأت عيناه بالدموع . اقتربت منه مجاملا وسألت : يبدو إنك بصراوي ؟ أجابني بلهجة أهل البصرة ، بعد أن حاول اخفاء الدموع وحبسها في المآقي : نعم .. أنا بصراوي واسمي داود ! قلت : ومتى غادرتها ؟ قال وهو ينظر لي بابتسامة شوق للنخيل وشط العرب والخورة : غادرتها .. ( قالها بحسرة) منذ عام 1948 مع كل الأهل والأقارب حين هجرونا قسرا !! هنا عرفت انه من الإخوة اليهود العراقيين الأصلاء .الذين هُجروا وابعدوا عن وطنهم العراق بسبب بعض الذين لا يعرفون معنى الإنسانية ولا أخلاق لهم .
في العام 1958 كنت أحد طلاب الصف الثالث الإبتدائي في مدرسة شمعون الصفا الإبتدائية في الموصل ، وكان معي في الصف زميل عزيز علي هو اليهودي العراقي ( كرجي) ذلك الأسمر النحيل الطويل ، كنا نذهب ونعود للمدرسة سوية ، حتى أني كنت أحسده علانية على يهوديته ، بسبب تمتعه بعطل أكثر مني ومن أقراننا من التلاميذ المسلمين ، فقد كان كرجي يعطل في أعياد الدولة وأعياد المسلمين وأعياد المسيحيين ( باعتبار المدرسة مسيحية) وأعياد اليهود ( أعياده ) .. تحية له اينما كان الآن ، وليرحمه الله إن كان قد ودع هذه الحياة .

سؤال بقي يلازمني فترة طويلة ، وهو لماذا ارغم اليهود العراقيين على هجرة بلدهم ؟ ومن كان وراء ذلك ؟ وهل ان الذي ( قرر) ابعادهم عن موطنهم وموطن أجدادهم يمتلك من الوطنية أكثر مما يمتلكون ؟ وهل لليهود العراقيين ولاء للعراق أم أن ولائهم هو لإسرائيل ؟ دموع الأخ العزيز داود أجابت عن سؤالي .. اليس كذلك ؟
لقد عاش يهود العراق على أرض الرافدين أكثر من 2400 سنة ، وسكنوا في مناطق عديدة من بغداد والموصل والعمارة والفلوجة وعلي الغربي وقلعة صالح والبصرة ، وتعايشوا مع بقية الأطياف العراقية من مسيحيين ومسلمين وصابئة وغيرهم بشكل متسامح ومتعاون ومتآخي ، لكن ( البعض) لم يكن يريد لهذه اللحمة أن تستمر ، فبدأت موجات من الإغتيالات والقتل والمضايقات ، حتى مثل هذه الأيام من حزيران من عام 1941 حين كان وفدا من اليهود العراقيين يشارك في استقبال الوصي عبد الإله لدى عودته من الخارج ، فهوجم الوفد في طريق عودته وقتل العديد منهم وجرح آخرون ، فيما بدأت عمليات اغتصاب لأطفال ونساء ، وحرق البيوت ونهبها في عملية اطلق عليها اسم ( الفرهود) ! واستمرت هذه المضايقات حتى اضطر الأخوة اليهود لترك بلادهم ووطنهم العراق وفروا إلى الخارج ، حتى احتوتهم دولة اسرائيل وضمنت حقوقهم وحياتهم .
تذكرت قبل أيام المقولة الشهيرة لأحد الأخوة اليهود يوم همّ بمغادرة العراق بعد تهجيرهم ، حين اقتربت منه جاره المسيحي والذي كان يبدي أسفه للتهجير القسري الذي أصابهم ، فقال له اليهودي : عمي اخاف يجي دوركم .. لأن يوم الأحد يجي بعد يوم السبت !
وصدق اليهودي العراقي في توقعه ، فقد أتى الدور على ( يوم الأحد) ، فما يجري حاليا لمسيحيي العراق هو نفسه الذي جرى لليهود العراقيين قبل 60 عاما ! قتل واختطاف واغتصاب وتهجير قسري ، زاد على ذلك ارغامهم على الدخول عنوة في الدين الإسلامي أو دفع الجزية . فما اشبه يوم المسيحيين الآن بأمس اليهود ، والسبب والمسبب هو نفسه ، بعض المتخلفين الذين يمسكون بزمام الأمور في دولة متهرئة لا قانون فيها ولا بطيخ ! لكن ليعلم هذا ( البعض) ، إن الزمن دوار ، والتاريخ لن ينسى أحدا ، واذا كان هؤلاء يستطيعون ظلم الناس اليوم ، فلن يفلتوا من عقاب التاريخ غدا ً .
 وصدق اليهودي العراقي الذي قال إن ( الأحد يأتي بعد السبت) ، ولكن .. إذا كان اليهودي العراقي قد وجد من يستقبله في اسرائيل ، فأين يدير المسيحي وجهه وهو يهاجر نحو المجهول ... !