المحرر موضوع: خميس الأسرار يوم غسل الأرجل والقلوب  (زيارة 402 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وردااسحاق

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1208
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • https://mangish.net
خميس الأسرار يوم غسل الأرجل والقلوب
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://f.top4top.io/p_15506a98d1.jpg
( إن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض )
خميس الأسرار ، عيد من أعياد الكنيسة المقدسة يسبق عيد الفصح ، وله أسماء كثيرة ، كخميس الفصح ، والعشاء الأخير ، و العشاء السري ، و خميس العهد الذي يسبق جمعة الآلام . في تلك الليلة قضى يسوع الساعات الأخيرة مع التلاميذ ، وتلك الساعات كانت فاصلة بين الرب الإله المتجسد  ومع تلاميذه اللذين لم يدركوا أقواله حتى في اللحظات الأخيرة وهم في البستان ، لهذا لم ينفذوا طلبه بالسهر معه في البستان في الساعة الأخيرة ، بل أستغرقوا في سبات النوم .
في ليلة خميس الأسرار ، غسل يسوع أرجل الأثني عشر ، فماذا كان يعني بغسل أقدام تلاميذه ؟
أولاً علينا أن نتحدث قليلاً عن موضوع غسل أرجل الضيوف الذي كان عادة يهودية قديمة . كان الزائر يُستَقبَل بأحترام منذ دخوله في الباب الخارجي فيبدأ خادم البيت بغسل أقدام الضيف . في ذلك الزمان لم تكن الأحذية المستخدمة تحافظ على كل أجزاء القدم ، بل كانت على شكل صندل مربوط بسيور ، قال يوحنا المعمدان (  ... لست أهلاً أن أحل سيور حذائه .. ) " لو 16:3 " . إضافة إلى كون الشوارع والطرقات غير معبدة أي ترابية  صيفاً وطينية شتاءً . والجلوس في البيت كان أتكاءً على الحائط وعلى أرض مفروشة ، لهذا كان يجب تنظيف الأرجل قبل الدخول ، فكان الضيف يشعر بأحترام ، وقد كانت تطهر بطيب أو تدهن إذا كان فيها جروح ناتجة بسبب السير في الطرقات الوعرة داخل وخارج المدينة . علينا أن لا ننسى أيضاً مثل السامري الصالح الذي غسل وطهر ودهنً جروح الغريب .
https://l.top4top.io/p_15501xh2x1.jpg
عاتب الرب يسوع سمعان الفريسي عندما كان ضيفاً في بيته ، قائلاً ( ... إني دخلت بيتك ولم تقدم لي ماء لغسل قدمي ! ... أنت لم تدهن رأسي بزيت ! أما هي فقد دهنت قدمي بالعطر ) " لو 7: 44-46 " بهذا فضح يسوع رياء وقلة محبة سمعان له قياساً بمحبة اللإمرأة الخاطئة في بيته التي قامت بغسل أرجله بدموعها ومسحتها بشعر رأسها ودهنتها بالعطر وقبلتها بسبب محبتها لسيدها ، وقد ثمن يسوع أيمانها في المثل الذي قاله لسمعان وقدّرَهُ بعشر أضعاف إيمان صاحب البيت .
موضوع غسل الأرجل قديم جداً في المجتمع اليهودي ، لم يكن يقوم بهذه الخدمة سيد البيت ، بل الخادم الذي هو واجب من واجباته ، لهذا نقرأ في الكتاب المقدس بأن أبينا أبراهيم لم يغسل أقدام ضيوفه الثلاثة ( الرب مع ملائكته الأثنان اللذان أرسلهما لتدمير سادوم وعمورة ) ، بل قال لهم أبراهيم ( ... دعني أقدم لكم بعض ماء تغسلون به أرجلكم وتتكئون تحت الشجرة .. ) " تك 4:18 " . كذلك يوسف الصديق لم يحضر ماءً لغسل أرجل أخوته الأعزاء القادمين من أرض بعيدة ، بل شمعون أخيه قَدّمَ لهم ماءً ليغسلوا ارجلهم " تك 24:43 " . إذاً يسوع السيد والمعلم أخذ دور الخادم ليخدم تلاميذه بغسل اقدامهم ، لهذا أمتنع بطرس من غسل أرجله لأنه يعلم بأن هذا العمل لا يليق بالسيد بل بالخادم . أنحنى يسوع أمام أرجل تلاميذه أولاً ، لأن العمل يحتاج إلى الأنحناء ، لكن ليس الجسد فقط ، بل الفكر أيضاً ، أي الإتضاع الكامل  ، نتيجة محبة المتضع للآخر . غسل يسوع أقدام الأثني عشر بما فيهم يهودا الأسخريوطي رغم علمه المسبق بخيانته ، لكنه استمر بمعاملته كباقي التلاميذ ليس ضعفاً منه أو عدم علمه بما يقوم به ، بل بسبب عدالته ومحبته للجميع إلى آخر لحظة ، وفي اللحظة الأخيرة في البستان عندما تقدم إليه الأسخريوطي لحظة تسليمه بقبلة الخيانة ، قال له يسوع ( يا صاحب ) ولم يقل يا خائن . يسوع غسل أرجل تلاميذه لتواضعه ولمحبته لهم ولكي يتعلموا هم درس التواضع ، لهذا قال ( تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ) " مت 29:11" .
على العشاء بعد غسل الأرجل كشف يسوع سر خيانة يهوذا عندما أعطى له اللقمة التي أغمسها ، بعدها أنفصل عنهم يهوذا منطلقاً لتنفيذ مخطط الخيانة .
بسبب محبة المسيح لتلاميذه أصبح لهم كالخادم فطهر أرجلهم لكي يتطهر جسدهم كُلُهُ وكأنه إستحمام . قال لبطرس الذي طلب أن يغسل رأسه أيضاً ( من أستحم صار كله نقياً .. ) " يو 10:13 " وهذا الغسل ليس لغرض الجسد فقط ، بل للنفس أيضاً وكأنه عماد ، لهذا قال لهم ( أنتم الآن أنقياء ... ) " يو 3:15" . طهرهم لكي ينطلقوا للتبشير لأجل تطهير البشرية من بؤس الخطيئة بنشر بشرى الأنجيل بينهم  . كما أمرهم الرب يسوع بعد الغسل بأن يغسلوا أرجل بعضهم بعضاً " 15:13" . إذاً لم يغسل أرجلهم فحسب ، بل عقولهم وقلوبهم أيضاً فعلمهم المحبة والتواضع نازعاً منهم حب الذات والكبرياء والتسلط الذي كان متعشعشاً في عقولهم إلى آخر أيام خدمته معهم ، طلب أبني زبدي حول جلوسهم على يمينه وعلى يساره غير دليل على أنانيتهم . فالمطلوب من كل من يريد التتلمذ في مدرسة المسيح أن يتحمل أثقال أخوته بالمحبة ، ليحملوا هم أيضاً أثقاله كما حمل سمعان القيرواني الصليب عن المسيح في طريق الجلجلة .
هكذا أعد المسيح تلاميذه للأنطلاق في خدمة التبشير بأقدام طاهرة ( ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام ... ) " رو 15:10 " .
تم إعداد أقدام التلاميذ للتبشير بعد تطهيرها بالماء كما يتطهر المعمد الداخل إلى المسيحية والذي يستحق تناول السر الثاني مباشرةً وهو سر القربان المقدس ( الأفخارستيا ) لأن خطاياه قد غفرت بالمعمودية ، إذاً تلاميذ المسيح أستحقوا بعد غسل أقدامهم بأن يتناولوا جسد ودم المسيح الذي قدمه لهم بعد الغسل . كان ذلك التناول الأول في كنيسة الرب الذي قدم لهم جسده الطاهر على شكل خبز . ودمه على شكل خمر ، قائلاً لهم ( هذا هو جسدي ) ( هذا هو دمي ) وهكذا طهر قلوبهم وأجسدادهم في ذلك اليوم وأسس في تلك الساعة سر الأفخارستيا ، ثم قال لهم ( أعملوا هذا لذكري ) أي أسس سر الكهنوت أيضاً في نفس اليوم ، لهذا " عيد الكهنة " يصادف في هذا اليوم المبارك .
بعد قيامته من بين الأموات نفخ فيهم نفخة الكهنوت المقدس لكي يكون لهم سلطان لمغفرة الخطايا . كل هذه الأسرار أسسها يسوع في خميس العشاء الأخير لهذا يسمى بخميس الأسرار ، وكل أسرار الكنيسة المقدسة أسسها الرب يسوع  . مجداً لاسمه القدوس .