قس كلداني يرفض حضور مراسم الجناز والصلاة والدفن لكلداني كاثوليكي وافته المنية بسب كورونا؛ قس سويدي كاثوليكي يهرع للصلاة على راحته ويحضر مراسيم الجناز والدفن ويواسي عائلته
هذا الذي أتانا من حيث لا ندري. يتخفى ولا نراه ولكننا نحس أثره وهو ينتشر ويرعب ويقتل.
بعضهم ادعى في كرازات وبيانات مطولة أن يسوع المسيح سلم مفاتيح ملكوت الله له، وإذا به من صغير واهن يهرب.
الجائحة التي تضربنا أظهرت معدننا الأخلاقي وقربنا او بعدنا من إنسانيتنا التي تتجلي في إنجيلنا والأركان الأربعة للبشارة والمسرة – المحبة والتسامح والعطاء والغفران.
كل ما نراه من نصوص ازلية تسقط إن لم نتكئ على بعدنا الإنساني والأخلاقي والجائحة تضربنا من كل حدب وصوب.
وليس من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه من أجل أخيه الإنسان، وفق وصايا الفادي، وخصوصا إن كنا قد أقسمنا على إنجيله على تكريس أنفسنا لخدمة أحبائنا وعدم حرمانهم من الأسرار وقتما يحتاجون إليها ومجانا.
ما فائدة نص أزلي وما فائدة كل رموزنا الدينية إن كنا للبعد الإنساني عازفين وكارهين، متعللين بتفاهات وأسباب غير مقنعة تنتهك أسس البشارة والمسرة السمحاء التي أتت بها.
***
[/b]
في يوم الأربعاء الفائت وهو اليوم الذي يسبق خميس الفصح حضرت جنازة دفن في السويد لعزيز وقريب فارقنا.
كنت على يقين ان الكاهن الكلداني الذي تقع المدينة ضمن خورنته ومعه الأسقف الكلداني في السويد سيحضران الجنازة، كما كان يفعل المرحوم البطريرك شيخو حيث كان يعاود المرضى ويشارك شعبه ومؤمنيه في مناسبات مثل هذه.
ولكن ما شاهدته صعقني. حقا لم أتصوران الهوان والتسيب والفوضى العارمة التي تمر بها مؤسسة الكنيسة الكلدانية ومنذ سبع سنين عجاف قد وصلت الى هذا الدرك.
القس الكلداني رفض رفضا قاطعا توسلات اهل الميت الصلاة على الجنازة او حضور وأداء مراسيم الدفن.
اتصلوا بالخورنة السويدية الكاثوليكية في مدينتهم، وأتاهم الرد بالإيجاب فورا وقام الكاهن بمواساة العائلة المنكوبة من خلال الهاتف والزيارة والصلاة وقراءة الإنجيل.
***
[/b]
ويوم الأربعاء حيث كان الموعد ان يوارى الفقيد التراب في مقبرة المدينة، كان الكاهن حاضرا قبل وصولنا، وهو يرحب بنا ضمن قواعد التباعد الاجتماعي المعمول بها في السويد لاحتواء الجائحة.
وهو بزيه الرهباني المتمثل بجلباب واسع مع غطاء للرأس وازار يشد به وسطه وحبل متدل – الزي هذا وغيره الذي يهينه ويستهجنه ويحتقره ويحاربه البعض من الكلدان اليوم - شرع الكاهن في الصلاة حسب الطقس اللاتيني.
وبصوت جهوري وبقلب مليء بالمحبة والود والمسرة استقبل الجنازة بالصلاة ورسم شارة الصليب عليها ورش الماء المقدس على القبر.
كان عدد الذين حضروا مراسيم الدفن حوالي أربعين شخصا لأن الحد الأقصى للتجمع في السويد لا يجوز ان يتجاوز خمسين فردا حتى الآن، وفق التعليمات الصحية لاحتواء الجائحة في هذا البلد.
وكان الكاهن يرتل الأناشيد، وبين الفينة والأخرى يطلب من الحاضرين ان ينشدوا او يرددوا " på Kaldeiska" (أي باللغة الكلدانية او حسب الطقس الكلداني)، ولم يكن هناك من مجيب.
لم يعرف هذا الكاهن الجليل ان الطقس والتراث والميراث واللغة والتراث الكلداني قد جرى تأوينه وحتى العونياثا السماوية والمداريش الجنائزية ذات الألحان الملائكية قد جرى تشويهها وتزويرها واستبدالها بالدخيل والغريب والهجين.
لن أطيل في هذا المقال، ولكن لا أعلم لماذا ركز الكاهن السويدي الجليل وذلك برفع نبرة صوته عند عروجه على آيات مزلزلات في الإنجيل التي فيها ترد الشروط لدخول ملكوت السماء:
ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني . عطشت فسقيتموني. كنت غريبا فآويتموني. عريانا فكسوتموني. مريضا فزرتموني. محبوسا فأتيتم إلي
***
هناك أسقف كلداني في السويد وسبعة كهنة كلدان. والكلداني الكاثوليكي الذي وافته المنية لفظه كاهنه الكلداني الكاثوليكي ولولا الكاهن السويدي الكاثوليكي لجرى دفنه دون صلاة ومراسيم ولكان ذلك لأهله البسطاء المؤمنين والمتعلقين بكنيستهم بمثابة لعنة.
***
وللكلدان أقول بعدما ضاع طقسكم وجرى تشويهه وتعريبه وإهانته وتهميشه وتأوينه ومعه لغتكم وتراثكم وميراثكم وأزيائكم وريازتكم وفنونكم وحتى طقوس دفن موتاكم في السنين العجاف الأخيرة، ما الداعي للبقاء في مؤسسة يكتنفها الغموض والسرية والسيمونية والفوضى العارمة وأمامكم فرصة الانضمام الى الكنيسة الكاثوليكية الجامعة وهي كنيستكم أيضا وفي عهد زاهر بهي مثل عهد البابا فرنسيس الذي صارت فيه الممارسة الإنجيلية الحقة والبعد الإنساني هما مقياس الدخول الى ملكوت السماء؟
أقول هذا، لأن لم أكن أحسبني أحيا زمنا يُساء الى كنيسة صغيرة ولكنها عظيمة بتراثها وتاريخها وإرثها وميراثها وطقسها وفنونها وبشارتها ومسرتها كما الاحظه اليوم.
وأختتم وأقول إن المقصد ليس الشخصنة ابدا حيث حاولت تجنب ذكر الأسماء والأمكنة، لأن التاريخ القريب مليء بأمثلة إنزال عقاب على شخص محدد وكأنه إنجاز للتهرب من المسؤولية والقاء اللوم على الأخر.
ما حدث غير مقبول ويعارض أركان البشارة التي من أجلها يدخل المرء سلك الكهنوت.
بيد إنني أقول إن السبب والمسبب ليس الكاهن او الشخص. العلة مؤسساتية ومؤسسة الكنيسة الكلدانية إن لم يحزم الأساقفة أمرهم لن يمضي وقت طويل وستصبح في خبر كان.