المحرر موضوع: أصنام المجتمع بحث في التحيز والتعصب والنفاق الأجتماعي  (زيارة 614 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عمانويل ريكاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 147
    • مشاهدة الملف الشخصي
قراءة في كتاب أصنام المجتمع بحث في التحيز والتعصب والنفاق الأجتماعي
بقلم عمانوئيل يونان الريكاني العراق /أستراليا
قال الفيزيائي والرياضي والفيلسوف الفرنسي بليز باسكال  1623-1662  ثمة موقفان متطرفان "إقصاء العقل وعدم قبول أي شيء غيره".
هذا يدل على ما للعقل من قيمة كبرى ومكانة متميزة عند الأنسان فهو عنوان عظمته وسر فرادته التي تميزه عن باقي الكائنات. وهو الدليل السياحي وخارطة الطريق الذي إذا تم تنقيته من الأوهام والأباطيل  وتصفيته من الأصنام والأوثان يؤدي وظيفته على أكمل وجه في أنتاج المعرفة الموضوعية للأنسان والمجتمع والطبيعة دون تشويه للحقائق ولا تزييف للواقع ، عكس العقل الخرافي والأسطوري الذي يقدم الأمور على طبق من الإفك والخداع والضلال لأن خيوط  لعبته يحركها  من لهم السلطة والقدسية في المجتمع غالباً رجال الدين  وأرباب السياسة وهم المستفيد الأكبر من بقاء الناس رقاد على غرار أهل الكهف لا حس ولا شعور بما يجري حولهم.
في الوقت الذي تحرر فيه العقل الأوربي من العادات القديمة والعقائد الموروثة التي كانت تكبله وتقيده وأنفصلت الفلسفة عن اللاهوت وأصبحت سيدة نفسها بعد أن كانت خادمة ذليلة له، وخروج العلم من قفص الدين حراً طليقاً منتصراً مؤسساً المعرفة على الملاحظة والتجريب لا على الأفكار الغيبية والتصورات الأسطورية ،هذه الأنعطافة في التاريخ لم تكن أمر هين ولا مسألة سهلة فقد دفع ثمنها باهضاً هذه لغة محاربة القديم عندما يكون غير لائق بالأنسان ،فقد أصطدم الرجال الأحرار ودعاة التنوير بالمؤسسة الدينية التقليدية التي شنت حرب ضروس عليهم خوفاً على مكانها ومناصبها وأمتيازاتها.وهكذا أستطاع العقل الأنساني بعد كفاح مضني ونضال شاق ضد القوى الرجعية والظلام أن  تكون له الغلبة والنصر ويفتح أفاقاً حضارية جديدة ويوعد بمستقبل مشرق للأنسانية بعد ثورات صناعية وعلمية وتقنية قطفت ثمارها اليانعة البشرية جمعاء . لا زلنا في مجتمعنا العربي وبالتحديد عراقنا الجريح نعيش القرون الوسطى المظلمة فالحروب الدينية والصراعات المذهبية والنعرات القومية والنزاعات الطائفية تفتك بنا . كم نحن بأمس الحاجة إلى الروح العلمية التي غيرت وجه أوربا أن نحمل شعلتها بيد وباليد الأخرى معول لهدم الخرافات والأوهام لعله يستفيق العقل والمنطق من سباته للتخلص من ذهنية الأيمان والأنقياد والأستسلام الأعمى للعادات والتقاليد والأفكار اللاعلمية و اللاأنسانية.
إن كتاب أصنام المجتمع للكاتب العراقي عبد الجليل طاهر 1917-1971 يطرح مشكلة مزمنة عانت ولا زالت تعاني منها البشرية جمعاء بدون أستثناء في كل زمان ومكان ولا يخلو منها مجتمع ولا تستثنى منها ثقافة وهي الصراع بين العقل والمنطق والعلم وبين الأوهام والخرافات والأكاذيب داخل الفرد والمجتمع ويعالجها بطريقة موضوعية ممتعة ورائعة.
يقول الكاتب في مقدمته إن ملهمه في هذا الكتاب هو الفيلسوف الأنجليزي فرنسيس بيكون 1561-1626 في أوهامه الأربعة المعروفة والتي يسميها "أوهام الآلهة الكاذبة"أو" أوهام العقل" وهي 1- أوهام الجنس البشري 2- أوهام الكهف(الفرد) 3- أوهام السوق (التجارة)4- أوهام المسرح (النظم الفلسفية).
يتصور كثير من الناس إن زمن الأصنام ولى وإن عصر الأوثان أنتهى ،لأن الصورة المطبوعة في أذهانهم إن الأصنام هي هذه التماثيل المصنوعة بالأيادي من مادة الحجر أو الفضة أو الذهب أو الخشب وأنقرضت وأصبحت في خبر كان عندما حاربتها الأديان.لكن في الحقيقة والواقع إن الأصنام تبقى ما بقى الإنسان فكل شيء له الأولوية في حياة الشخص يتحول إلى صنم يسحقه مثل المال والسلطة والجنس ...إلخ.
والأصنام المقصودة هي شيوع بعض من الأوهام والأساطير والفكر المغلوطة التي لا تخضع للبحث العلمي والمنطق ،يتعصب لها الإنسان ويتحيز.
فالصنم من أي فئة أجتماعية كانت أو طبقة أو طائفة أو أقليم أو عنصر تجمعه علاقة دم وقرابة مع باقي الأصنام . لأن المصلحة المشتركة واحدة والدافع واحد وهو أبقاء الغشاوة على عيون الناس كي يظلوا عمياناً وبالتالي أنتزاع الولاء والطاعة منهم. هنا تتم الصفقة التاريخية بين سدنة المعابد " وعاظ السلاطين" وبين الحكام هؤلاء من على منابرهم يطلقون صرخات المديح والتزكية والتمجيد لسياستهم الرعناء الفاسدة وتلميع وتجميل صورهم القبيحة والبشعة والشنيعة وهؤلاء بدورهم يردون لهم جميلهم بما تشتهي أنفسهم و بما لذة وطاب من قصور عالية وسيارات فاخرة وأرصدة قوية.
تتغذى هذه الأصنام كي تبقى على قيد الحياة فترة أطول من خلال تعطيل ملكة التفكير لدى الناس وشل إرادتهم وذلك أرغامهم بالقيام بطقوس أجتماعية معينة إيقاد البخور وقراءة التعويذات وتقديم الأضاحي والقرابين وتشدق بالأوهام الفارغة الجوفاء.
إن واقع الناس المرير والبغيض وحالة الحرمانات التي هم فيها من فقر وعوز وفاقة مع العمى العقلي وراء لجوئهم إلى عبادة الأصنام .وأكثر الأصنام خطورة هي عبادة الزعيم حامل أقدس الألقاب وأجل الأسماء التي هي مادة دسمة لغسل أدمغتهم مثل الزعيم والمنقذ والبطل وأين الشعب البار ...إلخ.
فهتلر رفعه الشعب الألماني إلى مصاف الآلهه جاعلاً منه العبقري الوحيد الذي يستطيع أن يكشف عن سير التاريخ ، ولا زال إلى هذه الساعة يعتقد كثير من الناس أنه لم يمت.
وهكذا موسوليني بالنسبة للإيطاليين المنقذ الذي سيعيد أمجاد الأمبراطورية الرومانية القديمة والناس في ايطاليا قبل تناول لقمة الطعام يقرؤون له التحية.
ونفس الشيء حدث في العراق عندما تم أعدام الرئيس السابق صدام حسين بالنسبة إلى مريديه لم يستوعب عقلهم الواعي هذه النهاية المأساوية الغير مقبولة لبطلهم الخالد صانع العجائب والخوارق فتحركت ماكينة اللاشعور لديهم لتنقذ  الموقف بطريقة خرافية وذلك من خلال نشر إشاعة مفادها رؤية بعض الناس صورته على القمر لتكون  نهايته شبيهة بالأنبياء والرسل وعظماء التاريخ  أو أنكار موته بالمرة ويعيش في أحدى جزر خيالهم المريض.
وفي المجتمع الهندي لا يقل فداحة عن غيره من حيث ذهنيته العقيمة والقحطة فهو ينقسم إلى أربع طبقات أجتماعية أساسية تعرف بأسم ( فارنا) وهي البراهمة وكشتاريا وفايشيا والشودرا بالإضافة إلى طبقة المنبوذين الذي أسمهم يدل على مكانتهم الوضيعة والمحتقرة.
هذا النظام صارم لا يرحم ولا يسمح بالأنتقال بين الطوائف ويمنع الأختلاط والتواصل للأفراد لا أكل ولا شرب ولا زواج إلا من طائفته. فالهندي منذ ولادته محكوم عليه ومقدر له أن يقوم ببعض الواجبات التي تمليه عليه طائفته وأن لا يتعدى حدوده فأسلوب حياته مرسوم له مسبقاً.. هذه الروح الطائفية تتصف بالكراهية والتباعد والتباغض والتحاسد وتقوم على خرافات وأوهام لا أساس لها من الصحة .
لا زلت أتذكر قصة محفورة في ذاكرتي لا أدري أين قرأتها عن كم الغباء والحماقة والجهل في هذه العقلية الجدباء،في إحدى القرى ذهبت أمرأة مع طفلها من أجل جلب الماء ، وسقط الطفل في البئر  طلبت الأستغاثة لكن دون جدوى فلا أحد هناك يساعدها في أنقاذ طفلها غير منبوذ مستطرق فرفضت مساعدته التي عرضها عليها مفضلة موت فلذة كبدها من أن تجرح مشاعر صنمها .
هناك أصنام لا تقل خطورة عن غيرها مصنوعة في معامل السحرة والعرافين وبعض رجال الدين مستغلين جهل الناس وسذاجتهم لأخضاعهم وأستعبادهم وسرقة مالهم مثل أدعائهم أمتلاك قدرة سماوية في حمايتهم من الأرواح الشريرة
وطرد النجس أو جلب الخصب والمطر وقراءة الكف والفنجان وفتح رحم العاقر أو إيجاد عريس لمن تبحث عنه ...إلخ وما على الأنسان سوى الأعتقاد بها  والأستفادة منها حسب ظنه أنها من الخوارق لا يستطيع الأتيان بها إلا من كان الله أو قديس أو ولي أو جني معه، بعد ذلك يتعصب لها ويستميت في الدفاع عنها ضد أي محاولة لتبديلها.
أن غياب المعرفة العلمية يجعل الأنسان عبد لما يجهله ، وأن نظرة تقديس إلى الأشخاص والمؤسسات الدينية والسياسية تتعطل لديه ملكة النقد والتحليل والتشريح.طالما كان هناك جهل وتخلف فالتعصب والتحيز والنفاق الأجتماعي والسلوك الحربائي لا مفر منه.
إن السبيل الوحيد للقضاء على الأصنام والأوهام وتخليص الفرد والمجتمع منها هي الحرية الفكرية وقبول الرأي الأخر والمناقشة والجدل وتبادل الأراء حتى يستقيم التفكير وتتبدد الأوهام حتى لا يكون الأفراد عبد أوهام وأصنام لا تخضع للبحث العلمي والمنطق.