المحرر موضوع: أجمل هدية  (زيارة 631 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
أجمل هدية
« في: 22:49 08/05/2020 »
أجمل هدية
شمعون كوسا

لقد سبق لي وان اقتبست عددا من مواضيعي من رسائل يبعثها لي بعض الاصدقاء ، وما اكتبه اليوم سطوره العريضة مقتبسة من رسالة حوّلها لي نفس الصديق . انها قصة بسيطة جدا ، شبه ساذجة ، ولكنها بمشهد صغير فيها  تجعل الانسان متأثراً مشدوها ، جملة صغيرة فيها ترغم السامع على نسيان الكثير من العقد والمشاكل.
تبدأ القصة بمعاقبة أم لابنتها البالغة خمس سنوات فقط ، بسبب هدرها  بعض ورق التغليف ، ورق نفيس كانت تحتفظ به الام وتستخدمه بتقتير ، كونه ورقا ذهبيّ اللون.
كانت تعاني المرأة من شظف العيش ، لم تكن تجني من عملها إلا الضئيل الذي في اغلب الاحيان ، لا يوصلها الى نهاية الشهر. امتعضت الوالدة وانفجرت غضبا بوجه ابنتها التي سمحت لنفسها باستخدام هذا الورق بالذات لتغليف علبة الهدايا ، علبة وضعتها تحت شجرة عيد الميلاد .
بالرغم من غضب والدتها وكل التأنيب الذي تلقته منها ، قامت الصبية الصغيرة ، في صبيحة عيد الميلاد ، بتقديم الهدية المغلفة بالورق الذهبي لوالدتها.  كانت البنت قد اولت اهمية خاصة لتغيف هديتها.
دنت الابنة من والدتها حاملة علبة الهدية ، ومقبّلة اياها ، قالت لها : ليكن عيد الميلاد مباركا عليك ، هذه هديتي  لك يا ماما. إندهشت الام لِمبادرة ابنتها الصغيرة التي لم تكن تتوقعها، واحسّت بحرج كبير لانفعالها والتوبيخ الذي صدر منها عشية ذاك اليوم . قامت الأمّ بفتح العلبة ، ولكنها انذهلت وبقيت صامتة  ، لانها لم تجد أيّة هدية داخل العلبة ، فالعلبة  كانت فارغة خاوية.
التفتت الام الى ابنتها وقد عاد غضبها من جديد ، وتوجهت اليها  بنبرة حادة قائلة : ألا تعرفين يا صبية ، بان الهدية عندما يتمّ تقديمها في أية مناسبة ، يجب ان تحوي علبتها شيء مهما كان ؟  هل تنتقمين ، أم تسخرين منّي بهذه العلبة الفارغة ، المغلفة بالورق الذهبي؟
اجهشتِ الابنة بالبكاء وهرعت نحو والدتها واجابتها قائلة : يا امي العزيزة ، العلبة ليست فارغة أبداً ، لأني  قبل تغليفها ، قد جلست لمدة طويلة وملأتها من القبلات الحارة ، وكل مرة أجدها قد امتلأت أعود من جديد واضيف اليها قبلات جديدة  . وكنت ازيد من القبلات التي كانت تشتدّ حبا وحرارة ، إلى ان ايقنت بانه لم يبقَ فراغ فيها  ، وكنت اخشى من عدم امكانيتي إغلاقها. لم ينقطع بكاء الصبية  وهي تكرر : يا امي العزيزة ، علبتي ليست فارغة ، ولكنها مليئة باثمن ما املكه ، قبلات حبّي لك .
عند سماع هذا الكلام صُعقت الام ، ولشدة تأثرها بكلام ابنتها ، ركعت امامها وحضنتها بحرارة ، وبدموع ساخنة ، كانت تقول لها : اطلب عفوكِ يا فلذة اكبادي لإساءتي فهمك .  كانت الام لا تشبع من تقبيلها وتقول لها كل مرّة : سامحيني  يا ابنتي لما تفوّهت به من كلام نابِ وعبارات غضب تجاهك . وبقيت الام  حاضنة إبنتها لمدة طويلة وهي تبكي وتقبلها وتعيد عليها ندمها.
تقول القصة ، بانه بعد فترة قصيرة من الزمن ،  شاء القدر ان تفارق  الصبية الحياة.  كانت الام ، ومنذ ذلك التاريخ ، قد احتفظت بتلك العلبة الذهبية  بجانب سريرها  ولم تبارح مكانها الى ان توفيت ، وكأنها تحتكم على كنز ثمين جدا.
كلما كانت الام تواجه وضعا صعبا ، او تجد نفسها امام مشكلة ، او خاب ظنها وفقدت شجاعتها ، كانت تلتجئ الى العلبة فتفتحها ، وتتناول منها قبلة ، لأنها كانت تتذكر ، بل تعيش ذاك الحب الجمّ الذي كانت قد وضعته ابنتها في القبلات المخزونة ، فكانت تهدأ نفسها ، وتسلـّم امرها لله وهي محتضنة ابنتها ، فتجد حلاّ لمشكلتها او على الاقل تحصل على الطمأنينة.
أنتهت هنا القصة البسيطة التي لا تحتاج الى تعليق . قبلات ابنة صغيرة مليئة حبا وحنانا ، تحولت الى مصدر يجد حلا لكل ما عانته امها في حياتها اليومية وما اكثر هذه المعاناة .
إذا احببنا ان نعكس واقع هذه القصة  في حياتنا اليومية ، نجد بان كل واحد منا قد استلم في حياته هدية مغلفة بورق مذهب . هدية مليئة بالقبلات والحب المتجرد، قد تكون هذه الهدية آتية من الاقرباء أو حتى الاصدقاء . لأنه ليس هناك ثروة اثمن من الحب ..