ألتوراة وبرديصان والكلدان
بقلم: صبري يعقوب إيشو
لو تحدثنا عن أجدادنا الذين سموا كلداناً وهناك من يدعي بأننا من ذلك النسل نحن المقيمون في أوسلو والسويد وسدني وألقوش ومانكيش والبتاويين وديترويت ووو، فأبقى أنا في شك كبير أن يكون هناك ما يربطني بهم من رابط أو صلة. لأن كلمة الكلدان ليست سوى تسمية أطلقت على سكان بابل في فترة ما قبل المسيح. وبعد البحث والتمحيص في مختلف القواميس والمعاجم اللغوية الصادرة قديماً كقاموس حسن بر بهلول وبر علي من القرن العاشر ألميلادي وغيرهما من القواميس الصادرة في أزمنة متأخرة كقاموس مار توما عودو وأوكين منا وغيرهما آخرون كثيرون لم أدرك معنىً لكلمة كلداني ـ كلداياـ سوى ما معناه، ألعارفون بالفلك والأبراج والسحر والتنجيم، وأطلقت بجدارة على سكان بابل قديماً لشهرتهم ومعرفتهم بهذا العلم وهذا يظهر جلياً في آثارهم ونقوشهم المكتشفة في العصور الحديثة وخاصة في القرن الماضي. حتى ما جاء بالعهد القديم والتوراة يدل على هذا المعنى، حيث جاء في سفر دانيال ألأصحاح الثاني ـ ألآية 2 (فأمر الملك بأن يستدعى ألمجوس والسحرة والعرافون والكلدانيون ليخبروا ألملك بأحلامه ...)
وجاء في الآية 10 ( ..... لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوسي أو ساحر او كلداني ....) وفي ألآية 12 من سفر دانيال ومن الإصحاح أعلاه جاء (لأجل ذلك
غضب الملك واغتاظ جداً وامر بإبادة كل حكماء بابل). كما جاء في قاموس ألكتاب المقدس من تأليف هيئة من المختصين صدر في بيروت عام 1981 في الصفحة 785(لقد ملأوا كل مناصب الكهنوت في العاصمة بحيث أصبح أسم كلداني مرادفاً لكاهن). وفي نفس المصدر وفي الصفحة ذاتها جاء
كما ذكر ذلك المؤرخ هيرودوتس وكان شعب بابل في ذلك الحين يعتقد إن هؤلاء الكهان يملكون ناصية الحكمة ولهم معرفة سحرية ومقدرة فائقة على العرافة والكهانة والتنجيم ومعرفة الغيب). هل نحتاج إلى إثباتات ودلائل أكثر من هذه لنستدل على ما تعنيه كلمة كلداني التي أطلقت على رغماً عني ودون علمي وموافقتي ويريد البعض جعلها هويتي وتسميتي القومية إن شئت أو أبيت وآخر يكفرني إن تنكرت لهذه التسمية وآخريريد تجزئتي من إخواني السريان أو الآشوريين.
وربما تكون هناك حاجة كبيرة وحجج قوية أكثر لإثبات هذا الأمر وما للكلدانية من مدلول، ولا يمكن إعتباره مدلولاً لقومية بقيت محافظة على وجودها وخصائصها ومقوماتها بالمفهوم الذي يريد إثباته وفرضه البعض المحسوبين على المثقفين والواعين على الكثيرين من بسطاء الشعب.
أنا من زاخو وحسب علمي ومعرفتي الصحيحة عن زاخو وأهلها , هناك الأكراد ودوماً كانوا ألأغلبية قوماً وديانةً , وبعدهم يأتي السورايي ألمسيحيون ولم اقل ألكلدان المسيحيون لأن هذا هو ألبيت القصيد حيث عشت أكثر من عشرين عاماً من عمري في زاخو وكان في زاخو أكثر من ثلاثين قرية مسيحية عدا مسيحيي محلة النصارى وأنا منها وعباسية في نفس القصبة وللأسف هاجر ألقسم الأكبر منهم بسبب الأحداث المتوالية منذ بداية الستينات وإلى يوم سقوط نظام صدام البائد حيث إنقلبت الآية وصارت هناك هجرة معاكسة بحثاً عن الأمن والأمان وبعد أن تم إعادة بناء بعض القرى التي كان قد هجرها أهاليها, وكان معظم مسيحيو زاخو من أتباع الكنيسة الشرقية والتي كانت تدعى ألنسطورية وحتى منتصف القرن التاسع عشر وفي عام 1850 تحولوا إلى المذهب الكاثوليكي وأصبحوا أتباعاً لبطريرك ألكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التابعة لروما , والمقصود من هذا كله هو أنه منذ أن فطنت في الدنيا وإلى يومنا هذا لم أسمع أحداً من أتباع الكنيسة الكلدانية من قصبة زاخو قال بأنه كلداني عندما يسأل , ما أنت ؟ ما هويتك؟ فالجواب يأتي مباشر وبدون تردد ـ آنا سورايا إيون ـ وأكثر من ذلك يقول في رده أيضاً آنا سورايا مشيحايا إيون. مما يثبت بأن كلمة سورايا لا تعني مسيحي كما جاء في بعض المصادر بل لها مدلول آخر نأتي عليه في مقال آخر. ولكن لا أنا ولا غيري يرد على هكذا سؤال بأنه كلداني ـ كلداياـ. وكلمة كلدايا تستعمل فقط في بعض الأوقات والمناسبات، أما كتسمية عمومية فلا وجود لها على الإطلاق وكذلك فرضاً لو لم يكن أحد أجدادي غير مذهبه النسطوري إلى كاثوليكي فبربكم بما كان يسمى إنتمائي القومي كما هو حال النساطرة اليوم؟ هل سمعتم يوماً بأحد أتباع الكنيسة الشرقية يدعى كلدانياً؟ بل ألعكس صحيح حيث كل أتباع الكنيسة الكلدانية في إيران وفي روسيا وفي ألكثير من قرى شمالنا الحبيب كإينشكي وبيناثا وكوماني وكل قرى مركايي التابعة لزاخو وأخرى غيرها يعتبرون أنفسهم آتورايي. سؤال آخر أطرحه هنا: كيف يعقل أن يكون الساكن منذ غابر الأزمان في قلب آشور (موصل، تلكيف وتللسقف وكرمليش وباطنايا ومعظم قرى وقصبات سهل نينوى) غير آشوري، لكن الذي جاء من مرتفعات أرارات وهكاري ووان وكذلك المقيم في سلامس وهمدان وتبليسي وفي بعض من قرى أرمينيا وغيرها آشورياً؟
ولتحقيق اليقين كما تأكد لي بأني لست كلدانياً قومياً كما يفهمه البعض أريد أن أؤكد لغيري من الشاكين بهذا الأمر.
حيث لو قرأنا كتاب برديصان ألفيلسوف الذي عاش في ألنصف الثاني من ألقرن الثاني الميلادي أي ولد في عام 154 وتوفي في 222 للميلاد والذي يقول عنه بورفيروس وهورينيموس بأن أصله من بابل وتداروس بر قونيا يذكر بأنه من حدياب ـ أربيل ـ ويؤكد ذلك ميخائيل الكبير وقداسة البطريرك زكا عيواص في كتابه ـ سيرة مار أفرام السرياني ص 38 ـ لو قرأنا كتابه ألموسوم شرائع البلدان لبرديصان من إعدادي وترجمتي وصدر في ستوكهولم عام 1989 حيث في هذا الكتاب ترجمة حرفية ودقيقة لنسخة مما يعتقد بأنه من تأليف ألفيلسوف برديصان ونشره مع ترجمته الأنكليزية ألهولندي دريفرس عام 1966 حيث جاء فيه ص54 ما نصه ( قال برديصان : هل قرأت كتب الكلدان الذين في بابل التي كتب فيها ما تفعله الكواكب باقترانها مع أبراج الناس وكتب المصريين التي كتبت فيها كل الأمور التي تحدث للناس ؟
قال عويدا: قرأت كتب الكلدانية، إلا أني لا اعرف أي منها للبابليين وأي للمصريين؟
قال برديصان: إنه نفس العلم للبلدين.
قال عويدا: هذا أمر معروف).
(أكتبه بالكرشوني ـ بحروف عربية ـ لتسهل قراءته)
(برديصان إمّر. قرين لاخ كْثاوي دكلدايي دَبّاول، هنّون دَبهون كْثيو مانا سَعرين كَوكوي بموزاغيهون بْبيث يلدا دَبنَيناشا: وَكثاوي دأغبطايي دَبهون كثيوين زْنايي كولهون دكدشين لَبنَي ناشا.
عوّيدا إمّر. قْرين لي كْثاوي دكَلدايوثا. إلاّ لا ياذَعنا أيلين إنّون دَبّاولايي , وأيلين دأغبطايي.
برديصان إمّر. هويو يولبانا دّثريهون أثراواثا.
عوّيدا إمّر. إيذيعا صْووثا دْهاخَنّا هي.)
وهنا أكتب هذا الأمر بنصه الأصلي باللغة السريانية.
( ܒܪܕܝܨܢ ܐܡܪ . ܩܪ̈ܝܢ ܠܟܼ ܟܬܒܼ̈ܐ ܕܟ̈ܠܕܝܐ ܕܒܒܠ ؛ ܗܢܘܢ ܕܒܗܘܢ ܟܬܝܒ ܡܢܐ ܣܥܪ̈ܝܢ ܟܘ̈ܟܒܐ ܒܡ̈ܘܙܓܝܗܘܢ ܒܒܝܬ ܝ̈ܠܕܐ ܕܒ̈ܢܝܢܫܐ : ܘܟ̱ܬܒܐ ܕܐܓ̈ܒܜܝܐ ܕܒܗܘܢ ܟܬܝܒܝܢ ܙܢܝ̈ܐ ܟܠܗܘܢ ܕܓܕܫܝܢ ܠܒ̈ܢܝ ܐܢܫܐ .
ܥܘܝܕܐ ܐܡܿܪ . ܩܪ̈ܝܢ ܠܝ ܟ̈ܬܒܐ ܕܟܠܕܝܘܬܐ . ܐܠܐ ܠܐ ܝܕܥ ܐܢܐ ܐܝܠܝܢ ܐܢܘܢ ܕܒ̈ܒܠܝܐ : ܘܐܝܠܝܢ ܕܐܓ̈ܒܜܝܐ .
ܒܪ ܕܝܨܢ ܐܡܿܪ . ܗܘܝܘ ܝܘܠܦܢܐ ܕܬܪ̈ܝܗܘܢ ܐܬܪ̈ܘܬܐ .
ܥܘܝܕܐ ܐܡܿܪ . ܝܕܝܥܐ ܨܒܘܬܐ ܕܗܟܢܐ ܗܝ . )
إن ما إستنتجته مما ورد بأن هناك كتب للعلوم الكلدانية والتي قد تكون بابلية، مصرية أو غيرها كأمريكية او سويدية، وفي أعمق من ذلك يذكر عويدا بأنه قرأ كتب الكلدانية كعلم أو حرفة ولم يقل كتب الكلدانيين كشعب كما يريده البعض أن يكون.
يشرفني أن أكون عضواً وشماساً أي خادماً، نشطاً ومتمكناً في الكنيسة الكلدانية المقدسة ولكن هذا لا يعني بأني تنكرت لمبادئ وتعاليم كنيستي لو أحسست بأني آثوري أو سرياني أو سورايا ألقومية كما يريد ويدعي به البعض ممن يدعون بمعرفة الحقائق ولكنها أفكار لا تجدي نفعاً بل تضر شعبنا وكنيستنا ومستقبل أجيالنا.
سألوا اتباع الكنيسة الكلدانية في إيران والقرى الجبلية وكلدان تركيا وروسيا وغيرهم وحتى أكثرية النخبة الواعية من أبناء الكنيسة الكلدانية في العراق ومنهم من تبوأ مناصب كبيرة في أحزابنا القومية الآشورية أمثال أفرام ريس الذي كان سكرتير الأتحاد الآشوري العالمي لعدة سنوات ويونان هوزايا في قيادة الحركة الديموقراطية الآثورية ولا يفوتني أن أذكر ألمؤرخ الكبير الدكتور المرحوم هومز أبونا ويوسف مالك وأهم قائد في تأريخ الأمة الآشورية في العصر الحديث ألا وهو المناضل الكبير آغا بطرس الذي كان من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية رحمهم الله, أما من يدعون للكلدانية في الدياسبورا لقد تغيرت هويتهم إلى الأمريكية والسويدية والألمانية والفرنسية وغيرها من الجنسيات . وأقولها بكل حزن وألم هناك عشرات الآلاف فلا هوية لهم ولا هم يحزنون والبرهان على ما ذكرت هو ألأنتخابات التي جرت في العراق بكل حرية بعد سقوط النظام فكم كان عدد أصوات الكلدان هذه الأمة التي يراد أن تخلق في القرن الحادي والعشرين ميلادي.
في الآونة الأخيرة ظهرت أصوات وآراء لمحو تراثنا وذبح لغتنا السورث أو السريانية الجميلة بسبب جهلهم لها حيث لم يعد لها أن تدرس في الكنائس والمعاهد الكهنوتية كما كانت ليس منذ زمن بعيد. أين هو مار توما أودو؟ أين هو مار أوجين منا, مار بولس شيخو, لخوري يوسف عبيا الخوري بولس بيداري والشماس يوسف ميري والكثيرين غيرهم ؟جميع الكهنة والشمامسة في الأربعينات والخمسينات ولحد السبعينيات من القرن الماضي كانوا يتقنون اللغة السريانية ونادرا ما كانوا يستعملون غير السورث .حسب تحليلي الجهل باللغة وعدم استعمالها هو لعدم توفر معلمين لها وسهولة تعلم اللغات الأخرى على حساب اللغة السريانية وعلى وجه الخصوص اللغة العربية وكذلك لا أنفي ما للظروف والأوضاع السياسية والاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة السائدة في مجتمعنا المسيحي من أسباب عزوف الشبيبة عن ثقافتهم وتراثهم وحتى الكنيسة ,لذا أهيب بأكليروسنا تعلم وتعليم السورث بأقصى الجهد والأمكانيات,وحث هذا الجيل الذي ما زال محافظا جزئيا عل السورث باستعمالها بقدر الأمكان وخاصة مع الأجيال التالية لهم .استعمال السورث بالصلوة في الكنائس بدلا من تعليم واستعمال الصلاة والتراتيل بالعربية حيث لنا تراثا زاخرا بالمزامير والتراتيل والأناشيد لكل المناسبات والأيام للحفاظ عليها وعلى اللغة من خلالها.
أنا شخصيا أفتقد الكثير من العونياثا والسوغياثا وقالي وقيناثا للكنيسة الكلدانية والتي كانت تتلى في جميع كنائسنا وحتى مجيء البطريرك الحالي مار لويس ساكو وحتى قبل تسنمه كرسي البطريركية حيث غير في الطقس الكنسي واختصر القداس الألهي الذي استمر لمئات السنين أي من عهد مار أدي ومار ماري وتم ترجمة الكثير من محتوياته إلى اللغة العربية فقط وليس غيرها على أساس انه التطوير للتخلص من الرتابة. من طرف آخر كانت تدرس الألحان والنغمات والمقامات بكل أشكالها في المعاهد الإكليريكية وكانت أصوات الشمامسة تصدح بها وتمجد اسم الرب أما الآن فلا معرفة للإكليروس بها ولا مجال للأبداع والتمجيد باسم الرب وهذا أمر مثبت في كتاب الحوذرا وقذام دواثر وغيرها من الكتب الكنسية.
أما عن القومية ومقوماتها أؤيد ما ورد من آراء وأفكار عن قوة عنصر اللغة في الحفاظ على الانتماء القومي وللكنيسة دوراً فاعلاً في هذا الأمر عليها أن تقوم به وخاصة في دول المهجر