المحرر موضوع: السياسة بين مفهوم الفضيلة والرذيلة ... العراق انموذجاً  (زيارة 877 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
السياسة بين مفهوم الفضيلة والرذيلة ... العراق انموذجاً
خوشابا سولاقا
كما هو معروف أن السياسة كمهنة ووسيلة وفكر قد رافقت حياة الانسان منذ الأزل ، وكانت دائماً وسيلة للبحث عن المصالح المختلفة التي تخص متطلبات حياته وكيفية حمايتها والدفاع عنها بشتى الوسائل المتيسرة في نضاله مع الآخرين أو مع عوامل الطبيعة من أجل تسخيرها لصالحه لتطوير حياته ، لذلك تنوعت طبيعة السياسة ووسائل تحقيقها بتنوع طبيعة المصالح بين أن تكون السياسة بنتائجها فضيلة وبين أن تكون رذيلة ، علية ظهرت أجتهادات وتفسيرات كثيرة لتبرير نتائجها وانعكاساتها على الحياة ، فهناك من برر طبيعة الوسيلة المعتمدة مهما تكون طبيعة تلك الوسيلة قذرة وغير نبيلة وأخلاقية لتحقيق غاية نبيلة بأنها وسيلة شريفة وأخلاقية مثل مبدأ الميكيافيللي " الغاية تبرر الوسيلة " ، وهناك من وقف بالضد من هذا المبدأ ، حيث أعتبروا أن الغاية النبيلة بالضرورة يجب أن يتم تحقيقها بأعتماد وسيلة شريفة نبيلة وأخلاقية كما تدعي تيارات ذات الأفكار اليسارية الديمقراطية واللبيرالية الحديثة  . نحن شخصياً نتفق مع الأفكار التي تدعي بأن الغاية النبيلة يجب أن تتحقق بأستعمال وسيلة نبيلة وأخلاقية في ممارسة السياسة لكي تكون معطياتها وانعكاساتها بنتائجها النهائية على المجتمع تحمل له الخير والأمن والأمان والأطمئنان والتعايش السلمي وترسخ تربية وثقافة الفضيلة بين أجياله الناشئة ، وإلا ستفقد الانسانية مضمونها ومعناها ، وبالتالي تكون خير وسيلة للقضاء على كل أشكال الجريمة والفساد والتجاوز على المال العام والممتلكات العامة للمجتمع ووضع حد لاستغلال الموقع الوظيفي للانتفاع الشخصي للمسؤول السياسي في مؤسسات الدولة وخيانته للأمانة الوظيفية وحرمة وقدسية المسؤولية . أما باستعمال كل الوسائل الممكنة لتحقيق الغاية المرجوة حتى وإن كانت تلك الغاية نبيلة فإن ذلك يؤدي حتماً الى تكريس تربية وثقافة الرذيلة بكل أشكالها ومن ثم تصبح سياقاً لتبرير الجريمة بكل أنماطها وشيوع الفساد المالي والأداري والاجتماعي في مؤسسات الدولة والمجتمع ، وهذا يؤدي بالنتيجة الى انهيار القيّم والمبادئ السامية والنبيلة والمنظومة الأخلاقية للمجتمع ... إن مهنة السياسة بحد ذاتها كمفهوم وآلية هي مهنة سامية ونبيلة وأخلاقية ولكن ما يجعلها غير ذلك هم السياسيون عندما يجردونها من المبادئ السامية والأخلاق ، فعندها تكون السياسة وسيلة قذرة لا اخلاقية لتحقيق مصالح ومنافع شخصية ، أي بمعنى أن مَن يصنع السياسة القذرة كوسيلة هم السياسيون الأنتهازيون المارقون من الذين يخونوا الأمانة المبدئية في العمل السياسي من اجل المصالح والمنافع الشخصية الأنانية على حساب المصالح الوطنية والقومية .
السياسيون المارقون هم من يضفون على مهنة السياسة  صبغة معينة بين أن تكون فضيلة وبين أن تكون رذيلة بكل أبعادها الفكرية والعملية ، حتى الحروب كوسيلة سياسية تكون أحياناً ذات بعداً أخلاقياً سامياً يحمل طابع الفضيلة عندما تكون حروباً لصد العدوان والدفاع عن النفس والوطن وقد أجمع تاريخياً على تسميتها  بالحروب الوطنية المقدسة وأحياناً أخرى تكون ذات بعداً عدوانياً  يحمل طابع الرذيلة عندما تكون حروب الأعتداء على الآخرين ومصادرة إرادتهم لأغراض التوسع والهيمنة ونهب الثروات وغيرها من الأسباب ، فمثل هذه الحروب أجمع تاريخياً على تسميتها بالحروب العدوانية القذرة .
وعلى  ضوء ما تقدم من شرح وتوضيح لعلاقة السياسة بمفهوم الفضيلة والرذيلة في متن مقالنا هذا نقول ... إن السياسي سوف يسقط في براثن الرذيلة عندما يمارس " سياسة بلا مبادئ أخلاقية " ، وعندما يسعى من وراء ممارسة السياسة الى جني " الثروة بلا عمل شريف وأخلاقي " ، وعندما يبتغي من ممارسة السياسة الى " المتعة بلا ضمير " ، وعندما يمارس السياسة " باستعمال المعرفة بلا قِيّم " ، وعندما يستغل السياسة في ممارسة " مهنة التجارة بلا أخلاق " ، وعندما يستغل في ممارسة السياسة " استعمال العلم بلا إنسانية " ، وعندما يمارس السياسة من أجل البحث عن " المجد بلا تضحيات " ..... ما أكثرهم هؤلاء من أشباه القِردة في هذه الأيام من هذا الزمن الأغبر !!! .
من هنا نشخص بأن للسياسة بنتائجها النهائية المتحققة على أرض الواقع كوسيلة للتغيير الاجتماعي وجهان بإفرازاتها ، وجه يفرز الفضائل وآخر يفرز الرذائل ، وهنا على السياسي أن يختار الأفضل وأن يرتب أولويات سياساته ومناهجه وبرامجه في العمل السياسي على ضوء ذلك بين أن تكون سياساته نبيلة وشريفة وأخلاقية وبين أن تكون على العكس من ذلك ، وتبقى  الانجازات المتحققة على أرض الواقع هي المعيار للتقييم وتحديد طبيعة السياسة بين أن تكون فضيلة وبين أن تكون رذيلة ، وهنا تشكل الخيانة بكل أشكالها وأنماطها في العمل السياسي أشد أنواع الرذيلة قذارة ، ويأتي من بعدها في مستوى القذارة اعتماد أسلوب النفاق والرياء والتملق والمداهنة والتضليل وعدم الشفافية والمصارحة مع الآخرين . وفقاً لذلك نقيم الحالة العراقية بوضع العراق بعد عام 2003 م كانموذج للدراسة .
عندما نتمعن وبتجرد من كل الأعتبارات الأثنية والدينية والمذهبية والسياسية في الوضع العراقي منذ عام 2003 م مستندين على معطيات واقع الحال سوف تذهلنا النتائج وتقودنا كل مؤشرات التقييم الموضوعي بأن السياسات التي أعتمدت واتبعت ومورست من قبل النخب السياسية الحاكمة المتنفذة والمتعاونين معها لأسباب منفعية في العراق خلال فترة ما بعد السقوط كانت سياسات خرقاء وحمقاء وغير أخلاقية بتاتاً لأنها اعتمدت وسائل غير أخلاقية وغير وطنية بامتياز أدت الى اشاعة الفساد بكل أشكاله في أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والعسكرى وبأقصى درجاته وأشاعة المحسوبية والمنسوبية على حساب الكفاءة المهنية والخبرة والنزاهة والتخصص المهني والمعرفة العلمية والولاء للوطن والأخلاص ، وانتشرت الجريمة بكل أنواعها في الدولة والمجتمع على حدٍ سواء فكانت أسوأ نتائج السياسات اللاوطنية المعتمدة هي ضياع الهوية الوطنية للعراق وشيوع الهويات الخصوصية ، وغياب سلطة القانون وانهيار وسقوط هيبة الدولة وغياب التخطيط المركزي الممنهج لأستثمار واردات الدولة بإقتصادها الريعي المعتد على النفط وحده وتغييب المصادر الأخرى للثروة لصالح الفاسدين وهيمنة سلطة وقانون دويلات الميليشيات المنفلتة وشيوع الرذيلة بكل أشكالها بين نخب أفراد الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة بشكل مقرف ومخجل ومخزي وبشكل علني مما قادت العراق الى الأنهيار الأمني والأقتصادي والمالي والعسكري ووصوله الى حافة الهاوية السحيقة .
لا نجد إطلاقاً بين نخب الطبقة السياسية المتنفذة والمتعاونين معها من الذين تولوا حكم العراق بعد عام 2003 م من كان له سياسة تقديم وتفضيل المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية والفئوية والفرعية والحزبية بل كانوا على العكس من ذلك حيث إستثمروا الدين والمذهب وجرائم النظام السابق بحق الأقارب وأتباع المذهب والقومية لتحقيق الأنتفاع والأثراء الشخصي والعائلي من خلال تشريع قوانين خاصة بهذا الأستثمار على حساب مصلحة الشعب والوطن وإفقارهما وخير دليل على ذلك قانون الرفحاء والسجناء السياسيين وإزدواج الرواتب وتزوير أعداد المشمولين بهذه القوانين الى أرقام فلكية لصالح الأقرباء والأتباع كما تشير الى ذلك ما ينشر من أرقام خلال هذه الأيام ، وتشريع قوانين خاصة تخصيص الرواتب الفلكية الأزلية والأمتيازات الخيالية للقيادات ممن هم خارج مؤسسات الدولة وأصحاب الدرجات الخاصة للطبقة الحاكمة في السلطات الثلاثة وحماياتها ، لذا سارت الأمور في العراق من سيء الى أسوأ يوماً بعد آخر الى أن وصلت الدولة الى مرحلة الأفلاس والعجز عن تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين ، وعليه ووفق معيار الوطنية الحقة فإن تصنيف هذه السياسات التي أوصلت العراق الى هذا الدرك من الأنحطاط والتخلف والتراجع مهدد بالأنهيار المالي والأفلاس تدخل ضمن تصنيف سياسات الرذيلة والخيانة الوطنية التي مارستها النخب السياسية الحاكمة منذ سنة 2003 م وليس لها تصنيف آخر يليق بها ويعبر عنها أكثر من هذا الوصف .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 5 / تموز / 2020 م

 



غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3069
    • مشاهدة الملف الشخصي
ميوقرا رابي خوشابا سولاقا
تحية
مقال مقتضب تعريقي عن الفضيلة، والعراق هو الاسوا اطلاقا بين الدول الفاسدة يحتل المرتبة الاولى ويجب ان يمنح الاول في ممارسة الرذيلة السياسية في  زمن حكم الشيعة وهو النموذج الافسد والاول في التاريخ فبئس زمنهم ويومهم وقاداتهم وحكمهم
يستحقون لقب الفاسدين بجدارة عالية.
تحيتي   

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الأستاذ وليد حنا بيداويد المحترم
تقبلوا محبتنا مع خالص تحياتنا
أسعدنا مروركم الكريم بمقالنا بهذه المداخلة الكريمة ونتفق معكم في التقييم وهذا ما استنتجناه في نهاية المقال وأنه لأمر مؤلم ومؤسف حقاً أن يكون بلدنا صاحب أقدم وأعرق حضارة بهذا المستوى من الرذيلة في خيانة أمانة الوظيفة .... ودمتم والعائلة الكريمة بخير وسلامة .

                                  محبكم أخوكم وصديقكم : خوشــــابا ســــولاقا - بغـــــداد