المحرر موضوع: بعـض الحـقـيقة للسيد داود برنو  (زيارة 2237 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Michael Cipi

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 5257
    • مشاهدة الملف الشخصي
بعـض الحـقـيقة للسيد داود برنو

بقـلم : مايكل سـيـﭘـي / سـدني

قـرأتُ مقالاً للسيد داود برنو بعـنوان (  قـراءة في أوراق توما توماس – الجـزء الثالث ) ، تطرق فـيه إلى ظروف ألقـوش بعـد 8 شباط 1963 وحـملة الإعـتقالات التي جـرتْ في مدرسة ثانوية ألقـوش للبنين . وفي نهاية مقاله ذكـر النص التالي : (( أتمنى أن يرد عـلي من الذين رافـقـوا المرحـوم فـؤاد بتلك المهـمة أو من الذين لهـم إطلاع دقـيق عـلى هـذه القـضية )) . ويسرّني أن أكـتب إنطباعاتي حـول ما ورد في المقال بصورة عامة رغـم عـمري المراهـق في تلك الأيام وإبتعادي مع أسرتي وإلى اليوم عـن أضواء السياسة وأنواطها .

أولاً : في أحـد أيام تلك الحـملة ، كـنت آنذاك في الصف الثالث المتوسّـط نرتقي إلى غـرفـته بـبضعة درجات من الجـهة الشرقـية من الفِـناء ( يساراً عـند دخـولنا المدرسة ) ، أما الصف الرابع الثانوي فـكان في غـرفة مقابلة للباب الرئيسي لبناية شيشا . وأتذكـر مشهـداً رأيناه من نافـذة صفــّـنا ، فـقـد دخـل أربعة رجال مسلحـين بزَيّهـم الزيتوني ساحة المدرسة وولجـوا في غـرفة الإدارة ، وكان الأستاذ وعـدالله / الموصل ، مدرس اللغة العـربية هـو المُحاضر في تلك الحـصّة في الصف الرابع الثانوي . ولا يخـفى عـلى أحـد أن أولئك الرجال المسلحـين قـدموا لإلقاء القـبض عـلى بعـض الطلاب المتهـمين بالإنـتماء إلى الأحـزاب المناوئة للحـكـومة . وعـند تلك اللحـظات إنطلق الطالب ( مَـﭽـّو - منصور ميخا خـُبـير ) من باب الصف الرابع المشار إليه بجاكيت خـضراء اللون ومتجـهاً نحـو الباب الرئيسي بخـطوَتين أو ثلاث خـطوات هادئة وبسيطة سرعان ما تحـوّلتْ إلى حـركة هـرْولة سريعة جـداً يصعـب تخـمين تعـجـيلها وخـرج من بناية المدرسة متـّجـهاً ومُلـْـتـفـّاً نحـو يمينها سالكاً الطريق المدرّج المؤدّي إلى بيت هاويل ، ومن هـناك بلا شك إنطلق إلى حـيث لا تـتجـرّأ تلك المجـموعة المسلـّحة من متابعـته واللحاق به . ترى ما الذي حـصل ؟ إن الطالب منصور خاف ! خاف من إحـتمال أن يكـون إسمه ضمن المطلوبـين ، فإستأذن من أستاذه - وعـدالله -  بحـجة الذهاب إلى المرافـق الصحـية الموجـودة خارج البناية . أما الجـماعة المسلـّحة فـقـد لاحـظوا من نوافـد غـرفة الإدارة حركة غـير طبـيعـية لطالب مُسرع بإتجاه الباب الخارجي فـخـرجـوا وراءه بسرعة مُذهـلة ولم يروا أحـداً فالساحة الخارجـية كانت خالية من الطلاب وتوقـعـوا أنه إخـتبأ في المرافـق الصحـية ، ولما فـتـّشوها رأوا هـناك طالباً يزيدياً تأخـر في قـضاء حاجـته فأخـرجـوه عـنوة قـبل أن يشد حـزام سرواله وساقـوه إلى داخل غـرفة الإدارة وهـو مُصْـفـرّ الوجه وحـقـقـوا معه ولم يصدّقـوا قـوله ، ثم إستـفـسر المدير ( منصور أودا )  فـعـلِـمَ أن طالباً هـرب من الصف الرابع الثانوي ، وعـندها سُـئل الأستاذ وعـدالله ، أكـّد ذلك قائلاً : أن الطالب طـلب مني أن أسمح له بالذهاب إلى المرافـق الصحـية لقـضاء حاجـته فـسمحـتُ له بالخـروج . وعـندها تـُرك الطالب اليزيدي حـراً.
 
ثانياً : أما بِشأن ورود إسم إبن أخـيه ( نوئيل صادق برنو) فـقـد لا يكـون دقـيقاً كـثيراً ، لماذا ؟ بحـسب رأيي أن شـباب عائلة برنو لم يكـونوا من المشتبه بهـم كـثيراً في تلك الأيام ، ولم نسمع نشاطاً للطالب نوئيل مثلما كـنا نسمع عـن الآخـرين الذين ورد ذكرهـم في المقال ، كما أن محـلة قاشا كانت في مأمن ( بعـض الشيء) من الإتهام . إن الطالب نوئيل لم يكـن زميلي في تلك السنة ولكـنه صار صـديقي ( أعـتقـد منذ الصف الرابع ) ومتأكـّد في الصف الخامس الثانوي ،  وبعـد ذلك صار نوئيل رئيس أخـويّـتـنا المريمية - الجـيش المريمي - في ألقـوش .

ثالثاً : في صباح يوم إعـتقال ﭘـَطرُس سْـخـَرْيا ونحـن في المدرسة شاهـدتُ صباح ياقـو توماس عـلى سطحها يصيح مشجّـعاً الطلاب عـلى ترك الدوام والنزول إلى الطرقات لمنع السلطة من أخـذ المقـبوض عـليه إلى الموصل . وكان كـذلك ، فـقـد خـرج الطلاب من المدرسة وإتجـهـوا إلى القـنطرة المجاورة لبيت ( وارينو زورا عـلى الله - عـيسى شعـيا بابي ) وأنا معهم عـلماً أنـني ليس لي فـيها ناقة ولا جـمل ولكـن حـشرٌ مع الناس عـيد وهـكـذا يكـون تفـكـير المراهـقـين . بدأ الطلاب الذين يهـمّهـم الأمر بدحـرجة الصخـور الكـبيرة من بيادر ومنحـدرات بـين ( خِـﭘـَرْتا وبيت عـزّوتي ) لنصبها في وسط الطريق وعـلامات الغـضب والإنفـعال بتوتـّر مرتسمة عـلى وجـوهـهم توحي لناظرهـم بأنهم سيقاومون فـيلقاً برمّـته . وأتذكـّر مشهـداً مقـزّزاً ومؤلماً بنفـس الوقـت من سلوك شاب ( طائش بكـل معـنى الكـلمة ) في منـتصف العـشرينات من عـمره أو أكـثر غادر إلى الديار الأبدية . دحـرج هـذا الشاب صخـراً كـبيراً ليُـثـبّـته في وسط الشارع فـجاء إليه المخـتار ( سادونا ) وهـو بعُـمر أبي الشاب المذكـور وكـلـّمَه بــِلـُـغة الواعـظ المرشـد والحـريص عـلى بلدته قائلاً له : ( يالي ، د خـَرْووتولا ماثا - أبنائي ، ستخـرّبون القـرية ) ، فـردّ عـليه الشاب بلـُغة المتسكـّع المتعـجـرف عـديم التربـية والأخـلاق وقال : إذهـب من هـنا قـبل أن أفـعـل ( كـذا وكـذا من ....زوجـتك ) ! فـماذا كان جـواب الرجـل الوقـور سادونا ؟ أحـنى رأسَه ساكـتاً ودار 180 درجة ورجـع إلى داره وأنا عـلى بُعـد مترَين من المشهـد . وفي تلك الأثـناء لاحـظتُ المرحـوم فـؤاد مقـبلاً من شارع غـرب القـنطرة ، جـهة بيادر المحـلة التحـتانية وبيده رشاشة قـصيرة ( أعـتقـد كانت تسمّى غـدّارة مصرية الصنع ) برفـقة بضعة شـبّان ووالدته خـلفه ولما إقـتربوا من المتجـمّعـين حـول الصخـور إرتفـعـتْ صيحات الوالدة وهي تقـول : ( كـيليه جـونقـد ألقـوش ، كـيليه ﮔـورِ ، ديخ ﭘـَطرُس هاو إرْيا ومَـنخـْـثـيلِ لموصل ! - أين شباب ألقـوش ،  أين الرجال ، كـيفَ  ﭘـَطرُس يكون مقـبوضاً ويُسَـفـّر إلى الموصل ! ) . هـذا ما أتذكـّره عـن ذلك اليوم ولا أعـرف أكـثر مما كـتـَـبْـتـُه سوى أن أعـمال أولئك الشباب لم تـُـثمِـرْ ، إنْ لم نقـل كانت لها تداعـياتها السلبـية عـلى ألقـوش لاحـقاً .

رابعاً : فـؤاد أكـبر مني وأنا أعـرفه جـيّداً بحكم الصداقة العائلية في كـركـوك ، وهـناك كم مِن مرة ذهـبْتُ عـنده بتوصية من والدي كي أمارس الرياضة ( السويدية ) أمامه ، وكان يـبدو وسيماً بملابسه العـسكـرية . أما ما هـو مصير فـؤاد ؟ كـيف قــُتِـل ؟ أين جُـثــّـتـَه ؟ ما الذي حـدّثـنا به رفاقــُه مِن قـصص ؟ إنها أسئلة كـثيرة طــُرحَـتْ ، أجـوبة عـديدة رُوّجَـتْ ، حـكايات متـنوّعة نـُشِـرَتْ ، ووجـوه رفاقه الذين خـذلوه ومن خـجـلهـم إصْـفــَرّتْ ، ورؤوسـهـم إنكـبّتْ ، ولكـن الحـقـيقة هـل قـيلتْ ...............؟ كـلاّ وإلى اليوم ! لأنها نقـطة سوداء في سجـلّ الرفاق والرفاقـيّة ،  إلاّ أنّ الصدفة لعـبَتْ دورها فـجـعـلتـْـني أفـكّ رموز مقـتله وأسـرارها . 
دُعـيَتْ مواليدي إلى الخـدمة العـسكـرية / إحـتياط  فإلتحـقـتُ في 24/8/1982 في معـسكـر التاجي ومن هـناك نـُقِـلتُ بتاريخ 6/11/1982 إلى جـبهات القـتال / قاطع الشرهاني / حـوالي 45 كـلم عـن الشارع الرئيسي بغـداد - عـمارة ، الفـصيل الكـيمياوي / سريّة مقـر لواء 24 البطل ، وإنْ لم تخـنـّي ذاكـرتي فإن الآمر كان العـقـيد الركـن عـبد الرزاق ( أو ما يشبه ذلك ) وكـنا نـتـنقـّل بـين القـواطع حـسب الحاجة ، ولما تسرّحـتُ كانت المعـركة مشتـدّة في قاطع سيف سـعـد بتاريخ 5/11/1984 . ومنذ الأيام الأولى في الجـبهة تعـرّفـتُ عـلى جـنود من الأفـواج التابعة للوائـنا ، ولما عـلموا بأنـني ألقـوشي سألوني عـن الملازم الأول ( داود ) ألقـوشي بعـد أن كان منقـولاً من الفـرقة العاشرة ، فـقـلتُ لهـم : أعـرفه وهـو من بلدتي ، فـمدحـوا به أمامي عـلى الأقـل . وفي إحـدى إجازاتي الخاصة خـرجـتُ من المعـسكـر ووقـفـتُ عـند الشارع الترابي منـتظراً أية عـجـلة عـسكـرية مارّة بالإتجاه الذي يُـفـيدني كي تأخـذني مسافة لأستقـلّ غـيرها وهـكـذا حـتى أصل إلى الشارع العام المبلـّط . مرّتْ عـجـلة ( إيفا ) ، أشـّرتُ إلى سائقـها فـوقـف وأخـذني معه ، ولما عـلم أن إتجاهي هـو إلى نقـطة السيطرة / عـمارة ، قال إطمئن فـطريقي إلى هـناك ، وهـذا يعـني أن مدّة لا تقـل عـن الساعة سأكـون بصـحـبته . سألني في الطريق قائلاً : إلى أين ذاهـب ، ومن أين أنت ومن أية بلدة ؟ قـلتُ : أنا ذاهـب إلى بغـداد ومرجـعي الشمال ومن ألقـوش . قال : أنا مِن بخـديدا ، ( كـيذتْ سورث ؟ أتعـرف اللغة الكـلدانية ؟ ) قـلتُ : نعـم ! وعـندها تحـوّل الحـديث إلى اللغة الكـلدانية أنا بلهـجـتي الألقـوشية وهـو بلهـجة بخـديدا . ولما رأيتـُه من مواليد متقـدّمة بعـض الشيء خـمّـنـتـُه عـسكـرياً إحـتياطياً  فـسألتــُه : متى دُعـيتَ إلى الخـدمة العـسكـرية ؟ قال : أنا متطوّع في الجـيش ومخـتص في الآليّـات ( الميكانيك ) . وسألني عـن عـملي خارج الجـيش فأجـبْـتــُه ثم سألني : مَن تعـرف من الألقـوشيّـين ؟ قـلتُ : أنا ألقـوشي أعـرف الكـثيرين منهـم . ولكن أنت مَن تعـرف منهـم ؟ فـقال : هـل تعـرف ألقـوشياً إسمه ( فـؤاد ) ؟ فأجـبتـُه بقـَولي : أعـرف واحـداً أصغـر مني عـمراً وليس صديقي ولا يوجـد بـينـنا أي تعارف . فـقال : هـل تعـرف فـؤاداً آخـراً شيوعـياً أكـبر منك ؟ قـلتُ له : نعـم ولكـنه متوفي ، فـقال : كيف توفى ؟ قـلتُ له : في الحـقـيقة قــُتل بطريقة غامضة أخـْـفِـيَـتْ عـنـّا حـتى اليوم . قال : أنا أعـرف وسأحـكي لك القـصة .... كـنتُ في أحـد المعـسكرات في أوائل الستينات في الشمال ، وذات ليلة صار عـلينا هـجـوم مِن قِـبَـل مجـموعة مِن المتمرّدين الـﭘـيشمرﮔـة وأخـذنا نـتبادل إطلاق النار معهـم فأصبـْـنا أحـدهـم ولم يتجـرّأ الآخـرون عـلى الإقـتراب منه رغـم صياحه فـتركـوه وإنهـزموا ، وعـند الفـجـر إستطلعـنا المكان فـرأينا قـتيلاً ، وعـندما فـتـّشناه عـثرنا عـلى هـويته بإسمه وبلدته فـعـرفـنا أنه فـؤاد شـمعـون ألقـوشي ، فـحُـمّل عـلى عـجـلة ودفـن في مكان ما . هـذه هي القـصة الغامضة لإستشهاد فـؤاد والتي عـرفـتــُها عـن طريق الصدفة ، وإلى السيد داود أحـلى سـلام . 

ملاحـظة : إن كان لأحـد معـلومة أكـثر دقـة مما ذكرتــُها عـن إستشهاد فـؤاد ، فـيذكـرها لنا و يُـبـيّـن أين إخـتفـتْ جـثــّـته ، و نحـن له شاكـرون .