عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - ميخائيل مـمـو

صفحات: [1]
1
نظرة تعريفية بتحفة الكاتب شموئيل جبرائيل دنخا
عن تاريخ الأدب الآشوري الحديث
ميخائيل ممو
بترادف نمو مضاعفات حياة الإنسان في مراحله العمرية تصارعه الخبرات الحياتية لتنمو فيه الذاكرة كنمو حصيل النبتة المثمرة بعطائها، وهذا ما وجدته متفاعلاً في هيبة عالم الادب الآشوري المتمثل بإبداعات زميلنا الاديب الخور سقوف شموئيل جبرائيل دنخا من خلال نتاجاته المتعددة والمعطاءة باللغة الآشورية، وعلى قمتها الجبل الفكري الشامخ بجذوره الرصينة الموسوم " موجز الادب الاشوري الحديث". بحجمه الكبير بـ 502 صفحة يجسد من خلالها جهابذة الفكر الادبي لمؤلفينا بأحجامهم المختلفة ومستوياتهم المتفاوتة نثراً ونظماً وعلى وفق خاص ومتميز حقول القصة والمسرح والمقالة والشعر منذ عام 1840 ولحد عام 2020.
لماذا عرض تعريف الكتاب بالعربية؟!
لماذا الكتابة بالعربية بإسلوب نقدي والكتاب الصادر عن دار (لولو . كوم) باللغة الآشورية المعاصرة وبالأحرى الحديثة. البساطة في الرد المقنع تمثل غاية الحكمة والقناعة في فهم واستدراك ما نرمي اليه. ولهذا قد يظن البعض بمأخذ سلبي من حيث تناولي كنقد المجاملة. ولا حتماً أي نقدٍ لغوي لأديب متبحر في اللغة وقواعدها ومؤلف لأسسها من حيث النحو والصرف كباكورة عمله الأدبي في بغداد منذ منتصف السبعينات بإصداره عام 1975 " المرشد في الإملاء الصحيح" عن اتحاد الأدباء والكتاب الناطقين بالسريانية.
وأن الغاية المثلى هنا هو ان استدرج صفحاته للكشف ما بين السطور بحالة أكثر من النص ليعطي شرعية القبول من جوانبه الشبة متكاملة. وإن سألتني لماذا بالشبه متكاملة؟ يأتيك الجواب مسرعاً بمقولة: الاكتمال لا يتم إلا بالتواصل كتواصل استمراري لجريان النهر ليتخذ مستقراً له في مقراته، واحياناً يتحكم الموقف الزمني بعمل معاكس حين يتصداه زمهرير الجماد المفاجئ.
ولقد عمدت هنا بعرضي هذا بالعربية لسهولة فهم جوانب مواده، وبساطة الوصول لما نعنيه لمحدودية قراء اللغة الآشورية. وبالمعنى العام معرفة أهميته بين رفوف المكتبة الآشورية وكشهادة للتاريخ الفكري الادبي.
خلفية أسس الكتاب
منذ أن كنا نعمل معاً في الحقل الأدبي في مجلة المثقف الآثوري  واتحاد الأدباء في بغداد والحقل الإعلامي الإذاعي والتلفزي، إضافة لعملنا معاً في ذات المركز التعليمي المدرسي، كان الأستاذ شموئيل جبرائيل ملهماً ومتحمساً في جمع ما يتسنى له من سير حياة كتابنا/ ادبائنا الآشوريين من ذوي الشهرة والمكانة كعمل مستقبلي، وما أن حطت قدماه ليحتضن عالم الغربة حكمت عليه الإرادة الإلهية لينسجم وأياها ويتواصل بإرادته متيمناً في الحقل الكهنوتي كأب روحاني في الكنيسة الشرقية متواصلاً وتآليفه المتعددة وعمله في مجلة "قالا من مدنخا" أي صوت من الشرق في شيكاغو، ومتواصلاً مع عدد من مؤلفاته وتراجمه وعلى وفق خاص مؤلفه المعهود  ليصدره في جزئين بعنوان ( موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديث منذ 1840 ـ 1990)   
لمحة عن مضمون الكتاب بطبعته الاولى
تضمن الكتاب مقدمة موجزة ابتداءً من العهد الذي تم تتويج الناطقين بالآشورية / السريانية بالخط الشرقي والغربي بالحقوق الثقافية منذ عام 1972 ودور ذلك في مباشرة أبناء شعبنا بافتتاح المراكز الثقافية والأدبية وتشجيع نشر ما تسنى للمؤلفين وبما فيها البث الإذاعي والتلفزيوني إلى جانب المهرجانات الشعرية. وعلى ضوء سؤال استفساري ما عن كثافة المؤلفين والكتاب الآشوريين، الذي لم يفِ بالغرض، حدي الأمر بالمبدع شموئيل ان يخوض غمار مجاميع المنشورات المطبوعة وعدد الكتاب المعروفين ومنذ عام 1975 استطاع أن يحقق حلمه الذي استغرق ستة عشر عاماً مضيفاً لأكثر من ستين كاتباً لحصيلة الكاتب بيرا سرمس المنشور عام 1962 بعنوان "تاريخ الأدب الآشوري" بجزءه الأول ومن ثم بجزءه الثاني عام 1969 والثالث عام 1970. وكاتبنا شموئيل بالنظر لحرصه الشديد على احياء اللغة الأم اكتفى برحلته معتمداً اللغة الآشورية تاركاً مهمة من كتبوا بلغات أخرى من مبدعي أبناء شعبنا الذين أصدروا بالعربية والفارسية والروسية والإنكليزية ولغات أخرى في بلدانهم والأمثلة لا يمكننا حصرها هنا بالرغم من أن الكثير منهم كانوا مزدوجي اللغة أيضاً إلا أن نتاجهم الأدبي اقتصر على جذور دراساتهم ومواهبهم. وحين أدى مهامه وجد ان الفرصة مواتية لنشر الجزئين الكاملين عام 1991 في كاليفورنيا بأمريكا. ومن المستوجب أن نشير كلمحة عابرة بأهمية تقييم الاديب المرحوم دانيال داود بيت بنيامين لمضمون الكتاب واشادته بملهمي الادب الاشوري على يد الأبوين باول بيجن ويوسف قليتا والدكتور فريدون اتورايا. ويسعني هنا أن انوّه بأنه من القلائل الذين كتبوا عن المؤلفين الآشوريين في مناطق تواجدهم في العديد من الدول التي هاجروا اليها من جراء ظروف الحروب القاسية منذ الحرب العالميتين وما تبعهما من اضطهادات السلطات لهم. والجدير ذكره إن اول من نشر الادباء الاشوريين هو العلامة المرحوم مار عبديشوع الصوباوي في مؤلفه الموسوم "فهرس المؤلفين" في القرن الرابع عشر وترجم الى اللاتينية والإنكليزية وبالتالي نشر المرحوم الاب يوسف حبي الجزء الثاني منه الى العربية عام 1986 في بغداد. إضافة للسيد وليم ميخائيل عام 2001 بإسم "الاعلام الآشوريون في القرن العشرين" مع بعض الإشارات التي عمد نشرها الشاعر آدم هومه بالعربية وفرنسيس خوشو بالأنكليزية والعربية وفي عام سعى اتحاد الادباء والكتاب السريان في العراق على اصدار "انطولوجيا الشعر السرياني منذ القرن التاسع عشر" بالعربية والآشورية بالحرف الشرقي. وآخر ما استجمعه هو الزميل شموئيل في مؤلفه الموسوم "موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديث" بجمعه للجزئين السابقين في جزء واحد حديث ومنقح بإضافة مجموعة من الأدباء المحدثين في بلدانهم الأصلية وديار المهجر أيضاً.
لمحة عن مضمون الكتاب بطبعته الثانية وبحلته الجديدة
لقد تم اصدار الطبعة الحديثة بتاريخ 25 نيسان 2024 عن دار موقع (Lulu.com) متضمناً بين دفتيه 502 صفحة عن سيرة حياة المؤلفين البالغ عددهم 230 أديباً، بضمنهم 33 غير متواجدة في الطبعة القديمة إضافة لنماذج من نتاجاتهم الموثقة نثراً وشعراً
ينبغي أن نعلم بأن من تبقى من ادبائنا المتبحرين في حقل الثروة الأدبية انحصرت اعدادهم بما يقل الحسبان عنهم، ومنهم زميلنا شموئيل الذي شمل في نتاجه خيرة وأشهر من تشبثوا باللغة الأم واتحفوا بكتبهم رفوف المكتبة الآشورية والصحف والمجلات النادرة الصدور في أمريكا وأستراليا وإيران وأماكن أخرى رغم قلتها.
وما يهمنا هنا من هذا النتاج الضخم بحلته الجديدة يُعد تحفة أدبية وفكرية لكل من يود معرفة تراثه الفكري والأدبي، ويُعد أيضاً كمنهج دراسي لطلبة المدرسة الثانوية والجامعية أيضاً دون أي شك كمادة مألوفة عن تاريخ الأدب الآشوري.
ومن الجدير ذكره بأنه يهدي الكتاب لمدرسته الأولى التي يكنها بأمه تيريزا مع شكره لعدد ممن اتحفوه بيد العون ومنهم كاتب العرض. كما وينبه القارئ عن عدم تواجد أسماء البع من المجهولين الذين لم تتوفر معلومات عن سيرتهم، او عدم إجابة البعض ممن كاتبهم.
وأهم ما أشار اليه الفصل الذي خص به تحليل تفصيلي تاريخي للأدب الآشوري الحديث مبيناُ فيه " ولادة الأدب الحديث" باعتماده عدة منابع منها مدرسة الأب يوسف قليتا في الموصل، اللجنة الأدبية الآشورية في إيران ومجلة كلكامش، والنادي الثقافي الآثوري في بغداد ومجلته "المثقف الآثوري" ومشيراً للظروف القاهرة التي عصفت بالوجود الآشوري. ليستقر في فقرة بعنوان " ادبنا الحديث في الميزان" مركزاً على انحصار سعة ادبنا من جراء احداث مؤسفة منها محاولة الحفاظ على وجودنا بخوف مستمد من مآسي أحداث الماضي الأليم، وعدم فهم السلطات أهمية تواجدنا، مؤدية هجرة الكثيرين الى ديار الاغتراب. ثم يختتم هذا العرض التقييمي بثلاث فقرات موسومة ب "أدبنا الى اين" مؤكداً عن سببين يؤديا فقدان الأمل عن المستقبل يحصرهما أولاً في رخاوة موقف الوالدين واهتمامهم، والثاني في فرحتهم بتعلم أبنائهم اللغات الأجنبية. والنتيجة الحتمية التي تدع الجيل الجديد ان لا يعر أهمية بالقدامى والعكس أيضاً، لتكون الفكرة كالأبخرة المتلاشية في الهواء. وعن "محتويات الأدب الحديث" يؤكد العديد من الفروع العلمية والأدبية والفلسفية واللاهوتية التي اتخذت مسارها في الوثائق التراثية منذ أن اتخذت المطابع مكانتها في بعض الدول على أثر الحركات التبشيرية في القرن السابع والثامن عشر. ناهيك عنْ ما تم توارثه من مخطوطات على مر التاريخ. وبالتالي يختتم بمقولة " ولماذا هذا الموجز لأدبنا" مجيباً أن تكون الأفكار والآراء التي احتضنته صفحات الكتاب كمعين للعطشى من الذين يودون المعرفة عن ادبهم وتراثهم من بني جلدتهم، لكون الآداب هي عصارة الأفكار.
ونود أن نشير عن افتقار هذا النتاج الضخم والمهم بصور الأدباء كما عهدناها في الجزئين الصادرين سابقاً، وحبذا إن كان بوسعه أن يفرز الادباء وفق البلدان التي انحدروا منها كأبناء بلاد الرافدين والمنحدرين من إيران ودول أخرى كالمهجر مثلاً. وكان المفترض بالزميل شموئيل أن يدرج على أقل ما يمكن أسماء من لم يتسن له التواصل معهم رغم وجود أسمائهم في العديد من الصحف والمجلات الصادرة في العديد من الدول باللغة الآشورية.
وفي نهاية المطاف نود الأشارة بأنه ينبغي دعم واسناد النتاج المذكور وما يصدر بمصافه لوسع أهميته. وبغية اقتناء نسختك يمكنك الكتابة لموقع (Lulu.com) بذكر اسم المؤلف  (Samuel Dinkha). ولا يسعني هنا إلا أن أشكر الزميل شموئيل على هذا الإنجاز الضخم لأهميته التاريخية.




3

قراءة مُركّزة
عن الأعمال الكاملة للشاعر آدم دانيال هومه
بقلم: ميخائيل ممو
ماذا عساني ازخرف بمفرداتي وهي في مسارها التسلسلي تدلني على مقولة، كنت قد ألفتها منذ أن تألقت عينا تخميناتي مطلع باكورة الأديب الشاعر آدم دانيال هومه مغرداً بمقولة " لن أتحدث... أو أنتظر ليشفعني كاتب معروف بكلمة ". وأنا من خلال هذا التألق الفكري عاد بي الزمن القهقرى لأول نسخة من ديوانه الشعري اقتنيتها بالمصادفة في الستينات في سوريا أثناء طريقي الى بيروت. ومنذ تلك الفترة انتابتني الدهشة محلقاً وتألق شاعرنا بمفرداته النثرية والشعرية مترنحة في ذاكرتي راحلاً واياها عبر ديوانه المتوج بعبارة " الزورق التائه " الى أن وجد تيهانه في ربوع سدني بأستراليا، ليعود ثانية جامعاً سلسلة أفكاره الشعرية في أعمال كاملة، التي تفضل واهداني نسخة مذيلة بعبارته الندية (إلى الأخ الشاعر الأديب ميخائيل ممو مع خالص التقدير والاحترام) وذلك مع مطلع العام الجديد 2023.
ماذا لي أن أدبج متبحراً مع خمسة أعمال شعرية وصياغات نثرية ـ شعرية تناطح بعضها البعض بإرهاصات موضوعاتها المتفاعلة التي يصفها مدون المقدمة الأستاذ الناقد مراد ميشيل كاسوحة مختتماً بمقولة مفادها " ولطالما ينظر آدم الى التاريخ بعين الحاضر، ولا يدعه يفلت من ذاكرته ". هكذا يصفه ليحلق من ماضيه بما يستوجبه الأمر على إعادة التاريخ بالحاضر المحتم. إذن سيظل مطلاً دوماً متمثلاً بذلك الطائر المحلق بأجنحة تعابيره المتراقصة بوشائج الأمل المنتظر المشحون بالواقع الاشوري المحتم على تأكيده، حافلاً بمقدرة نادرة لا يمتلكها إلا من كان محفوفاً بطاقة فعالة كطاقته ودهائه في انتقاء ما يرضي مخيلته الجياشة، وكأن في عمق خياله متحفاً زاخراً بما لذ وطاب من النفائس المطعمة بلآلئ المفردات ذات المعاني المهذبة والتشابيه الرمزية الجسيمة في تراكيبها والمكتسبة من الجذور التاريخية المرئية في كل زاوية من زوايا الحضارة الإنسانية.
من خلال متابعتي لإصدارات الشاعر آدم المتمثلة بأيقونات متلألئة، وتواصل أحاديثنا الهاتفية بين الحين والآخر، كنت عادة استكشف واستشف عن شغفه دون كلل أو ملل في نقد وتحليل واستقصاء ما لا يلائم سلبيات واقعنا المألوف بأوضاعه السياسية والدينية والفكرية الأدبية، بتأدية ما يوفي بالمرام بالبراهين وبما تجود به قريحته من بديع النثر المسترسل وجميل النظم بدقة احساسه ورقة عاطفته وبوضوح صراحته المشوبة بالحدة بصدق قناعته، كونه يحمل رسالة قومية صادقة لا تفتر له همة، ولا تخور عزيمته باستمرارية انكبابه على البحث والاستجلاء والتمحيص بعمق بتدوين ما نشره واثبته ورقياً والكترونياً التي منها ما يلي:
1.   اطلالة على الشعر الآشوري المعاصر. دراسة عن الشعر والشعراء المعاصرين.
2.   ترجمة كتاب "من نحن" للكاتب بيرا سرمس من الآشورية الى العربية.
3.   ترجمة رواية "بابنا المغلق" للروائي ميشائيل لازار من الأشورية الى العربية.
4.   ترجمة ونشر كتاب الرؤساء لمالك ياقو مالك إسماعيل من الآشورية الى العربية.
5.   ترجمة ونشر " قصة وأمثال احيقار الحكيم" بالأشورية والعربية والإنكليزية.
6.   كتاب "الذي أبكى أوتار الكمان" عن سيرة الفنان المرحوم جورج هومه.
7.   النسر الآشوري الخالد.. زيا سيمون. إصدار بدران امرايا وآدم هومه.
 ناهيك عن محبته للحكمة الشعرية بدواوينه الشعرية. ومن ثم اقدامه بإضافة مجموعة أخرى لرصيده الفكري، راكنة في مساحات الرفوف المنسية، تناجيه غالباً عن دورها في الانطلاقة لعالم رفوف العقول البشرية المتعطشة للعلم والمعرفة بموضوعاتها التي تهم الباحثين والمتابعين للوقوف على حقائق التاريخ، والتي منها ما يلي:
1.   كتاب " الآشوريون والحربان العالميتان" لمالك ياقو مالك إسماعيل ـ ترجمة من الآشورية الى العربية.
2.   الآشوريون والأكراد في التاريخ ـ دراسة تاريخية تحليلية.
3.   الموسوعة الآشورية.
4.   مناطق الآشوريين الأصلية.
5.   الكلمات الآشورية في اللغة العربية.
ولضخامة الأعمال الكاملة لآدم هومه المُجتمعة في 707 صفحة من الحجم الكبير حصر دواوينه الشعرية الصادرة في سنوات متفاوتة بإعادة نشرها ثانية محصورة في 296 صفحة والموسومة بعناوينها المألوفة ابتداءً بـ " الزورق التائه 1967، أوراق ملونة من مفكرة إنسان 1973، آشورية 1976، زورق السماء أغلبها منشورة في العديد من الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية. آملاً أن يتم جمعها في ديوان مستقل. وما تبقى من الصفحات الأخرى انحصرت في 411 صفحة لمواد متفرقة بين الشعر المترجم والنثر المتنوع بما فيها بعض المساجلات الكتابية.
ما أود الإشارة اليه هنا، رغم متاعب التأمل الفكري وغربلة ما ينسجم والواقع المتردي لمأساتنا الحياتية والمجتمعية بشكل خاص ومتميز، فإن صبر شاعرنا آدم يروق له أن ينحت ما يرصده بإزميله الصلد صلابة واقع ايقوناته بألوانها التعبيرية لكل ما يعمد على طرحه بمعرفته التحليلية الصائبة دون تردد أو توجس. ولهذا ينبغي الإشارة والتساؤل أليس هو القائل في قصائده: بما ضمنه عن فحوى "كلاب الصحاري.. بين نباح كلاب البراري وبين عواء ذئاب البوادي" وكذلك "سياسة حمار" بمضمونها النقدي الواضح وهو آنذاك في السابعة عشرة من العمر، حيث يقول في نهاية قطعته النثرية ما يلي:
(... ومن بالغ حكمة الحمار أنه اتوزر الفأر، وأبرم معاهدات مع مملكتي الذئاب والثعالب، وصار يدعي بالمبادئ السامية والرخاء الذي سيجنيه شعبه من وراء سياسته الرشيدة). وكأنه يماشي حكم ايسوب اليوناني واحيقار الحكيم الآشوري وبيديا الهندي ولافونتين الفرنسي الذي اولاه توما اودو أهمية بترجمته تحت عنوان "مئة مثل" باللغة الآشورية الحديثة.
علماً بأن الشواهد كثيرة لا حصر لها، وكفى أن أنقل ما قاله في قصيدة "شعب الطبل والمزمار" مستلهماً رؤاه من الواقع المتردي وهو القائل:
(فالشعب الذي يفضل الحفلات والرحلات الترفيهية والرقصات الشعبية
على الندوات الثقافية والفكرية
والأمسيات الشعرية والأدبية والسياسية
هو شعب عقله في قدميه وفكره بين فخذيه).
وهذه دلالة على انه تواق الى المعرفة وكشف الحقائق بعزم ارادته وقناعته التي يتغاضى عنها الكثيرون ممن يسرحون في عالم آخر من الخيالات الوهمية.
ويتابع محللاً الأوضاع بشكل عام إلى أن يصل في نهاية المطاف لمقولته المقصودة:
(الشعب الذي لا ينفك يردد كلمة "كُنّا" أكثر من (ماذا سنكون)
سيصبح في خبر كان).
وهذا ما يؤكده واقعنا اليوم بتشتتنا في أرجاء العالم نستجدي من الغرباء ما يحلو لنا دون علمنا بما نريد ولا نريد، برمي سهامنا وبالأحرى رماحنا أينما يتسنى لنا بتوجيهات من هم في غيبوبة الجهل، ولا تمت اعتباراتهم بأية صلة لواقع الحال.
على أية حال مهما غصنا في أعماق بحور ادم هومه الشعرية والنثرية يصيبنا الدوار من شحنات الاستمتاع بما يوجده ويستنبطه من إعماقها النائية شاهراً سيفه البتار دون اعتذار. 
لقد أقدم أدم الشاعروالأديب على جمع وتكثيف اعماله الشعرية والنثرية في اضمامة جامعة، استبعاداً من تبعثرها هنا وهناك، كفكرة صائبة يشار لها بالبنان لما يحوي ما حصده خوفاً من الاندثار كما اندثرت وضاعت الألاف المؤلفة من نتاجات شعرائنا وادبائنا وباحثينا، وأكبر دليل القدامى منهم، والمحدثين أمثال الروائي ميشائيل لازار بعدد من نتاجاته المفقودة وكذلك ديوان شعر والبعض من كتابات السياسي البارع فريدون أتورايا وغيرهم. وبالرغم من الإيجابية التي رصدها شاعرنا كان الأولى به أن يجعل الصفحات النثرية في عدة كتب مستقلة لتفاوت موضوعاتها الارشادية والإيضاحية التي منها التحليلية لأمور الساعة، ومجموعة المساجلات، إضافة للعديد من تلك القصائد المترجمة لشعرائنا الآشوريين المميزين. ومن الجدير ذكره بأن التجوال بين أروقة الكتاب برؤى تأملية ثاقبة لألوان أيقوناته تلزمك الحيرة وتغمرك بأن تتيه فيما لا يخطر على بالك، ولم تساورك تشبيهاته المتناغمة بألوان مفردات من صياغات التعابير التي تنقلك لعالم لم تتوقعه بحيث تدعك تتألق ومغزى مضامينها الرمزية الحادة والصريحة الواضحة.
بقي أن اقولها بمضاعفة صراحتي بأن القصيدة لدى آدم هومه تكتسب خصائص تتجاوز وتتعدى عقلية من لا يدرك فحواها رغم توليها هيبة الشعر الحر وبالأحرى المتعارف عليه بالمنثور في الأوساط الأدبية والشعرية، وعلى وفق خاص في مهازل الصراعات السياسية والإجتماعية.
أما عن ظاهرة التركيب في تعابيره لها طابعها المتفرد ذات السمة المتأصلة برواد الحضارة الآشورية والرافدينية بشكلها العام بقوة وصرامة وعظمة الثور المجنح كرمز قومي متأثراً بجنوحه في قصائده بهيبة العديد من الرموز التاريخية المألوفة.
ومما يسترعي انتباه وملاحظة القارئ ـ وفق شهادة بعض أصدقائي من قرائه ـ بأنه يتجاوز حدود المألوف في ايقاعاته الصاخبة وكأنه يعيش في عالم غرائبي بتضميناته الغرائبية وتخميناته الملتهبة بعيداً عن التشاؤم ليخلق الحداثة الشعرية بإبداع مشوب بقدرة نادرة يومئ اليها بانسيابية متفاعلة مؤثرة. قد يظنها البعض بأنها قاتمة وفق مداركه المحدودة، ولا يستدرك بأنه يرتقي لمصاف الشعراء الكبار من ذوي المكانة الأدبية المتعالية بين الكتاب العرب بهويته الاثنية الآشورية التي يعتز بها متماشياً وابداعات الشاعر الراحل سركون بولص ولطيف بولا ومن هم بذلك المصاف في الميدان الآشوري من المعاصرين شعراً ونثراً دون تمييز ومفارقة..
ومما يستوجب ذكره بأن المجموعة الشعرية تكشف عن التزامه بمفاهيم الشعر كرائد من رواده بطبيعته الحادة عن وعي وإدراك.. ولهذا تجده منتقلاً من مفهوم سُلّم النظم الكلاسيكي في بداياته الى تموجات البحر الصاخب بهجومية يحددها الشعر النثري المسترسل بقصائده المطولة مؤطرة أحياناً بإيقاعات داخلية ذات موسيقى منفردة وكأنه يعزف سمفونية بأوتار المفردات الناطقة بمتانة واحكام تركيبها ودقتها. ومن قصائده الكلاسيكية على أوزان الفراهيدي نستشهد بهذه العناوين: غذاء الله التي يقول فيها.
عشتار قد نحر النواح محجري   بمدى الصدود ونؤيك السفاكِ
قـلبي تسـربل بالأسى ومدامعي   كالـوابـل المـدرار من ذكراكِ
تمضين في سفن الفراق وتبعدي   كي ينمـحي من عالمي لـقـياكِ
مضيفاً إليها ما يلي: صراخ التراب، ذات الرداء المخملي، أين أمي؟، تموز وحبي، شقيُّ الغرام، سأعود غداً، اذكريني، بالأمس واليوم.
وأنا اطالع هذه القصائد احسست وكأني استذكر أيام الشباب في البعض منها، إلى جانب بدايات ادباء المهجر في دواوينهم الأولى والتي منها المواكب لجبران وهمس الجفون لميخائيل نعيمة وكذلك الجداول والخمائل لإيليا أبو ماضي.
نعم.. يلزمنا الإشارة انه منذ أن ارتأى وصمم أن يحقق هدفه في عالم الشعر أصبح من الذين يشار لهم بالبنان بحكم موهبته مستوعباً شاعريته بملامح صداها في انعكاسات متنوعة تؤكد ما يتمناه، جاعلاً منها ترجماناً اعلامياً كاللهيب المستعر، تاركاً بصماته واضحة وناصعة على خارطة الشعر في ذاكرة القراء وهو يمتطي ما يتسنى له من صهوات الإيقاعات النظمية بديناميكية التناغم الموسيقي في تفعيلاته المتحررة غالباً من ظواهر التقفية بنسق متألف معززاً أياها بالصور التراثية  ليستلهم الهمم بإحياء ما يناسب حاضر الأمة الآشورية والإنسانية بضمير انساني يقظ، كتناوله لرموز مألوفة كعشتار، كلكامش، اتونابيشتم، أنكيدو، نبوخذنصر، إنليل، آشور، إضافة للمكانية التي منها: اوروك، ايساكيلا، بابل، نينوى، سميل وصوريا.
وقبل الختام اود القول: قبل أن يكون شاعرنا مدرساً، إنه ومنذ انطلاقة وخزات وعيه بنشأة بداياته صاحب مفاهيم القضايا القومية من خلال التنظيمات الحزبية التي كانت تتراوح بين المنظمة الديمقراطية الآثورية، وبالتالي انفراده منطلقاً بتأسيس الحزب الآشوري الديمقراطي وترأسه تحرير مجلة” اثرا " أي الوطن الناطقة باسم الحزب.
ومن خلال تصفحي لصفحات المجموعة الكاملة اتضح لي بأن رصيده الفكري يجنح من تجاربه الحياتية الفعلية التي رست في مخيلته من أرض الوطن الى جمال بيروت، ومن ثم نيقوسيا التاريخية فاليونان الحضارية التليد ليستلهم تحفيزاته من خلالها في عدد من القصائد المؤرخة بأزمانها.
بقي أن اشير بأن اعتزازه بالوطن الأم، أرض الآباء والأجداد يناجيه بالمفردة التي تشع نوراً... ملهماً بها ومردداً في مقاطعه في قصيدة "صهيل الحروف" تدعه أن يعيد ذكريات الشاعر الراحل سركون بولص من خلال قراءاته له ومحادثته الهاتفية التي جعلته يترنح بتعابيره التي كانت مفاجئة لهما وانا الوسيط بينهما حين كان سركون بضيافتي في السويد. ومما قاله:
وطني
(أصوغ من صلصالك تماثيل الشعر والحب والجنون
وأحط رحالي على رصيف أحزانك
أشرب نخب ذلك الهابط من الأرض إلى السماء
الذي سماه والده بكل فخر (سركون)
أول إنسان من المحيط إلى الخليج استطاع أن يجسد آلامك في كلمات مجنحة
تشرئب بأعناقها من نوافذ السجون المظلمة).
(يا وطني
في هذا الشرق المتخم بالأنبياء الذين يفترون على الله
ويصبغون شواربهم بدماء الملائكة
اسمك يوقظ القلب من رقدته من بين ركام الأمنيات
ويبعث الفكر من غفوته بين أطلال الذكريات).
وكلما أكثرنا من توغلنا في تنقلنا من محطة لأخرى في موانئ كتاباته، يباغتنا آدم هومه بأوسمة عناوين قصائده التي تحمل بين ثناياها بوادر الهم والغم والحث على الانعتاق من القيود المكبلة آفاقها بأخيلة شذوذها، رغم سعة تلك الآفاق وانبلاجها من خلف الغيوم الداكنة غالباً وفي عهود متفاوتة من شدة الهيجان المرتقب بإشاراته للعناوين الهائجة هي الأخرى، مثل: اللبوة الجريحة، هلوسات الأنبياء، زمهرير جمر الصحراء، ملحمة السنونو، مذبحة سميل، الحمار من العواء يفهم، وحوش الجحيم، اللبوة الجريحة، عصفور النار، ما بين الم الذاكرة ونشوة الحلم، انتظار في جدار الذاكرة وغيرها من الومضات المتوالية بأصدائها الصارخة التي منها هذه الومضة المُنتقاة من قصيدة "ومضات" ص 230.
أمي... عمرها ثمانية آلاف عام
ولازالت تتلألأ كماشة من خلف زجاج التاريخ
تواصل الحفر بأظافرها في الصخر
بحثاً عن النبع المقدس الذي سيتدفّق بمياه الحياة
لتروي أبناءها العطاشى التائهين في صحارى التشرد والضياع
ولتضفي أنوار أصابعها قداسة على تراب وادي الرافدين.

ومن هذه الانطلاقة الختامية حتمت نظراتي أن أكتفي بهذا القدر من العرض، وإلا لانهالت الإيضاحات بما لا تسعها العديد من الصفحات.
وفي الختام اكرر شكري وتقديري لرفيق الفكر الادبي والشعري آدم دانيال هومه على هديته الثمينة، وبما ضمنها أيضاً ما أعده ونشره عن سيرة حياة الفنان الراحل جورج هومه القريب من قلبه وفكره بعنوان " الذي أبكى أوتار الكمان" بحلة قشيبة زاهية، متضمناً ما قيل وكُتِبَ ونشر عنه في جميع قنوات الإعلام الآشوري المكتوبة والمسموعة والمرئية مع مجموعة نادرة من الصور التذكارية عن حياته بشكل عام في العديد من المناسبات وعن مراسيم تأبينه.           ميخائيل ممو ـ السويد

5
.تقرير عن انتخابات المجلس القومي الآشوري 2022 

6

وآسفاه على رحيلك المباغت زميلنا البندر
ميخائيل ممو
رحل الزميل الدكتور  محمد جواد البندر بصمت وسكوت بعيداً عن مرتع سحر طفولته وريعان شبابه بمنطقة البجاري في البصرة الفيحاء وهو في قمة عطائه الفكري بين خلانه ممن التحفوا حياة الغربة وعلى وجه خاص من بني آشور في ديار الشتات،  وبغربة أليمة في منطقة أورهوس الدنمركية، تاركاً وراءه ابنته سعاد من زوجته الروسية التي انفصل عنها، ليعيش حياته الخاصة مع البحوث والدراسات التي كان متعلقاً بها منذ تعارفنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم ملتقانا في الدنمرك ومن بعدها في ستوكهولم عام 1998 من خلال المهرجان الأدبي والثقافي لنادي آشور بمنطقة فيتيا، وبمشاركة العديد من الأدباء والباحثين والفنانين من أمريكا وسويسرا وبريطانيا وكندا والسويد وفقاً للصورة المرفقة أدناه.
زميلنا الراحل.. لقد ترك لنا اسمه المستعار "سالم حسون" في الفيسبوك متيمناً بهيبة صورة الفيلسوف الخالد جبران خليل جبران بتعليقاته المتوالية مع أقرب المقربين له فكراً وموقفاً بالمبادئ التي اختمرت في مخيلته حينما كان يحدثني بها، وعلى وفق خاص تآخيه مع أبناء جلدتنا منذ أن كان في البصرة بذكرياته الجميلة في منطقة البجارية ونادي الجنوب البصري وتواصلاً في موقع سكناه في الدنمرك بين خلانه الذين رافقهم على مدى سنين طوال . ومن أجل معرفة المزيد عن الخبر المفجع سعيت كثيراً من خلال صفحته الالكترونية لمخاطبات رفاقه في النضال ولم يكن بوسعي التوصل للمزيد من المعلومات لنوفيه حقه من الحدث المباغت بعد الرحيل الى مثواه الأخير والمجهول. وبالتالي باغتنا الدكتور عدنان الأعسم بتاريخ الثاني من نوفمبر 2021 بمرثية كأقرب دليل لما عرضناه بوصف تأبيني دلالة الأخوة والزمالة بينهما وهو يقول  في موقع الفيسبوك: (محمد جواد البندر خالد لن تزول ذكراه.. شاء القدر أن نفقد النبيل الأطهر والكريم الأجود، رمز السمو والرفعة، ذلك الذي تميز بما يندر لدى الكثيرين.. الأخلاق الرفيعة والسلوك السليم في التعامل مع الآخرين. الثقافة العميقة الى حد الجذور في الأدب والعلم والمعارف العامة.. الخبرة النظرية والعملية في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية .. لم نعرف مثيلاً له في هذه الدنيا).
وعلى أثرها خاطبني الزميل جبرائيل مركو بتدوين مرثية مشتركة، وهذا ما فعلناه معاً، ولاقت العديد من المداخلات التأسفية المؤلمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما دونه الدكتور ميخائيل عبدالله من بولونيا: ( كان وفياً، أصيلاً، مدافعاً عن شعبنا بالقلم والكلمة. سيبقى حياً في ذاكرتنا. نحن له مدينون إزاء الجهود التي بذلها خلال سنين طويلة من حياته العلمية الأكاديمية والاجتماعية في التعريف بنا وبقضيتنا. السلام بروحه).
 
ولكي نرسم الصورة القلمية الموجزة للراحل محمد جواد البندر بالرتوش التي وُفرت لنا ـ وفاءً لروحه الطاهرة ـ نحصرها في النقاط التالية:
•   ولد في محافظة البصرة في بداية الخمسينات.
•   بعد أن أكمل المرحلة الثانوية، وبانتمائه للحزب الشيوعي منذ شبابه حضر مع رفاقه في آخر احتفال سري خارج مركز المدينة لاتحاد الطلبة العام للحزب الشيوعي العراقي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتأسيس الاتحاد عام 1972 في البصرة. وعلى أثر الأوضاع المجحفة سافر في نفس العام الى الاتحاد السوفيتي لإكمال دراسته الجامعية.
•   في عام 1982 نال شهادة الدكتوراه من جامعة ليننغراد (سانت بطرسبورغ) وذلك في علم الانثروبولوجيا والتاريخ  بأطروحته الموسومة "التركيبة الاثنية لمدينة كركوك".
•   بعد ذلك انتقل الى الجزائر وعمل  استاذاً محاضراً في الجامعات الجزائرية لغاية عام 1985.
•   ومن ثم حطت به الأقدار في الدنمرك ليقضي فيها عدة سنوات في التعلم اللغوي، وبالتالي مباشرته العمل في معهد الانثروبولوجيا بجامعة اورهوس ـ الدنمرك.
•   ومنذ عام 1991 عمل باحثاً علمياً في قسم الآثار والدراسات الشرقية التابع لمتحف موسغورد في مدينة اورهوس.
•   له العديد من المساهمات والبحوث والتراجم في مجال التاريخ الاجتماعي والثقافي العراقي، إضافة الى تاريخ المسيحية في بلاد الرافدين.
•   في السنوات الأخيرة ركز اهتمامه بشكل رئيسي على المسألة الآشورية، رغم ما نشر في مجلة حويودو السويدية.
•   عام 2008 ترجم كتاباً بعنوان (كفاح الآشوريين من أجل الحكم الذاتي) للكاتب الروسي البرت ميخايلوفج منتشاشفيلي من الروسية الى العربية، وتم إصداره عن دار المشرق الثقافية في دهوك ـ العراق. متحدثاً عن الإساءات والجرائم اللاإنسانية التي مورست بحق الآشوريين وقضيتهم القومية على أراضيه الشرعية   في العراق.
•   وفي نهاية المطاف من هذا العرض الموجز ننقل فيما يلي فقرة من مقدمة المرحوم البندر التي يقول فيها: (نجحت الدولة العراقية في تشويه مطالب الآشوريين العادلة في أعوام 1920 ـ 1933 في الحصول على شكل بسيط ومقبول من الحكم الذاتي في شمال العراق.
لم تصل مجزرة سميلي البشعة الى مسامع الرأي العام العالمي بكل تفاصيلها المرعية بفضل الدعم والاسناد الذي لقيته الحكومة العراقية من قبل الحكومة البريطانية والصحافة البريطانية اللتان عتمتا على حقائق المجزرة واسدلتا ستاراً ثقيلاً لحجب تسرب المعلومات، وألقتا اللوم على الضحايا الآشوريين وتركت الجاني حراً).
في مقدمته للكتاب كدراسة اكاديمية، يسترسل في اثنتين واربعين صفحة مستعرضاً آراء العديد ممن عالجوا القضية الآشورية ومسلطاً الضوء على آرائهم ومواقفهم. ومن ص 43 لغاية 109 متضمنة النص المترجم للكتاب المذكور. ومن المجدي أيضاً أن نفيد القارئ بأن كتاب (كفاح الآشوريين من أجل الحكم الذاتي) كان قد نشر بحلّة أخرى عام  1978 في بغداد بعنوان ( العراق في سنوات الانتداب البريطاني) من ترجمة الدكتور هاشم صالح التكريتي، ولأهمية مضامينه عمد البندر الى ترجمته ثانية والتعليق على أهميته في الدفاع عن حقوق الآشوريين.
•   بالرغم من أن الدكتور البندر كان متمسكاً بمبادئه السياسية الحزبية اليسارية بالحزب الشيوعي، التزم بمواقفه الخاصة من جراء سلوكيات القيادات التي أدت به مخاطباً أحد أقرانه بمقولة: ( ان التافه يتسلق السلم الحزبي سريعاً، فيما يوصف الفنان الشيوعي انه مجنون أو شبه معتوه).
ومما قاله أيضاً: (الطائفية وكل الأسماء المقدسة أوهام اخترعها العقل الغيبي). وكذلك أفاد بأن: ( الشعراء العرب يتغزلون بالذكور نيابة عن الاناث، والعهد على ما رواه أبا الفرج الاصفهاني).
وعن رأيه بالآشوريين، كان قد أبان وجهة نظره قائلاً: ( فإن ظلماً كبيراً قد حاق بالآشوريين وبقضيتهم بسبب عوامل كثيرة متداخلة) ويقصد بذلك مواقف الدولة العراقية المتعاقبة صنيعة الاحتلال البريطاني كما هي نظرتهم اليوم الى حكومة بغداد.
•   بقي أن يعلم القارئ بأن الدكتور الراحل كان قد القى الأضواء على محتويات الكتاب في محاضرة له في ستوكهولم بتاريخ  1998.10.26، كنت قد سجلتها فديوياً، آملاً أن يتسنى لي نشرها مستقبلاً بذكراه الاربعينية او السنوية، بعد توفر المعلومات اللازمة من أقرب أصدقائه ومعارفه، مع جزيل الشكر سلفاً. والرحمة الأبدية للمأسوف على رحيله.


8
المنبر الحر / صلاة السنة
« في: 07:48 29/09/2021  »
.


11
علينا أن لا ننس الذكرى السادسة ليوم اللغة الآشورية

بقلم: ميخائيل ممو
انطلاقاً من أهمية اللغة الأم لأي شعب من شعوب العالم، إن أغلب الدول اوثقت لها يوم اللغة بغية تمجيده والاحتفال به في مؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية وعلى وفق متميز في المدارس والمؤسسات الأدبية والثقافية، كما وإن منظمة اليونسكو خصصت يوم 21 شباط من كل عام اليوم العالمي لكافة اللغات. وبما ان الشعب الآشوري يُعتبر أول شعب حضاري اعتمد اللغة المسمارية الأكدية في عهد امبراطوريته الى جانب السومريين، ارتأينا قبل ست سنوات على المجلس القومي الآشوري في شيكاغو كمؤسسة رسمية في أمريكا ولها مكانتها على نطاق واسع بإقرار يوم خاص بلغتنا، طالما الهيئات الأدبية والدينية والاجتماعية والثقافية لم تستيقظ  في يوم ما لتحقيق ذلك رغم الادعاءات والمزايدات اللغوية والمؤتمرات التي تُعقد بين فترة وأخرى، ورغم استعلاء العديد من ادبائنا وشعرائنا وباحثينا في أبراجهم العاجية وأولئك الذين يتلذذون بكراسيهم الجامعية.
لذلك وعلى أثر مقترحنا لهيئة المجلس القومي الآشوري في ألينوي/ شيكاغو تم دعوة وتكريم جهود عدد من الادباء والشعراء والباحثين من بلاد النهرين واوربا وامريكا. وفي اليوم المصادف 23 حزيران 2013 وبحضورعدد من رجال الدين واللغويين والعلمانيين وما لا يقل عن 400 شخصاً تم اعلان يوم 21 نيسان من كل عام يوم اللغة الآشورية. وقد تم بث البرنامج المخصص من خلال شاشة تلفزيون (ANBSAT) لأكثر من ثلاث ساعات.
أما لماذا هذا اليوم بالذات؟ الجواب هو: احتراما لأولئك الجنود المجهولين من الخبراء الحاذقين في جامعة شيكاغو الذين بدأوا عام 1921 وضع القاموس الآشوري باللغة الأكادية المسمارية في 21 جزءاً وإصداره في شهر نيسان من عام 2011 حيث كان قد بلغ عدد الباحثين اللغويين الذي دأبوا على تنفيذ ذلك وعلى التوالي 85 عالماً لغوياً على مدى 90 عاماً. ومن خلال هذه المأثرة التاريخية أقدم المجلس الآشوري على تكريم عدد من الأحياء في احتفاله السنوي الثاني. كما وأنه أصبح من المعتاد سنوياً أن يتم دعوة وتكريم عدد من الادباء والشعراء والباحثين اللغويين والإعلاميين من أبناء شعبنا الاشوري أو الذين خدموا آدابنا من الشعوب الأخرى، وذلك في احتفال خاص وكبير وغني بفقرات برنامجه. وان ذلك التكريم لا يقتصر على الاحياء فقط، وإنما للذين أرسوا دعائم اللغة من الراحلين الى دار حقهم.
وعن الدوافع الأخرى عن إقرار 21 نيسان، لكون شهر نيسان يُعتبر ملك شهور السنة ويتم تمجيده قومياً ودينياً منذ عهد الإمبراطورية الآشورية ولحد يومنا الحالي بأعياد أكيتو ـ رأس السنة الآشورية ـ وفي العهد المسيحي لقيامة السيد المسيح في ذات الشهر، إضافة للعديد من المناسبات الدينية في شهر نيسان، وتشبيه الكنيسة بزهو وجمال طبيعة نيسان بولادة الحياة الجديدة على الأرض.
بعد الإعلان رسمياً عن ذلك ونشره، توالت الاحتفالات في العديد من الدول والتي منها، السويد، أرمينيا، جورجيا، روسيا، استراليا، أمريكا والعراق أيضاً. وتم تدوينه في التقويم السنوي الصادر عن المجلس القومي الآشوري في الينوي بمدينة شيكاغو.
ولا يسعنا هنا في هذا العرض الموجز إلا أن نُهنئ الذين يعمدون الاحتفال بهذه المناسبة سنوياً، ونأمل من المعلمين في المدارس والكنائس والجمعيات والاتحادات الأدبية أن لا يتخاذلوا من احياء ذكرى هذه المناسبة التي هي في الحقيقة أساس وجودنا وبقائنا نحلم بتحقيق ما نصبو اليه كأمة نعتز بماضينا التاريخي واللغوي والفني والفلسفي.. وألا ننس ابداً بأن اللغة هي أساس تواصلنا اليومي وتدوين ما نسعى الحفاظ عليه، واساس مبتكرات وابداعات مفكرينا ومؤلفينا أينما تواجدوا، ولولا اللغة لما استطاع الملحنون والمطربون من أداء ما عليهم وغير ذلك من الاعتبارات.
وفي الختام دعونا نعلم بأن احتفالاتنا بالأيام القومية والدينية تحتمها عادة بعض المناسبات ودخلت في أرشيف التقاويم السنوية، وان يوم 21 نيسان كيوم مُعتبر ليوم اللغة الاشورية لا يقل شأناً عن تلك المناسبات وانه أساسها في التعبير عنها، لذلك ينبغي أن نكون صادقين ومخلصين على احياء مآثر هذه المناسبة، وعلى الأخص في مدارسنا ومؤسساتنا الادبة والثقافية وغيرها. كما وأني اشكر إدارة مدرسة مار كيوركيس في مالبورن على تصميمها بمنهج الاحتفال وفق السبق الصحفي منشورهم ادناه.




12
من مناسباتنا القومية والدينية نستمد التجربة والحكمة
(رأس السنة الآشورية البابلية نموذجاً)
بقلم: ميخائيل ممو
ما يحز في النفس من الألم البالغ والأسف الشديد ان تنشد الجموع الآشورية (بكافة المكونات التسموية) في أيام المناسبات القومية بالأفراح لتصدح حناجرهم بالأهازيج الشعبية ملتوية أجسادهم بالحركات والإيماءات الراقصة أينما حلّ بها الدهر من بلدان الشتات والدول التي يقطنون فيها وهم على غير وفاق من أهداف واقع تلك المناسبات التي يتم تمجيدها واحيائها بحيث تحيد كل مجموعة عن الطريق الصحيح والقويم الذي يؤدي الى نقطة الهدف المنشود. وأكبر مثال على ذلك جهل وضعف مسؤولي مؤسساتنا ومنتدياتنا القومية والاجتماعية واحزابنا السياسية من استيعاب وفهم ما تمليه عليهم انظمتهم أو دساتيرهم القانونية في مبدأ التآخي والوحدة القومية. فنجد في رقعة جغرافية واحدة تنفصل تلك المؤسسات مفتخرة بوجودها لتقيم كل واحدة منها ولوحدها على الاحتفاء بتلك المناسبة رغم تقارب الأهداف وعزوف البعض منها عن المشاركة الفعلية بالتزامها الصمت والسكون والفتور.
أما بوادر الأعذار الواهية فهي مبررات لا تطيب أو تؤدي على التئام الجروح لدى المدركين والواعين والمثقفين، ودليل ذلك ما تعلنه وتظهره وسائل الإعلام المباشرة في القنوات المرئية وبما يشمل ايضاً مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة. وإن خاطبتهم وساءلتهم عن هذا العزوف المقرف لانهالت عليك التبريرات والتأويلات التي لا ترضيك وتقنعك من تراكيبها اللامنطقية لغوياً والواقع المألوف الذي لا يمكن نكرانه مهما بلغ وسعها ومداها من خيبة الإهمال المتعمد.
النقطة الأهم التي أود الإشارة اليها ان معظم أبناء شعبنا الذين يجهدون أنفسهم ويشاركون في مثل تلك الاحتفالات وعلى نياتهم لا يدركون فحوى تلك المناسبة وعلى الأخص يوم السنة الاشورية الجديدة وما يهمهم منها أن يقضوا وقتاً من البهجة والفرح بتلك الاحتفالية، كأولئك الذين تمتلئ بهم المقاعد الكنسية في الأعياد الدينية وبعد مرور فترة وجيزة على تواجدهم تراهم وقد أطلقوا وشوشات الشخير والنخير في قيلولة مباغتة بدافع عدم معرفتهم وادراكهم على استيعاب ما يتفضل به الكاهن، وجهلهم ايضاً بما يُقرأ وتراتيل الجوقة الكنسية.
لذا فإن الواجب القومي والديني يحتم على المرشدين او المسؤولين في منتدياتنا ان يدركوا مهامهم وفق ما تمليه عليهم قوانين مؤسساتهم بالتوعية من خلال إقامة الندوات والمحاضرات والمناظرات على أقل ما يمكن لنشر العلم والمعرفة بتراثنا وتعاليمنا الدينية والقومية وعلى وفق خاص ومتميز العادات والتقاليد الحالية وما تم استنباطه من احتفالات السنة الاشورية (اكيتو)* علماً بأن لهذه المناسبة المقدسة معان عديدة محددة في عدة دلالات تاريخية في العلوم اللغوية الميثولوجية** ومن معانيه المألوفة في العهود القديمة ما يلي:
1.   المعنى الكهنوتي الديني الخاص بالآلهة والمعابد واسطورة الخلق وغيرها.
2.   المعنى الشعبي القومي الخاص بأفراح الشعب من مناطق مختلفة والمشاركة.
وما يمكننا القول هنا بأن المراسيم الطقسية للإثني عشر يوماً في احتفال اكيتو له ذات الدلالات أيضاً في عادات وتقاليد كنائسنا اليوم، ومنها على سبيل المثال: البخور، ملابس الكهنة، أوقات الصلاة، الثالوث، مزمور الخلق، الركوع والسجود، الاعتراف، ذبح الضحية، الصولجان، نوسرديل أي "عيد الصعود"، الزواج وغيرها من العادات والتقاليد الموروثة.
وفي نهاية المطاف وكما نوهنا بأن الأسباب الرئيسية لمثل هكذا سلبيات تعود بالدرجة الأولى على من يتعمدوا بتعميد أنفسهم على ايدي الأضعف منهم موقفاً لتولي المسؤوليات وهم على بُعدٍ من مفاهيم تلك المناسبات بالشكل المعني، ومن اشباههم كذلك من يدعمون هكذا مواقف بالسر والعلانية في السراء والضراء بدافع الغيرة المشؤومة التي تنخر نفوسهم للطعن بالصادقين والأوفياء الذين يتميزون بمواقفهم الصلدة المرونة. وكما قال احيقار الحكيم: ( لا يكن خوفك ممن كان ميسوراً فجاع، وإنما ممن كان جائعاً فشبع)
طالما يعلم البعض عن نوايا المسؤولين ومقدرتهم بأن الشمس لا تبخل على كشف ما غطته الثلوج الزائلة، ولا الرياح التي تزيل ما ترسب على الأرض وغطتها الأغبرة المتراكمة.
ولا نريد هنا فقط توجيه اللوم والنقد بشكل مباشر، وانما علينا أيضاً ان نشير لأقل ما يمكن عمله في حال عزوف البعض من مؤسساتنا ان تسعى بما ينبغي توظيفه على جمع الأعضاء في حلقات تعريفية بنقاش مشترك أو اقامة محاضرة عن ذات المناسبة أو مجموعة من العروض الخاصة بها وغيرها من النشاطات التي تنص عليها الدساتير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اكيتو: ويسمى بالسومرية: أكيتي زيغوركو، أكيتي سنونم، زغموك، أي الولادة الجديدة او العام الجديد، رأس شاتين، تم تفسيره بعدة معان: حزن الطبيعة وعودة الحياة لها، الإنتصار، التكاثر والنمو، ربطه بإسطورة تموز وعشتار، أعياد الربيع، لنختصره بالتالي برأس السنة إضافة لمعان أخرى.
** يعنى بمصطلح ميثولوجيا قصة على شكل اسطورة لثقافة شعب ما تخص المعتقد الديني والحكايات الشعبية     البطولية الحقيقية والخيالية أيضاً وعادة ما يُقصد بها الحكايات القديمة تاريخياً.   


13
أدب / إزدواجية زيف الانتماء
« في: 23:33 14/03/2019  »


إزدواجية زيف الانتماء


ميخائيل ممو

الحياة في عصر ذروة الأمنيات، تلفها وتغمرها وخزات من
أعتى مآسي المأساة، لتستبشر بنفوس أشخاص ديدنها التزييف والتحريف
والتسبيح القبيح على حساب مأساة الشعب الذبيح
وأصداء الوطن الجريح الذي يكشف اسرارهم
حتى وإن لازموا ظلمة الضريح
ليصدح بمقولة


1
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
بتسميات مُنتحلة
بجمعيات مفتعلة
وبآراء مُرتجـلة
من وحي لا يعـزّه الـوطـن
2
باعوا أنفسهم بأبخـس الـثمن
ارتجلوا قانعين
ركعوا فخورين
فعـادوا آسفـيـن
كونهم كسروا الغصن الفنن
3
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
لعـنوا ما تـبـنـوا
نكروا ما سَـنّـوا
بضعف ما تمنوا
كونهم تنسموا رائحة العفن
4
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
برُكعات مهينة
بأقـاويل مشينة
وبأسباب مبينة
فتذكروا ما قاسوا من مِحَن
5
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
تجاملوا وتراقـصوا
تباحثـوا وتناقـصوا
فتباشروا وتناصروا
ليبعدوا عنهمُ شعـلة الوهن
6
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
تبختروا وتعاضدوا
تحاملوا وتـكـابـدوا
وبالـتـالي تـباعـدوا
ليحتمي كل واحدٍ بما اختزن
7
باعوا أنفسهم بأبخس الثمن
بأوراق خضراء
بضمائر ســوداء
وبـروح هوجـاء
ليرتوي صوتهم بما قد لَسَن
8
باعوا أنفسهم بأبخس الثمن
تناسوا الخـيانة
وفقدان الامانة
بإفراغ الكنانة
لتظل السيوف تشكو المِحَن
9
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
تحسسوا بالمرارة
تراشقوا بالحجارة
وتيقـنوا الشرارة
إن أصابتهم أبداً لا تـُسْتـكن
10
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
تقاربوا وتفاهموا
تفاهموا وتلاءموا
وبالتالي تصادموا
على ما واحدهم قـد ارتهن
11
باعوا أنفسهم بأبخس الثمن
فتباهوا بالعلـن
وتأملوا الشجن
بمّا هو مُقـترَن
بأن التاريخ يحـكمه الـزمن
12
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
يشكون الخواء
يتمنون العزاء
لأقوياء أبرياء
إن كان الأمر سراً او العلن
13
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
تناسوا الضرير
الصغير والكبير
وجمّدوا الضمير
ليخلقوا ضميراً جلّه المِجَن
14
باعوا أنفسهم بأبخـس الثمن
وظنــوا بأن الأمر مُؤتَـمـَن
كل واحد على هـواه عجـن
وبما ارتضاه من سـر الفتن
كأنه قد أصاب جنّات عدن
15
نعم يا أيها التاريخ والزمن
وأنت الذي خانوك يا وطن
كبلوك بقيد لا يساويه الكفن
لتبق كالذي شله حلم الوسن
يأيها الوطن ويا أيها الزمن


15
.

18
نتاجات بالسريانية / ܡܫܘܼܚܬܵܐ
« في: 19:36 17/01/2019  »
.

19
أدب / الثور المجنح
« في: 19:33 17/01/2019  »


الثور المجنح


 ميخائيل ممو

أيها الثور المجنح
سيد الأحلام في آفاق الجبال
يا نبع القوة بمضرب الأمثال
في السهول
في السهوب
في الوديان
في شرق العراق وغربه
في الجنوب، وفي الشمال.

جئتُ ألقيك التحيه
أنقل مضمون الوصيه
عن سرّ هوية
هوية أصل الوطن
عن أسرار قضية
قضية وطن المحن
قضية المؤمنين والمؤمنات
قضية البائـسين والبائسات
قضية اليائـسين واليائسات
وها أنت لا زلت سارحاً في عمق السبات
تحلم حلم نخيل دجلة والفرات
وحلم من حلموا وماتوا على أرض الشتات
وصارعوا حشرجات الموت والحياة
قلوبهم ملأى بتسابيح الأمنيات
عيونهم أسرى ترانيم الدعوات
لدجلة الخيروالبشر (1)
لأنشودة المطر والشجر(2)
وللذي غاص في أعماق " كتاب البحر"(3)
فتمرّ الأيام والسنوات
على مفترق من الفترات
في عالم الشتات
يعلن الموت رحمة العزاء على الرفات
السياب مات
الجواهري مات
البياتي مات
ومن عاصروهم من بني آشور في أقبية الذات
وها نحن اليوم نبعث الدعوات
على ارواحهم بأسم الرحمات
ملؤها مراثي التأسي بالعبرات
 من نصوص آيات الصلاة.

***
غاب عنا نسور الشعـر بقـلـب تؤمّه الحسرات
وهم على أمل زوال عار الطغاة الغزاة العراة
ومن يناديهم نداء
صادفتَ أهلاً ووطئتَ سهلاً
على أرضك، أرض الحياة
ومن يعيد صدى النداء
لأئمة الشعر والشعراء
في عصر يعصره البلاء
سلاماً
سلاماً يا من سعدتم بسعادة العراق
سلاماً يا من سلمتم بسلامة العراق
سلاماً يا من تبسمتم ببسمة العراق

***
آه من إرادة القدر
آه عن غياب ضوء القمر
آه من عاصفة هوجاء لم تـُنتـَظر
وآه من مشيئة تزرع في الصدور الكدر
آه تردف آه
ترانيم حزن، يمّل منها الوتر
مستغرباً، متسائلاً ما الخبر؟
فتجيبه الآهات
بسكون واناة
فلان وفلان
فارقونا الحياة
والتيار لا زال يمطر العبرات
ونحن ننادي في كل زمان آت
هـلـموا نرفع التسابـيـح
على أنغام ناي الصلوات
إنّ ذكركم براق في الأعماق باق
إن شعركم قمر لا يصيبه المُحاق
على أرض العراق
وفي سماء العراق
سيظل عنصراً من عناصر الأشراق
سيظل شـيـمـة من شـيـم الـعـشــاق
ينشرالسنا الخلاق على مدى الآفاق
خالد خلود المجنح
في نينوى الذبيحه
خالد خلود تـمـوز
في بابل الجريحة
وكخلود باب عشتار
في متاحف عامرة فسيحه
***
أيها الثور المجنح
أرى جناحيك يذرفان دموع الحزن
على أرصفة الحضارة
أقرأ في مقلتيك الشاحبتين وقار الصمت
تشع منهما الأنارة
تعبق منهما نسائم الإثارة
تحاكي رونق قوس القزح كبحر عَبّ عُبابُه
  وسُحُبُ الوهن تلبدت في موكب حزن عَمّ سرابُه
تندب الزمن الذي قد طالَ غيابُه
تتلو بتثاؤبٍ مرتجفٍ
تكلله وخزات الكآبة
ما هذه الرتابة
ما هذه الغرابة
اليوم يومك
يا مجنح العصر
أن تجمع أصوات الشجاعة
أن تصعق
أن تصهل
أن تزأر
أن تزعق
في عراق اليوم
عراق أزيحت عنه كوابيس السحابه
فيا أيها الثور المجنح
بإسم إلهك تسبّح
هب هبة الريح
وترنح
أبسط ذراعيك
على سهول أبويك
لبي انتظار كلكامش الخلود
وانتظار عشتار رمز الوجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. اشارة لقصيدة محمد مهدي الجواهري الشهيرة بعنوان " يا دجلة الخير"
2. اشارة لقصيدة بدر شاكر السياب الشهيرة " بعنوان " انشودة المطر"
3. اشارة لديوان عبد الوهاب البياتي " كتاب البحر " الذي يحمل بين دفتيه الحب الذي يكنه للوطن.

23
.

27
كلمة ميخائيل ممو لمناسبة يوم اللغة الآشورية واليوبيل الذهبي لباكورة كتابه الأدبي
الكهنة الأفاضل.. الأساتذة المحترمون.. والحضور الكريم.
في البدء نرحب بكم أجمل ترحيب، شاكراً لكم حضوركم ومشاركتكم وأيانا بمناسبتين متجسدتين بنور الحرف والكلمة تحت راية جملة يوم اللغة الآشورية، إنطلاقاً من (في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله).
بما ان هذا اليوم الذي نلتقي فيه هو بمناسبة يوم اللغة الآشورية الأم بالدرجة الأولى، فلا بد من القاء نظرة وجيزة عن أسباب ودوافع تسميته والاحتفال به.
ومن جانب آخر يشمل هذا الإحتفال بمرور 50 عاماً على إصدار اول نتاجاتي الأدبية وما تلاها فيما بعد من نتاجات.
لكل من هاتين المناسبتين أهميتهما في حياتي.. وإن سألتموني لماذا؟ سأجيبكم عن المناسبة الأولى بما يلي:
1.   قبل خمس سنوات أعلمني رئيس المجلس القومي الآشوري في شيكاغو بإقامة حفل تكريمي لي شخصياً تقديراً لجهودي في الحقل اللغوي والأدبي، فكان جوابي بالشكر الجزيل، ولكن هناك من هم أكبر مني وأكثر عطاءاً. يا حبذا لو تم تكريمهم ايضاً وزيادة العدد. وعلى أثر ذلك كُلفت على تسمية بعض الشخصيات من الدول التي يقطنوها من كلا الجنسين.
2.   في الوقت نفسه قدمت اقتراحاً ان نعلن في ذات اليوم عن تسمية وإقرار يوم اللغة الآشورية تيمناً بكافة دول العالم، فتمت الموافقة على ذلك، وأثناء التقائنا في شيكاغو لتسمية اليوم المحدد، فكان رأيي يوم 21 نيسان من كل عام.
3.   أما لماذا هذا اليوم؟ الجواب هو: احتراما لأولئك الجنود المجهولين من العاملين الحاذقين الذين بدأوا عام 1921 البالغ عددهم على التوالي 85 عالماً لغوياً على مدى 90 عاماً على وضع القاموس الآشوري من اللغة الأكادية المسمارية في 21 جزءاً وإصداره في شهر نيسان من عام 2011. وعلى أثر ذلك تمت الموافقة والإعلان عنه في حفلة خاصة حضرها أكثر من 400 شخصاً من رجال الدين واللغويين والعلمانيين يوم 23 حزيران 2013. وتم نقل الإحتفال من خلال القناة التلفزيونية ا ن ب سات.
4.     بعد الإعلان رسمياً عن ذلك ونشره، توالت الاحتفالات في العديد من الدول والتي منها، السويد، أرمينيا، جورجيا، روسيا، استراليا، أمريكا والعراق أيضاً. وتم تدوينه في التقويم السنوي الصادر عن المجلس القومي الآشوري في الينوي بمدينة شيكاغو.
5.   يظن البعض من دعاة العمل القومي بأن يوم اللغة الآشورية هو 21 شباط من كل عام دون وعيهم ومعرفتهم بأنه يوم اللغة العالمي لكافة اللغات الذي أقرته منظمة اليونسكو عام 1999، ويتناسوا بأن لكل شعب له اليوم المقرر بلغته كاللغة العربية يوم 18 كانون الأول، والإنكليزية يوم 23 نيسان، والروسية يوم 6 حزيران، والصينية يوم 12 تشرين الثاني وغيرها.
أما المناسبة الثانية التي هي اليوبيل الخمسيني لطبع وإصدار باكورة نتاجي الأدبي كأول كتاب عام 1968 في بغداد، وكذلك إقامة المعرض الخاص بنتاجاتي الأدبية. فهذه مسألة تحيرني.. نعم تحيرني، كيف بي أن أصدر كراساً بهيئة كتاب وبعنوان " ما هو البحث؟ وكيف تكتبه؟" علماً بأن مثل هذا الموضوع بحاجة إلى اختصاصيين على المستوى الجامعي الأكاديمي. ولحد اليوم لا زلت أفكر كيف تجرأت على تناول هذا الموضوع، وأنا آنذاك في العقد الثاني من العمر، وفي بداية محاولاتي الأدبية.
رغم كل ذلك، ومما زادني فرحاً أن يتبنى أحد مكاتب النشر على تولي مهمة طبعه وتوزيعه. وإضافة لذلك أن يتم تزويده في مكتبات المدارس والجامعات أيضاً دون معرفتي، بدليل ما حدثني زميلي الكاتب أبرم شبيرا أثناء دراسته الماجستير في جامعة بغداد وحاجته لمثل هكذا كتاب، بتناوله أياه من مكتبة الجامعة، إضافة لتدوينه كمرجع في الجزء الثالث من معجم المؤلفين العراقيين بمساعدة المجمع العلمي العراقي للكاتب كوركيس عواد، عام 1968.
على أية حال أن ما يهمني هنا عن معرض الكتاب الذي أقدمت على تنفيذه لحيز الوجود، حفزتني عدة دوافع، أهمها ما يلي:
1.   ان الكاتب عادة ما يعتمد على نفسه في تحمل تكاليف ما ينتجه.
2.   أن الكتاب الورقي والكاتب في العصر التكنولوجي دخل في عداد المظلومين.
3.   جهل القراء بما ينتجه الكاتب في موضوعات مختلفة رغم أهميتها.
4.   إظهار ما يختفي على شعوب ذات اللغة، لحثهم بإقتفاء ذات المنوال.
5.   تقوية العلاقات مع الجهات التي تدعم جهود المنتديات الاجتماعية والثقافية والأدباء والفنانين.
6.    حث أبناء شعبنا الآشوري ومن لهم اهتمامات للمشاركة في الإحتفال.
7.   تقديم نشاطات مختلفة منها الموسيقية والقراءات الشعرية للناشئة وتشجيعهم للمساهمة والمشاركة الفعلية.
8.   أن يعلم الغرباء بأننا من سلالة الذين أنشأوا الحضارات وأسسوا أعظم مكتبة في العالم.
9.   أن يدرك المتخاذلون عن وجودهم بأن حقيقتهم تكتشفها الحروف التي تصاغ بها نور الحِكَم.
10.   وأخيراً فالكتاب خير جليس للإنسان، يهديك ويرشدك لطريق الصواب.
ميخائيل ممو



29
من أمراض مسؤولي منتدياتنا
ميخائيل ممو
من المتعارف عليه في دول الشرق الأوسط، وما يتم ضمه إلى ذات القائمة من دول شمال افريقيا إضافة لعالم الغرب عن التزامها بالعادات والتقاليد الموروثة والمناسبات المعتمدة سنوياً في الإطار الديني والقومي، وعلى وفق خاص ومتميز الأعياد الدينية منها بحيث تعم الأفراح على استقبالها والابتهاج بها بتزيين المدن والمساكن واعتماد الزيارات المتتالية لدى غالبية عوائل المذاهب الدينية المختلفة من شعوب العالم وحتى الرسمية منها. وبذات المنحى ما يخص المناسبات القومية التي تتوالى على مدار السنة لدى الشعوب بغية الإحتفاء بها من وحي الإلتزام بمآثرها الموروثة من أقدم العصور، أو بما تفرضه الأحداث التاريخية لواقعة ما إن كانت سلبية يكللها الحزن والأسى أو إيجابية الفرح والإبتهاج. وعادة ما تنبع ذكرى إحياء تلك المناسبات من إيمان الطليعة الواعية أو الجهات الرسمية كالحكومية وغير الرسمية كالمنتديات الأدبية والثقافية والإجتماعية والسياسية.
وبما أن الشعب الآشوري الذي ذاق الأمرين بكافة تسمياته في تاريخه القديم والحديث المعاصر لم يتوانى في الحفاظ على هويته الأصلية ومواصلة مسيرته الحياتية بالرغم من كل المصائب التي حلت به، والمصاعب التي جعلته مرفوع الرأس ليثبت وجوده، وبشكل متميز من خلال إعادة مآثر تاريخه بمواقف عتيدة مجسداً أيّاها في كل عام، والتي منها أعياد أكيتو رأس السنة الآشورية الجديدة وذكرى الشهداء الآشوريين ويوم اللغة الآشورية والدينية منها العديدة في التقويم السنوي. لكن المؤسف له أن نجد اليوم وفي عصر بلغ العالم فيه قمة التطور الحضاري والعلمي والتثقيفي أن تتصارع مؤسساتنا التي تأسست في ديار الغربة وحتى في الوطن الأم، أن تنحاز في مواقفها من بعضها لتدير ظهرها عن المؤسسات الشبيهة لها والأكثر عراقة وقِدَماً في تواجدها، إن كانت اجتماعية ثقافية أو سياسية. الأهم والأدهى من ذلك في ديار الغربة التي يتواجد فيها أبناء شعبنا بإقدامهم على تأسيس منتديات مستحدثة لأسباب لم تكن مجهولة طالما يتم تأطيرها وتزيينها بصبغة طائفية أو إقليمية أو نفعية رغم تواجد ذات المنتديات في ذات المناطق ومن أبناء ذات الأرومة. وكأن من أقدموا على ذلك قد هبطوا من المريخ أو قارة أخرى لإستحداث ما لم يُستَحدث. بهذا ومن دون أي شك فأن الواقع المؤسف يؤكد ذلك حين يتضح الأمر من ضعفاء النفوس بأن " فلان وعلان وفلتان" من أبناء جلدتي، أو من أبناء قريتي، أو من أبناء عشيرتي دون تحسسهم بأنهم يزيدون النار اشتعالاً بتكثيف لهيبها لتلتهم الأخضر واليابس، بزرع التفرقة والانشقاقات التي تزيد الطين بلة. هذا ما ينجلي أمام أنظارنا، وما يتكرر في بلدان الإغتراب ويطرق أسماعنا من كل حدب وصوب في أوربا وحتى في الولايات الأمريكية.
لذا فمن حقنا التساؤل: أليس الأولى بها أن تتباحث وتستشير الأقدم منها في تجاربها ومواقفها طالما هي في دور الحداثة؟! ومن ثم أوليس أيضاً أن تقترب جميعها في دائرة واحدة لتؤكد لحمتها من بعضها؟! وعلى أقل ما يمكن طلب الإستشارة أو المشورة بإيضاح صفاء النية لبيان صيغة الأصلح والأنفع. علماً بأن الإقدام على فرز وتبديد وبعثرة القوة هو إضعاف تلك القوة. فالويل لأبناء شعب يكيلون بمكيال عنجهية الرأي في مواقفهم الخاصة بتبريرات سلبية وتأويلات لا تمت للواقع بصلة. وقد صدق وأبدع جبران خليل جبران (1883 ـ 1931) في عصر الإضطرابات الفكرية حين دَوّن دُرَراً من الحِكَم في مقالته الشهيرة "ويل لأمة" التي إختتمها بمقولة " ويلٌ لأمة مقسمة إلى أجزاء، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة".
فإن كان الجواب سلباً مما أشرنا إليه، فمن المحتم أن تكون النتائج أكثر سلبية مما هو عليه. لكون دساتير منتدياتنا هي ذاتها في موادها القانونية وفي عملها القومي، ولكون من يتمنطق بإيمانه القومي هو ذاته لدى الآخرين أيضاً.
على أية حال هناك العديد من الأمثلة للنتائج السلبية المستشرية في أوساط مجتمعنا الكبير، سواء في الحقل القومي أو الديني. لذا ينبغي ويتحتم على كل من يحاول قطع صلات الثقة أن يعي بأنه يتلولب في دوامة ضبابية ليكون بالتالي يائساً من نفسه ومن يحيط به ليستدرك من أخطائه ما هو الأصلح والأجدى لإثبات الوجود والأهداف التي يسعى لتحقيقها والآمال التي يبني عليها الأحلام في مبادئه.
وفي الختام دعوني استثني كيان منتدياتنا من صفات العلل، وبمحاشاة من يعي إيمانه الحقيقي وصدقه الناصع بصراحة منطقية. وأن ينفض عن كتفه من يشعر وجود ذرات الغبار، عسى ولعل أن يعود إلى رشده ويعترف بالحقيقة رغم مرارتها. وللحديث صلة لإستيعاب ما نرمي إليه بشكل أوسع عن واقع منتدياتنا.


32
الموسيقار يوسف إيشو
 
 
رحل قبل أوانه
بقلم: ميخائيل ممو
من المؤسف له اننا تعودنا على نعي من يرحل عنا بجمل وعبارات تأبينية بإسلوب مأساوي  تحفه أقسى مفردات الحزن تقديرا وتبجيلاً لمكانة من له من العطاءات من أبناء شعبنا تخليداً لعصارة أفكاره النيرة وأعماله المجدية بعرض مناقبه وبما إتصف به من الخصال الحميدة والأخلاق النبيلة والأعمال التي تدر بالنفع العام.
هذا ما يحتمه علينا إحساسنا وتولده مشاعرنا تأسفاً لرحيل المبدعين من ادبائنا وشعرائنا وفنانينا  من الميدعين والمتميزين الذين نشير اليهم بالبنان، ولكن هل فكرنا ودفعتنا الحمية بأن نثمن جهودهم ونرفع من شأنهم لنبرز مكانتهم وهم أحياء في قمة العطاء والمفخرة لنا بما هم عليه؟!
نعم اكررها ثانية وأقول حتّام نظل ننظر بعين ناعسة لمن يبهر العقول بنتاجاته التي سيخلدها التاريخ بعد رحيله الأبدي رغم معرفتنا واعجابنا بها، ورغم عزوف منتدياتنا عن الأخذ بيده وتبني ما يَقْدِم عليه بجهد شخصي خالص من أجل إعلاء شأن الآخرين. وما أجمل أن يقول البعض دعني أسير في مسلك حياتي لإثري عطائي، وإن ما يغيظك مني قد يدعك المستقبل تعض بنان الندم. والأجمل من ذلك مقولة امنحني وردة واحدة في حياتي بدلاً من تكدس باقات من الورود على مثواي الأخير.                                                                                              إن ما دعاني لسرد هذه الكلمة التي قد يظن البعض أنها من باب الملاطفة للترويح عن القلوب الكليمة او نفوس من حزت بهم وآلمتهم فاجعة رحيل الموسيقار يوسف إيشو، سواء أكانوا من ذويه ومن أقرب المقربين له أو خلانه الأوفياء، ولربما يجعلها البعض منافية لما أشرت إليه في بدء كلامي. قد يكون الأمر كذلك كما إعتدنا عليه للتخفيف من شدة الحزن، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، كون الذين غفلوا أهمية هكذا شخصيات قد يؤنبهم ضميرهم بما لم يعتادوا عليه، وبأن تلك الشخصيات بإبداعاتهم لم يذهب عملهم سُدى وإنما نقشوا أسمائهم على صخور صلدة لتبقى على مدى التاريخ مثلما نستذكر دوماً من خدم ودون تاريخنا وحافظ على استمرارية وجودنا أدباً وفناً وتراثاً.
إن الصدفة التي أودت بي للتعارف على شخصية الفقيد الراحل المرحوم يوسف إيشو قبل عشرين عاماً في ربوع تل تمر زادت من معرفتي به عن كثب والوقوف على ما نتجه فكره وأبدعته أنامله أي بالأحرى أصابعه. وما أغربها الصدفة الثانية بعد عشرين عاماً وفي صباح العشرين من شباط 2018 حيث كنت منهكاً في أرشفة مجموعة من الأفلام التذكارية القديمة لإعادة تسجيلها وحفظها من التلف والضياع أن أحظي بأحدها لتلك المقابلة التي جمعتني والفقيد مع المطرب المرحوم عمو إسكندر والعازفة المبدعة أمل التي نَعَتُها في حينها بإسم " سَوْرا " باللغة الآشورية، الساكنة حالياً في السويد على ما أظن ذلك. نعم ما أغربها من صدفة بعد انتهائي من إعادة تسجيل تلك المقابلة أن أقوم بتصفح موقع التواصل الإجتماعي ليصيبني الفزع من صورة الفقيد المؤطرة بشارة الحزن مسرعاً على التهام العبارات الحزينة الدالة على رحيله الأبدي في نفس اليوم وهو في العقد السادس من عمره.
حقاً أن مثل هذه المواقف عادة ما تبعث الحيرة والإستغراب وبما لا يُصدق، وكأن الإيحاء ينبئني بأن زميلك رحل في هذا اليوم، فرحت أتصفح صفحات الفيس بوك وإذا بالحدث حقيقة لتهافت الكتابات الـتأبينة الحزينة مؤكدة النعي المحتوم. فإضطررت في تلك الأثناء على استنساخ بعض الصور المرفقة من الفلم كدليل على ما نوهت إليه ونشرها ضمن هذا السرد.
ما يمكنني الذكر هنا وعلى ضوء معرفتي بأن الموسيقار الفقيد منذ مطلع شبابه وهو بعد فتى يافع سحرته الموسيقى ليزوجها مع سحر طبيعة مرابع الخابور ونسيمها العليل، مجسداً أياها وَرِقّة أوتار عوده الذي تيتم، وتلك آلاته الموسيقية الراكنة في أرجاء غرفته التي تحفزه وتلهمه بنغمات لمسات تراثية ومَسحات دينية مؤثرة لتصدح من خلالها أصوات العديد من المطربين الآشوريين والجوقات بإداء غنائي أو دور تمثيلي على ما تترنم به الفرق الموسيقية كترنم الطائر في هديره بدقته ولطفه.
من جراء هذه المشاعر راوده الحلم أن يشغف بفن الموسيقى، ومن أجل أن يحقق حلمه بعد دراسته في المرحلة الثانوية في تل تمر، التحق بمعهد الموسيقى في دمشق ليتخرج عام 1980 وهو على مشارف الثانية والعشرين من العمر الزمني وأكبر من ذلك في مرحلة العمر العقلي في المجال النغمي. ومن ثم إرتقى به الإصرار ليوسع من آفاق طموحه وأحلامه في مجالات أخرى شملت تأليف المقطوعات الموسيقية وعملية التوزيع الموسيقي بإسلوب يماشي التطور الزمني وفق الآلات المستحدثة. ولكي نثبت تألقه في مجال عمله ننقل مقتطفات هامة مما دونه موقع هلمون.نت بالإشارة إلى أنه مارس مهنة التدريس الموسيقي لمدة عشرين عاماً، وإلى جانب ذلك قضى وقت فراغه في حقل التأليف الموسيقي بألحان متميزة للعديد من المسرحيات التراثية التي منها " الطوفان " ، " كلكامش " ، " موسيقى أورمي " ، موسيقى العرس الجماعي في إحتفال أكيدو " ، " موسيقى السلام " ، " الخليقة " وغيرها الخاصة بمسرحيات الأطفال أيضاً. والجدير ذكره أنه أقدم على تأسيس ستوديو "أثرا " أي الوطن كمركز فني للموسيقى محتضناً العديد من المهتمين بما كان يسعى إليه لتحقيق مآربهم. ومن خلال لقاء إذاعي أفاد بأنه قد لَحّنَ أربعمائة لحناً وأربعين مقطوعة موسيقية.
ومما هو متعارف عليه أنه وضع من بين تلك الألحان ما يقارب 250 لحناً لمشاهير المطربين الآشوريين والأغاني العربية أيضاً. وبما أن الفقيد كان قد كرس ونذر حياته من أجل الفن الموسيقي بدلالة ما أقام من الأمسيات الغنائية وشارك في المهرجانات الخاصة بذلك مزيداً عليها بمحاضراته القيمة ذات الطابع التراثي الأصيل وتعامله مع شعراء النص الغنائي إلى جانب تربية الأجيال الناشئة وتدريبهم على العديد من الآلات الموسيقية في دورات خاصة. وإننا مهما كتبنا عنه بعد رحيله حتماً لا نوفيه حقه، حيث كان الأحرى بالمحيطين به وعلى مقربة منه من هيئات ومنتديات ومؤسسات رسمية وشبه رسمية وعلى وفق خاص الآشورية منها أن يقلدوه وسام الشرف وهو على قيد الحياة إسوة بالعديد من شعوب العالم، وعلى أقل تقدير تيمنا بمقولته الإيمانية الصادقة ( لا شيء يجعلني أفكر بالتوقف عن التلحين ما دمت أؤمن بالشعب الذي أنتمي إليه). وإعترافه بمقولة (أصعب قرار اتخذته في مجال الفن هو بناء شخصية خاصة للموسيقى والأغنية الآشورية والإستعانة بتراثنا الآشوري لتطويرها).
رغم الثقافة الفنية التي تسلح بها الموسيقار يوسف ايشو فإن مطالعاته وتبحرة في استقصاء منابت الموسيقى الآشورية ارتقت به ليوسع من مداركه كمثقف ضليع في مناقشاته ومداخلاته عن التاريخ الحضاري للوجود الآشوري. هذا ما تجلى لي عن كثب من خلال لقائي معه في تل تمر أثناء زياراتي الميدانية. فما أجمله وأروعه حين يقول: (نحن شعب حي وأصحاب حضارة عريقة، أجدادنا كانوا السباقين في جميع الميادين في العلوم والمعرفة والفنون والموسيقا، ولن نكون أحفاد أولئك العباقرة إلا بالعلم والعمل والمثابرة والجهد المتواصل في كافة المجالات). من هذا المنطلق المنطقي أثبت وجوداً متميزاً ومكانة عالية وأضحى ضحية تلك الحنجرة التي أتعبها بمتابعاته لتكون هي الأخرى في آخر أيام حياته سبباً لرحيلة الأبدي في الأخدار السماوية.
كفى أن نقول: لقد أدى رسالته القومية بفخر وإعتزاز وبإيمان صادق على أكمل وجه بما خلفه من آثار تنطق بوفائه لتاريخ أمته ولغتها وديمومة وجودها. وسيبقى اسمه راية ترفرف في كل أغنية صاغ لحنها، وفي كل مقطوعة موسيقية تشنف آذان سامعيها ومنها معزوفة "أورمي" معقل الفن والأدب الآشوري الحديث التي كان يعتز بها ولها مكانة في قلبه.           
ألف رحمة على روحه الطاهرة.

   
 
ولكي نثبت ما ذهبنا إليه تشهد مداخلات وتعليقات ما لا يحصى عددها بحق الموسيقار الراحل بالإشارة لمآثره المتنوعة، ومن تلك الكتابات على سبيل المثال لا الحصر، نذكر ما وصف به الشاعر فهد اسحق مكانة الفقيد بقولة: ( يوسف إيشو... لم يمُـتْ ولن يموت أبداً .!سـوريا تشهَـدُ بذلك ، والفراتُ ودجلة والخابور يشهدون بذلك .حقول سنابل الحِنطـةِ على ضفافِ مجرى الدّمع وكروم كلّ القلوب الصادقة المُحبّة تنتظر منه لمسات اللحن الأخير لتتمكّن أسـرابُ الطيور من التغريد بحريّةٍ في فضاء الخلود والنّقـاء .. وداعـاً أيّها القلب الممتلئ ألحاناً وتراتيلاً وقصـائد .تخجـلُ حروفنـا أمام عظمة عطائك ....وداعـاً ...يوسف إيشو).

وكذلك ما دونه الأستاذ نينوس أيشو عن الحزب الآشوري بقوله: (الحزب الآشوري الديمقراطي يتقدم بتعازيه القلبية لعائلة الفقيد و لكل الأمة الآشورية برحيل موسيقار كرس وقته و جهده لفنه الملتزم و الذي تمكن من تأسيس مدرسة فنية ستبقى خالدة في تاريخ الفن الآشوري. ستبقى حيا في ضمير الأمة ابد الدهر).

إضافة ما أشار إليه المكتب الإعلامي للمنظمة الآثورية الديمقراطية بمقولة (ببالغ الحزن والأسى تلقينا نبأ وفاة الموسيقار الآشوري المبدع الأستاذ يوسف إيشو اليوم الثلاثاء 20 شباط 2018 في إحدى مشافي دمشق بعد صراع طويل مع المرض. وبوفاته تفقد الأمة الآشورية أحد أهم المبدعين في مجال التلحين والتأليف والتوزيع الموسيقي. نعزي أنفسنا وأبناء شعبنا السرياني الآشوري بفقدان هذه القامة الفنية، ونتقدم بالتعازي من أهله وذويه، راجين من الله أن يتغمده برحمته، وليبقى ذكره طيبا مخلدا).
ناهيكم عن المشاركات التي لا حصر لها من أبناء شعبنا ، ومن له معرفة بشخصية الفقيد من قريب وبعيد.

ومما كتبه الأستاذ داديشو بطرس نقتطف قوله: (بقلب يعتصره الألم والحزن الشديد والأسف العميق تلقينا نبأ الرحيل الصادم والمبكر جداً للأخ العزيز أمير الموسيقى الآشورية الأستاذ يوسف أبو فريد وارتقائه الى الملكوت السماوي لتستقر روحه في أحضان الخلود السرمدي. وبرحيله تفقد الأمة الآشورية أحد أهم مبدعيها في مجال التلحين والتأليف والتوزيع الموسيقي، لذلك ترك رحيله في أعماقنا جرحاً بليغاً لن يندمل أبداً , فقد كان الراحل كالموسيقى الهادئة تتغلغل الى القلوب بصمت وعمق واستمرار).
ومن العراق دون المهندس والكاتب خوشابا سولاقا من العراق (له الرحمة والراحة الأبدية والذكر الطيب. أرقد بسلام قرير العين مع شهداء الأمة الآشورية إنك قاتلت بأوتار عودك وقيثارتك خير قتال ونلت شهادة الشرف من الدرجة الأولى يا موسيقار الأمة الآشورية يوسف إيشو. تعزينا الحارة لأهله ومحبيه).
 .

33
من أدب الرحلات
 جولتي في اليونان
بقلم: ميخائيل ممو
يقول المثل اليوناني: " الصداقة أرض نزرعها بأيدينا " ويذهب الفيلسوف الفرنسي فولتير معلناً " أنه بفضل الصداقة يستطيع المرء أن يضاعف نفسه وأن يحيا في نفوس الآخرين"، وهنا قد يكون للصدفة دورها في نثر بذور تلك الصداقة، كما هو الحال في العديد من الإكتشافات التي دونها التاريخ ويشهد لها بالمصادفة من منطلق مقولة " رب صدفة أجمل من ألف ميعاد."   
أحيانا ً ومن واقع تلك الإعتبارات قد تقود أجواء المناسبات على تحقيق ما يبتغيه الفرد بدافع معين تمليه الصدفة. هذا ما دعاني بعامل الدافع القومي في مؤتمر إتحاد الأندية الآشورية المنعقد عام 1999 في ستوكهولم أن ألتقي شخصيتين من منتدى إتحاد الآشوريين في اليونان بمشاركتهما في المؤتمر المذكور، فشدني طموحي وحفزني شعوري لأكون قريباً منهما وهما يفصحان بلغة لفظية مغايرة نوعاً ما   م م ا ألفناه في حديثنا اليومي، ونكون على مقربة من بعضنا على مدى يومين من إنعقاد المؤتمر تبعتها فيما بعد لقاءات أخرى في اليونان. 

وبما أن الشخصيتين هما من أصول آشورية ومن أحفاد وسلالة العوائل الآشورية الأصيلة المهاجرة التي فرضت عليهم المذابح الوحشية البربرية العثمانية ـ التركية بحق الشعب الآشوري إلى جانب الشعبين اليوناني والأرمني على هجرة مواطنهم الأصلية واللجوء في دول عديدة كإيران والعراق وروسيا وغيرها، التي منها اليونان أيضاً والقسم منهم بنزوحه من دولة لأخرى، هروباً وتخلصاً من بطش وأنتهاكات أعداء الإيمان الديني المخالف لإيمانهم ومعتقدهم القومي والإثني، واعتبارهم من شذاذ الآفاق أي من المواطنين الغرباء، إضافة للوعود الكاذبة والمبطنة من هيمنة بريطانيا وروسيا في حماية الأشوريين لتحقيق وتنفيذ مآربهم. 

من جراء تلك السياسات المبطنة والمزدوجة توالت الهجرات الجماعية التي منها اليونان بقدوم ما يقارب مائة عائلة آشورية عام 1922 واستقرارها في منطقة موشخاتو إحدى ضواحي أثينا. وبعد مكوثهم فيها وجدوا بأن تردي الظروف الطقسية بسبب موقعها الجغرافي المنخفض،كان الأ و لى بهم الإنتقال إلى منطقة إيغاليو على بعد في حدود 35 كم كونها الأكثر إرتفاع اً وسعة، ليستقروا فيها بشكل دائم، و ي   ق د موا على تنظيم حياتهم من خلال جمعيتهم المعنونة بالإتحاد أي "خويادا" بتأسيسها عام 1934 والإقدام على مناشدة المؤسسات الرسمية والمنظمات الإنسانية وعصبة الأمم بغية المساهمة في تحسين ظروفهم المعيشية والمهنية وإنتشالهم من الضيق المادي والفقر والظرف الاجتماعي والنفسي في بلد يجهلون فيه لغته وقوانينه، حظيوا فيه الإستقبال والرعاية والإهتمام، وعلى وفق خاص التحاق الناشئة بالمدارس الرسمية. وبمرور الزمن التحق البعض منهم بالمعاهد والجامعات وتخرجهم منها والتحاقهم بالوظائف الرسمية ليتأهل البعض في الحقل الطبي والقانوني وإدارة الأعمال ومهن أخرى. وفي فترة قياسية وجيزة أثبتوا وجودهم كشعب مثابر وحريص على خدمة وطنهم الجديد بدليل التحاقهم في الخدمة العسكرية ودفاعهم ضد الدول المناوئة لليونان كأيطاليا وألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية إبتداء بعام 1939 وإنتهاء بعام 1945 حين وضعت الحرب أوزارها، بحيث عززوا موقفهم وموقعهم وإخلاصهم جعلت منهم محط أنظار سلطات الحكومة اليونانية بما قاموا به وأظهروا شجاعة وبسالة. 
إن ما جسده الآشوريون هيأت لهم مواقفهم الإنضمام لبعض التنظيمات الحزبية التي هي الأخرى فتحت الأبواب أمامهم لتولي المسؤوليات الخدمية وأبرز دليل الدعم الذي لاقاه السيد أوتو داود ميخائيل من مواليد عام 1947، بترشحيه وإنتخابه نائباً لرئيس مجلس بلدية إيغاليو لمدة ثلاث سنوات حتى عام 1990 إضافة لمسؤوليات أخرى ومن ثم تقاعده عن الخدمة ،علماً بأن تأهيله العلمي هو في مجال الهندسة الكهربائية والميكانيكية، حيث كان قد تولى رئاسة الإتحاد الآشوري لعدة سنوات. ومن بعده تولى زميله الذي لا يقل شأناً عنه السيد قرياقوس بيت جورا من مواليد 1956 وتأهيله العلمي في ميدان الفنون الإدارية الخاصة بالعمليات الحسابية والتجارية، ويمارس مهنته من خلال محل خاص يديره بنفسه، إضافة لما ورثه عن والديه من أملاك على شكل بنايات بعدة طوابق، شأنه شأن من ورث من الأملاك. الميزة التي يتمتع بها السيد قرياقوس حرصه القومي الشديد في الحفاظ على الوجود الآشوري ،وتمتعه بأفكار نهضة الشعب الآشوري ودعمه أبناء جلدته في كافة المجالات، أهلته للمضي  قدماً، إضافة للشعبية التي يتمتع بها بحكم علاقاته مع المسؤولين على المستوى الحكومي والبلدي كشخصية لها مكانتها. والأدهى من كل هذه الميزات إهتمامه وحرصه وتضحيته في إعلاء شأن صرح بناية الإتحاد ذات الأربعة طوابق على غرار قلاع نينوى. ومن جملة مآثره أيضاً سعيه الحثيث على تنفيذ النصب التذكاري ليوم الشهيد الآشوري بأربعة واجهات تمثل كل واجهة رموز تاريخية، تم افتتاحه رسيماً عام 2014 في مكان بارز من منطقة إيغاليو بمحاذاة إحدى الكنائس الكبيرة وبحضور العديد من الشخصيات الرسمية الحكومية والآشورية.

من الجدير ذكره بأن الهيئة الإدارية لإتحاد الشعب الآشوري في اليونان لم يتواني أبداً من إستقبال أبناء شعبنا المهاجر عبر لجوءه في اليونان ليتواصل في تنقلاته المسقبلية عبر مجلس الكنائس العالمي. ومن جانب آخر أن اشورييي اليونان الآوائل استقبلوا المهاجرين الآشوريين من العراق وسوريا ولبنان منذ الستينيات بحرص شديد وإحترام كبير ووفروا لهم
وسائل الراحة والإقامات المؤقته بواسطة الإتحاد لإتمام معاملاتهم والسفر لدول أخرى .ونتيجة للعلاقات الاجتماعية بين الشعبين الآشوري واليوناني فرضت على البعض من الشباب والشابات على التقارب ببناء عش الحياة الزوجية ،وبقي البعض منهم منسجماً في العيش الرغيد والبعض الآخر مواصلاً عزيمته على ما إرتأه وخطط له بحكم الشمل العائلي سواء في اليونان أو دول أخرى.
إن سفراتي المتكررة إلى اليونان جعلتني في كل مرة أن ألتقي الأخ قرياقوس رغم وجودي في مناطق سياحية أخرى، ومن خلال محادثاتنا الهاتفية عادة ما يحثني على لقياه، وحين يعجز عن التعبير بصوته الجهوري يولي الأخ الفاضل حنا خوشابا البازي ـ إن لم مخطئاً وكيله المباشر في الاتصالات ـ أن يخاطبني بتلبية طلبه، رغم البعد بين جزيرة وأخرى .فأكون عندئذ ملبياً دعوته ليجرنا بعد اللقاء بأحاديثه الشيقة في خضم مشاريع مستقبلية عن العمل المجدي والوجود القومي الآشوري الذي يسري في عروقه وكيانه. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها لكل من جالسه وصاحبه. وربما هذه الفكرة من منطلق مقولة " شبيه الشئ منجذب إليه فجاور من تميل إليه."  ولهذا الإيضاح أود أيضاً أن أشكر الأخت جانيت عقيلة السيد حنا على ما تبديه بصدر رحب على إستقبال الضيوف ودعم بعلها لإداء مهامه بأكمل وجه.
بعد لقائنا الأول وتعارفنا شاءت الصدف أن أزور منطقة إيغاليو في نفس العام، حاملاً معي مجموعة من كتب منهجي التربوي لتعليم اللغة الآشورية لدعم مكتبة الإتحاد مع مجموعة من الوسائل التثقيفية الأخرى، ولقائي بأعضاء هيئة الإتحاد لتبادل الخبرات. وعلى أثرها بعد عودتي إلى السويد فوجئت بكتاب رسمي يشيد بجهودي ومواقفي وإعتباري كعضو فخري في الإتحاد من خلال القرار المتخذ بتاريخ 7.211999.0 الصادر بتاريخ 21.08.1999.
وفي السنة التي تليها قرر نادي بابيلون الآشوري بمدينة يونشوبينغ على تزويد الإتحاد بجهاز الكومبيوتر تثميناً لجهود الهيئة في خدمة المجتمع الآشوري وذلك بواسطة الأخ القس وليم ياقو آنذاك الذي تجشم عناء إيصال الجهاز للاتحاد مشكور اً. ومن ثم توالت الاتصالات فتم دعوتي عام 2010 لمناسبة إحياء يوم الشهيد الآشوري بإلقاء محاضرة عن هذه المناسبة بحضور جمع غفير من المهاجرين، ومن بعدها دعوتي عام 2011 للمشاركة في الاجتماع المنعقد في البرلمان اليوناني عن مذابح الآشوريين والأرمن واليونانيين، ولتعذر حضوري بسبب مشاركتي في مؤتمر لغوي في النرويج كنت قد لبيت الطلب بإرسال كلمة مطولة عن مآسي المذابح تم إلقاؤها باللغة الإنكليزية في الاجتماع المذكور. 
رغم الفترة الطويلة من عدم اللقاء المباشر كنا في أغلب الأوقات على إتصال من خلال النداءات الهاتفية لحين زيارتي الأخيرة في الأول من ديسمبر 2017 التي حتمت عل ي  كتابة هذا التقرير بمثابة من أدب الرحلات كما  ع ودت قرائي الأعزاء على هذه الصيغة بما نشرته عن لقاءاتي في بلدان أخرى منها الولايات الأمريكية وتركيا وبريطانيا وأرمينيا وأوكرانيا وروسيا وسوريا وألمانيا وغيرها من البلدان. 
ما ينبغي ذكره هنا بالرغم من أن الجيل الأول من الآشوريين لا زال متعلقاً باللغة الأم رغم الصعوبة في إيصال الفكرة بالشكل الذي تفتقره بعض المفردات في التعابير ليستعين باللهجة اليونانية العامية المعروفة بالذيموطيقي الشبيهة بعاميتنا التي اعتدنا عليها في التعامل اليومي.
إلا أنه في الحالات الطارئة واللقاءات الرسمية مع بني شعبنا لا يغيب عن بالنا الزميل المخضرم السيد حنا البازي مواليد 1950 الذي يعُتبر حلقة الوصل الرسمي بين الزائرين الجدد إلى اليونان وأخص بالذكر الوفود الرسمية ورجال الدين لمناسبة أيام الأعياد وغيرها من المناسبات القومية على وفق خاص، بدلالة استقباله لي في كل مرة أثناء وصولي مطار أثينا، وأحياناً يكون بصحبته الزميل قرياقوس كونه رئيس الإتحاد والشخص الذي أفنى حياته لخدمة أبناء شعبنا مادياً ومعنوي اً.
 
في اليوم الثاني من استقرارنا وإستقبالنا كانت لي زيارة خاصة لصف تعليم اللغة الآشورية في مقر الإتحاد برعاية القس نوئيل كوسو لعدد من التلامذة الصغار والكبار في السن أيضاً ومن ضمنهم أحد اليونانيين المهتمين بلغتنا على مستوى أكاديمي، وأثناء ذلك أهديتهم منهجي التربوي التعليمي الخاص للصغار والكبار بأربعة أجزاء باللغة المتعارف عليها في أحاديثنا اليومية ،وتم تبادل بعض الآراء عن واقع التعليم وأساليبه. 
 
وفي اليوم الذي تلاه التقانا الأخ قرياقوس لحضور مراسيم جناز أحد المتوفين في كنسية خاصة في العاصمة، حيث التقى فيها مجموعة من الآشوريين بمذاهبهم المختلفة، وبعد القداس تناولوا لقمة الرحمة عن روح الفقيد بإلقاء الكلمات وتبادل الأحاديث. 
 
 
 
وفي اليوم الثالث دعاني الأخ قرياقوس لحضور إحتفال خاص عن يوم المذابح أي سيفو المقرر من قبل يو ان بتاريخ التاسع من ديسمبر وبلقاء السياسي والكاتب اليوناني أندونيس بافليذس المنهمك بتأليف كتاب موسع عن سيفو ومن ثم لقاء عدد من الشخصيات السياسية وعلى رأسهم السيد نيكوس ليكيروس الذي ألقى كلمة مؤثرة دعا من خلالها السيد قرياقوس ليتحدث عن الآشوريين وما أصابهم على مدى التاريخ القديم والحديث، ليتعالى التصفيق والثناء على ما تفضل به أمام الجمع الغفير من الحاضرين .
إن ما رعى إنتباهي في تلك الأمسية هو مشاركة بعض العناصر الشبابية فيما قدموه من خلال مسرحية مأساوية جسدوا فيها بحركات اليدين التعبيرية وبقسمات وجوههم مضامين رمزية بدعم عدد من الكبار ومن الجنسين بحواراتهم المؤثرة. 
وفي نهاية المسرحية واختتام البرنامج خرج الجميع ليحملوا بأياديهم المشاعل الخاصة تمجيداً لتك المناسبة الأليمة.
وفي اليوم السابع وفي تمام الساعة الثامنة مساء كنت قد حضرت الاجتماع الدوري الطارئ لهيئة الإتحاد بحضور مجموعة من الأعضاء وغياب البعض لأسباب تتعلق منها الأشغال الخاصة وبعد المسافات، علماً بأن الهيئة تتكون من تسعة أعضاء بينهم ثلاث ناشطات هن ماريا ايشايا وماجدة زرفو وتاسيا مارامينو .
وفي نهاية المطاف استمعت لملخص ما دار من مناقشات في الاجتماع لإبداء رأيي أيضاً. وإن ما استرعى انتباهي هو أن يقوم الإتحاد في بداية شهر ديسمبر من كل عام بتنظيم إحتفال خاص بإستضافة شخصية مرموقة تتحدث عن التاريخ الآشوري قديماً وحديثاً وما يستجد من أمور بحضور رئيس البلدية وعدد من المسؤولين إضافة لدعوة الأعضاء وغيرهم. النقطة الأخرى عن فكرة إقامة نصب تذكاري شامل يجسد مأساة الشعب اليوناني والأرمني والآشوري شريطة أن يتم نصبه في مركز العاصمة ومفاتحة السلطات الحكومية من ذوي العلاقة عن ذلك. 
بعد ذلك إقتادني رئيس الإتحاد لمركز المدينة ومن ثم بمحاذاة البحر للإطلاع على النصب التذكاري الكبير لإستذكار الإبادة الجماعية للشعب اليوناني. 
 Memorial to remmber the genocide of the greeks of pontus
 
 
وفي تمام الساعة السابعة مساء من يوم الأحد المصادف 10.12.2017 نظم الإتحاد الإحتفال الختامي لنشاطاته التي إعتاد أن يقيمها سنوياً ـ كما أشرنا آنفاً ـ بدعوة الأستاذ الجامعي البروفسور )ديمتريس موشخوس( لإلقاء محاضرة عن التاريخ الكنسي للكنيسة الشرقية منذ 
 
العصورالأولى ولحد يومنا الحالي، مسلطاً الأضواء من خلال الوثائق التاريخية والأدوار المرحلية التي عصفت بإنتشارها في العديد من الدول على يد مار ماري ومار أدي والمراحل الشمعونية، إضافة للإنقسامات التي خلقت العديد من المذاهب. وكذلك ما لاقته الكنيسة الآشورية من إضطهادات عبر تاريخها الطويل. استمرت المحاضرة لأكثر من ساعتين ومن ثم صاحبها بعض المداخلات ومنها مداخلة القس نوئيل كوسو والسيد قرياقوس .
وبهذه المناسبة التي كانت برعاية رئيس المجلس البلدي لمنطقة إيغاليو حضرها العديد من المسؤولين ومن عامة الشعب اليوناني والآشوري بحيث إكتضت القاعة بوجودهم، وتم تقييم وتثمين أربعة شخصيات يونانية باسم الإتحاد الآشوري تقديراً لجهودهم في خدمة الشأن الآشوري في مجالات مختلفة منها السياسية والتاريخية والفنية ليقوم كل واحد منهم الإشادة بدور الإتحاد من خلال كلماتهم التي قوبلت بالتصفيق.
 
بقي أن نذكر بأنه من خلال الأيام التي قضيناها على مدى عشرة أيام كانت لنا لقاءات مع العديد من بني شعبنا كمواطنين يونانيين من إصول آشورية وكذلك اللاجئين الذين قضوا سنوات طويلة رغم نسبتهم القليلة لظروف اقتصادية واجتماعية حتمت عليهم البقاء في اليونان وفي مناطق مختلفة. وإن ما يجمعهم  م  ر  د ه بعض المناسبات القومية والدينية والإجتماعية. كما وقضينا في أوقاتنا الحرة جولات استطلاعية في مركز المدينة وضواحيها بزيارة الأماكن السياحية المكتضة بالسواح من دول مختلفة .
ما ينبغي التنويه عنه في خاتمة المطاف بأنه تتواجد اليوم ما يقارب 40 ـ 50 عائلة آشورية أغلبهم من سكنة منطقة إيغاليو، إضافة لبعض العوائل المهاجرة بسبب الأوضاع السياسية في العراق وسوريا وانتشارهم في مناطق متفرقة. ومن الجدير ذكره أيضاً وفق ما بينه وارتآه البعض بأن المناسبات الدينية المتمثلة بأعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة والفصح بحاجة إلى رجل دين من القسسة يتم تكليفه لإقامة القداديس في التواريخ المحددة لتلك الأعياد وليس قبل أو بعد ذلك بيوم أو يومين. لذا نأمل من رئاسة أبرشية أوربا أن تسعى لحل هذا الإشكال مستقبلا ً.
 

34
أدباء آثوريون في تجربتهم الأدبية قبل 43 عاماً

ميخائيل ممو

وبينما كنت منهمكاً في تصنيف وتصفية ما احتوته مكتبتي الخاصة بما شملت مما لا يحصى من الكتب بلغات مختلفة، ومن ضمنها مئات المجلات والصحف القديمة والحديثة التي تخص أبناء شعبنا بكافة تسمياته، بغية أرشفتها بشكل منظم وانتشالها من الزوايا والرفوف المنتشرة فيها، شاءت الصدفة أن أعثر على البعض من الصحف والمجلات، منها التي كنت بأمس الحاجة لها، وأخص بالذكر كوكبا أي الكوكب الصادرة عام 1906 والجامعة السريانية لعام 1934 والعراقية منها "بنقيثا" 1951 فطفت من بينها مجلة أي نشرة متضمنة 28 صفحة  بإسم " صوت النادي الآثوري" في بغداد أي نادي تموز الرياضي فيما بعد، بإصدارالعدد الأول منها فقط 1972 بمساعدة الزميل الإعلامي يوسيفوس عمانوئيل (حالياً في استراليا يتولى إدارة إحدى الإذاعات المحلية)، ومن ثم طفت مجلة الف باء العراقية التي جذبت انتباهي وأعادت بذاكرتي لأكثر من أربعة عقود مضت باللقاء الصحفي الخاص بأربعة أدباء من النادي الثقافي الآثوري ببغداد.
 
ولهذا المصادفة، وبما إحتوته المجلة من معلومات، وَدِدْتُ هنا من نشر تلك المقابلة الصحفية التي أجرتها مجلة ألف باء العراقية الصادرة في بغداد والمنشورة في العدد 286 السنة السادسة في السادس من شهر آذار عام 1974 أي بعد مرور 43 عاماً.
شملت المقابلة الشاملة في قسمها الأول الذي افتقدناه من العدد 285 لقاء مع الأستاذ سركون ايشو سابر رئيس النادي الثقافي الآثوري في بغداد آنذاك، ملقياً الضوء على مهام ونشاطات النادي كصرح ثقافي وإجتماعي ملفت للنظر مقارنة بالمنتديات الأخرى المشابهة على مستوى العراق.

وفي القسم الثاني من اللقاء إنحصر مع مجموعة من النشطاء في الحقل الأدبي والصحافي، وعلى وفق خاص الذين تولوا مسؤولية هيئة التحرير في مجلة المثقف الآثوري الصادرة عن النادي المذكور، حيث صدر العدد الأول منها في شهر حزيران عام 1973 واستمرت لغاية عام 1985 بعددها التسلسلي المرقم بالعدد 32 باللغتين الآثورية والعربية وبإضافة اللغة الإنكليزية في بعض أعدادها. متضمنة العديد من المقالات التراثية والأخبار الاجتماعية واللقاءات الصحفية المتنوعة كالأدبية واللغوية والرياضية والفنية وغيرها من الأبواب الثابتة الخاصة بنشاطات النادي.

ونظراً لاحتفاظي بالمقابلة التي أشرنا إليها المنشورة في مجلة ألف باء العراقية، آثرت على استنساخها وإعادة نشرها هنا لأهمية ما تم التصريح به من قبل المعنيين، بعيدين عن التأثيرات السلطوية في ذلك الوقت الذي كانت تحاول الأيدي الغاشمة على تغيير سياسة النادي بالفرض على مسيرته القومية وإنجازاته الثقافية والأدبية والفنية، حيث يُعتبر هذا الريبورتاج من إحدى الدلائل الإيجابية على موقف أعضاء النادي في الحفاظ على نهج ذلك الصرح الذي كان يضاهي اتحاد أدباء العراق في محاضراته الدورية وأمسياته الفنية بعروضه المسرحية على أشهر مسارح العاصمة بغداد ومهرجاناته الشعرية والفنية السنوية على حدائق النادي،  ودوراته المتوالية بتعليم اللغة الآشورية للمبتدئين والمتقدمين على أيدي الأعضاء الضالعين في محرابها، إضافة لإحياء المناسبات القومية التي نعتز بها والتي من جرائها تم حشر وزجّ الناشطين بين القضبان الحديدية لمواقفهم في التوعية القومية.
ومما تجدر الإشارة إليه عن الظواهر السلبية التي اعترضت مواقف دورات الهيئة الإدارية للنادي، كانت لبعض الأيادي الخفية المقصودة دورها في وخز جسد السلطات الأمنية للترقب بحذر مما يجري فيه، والتي أدت بالعديد من المرات على دعوة بعض الشخصيات من المسؤولين في اللجان العاملة للتحقيق معهم في مديرية الأمن العامة التي كانت على مقربة من مقر النادي، وبواسطة التعليمات التي يُزوّد بها العنصر الوحيد الذي تولى حراسته. ومن ثم توالت الإجتهادات والتوصيات والقرارات الإرتجالية الخاصة بالسلطة الحاكمة على فرض بعض الأعضاء الموالين للحزب الحاكم لتسنم المهام أيضاً في الهيئات الإدارية، رغم حيادية البعض في تعاملهم مع قرارات الهيئة. وكان لمواقف الأعضاء وعيهم التام من تلك الإجراءات اللاشرعية وفق النظام الداخلي للنادي. ومن جملة تلك الأمور حين تم عام 1975 من إنتخاب شخصية مرموقة بنضاله القومي وفوزه على اثنين من منافسيه للرئاسة، وبالتالي تجاوز السلطات الأمنية لإرادة الأعضاء بكتاب رسمي نص على ترقين قيده من العضوية ومحاربته وتولى مكانه نائبه الذي استمر لغاية عام 1977. وفي منتصف ذلك العام طلبت الداخلية بواسطة شرطة مكافحة الإجرام بإلزام الهيئة الإدارية على قبول غير الآثوريين أيضاً كأعضاء في النادي بفرض نسبة ما على ما أتذكر، وفي تلك الفترة وقبل سفري بإسبوع طلب مني رئيس النادي لأحرر رداً على طلب الداخلية، فأديت واجبي وأقدمت على الهجرة في نهاية تموز 1977. ومن الظواهر السلبية الأخرى والإجحاف بحق النادي التي لا يمكن حصرها في هذأ الإستذكار التاريخي هو محاولة القوى المهيمنة على دفة الحكم من استئصال جذور كل عمل تؤطره كلمة الآشوريين، بدلالة الكثير من الشواهد والتي منها رفض طلب الطلبة الجامعيين الآشوريين في الموصل وكركوك على تأسيس فروع للنادي الثقافي الآثوري، بالرغم من تأسيس فرع السليمانية بإنتدابي والسيد ولسن نيقولا لحضور يوم الإفتتاح ليتم في ذات اليوم الإعتداء على عدد من مؤازري النادي ومنهم عضو الهيئة االشهيد يوسف توما هرمز الذي تم اسعافه، وتأخر الإفتتاح لحين حضوره ليلقي قصيدة بتلك المناسبة، وذلك بتاريخ 20.12.1973 في قاعة فندق السلام في السليمانية، علماً بأن موافقة تأسيس النادي من قبل الجهات الرسمية في محافظة السليمانية كانت قد تمت في الثاني من كانون الأول 1973. وبغية الوقوف أكثر على شاكلة تلك الأحداث، عليه بما دونه الزميل أبرم شبيرا في كتاب خاص عن مسيرة النادي. وفيما يلي ننشر المقابلة الصحفية التي أشرنا إليها في بداية هذه العرض التوثيقي.




35
يوم الصحافة الآشورية
1849 ـ 2017
بقلم: ميخائيل ممو ـ السويد
 
في الأول من تشرين الثاني صادف يوم الصحافة الآشورية ـ السريانية بمرور 168 عاماً على صدور أول صحيفة آشورية جامعة عام 1849 بمدينة أورميا في إيران. وتيمناً بهذه المناسبة التي تم تخليدها في أوساطنا الإعلامية ومنتدياتنا الأدبية والثقافية والتعليمية، إرتأينا أن نلقي نظرة إجمالية على بوادر تلك الشخصيات الآشورية التي ساهمت بجد وإخلاص على إحياء مسار العمل الصحفي في العديد من الدول رغم الإشكالات والصعوبات التي لازمتهم بسبب الأحداث التاريخية المشينة التي ألمّت بالآشوريين منذ العهد العثماني، وقبل ذلك أيضاً ولحد يومنا الحالي في تركيا والعراق وسوريا من حالات الكبت والحرمان بتقييد الحريات وعلى وفق خاص شعوب المناطق الأصلية بما تشهد له بواطن الأرض التي تم ردمها وإخفائها، وبما سجلته طروس التاريخ على مدى الزمن عن تلك الأفعال والإنتهاكات التي يندى لها الجبين، وبالتالي حتمت على أغلب الذين اقتفوا دروبهم النضالية بجرأة وشهامة أن يلعنوا الواقع المتردي لفقدان الأمن والإستقرار، ويقدموا على إحتضان دول الشتات متفرقين في جهات مختلفة من عالم اليوم. منهم من لقي حتفه لمواقفه الفكرية، ومنهم من نجا ليواصل مسيرته الصحفية في مناطق سكناهم وفي دول الإغتراب. وعلى أثر أوزار الحربين الكونيتين وما خلفته من مشاق وتشريد في حكاري وطورعابدين وماردين والرها ألزمتهم ظروفهم القاسية أن يستقروا في العديد من القرى والمدن والدول التي استقبلتهم لدورهم في معترك الحياة والتحالف الذي تميزوا به، رغم الوعود الكاذبة التي خيبت آمالهم.
من جراء ذلك الإنتشار والإستقرار ـ نوعاً ما ـ تنفس الآشوريون الصعداء ليعيدوا أصالة ما نشأوا وتربوا عليه من عادات وتقاليد في المجال الاجتماعي والثقافي والتعليمي على ضوء إهتمام إرساليات الحركات التبشيرية التي قدمت بدورها يد العون بالدعم المادي والمعنوي ليتسلح البعض بالفكر المعرفي في داخل مواطنهم وخارجها. عندئذ وجد صفوة منهم بأن المنبر الصحفي هو الوسيلة التي يصل صدى ذلك المنبر أينما يتواجد أبناء شعبنا الآشوري المشتت والمشرد، وفي الوقت ذاته من نشر ما يشعر به من ذوي الأقلام الرصينة بأفكارهم الثمينة الدفينة، إضافة لما يتطلبه العمل الصحفي من أخبار ومعلومات أخرى، فأقدم العديد من شهداء الصحافة الأحياء آنذاك، على إنشاء وتأسيس صحفهم ومجلاتهم ودورياتهم في إيران وتركيا وسوريا والعراق ولبنان والمهجر أيضاً. علماً بأن البدايات قد نحت المنحى الديني واللاهوتي لأسباب أملتها الحركات التبشيرية المتنوعة الأهداف والمقاصد في أبعادها الخاصة بكل مجموعة تحت غطاء التنوير المذهبي بنثر بذور الفرقة لتحقيق مطامحهم ومطامعهم التي قوضت صفوف أبناء جلدتنا من مبدأ كلمة الوحدة بالشعب المُوحد. وعلى أثر بزوغ اليقظة الفكرية التي عمّت الشعوب المضطهدة ووعيها بشعور الإنتماء القومي أقدم العديد من الواعين والمدركين لما حلّ بهم على تغيير مدار البوصلة عكس ما ألفوه بكشف النوايا المبيتة.
ومن هذه الإعتبارات الملموسة، كان أول من تسنم مسرح الشهادة بعمد وإصرار وتحد رغم كل ما تخفيه النتائج المجهولة هو الصحفي يوخنا موشي وشموئيل بادل بتأسيس أول صحيفة آشورية توّجت بعنوان زهريرا دبهرا أي شعاع النور بمنطقة أورميا الإيرانية، وذلك في الأول من تشرين الثاني عام 1849 التي صدر منها 69 عدداً لحد عام 1914، كصحيفة شهرية ومن ثم نصف شهرية. كما وإن الكثافة السكانية للآشوريين المهجرين آنذاك كان قد بلغ عددهم الإجمالي ما يقارب 74 ألف آشوري وفق ما تشير إليه الوثائق والإحصائيات الرسمية الروسية. مثلما إحتضنت روسيا في قراها ومدنها ما لا يحصى من الآشوريين
وبخصوص هذه الصحيفة التي كانت تصدر باللغة الآشورية وبحروف الخط الشرقي كتب الدكتور قسطنطين ماتييف (بار متي) المتخصص بالشأن الآشوري في مؤلفاته وبحوثه التاريخية ما يلي:
( لعب ظهور صحيفة أشعة النور دوراً كبيراً في إنشاء الأدب الآثوري المعاصر، وفي تعريفه لأوسع القراء، وكانت تهتم في فتراتها الأولى بقضايا التاريخ القديم للآثوريين، ثم إحتلت دراسة العلاقات التاريخية بين الشعب الآثوري والشعوب المجاورة مكاناً هاماً فيها. وفي بداية القرن العشرين إحتلت المقالات عن حرب الخير والشر ونضال الفقراء ضد الأغنياء مكاناً مرموقاً في المجلة). نقلاً عن الترجمة العربية من الروسية للمترجم إسامة نعمان لكتاب تاريخ الآثوريين ص 33.
ومن الجدير ذكره بأنه منذ عام 1849 وعلى توالي السنين لحد عام 1915 صدرت عدة صحف منها:  صوت الحق أي قالا دشرارا (1897ـ1915) لمحررها الأب سلمون، وصحيفة رسائل من آشوريا أي اكرياتا من آشور باللغة الإنكليزية (1887ـ1915)، وصحيفة اورميا الأرثوذكسية (1904ـ1915) لمحررها شليمون دسالامس، وصحيفة الكوكب أي كَوِخْوا (1906ـ1914) ليوخنا موشي، وأفكار المشرق أي خوشاوِه دمدنخا (1913ـ ؟) لمحررها بنيامين أرسانيس وغيرها إلى أن أصدر الأديب أدي ألخص ومن ثم جان ألخص ونمرود سيمونو المجلة الشهيرة "كلكامش" (1952ـ1959) ومجلة المستقبل المُشرق أي دعتيد بهرانا (1951ـ ؟ ) لمحررها الخطاط عيسى بنيامين، ومن ثم توالي الإصدارات المتنوعة تبنتها اللجنة الأدبية في أيران برفدها المكتبة الآشورية بتراث ثري من خيرة الأدباء واللغويين.
من جراء هذه المعلومات التي نوردها وفق مصادرنا المختلفة، يبدو لنا إن النهضة الصحافية كانت بواكيرها في منطقة أورميا، ليمتد بريقها وشعاع نورها فيما بعد في تركيا وبشكل خاص في منطقة خربوط التي باشر فيها عدد من ذوي الباع الطويل في المجال اللغوي والشعور القومي ومنهم القس بولص صموئيل بتحرير صحيفة الحياة عام 1910، ونعوم فائق بإصداره 13 عدداً من صحيفة كوكب الشرق عام 1910ـ1912، ومن ثم هجرته إلى أمريكا عام 1912 بدافع تردي الأوضاع  ليواصل نشاطه الصحفي بحرية تامة بإصدار عدة صحف منها "ما بين النهرين، وصحيفة الإتحاد، وبشار حلمي بوراجي بإصدار صحيفة شيبورا أو البوق 1913 ـ 1914، والمطران عبد النور بإصدار صحيفة كوكب السريان أي كوكبا دسوريايِه 1910 وغيرها من الصحف التي لا يمكن حصرها. حيث إننا إستثنينا هنا الشهيد آشور يوسف دخربوط بإعتباره شيخ الصحافة الآشورية بإصداره صحيفته الموسومة " مرشد الآثوريين " أي مهديانا دآثورايِه بإعتبارها أول صحيفة قومية بالآشورية الغربية والعربية بخطه لينال شرف الشهادة عام 1915 من السلطات التركية الغاشمة لمواقفه القومية الصريحة، وتلاه الصحفي بشار حلمي على يد الحكومة التركية أيضاً، مثلما نال شرف الشهادة المناضل الدكتور فريدون أوراهم أتورايا عام 1925 محرر صحيفة الناقوس أي ناقوشا التي أصدرها عام 1917 في تفليس وهو في السادسة والعشرين من العمر، حيث أفنى زهرة شبابه في الدفاع عن حقوق الآشوريين بإقامة دولتهم، ليتم إعدامه وهو في الرابعة والثلاثين من عمره على أثر التهم الملفقة ضده لمواقفة الصريحة. وقبل ذلك في العام 1914 كان قد أصدر القس كيفاركيس صحيفة مدنخا أي الشرق. وفي عام 1925 لحد عام 1938 صدرت في تيفلس صحيفة "كوكب الشرق" أي كوخوا دمدنخا لمحرريها تمرس وصاموئيل لازار ومؤسسها شليمون آشور.
إن سلسلة هذه الإنجازات الصحفية لم تنفرط حلقاتها، بقيت متلاحمة ومتواصلة في بلدان الشرق والغرب ولكثرتها لا نستطيع من حصرها في صُلب موضوعنا العابر لكثرتها المدونة في العديد من المصادر المُؤرشفة هنا وهناك. ولكن من الواجب علينا على أقل ما يُمكن أن نشير إلى البعض منها التي تولت مكانة القدح المُعلى ومنها في أمريكا على سبيل المثال لا الحصر صحيفة بين النهرين لنعوم فائق عام 1916، وأشور الجديدة أي آشور خدتا والسفير الآشوري ايزكدا اتورايا لمحررها يوئيل وردا منذ عام 1914 لتتبعها فيما بعد عشرات الصحف، وكذلك في لبنان ومنها ما أصدره المناضل يوسف مالك عام 1938 ـ 1935 بأربع لغات تحت عنوان " أثرا" أي الوطن، ومن ثم جريدته السياسية الإسبوعية بعنوان " الحياة" إلى أن أسلم روحه الطاهرة لخالقها يوم 26 حزيران 1959 في ديار الغربة بعيداً عن الوطن الأم الذي كان قد تولى فيه مراكز حساسة  قبل هجرته. ومجلة نصيبين للكاتب لوقا زودو الذي أودت به المنية في أمريكا. وقبلها صحيفة خويادا اومتانايا أي الإتحاد القومي لمؤسسها مالك قمبر عام 1920، ولسان الأمة أي ليشانا داومتا عام 1927 ـ 1946  لمؤسسها ومحررها إبراهيم حقويردي بإصداره لمائة عدد منها. وصحيفة الإتحاد الأشوري عام 1936 لمؤسسها القس منصور قرياقوس والدكتور فيكتور يونان. وما تبعها من صحف ومجلات أخرى بعد الستينيات معنونة ببابل، الحرية، النشرة، الرابطة وغيرها.
هذه الإشارة السريعة لا تثنينا من ذكر تلك الصحف التي صدرت في سوريا والعراق وبلدان المهجر التي ننتقي منها نماذج محددة لقدمها وعراقتها وأولها المجلة البطريركية عام 1933 ، والنشرة السريانية 1944ـ1949 لمحررها يوحنا القس أي قاشيشو التي سلسلها بنشرة أدب الطلبة في حلب ومن ثم في القامشلي صباحاً طيباً والمدرسة أي مدرشتا منذ عام 1946 لغاية 1949. وفي العراق صدرت بعض الصحف والمجلات التي تمت بصلة مباشرة للفكر القومي والمقوم اللغوي رغم أن محرريها من المسيحيين ومنها "مدنخا" أي المشرق عام 1947 مديرها وصاحبها الراهب بولس بهنام، ولكن أولى المجلات التي التزمت بالطابع الأدبي والقومي كانت مجلة "بنقيتا" أي المجلد أو الدفتر أو الكراس عام 1951 لمحررها يوخنا دانيال دباز ، ونروا أي العصب للقس أيشو مزرعايا و"قالا من مدنخا" أي صوت من الشرق لمحررها كاكو لازار، ومن ثم توالت مجلات أخرى بعد منح الحقوق الثقافية في منتصف السبعينيات كالمثقف الآثوري وقالا سوريايا وبين النهرين والإتحاد وغيرها التي صدرت ولا زالت تصدر في شمال العراق وفي بغداد الأكثرها شهرة جريدة بهرا عن الحركة الديمقراكية الآشورية. ناهيك عن العديد من المجلات الصادرة باسم المؤسسات الدينية والحزبية. وعلينا في نهاية المطاف أن نستذكر المجلات التي صدرت في ديار المهجر من البلدان الأوربية كفرنسا وهولندا والسويد والدنمرك وألمانيا وأستراليا والنمسا وبريطانيا والهند وغيرها وعلى الأخص في الأرجنتين للملفان القدير فريد إلياس نزها بإصداره مجلة " الجامعة السريانية" باسم خدانايوتا سوريايتا عام 1934 ـ 1961 ومن ثم مجلة "ملفانا" أي الأستاذ.
وفي خاتمة المطاف من هذه الرحلة الصحفية الممتعة نستميح القارئ عذراً بأننا لم نتوسع أكثر مما عرضناه لسعة هذه المادة الإعلامية وتفرعاتها، رغم المعلومات التي نمتلكها في هذا الحقل الصحفي الهام الذي تشبثتُ به منذ منتصف الستينات في الصحافة العراقية والآشورية في العراق وإستمراريته في ديار المهجر وعلى وفق متميز في السويد من خلال مجلة حويودو الشهرية أي الإتحاد الصادرة عن إتحاد الأندية الآشورية بتولي مسؤولية القسم الآشوري الشرقي والقسم العربي لحين تسنمي رئاسة تحريرها لثلاث سنوات متتالية، بعد أن تم إصدارها باللغة السويدية فقط.
ولهذه المناسبة بيوم عيد الصحافة الآشورية لا يسعني إلا أن أهنئ كل من انتقى مهنة وحرفة البحث عن المتاعب المتمثلة بالعمل الصحفي لإسعاد القراء أينما كانوا، بالرغم من أن اليوم طغت على الصحافة الورقية بمغزاها المألوف بالجريدة اليومية والإسبوعية أو المجلة والنشرات الدورية، تلك الصحافة المرئية والسمعية الإنترنيتية بالعديد من أبوابها المتمثلة بمحطات وقنوات وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الألكترونية الخاصة التي أصبحت البديل المباشر للصحافة الورقية المتعارف عليها منذ أقدم العصور، حيث كانت تعرف بمرآة المجتمع. وبذات الوقت قلصت من فاعلية المطابع على إصدار أمهات الكتب والمؤلفات الهامة لتجدها على مواقع الشبكة العنكبوتية في متناول اليد مجاناً، مؤكدة المفارقة الزمنية بعدة مقاييس مشابهة لفترات تاريخ التشكيل الإذاعي والتلفزي في العالم الغربي والشرقي قبل التطور التقني الحديث.
وفي الختام دعونا أن نشيد ونمجد ذكرى أولئك الجهابذة الذين ميزوا الجيد من الردئ، الصالح من الطالح والأهم من المهم بتلك أفكارهم النيرة واضطلاعهم بما يجدي المجتمع من خلال رسالتهم الصحفية بإنارتهم الطريق أمام أجيال المستقبل ممن حذا حذوهم واقتفى أثرهم بمرور الزمن لإحياء تراثنا الصحفي. وفي الوقت ذاته حبذا لو سعت منابرنا التثقيفية ومنتدياتنا الأدبية أن ترصد في مراكزها أراشيف خاصة بمصادر إعلامنا من الصحف والمجلات والنشرات إعتزازاً بها. كما وإن الأهم من ذلك أن لا يبخلوا الذين بحوزتهم أعداداً من هذا التراث بإهدائها لتلك المؤسسات الخاصة بنا، أو استنساخها لحفظها من التلف، ولتكون مرجعاً لمن ينوي البحث عن الموضوعات التي مضى عليها عقوداً من الزمن.



36
الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر سركون بولص
بقلم: ميخائيل ممو


وفاءً لروح الشاعر العراقي الآشوري الأصل سركون بولص، ولمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على رحيله بتاريخ 22 أكتوبر 2007، شدتني ذكرياتي معه لهذه المناسبة الأليمة أن أجسد مشاعري بتلك الليلة التي دار الحديث بيني وبين الشاعر المرحوم مؤيد الراوي عن حدث رحيله لأبلغ أقرب المقربين له في أمريكا. وحين استرسل بوصف الحدث المؤلم هزتني مشاعري لأقول:
في عمق زاوية حزينة التكوين
بين جدران البعد الثالث من إحدى غرف برلين(1)
شدّه إليها الحنين
ليعيد فيها ذكرى السنين، بألم دفين
لا يفارقه وحش الأنين.
هناك.. شع دويٌ نوراني
مخاطباً كاهن الكلمة
المضطجع، المكثف فكراً
الثمل صبراً
قائلاً:
لم أدعك ترحل الليلة
ليلتك قدسية، للذكرى الأبدية
لزميلين حائرين (2)
يهمسان، يتأوهان
ينأملان ويتاسفان
بعبارات الصمت
ويناجيان إله الموت
إرحمه
إزرع في قلبه رحمة البقاء
علّه يفق من غيبوبة العزاء
ليعود ثانية
لحياته الكهنوتية البوهيمية المعطاء.(3)
 ***
في اليوم التالي
زاره الإثنان
مؤيد والمعالي
في وقت الصباح
ليجداه مرتحل الروح
في الأعالي
ليلقاه جسداً هامداً
كالليث راقداً
للشعر ساجداً
وكأنه مناشداً
استودعكم الله
بألف آه وآه
لتعلنا وتنشرا الخبر
عن غيابي الأبدي
لمن كان في عرفكم القمر
عمّا إعتراني من ضرر
وغاب عنكما السمع والبصر
بمشيئة القدر
فما عليكما
إلا أن تحافظا على الأثر.
***
وأنتم أيها الأعزاء
الذين ستناجون روحي
بقناديل الضياء
وبشمع الوفاء
في ليلة العزاء
لا أغالي، ولا أنشد التعالي
إن كشفت لكم سر آمالي
وأحلامي على التوالي
بمناجاة روح ترفرف في الأعالي
هائمة
تنشد التواصل من زحم الحنين
تحنو التعامل وأياكم برفق ولين
والمخلصين الصادقين المحتفين
بغيابي المباغت
للعالم الـصامت
***
نعم، يا سركون
وأنا الثاني بجمع خلاني
في يوم ذكراك لا نغالي
إن هزتني مفردات الشوق
بشحنة البرق
بمقولة مفادها:
تيتمت بحور الحداثة
إكـتأبت لغة الوراثة
وغابت عبارات وصفات الدماثة
لنناجي روحك بكل حرف مؤتلق
علنا نزيح عن روحك غفوة الأرق
وريب الظنون
يا سيد الشعر
يا سر الكون
يا سركون.
***
نعم، يا سركون
عرفناك وعهدناك
طاوعت نداءات كل الآلهة
برموزك الشعرية ولم ترتجف
رحلت في دهاليز الصمت
ولم تعتكف
تجاوزت قوانين النظم
ولم ترتخف
أو أن تخف.
***
نعم، كلمح البصر غاب وميضك
لتترك تلك أيقوناتك
تتأملك بحزن دفين دون ابتسامة
ترثيك بدمع سخين دون ملامة
تعليك لسموّ ٍ
في علياء مملكة الشعر والسفر
لتُضئ من هناك
بفانوسك السحري
بأجمل الصور، كطلعة القمر
لتذيب ذرات الحجر
لتعلن وأنت مغمض البصر
بترحالك الجديد، لعالم بعيد
بمقولة سامحكم الله
يا من كان منكم قد حفر الحُفر
ويا من كنتم تقطعون عني ترانيم الوتر
بظنٍ وشكٍ لم يكن أبداً بحسباني المُنتظر (4)
وأنتم أيها الأصدقاء الأوفياء
يا من تعمذتم بزيت الحرف
بأنامل إله الشعر والحكماء
يا من جعلتم مني روضة العطاء
يا من خففتم عني عبء العناء
ويا من سعيتم
بإزاحة كابوس داء العياء
ويا من قلدتموني
وسام ملك ذلك المساء
أنا حتماً بينكم
أنا منكم وإليكم
أعيش عشقكم
ألمس حبكم
أشدو شدوكم
أرنو بعمق لطلعتكم
وأصغي لهمسكم
ولعلو صوتكم
وأتحسس دفء حنينكم
بذات الكيان
دائم الإصغاء، يا أوفياء.
***
أقولها، وكما قلتها
في السنوات الغابرات
في " الوصول إلى مدينتين"
سأعيش عمرين
في مدينة الأرض والسماوية "أين"
حبي للحياة، ككرهي للبقاء
في عالم لم يعد يقوى
أيّ شاعر
على كل ما يشاء
إلّا في سر الخفاء
أو الإختفاء في أعالي السماء.
***
ها أنا اليوم، والآن بالذات
روحي ترفرف
مثقلة بالآه والجراح
أراكم وأتأملكم أمامي
بعيون تحملها الرياح
من مدينة "أين"
التي وصلتها طليق الجناح
مخاطباً المدن التي عشقتها
تأملتها وعبدتها
لتولد من رحم فكري
ذراري البقاء في موانئ
" الأول والتالي"
" حامل الفانوس في ليل الذئاب"
" الحياة قرب الأكربول"
" غرفة مهجورة"
" إذا كنت نائماً في مركب نوح"
" أساطير وتراب"
" يوميات في السجن"
" الوصول إلى مدينة أين"
" شهود على الضفاف "
" عظمة أخرى لكلب المدينة"
" شاحذ السكاكين"
وتدوينات "دجلة" (5)
وأخيراً ما إرتأيته من وحي
" فيروز وجبران" (6)
***
قبل الرحيل، وقبل الختام
اعذروني، إن نسيت أن أخبركم
وأن أقول لكم
اليوم التقيت
بمن سبقوني
بمن انتظروني
وبمن افتقدوني
في مدينة "أين"
من جماعة " كرخ سلوخ" (7)
جان دمو والقيسي
الغساني والراوي
والقديس يوسف سعيد
ليقيم الصلاة
بالذكرى العاشرة لرحيلي
والصعلوك جان
كعادته، صاح الآن قد حان
موعد اللقاء
لقد إكتمل النصاب
دعنا اليوم نجتمع
لحديثك نستمع
في فردوس مدينتنا الجديدة
نعيد مجد أيامنا التليدة
ونؤطر الختام
ببيان جديد مذيل باسم جماعة " أين "
في مدينتهم الجديدة "أين".

1.   الغرفة التي كان مستلقياً فيها سركون وهي على شكل مرسم تعود للأديب مؤيد الراوي.
2.   الزميلان هما الأديبان خالد المعالي ومؤيد الراوي الذي لقي حتفه يوم 9 أكتوبر 2015 في برلين.
3.   البوهيمية: مظهر من مظاهر الرومانتيكية يتحلى بها الأديب والشاعر والفنان كأسلوب لحياة ذات معايير متميزة يتسم بها بحريته الشخصية.
4.   الشعراء الذين خالفوه وحدثني في حينها عن البعض منهم من الذين زاملوه ومن أبناء جلدته أيضاً.
5.   مجلة " تايكرز أي دجلة " أصدرها سركون بالغة الإنكليزية أثناء وصوله إلى سان فرانسيسكو.
6.   كتاب عن المطربة فيروز اسطورة وتراث بالإشتراك مع كمال بولاتا، صدر عام 1981 في سان فرانسيسكو باللغة الإنكليزية، وكتاب النبي لجبران الذي ترجمه عن الإنكليزية، وصدر عام 2008 بعد وفاته عن دار الجمل في ألمانيا، وكان قد حدثني عنه قبل ذلك قائلاً: بأن من ترجمه لم يفهم جبران على حقيقته.
7.   كرخ سلوخ يُعنى بها مدينة كركوك باللغة الآشورية، أي الآرامية كما يشير العلامة مصطفى جواد في مقالة له عن كركوك في التاريخ.
 




37
لقراءة الموضوع كاملا انفر على الرابط التالي:

http://www.ankawa.com/sabah/mamo8.pdf

40

اللغة الآشورية
بين
الفصحى والعامية

( رأي لتحديث اللغة الآثورية ـ الآشورية : السّريانية)

بقلم: ميخائيل ممو


من الطبيعي أنه لكل لغة عناصرها ومعاييرها الخاصة في الإستعمال بما تفرضه في فن الكتابة الأدبية الفصحى وعن طريقة اللغة المحكية المعروفة بالعامية بشكل عام.
إن الطريقة الأدبية المعروفة بالرسمية وقراءتها، عادة ما تكون محكمة بأسس القواعد النحوية الموضوعة من قبل اللغويين المتمكنين في مجال صياغاتها، وبتأكيد المناصرين والمؤيدين من خلال وعي تجاربهم المستنبطة والمستقاة من معرفتهم اللغوية باللغة الأم ولغات أخرى. لكون كل عمل تكون بدايته من خلال شخص ما أو أشخاص لهم تجاربهم بشأن ذات الهدف لمادة ما. هكذا تبدو لنا الحال الطبيعية لحياة الإنسان منذ البدء ولحد يومنا دون أي شك.
ومن الجانب الآخر فيما يخص أسلوب التعابير المحكية العامية أو الشعبية في الكلام المنطوق بالطريقة الإعتيادية، لها هي الأخرى عناصرها الخاصة، ومرد ذلك لكون غالبية أبناء الشعب الناطق بلغته الأم لا يكون على معرفة تامة بما يُكتب ويُنشر لإتصافهم بالأمية قراءة وكتابة باللغة الأم رغم تيمنهم بالروح القومية وتبعيتهم تحت راية تسميتها المتعارف عليه. وبطبيعة الحال لهذه السلبيات أسبابها المختلفة التي يدركها كل واع ٍ، التي منها فقدان المدارس الرسمية ووسائل الإعلام المؤثرة وغيرها من السلبيات المؤثرة لوجود أمة ما تتلاعب بها سلطات الدول الحاكمة أو المتنفذة بحكم السياسات المذهبية والعنصرية والمخاصصة، وعلى وفق خاص ومتميز من تدعمهم قوى الدول المسلحة بطمع ونهم أهداف المصالح الخاصة والعامة دولياً.
لهذا أود القول هنا، بأن لغتنا الآشورية وبكافة تسمياتها تتحلى وتتصف بالثراء، وإن لم تكن متميزة بذلك الثراء لما كان بإستطاعتنا أن نحافظ عليها لحد يومنا هذا بإسلوب المحادثة والقراءة والكتابة أو التدوين نوعاً ما ، بالرغم من محدودية القسم الثاني مما أشرنا إليه آنفاً.
على ضوء ما نوهت عنه وذكرت أعلاه عن اللغة الأدبية واللغة المحكية، ينبغي أن نستنبط مفارقة بين اللغتين المتداولتين الكلاسيكية والمستحدثة أي التقليدية والمعاصرة التي هي بمستوى المحكية في الكتابة وذلك بدافع سببين رئيسيين هما:
1.   المفارقة بين قواعد اللغة الكلاسيكية والقواعد المستحدثة عن نبع التقليدية مع بعض التغييرات في التهجئة واللفظ.
2.   أسلوب التعابير بالمفردات الغامضة والثقيلة على مسمع ووعي السامع والقارئ.

ومن خلال تحليل تلك النقطتين نصل لخلق ثلاث مدارس أدبية متفاوتة بناءً لما يلي:

ا. مدرسة اللغة الأدبية الكلاسيكية المحصورة في الهياكل الكنسية ووعي بعض الأدباء والمهتمين إضافة على المستوى الأكاديمي للمعاهد والجامعات التي تعترف بتلك اللغة الأدبية.
ب. مدرسة اللغة الأدبية المزدوجة أي المطعمة بالمفردات الكلاسيكية والمستحدثة في اللغة المحكية بهدف تعبئة الفراغ مما هو في اللغة الكلاسيكية عوضاً عن إستدانة وإستعمال مفردات متعارف عليها في لغات أخرى.
ج. مدرسة اللغة الأدبية المعاصرة المبنية على صيغ ومعايير اللغة المحكية والمستعارة التي فرضت موقعها في المحادثة بحكم الجوار وعوامل الهجرة والإغتراب وغيرها من الأسباب.
إن هذه المدارس الثلاث، فيما إذا قارنا بينها نجد فرقاً واسعاً بين من يعتمدها من الكتاب والإدباء والقراء، وخاصة لدى الذين ينشرون نتاجاتهم في المجلات سواء  في الوطن الأم أو ديار الهجرة، وكذلك على صفحات الإنترنيت ووسائل الإعلام الأخرى السمعية والبصرية، رغم أن أهداف كل واحد منهم هي خدمة اللغة وفق إمكاناته ومداركه وخلفيته الثقافية والتعليمية.
كما وأنه لا يخفى بأن اللغة الكلاسيكية لغة بالغة الثراء، ولكن ما هو عدد وحصيلة مدركيها ومن يتفهمها بشكل مقنع؟ أترك الجواب لكم.
وإن كانت اللغة الثانية المزدوجة بالمفردات الكلاسيكية والمعاصرة أي المستحدثة يجدون صعوبة في تعلمها وفهمها، ماذا يمكننا القول عن الكلاسيكية؟!
سؤالي هنا أتقدم به لأولئك الذين يُدلهموا أنفسهم ويقمطوها باللغة التي نصفها بالقديمة، فما هو عدد قرائها؟ دعهم هم يجيبون بأنفسهم.
إن كان تساؤلي هنا من العجب، فماذا يمكننا القول عن مارتن لوثر الألماني (1483 ـ 1546) ( الذي غَيّر اللغة اللاتينية للكتاب المقدس إلى لهجة اللغة المحكية العامية؟! حيث عمل تأثيراً كبيراً بمثابة ثورة ثقافية ولغوية استطالت اللغة الإنكليزية مع خلق وإنبثاق لغات مستعملة في الدول الأوربية بدلاً من اللغة اللاتينية المألوفة بالمقدسة إلى القرن السابع عشر. وبمثيلها في اللغة اليونانية التي نبعت واستحدثت باللغة المعاصرة المستعملة حالياً.
وكذلك الحال مع اللغة العربية الكلاسيكية المحنطة في قوالب المعلقات التي لم تعد تستعمل من قبل مشاهير الكتاب والشعراء في عصرنا الحالي. ودعوة الكثيرين منهم لتطويرها واستحداثها مع متطلبات العصر التقني لسرعة الفهم وإدراك جوهر المعاني، بحيث أن القسم المعاصر منهم يؤكد بأنها تلهث إلى الزوال، ومن الأولى إستعمال اللغة المحكية النابعة من تشذيب اللهجات المتفاوتة كلغة حية كونها الأكثر فهماً ومرونة لمسار الأدب المعاصر، كما نادى بذلك الكاتب العالمي الشهير جبران خليل جبران (1883 ـ 1931) عن مستقبل اللغة العربية حين أشار في مقالة (لكم لغتكم ولي لغتي) بقوله: (لكم من اللغة العربية ما شئتم، وأي منها ما يُوافق أفكاري وعواطفي)، وكذلك الكاتب المصري سلامة موسى واللبناني أنيس فريحة ويوسف الخال وغيرهم. كما وكان قد نحى منحاهم الأب الآشوري العراقي المرحوم بولص بيداري  (1887 ـ 1974) في كتابه الشهير الموسوم (قنبلة الأب بيداري) لمقارنته بين العربية والسريانية، المطبوع والمنشور عام 1936 في بيروت. إضافة للعديد من رواد الأدب واللغة الذين يجسدون ذات الفكرة. 
ولدى عدد من الكتاب الغربيين أيضاً عن محاور لغتهم المستقبلية تناولوا ذات المنحى من أمثال الأمريكيين الشهيرين عزرا باوند (1885 ـ 1972) وتوماس ت إليوت (1888 ـ 1965) والإنكليزي وليم ييتس (1865 ـ 1939) وغيرهم من الأوربيين بهدف الحداثة وفقاً لإنجازات التطور الزمني بغية بناء حضارة جديدة من خلال الإختراعات والإكتشافات المعاصرة. 
ولكي أكون على يقين من طروحاتي، ليحاول ويثابر القارئ المتمكن من اللغات العربية والإنكليزية والسويدية على مطالعة نصوص ما قبل مائة سنة ويقارنها مع نصوص اليوم ليلاحظ الفارق الذي نعنيه من حيث ما طرأت عليها من تغييرات.
وهنا في سياق موضوعنا (أعني بذلك اللغة الآشورية) تصادف القارئ بعض الأشكال من المفردات والمصطلحات المنحوتة والمشتقة من اللغة القديمة أي الكلاسيكية من جذور اللغة الأكدية الآشورية البابلية مع صفات أخرى التي هي من نبع اللغة الدارجة التي هي من ذات الجذور، لكون البشرية في البدء استعملت رموز مختلفة للفهم والإفهام بواسطة إشارات تجسدها الرموز الصورية وكذلك من خلال الأصوات الرمزية الخاصة والمعبرة التي تؤكد بأن الإنسان استعمل فيما بعد لهجات التعبير الخاصة به شفوياً قبل التدوين الكتابي الذي تمت معرفته على مراحل الزمن بالكتابة الأدبية.
ولهذا ليس من الغرابة أن يتم إعتماد إستعمال اللهجة الآشورية المحكية أو الدارجة النقية كلغة أدبية لإدبنا المعاصر، بالرغم من وجود العديد من اللهجات النابعة من جراء أسباب متفاوتة كظاهرة الجوار والمناطق الجغرافية بتأثير البيئة والمحيط شمالأ وجنوباً إلى جانب ظروف الطبيعة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والمعايشات المناطقية والإقليمية.
ومن ذلك المنظور يعوزنا تشذيب وتصفية تلك اللهجات والتأكيد على لهجة موحدة جامعة وخالية من الألفاظ الصوتية للحروف المستعملة في الكلمات المنطوقة مناطقياً، مثلما نلفظ على سبيل المثال كلمة الدجاجة (كثَيثا) حين نلفظها ( كتَيشا، كتَيسا، كتَيتا، كتَيثا وكثَيتا) وهكذا دواليك مع ما لا يحصى من المفردات من حيث التهجئة واللفظ غير الصحيحين.
من المؤسف حقاً بأن هكذا صعوبات لا تقتصر على المتحدثين فقط، إن كانوا على دراية من التعليم اللغوي أو عكس ذلك، بحيث يلتقي كل متمكن من اللغة بعدد كبير من المفردات بذات الشكل في نصوص التلاميذ المبتدئين، وكذلك الأمر والحالة ذاتها لدى بعض الأدباء والشعراء المعاصرين المعتمدين على الملافنة الذين هم بحاجة للتعلم، من الذين يشمروا عن ساعديهم ويقووا أصابعهم على رسم بعض الحروف والصور الإيضاحية بزخرفة بعض الصفحات على هيئة كتاب تربوي تعليمي لغرض التعليم الصحيح، بينما هم بعيدون كل البعد عن مبادئ النحو والقواعد والعلوم التربوية والنفسية التي هي من أسس عملية التعليم.

الخطأ الآخر الذي يضاعف الصعوبات هو من يجاهد ويثابر الغوص بفخر في يَمّ اللغة ومحاولة وضع قاموس وفق إمكاناته اللغوية المحدودة، بالرغم من إيجابيات العمل وجدواه على إثراء لغتنا ومكتبتنا أينما كنا. وفي الوقت ذاته بأنه عمل يكتنفه من العمل الشاق وقضاء الوقت الطويل والمضني على إتمامه، نرى بأن كل من يجد في نفسه الإمكانية اللغوية على قدر ما، يقدم على حشر تفسيراته بما يرتأيه لغوياً من حيث التهجئة والتصريف والتراكيب بمفارقة متفاوتة، ليعتمد كل من هو بحاجة على القاموس الذي يناسب أفكاره. هذه هي الصورة التي تتراءى لنا في تلك القواميس المستحدثة، ما عدا الكلاسيكية الأكثر صعوبة لأولئك الذين ليست لديهم معرفة كافية بأسسها القواعدية وشروحاتها الغامضة بمنهجية التأليف كما يبدو لنا في تآليف جهابذة اللغة من أمثال المطران توما أودو والمطران أوجين منّا بالخط الشرقي وباللهجة الشرقية ومن قبلهم حسن بن بهلول وجبرائيل قرداحي باللهجة الغربية وما لحقها بلغات أخرى كقاموس سميث وقاموس ماكلين وقاموس لويس كوستاز وقاموس الكسندر اوراهم الذي يعالج مفردات قلما تجدها في مكان آخر كونه جمع ما تداوله أبناء شعبنا في مناطق سكناهم وعلى غرار ما أقدم عليه ماكلين، وبالتالي المعاصرة منها التي عنيناها بتفاوتها الإيضاحي مع تقديرنا لجهودهم. آملاً أن لا تؤخذ ملاحظتي هذه من باب الطعن للبعض منهم، وتمجيد البعض من المحدثين طالما تعددت العشرات وبلغات مختلفة إلى جانب الآشورية ـ السريانية بالحرفين الشرقي والغربي.

مغالطات تفرضها الإرادة الفردية

من المؤسف له حديثاً إن ما رأيناه وعشناه وعانيناه في الوطن الأم في بداية السبعينيات وما تشهد له تدوينات بعض زملائنا من الكتاب فيما يخص ويتعلق بالتسمية اللغوية، أن نجدهم وقد إنجرفوا في تيار آخر بدحض ما آمنوا به ونكرانه بين ليلة وضحاها، بعد أن تواطئوا مع المصالح الشخصية في المؤسسات التي تولوا فيها صفات التسميات البراقة. ولكي أكون أكثر وضوحاً وصراحة ليحاول كل قارئ حريص ومتابع فطن أن يقارن بين تلك كتاباتهم في أيام النضال السلبي وكتاباتهم بما هو عليه اليوم، وخاصة المؤرشفة منها في مجلة " المثقف الآثوري" بقسميها العربي والآشوري ومجلات أخرى كانت تصدر في حينها.

وعلى شاكلة ما ذكرناه تطاول البعض من أكادميينا على خلق تسميات بشكل مصطلحات على المألوف أيضاً من تسمية اللغة الآشورية بمصطلح "السورِت أو السوريث" أي لغة السوريث التي قد تعني باللغة العربية " اللغة عربياً" بدل اللغة العربية. ومن يفقه تنسيبها حين نقول اللغة السورثية أو السورتية.
أنا لا أريد الخوض هنا في جذور تطور اللغة الأكدية البابلية ـ الآشورية وتحويراتها الزمنية المرحلية النحتية المتعاقبة بسبب الشين والسين والثاء والتاء ودوافع النزعات القومية والإثنية والمذهبية لوسع آفاقها بما تولده من مسوغات وتبريرات منطقية وشائكة غير منطقية لحاجة (لغاية) في نفس يعقوب. 
 
والأدهى من كل ذلك أن يَقـْدِمَ البعض بفرض إجتهادات شخصية لما هو مألوف اليوم ومنذ تأسيس أول صحيفة آشورية في العام 1849 بتسميات مغايرة لتسمية (مغلتا إو سبار زونا) التي يُعنى بها المجلة أو الصحيفة أي الجريدة لما اعتاد عليه ابناء شعبنا على تلك التسميات منذ أكثر من قرن ونصف، بإضافة وإستعاضة مصطلح " گلپارا " بحجة تسميتها أكاديمياً. وهنا لا أريد الخوض في معمعة الإشتقاق اللغوي لتلك التسمية الهجينة ، مقارنة  بالعربية التي هي من الساميات وإستعمالها للمنشورات الأكاديمية معنونة بالمجلة الأكاديمية وليس الجورنالية كما في الإنكليزية ولغات أخرى مقاربة.
نحن هنا بصدد التسهيل اللغوي وليس التعقيد بإضافة بديل لما ألف عليه أبناء شعبنا. أما أن يكون المُقتَرَح من أجل رأي  المًقترِح وملاطفة البعض للفكرة إعتباطاً، فهذة مسألة فيها وجهة نظر. ولكي لا يُتّخد موقفي سلباً، أؤيد كل من يرنو ويتبحر في إيجاد ما لم نجده في لغتنا، وأن لا نزيد من ثقل ما ألفناه رسمياً.
وبذات المنحى آخر ما ورد سمعي في الآونة الأخيرة أن ينبري أحدهم في إذعان مخيلته بإصطلاح مفردة "سبيرا" لكلمة الدكتور الأكاديمي المألوفة في كافة لغات العالم، علماً بأن "سبيرا" هي من جذر "سپر وساپر، سَپرا، سپروتا " أي الأدب واشتقاقاتها الأخرى ومنها التي تعني صفة العالم والفاهم والمتبحر وغيرها من المرادفات التي هي صفات لها مثلما في العربية التي تتجاوز العشرات بل المئات لبعص التسميات. ولطالما هي من مصنفات المعنى الأدبي، فما الحال للمتخصص كدكتور في مجال الكيمياء والفيزياء والرياضيات والرياضة وغيرها من العلوم، فهل من الممكن أن ننعته سبيرا الأدب الكيمياوي وغيرها؟ وهناك من لم يتأهل أكاديمياً لنيل حرف الدال (د. أي دكتور) ولكن يعادل بمعرفته المئات منهم. فهل يجوز أن ننعته بذات المصطلح الذي يعنى بذلك صفة حامل شهادة الدكتوراه كأعلى مؤهل جامعي؟. وهل كل الذين يحملون شهادة الدكتوراه ينبغي أن ننعتهم بلقب " سبيرا "؟ والتي من معانيها: الأديب، الخبير، العالم، العلامة، الحكيم، الحاذق، البليغ، الماهر في مجالات متنوعة بدلاً من كلمة دكتور، علماً بأن المؤهلات التخصصية للعديد منهم لا تناسب ولا ترتقي لمفاهيم المعاني المقصودة. مثلما انتشرت عادة نعت غير المتخصصين علمياً في حقل التعليم بلفظة " رابي أو ملپانا "، وكما إتسع مدلولها بالعربية لكل مهنة سواء عن قصد إو غير قصد وعلى وفق خاص في لبنان على سبيل المثال.

ومن الجدير ذكره بأن النبع الذي نعتمده هو ما دونه فطاحلة اللغة بالخط الشرقي من أمثال المطران توما أودو وأوجين منّا وغيرهم في القواميس العصرية ، وعلى شكل متميز ما دبجه أودو بشروحاته باللغة الكلاسيكية (القديمة كما ننعتها) وإشارته لمعنى كلمة " سپيرا وجمعها سپيرِ أي ܣܦܝܼܪܵܐ ܘܣܦܝܼܪܹܐ" التي تعني: (ܝܠܝܼܦܵܐ يليپا: أي المتعلم)، (ܡܕܲܪܫܵܐ مدَرْشا: أي خبير، عالم، أديب وضليع) ، (ܡܲܠܦܵܐ ملپانا: أي معلم، مدرب/ متعلم، متدرب) عكس ( ܗܹܕܝܘܼܛܵܐ هِديوطا: أي أميّ ، ساذج ، أبله) و(ܣܲܟܼܠܵܐ سَخلا أي جاهل، أحمق)، و( ܦܫܝܼܛܵܐ پشيطا: أي بسيط وغيرها من المرادفات) و (ܘܲܒܼܪܝܼܪܵܐ واوريرا أي بريرا بمعنى غبي، جاهل، ساذج، وديع وغيرها) بإعتماده وإستشهاده بمقولة اللغوي الشهير مار عوديشو الصوباوي بمفردتي ( ܠܣܵܦܪܵܐ ܣܦܝܼܪܵܐ لسَپرا سپيرا أي للمعلم البليغ أو الخبير أو الفقيه الصوباوي) حيث قال: (ܡܲܠܦܵܢܵܐ ܣܦܝܼܪܵܐ ملپانا سپبيرا أي المعلم أو الأستاذ البليغ ومرادفاتها. والقلم والعقل واللغة والوعي وغيرها ص 660 قاموس كنز اللغة السريانية وكذلك ص 509 قاموس منّا من حيث المعنى.
ولنفترض بأن إستعمال مصطلح الدكتور الخاص بالدرجة العلمية من الأخطاء الشائعة الإستعمال في لغتنا فماذا نقول عن التعابير العربية حين تتصدر ألواح الأطباء على جدران بنايات مكاتبهم الدكتور فلان ليتبعها طبيب أخصائي في كذا وكذا، علماً بأنه يحمل شهادة البكالوريوس في الطب وليس الدكتوراه. وبما أن كلمة طبيب تعني العلاج وبالإنكليزية (Medical doctor) ولغات أخرى أيضاً فما الضير من إستعمال الدرجة العلمية لحملة (PHD) العليا بذات المعنى. إضافة للكلمة المرادفة (حكيم) التي هي الأخرى يُعنى بها الطبيب إلى جانب العاقل والفيلسوف ودكتور بالإنكليزية ، علماً بأننا نستعملها في لغتنا بذاتين المعنيين.
   
إن كان الأمر أو الموضوع بهذه البساطة السهولة في استنباط واستنتاج مفردات بديلة عوضاً عن المألوفة والمتعارف عليها فلماذا لا نغير كل دخيل متسع الدلالة بعمومية استعماله عالمياً؟ بالرغم من الشروحات المحصورة بين هلالين لكل مصطلح، ومنها على سبيل المثال لا الحصر كالفيلسوف (محب الحكمة) والديمقراطية (حكم الشعب) والكلاسيكية (القديم والنموذجي) ونقيضها (الرومانطيقية)، والتكنولوجية (علم الإداء والتطبيق) والأكاديمية والقائمة تطول، وبالتالي ما شاكلها من المصطلحات التي لها صلة بالدرجات العلمية كحامل وثيقة أو شهادة الدبلوم والبكالوريوس أو الليسانس والماجستير التي ترجمها البعض بتسمية رَبّانا. فلماذا إذن نستصغر هذه التسميات وعدم إيجاد اشتقاقات تصريفية بلغتنا ونتعلق بمفردة واحدة يتوجها حرف الدال (د.) مع نقطة مصغرة؟ هل لكونه يمثل أعلى درجة علمية؟ أم لأسباب رؤى  إجتهادية خاصة للتعقيد اللغوي؟!
وفي خاتمة هذه العلة أتساءل هنا: في حال تسميتنا أو نعتنا لإسم الدكتور بإسم سبيرا، ماذا سننعت البروفيسور.
لذا أود الإشارة هنا بأن ما لنا اليوم في عصرنا الحالي لا زلنا في منتصف الطريق نخطو بخطوات وئيدة في العديد من مجالات الحياة، وما نحن بحاجة إليه تبسيط ما يصادفنا، وليس تعقيده بما لا يستلزم التعقيد.
دعونا ننتشل خيوط الأمية المتفشية فينا أولاً، ومن بعدها نرحل في تغريدنا بما يلزم التغريد. ومن ناحية أخرى من منا نحن الذين نشكل حلقات أدبنا المعاصر في كتاباتنا لم نقع في الشباك التي تقتنص هفواتنا حين يغرد كل واحد على إجتهاد هواه. أين نحن إذن من البساطة والمرونة والإستدراك على تقبل الرأي الصائب من قاعدة الإحترام فيما يقدم عليه كل واحد منا؟! إذن دعونا نعترف وبحس مرهف ومنطقي ونمتثل بمقولة: (ما هكذا تورد الإبل).

وعلى ما يبدو لي من عمق تجاربي وعلاقاتي وإتصالاتي بمن يتنسمون في رياض الأدب أراهم وكل واحد يعصف بما يلفظه يراعه ليتبوأ برجه العاجي شاهراً رمحه ليوجه لمعان ظلاله في عيون من ينظرون بوسع البصر، لتمثلهم بأساليب تلك المكونات الحزبية التي نألف واقعها بشهر سيوفها ضد بعضها وعن كثب بالخفي والعلن.
 
وأحياناً ترى العكس لدن مَن قوي عوده في رياض الأدب وأثمرت نتاجاته، لتجد في بعض مضامينها من الهفوات ما لم تتوقعه، وقد يكون ذلك بدافع السهو أو أن حيرة التصريف لمفردة ما بذات المعنى في ذات الصفحات أي بين صفحة وأخرى تدعه يدونها بطريقتين مختلفتين، فيمد سبابته ليرشدك بما هو الأصح، متغافلاً بأنه هو أيضاً إلتهمت نصوصه ذات الهفوات، ومن جملة ذلك أن يكتب في صفحة (سوف: ܒܹܕ ܘܒܹܬ) و ( تحت : ܬܚܘܼܬ ܘܬܚܘܿܬ ) و (عندها أو حينذاك: ܗܿܝܓܵܗ، ܗܵܝܓܵܗܿ، ܗܵܝܓܵܐ ܘܗܿܝܓܵܗَܐ) و (طبيعة الحال: ܗܲܠܒܲܬ ، ܗܲܠܒܵܬܵܐ ܘܐܲܠܒܲܬܵܐ) و (جيد أو حسِن: ܨܦܵܝ ܘܨܦܵܝܝܼ) و ( شخص: ܦܲܪܨܘܿܦܵܐ ܘܦܲܪܨܘܼܦܵܐ) و (القارئ: ܩܵܪܘܿܝܵܐ ܘܩܲܪܝܵܢܵܐ) وهناك ما لا يحصى على هذه الشاكلة من حيث التهجئة أو الكتابة الإملائية والتصاريف والإشتقاقات، ناهيك عن ما هو من مفردات ومصطلحات لغات أخرى كاللاتينية واليونانية على سبيل المثال لا الحصر، كما أشرنا في مطلع موضوعنا. ونحن هنا لا نُبرئ أنفسنا وننزهها من هذه الإشكالات التي يألفها كتابنا مهما كانت مستوياتهم التعليمية.
وليكن في علم كل واحد منّا بأنه ينبغي قبل كل شئ من ذوي الإهتمام اللغوي إن كانت نظرتهم ولا زالت الإستحداث أن لا يرموا صنارتهم في بحر اللغة إعتباطاً ، أي دون علة أو سبب مقنع لإنشاء وتوليد ما يدور في مخيلتهم فقط، ما لم يميزوا بين عاملي التصريف والإشتقاق بغية الإستحداث والتطوير.
لذا ينبغي معرفة التصريف بأنه علم ومعرفة يبحث تراكيب المفردات من جذور الأفعال والأسماء بزيادة ونقصان الحروف والقلب والإبدال إضافة لأهمية دور إستعمال الحركات.
وأما الإشتقاق، رغم سعة دلالاته، فهو نوع من الإستحداث اللغوي يُعنى به توليد لفظ كلمة من لفظ كلمة أخرى للدلالة المميزة على معنى معين جديد يلائم المعنى الحرفي للمصدر المُعتمد ما لم تتواجد له من المفردات في القاموس اللغوي للغة ما، أو التبسيط في إنتقاء مرادفات تماشي مفاهيم التقدم العلمي والحضاري، وبما يعرف أيضاً بالتماثل اللفظي المگرشن (لفظ كلمة أجنبية بحرف لغة أخرى) كما هو الحال في الكثير من المصطلحات الأجنبية أو الدخيلة على لغة ما، مثلما نكتب نقول: التقنية والإستراتيجية والديموغرافية والبيولوجية والأوتوقراطية واللبرالية والبروليتارية والإنترنيت والكومبيوتر وغيرها في العديد من العلوم.

الخلاصة التي تحتم علينا القول إن عملية الحداثة اللغوية لا تفرض استحداث مفردات هي أصعب مما تألفه عامة الشعب، ولا حشر مفردات هي في غاية الصعوبة على مثقفينا، لكون البعض منها لا مكانة لها في القواميس بدافع الإجتهاد الشخصي المنفرد. فإن كان كل مهتم باللغة الأم وبوازع فردي أن يجد فيما يرتأيه من باب التطور اللغوي فيما يكتبه، فهل تظن بأن ثمة من يعتمده في وسائل الشبكات الإعلامية بما تشمله السمعية والبصرية والكتابية؟! لا أظن ذلك. بسبب محدودية القراء، ومحدودية عدد من يدعموا مؤلفينا باللغة الأم وبنسب ضيئلة جداً، حسب ما تؤكده نتائج إصدارات مؤلفينا التي تركدها الرفوف العالية والسراديب النتنة. لذا فأنه من الواجب أن نوسع دائرة الإثراء اللغوي في المجال الأدبي من خلال ما يناسب الناشئة أولاً وبالتدريج من موضوعات خاصة بالأطفال والشبيبة لخلو أدبنا من هذه الموضوعات المشوقة للإهتمام الأدبي.

( نقلاً عن العدد 18 حزيران 2017 من مجلة " أترا " أي الوطن ص 65 الصادرة في استراليا صوت الحزب الآشوري الديمقراطي).


41

مرثية ومناجاة لروح الشهيد د. إلياس أسحق


ميخائيل ممو

(أن تؤمن وتعترف بصديق بعيد، هو خير لك من قريب مراوغ عنيد، تتلاعب بأحاسيسه غيرة التفنيد. هذا ما استخلصته من واقعة صديق الصدفة الشهيد د. الياس اسحق)

كيف أرثيك
 كيف أبكيك
وكيف أعزي ذويك
يا رفيق درب الصراحة
فأستميحك العذر بلآلئ الفصاحة
يا إلياس
يا من عمذت اسمك
بعطورٍ من أرقى الغِراس
ليشع نورك قدوة النبراس
بحسن خصالك النبيلة السامية
بما إقتنيت من علوم أصيلة عالية
لسنوات طويلة
وبما أسديت من نصح الفضيلة
لأبناء جلدتك من العباد
ولأبناء مجتمعك في أنحاء البلاد
ولكل من عاشرك من الأجناس
من بني الريف والمدن من الناس
من ذوي الإحسان والإحساس
 ***
دعني أناجي روحك بودٍ واحترام
وبكل ما يرويه فيض الكلام
عن فاجعة الخصام
لا الرثاء
لا البكاء
ولا العزاء
يجدي نفعاً
رغم كل آثار المحن
بعد ذلك الرحيل العليل
الذي حقاً ما له مثيل
بإختفاء سِر ولُغز الدليل
في العصر الذي ابتلاه مبدأ التنكيل
لنقُلْ وآسفاه
ليتك طاوعت
رأي أخيك ورأينا
بما ارتآه وارتأينا
بفكرة الرحيل البديل
لكنت حقاً قد تجاوزت
معضلة الجريمة النكراء
وحيرة التأويل
على يد من ارتضى
واقتدى
بفعل ما أقدم عليه شبيه قابيل
بخيانة ٍ
وبغدر أخيه هابيل
فأمسى عصرنا عصر مخيف
يدور في دهاليز صراع عنيف
لا يُؤتمن فيه
لا القريب، لا البعيد
لا ولا حتى العفيف
***
الذكريات
تؤرقني من أول لقاء
يوم أبديت لي حُسْن الإداء
مُستقبلاً إيايَ
ببالغ الإمتنان والوفاء
في ميناء إيستاد
إلى مدينة بوزنان
قضيناها بالصبر والسلوان
بتوصية مرشدك النبيل
ابن عبد الله ميخائيل

لتكون لي الدليل
بإقتفاء الدرب الطويل
فكنت حقاً نِعمَ الخليل
ليمتد اللقاء فيما بعد
بالسهر والسمر
مليئاً بالأحاديث والفِكَر
دون ضجر
إسبوعاً قضيناه معاً
تُؤطره وتُعطّره
ألحان أنغام الشجن
وكأن تلك الأيام الغابرة
لحظات عابرة
لا تعاد بالميعاد
رغم البعاد
إلا بعد فترة
إكتواها عمر الزمن
أنا في الشتات
وأنت بديار الوطن.
طالت الأيام
وطال الإنتظار
فأعقبتها السنون
وشدّ بنا الحنين الدفين
أن نعيد اللقاء المرتقب
عن كثب
بما أوحاه شوق الطلب
في ربوع قرى الخابور

بإعادة أيام ٍ طوتها
ظاهرة فترة النسيان.
وأخيراً استجاب القدر
بما قد أمر
لنزيح عنّا أفكار الضجر
بدلالة ذكرى الصُّوَر
مجبراً إياي أن نكون معاً
في عقر داركم
بصحبة أخ جديد
ألفناه باسم فهد الوديد
   
ببواكير أحاسيس شعر فريد
وبكل امتنان
قضينا
سهرتنا الساحرة
بأحاديث مؤنسة نادرة
وفي ظهيرة يومنا التالي
استضافتنا
مياه رأس العين النابعة
الناصعة الشافعة النافعة
لنقضي وقتاً ممتعاً

أزحنا فيها الكروب
وقبل أن يهجم علينا الغروب
لبينا نداء الأحبة بكل إعتذار
من كانوا في أمل الإنتظار
في مقصف سيروب القريب
بمرجه الفتان من الأفنان
ومن ضَمّنا بأجمل الترحيب
فآنستنا صدى الألحان
بصوت إبن هومه المطرب الفنان
فلَعَنّا لظى النسيان
بتمجيد ما توحيه الصِدَف
لنيل الهدف

عن خوالي السنين
وبأحلى ما دونه التاريخ
من جديد
بفرحة يوم نوسرديل المجيد
لنا المعين بالأمر اليقين
***

نصائحك
لا زالت عابقة
على جدران الفكر عالقة
لا يطويها الرحيل ولا الحداد
مؤطرة في عمق حنايا الفؤاد
لا يبددها النسيان أبداً
طالما نحن معاً
بالصور الصادقة
زاهية الألوان مع الخلّان
بتعاليق الفرح
وتلك أحاديث المرح
وفاءً لحنانك بوحي الضمير
لقوة إرادتك كالقمر المنير
لصدق كلامك بأصدق التعبير
لوسع مداركك بطابع التنوير
بصفاء نيتك كمرشد خبير
ولكل ما احتواه وعيك في المسير
بدلالة ما تبوأت
من مناصب عالية
بين دير الزور وحلب الشهباء
والحسكة الباكية

لتكون الأخيرة
دالتك المنشودة
وأنت تخاطبني
بين الحين والآخر
بتساؤلات
ما الحل؟!
ما العمل؟!
أهم ما يهمني
إنقاذ ولديّ
فلذات كبدي
من الظروف القاهرة
بلعنة أيدي البرابرة الغادرة
فطال جواب الإنتظار
وإختفى منك القرار
لردك الحتمي
وإذا بك تقرر البقاء
ليحتم عليك الجفاء
في الخفاء
بما لم ينتظره القدر
لا ولا حتى الأنبياء
وبمن قدسته
وعرفته
من أقرب المقربين
الذي لا زال قلبه
يعصره الألم
وينهك خلاياه الندم
ليعيش حياة العدم
ممزوجة بدواهي السأم
دون أن يفصح
بحقيقة ما اقترف وفعل
بما تراءى له وانتحل
ومن غير أمل
فحتام سيبقى
سر الجريمة النكراء
يطويها الخفاء؟!
ليعيش أبناء الرعية
في تأويلات
غير مُرْضية،
وحتام سيعيش
المقربون يحلمون
ليل نهار
بأبشع ما احتوته
وأخفته
هكذا جريمة وقضية؟!
***
وفي خاتمة المطاف
روحك تجلت بأجمل الأوصاف والإنصاف
يا من آمنت بالحرية والسلام
فأنت الشهيد، شهيد الوئام

نَمْ قرير العين
في مثواك الأخير
فأنت باقٍ في قلوبنا
لنلقاك في يوم المصير

فالحزن عليك كبير
وها أنت تعانق اليوم
 في أول لقاء لنا
 روح زميلنا ماتييف الخبير
يوم التقيناه معاً بأصدق التعبير
وأسفاه عليك
بما يذرفه اليراع من لوعة التحبير.


44
كيف بي أن أواسيك وجرحنا لم يندمل؟!



ميخائيل ممو

أخي فهد.. أجل، الفاجعة كبيرة على نفوسنا، وبالرغم من كبرها فهي مريرة وأليمة وقاسية.. أن تثمن قيمة إنسان كافح وناضل وخدم الإنسانية وبلغ الغاية في جهده لتطاله رصاصة غدر قذرة في الرأس من يد أقذر وأوسخ أناس عرفتهم البشرية في عصر العلم والمعرفة، جريمة كبرى من أنذل وأبشع ما يدونه التاريخ. لكن شرف الشهادة أرقى وأقدس وسام يُقلد به الشهيد.
وبالرغم من المصاب الجلل بهذا الأجل الذي لم يخطر على بال أحدٍ فإن الفاجعة لا تقل شأناً وهولاً عن تلك التي ألمّت بشهداء الخابور في محنتهم الكبرى في الوقت الذي شدّ المرحوم الفقيد من عزمه في البقاء على تلك الأرض التي ترعرع فيها وعاش بين ربوعها بإرادة صميمية تمسكاً بأقدس مقدساته المتمثلة بإقدامه على الإعتزاز بتربة الوطن وخدمته والتنسم بنسماته بإيمان لا شك فيه بوجوده القومي والوطني غير آبهٍ للمصائب والمصاعب وهو في قمة إبداعاته التي يشهد لها فكره الثاقب وطموحه الدائم بما كان يمليه على طلابه الجامعيين ولأبناء جلدته، وبما كان قد ورثه أيام دراسته الأكاديمية والزميلين د. ميخائيل عبدالله ود. جبرائيل شيعا بجامعة بوزنان في بولونيا منذ عام 1986 لغاية 1992، أثناء مراحله الدراسية العليا وهو يسعى بحرص شديد على تحقيق ما راوده من أحلام بتسنمه درجة الدكتوراه في العلوم الزراعية، وما إستنتجه من دراسته بإكتشافه نوعين من الأمراض التي تصيب المحاصيل الحقلية التي أهلته للعالمية بتسجيل مكتشفه في المجمع العالمي البريطاني إضافة لمكافأته بمنحه جنسية المواطنة البولونية وجواز السفر البولوني تقديراً لجهوده.
إن المحصلة العلمية التي نالها في مجال إختصاصه كان أساسها بالدرجة الأولى ربوع الخابور بتلك مزارعها ومحاصيلها الزراعية التي إنطبعت في مخيلته وأوحت له بالدرجة الثانية أن يلتحق بكلية الزراعة في جامعة حلب (1979 ـ 1983) ليتخرج بدرجة علمية أهلته ليكون معيداً في ذات الجامعة، ومن ثم بعد ثلاث سنوات من خدماته الوظيفية بما فيها الجامعية والعسكرية تم ترشيحه بمرسوم جمهوري من الحكومة السورية لإتمام دراسته وإيفاده إلى جمهورية بولونيا، ليعود ثانية عام 1992 إلى الوطن متسلحاً بأعلى درجة علمية في مجال إختصاصه أهلته ليتبوأ مكانة عالية في ذات الجامعة التي إنتهل من علومها، مستدرجاً خدماته الوظيفية في كلية الزراعة بجامعة حلب، حيث شغل منصب أستاذ مساعد بكلية دير الزور وكليتي الزراعة والتربية في الحسكة من جامعة الفرات إضافة لتوليه عمادة كلية الهندسة الزراعية سابقاً.
الناس الطيبون من ذوي العقل الفذّ والنّير عادة ما تخزنهم الذاكرة على جدران الفكر بوعي دائم.
هذا ما دعاني أن أحتفظ بتلك الذاكرة لحد تدويني هذه الكلمات من جراء ملاقاة الفقيد د. إلياس إسحق لأول مرة مطلع عام 1988 بتجشمه عناء السفر لإستقبالي من محطة وصولي الحدود البولونية دون أية معرفة سابقة به، بغية مساعدتي للمشاركة في مؤتمر الإتنولوجيين البولونيين عن التقاليد والتغييرات في الحياة القروية للأقليات القومية في دول العالم الثالث بجامعة بوزنان. ولمدة إسبوع كنا قد قضينا أجمل أيام من العمر غمرتها بشائر الفرح والسرور بمزحه ونكاته، وإمتداد ذلك المعشر فيما بعد من خلال عدة لقاءات أثناء زياراتي لربوع قرى الخابور التي كان آخرها مثل هذا اليوم الذي أدون كلمتي المصادِف لعيد نوسرديل أي عيد الرشاش حين قضينا يومنا الممتع في مقصف سيروب ورأس العين قبل الأحداث الإرهابية الدامية.
فما أحزنها وأشدها كرباً اللحظة التي غشي بصري بنبأ إغتيال الأخ الراحل إلياس ليغمرني الحزن الأليم مباشرة وبإحساس قوي من الفعل الذي يندى له الجبين بما يقدم عليه الجبناء بقلوبهم الخاوية من الرحمة وبتلك مواقفهم الإنتهازية ليثبتوا بأنهم لا زالوا أحفاد أولئك الذين لوثوا التاريخ بأفكارهم النتنة وبمواقفهم الشريرة دعاة الغش والكذب بديمقراطية اللاديمقراطية ومناداتهم بعدالة اللاعدالة، بدلالة دعوة الخيانة المبيتة التي استضافت ثلاثة من الأبطال الآشوريين بإستهدافهم ونجاة أحدهم بقدرة قادر وإستشهاد الأثنين الآخرين بإياد آثمة كشفت مآربهم السلطات الحكومية.
ليس لي في خاتمة هذه العبارات إلا أن أنقل ما عرفته عن الفقيد وعن كثب بأنه كان لطيف المعشر، وديع النفس، سامي الخلق، نقي القلب، مرهف الإحساس..
رغم كل هذه الصفات التي كان يجسدها وجهه الباسم وملاطفاته المؤطرة بصدق الكلمة وقهقهاته الممزوجة بالبراءة التي تُعد من المآثر الحميدة بحيث لن يدع الزمن مهما طال أمده أن يسدل عليها ستائر النسيان بين من عرفه وجالسه، وعلى وفق خاص في تلك صيدليته الزراعية التي قدّمت أجلى الخدمات لأبناء الخابور والغرباء من المزارعين.
وفي آخر المطاف لا يسعنا إلا أن نعزي أنفسنا أولاً على هذا الرحيل والفقدان القاسي، ونعزي الأخ فهد شقيقه وشريكة حياته وولديه وكل المقربين له.
وها نحن نخاطب روحك الطاهرة ستبقى ذكراك في قلوبنا رغم استشهادك بدلالة من نعوك وأمطروك بشآبيب رحمته بتلك أقلامهم الشريفة الصادقة من المؤسسات الحكومية الجامعية العلمية والأدبية والثقافية والسياسية وكل من عرفك من قريب وبعيد عرفاناً بمودتك وطيبتك ومآثرك. وستبقى تلك الأيادي التي خطفتك وأردتك شهيداً في اليوم الثالث دون أية مساومة ملطخة بدمائك الزكية يؤنبها الضمير طيلة حياتهم إن كانت لهم ضمائر، ولكن مشيئة الله ستشعرهم بأنهم غارقون في بحر من الظلمات مهما سعوا في الغفران عن آثامهم وأفعالهم الشنيعة.
دعني أيها الزميل الراحل أن أنثر على مثواك الأخير فحوى مفردات البيتين التاليين عوضاً عن تلك الزهور التي تزين ثراك الطاهر.

أرثيك للـفضل الذي أسديـته   للـناس من علم ومن إرشادِ
أرثيك للصلة القديمة والذي   مـا بـيـنـنا مـن ألـفـة وودادِ

نَمْ قرير العين في مثواك الأبدي وأن يتغمدك الباري عز وجلّ برحمته الواسعة ويسكنك فسيح جناته مع الشهداء الأبرار، ويلهم ذويك الصبر والسلوان.

46
إتحاد الأندية الآشورية في السويد وإشكالات المؤتمر العام

بقلم: ميخائيل ممو


الإتحاد كلمة مقدسة.. نعم الإتحاد كلمة مقدسة ، والإيمان بتقديس مفاهيم تلك الكلمة يحقق الإنسان ما يصبو إليه إلى العُلى وشرف العمل. ولكن حين يحيد الإنسان عن مفهوم تلك الكلمة لأسباب تفرضها عليه المنافع الشخصية يكون شبيهاً بذلك الثعلب المراوغ بجلبابه البشري لإقناع من هم حوله من ضعفاء النفوس بلقمة ما لإشباع بخلهم، أو بكأس من الماء لإرواء عطشهم ومقتضياتهم الذاتية.

ومن ناحية أخرى وكما يُقال بأنه في الإتحاد قوة. حقيقة مُثلى لا يمكن نكرانها، حتى من الذين لا يفقهون فحوى صياغتها من الأميين قراءة وكتابة، ولكن متى ما يمتثل بها من له ذرة من الفهم والعقلانية تجده بمطامعه الشخصية ومصالحه المبيتة يكون قد تغافل عنها ليستجمع أعداد الضعفاء على تحقيق مآربه بقوة ضعفهم مقابل من هم ضد ما يؤمن به ليتمكن من فرض السيطرة في المجال الذي يعمل فيه.

فإن سألتني لماذا كل هذا الهذيان المنطقي ـ دعني أنعته بالهذيان ـ لكوني لاحظت بأم عيني وعلى مقربة مثل تلك السلبيات في مجتمعنا المتناثر في دول الشتات، وعلى وفق خاص ومتميز في بلدان الإغتراب التي تدعم جمعياتنا في مناطق تواجد تجمعاتنا السكانية ناهيك عما هو في الوطن الأم. على سبيل المثال ماذا تنتظر من إنسان نفعي ، وبالآحرى من مجموعة على شاكلته حين تضطر به ظروف الحاجة أن يسيل لعابه بإستشارتك وطلب معونتك في حاجة تبرر مواقفه السلبية بغية الدعم والإسناد؟ وبالتالي يدير ظهره عنك في الوقت الذي تكشف حقيقته. أليس هذه خيانة لا يمكن التغاضي عنها؟! أليس هذا التصرف من الذين يثبتون بمعرفتهم  وفي قرارة نفسهم بأنهم يجرمون على أنفسهم؟! أليس هذا الإعتقاد طبيعة يتحلى بها مرضى النفوس ولا ثقة لهم بأنفسهم؟! ألا تظن ـ عزيزي القارئ ـ بأن أمثال هكذا أشخاص مصابون بداء النقص؟! أظنك حتماً تتفق معي ما أنا ذاهب إليه، وحتماً لك ما تضيف إليه إن كنت حقاً ممن عايشت هكذا نوعية من البشر، وأخص بالذات في مجتمعنا الآشوري وبكافة تسميات مكونات.
ولكي أقشر البيضة من شكل تكوينها البيضوي الملون كألوان عيد الفصح الذي لا يل عنهم، أود الإشارة إلى هيئة إتحاد الأندية الآشورية في السويد في مؤتمره المنعقد بتاريخ 26 آذار 2017 بمدينة نورشوبينغ أن يتخذ قراراً بعقد المؤتمر في أحد أقدم الأندية الآشورية في نورشوبينغ، ويعلن عن ذلك في كتبه الرسمية المرسلة للأندية عن طريق البريد الألكتروني البالغ عددها 26 جمعية تحت مظلة الإتحاد. وبالتالي فجأة ولأسباب مجهولة ومخفية، غير منطقية وعقلانية وبشكل مباغت يغير قراره لعقد المؤتمر في فندق تعادل مصاريفه إعالة ما يزيد عن عشرين عائلة مهاجرة مع تكليف مراقبين مؤجرين لساعات معدودات بغية الحفاظ على الأمن (حسب الإدعاء) وكأنما نحن في حرب ضد بعضنا. وهذا ما لم يحصل على مدى يزيد عن أكثر من ثلاثين عاماً في مؤتمرات إتحاد الأندية الدورية منذ تاسيسه، علماً بأن إقامته في النادي الآشوري دون أية تكاليف أي مجاناً وبتوفير كافة الخدمات بدليل دةورته الإنتخابية السابقة على إقامته في نادي بابيلون الآشوري بمدينة يونشوبينغ.

النقطة الثانية والملاحظة الأهم أن تتصرف هيئة إدارة الإتحاد بتخفيض نسبة عدد الممثلين لنواديهم لمن لهم حق المشاركة في المؤتمر وفق عدد الأعضاء المسجلين رسمياً، وذلك بغية ضمان ما تضمره الهيئة في حال التصويت لمعرفتهم بأن عدد المعارضين لأخطائهم في قرارات المؤتمر سيكون أعلى من أصواتهم ، مما جعل بعض الأندية أن تحتج بشكل مباشر على المغالطات والتجاوزات على حق تلك الأندية، إضافة لذلك إنهاء تمثيل ممثلي ناديين وتحريمهم من المشاركة لمواقفهم الصريحة.

النقطة الثالثة: الإسلوب التهجمي والإستهجاني أثناء إنعقاد المؤتمر من قبل رئيس الإتحاد الذي جعل نادي تبرو أن ينسحب مباشرة منذ البدء رغم تمثيله رسمياً بإثنين من الأعضاء في المؤتمر. إضافة لإشكال حصل سهواً مع أقدم وأول نادٍ آشوري في السويد.

النقطة الرابعة: مماطلة هيئة الإتحاد متمثلة برئيسها المتزمت في عدم الإستجابة والتفاهم مع أكثر من 12 جمعية وقعت رسميأً على تصرفات رئيس هيئىة الإتحاد. مما إضطر ممثلو تلك الأندية الإنسحاب من المؤتمر لدى التصويت على أخطائهم بمشاركة ناديين والتي كانت نتائجها 22 صوتاً للهيئة  مقابل 21 للأندية المعارضة لسياسة الإتحاد. علماً بأنه هناك ما يزيد عن ثلاثة أندية معارضة لم يقبل دخولهم في التصويت لأسباب تكتيكية. وكذلك لناديين من المعارضين لم يحضرا لأسباب خاصة خارج نطاق إرادتهم وعدم قناعتهم بالإضافة إلى نادي تبرو الذي ترك القاعة وفق النقطة الثالثة. فإن كان نادي تبرو باقياً لكانت النتائج في صالح المعارضة وفق قرار الهيئة العامة.

النقطة الخامسة: وفق علمنا بأن المدققين هم أعلى سلطة في تبرءة الهيئة من مسؤولياتهم، وبما أن موقف المدقق السيد رمسن ياقو لم يكن على قناعة بالحسابات التي تم تبذيرها فقد رفض تأييد ما تم إظهاره وكشفه عن هيئة الإتحاد، ودارت بين الهيئة  ورمسن مكاتبة طويلة بذلك الشأن. ولا أعلم هنا كيف تم تبرءة الهيئة من خلاصة الحسابات التي تعد بما لا تحصى من الصرفيات. ثم كيف يمكن الإعتماد على شخص واحد وهو السيد سركون وكذلك خلو التبرئة من بعض التواقيع لمسؤولين آخرين.

النقطة السادسة: المعروف بأنه من واجب ومسؤوليات رئيس الإتحاد أن يجيب على تساؤلات واستفسارات ومكالمات أعضاء الأندية، ولكن تحسست بأن من عليه صبغة المعارضة وكشف الحقائق يتغافل مكالمته الهاتفية ليغيض الطرف عنه عمّا في جعبته. رغم ارسال التسجيلات الصوتية الندائية لأكثر من خمسة نداءات، ليجيب بالتالي بعبارة " أكتب ما لديك" ولا أريد أن أخوض أكثر في هذه المعمعة، ولكن سأقول: ماذا نتوقع من هكذا مسؤول إن لم يعرف معنى الإحترام والتقدير؟! وفي أية درجة من الأخلاق نضعها؟! علماً بأنه يشغل منصب مكتب الإتحاد كموظف براتب شهري ورئيساً للإتحاد أيضاً ورب العمل، إضافة لموظف أو موظفين في الإتحاد يحيلان الأسئلة بأنها من مهمات الرئيس، ولكن دون إجابة مباشرة من قبله.

النقطة السابعة: تساؤلي هنا، ما معنى أن يتزمت رئيس الإتحاد ويلتزم برأيه للحفاظ على تواجده في هيئة الإتحاد ما لم تكن هناك من مصلحة شخصية أو نواقص وتجاوزات كما كشفها المدقق رمسن ياقو، وتم تزويد كافة الأندية بملاحظاته المطولة في العديد من الصفحات.

النقطة الثامنة: أنا لا أعلم كيف يمكن لرئيس هيئة الإتحاد كعمل طوعي ويتولى درجة وظيفية فيه براتب شهري محترم وكرب العمل في ذات الوقت. عايشت الإتحاد منذ تاسيسه وتوليت مهام نائب الرئيس ورئيس تحرير مجلة حويودو لعدة سنوات ولم نتقاضى لا أنا ولا الرئيس أي قرش ما عدا الذين كانوا قد شغلوا درجة موظفين أو مستخدمين في مكتب الإتحاد بشكل رسمي بعد موافقة كافة أعضاء هيئة الإتحاد بالإجماع. أما أن يتم استغلال قوة الضعفاء فهذه مسألة فيها وجهة نظر.

النقطة التاسعة: إن ما إكتشفته من رئيس الإتحاد حين يكون في مأزق مع نادٍ / جمعية ما من نوادينا يتصدى له، وخاصة من الناطقين باللهجة الشرقية، عادة ما يتولى مكالمتي هاتفياً للتدخل بغية حل المشكلة أو سوء التفاهم. ولكن بعد أن بلغ السيل الزبى في موقفي من أخطائه إنقلبت الآية، وذلك على آثر توقيعي بتصرفاته الخاطئة مع أكثر من 12 جمعية في إحتجاجها على تصرفاته الشخصية.

النقطة العاشرة: حينما علم بذلك ، باغتني في يوم ما بمكالمتي وزيارتي في بيتي لأسحب توقيعي من مجموعة المعارضين لمواقفه السلبية. بعد محادثة كشفت له عن تصرفاته الخاطئة ما بين الإعتراف ببعضها ونكران القسم منها، ولا أريد هنا أن أكشف كل ما دار سوى واحدة منها عن إقدامه على تنظيم الكونفيشن الأوربي الذي رفضه بعد محادثة لأكثر من عام، وعدم موافقته على الإتيان به لكون الفكرة كانت من نادينا بالإتفاق مع أربعة أندية أوربية وأندية المنطقة الوسطى والجنوبية في السويد، حيث تم إقتباس الفكرة وتنفيذها بأهوائه الشخصية دون أن نعلم بما أقدم عليه، وتم تسميته الكونفيشن الأول، علماً بأنه كان قد شارك هو شخصياً وبإسم إتحاد الأندية الآشورية في السويد، وذلك في الكونفيشن الأول في لندن (الموضوع له تفرعات أخرى ولكن أكتفي بهذا القدر).

النقطة الحادية عشر: تساؤلي هنا ، هل أن الكونفيشن الأوربي للأندية الآشورية يقتصر فقط على السويد وألمانيا ونصف هولندا ( النصف الآخر أعني به من كانوا السبب في إقامة الكونفيشن الأول في لندن ولم يتم إعلامهم عن ذلك أو إستدعائهم) ليتساءلوا مني فيما بعد  بإستغراب عن تلك التصرفات.

النقطة الثانية عشر: تساؤلي هنا، هل أن الإتحادات شئ (ألمانيا والسويد ونصف هولندا شئ ، ونوادينا التي ليس فيها إتحادات في دولهم شئ آخر؟  وبشكل خاص الدنمرك والنرويج  وفنلندا وأثينا وروسيا وأرمينيا ووو). أتساءل هنا ماذا يُعنى بذلك؟! أليس من حق تلك الجمعيات الآشورية من المشاركة في ذلك الكونفيشن كجمعيات آشورية.
ومن ثم أيهما الأقرب والأولى في ذلك تلك النوادي أم شخصيات إنفرادية من أمريكا وكندا ولندن لا علاقة لهم حتى بأندية دولهم وليسوا أعضاء فيها. والأدهى من ذلك أيهما الأولى تلك الشخصيات المستضافة رسمياً (لأسباب شخصية) أو الذين يناضلون على أرض الوطن الأم بلاد ما بين النهرين بتواجد أحد قادة الحركة الديمقراطية الآشورية الذي لم تعطى له الفرصة للحديث على أقل ما يمكن بخمس دقائق رغم تواجده وتأخره في الحضور يوم الإفتتاحية لأسباب خارج إرادته.

النقطة الثالثة عشر: هل من المنطق أن يتصل رئيس الإتحاد بأعضاء الهيئات الإدارية للأندية بغية التأكد عن مواقفهم من أخطاء الإتحاد ، وفيما إذا كانوا على ذات الرأي الموقع من قبل رئيس النادي أو السكرتير. أليس هذا التصرف نوعاً من التجسس بما يتعارض والنظام الداخلي للإتحاد والأندية أيضاً؟!

النقطة الرابعة عشر: ليس بإستطاعة هيئة الإتحاد أن تجبر الأندية عن إرسال المعلومات الكاملة عن كل الأعضاء من مسددي اشتراكات العضوية في نواديهم، وبالإمكان الإكتفاء بالأسماء، وفي حال عدم تنفيذ الطلب بإمكان الإتحاد زيارة الأندية والتأكد من ذلك في سجلاتهم. علماً بأن العديد من الأعضاء لا يملأوا استمارات العضوية بكافة المعلومات لأسباب خاصة. 


وهنا في الخاتمة دعني عزيزي القارئ أكتفي بهدا القدر معتمداَ تلك النقاط التي هي أكثر من ذلك، ومن لم يستعب مضامينها سأضطر لتجاوز ما نوهت عنه في أي إستفسار أو أي تساؤل منطقي لخدمة مجتمعنا ونوادينا ومؤسساتنا التي لا زالت تجهل الحقائق وتتغاضى عنها. وهنا لا أستثني مناداة أحزابنا وكنائسنا ونوادينا التي لا تقل شأناً من تلك الإشكالات في دول المهجر وحتى في الوطن الأم، بغية أن يعودوا لرشدهم ويعترفوا بما هو في الصالح العام لتحقيق مفهوم ما بدأنا به بأن في الإتحاد قوة.  وأن لا تدع جانباً أية مجموعة مهيمنة على دفة الأمور مقولة ( الإعتراف بالخطأ فضيلة ) ومن دون الإعتراف هو تشتيت مفهوم الوحدة ونخر جسد الإئتلاف لنعيش حالة الضعف دوماً. وسبحان الذي لا يخطأ. وأن لا تتخذ كلمتي هذه من باب الإستهجان والتشهير طالما إعتمدت فيها نور الحقيقة في كل ما ذهبت إليه وعن كثب وواقع عايشناه وألفناه.
وفي نهاية المطاف أسترجي من الطرفين أي من مسؤولي الأندية المعارضة الذين انسحبوا من المؤتمر ومن مسؤولي الأندية المتبقية أن يتفهموا  واقعنا المضني الذي يشتتنا، وأن يَعْمدوا إلى إيجاد حل من حالة التشرذم كحال تعدد أحزابنا وإنقسام كنائسنا ، فالطاولة المستديرة والإعتراف بالتنازلات من الطرفين هي السبيل الوحيد لحل الأزمة قبل تفاقمها، وكذلك ـ لا بأس ـ من فرض شروط منطقية من الطرفين هي أيضاً ـ نوعاً ما ـ من الممهدات للخروج من المهاترات اللامجدية.
إن كنا حقاً من المؤمنين بمفهوم كلمة الوحدة القومية والتآلف، عندها يبدو الصالح من الطالح ، وتنكشف نوايا المصلحة العامة من المصالح الخاصة.
وبرجائي هذا إن لم نتوصل لأية نتيجة نكون بمثابة من يقول لنا: أصلحوا أنفسكم أولاً  وإتفقوا ليمكننا دعمكم وإسنادكم في مطالبكم، وإلا سنظل موضع شك وحيرة بنظر السلطات التي تمد يد العون لواقعنا المتردي الذي نعيشه في الوطن الأم وديار الشتات. وذلك كما حصل لبعض المؤسسات التي عاشت ذات المعمعة وخسر الطرفان المتنازعان لأسباب شخصية. فدعونا نتخذ تجربة من تلك السلبيات.


47
من يعتمد الماضي يعيش الحاضر
الأديب أوراهم يلدا نموذجاً 

بقلم: ميخائيل ممو.
شباب في عمر الزهور، جرفتهم مشاعرهم بأن يمتثلوا ويقتفوا درب من أبدعوا في حياتهم، وعلى وفق خاص أولئك الأدباء الذين كانت تملى علينا مسيرة حياتهم وإبداعاتهم الأدبية والشعرية وأفكارهم الفلسفية في مراحل الدراسة المتوسطة وبالتالي الأكثر شأناً في مرحلة الدراسة الثانوية وعلى وجه الخصوص أدباء المهجر، ومن ثم من كانت تترجم أعمالهم إلى العربية من أشهر الأدباء الأجانب. فباتت جذور تلك المرحلة تتفرع رويداً رويدا في أعماق نفوسنا لتشد من إهتماماتنا الأدبية، ومن ثم التأثر والإمتثال بما طرحوه من أفكار في تآليفهم لينطلق كل واحد في تصميم مسار حياته بمحاولات كتابية منفردة جمعتها فكرة إصدارات النشرات المدرسية التي كانت دافعاً لإلتقاء مجموعة من الطلبة في المرحلة الأخيرة من حياتهم الدراسية التي قربتهم من بعضهم وجعلتهم يرتأوا تكوين حلقة أدبية إسبوعية في مقهى منزو ٍ يبعد الشك عن أعين المتلبسين بالخفي في منطقة مدنية لحي عسكري معروف بمعسكر الحبانية، وعلى شكل خاص الفترة الأولى لإستلام البعثيين مقاليد السلطة. حيث كنا في تلك الفترة بعد دراسة مستفيضة قد أقدمنا على تشكيل  مجموعة أسميناها بإصدقاء رابطة العروة الأدبية، وعلى ما أتذكر شملت أشخاص من المكونات القومية في الحبانية الذين كانوا يتقنون اللغة الآثورية أيضاً ومنهم الكردي والتركماني والآشوري والمتهم بالتبعية الإيرانية. بعد أن وضعنا خطوط إنطلاقنا ودونّا بياننا الأدبي لإرساله ونشره في الملحق الأدبي والإسبوعي لجريدة الجمهورية آنذاك، إسوة ببعض الجماعات ومنها جماعة كركوك الأدبية من أمثال المرحوم مؤيد الراوي وأنور الغساني وسركون بولص وجان دمو وغيرهم وإنبثاق مجموعات أخرى من المحافظات العراقية. وعلى أثر ذلك فوجئنا في يوم ما على دعوة أفراد منّا من قبل معاونية الشرطة والإستخبارات العسكرية على إتهامنا بتلك الحركة الأدبية التي لم تكن لها أي تأثير على الهيمنة الحزبية في المنطقة وتحذيرنا من الإستمرار إن لم تكن وفق الإجراءات القانونية. وبمرور الأشهر تم تخرجنا من المرحلة الثانوية وإبتعادنا عن بعضنا بدافع إلتحاق كل واحد منا بكليته من الجامعات العراقية.
إن ما دعاني لهذه التقدمة المقتضبة هي معايشتي مع الزميل أوراهم يلدا أوراهم الذي كان في حينها قد سبقنا الإلتحاق بمعهد اللغة الإنكليزية العالي بسنة أو سنتين، شاءت الصدف أن ألتقيه أثناء تواجده في الحبانية لنتعارف ونتباحث معاً في الشؤون الأدبية والثقافية التي قلما كنا نجد من له تلك الإهتمامات. ومما زاد من استغرابه عن محادثاتنا ومناقشاتنا في لقاءاتنا الأولى حين طرحت عليه فكرة الأوزان الشعرية لنظرية الشعر الحر الشبيهة بإنطلاق طير في الفضاء بحركات غير متوازية وعلى غرارها يُكتب الشعر الحر، ليفاجئني مستغرباً وقائلاً: ألا تعلم بأن هذه الفكرة أملاها علينا أحد أساتذتنا في الجامعة وهو وايلت ويتمن أو غيره حسب ما أتذكر الآن بعد ما يزيد عن الخمسين عاماً . ومن هذه الإنطلاقة زاد تقاربنا على اللقاء بين فترة وأخرى حيث كنت اقضي المبيت أحياناً لديهم. وبإفتراقنا المرحلي لتخرجه وتعيينه كمدرس في كركوك ومواصلتي الدراسة الجامعية بكلية الحقوق في البصرة، شاءت الظروف بإنتقال عائلته إلى بغداد وأنا أيضاً فيما بعد بسنوات لنلتقي ويعرفني بأشخاص من مجموعة كركوك الأدبية في دار سكناهم بمنطقة البتاوين. ومن ثم تأسيس النادي الثقافي الآثوري وعضويتنا فيه حتمت علينا إمكاناتنا وإهتماماتنا الأدبية على تولي مسؤولية هيئة تحرير مجلة " المثقف الآثوري" الصادرة عن النادي وإجتماعنا المتواصل على دراسة وإقرار المواد الصالحة للنشر باللغتين الآشورية والعربية إضافة لأعضاء آخرين تفاوتت مراحل مسؤوليتهم لأسباب خاصة ومنهم المرحوم زيا نمرود كانون وكوريئيل      شمعون ويُؤارش هيدو وغيرهم.
ما تجدر الإشارة إليه ونحن لا زلنا في بغداد، كانت للإستاذ أوراهم يلدا أوراهم مآثر كثيرة في محيط النادي الثقافي الآثوري التي منها في لجنة التحرير والنشر، مساهمته في دورات التعليم اللغوي والإشراف على مواد مجلة المثقف الآثوري إضافة لما كان يترجمه من اللغة الآشورية إلى العربية من شعر وموضوعات أخرى التي منها في مجال المسرح، ومشاركاته في المهرجانات الشعرية السنوية، وعلى ما يحضرني من تلك الإهتمامات تشجيعنا لإخيه الصغير يوسف يلدا البيلاتي وهو في مرحلة الدراسة المتوسطة بباكورة كتاباته باللغة العربية التي كنا معاً نناقشها وتشجيعنا له بنشر أول قصة قصيرة له بعنوان "اللعبة" في مجلة " المثقف الآثوري"، حيث كانت تلك التجربة دافعاً له ومحفزاً للإستمرار دون معرفتنا إلى الحين الذي برزت مواهبه تتفتح بعد دراسته الجامعية في القسم الأسباني ومن ثم هجرته إلى اليونان وتوليه مسؤولية التحرير في إحدى الجرائد العربية المهجرية، ومن بعدها استقراره في استراليا ومن هناك أرفد العديد من المجلات والمواقع بقصصه القصيرة وكذلك تقاريره الفنية في موقف إيلاف لإهتمامه الفني أيضاً. وذات الحال لأخي المرحوم سلمان مروكل ممو حين كان في المرحلة المتوسطة بتشجعينا لمحاولاته الكتابية شعراً، ونشرها في المثقف الآثوري أيضاً إلى جانب بعض الصحف المحلية في بغداد. فكانت تلك مواقفنا قد أثمرت ليصدر سلمان فيما بعد باكورة ديوانه الشعري تحت عنوان " الأرض والعشق والخوف"، إضافة لعدد من الناشئين في حينها.
تواصلنا الدائم في النادي الثقافي الآثوري جعلنا أكثر مقربة من بعضنا، والأكثر من ذلك يوم تأسيسسنا لإتحاد الأدباء والكتاب الناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان الذي كنا قد حولناه بصبغة آشورية من خلال إصداراته بعد رفض مطلب أدباء النادي الثقافي والتزامنا بالتسمية الأولى لتحقيق مآربنا رغم قرار السلطة آنذاك، بدلالة ما كنا ننشره في مجلة الإتحاد والنادي الثقافي الآثوري، حيث كان كافة أعضاء الإتحاد ممن يؤمنوا بالتسمية الآثورية فتولى الأستاذ أوراهم يلدا منصب نائب الرئيس في دورته الثانية عام 1974 ودورته الرابعة عام 1976 إلى اليوم الذي هاجر الوطن ليعيش حياة الإغتراب. وأكبر دليل على ما أشرت إليه هو إصداري كتاب " في رياض الشعر" قصائد آثورية مترجمة وبيبلوغرافي حياة الشعراء ومنهم أوراهم يلدا بترجمتي لقصيدته "الموت والميلاد". وتم منعه بعد إصداره بإسم وتعضيد الإتحاد رغم طبعه بموافقة وزارة الإعلام. ومن ثم إصدارات أخرى منها "المرشد في الإملاء الصحيح" لمؤلفه شموئيل جبرائيل دنخا كتب مقدمته الأستاذ أوراهم باللغة الآشورية، إضافة لديوان شعر مشترك بالآشورية لأعضاء الإتحاد بعنوان "ربيع الإتحاد الآثوري" الذي تم تصميم كلمة الآثوري بشكل رمزي من دقاق عيدان الكبريت أي الشخاط (الثـُـقـُب مفردها الثقاب)، من ضمنه قصيدة الأستاذ أوراهم المعنونة " الموت والميلاد" ص47 يقول في مقدمتها ما ترجمته من الآشورية إلى العربية " يذكر الشاعر الإنكليزي ت. س. إليوت في مطلع إحدى قصائده، في بدايتي تكمن نهايتي، ولكني أنا سأضيف وأقول: في نهايتي تكمن بدايتي" ويفسر ما قاله " السبب من ذلك إن لم أنتهي، لا أبدأ، وكل نهاية تحمل بين طياتها بذرة البداية، وكل عتاقة تنبع منها الحداثة، وكل موت يفسح مجال الولادة. مولد حياة بروح جديدة. والحياة موت وميلاد. فما أبدعه في هذه الإلتفاتة الفلسفية التي يناهض فيها الشاعر الإنكليزي الشهير إليوت (1988 ـ 1965) والحائز على جائزة نوبل عام 1948.
 
أوراهم يلدا.. رغم ثقافته العالية التي أغناها بإهتماماته اللغوية المجسدة بثلاث لغات متمثلة بالآشورية والعربية والإنكليزية بقي متابعاً ومتواصلاً لعملية الإغتراف عن كل ما ينشر بها، ومما كان مخفياً بين صفحات الطروس المخطوطة في تلك مكتبته البيتية العامرة ومكتبة الإتكال التي أسسها لخدمة القراء وليرصد وجودها بإنشائه مجلة " ليشانا وسبرايوتا أي اللغة والأدب" التي أصدر منها عدة أعداد وتوقفها لأسباب خارج إرادته فرضتها عليه أفكار من يطبلون بوجودهم القومي واللغوي والثقافي دون دعمهم لمن هو أكبر وأبلغ شأناً منهم، ودون تقديرهم لمن يخدم وجودهم بشكل مباشر بما يسعى إليه اليوم، طالما يدعه الغد على ما لم يكن عليه في الحسبان، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك من أولئك الذين  رحلوا ولم يلمسوا أي تقدير وتقييم أيام وجودهم أحياء  ليمطروا الرحمات على أرواحهم بتأسف كبير بعد أن تُتْلى عليهم سيرة حياتهم وما خلفوه من نتاجات فكرية.
وقبل أن أختم كلمتي أود أن أرفع كلمات الشكر لأولئك الذين قلدوه وسام التقدير في يوم اللغة الآشورية من العام الماضي لجهوده وهو في وعكته الصحية، آملين له المعافاة والعودة لحياته الطبيعية طالما لا زالت النسمات تلاطف روحه وتلك إبتساماته التي إعتدنا عليها لحد لحظات كتابة هذا الكلمة تثميناً وتقديراً لجهوده ولمناسبة تتويج إسمه بشخصية العدد في مجلة أترا الغراء.


الشاعر والأديب أوراهم يلدا أوراهم في سطور.
* من مواليد 12 شباط عام 1943 في الحبانية بمحافظة الأنبار. والده الشماس يلدا أوراهم مربينا، ووالدته شربة كيوركيس يونان.
* بدأ منذ طفولته المبكرة بدراسة اللغة الآشورية على يد والده.
* أنهى دراسة الإعدادية في ثانوية الحبانية.
* خريج معهد اللغات العالي- جامعة بغداد، تخصص لغة انكليزية عام 1965.
* التحق في عام 1978 بجامعة ليفربول في مدينة لندن- انكلترا للتخصص في علم اللغة والصوت الخاص باللغة الآشورية.
* كان عضواً نشيطاً وفاعلا في النادي الثقافي الآثوري في بغداد ما بين عامي 1971-1978. وعمل سكرتيرا للنادي المذكور، وعضوا في هيئة تحرير مجلة (المثقف الآثوري),
* ألقى العديد من المحاضرات عن اللغة الآشورية الفصحى والسوادية، إضافة إلى مساهماته في الندوات والأمسيات الشعرية.
* كانت له مساهمة فعّالة في مجال الإذاعة حيث عمل في إعداد وتقديم برامج عديدة باللغة الآشورية في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في العراق.
* شارك في العديد من دورات تعليم اللغة الآشورية، وتخرجت على يديه مجموعة كبيرة من الأسماء البارزة التي يُشار إليها بالبنان، حالياً، في مجال اللغة الآشورية.
*صاحب ورئيس تحرير مجلة (اللغة والأدب والفن) التي كانت تصدر باللغات الآشورية والإنكليزية والعربية منذ عام 1991 حيث استمرت عشر سنوات بدون انقطاع.
* أصدر ديواناً شعرياً بعنوان (مِوةِأ ومولِدِأ) أي (الموت والميلاد) باللغة الآشورية. وفي عام 1995 عّده العديد من النقّاد والمهتمين بالأدب الآشوري من أوائل الشعراء الذين كتبوا الشعر الحر باللغة الآشورية.
* أنشأ في عام 2006 مكتبة تهتم باللغتين الآشورية والانكليزية باسم (مكتبة الاتكال) في مدينة شيكاغو، وكانت بمثابة  منتدى الأدباء من جميع أنحاء العالم.
* ساهم بكتاباته في المجلة التي كانت تصدرها الجمعية الأكاديمية الآشورية في شيكاغو باسم (مغلةِأ دشوةِفوةِأ اِقِدتمِيةِأ اِةورِيةِأ).
* قام بتدريس اللغة الآشورية في (كلية أوكتون) في سكوكي- شيكاغو.
* كان يدير (الحلقة الثقافية) التي كانت تضم العديد من أبناء أمتنا الآشورية من المثقفين والمهتمين بشؤون اللغة والأدب والمجتمع حيث كانت تُقام أسبوعيا في الجمعية الآشورية الأمريكية.
* من المؤسسين الأوائل للمجلس القومي الآشوري (موةثِأ اومةِنِيِأ اِةورِيِأ) منذ تأسيسه في أوائل التسعينات من القرن المنصرم.
* أصيب بجلطة دماغية في 02/06/2014 ولكنه يتعافي رويداً رويداً، وهو في تحسن مستمر.
نصلي من أجله، وندعو له بالشفاء العاجل ليعود إلى ميدان الأدب والشعر سليماً معافى. 




48
نتاجات بالسريانية / إن سألتني
« في: 18:39 12/04/2017  »

52
ما بين الضاد والظاء في اللغة الآشورية المعاصرة

الجزء العاشر
(ب)

بقلم: ميخائيل ممو

ولكي ندعم الرأي السابق ـ مما نشرناه ـ نعتمد فيما ذهب اليه الإستاذ الدكتور يحيى عباينة في كتابه المعنون " اللغة الكنعانية ، دراسة صوتية صرفية دلالية مقارنة في ضوء اللغات السامية " ص 138 حيث يذكر( ليس لدينا شك في أن للضاد في اللغات السامية وضعاً خاصاً، مرده إلى غرابة هذا الصوت، وقد أشارت الدراسات التاريخية إلى أن الضاد كان في الأصل صوتاً رخواً إحتكاكياً). معتمداً في ذلك على ما أشار إليه أيضاً كارل بروكلمان في كتابه "فقه اللغات السامية" بالعربية ص 39 ترجمة رمضان عبد التواب، في الفصل الثالث عن أقسام الأصوات في اللغات السامية بإشتراكها في العديد من الأصوات ومنها الظاء والضاد وهما: (صوتان رخوان يتكونان كالسابقين، مع رفع مؤخرة اللسان نحو اللثة، ونطق مهموز، أحدهما مهموس وهو (ظ)، والثاني مجهور وهو (ض). إضافة لوصف سيبويه بذات المعنى في "الكتاب" الجزء الرابع ص 432 وما يليها.. تحقيق وشرح عبد السلام هارون. وبمرور الزمن تحول في الأكادية (البابلية الآشورية) ولهجاتها المتأخرة والكنعانية ولهجاتها والعبرية إلى صاد، وفي الآرامية القديمة إلى صاد أولاً، ثم إلى قاف ومن ثم إلى عين في السريانية (مطلقاً) وبصورة مقيدة في النبطية. مشيراً لبعض الأمثلة نقتطف منها ما مشار اليه أدناه مع ملاحظة الرمز < بأنه يعنى به الهمزة والرمز > يعنى به حرف العين:
1.   Ṥr<   وتعني أرض وجاء فيه tṤr< أي أرض: حرفياً أرضة.
2.   <Ṥy  وتعني وضوء وأضاء وهو يتعلق بضوء الشمس، ويعنى حرفياً موضاً.
3.   n<Ṥ    أي ضأن بمعنى غنم.
4.   bṭṤ   أي ضبظ أو قبض على. 
5.   rtṤ    وتعني الضرّة أو الزوجة التالية. 
وفيما يتعلق بالحرف ظ يعتمد ما ذهب اليه بروكلمان وموسكاتي من أن أصل الظاء هو ثاء مفخمة، حيث أنه ظل موجوداً في العربية والأوغاريتية، واللغة الكنعانية حولته منذ فترة مبكرة إلى صوت الصاد المهموس. وفي ص 21 يشير بأن صوت حرف (ظ) انقلب إلى (ط) في الآرامية، معتمداً على بعض الأمثلة من الكنعانية كما يلي:
1.   ḥṡr  وتعني حظيرة أو فناء والأصل بالظاء.
2.   ḥṡ   وتعني الخوذة أو رأس السهم ويقابلها في العربية الحظوة، وهي كلمة تطلق على سهم صغير قدر ذراع.
3.   nṡr   أي نظر أو راقب.
4.   ṡm>  و ṡmy> و <ṡm>    أي بمعنى عظم ، عظمي وعظام.
5.   التقارب الصوتي في اللغات القديمة وما طرأ عليها من تغييرات اقتبسنا هذه الأمثلة.

 
وخلاصة ما يذهب اليه د. يحيى عبابنة في  ص 399 حين يؤكد بأن ( اللغة الكنعانية فقدت ستة أصوات من أصولها قبل أن تضع نظامها الكتابي وهي: الضاد التي تحولت إلى صاد. والثاء إلى شين، والذال إلى زاي، والظاء إلى صاد، والغين إلى عين والخاء إلى حاء، وجميع هذه التحولات من النوع المطلق، إذا  لم تعد هذه الأصوات الستة موجودة في النظام الصوتي على الإطلاق، فلم يحتفل بها النظام الكتابي).
أما الأصوات التي شكلت النظام الصوتي للكنعانية فقد احتفظت بالأبجدية المألوفة من أبجد إلى قرشت، وعلى ما هو عليه اليوم في الآشورية الحديثة أيضاً بإضافة اللواحق الستة المعروفة اصواتها بالباء المركخة (ܒܼ) والغين والذال والخاء والفاء والثاء، أي ( ܒܓܕܟܦܬ ) بوضع نقطة تحتها دون حرف الفاء الذي يُدعم بقوس أو هلال صغير، وكما يتبين في كتابة الأحرف المشار اليها بالشكل الآتي: ( ܒܼܓܼܕܼܟܼܦ̮ܬܼ ).
وبذات الطريقة المنوه عنها لحرف الضاد، نستحدث صوت الظاء بإضافة نقطة لحرف الطاء أي طيث (ܛ)  بالآشورية ليقابل الظاء بهذا الشكل (ܛܿ) وذلك بالكبس على مفتاح p في لوحة المفاتيح لإضافة النقطة حينما يتم إدخال كافة أبجديات الخطوط الآشورية والمستحدثة فنياً في الحاسوب كما في العربية ولغات أخرى. ومما يحفز ذاكرتنا لهذا الحرف نجد العديد من المفردات متقاربة في النطق العربي مع الآشورية ومنها على سبيل المثال: ظلم : طلوم، ظفر: طِݒرا ، ظبي: طويا (طبيا بتركيخ الباء)، ظل: طِلّا، ظلل: طلل، الظهر: طهرا، ومن مجموعة الضاد: ضاع: طعا، ضائع: طَعيا، ظب (حيوان بري): طبّا (بترخيم الباء إلى طوا وغيرها). وبما أن كلاً من الضاد و الظاء لا وجود لهما في النطق الآشوري فأنه يلفظ بالزاي حيث يقال زَرَر بدلاً من ضرر وزلوميا أو طلوميا بدلاً من الظلم علماً بأنه في الآشورية طلوميا. ومتى ما تعمقنا أكثر في مراحل تطور اللغات وتفرع اللهجات حتماً ستنكشف لنا بعض الخفايا لتعددها في كل مجموعة وفصيلة لغوية لهجوية كما في لهجة بعض القرى في شمال العراق مثلاً حين يقال: نظيفه بدلاً من نظيف، وظالوما بدلاً من ظالم، وموحضرلِه بدلاً من أحضر وما شاكل ذلك، حسب ما يؤكده أيضاً الأستاذ اللغوي نلسن د. البازي الإستاذ في جامعة البصرة سابقاً من خلال مقاله في العدد 26 ـ 28 عام  1980 من مجله "قالا سوريايا " ص 152.
نستنتج مما ذكرناه بأن حرفي الضاد والظاء لهما علاقة بحرفي الصاد والطاء، في الشبه الشكلي والصوتي ليتطابق ما في أبجدية اللغة الآشورية التي تماثلها الأبجدية العربية، وربما باقي الساميات الأخرى، طالما استنتجا من اللفظ الأبجدي الأصيل وتقارب النطق في العديد من الكلمات بدليل المنوه عنها، وعلى نحو خاص في الطاء والظاء، ومحدودية عدد مفردات الظاء المستعمل منها والأشهَر تداولاً  محصورة بـإثنتين وثلاثين كلمة أي التي تحوي حرف الظاء، علماً بأن عددها الكلي قد تم حصره في ثلاث وتسعين كلمة غير مستعملة أي أنها مهملة في العربية، بالرغم من أن عدد حروف الظاء في القرآن قد بلغت 9320. وما سواها يتم كتابتها بالضاد، حسب ما ذكره شوقي حماده في كتابه "معجم عجائب اللغة " ص85. وما يحيرني أن أجد الكلمات التي تبدأ بحرف الضاد هي ضعف ما هو بالظاء، وما يتوسطها وفي أواخر المفردات يكون الأضعاف، علماً بأن مقارنة الحروف التي وردت في القرآن قد بلغ عددها 1200 حرفاً أي أقل من الظاء بأضعاف عديدة. هل السر في ذلك بإنفراد العربية بلغة الضاد فقط وإهماله في اللغات الأخرى التي منها الفصيلة السامية؟! على أية حال، أن تساولنا هو من باب المعرفة فقط لا غير. 
ولكي ننهي كلامنا، ونعود لما آنفنا اليه من حيث الضاد والظاء، فما الضير إذن من ذلك إن أدخلنا في اللغة الآشورية ما إرتأيناه؟! أليس هذا من باب التطوير والإغناء اللغوي؟!. طالما الحاجة أم الإختراع، ولطالما استعارت العربية المئات من مفردات ذات اللغة المتداول تسميتها أيضاً بالأرامية والسريانية والبالغ عددها ما يقارب الألف مفردة (وربما أكثر، ناهيك عن الإشتقاقات في تصريف المفردات) وفق ما أشار اليه الكاتب شوقي حمادة في مؤلفه "معجم عجائب اللغة" ص 123 والشائع منها في العربية. ونأمل من القارئ الكريم والمتابع العليم الحكيم أن يتواصل معنا في الحلقة القادمة عن منشأ ومصدر أبجدية الحروف اللاتينية التي أساسها الأكادية الآشورية والأوغاريتية والآرامية شكلاً ومضموناً.


53

ما بين الضاد والظاء في اللغة الآشورية المعاصرة
الجزء العاشر
(ا)

ميخائيل ممو

سبق وإن عرضنا في حلقتنا السابقة إشكالات حرفي الضاد والظاء عبر التاريخ، وبغية التوسع أكثر في هذا السياق، نود القول هنا، نظراً لإفتقار صوت حرفي الضاد والظاء في اللغة الآشورية المعاصرة ولعدم ورود أي كلمة على منوال وسياق نطقيهما مثلما هو في العربية التي تكنى بلغة الضاد لإنفرادها بصوت هذا الحرف، فإنه لا بد أن يتم تعويض الحرفين عند الضرورة في حال الترجمة إلى لغات أخرى بإستعاضة رمز صوتيهما إلى صوت الدال أو الزاي مثلما يتم لفظه في بعض الدول العربية على نطقه بالدال أو الزاي كما في كلمة " الضمير" بنطقه " دمير أو زمير "، وكذلك في كلمة "ضابط" بقلب الضاد إلى " ز" أو " د " لتنطق زابط أو دابط في لهجات بعص الدول العربية كما في مصر، وأبيَد بدلاً من أبيض، وأحياناً في القلب والإبدال يختلف المعنى المقصود لفظاً كما في كلمة " ظلم " بلفظها " زَلَم و دَلِم " بتغيير المعنى لتعنى الأولى السهم لا ريش عليه أو نبات لا بزر عليه، ولتعنى الثانية اشتد سواده، أو في مفردة " الظاهر" لتلفظ " الزاهر أو الداهر" ولكل مفردة منهما معنى مغاير عن المعنى المقصود.
وهنا لا نستثني حرف الحاء في اللغة الآشورية الذي اشرنا اليه في سياق بحثنا السابق، وسنأتي إليه لاحقاً. بغية إيضاح الدافع الذي حدا بي لإيراد حرف الضاد وقريبه الظاء هو مصادفتي لثلاثة تراكيب لغوية لدى ترجمة الإسم المتضمن حرف الضاد الى الآشورية وعلى نحو خاص في الأسماء، ومنها اسم "نضال" قد يكون للتذكير والتأنيث في العربية، حيث تم كتابته في مجلة "سبروتا" الصادرة في العراق عن إتحاد الأدباء السريان بشكل "نيصال ܢܝܼܨܵܠ "، وفي دعوة زواج رسمية " نِدال ܢܹܕܵܐܠ " وفي إحدى المقالات القديمة كتب اسم نظام " نِـزام أي ܢܝܼܙܵܐܡ "، فذكرتني هذه الحالة باللغة الآشورية بين كتابة اسم "جورج وشورش: ܓ̰ܘܿܪܓ̰ ܙ̃ܘܿܪܙ̃ " في مجلة كلكامش التي كانت تصدر في أيران منذ الخمسينيات. ولمناسبة ذكر اسم "نضال" الذي يتحلى به الذكر والإنثى أيضاً دون مفارقة، كنت في منتصف الستينيات قد التحقت بجامعة البصرة للدراسة في كلية الحقوق والسياسة، وفي بدايات السنة الأولى تم فرز أسماء البنين عن البنات في مقاعد الدراسة، وفي اليوم الثاني كان أحدهم اسمه نضال، فكان مقعده محاطاً بمجموعة من مقاعد الطالبات، وعند دخول دكتور مادة القانون الدستوري نظر اليه وفاجأه سأله عن اسمه؟ فأجابه إسمي نضال وفق ما هو مدون على رحلتي. فإبتسم الدكتور ولم يشر لأي تعليق. وفي اليوم التالي وجد نضال اسمه في آخر المقاعد. وهذا ما يحدث عادة مثل اسم صباح الذكر وصباح الأنثى وكذلك سهام وغيرها من الأسماء الشبيهة. ولدى بني آشور أيضاً ذات المصادفات حيث لدينا إسم آثور أو آتور، وآترا أيضاً للذكر والأنثى. ولأجل تلافي هذا الإشكال في مجال اللغة الآشورية، كنا قد إرتأينا سابقاً في مقترح لنا بغية التمييز والكتابة الصحيحة خاصة في ترجمة الأسماء أن نضيف نقطة فوق أو تحت أو وسط الصاد الآشورية ( ܨ ) تماشياً مع العربية وبهذا الشكل ( ܨܼ)، ولكني وجدت الأصلح أن تضاف النقطة فوق الحرف مثلما في العربية وذلك لسهولة استعمالها في الكتابة الألكترونية بالضغط على مفتاح الصاد ومن ثم على مفتاح B أوP في لوحة المفاتيح لنستنتج اللفظ بهذا الشكل (ܨܿ) ونعني به لفظ حرف الضاد لتخفيف الإشكال الكتابي لعملية الترجمة الخاطئة على نقل الإسم، كما هو في ترجمة أسماء اللغات الأجنبية التي لا تناسب أصواتها أبجديات اللغات السامية، ومنها اللغة السويدية كمثال حصري لما تحويه من حروف يصعب على غير الناطقين بها من نطقها ونقلها بالشكل الصحيح وهي: (å, ä, ö ) كونها من حروف العلة أي الصائتة. إن الإشكال اللغوي ما بين الضاد والظاء لا حدود له بين متعلمي وكتاب اللغة العربية كما نوهنا في الجزء التاسع من دراستنا، لتقارب لفظيهما في النطق والكتابة ـ نوعاً ما ـ رغم إختلاف مخرجهما، وعلى نحوِ خاص ومتميز لغير الناطقين بالعربية ممن يعمدون تعلمها. وعلى غرار هذا الإشكال أقارنه باللغة الآشورية بين حرف الخاء بمعنى الخيث (ܚ) والكاف (كـ، ـكـ، ك) المركخة الأولية والوسطية والآخرية كالآتي: ( ܟܼـ، ــܟܼـ، ܟܼ ) أي التي نضع النقطة تحتها لإستنتاج حرف الخاء ( ܟܼـ ) وفق قوانين التركيخ، علماً بأن هناك حرف الخاء أي الخيث (ܚ) المشابه له في الآشورية الشرقية لفظاً، حيث أن أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية يلفط لديهم بحرف الحاء، وكذلك في معظم قرى أبناء الكنيسة الكلدانية، بالرغم من تجاوز عملية اللفظ أو النطق المزدوج أي في بعض المفردات يُلفظ (ح) وفي البعض الآخر (خ) رغم عملية كتابته بحرف الحاء، ومنها على سبيل المثال: مشيحا أي المسيح، شوحا أي الحمد، حوبا أي الحب، حنانا أي الحنان، حويادا أي الإتحاد. بينما في بعض المفردات تُكتب بالحاء وتُلفظ بالخاء والتي منها: خلوص أي إسرع أو انتهي، خليقا أي المخلوق، خسِرلِه أي خسر وما شابه ذلك.. بينما السريانية تستعمل الحاء بإضافة لفظ الواو مثل: حوبو وحويودو بدل الخاء، بينما لدى أبناء الكنيسة الآشورية يتم اللفظ بـ (خوبا وخويادا) علماً بأن الكتابة هي ذاتها لدى كافة الكنائس ما عدا اللفظ لدى السريان بقلب حرف الألف أي حرف الإطلاق إلى واو، مكتفياً بهذه المقارنة رغم وسعها. هذان الحرفان أي الحاء والخاء إضافة إلى الكاف المركخة (ܟـܼ) لها ذات النطق ولكن بتأثير بعض الأصول النحوية للدارسين والمتمكنين من اللغة يمكنهم التفريق في طريقة الكتابة الصحيحة والنطق القويم، إلا أنه صعوبتها القصوى لدى المبتدئين والمتعلمين نوعاً ما وبشكل عام. ومن الجدير ذكره إن بعض القرى في شمال ما بين النهرين تستثني الحاء بالخاء، ومن الممكن أن تكون لإعتبارات دينية عن استعاضة الحاء بالخاء أو عكس ذلك لأسباب وراثية من نطق التغييرات اللغوية المستمدة مما كانت عليه سابقاً، وهذه مجرد احتمالات وتوقعات غير مؤكدة لغوياً وبشكل رسمي موثق. يبين لنا المتبحرون في علم صوت بأن نطق حرف الضاد يتم بوضع حافة اللسان في أصل الثنايا العليا أو أصل الأسنان من الجانب الأيسر وهو الأمر الأيسر في النطق. أما حرف الظاء فيتم نطقه بوضع حافة الثنايا في وسط اللسان. وللتفريق بينهما نرى الضاد بأنها لا تخرج من الشفة، والظاء تبدو خارجة من الشفة مثلها مثل حرفي الثاء والذال كأحرف لثوية. وبما أن موضوع الضاد والظاء بحاجة إلى دراسة لغوية وصوتية منفردة وواسعة لا مجال للخوض في مضمونها من بحثنا المقتضب. لهذا أكتفي الإشارة من خلال تجربتي في حقل تعليمي اللغة العربية والآشورية بشكل رسمي لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً في المرحلة الثانوية من بلاد المهجر بشكل خاص، مما يعانيه التلاميذ العرب والآشوريين والأجانب أيضاً على عدم التمييز بين لفظيهما في الكتابة وعدم المقارنة بينهما. على سبيل المثال صعوبة التمييز بين الفعل (حضر) بمعنى جاء وتواجد أو الـ (حضر) بمعنى التمدن أو المتمدن من سكان المدينة، و(حظر)عليه الشئ أي منعه، أو بين فاضت البحيرة وفاظت الروح، ناهيك عن قلب الظاء ضاداً والضاد ظاءً في أغلب المفردات. وبما إن العربية تنفرد في تسميتها بلغة الضاد وعلى غرارها الظاء، فليس من الغريب أن يضاف هذا الحرف لأبجديات اللغات الأخرى لضرورات سياقات الترجمة ومنها المنضوية تحت راية اللغات السامية كالآشورية / السريانية مثلاً لتداخلها في بعض الأسماء المستحدثة كأسم خضر وخضوري، بدلاً من أن تكتب بالآشورية "خدر وخدوري"، وفي " حضر وحضور" وكذلك لحرف الظاء في "ظرف" التي نستعملها " زرݒا " وأصلها في الآشورية "بلدارا ܒܸܠܕܵܪܵܐ" علماً بأن حرف الضاد تواجد في المسمارية الأوغاريتية كما أشرنا في بحثنا السابق. أما لحرف الظاء فأنه أيضاً افتقدناه وفق ما يشير اليه الدكتور رمزي بعلبكي في كتابه "الكتابة العربية والسامية" ص 295 بقوله: ( سقوط الحرف Ẓ (أي ظ) يفسره إنقلاب هذا الحرف في الفينيقية والعبرية إلى Ṣ (أي ص) فكلمة "عظم" العربية والآوغاريتية هي بالظاء التي احتفظت بها اللغتان من السامية الأم، ترد بالصوت Ṣ في كل من الفينيقية والعبرية (عظام)، ولذلك استعملت الفينيقية شكل الحرف Ṣ لكتابة الكلمات التي كان أصل الحروف Ṣ فيها هو الحرف Ẓ ). وهذه دلالة على وجود حرف الضاد والظاء في بعض اللغات القديمة وعدم اقتصارها على العربية فقظ. ولكي ندعم ما أشرنا إليه نستميحكم العذر عزيزنا القارئ على نشر القسم المتبقي في الحلقة القادمة بعنوان "الجزء الثاني ب" لطول الموضوع والإكتفاء بما هو عليه الآن، ليتمكن القراء من استيعابه بسهولة تامة ودون أية معاناة من تلاطمات أمواج البحر اللغوي.


54
المنبر الحر / جلسة لغوية ممتعة
« في: 23:04 03/02/2017  »






62
نتاجات بالسريانية / لم يق لنا
« في: 00:05 23/08/2016  »

63
إشكالات حرفي الضاد والظاء عبر التاريخ 
الجزء التاسع
بقلم: ميخائيل ممو
إن حاجة الأنسان للتعبير عما يجول في خاطره بعامل الإنفعال الذاتي والغريزي وبحكم الأحاسيس التي تحتم عليه أشكالاً متنوعة من التعابير أدت به أن يبتكر الطريق الذي يناسبه لذلك، ومن هذه الظاهرة تعددت أساليب نظريات النشأة اللغوية لتمر بمراحل عديدة متجسدة في أطوار الكتابة أيضاً التي بلغ تطورها بالهجائية الصوتية الألفبائية أي الأبجدية المتداولة اليوم لتجسيد ما يبتغيه الفرد. وبما أن نشأة الكلام تنوعت نظرياته، فكذلك نشأة مصادر الخط أو بالأحرى الكتابة تنوعت أيضاً لدى الباحثين اللغويين برموز أشكالها بين مؤيد ومعارض لحد ما نحن عليه الآن في عمليتي التعبير اللفظي والتدوين الرسمي باللغة العربية، وكذلك بالنسبة إلى اللغات الأخرى التي لا تقل شأناً عنها رغم سعتها. وفي حالة التعمق في مضامين الكلام والكتابة ينبغينا التبحر في اسس ومصادر أو منبع كلتا الظاهرتين. وهنا يحدوني القول بأن الإشكال لا ينحصر عن المسببات، طالما الحاجة تولد ذلك وكما أشرنا في البدء، وإنما هو العوز المعرفي بالمنطق العلمي لذلك أو الخلق والإبتكار. وبما أنه نظرية الإلهام الوحي الإلهي برزت في مقدمة النظريات المتوالية عن منشأ المصدر الأساس للنطق بألفاظ متفاوتة لمعرفة الأسماء والتعابير، فعلينا الإعتماد على ما جاء في الكتب السماوية المعتمدة في التوراة والقرآن طالما ما يقارب السبعة مليارات من بني البشر يؤمنون بالنصوص الإلهية. حيث إننا نستمد نظرية الوحي الإلهي من التوراة أولاً بما جاء في الفقرتين 19 ، 20 من الإصحاح الثاني من سفر التكوين" والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها، وليحمل كل منها الإسم الذي يضعه له الإنسان، فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة ولطيور السماء ودواب الحقول" وكذلك في التكوين 11 قوله: " وكانت الأرض كلها لغة واحدة وكلاماً واحداً" إضافة لما جاء أيضاً "هوذا هم شعب واحد ولجميعهم لغة واحدة ". وثانياً بذات المعنى ما جاء على ذات الشاكلة في القرآن في سورة البقرة 2: 31 مؤكدة أيضاً ما ذكرناه أعلاه ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "31"  قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم "32" قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون "33").
وهناك العديد من التفاسير لهذه الآية التي منها ما قاله الضحاك عن ابن عباس: ( وعلم آدم الأسماء كلها.   قال : هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ، ودابة ، وسماء ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها ).
أن الأمثلة المذكورة أعلاه لها من المؤيدين ومن المفندين من اللغويين العرب والأجانب فيما يتعلق بالنشأة اللغوية، ولكن ما يهمنا هنا هو عن وجود كافة أصوات الحروف الأبجدية المنطوقة فيما يشار اليها في كافة لغات العالم، إن كانت هي ذاتها وفق الوحي الإلهي بمسميات إصطلاحية متفاوتة، أي بمعنى أدق عن وجود حرفي الضاد والظاء اللذين يصعب استعمالهما في النطق من قبل شعوب أخرى غير العرب كالآشوريين مثلاً، مقارنة بما دونه الكتاب العرب القدامى وبما يعتقده أحد الكتاب العرب السيد أياد الحصني في كتاب "معاني الأحرف العربية" ص73  و77 قائلاً عن حرفي الضاد والظاء  ( يعتقد انها كانت موجودة  لحظة وجود آدم عليه السلام أو في بداية الإنسانية أو في العصر الجاهلي). ولكن يفتقدان في أغلب شعوب العالم لكون العربية تنفرد بنعتها "لغة الضاد". تساؤلنا واستغرابنا هنا، إن كان حرف الضاد حقاً هو الوحيد في العربية بين لغات العالم، أليس اللغات الأخرى من ذات الأرومة؟! ومن مصدر إلهي واحد أوحد؟! ناهيك عما قيل عن لغة الجنة إن كانت العربية أو السريانية (المشتقة عن الآشورية)  المحورة عن آرامية المسيح، وعلى ذكر ابن حزم في كتاب "الإحكام في أصول الأحكام" ص32 تحقيق محمد أحمد شاكرن بيروت 1980 نقلاً عن كتاب "لسان آدم" ص27 لعبد الفتاح كيليطو بالفرنسية ترجمة عبد الكريم الشرقاوي " فإن عربية اسماعيل وعبرانية إسحق مشتقتان عن السريانية، اللغة الأم التي كان يتكلمها إبراهيم". إن ما أشير اليه هنا ليس معناه أن أفند رأياً وأدعم الرأي الآخر. فالغاية الرئيسية أن نتحف القارئ بما يجهله ولم يكن على علم بآراء القدامى والمحدثين.
ومن جانب آخر إن إعتمدنا على عوامل البيئة الجغرافية المناخية وعوامل أخرى في التأثير على الحنجرة والأوتار الصوتية لمخارج الحروف بإختفاء اصوات لدى شعب عن آخر ، ليس معنى ذلك لا وجود لتلك الأصوات في اللغات القديمة، كما يبدو لدى الآشوريين عن اختفاء حرف الحاء وتواجده لدى اليعاقبة مثلاً، ولدى العرب بشكل عام، والدلائل كثيرة لدى الشعوب القديمة وخاصة في حرفي العين والشين وغيرهما لمن يود المعرفة من خلال كتب فقه اللغة أو علم الصوتيات.
 وبما أن لغات العالم تفتقر لحرف الضاد الذي يكنى به اللغة العربية والقريب منه حرف الظاء أيضاً، سعينا في معالجة هذه الإشكالية في اللغة الآشورية المعاصرة كونها من ذات الفصيلة والآرومة والأسبق من العربية، رغم تطاول البعض من الكتاب العرب على جعل العربية هي اساس ومصدر كافة اللغات القديمة والحديثة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر د. محمد بهجت قبيسي في كتابه "ملامح في فقه اللهجات العربيات" والدكتور نعيم فرح الأستاذ بجامعة دمشق في كتابه " النظرية السامية" والمؤرخ أحمد سوسة في كتبه المستحدثة "حضارة العرب ومراحل تطورها" و "حضارة وادي الرافدين" بكافة فصوله  وغيرهم...  عادة ما يظن البعض بأنه لا وجود لحرف الضاد المنفرد بنطقه في اللغات القديمة التي سبقت العربية، ولكن بمرور الزمن وبتأثير بعض العوامل الطبيعية قد يختفي نطق بعض الحروف لتعوض بما هو الأقرب والأنسب منها  في اللفظ  أو النطق، كما هو الحال في اللغة الآشورية حيث نجد نسبة كبيرة جداَ إن لم تكن الغالبية يستصعب عليهم نطق حرف العين رغم وجوده في الأبجدية الآشورية ـ قديماً وحديثاًـ بحيث تلفظ كلمة (عينا) أي العين بـ (إينا أو أينا) وكلمة (عِدّانا) أي الوقت بـ(دانا) والأمثلة كثيرة. لهذا فإن شأن الضاد أيضاً هو على ذات المنوال، حيث نجد في الكتابة المسمارية الإبلية (منطقة ايبلا السورية على مقربة من منطقة إدلب) من المفردات التي لها ذات الصوت مثل: وضاؤوم تعني وضوءٌ، حامضوم تعني حامض، وهذه دلالة على وجوده في الأبجدية الأوغاريتية التي كانت تحتوي على 30 ـ 32 حرفاً، مقارنة بالفينيقية أو الكنعانية (التي سنأتي على ذكرها في الجزء العاشر)  بزيادة ثمانية ـ عشرة حروف عليها. ولتأكيد ما أشرنا إليه عن وجود حرف الظاء المقارب للضاد يذكر مؤلف كتاب "معاني الأحرف العربية" الأستاذ أياد الحصني السوري الأصل في ص 73 ما يلي: (والكلمات التي تحوي حرف الظاء قليلة جداً في اللغة العربية الأصلية أي الكلمات التي يعتقد أنها كانت موجودة لحظة آدم عليه السلام أو في بداية الحياة الإنسانية أو في العصر الجاهلي ـ قرنين قبل الإسلام ـ ). لذا فإن إشكالات حرف الضاد والظاء التي يعاني منها غير العرب، نجدها أيضاً مستفحلة لدى الناطقين بالعربية أيضاً، وذلك من خلال التدوين أو الكتابة الإملائية بشكل خاص بقلب الضاد ظاءا والظاء ضادا أو بالدال أحياناً لدى طلبة المدارس والجامعات وممن لا يفرق بينهما من الكتاب المعاصرين في حقول الصحافة والإعلام وأروقة الحاسوب وخاصة في لفظ  وكتابة المفردات المتفقة أو الشبيهة المبنى والمختلفة المعنى كما في الأمثلة التالية: أضل وأظل، الحاضر والحاظر، الضال والظال، الغيض والغيظ، الفيض والفيظ، الناضر والناظر وغيرها من المفردات التي وردت في القرآن والأحايث والمهملة منها في العربية  الحديثة أي الفصيحة، ولكي يتسنى معرفة معانيها عليك بالمعاجم والقواميس العربية المختلفة. وفي دراسة مستفيضة في كتاب (العربية: دراسات في اللغة واللهجات و الأساليب)  للمستشرق الألماني يوهان فك (1894 ـ 1974 م) ترجمة د. رمضان عبد التواب يذكر في ص112 (ينطق أكثر السوريين وبعض المغاربة الضاد مثل الظاء.... فمن الناس من ينطقها كالدال، وغيرهم كالطاء، وآخرون يومئون إليها بالظاء.... وبعض الناس ينطقها دالاً فخمة، وبعضهم ينطقها دالاً عادية، وأخيراً ينطقها بعضهم لاماً مفخمة). وعادة ما يرمز للضاد في الحروف اللاتينية بوضع نقطة تحت حرف (ḍ) لتجسيد حرف الضاد. فإن كانت أمور الإشكال اللغوي لحرف الضاد والظاء بهذا الشكل لدى الشعوب العربية، فكيف يكون الحال لدى غير الناطقين بالعربية. ومن خلال هذا التنوع النطقي ليس من المنطق أن تتفاوت الألفاظ فيما حُدّد بمجموع إثنتين وثلاثين كلمة من مجموع ثلاث وتسعين كلمة تكتب بحرف (الظاء) وما سواها يكتب بحرف (الضاد)، علماً بأن غير المستعمل والمُهمل والغريب من مجموع 93 كلمة تم إبعادها وتصفيتها لينحصر العدد بإثنتين وثلاثين كلمة متداولة تحوي الظاء لسهولة ضبطها في الكتابة الصحيحة والنطق الصحيح. ولصعوبة التمييز بين حرفي الضاد والظاء ننقل هنا عمّا ورد في بعض المصادر ومنها ما أورده الجاحظ في الجزء الثاني من كتاب "التبيان والتبيين" ص 211 حين يذكر" كان رجل بالبصرة له جارية تسمى ظمــياء ، فكان إذا دعاها قال : يا ضميـــاء ! ، فقال له ابن المقفع : " قل يا ظمياء ! " ، فناداها : " يا ضميـــاء ! " فلما غيّرعليه ابن المقفع مرتين أو ثلاثًا قال له: أهي جاريتي أو جاريتك ؟" هذا الإشكال اللغوي في النطق الصحيح هو من أفواه أئمة مشاهير اللغة العربية. فكيف بنا نحن اليوم؟!
ومن مضمون هذا الإشكال اللغوي يتفاوت معنى الكلام، فمثلاً لو قلنا (الضالين) بالظاء لتبين فحوى ذلك بالدائميين لأصبح ذلك ما يخالف المعنى المقصود، كما يذكر العلامة العراقي الأصل أبو الفرج بن الجوزي (1116 ـ 1201م) في كتابه " التمهيد في علم التجويد) ص 82 ـ 83 بهذا الخصوص ما يلي: (منهُم مَن يَجعلُه ظاءً مطلقًا لأنَّه يشارك الظاء في صفاتها كلها ويزيد عليها بالاستطالة - فلولا الاستِطالةُ واختلافُ المخْرَجَيْنِ لكانتْ ظاءً - وهم أكثَرُ الشاميِّين وبعضُ أهل المشرق، وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى، إذ لو قلنا (الضَّالِّين) بالظَّاء كان معناه: الدائمين، وهذا خلافُ مُرادِ الله تعالى، وهو مبطل للصلاة؛ لأنَّ الضَّلال بالضاد، هو ضِدُّ الهُدَى كقوله تعالى: }ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] و }وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] ونحوه، وبالظَّاء هو الدَّوام كقوله تعالى: }ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58] فمثل الذي يجعل الضادَ ظاءً في هذا وشبْهِه كالذَّي يُبْدِل السين صادًا في نَحو قولِه تعالى: { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} الأنبياء: 3] و} وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا} [نوح: 7] فالأول من السر والثاني من الإصرار).
ومن الغرابة أيضاً، أن أية كلمة  تبدأ بأحد الأحرف التالية :(أ- ت - ث - ذ - ز- ط - ص - ض - س) لا يوجد فيها حرف الظاء بتاتا، بالنسبة للمفرد مثل "ظفر" وليس للجمع  "أظافر". لذا يمكننا القول: بما أن الضاد والظاء حرفان مستقلان حالهما حال القلب والإبدال في السين والشين، والذال والزاي والثاء وأي حروف متقاربة في اللفظ تؤدي لإشكال في الإملاء والنطق الصحيح. ولكي يكون القارئ الكريم على معرفة من المفردات الأكثر شيوعاً بالنسبة لحرف الظاء ننقلها أدناه من منتدى اللغة العربية وعلومها، وهي كالتالي:
(الحَظّ: بمعنى النصيب. الحِفْظُ: وهو ضد النسيان . الحَظْرُ: وهو المنع .الحَظْوَةُ: وهي الرفعة .الظلم. الظليم: وهو ذكر النعام .الظبي : وهو الغزال .الظبة: وهي طرف السيف .الظعن: وهو السفر بالنساء. الظرف. الظريف .الظَّنُّ .الظِّلُّ .الظفر : وهو ضد الخيبة .الظهر. الظماء .الكظم : وهو كتم الحزن. اللحظ:  وهو النظر. اللفظ .النّظْمُ  ومنها النظام النظافة .النظَر. العظم. العظيم. العَظَل : وهو الشدة ، من قولهم : أمر معظل. الغيظ : بمعنى الحنق .الفظاظة : وهي القسوة .الفظاعة : من الأمر الفظيع ، وهو الشنيع .التقريظ : مدح الحي بالشعر .المواظبة. الوظيفة. اليقظة : ضد النوم).
ولا يخفى على أحد بما لا يحصى من المقالات والبحوث لا زالت تعالج تلك الإشكالات في صفحات الإنترنيت وإصدار الكتب عنها لتلافي الصعوبات وأشهرها كتاب "الإعتماد في نظائر الظاء والضاد" لجمال الدين محمد بن عبدالله الطائي، ابن مالك (1274 ـ 1203) الذي أشار اليه المستشرق الألماني كارل بروكلمان في كتابه تاريخ الأدب العربي، ومؤلف المعجم السرياني 1895. وفي الجزء العاشر سنلقي الضوء على الحرفين المذكورين بشكل أوسع وضرورة إضافتهما إلى اللغة الآشورية المعاصرة بغية التطوير الصوتي في الأبجدية الآشورية إن جاز التعبير.


64
يوم الشهيد الآشوري
يوم الشهيد الآشوري على الأبواب في السابع من شهر آب. ولهذه المناسبة الأليمة التي مرت على الشعب الآشوري بكافة مكوناته وتسمياته سيحيى نادي بابيلون الآشوري ونادي طورعابدين الآشوري ذكراهم ويقيم تأبيناً خاصاً لهم وفق ما يلي:
اليوم والتاريخ والوقت: يوم الأحد المصادف 7 آب في تمام الساعة السادسة والنصف مساءً.
المكان: نادي بابيلون الآشوري في يونشوبينغ.
العنوان: ( Åsrnvägen 47, Mariebo, Jönköping)
حضوركم يؤكد مدى وعيكم، وإحترامكم لمن ضحوا بحياتهم من أجل بقائنا للحفاظ على وجودنا.
فأهلاً ومرحا بكم
اللجنة الثقافية المشتركة للناديين

ܝܘܡܐ ܕܣܗܕܐ ܐܬܘܿܪܝܐ
ܝܘܡܐ ܕܣܗܕܐ ܐܬܘܿܪܝܐ ܕܝܼܠܹܗ ܩܪܒܘܼܢܹܐ ܥܠ ܬܪ̈ܥܢܹܐ ܒܝܘܡܐ ܕ 7 ܐܒ، ܒܐܗܐ ܥܘܼܗܕܵܢܐ ܡܲܡܪܸ̈ܥܵܢܵܐ ܕܚܫܐ ܕܩܘܼܒܠܹܐ ܝܠܹܗ ܥܲܡܵܐ ܐܬܘܿܪܝܐ ܒܟܠܲܝܗـܝ ܫܘܼܡܵܗܹ̈ܐ ܕܐܝܼܬܠܹܗ ܒܸܕ ܡܢܵܚܸܡ ܒܹܝܬ ܣܡܵܟܼܵܐ ܕܒܵܒܝܼܠܘܿܢ ܕܐܬܘܿܪ̈ܝܐ ܥܡ ܚܘܼܕܪܵܐ ܐܬܘܿܪܵܝܐ ܕܛܘܼܪܥܵܒܕܝܼܢ ܓܵܘ ܝܘܿܢܫܘܿܦܝܼܢܓ ܠܕܟܼܵܪ̈ܲܝܗـܝ ܘܡܛܵܟܸܣ ܒܘܼܝܵܐܵܐ ܕܝܼܠܵܢܵܝܵܐ ܠܐܝܼܩܵܪ̈ܲܝܗـܝ ܐܝܟܼ ܕܒܹܐܬܵܝܵܐ ܝܠܵܗܿ:
ܝܘܡܐ ܘܣܝܼܩܘܼܡܐ ܘܥܸܕܵܢܵܐ: ܕܘܼܡܐ ܕܚܲܕَܒܫܲܒܵܐ 7 ܐܒ ܣܵܥܲܬ 18.30 ܒܪܲܡܫܵܐ.
ܕܘܼܟܵܐ: ܒܹܝܬ ܣܡܵܟܼܵܐ ܕܒܵܒܝܼܠܘܿܢ ܕܐܬܘܿܪ̈ܝܐ
ܡܚܲܘܝܵܢܝܼܬܵܐ: ( Åsrnvägen 47, Mariebo, Jönköping)
ܛܘܼܝܵܒܼܘܿܟܼܘܿܢ ܝܲܢ ܗܕܲܪܬܵܘܟܼܘܿܢ ܫܲܪܘܿܪܹܐܬܘܿܢ ܣܵܘܟܼܵܐ ( ܡܸܬܚܵܐ) ܕܥܝܼܪܘܼܬܵܘܟܼܘܿܢ، ܘܡܝܲܩܪܘܼܬܵܘܟܼܘܿܢ ܠܐܵܢܝܼ̈ ܕܕܒܼܚܠܗَܘܿܢ ܠܚܲܝܵܝܗـܝ ܡܛܘܿܠ ܕܦܝܵܫܬܲܢ ܠܢܝܼܫܵܐ ܕܚܵܡܲܝܬܵܐ ܕܐܝܼܬܘܼܬܲܢ.
ܒܫܲܝܢܵܐ ܐܬܝܼܬܘܿܢ
ܣܝܼܥܬܵܐ ܡܲܪܕܘܼܬܵܢܵܝܬܵܐ ܡܸܫܬܲܪܟܲܢܬܵܐ ܕܬܪܬܝܢ ܚܘܼܕܪ̈ܐ

65
الأبجدية في مراحلها التاريخية 8 
الجزء الثامن
بقلم: ميخائيل ممو
ان حياة الإنسان في عالمنا المتحضر بمرتكزات آليات التقنيات الحديثة يعتمد اللغة في كافة العلوم والمعارف ومناحي الحياة في ديناميكيتها  بالحركة والنشاط والحيوية بما يشهده العالم ، فاللغة هي مصدر ما توصل اليه الإنسان بتطورها المرحلي المتعاقب منذ الاف السنسن، لحد ما بلغ مجموعها ما يزيد عن الستة آلاف لغة متفاوتة بين ثنايا شعوب العالم التي ترادفت في المعنى الإنساني وإختلفت لفظاً في تسمياتها. وهذه دلالة على تواصلها ما بين الماضي والحاضر ولما يخفيه المستقبل بين الأجيال المتوالية. لذا فإن الحاضر اللغوي ـ شئنا أم أبينا ـ ورثناه عن الماضي، مستمداً من اللغة الصورية فالعهد السومري والقبطي، فالمسمارية الآشورية والأوغاريتية المسمارية المتطورة في اللاذقية المدعمة والمؤكدة بثلاثين حرفاً مستقلاً، إضافة لمن إعتمد المسمارية في تلك الفترة، كالعيلاميين في المناطق الجبلية من آسيا الصغرى والحيثيين الذين هم مجموعة من القبائل ومن ثم الفينيقية (22 حرفاً) إلى ما بين القرنين العاشر والحادي عشر،  فالآرامية المستمدة من الفينيقية،  والعربية أيضاً (22 حرفاً) التي أضيف لها ستة حروف نطقية مناسبة لأصوات الألفاظ المختلفة التي هي (ثخذ ضظغ)، وكما هي مرتبة حسب الترتيب الأبجدي في الآشورية / السريانية أي أبجد هوز حطي الخ.. وباقي الساميات (حسبما تصنف وتسمية النمساوي شلوتزر عام 1871) لتلحق بعد "قرشت" ستة حروف إضافية ليصبح عدد الحروف العربية 28 حرفاً.. علماً بأن أصوات اربعة حروف منها ما عدا (ضظ) لا وجود لها في الآشورية أو المصطلح السرياني ، حيث أن الحروف الأربعة الباقية اعتمدت في الآشورية كلواحق للأبجدية المسماة بالروادف مثلما في العربية بفعل تأثير حالات ورودها في المفردة من حيث السكون والتشديد وقواعد أخرى، وذلك بوضع وإضافة نقطة تحت الحروف المركبة في كلمة " بگدكپت (ܒܓܕܟܦܬ) أي الباء والـ (گ) الجيم المصرية والدال والكاف والـ (پp ) والتاء،  لتلفظ ( ڤ = و أو v ، غ ، ذ ، خ ، ف ، ث)، وحين تشذ عن ذلك توضع نقطة فوقها لتلفظ كما هي وتسمى بالمقشاة أي نطقها الإعتيادي. علماً بأن العربية تفتقر الى حرف (p)  الموجود في الآشورية أو السريانية المرادفة للآشورية ليتم تعويضه بالشكل التالي (ݒ)، وإفتقار الآشورية لحرف الفاء في الأبجدية الأصلية المستعملة اليوم ليعوض بوضع نصف قوس مصغر أو الشبيه بالهلال تحت ( ܦp =  ) بالشكل التالي: (ܦ̮). وفي الخط المعروف بالسرياني الغربي المستحدث عن الاسطرنجيلي يتم تعويض القوس بنقطة فوق الـ (ܦܿ) لتلفظ بصوت الفاء. وزيادة على ذلك تضاف في الآشورية أيضاً علامة (  ̰ ) تحت (گ ܓ) باللفظ المصري ليطابق صوت الجيم "ج" وتسمى تلك العلامة الرمزية بـ "المجليانا"، وبنفس العملية مع الكاف (ܟـ الأولية والمتوسطة و ܟ الآخرية) لتدل على صوت (ch)  الإنكليزي كما في (Church) الذي تفتقره العربية. وذات العلامة فوق الزاي والشين ( ܙ ، ܫ ) لتدل على صوت (Usual)  (television) إضافة لصوت حرف (v) الإنكليزي بوضع نقطة تحت الباء الآشورية (ܒܼ) لإعتماد ذات الصوت  الذي تفتقر الية العربية أيضاً ليتم تعويضه بالشكل التالي (ڤ)،  بالرغم من قلة المفردات المطابقة لأصوات الحروف الثلاثة لكون أغلبها من الدخيلة، وللضرورة فقد تم إضافتها لتتناسب مع الكلمات الدخيلة في الآشورية بحكم المعايشة الزمنية المتواصلة وروابط الجوارفي حدود ذات المناطق الإقليمية.
إن مسألة التطور اللغوي مسألة حتمية تمليها عوامل الحاجة للإفصاح عما هو عليه، ولكي نؤكد ذلك طالما نكتب بالعربية نورد هنا ما اعتمدته اللغة الآشورية بإستعمال النقاط كما أشرنا أليها، حيث أن طابع الحركات في الخط العربي إعتمده أبو الأسود الدؤلي بشكل نقاط للتمييز بين الرفع والنصب والمجرور، حين وضع نقطة تحت آخر حرف بمثابة الكسرة ، والنقطة إلى جانب الحرف للدلالة على الرفع، ونقطة فوق الحرف للدلالة على بمثابة الفتحة. وبعدها جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ صاحب الأوزان الشعرية ـ بالتطور الحاسم حين استبدل النقاط بعلامات مألوفة اليوم وهي الفتحة والضمة والكسرة، ليزيد علامات أخرى منها السكون والمدة والشدة وهمزة الوصل والقطع. والهدف من ذلك التطوير اللغوي من حيث الكتابة الصحيحة والنطق الصحيح، كما تم فعله لدى الآشوريين في الخط الشرقي بإستعمال النقاط  وإستعارة الخط الغربي من الحركات اليونانية الشبيهة نوعا ما بالعربية ولحد يومنا الحالي.
أحيانأً تلعب الظروف المناخية الجغرافية  دورها في تطبع الأوتار الصوتية على نطق بعض الحروف التي تشكل كلمة ما، ولا يتسنى لشعب ما من نطقها بشكلها الصحيح كما هو الحال للأجنبي مثلاً في صعوبة تواصله من حرف القاف والحاء بالعربية مثلاً حين يلفظ الحاء بالهاء والقاف بالكاف، علماً بأن مصدر الحاء من وسط الحلق، والهاء من أقصى الحلق. وليس من المستغرب أن نجد هذه الحالة بين أطياف شعب واحد يتحدث وينطق بجذور ذات اللغة وتتفاوت لديه نطق ذات الحروف، ومنها ما يخص حرف الحاء لدي الآشوريين أيضاً كأقرب مثال، حيث تجد سكنة بعض القرى في شمال العراق وسوريا وتركيا ينطقون الحاء كما هو في العربية من وسط الحلق، بينما تجد لدى بني آشور قاطبة ينطقونه بالخاء، إلا الذين نزحوا الى المدن أو الذين تتلمذوا على دراسة العربية وإتقانها، مستثنياً منهم من تعلق واحتفظ بلغته الآشورية الأصيلة لإفتقارها من حرف الحاء، وعدم ورود أي كلمة تشكل فيها حرف الحاء في أحاديثهم اليومية ليضطروا على نطقه بالهاء. ومن جراء ذلك نجد هكذا إشكالات لغوية يستصعب فرز المعنى المقصود في الحديث، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما بين اللفظ الشرقي حين يقال "لخما" بمعنى الخبز واللفظ الغربي الذي يقال له لحما أو لحمو التي يظنها الشرقي بمعنى اللحم. أو في كلمة "خمرا" الذي يعنى بها النبيذ، لتنطق "حمرا أو حمرو" ليفهمها الطرف الأول بأن معناها اللون الأحمر وهناك الكثير من المفردات على هذا المنوال. ما أشرت اليه ليس فقط من باب النطق اللغوي المتعارف عليه لدى اللغويين الذين لديهم معرفة باللهجتين، وإنما الذين لا معرفة لهم، مؤكداً ذلك من خلال معاشرتي حين أسأل (بضم الألف الأولى وفتح الثانية) من زملاء لي ماذا يعنى بذلك؟ وهنا لا استثني نفسي حين كنت أقدم برنامجاً تلفزيونيا في منتصف السبعينات من تلفزيون بغداد باللغة الآشورية حين صادف مهرجان أفرام ـ حنين، بإستضافة اللغوي المرحوم ابروهوم نورو حين قال سأتحدث بلغتي الأم الخاصة ويعني بذلك قلب الف الإطلاق إلى الواو في نهاية الكلمة، وعليك أنت أن تقلبها إلى الألف لتفهم ما أعنيه.   
من خلال هذا العرض الموجز الذي نآنا عن الموضوع الرئيسي نوعاً ما، لا نعني استثناء العديد من النظريات وما لا يحصى من البحوث والمؤلفات التي عالجت منشأ الأبجدية أو الألفبائية مثلما تسمى في اليونانية واللاتينية (Alpha-Betta) من صوت الحرفين الآولين، والتي لم يُؤكَد صحتها من اللغويين الباحثين والخبراء الآثاريين، رغم ما يوعزه الباحثون اللغويون من إختلافات في الرأي عن مصدرها الأساسي. وبما أن أطوار الكتابة لقد مرت بمراحل مختلفة لا بد من الإشارة لها بإيجاز والتي هي:
   الكتابة التصويرية أو الصورية. 2. الكتابة الرمزية. 3. الكتابة المقطعية. 4. الكتابة الصوتية. 5. الكتابة الأبجدية الألفبائية.
لذا فإن المرجح لأسسها الأولى وفق أغلب الخبراء هوجنوب وادي الرافدين ومصر. في وادي الرافدين، استناداً للكتابة السومرية والآشورية البابلية المسمارية في نهاية الألفية الرابعة ق.م. التي توصل لحل رموزها مجموعة من الألمان ومنهم على وجه الخصوص العالم كارستن نيبور 1756 الذي راحت اتعابه أدراج الرياح، ليأتي بعده الشاب غروتفند المولود عام 1775، وكان يدرس اللغة اليونانية في مدرسة ألمانية، حيث استطاع أن يتوصل لفك رموز سبع علامات من خلال كلمة "ملك" المتكررة في الألواح السومرية، لتكون المفتاح الذي اهله لحل ما دُوّن آنذاك بالخط المسماري، فتم عرض ما توصل اليه على أكاديمية العلوم بمدينة غوتنغن الألمانية سنة 1802. كما  وكان لدور الإنكليزي هنري لايارد أهمية متميزة بالعثورعلى مواقع كنوز الآثار الآشورية في مناطق مختلفة   وإكتشاف العديد من الآثار والألواح أو الرقم الطينية الفخارية وخاصة في نينوى ومكتبة آشور بانيبال التي احتوت خمسة وعشرين ألف لوح مسماري، لتضاف إلى خزائن أرشيف ماري بعددها البالغ أكثر من عشرين ألف لوح مسماري، وأرشيف منطقة إيبلا في سوريا على ثلثمائة ألف لوح مسماري أيضاً، وفق المعجم المسماري للغات الأكدية والسومرية والعربية لمؤلفه نائل حنون عن بيت الحكمة ببغداد 2001، وأصول الحرف الليبي لمؤلفه عبد العزيز الصويعي.  والأساس الآخر لنشأة الأبجدية كما بينا  آنفاً في مصر، استناداً للكتابة الهيروغليفية المقطعية التي فك طلاسمها الفرنسي جون ف. شامبوليون وهو في العقد الرابع من عمره، بواسطة مقارنتها بالنص اليوناني بأن الكتابة المصرية رمزية وصوتية في آن واحد، بحيث ساعد اكتشافه فهم المصادر والوثائق لتاريخ مصر القديم.
ولكي نكون أكثر مقربة من حل رموز الكتابة المسمارية، رغم اختلاف الباحثين في آرائهم ، ننقل فيما يلي ما صدر عن قسم الآثار بكلية الآداب لجامعة بابل لإستاذ المادة أحمد مجيد حميد الجبوري فيما تم تدوينه. 
( بدأت الخطوات الأولى لحل رموز الخط المسماري من خلال الزيارات والرحلات التي قام بها الأوربيون إلى الشرق ، فلهم يعود الفضل في نقل آثارنا إلى أوروبا والتعرف عليها من قبل علمائهم ، وهكذا بدأت المسيرة الصعبة والطويلة لمعرفة الكتابة المسمارية وحلّ رموزها.
كان أول أولئك الرحالة الذين قاموا بزيارة الشرق هو التاجر الايطالي بترو ديلا فاليه الذي زاره إطلال مدينة برسيبوليس في إيران، فعثر على أجرة مكتوبة بكتابة مسمارية، كما استنسخ بعض الكتابات وقام بنشرها في أوروبا.
لقد مرّت محاولات حل الكتابة المسمارية بمراحل عديدة ومن قبل أشخاص كُثُر، كان من أقدمهم الباحث تيسكن الذي استطاع في عام 1798م قراءة أربع علامات من كتابات برسيبوليس العاصمة الأخمينيه التي نقلها العالم الألماني نيبور إلى أوروبا عام 1765م والتي تألفت من 42علامة، كما وتوصل تيسكن إلى معرفة إحدى العلامات المتكررة في النص وهو المسمار المائل الذي يفصل بين الكلمات وتمكن من إثبات أن هذه النصوص تمثل ثلاث لغات مختلفة، وأعقب هذه الخطوة نجاح الباحث الآثاري مونتر في سنة 1802م بالبرهنة على كون كتابات برسيبوليس تعود إلى السلالة الأخمينية وأن لغتها مشابهه إلى لغة الكتاب المقدس المعروف ب (زند أفيستا)، كما استطاع إن يحدد العلامات التي تؤلف كلمة ملك ، وهذه الخطوات ساعدت كثيرا في التوصل إلى حَلْ هذه الكتابة ،وأكد بأن تلك النصوص في حقيقتها نصا واحدا ولكنه مدون بثلاث لغات مختلفة .
 جاء من بعدهم كروتفند العالم الألماني الشهير الذي يعود له الفضل الحقيقي في إيجاد المفتاح الذي لولاه لما حلّت رموز الخط المسماري ووضع اللّمسات الحقيقية الأولى لعلم سمّي فيما بعد بعلم الآشوريات ASSYRIOLOGY).
وما كان يستوجب في بحثنا أن نتوسع أكثر مما هو عليه بعرضنا المقتضب، إلا أنه استثنينا ذلك، فضلاً عن الإطالة أو الإطناب الممل أو الإيجاز المخل، بغية قدح شرارة الإنارة لقرائنا عن هذه اللمحة الإيضائية والتوضيحية لبني شعبنا ومن يطمح في إثراء معلوماته، رغم وجود ما لا يحصى من الدراسات والأبحاث الخاصة بنشأة الأبجدية بلغات مختلفة.
وفي حلقتنا القادمة ـ إن سلمنا من الأمر الخارق للعادة من تداعيات دواعش اللغة دون ردعهم لإكمال مسيرتنا  الكتابية لردع اصرارهم ـ سنسلظ الضوء على حرفي الضاد والظاء في اللغة الآشورية المعاصرة. 



66


لتكملة الموضوع انقر على الرابط التالي

http://www.ankawa.com/sabah/ehtfalat.pdf

67
الأبجدية في مراحلها التاريخية 7
الجزء السابع
بقلم: ميخائيل ممو
أصول الأبجدية
ان حياة الإنسان في عالمنا المتحضر بمرتكزات آليات التقنيات الحديثة يعتمد اللغة في كافة العلوم والمعارف ومناحي الحياة في ديناميكيتها، فاللغة هي مصدر ما توصل اليه الإنسان بتطورها المرحلي المتعاقب منذ الاف السنسن، لحد ما بلغ مجموعها ما يزيد عن الستة آلاف لغة متفاوتة بين ثنايا شعوب العالم التي ترادفت في المعنى الإنساني وإختلفت لفظاً في تسمياتها. وهذه دلالة على تواصلها ما بين الماضي والحاضر ولما يخفيه المستقبل بين الأجيال المتوالية. لذا فإن الحاضر اللغوي ـ شئنا أم أبينا ـ ورثناه عن الماضي، مستمداً من اللغة الصورية في العهد السومري والقبطي، فالمسمارية الآشورية والأوغاريتية المسمارية المتطورة في اللاذقية المدعمة والمؤكدة بثلاثين حرفاً مستقلاً، إضافة لمن إعتمد المسمارية في تلك الفترة، كالعيلاميين في المناطق الجبلية من آسيا الصغرى والحيثيين الذين هم مجموعة من القبائل ومن ثم الفينيقية (22 حرفاً) إلى ما بين القرنين العاشر والحادي عشر،  فالآرامية المستمدة من الفينيقية والعربية (22 حرفاً) التي أضيف لها ستة حروف نطقية مناسبة لأصوات الألفاظ المختلفة التي هي (ثخذ ضظغ)، وكما هي مرتبة حسب الترتيب الأبجدي في الآشورية / السريانية وباقي الساميات (حسبما تصنف وفق النمساوي شلوتزو عام 1871) أي أبجد هوز حطي الخ  لتلحق بعد قرشت وتصبح الحروف العربية 28 حرفاً.. علماً بأن أصوات اربعة حروف منها ما عدا (ضظ) لا وجود لها في الآشورية، حيث أن الحروف الأربعة الباقية اعتمدت في الآشورية كلواحق للأبجدية المسماة بالروادف مثلما في العربية بفعل تأثير حالات ورودها في المفردة من حيث السكون والتشديد وقواعد أخرى، وذلك بوضع وإضافة نقطة تحت الحروف المركبة في كلمة " بگدكپت (ܒܓܕܟܦܬ) أي الباء والـ (گ) الجيم المصرية والدال والكاف والـ (پp ) والتاء،  لتلفظ ( ڤ = و أو v ، غ ، ذ ، خ ، ف ، ث)، وحين تشذ عن ذلك توضع نقطة فوقها لتلفظ كما هي وتسمى بالمقشاة أي نطقها الإعتيادي. علماً بأن العربية تفتقر الى حرف (p)  الموجود في الآشورية، وإفتقار الآشورية لحرف الفاء في الأبجدية ليعوض بوضع نصف قوس مصغر أو الشبيه بالهلال تحت ( ܦp =  ) بالشكل التالي: (ܦ̮). وفي الخط المعروف بالسرياني المستحدث يتم تعويض القوس بنقطة فوق الـ (ܦܿ) لتلفظ بصوت الفاء. وزيادة على ذلك تضاف في الآشورية أيضاً علامة (  ̰ ) تحت (گ ܓ) باللفظ المصري ليطابق صوت الجيم "ج" وتسمى تلك العلامة الرمزية بـ "المجليانا"، وبنفس العملية مع الكاف (ܟـ الأولية والمتوسطة و ܟ الآخرية) لتعطي صوت (ch)  الإنكليزي الذي تفتقره العربية. وذات العلامة فوق الزاي والشين ( ܙ ، ܫ ) لتعطي صوت (television) إضافة لصوت حرف (v) الإنكليزي بوضع نقطة تحت الباء الآشورية (ܒܼ) لإعتماد ذات الصوت،  بالرغم من قلة المفردات المطابقة لأصوات الحروف الثلاثة، وللضرورة فقد تم إضافتها لتتناسب مع الكلمات الدخيلة في الآشورية بحكم المعايشة الزمنية المتواصلة وروابط الجوارفي حدود ذات المناطق.
من خلال هذا العرض الموجز لا نعني استثناء العديد من النظريات وما لا يحصى من البحوث والمؤلفات التي عالجت منشأ الأبجدية أو الألفبائية مثلما تسمى في اليونانية واللاتينية (Alpha-Betta) من صوت الحرفين الآولين، والتي لم يُؤكَد صحتها من اللغويين الباحثين والخبراء الآثاريين، رغم ما يوعزه الباحثون اللغويون من إختلافات في الرأي عن مصدرها الأساسي. وبما أن أطوار الكتابة لقد مرت بمراحل مختلفة لا بد من الإشارة لها بإيجاز والتي هي:
1.   الكتابة التصويرية أو الصورية. 2. الكتابة الرمزية. 3. الكتابة المقطعية. 4. الكتابة الصوتية. 5. الكتابة الأبجدية الألفبائية.
لذا فإن المرجح لأسسها الأولى وفق أغلب الخبراء هوجنوب وادي الرافدين ومصر. في وادي الرافدين، استناداً للكتابة السومرية والآشورية البابلية المسمارية في نهاية الألفية الرابعة ق.م. التي توصل لحل رموزها مجموعة من الألمان ومنهم على وجه الخصوص العالم كارستن نيبور 1756 الذي راحت اتعابه أدراج الرياح، ليأتي بعده الشاب غروتفند المولود عام 1775، وكان يدرس اللغة اليونانية في مدرسة ألمانية، حيث استطاع أن يتوصل لفك رموز سبع علامات من خلال كلمة "ملك" المتكررة في الألواح السومرية، لتكون المفتاح الذي اهله لحل ما دُوّن آنذاك بالخط المسماري، فتم عرض ما توصل اليه على أكاديمية العلوم بمدينة غوتنغن الألمانية سنة 1802. كما  وكان لدور الإنكليزي هنري لايارد أهمية متميزة بالعثورعلى مواقع كنوز الآثار الآشورية في مناطق مختلفة   وإكتشاف العديد من الآثار والألواح أو الرقم الطينية الفخارية وخاصة في نينوى ومكتبة آشور بانيبال التي احتوت خمسة وعشرين ألف لوح مسماري، لتضاف إلى خزائن أرشيف ماري بعددها البالغ أكثر من عشرين ألف لوح مسماري، وأرشيف منطقة إيبلا في سوريا على ثلثمائة ألف لوح مسماري أيضاً، وفق المعجم المسماري للغات الأكدية والسومرية والعربية لمؤلفه نائل حنون عن بيت الحكمة ببغداد 2001، وأصول الحرف الليبي لمؤلفه عبد العزيز الصويعي.  والأساس الآخر لنشأة الأبجدية كما بينا  آنفاً في مصر، استناداً للكتابة الهيروغليفية المقطعية التي فك طلاسمها الفرنسي جون ف. شامبوليون وهو في العقد الرابع من عمره، بواسطة مقارنتها بالنص اليوناني بأن الكتابة المصرية رمزية وصوتية في آن واحد، بحيث ساعد اكتشافه فهم المصادر والوثائق لتاريخ مصر القديم.
ولكي نكون أكثر مقربة من حل رموز الكتابة المسمارية، رغم اختلاف الباحثين في آرائهم ، ننقل فيما يلي ما صدر عن قسم الآثار بكلية الآداب لجامعة بابل لإستاذ المادة أحمد مجيد حميد الجبوري فيما تم تدوينه. 
( بدأت الخطوات الأولى لحل رموز الخط المسماري من خلال الزيارات والرحلات التي قام بها الأوربيون إلى الشرق ، فلهم يعود الفضل في نقل آثارنا إلى أوروبا والتعرف عليها من قبل علمائهم ، وهكذا بدأت المسيرة الصعبة والطويلة لمعرفة الكتابة المسمارية وحلّ رموزها.
كان أول أولئك الرحالة الذين قاموا بزيارة الشرق هو التاجر الايطالي بترو ديلا فاليه الذي زاره إطلال مدينة برسيبوليس في إيران، فعثر على أجرة مكتوبة بكتابة مسمارية، كما استنسخ بعض الكتابات وقام بنشرها في أوروبا.
لقد مرّت محاولات حل الكتابة المسمارية بمراحل عديدة ومن قبل أشخاص كُثُر، كان من أقدمهم الباحث تيسكن الذي استطاع في عام 1798م قراءة أربع علامات من كتابات برسيبوليس العاصمة الأخمينيه التي نقلها العالم الألماني نيبور إلى أوروبا عام 1765م والتي تألفت من 42علامة، كما وتوصل تيسكن إلى معرفة إحدى العلامات المتكررة في النص وهو المسمار المائل الذي يفصل بين الكلمات وتمكن من إثبات أن هذه النصوص تمثل ثلاث لغات مختلفة، وأعقب هذه الخطوة نجاح الباحث الآثاري مونتر في سنة 1802م بالبرهنة على كون كتابات برسيبوليس تعود إلى السلالة الأخمينية وأن لغتها مشابهه إلى لغة الكتاب المقدس المعروف ب (زند أفيستا)، كما استطاع إن يحدد العلامات التي تؤلف كلمة ملك ، وهذه الخطوات ساعدت كثيرا في التوصل إلى حَلْ هذه الكتابة ،وأكد بأن تلك النصوص في حقيقتها نصا واحدا ولكنه مدون بثلاث لغات مختلفة .
 جاء من بعدهم كروتفند العالم الألماني الشهير الذي يعود له الفضل الحقيقي في إيجاد المفتاح الذي لولاه لما حلّت رموز الخط المسماري ووضع اللّمسات الحقيقية الأولى لعلم سمّي فيما بعد بعلم الآشوريات ASSYRIOLOGY).
وما كان يستوجب في بحثنا أن نتوسع أكثر مما هو عليه بعرضنا المقتضب، إلا أنه استثنينا ذلك، فضلاً عن الإطالة أو الإطناب الممل أو الإيجاز المخل، بغية قدح شرارة الإنارة لقرائنا عن هذه اللمحة الإيضائية والتوضيحية من بني شعبنا ومن يطمح في إثراء معلوماته، رغم وجود ما لا يحصى من الدراسات والأبحاث الخاصة بنشأة الأبجدية بلغات مختلفة.
وفي حلقتنا القادمة سنسلظ الضوء على حرفي الضاد والظاء في اللغة الآشورية المعاصرة. 


68
التزاوج اللغوي بين مجموعة اللغات السامية
الجزء السادس
بقلم: ميخائيل ممو
ما تشهد له شعوب العالم القديم والحديث عن دور الدين والسياسة على الوجود اللغوي، له تأثيره الواضح والجلي على تركيبة الدولة في سلطاتها الثلاث للهيكل الحكومي إلى جانب صدى السلطة الرابعة التي أصبحت اليوم أكثر دوياً لنشر الوعي والتأثير على الواقع المُعاش، وعلى شكل خاص ومتميز حين تتواجد لغتان أو أكثر في منطقة معينة بحكم ستراتيجيات السيطرة السياسية والإثنية للمناطق الجغرافية، إلى جانب نزعة الإستحواذ الديني أيضاً بمذاهبة المختلفة وفرض السيطرة. وأحياناً عادة ما تتسم بعض الشعوب الأثنية بالمرونة والتقبل رغم سعة المساحة التي تفرض وجودها عليها، مثلما أتبع الفرس اللغة الآرامية بأبجديتها المبسطة وتراكيب جملها وصرفها بانتشار استعمالها في المناطق التي كانت تحت نفوذها، وأبعد من ذلك بحكم التعامل التجاري والمراسلات والعقود، ومن ثم قدوم الزحف العربي الذي أودى بالوجود اللغوي الآرامي الذي انتشر لحدود كبيرة خارج دائرة الحكم الفارسي. وهنا لا نستثني لغة الشعب السومري بعد الحكم الأكدي فالبابلي والآشوري بإمتزاج لغتيهما تحت تسمية البابلية الآشورية أو الآشورية البابلية وفق المعجم الأكدي، وبالتالي تأثيرها المباشر على اللسان الآرامي وعكس ذلك بتداخلهما معاً، وعلى العربية التي استمدت ما لا يحصى من المفردات التي تفتقر اليها في حينها ليتم اعتمادها في إطار الكلمات المعربة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أسماء أشهر السنة، الأرقام والأعداد، أعضاء جسم الإنسان كالإذن والفم واللسان واليد والكتف وغيرها،  وأسماء العلم مثل سخريا أو زخريا لتصبح زكريا وشمائيل لتكون اسماعيل وأوراهم لتصبح إبراهيم وأسماء بعض الحيوانات كالنمر والذئب والثور والنسر والعقرب وغيرها مما ذكرنا التي لا مجال بالإشارة اليها لسعتها. ولمن يود معرفة ذلك عليه بالمعجم الأكدي البابلي الآشوري من منشورات المجمع العلمي العراقي، ومحاضرات الأستاذ المستشرق ج. برجشتراسر استاذ اللغات السامية في جامعة ميونخ وغيره، ناهيك عن الألفاظ اللهجوية المتداولة في العامية التي أشرنا إلى البعض منها في بحثنا السابق وفق ما ذكره العلامة اللغوي المرحوم انستانس الكرملي في مجلته "لغة العرب" وجرجي زيدان في سلسة مؤلفاته عن تاريخ آداب اللغة العربية  وغيرها من المصادر العربية والأجنبية على يد المستشرقين. وللإيضاح أكثر استقينا الكلمات الواردة في الجدول أدناه بالحرف العربي على ضوء طريقة مصطلح الصياغة الكرشونية التي تعني كتابة لفظ الكلمة الآشورية بالحرف العربي.



نستدل من النماذج المذكورة في الجدول أعلاه عن تشابه المفردات في معانيها وتوارثها عن الأكدية أي اللغة البابلية الآشورية رغم تفاوت استبدال حروف الشين والسين والتاء والحاء والخاء والكاف لإسباب نطقية أو لفظية لكل مجموعة أو شعب من الشعوب المذكورة.
وقس على ما بيناه في الجدول المنوه عنه عن الألفاظ القرآنية الدينية المُستقاة التي منها الهيكل والسماء والملك والإسم والنفس وغيرها المتوارثة عن التطور الحضاري واللغوي بعد الميلاد ومنها السلطان (شولطانا)، الصلاة أو الصلوات (صلوتا)، الشيطان أي إبليس (ساطانا)، الفردوس (پرديسا)، القسيس (قاشا)، المسيح (مشيحا أو مشيخا)، جهنم (گيهانا)، الصيام (صوما)، طوبى (طووا)، فرقان (پورقانا، ڤورقانا)، القداس (قوداشا) الكفر(كوپرنيا أو كوفرنيا)، النذر (نِذرا أو نِدرا)، الروح (روخا أو روحا)، الرحمة (رخموتا) وغيرها التي أثرت في اللغة العربية الأدبية الفصيحة. علماً عن تواجدها في العبرية الحديثة أيضاً وفق ما تشير اليه المصادر التاريخية. هذه دلالة على تداخل الآشورية / السريانية / الآرامية وتزاوجها مع العربية بدلالة الجذر اللغوي المشترك لها مع الفارق اللفظي البسيط مقارنة بقواعد الكتابة الصحيحة، حيث نجد في الآشورية اتصافها بألف الإطلاق كتابة ولفظاً، بينما السريانية والآرامية تدون بذات الحروف وتلفظ نهاياتها بالواو والعربية بالضم أو التنوين والعديد من الحبشية الأثيوبية حسب لهجاتها المتعددة بالياء للمفردة الواحدة حسب ما يلي: ( اليوم: يَوْما، يَومو، يومٌ، يومي ) واللفظ ما بين الآشورية والسريانية قد يكون لأسباب دينية لاهوتية حتمت عوامل الإنشطار الكنسي بين المذهب اليعقوبي والنسطوري في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي (451 م.)، ليسري مفعولها على اللغة أيضاً وذلك بتغيير رسم شكل العديد من حروف الأبجدية بخط مختلف له ذات الصفات النطقية، وإستعارة الحركات اليونانية الشبيهة على ما هو في العربية كالضمة والفتحة والكسرة  في حال تشكيل الحروف لتفريقها عن الحركات الشرقية من أتباع المذهب النسطوري المتمثلة بالنقاط فوق وتحت الحروف.
ولكي لا يغيب عن بال القارئ ويكون على علم بأن هناك من الكلمات في حقول متفاوتة تشترك فيها كافة اللغات المنضوية تحت فصيلة المجموعة السامية كالعربية والعبرية والأثيوبية. نضيف هنا البعض من الكلمات كإشارة لذلك ومنها اللهب والبرق، القمح والدبس والسكر، والطحن والطبخ والقلي، ثم العدد الكبير من الأفعال: علا وقدم وقرب وبكا وصرخ وذكر وسأل ولبس ونقل وركب وقرص وقدس وخطئ وذبح وبارك وفتح وغيرها.
ومما ينبغي الإشارة اليه أن العربية اتسعت دائرتها بحكم الفتوحات الإسلامية وهيبة النصوص القرآنية والعلاقات التجارية سواء مع الآراميين في دمشق، والفرس في الحيرة والمدائن، والحبشة في حينها واليمن وما تم ترجمته عن اليونانية بواسطة الآشورية والآرامية السريانية كما تسمى، وذلك في مجال العلوم الفلسفية واللاهوتية وبشكل خاص في أوائل انتشار الدعوة المحمدية وسعة انتشارها في بلدان الشرق، وعلى وفق متميز في بلاد ما بين النهرين من العصر العباسي والأموي. وكان لتلك  التأثيرات دورها في الصياغات اللفظية كقلب صوت الحرف كما هو حال التداخل بين الفارسية والعربية في العديد من الأصوات ومنها قلب حرف الهـاء إلى الحاء، ومن (گ) إلى الخاء، ومن العين إلى الألف، والكاف بالقاف، ومن الشين إلى السين التي أصلها أبريشم لتصبح أبريسم ، وكما في الآشورية في كلمة "شولطانا" لتصبح بالعربية "السلطان" و "شوقا" لتصبح "السوق" و"شعتا" إلى "ساعة" و "شبيلا" إلى سبيل وشبلا إلى سنبلة وغيرها مما لا يحصى من الأمثلة. وفي هذا المنحى هناك العديد من الحروف المستبدلة بحروف أخرى في اللفظ بين القبائل العربية قبل الإسلام تم الإشارة اليها في بحثي الموسوم "جذور اللغة العربية" المنشور في الشبكة العنكبوتية بغية الإطلاع عليه. ولا يفوتنا أن نذكر أيضاً عن لغة منطقة معلولا وبخعا وجبعدين في سوريا لبعض الحروف بألفاظ مغايرة وفق ما تبين لي من خلال مقابلتي لأعمر رجل في السن حين طلبت منه تلاوة الصلاة الربانية بغية تسجيلها وهو يلفظ الجيم بالغين مع إضافة بعض المفردات العربية، حيث أنه من الممكن أن نسوغ هذا التغيير بتأثير اللفظ الأكدي على الآرامي فالسرياني ومن ثم اللغات الأخرى، كما هو الحال لدى شعوب الدول الغربية الذين لا يستطيعوا لفظ الحاء والقاف، وكذلك من مهاجري شعوب الشرق الأوسط إلى الدول الأوربية من صعوبة لفظ صوت بعض الحروف الصائتة ومنها في السويدية مثل "u    ö, å, ä,y" ولغات أخرى لعدم تطبع الأوتار الصوتية عليها.
من هذا الشرح الموجز يتضح لنا عن توافق العديد من الألفاظ بين الآشورية والفينيقية والآرامية والسريانية والعبرانية والعربية والحبشية مثل ثور، عقرب، غراب، إيل، يوم، زمان، ملك وملكة  وغيرها التي يصعب علينا حصرها، ونشرت أشعتها على أرض لغات أجنبية عديدة ومنها الأوربية للمفردات التي تفتقر في قواميسها اللغوية المستعارة من الأكدية مصدر التفرعات اللغوية الأخرى بتسميات مختلفة من ذات الفصيلة السامية بحكم التوافق والتداخل وفق ما اثبتوه علماء وخبراء علم اللغات من القدامى والمحدثين في العالم الشرقي والغربي، ومن أمثلة تلك المفردات التي نألفها اليوم نذكر ما يلي: الزعفران، الغار، نفط، سمسم، إيل، قُطن، رُز، عنبر، قلي، ناس، فردوس، أرض، عين وغيرها مستعملة وفق الفاظ اللغات المعنية لإغناء تراثها اللغوي.
وفي الجزء السابع سنلقي الضوء على واقع الأبجدية التي لعبت دوراً كبيراً في حياة البشرية على التدوين الكتابي برموزها المألوفة بغية الربط  بين استعمالات مجموعة اللغات السامية رغم تفاوتها عن بعضها لرسم شكل الحروف.



69
تأثيرات التفاوت اللهجوي على التعليم اللغوي
الجزء الخامس
بقلم: ميخائيل ممو
تواصلاً مع ما سبق في القسم الرابع من بحثنا عن " دور اللغة وأهميتها في حياة الشعوب " نُكمل هنا عن التفاوت النطقي بمؤثرات مكامن اللفظ المتمثلة بالمصدر الرئوي مروراً بالحنجرة والقصبات فالحنك والأسنان واللسان والشفتين على مجرى الهواء الصادر من الرئتين تدريجيا بإستقباله من قبل الأعضاء الفموية وتأثير اهتزازات الأوتار الصوتية عليها، وبالتالي ملاءمتها على التطبع الصوتي وفق المحيط والبيئة المألوفة في منطقة معينة من التآلف الإجتماعي والثقافي والإقتصادي على مرور الزمن من المراحل التاريخية. عادة ما تتحدد منابع المخارج الصوتية للألفاظ عمّا هو في منطقة جغرافية أخرى تتمتع بظروف مغايرة تمليها عدة عوامل التي منها طبيعية الطقس والمناخ والحالة المعيشية وغيرها. وعلى ضوء ذلك تتضح الفروقات ويبدو تأثيرها في عملية صعوبة نطق بعض الحروف الصامتة والصائتة في لفظ الكلمة بين سكنة المنطقتين مثل حروف الحاء والقاف مثلاً، بمقارنة العارف بالعربية عن الناطق بلغة أخرى من الأجانب، طالما هناك تفاوتأ واضحاً بين ناطقي العربية من حيث لفظ الضاد والظاء والدال، الذال والزاي، التاء والثاء والقاف الأصلية (ق) التي تلفظ بصورة الهمزة مثل: وقفَ لتلفظ وَأف، ونطق الجيم غير المعطشة بأشكال متفاوتة شبيهة بالكاف المعقودة حسب أبجدية اللغة الفارسية. ومن خلال هذه الأمثلة العابرة التي لا حصر لها. ورغم العديد من الأمثلة التي تخلقها النبرة أثناء نطق الكلمة التي تتميز بها اللهجات من خلال اللكنة لا يستطيع الفرد من الإفصاح عن الكلمة أو الجملة بلغته الأم من جراء تطبع مجموعة بشرية على لحن اللغة الغالبة أو الرسمية المفروضة في دولة ما.
هذا ما نألفه أيضاً للناطقين باللغة الآشورية من سكنة إيران، حيث نجد الآشوريين وقد استمدوا نطقهم من لحن اللغة الفارسية بحيث يستصعب ـ نوعاً ما ـ على العديد من آشوريي دولة مجاورة كالعراق وسوريا ولبنان من فهم واستيعاب المقصود في الحديث رغم الجذور اللغوية المشتركة التي تُكتب بذات الحروف قراءة وكتابة، علماً بأنه أثناء اللفظ يتم إطالة المقطع الهجائي الأخير من الكلمة في حالة النطق على سبيل المثال، ودليل ذلك ما عايشته على مدى سنين عديدة من شكوى تلامذة اشوريي العراق وسوريا على عدم فهم تواصلهم مع معلمي آشوريي إيران في دروس تعليم اللغة الأم في المدارس السويدية، وكذلك بالنسبة للناطقين باللكنة الكلدانية عن عدم استيعابهم وإدراكهم لشروحات معلم اللغة الآشورية بنطقه الفصيح أو فهم معاني بعض المفردات والعبارات اللغوية في الكتاب المقرر لمعرفتهم بالكلمات الدخيلة المكتسبة من سكنة المناطق المجاورة والتزامهم بها، رغم وجود البعض منها والمألوفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر " قاي أو قـَي: لماذا" بدلاً من "قامو : قامودي أو لْما بتسكين اللام" و" لـَـيبي ولـَكبي أو لـَكبِن: لا أستطيع ولا أريد " بدلاً من "لـِ ماصن ولِـ بَعيِن"، و" لَـَـك زالي: لا أذهب" بدلاً من لـِ أزِن أو أزلِن بإسقاط اللام"، علماً بأن اللغة الفصيحة الكلاسيكية المشتركة في القواميس لها ما يقارب العشر مفردات مرادفة لكل كلمة وفق استعمالها في الجمل المقصودة لعدم معرفتها واستعمالها في التعامل اليومي، مثلما يعاني الناطقون بالعربية من لغة العصر الجاهلي كونها مزيج من اللهجات المختلفة التي يشير اليها اللغويون، ومن تلك اللهجات في جنوب الجزيرة العربية المعينية والسبئية والحضرمية، وفي شمال الجزيرة اللهجة الثمودية والصفوية والنجدية وغيرها لتتمركز لهجة قريش القدح المُعلى لأسباب عديدة كالدينية والسياسية والإجتماعية وغيرها... ناهيك عن اللغة الطبقية المهنية واللغة السوقية المبتذلة. كما لا نستبعد هذه الإشكالات اللغوية بين تلامذة اللغة العربية من بلد عربي معين حين يكون مرشدهم ومعلمهم من بلد آخر. وهنا عادة ما يتذمر التلميذ وينقطع عن التعليم في بلدان المهجر، مطالباً بمن ينطق ويتحدث بلهجة بلده، علماً بأن عملية تعليم اللغة الأم هي ذاتها في كافة البلدان العربية وفي ديار المهجر أيضاً وفق المناهج الدراسية المعتمدة. ناهيك عن مطالبة البعض بمنهج الدولة التي قدم منها التلميذ بالرغم من أنها ذات اللغة المستعملة في كافة المناهج في صياغاتها النحوية والصرفية من حيث القواعد مع تفاوت السياسة التربوية لكل بلد. 
من خلال هذه التفرعات اللغوية عادة ما يترتب الإزدواج اللغوي المستهجن، بعيداً عن مهمة النحو الرفيع والصحيح من حيث التحريك لأواخر الكلمات، وذلك لإتصاف التعبير الشفوي العامي واللهجوي بالسواكن في آخر كل مفردة مثلما نقول بالعربية العامية " أني رحتْ للسوقْ واشتريتْ خمسْ تفاحاتْ" بدلاً من " أنا رحتُ (ذهبتُ) إلى السوقِ وإشتريتُ ستَ تفاحاتٍ". وقس على ذلك من التعابير التي لا تجد لها تحليلاً منطقياً يدعم ذلك. إضافة لإستعمال العديد من الكلمات الغريبة على ناطقي العربية في بلدان أخرى، مثل: أكو، شكو، ماكو، جا شنو، إجا، شعواط، طركاعة، تمن (الرز) و (المرك أي الشوربة)، وما لا يحصى من الكلمات والتسميات التي هي من الحقبة السومرية والأكدية البابلية الآشورية تم توارثها منذ تلك العصور التي حكموا فيها بلاد ما بين النهرين من شماله إلى جنوبه. وعلى ذات المنوال لا نستبعد المفردات المستعملة في البلدان العربية الأخرى التي يستصعب على التلاميذ فهمها مثل: " منضدة، طاولة، طربيزة وميز"، إن كانت بالعامية المحكية أو التحريفات في قلب حروف الكلمة مثل: جوز في زوج، سقّف في صفّق، وكذلك في نحت الكلم مثل: "إزّيّـك" من أيش زيّك أي ما حالك، وبلاش من بلا شئ، وعلشانك من على شأنك بمعنى من أجلك، ومنها أيضاً وين ومنين أي أين ومن أين". إضافة لعملية التحريف في شكل حروف الكلمات وإبدال نطق الحروف أثناء الإشتقاق من جذر الفعل والتحريف في مبناها ومعناها أيضاً علماً بأن اللهجات متفرعة عن الفصحى والعكس كذلك، فيما إذا استثنينا عملية التدوين لمراحل الأبجديات. واليكم نموذجاً في كلمة الصقر حين اختلف شخصان على لفظها إن كان بالصاد أو السين  أي السقر، ليحتكم الثالث أنها بالزاي أي الزقر. هذا هو دور اللهجات في عملية تشويه اللغة الفصحى.
وكذلك في الآشورية قواعدياً، بإستعمال العدد المفرد واحد وإثنين للمذكر والمؤنث في آن واحد بدلاً من القول ( خدا كتيتا: دجاجة واحدة) يقال: (خا كتيتا) أو "ترين كتاياتِه: دجاجتان" بدلاً من "تَرتين كتاياتِه" لعدم الفرز والتمييز بين قاعدة تذكير العدد مع المؤنث المعدود ، وتأنيث العدد مع المذكر المعدود، زهذه اشكالية كبيرة للناطقين بالآشورية بإستعمالهم "خا" للمذكر والمؤنث رغم أيصال المعنى المقصود، ونضيف لذلك تفاوت النطق اللهجوي بتحريف الحروف كما في " كتيتا، كتيثا، كتيشا كتيسا، جتيتا، كتِـيّا وكتـَـيّا " أي بمعنى الدجاجة، إضافة لتحريك الأسماء والصفات مثل " خِشّا : الحزن" بدلاً من "خَشّا"  خِشّانا : الحزين" بدلاً من "خَشّانا" وغيرها من الحركات في تصريف الأفعال التي تختلف من كاتب لآخر كتابة أيضاً، ومن مجموعة عشائرية أو قبلية  لأخرى ومذهبية أيضاً من حيث الكتابة والنطق فينطق الكلداني المذهب عن جملة " أفهمت ما قلت لك " قائلاً: " فهملوخ ما ميري طالوخ" والسرياني المذهب يقول: " مِستاكِلوخ ميذي دمرلي لوخ" بينما الآشوري يقول: "پورميلوخ مندي دْمِري قاتوخ أو إلوخ" ، وقس على ذلك فروقات اللفظ العديدة بذات الشاكلة، ولكن بثلاث لهجات وأكثر للغة واحدة.
أن ما يعنينا هنا في نهاية حديثنا هو: هل التعليم اللغوي إلزام أم إختيار؟ فإن كان بمفهوم الإلزام، ينبغي على الذين من أصول عربية أو من الناطقين بالعربية واللغات الأخرى أن يلتزموا بحلقات مقومات القومية التي تشكل اللغة فيها العنصر الأساس والأهم بعد الأرض أو الوطن أو قبل ذلك، ومن سُلبت واغتصبت أرضه أن يجعل من لغته بمثابة وطنه أي أرضه أينما حلت به الأقدار للحفاظ على هويته واستمرارية وجوده القومي.
أما إن كان الأمر من منطلق الفروض الدينية فعلى العرب أتباع تعاليم الديانة الإسلامية، وأن يؤدوا تلاوة الصلاة بلغة ما أنزله الله من الآيات الحكيمة في القرآن، وكذلك للمسيحيين قاطبة بإعتماد لغة المسيح في العهد القديم والجديد من التوراة والأناجيل، مثلما يتم ذلك في الهند من بني الأصول الهندية من أتباع الكنيسة الشرقية بطقسيها القديم والجديد والكنيسة السريانية أيضاً، وعلى ما أظن القبطية والمندائية حسب تصوري من خلال حضوري بعض المناسبات الخاصة بالشعبين، وعلى بُعدٍ من نصوص الترجمة التي قد لا ترتقي لذات المعنى كما هو في لغات أخرى، بتأكيد ما هو عليه اليوم فيما تطبقه الدول الإسلامية غير العربية التي تقتدي بلغة القرآن العربية قراءة وتلاوة إلى جانب إداء الفرض الموجب عليهم في تلاوة الصلاة بالعربية، بالرغم من أن لغة التواصل والتفاهم الرسمية هي غير العربية، كما في ماليزيا وأفغانستان وإيران وأندنوسيا وغيرها من البلدان الإسلامية. وإن كان الأمر بهذا الشكل فعلى الدول المسيحية أن تمتثل لهذا الفرض أيضاً، وعلى بُعد من اجتهادات العديد من المذاهب المستحدثة في عالم الغرب بتحوير ما نصت عليه الكتب المقدسة، ومن تلك المذاهب شهود يهوه والمارمون ومن يسموا بالإنجيليين وغيرهم.
الى الملتقى في الجزء السادس


71

هل التعليم اللغوي إلزام أم إختيار؟
القسم الرابع
بقلم: ميخائيل ممو
سؤال يطرح نفسه على كل من ينتمي تحت راية الوجود القومي والإثني. لكون اللغة خميرة ذلك الإنتماء، والعامل الأساسي في تقوية الروابط لشعب ما. لذا فإن عملية التعلم اللغوي لقوم ما يجعلهم على مقربة من البعض لإثبات سرد سياق الكلام في التفاهم والإنسجام لتجسيد المشاعر بسهولة تامة وقناعة دون أي التباس تشوبه سحنة الإستغراب. ولهذا نجد أن أغلب دول العالم رسمت لها في تقويم المناسبات اليوم المحدد للإحياء اللغوي بنعته " يوم اللغة الأم " إلى جانب ما أكدته منظمة اليونسكو بإقرارها " يوم اللغة العالمي " بغية الإحتفاء به سنوياً في الواحد والعشرين من شهر شباط. وهذا ليس معناه أن نربط " يوم اللغة الأم " الخاص بشعب ما لذلك اليوم العالمي، بل هو دعم إضافي لكافة لغات شعوب العالم أينما تواجدوا وحلت بهم مصائب الإضطهاد والتشريد لإحتضان ديار الشتات. ومن هذا المنطلق فإن حياة الإغتراب عادة ما تفرض عامل الإندماج في المجتمع الجديد وفق متطلبات الحياة الجديدة. وهنا بمرور الزمن وتعاقب السنين عادة ما نجد وبشكل طبيعي تخلي الأجيال المتوالية عن لغتهم الأم الأصلية المتوارثة أباً عن جد، والأكثر تضرراً من حيث الضعف اللغوي يصيب من هم في عمر الطفولة ممن ولدوا في تلك المجتمعات، واقتنوا مراحل التعليم في المدارس الرسمية لتلك البلدان، رغم حرص الوالدين في أكثر الأوقات على حث أبنائهم في الحفاظ على التعليم اللغوي والتحدث بذات اللغة المتداولة في المحيط العائلي، علماً بأن هناك من يستهجن ذلك من ذوي الأمور لتتفاعل ذريتهم وعالمهم الجديد لضمان مستقبل أفضل مؤكدين عدم جدوى تراثهم اللغوي الأصيل، دون إدراكهم ومعرفتهم ما يورثه هكذا تصور من سلبيات في حياة أبنائهم في المستقبل البعيد، وندمهم عن التخلي من لغة جذورهم التاريخية وعاداتهم وتقاليدهم التي تدعمها اللغة الأصيلة.
من هذا المضمون يتضح لمن يعض أصابع الندم بأنه حين يجوب عالم بعض الدول متسلحاً بلغة بلده الثاني فقط  ليشعر بالندم على ما أقدم عليه كونه أخذ بجريرة والديه لتحف به بوادر الصمت، لا يفقه شيئاً، وليعيش معاناة الحيرة بما يود الإفصاح عنه في التعامل، معتمداَ بالتالي لغة الإشارات، وكأنه صم بكم من طرف المقابل. ولكي يكون القارئ على معرفة أقرب مما نوهنا عنه، أنقل هنا مداخلة وتساؤل أحد القراء لإحدى مقالاتي في موقع إيلاف وهو يشكو ذات المعاناة، وفيما يلي نص ما كتبه:
( ما تتمناة سيدى الكاتب باحياء اللغات هو مجرد امنيات . نعم هى مجرد امنيات . وبصفتى أشعر بما تعانية ولدينا احساس مشترك ونعانى نفس ما تعانية. أنا من الجيل الأول فى الهجرة ..اما أبنائى وأحفادي فهم أبناء البيئة التى يعيشون فيها - الانسان ابن بيئتة - أبنائى يعرفون اللغة العربية الى حد ما أما الجيل الثالث فلا يعرفها. اما لغتنا الأم فلا أحد يعلم عنها شيئا ولو طلبت من أبنائى من الجيل الثانى لمعرفة اللغة الأصلية ينظرون اليك نظرة غريبة مفادها أنك تهذى ...والحقيقة أن اللغة كائن حى ينمو ويكبر عند الاستعمال ويضمر وينتهى عند الاهمال ونعود للسؤال: ما هو دور لغتنا الأم فى العلم والثقافة والكمبيوتر الخ الخ ؟ بالتأكيد لا شئ وهذا ليس احباط ولكن هى الحقيقة. وقد سألنى أحد أبنائى ولا أقول أحفادى : لماذا نتعلم لغة لا نتكلمها ولا ندرس بها ولا تفيدنا علميا ولا ..ولا ...ولا؟ ننتظر منكم الاجابة . تحياتى على كل حال على شعوركم ).
نعم أخي السائل والمتداخل، هذه هي الحقيقة والطامة الكبرى، حيث هناك ما لا يحصى من الأبناء الذين يعانون ذات المعاناة من موقف أولياء أمورهم وعكس ذلك أيضاً، وعلى الأخص تلك الجاليات النازحة والمهاجرة من البلدان العربية وهم من أصول عربية وإثنيات أخرى متعددة كالآشورية والأرمنية والتركمانية وغيرها من الإنتماءات القومية، علماً بأنها تتمتع بلغتين أساسيتين هما اللغة الأم ولغة البلد الرسمية أي العربية، ليكون واقعهم بالتالي وبمرور الزمن فقدانهم لهويتهم اللغوية، وربما التشبث بمفردات لا تأثير لها في التعامل اليومي أو التواصل الإجتماعي لصعوبة التعبير عما يختلج في نفوسهم بإحساس نوازع الإنتماء الإثني ليتم التفكير باللغة التي محت جذور اللغة الأصيلة.
من جراء هذا التفاوت والتباعد اللغوي بين الآباء والأبناء نستشف سلبيات ذلك في عملية التواصل الإجتماعي بتأثيرها على المحيط العائلي ليتمنطق الأبناء بلغتهم الثقافية الخاصة، أو بلغتهم الأم التي لا تفي بالغرض من حيث التعبير الصحيح والواضح لما يقصده المتكلم. ومن نتائجه أيضاً حالة الإرتباط الإجتماعي من حيث الصلة الزواجية التي يكون مؤداها فتور التواصل ومن ثم ما لا يستحب عقباه من أمر الإنفصال. وكذلك مقتضيات الظروف السياسية في حال أن يكون أولياء الأمور على يقين تام من العودة إلى الوطن الأم بعد التغييرات المؤاتية لتأدية ما يستوجب عمله بحكم التزامهم العقائدي أو الإنتماء السياسي والحزبي. فيكون موقف الأبناء في حيرة مما هم عليه بدافع التسلح الثقافي والمعرفة اللغوية لا تدعهم أن يتواصلوا ضمن المراحل التي هم عليها، وأيضاً إن كانوا في مواقع إجتماعية وظيفية لا تؤهلهم لغتهم على تحقيقها في بلدانهم الأصلية بالرغم من إصرار الوالدين على العودة. وهنا عادة ما تحصل المشادة الكلامية والإصرار على أن يحتفظ كل جانب أو طرف على موقفه.
على أية حال إن المفهوم اللغوي العام هو تلك الوسيلة لتبادل المشاعر والأحاسيس والأفكار بمفردات وتعابير تخلق التفاهم بين مجموعة من الناس، تضم جماعة بشرية معينة من المنضوين تحت راية تلك الرموز اللفظية المتفق عليها للتفاهم، متسعة أحياناً حين تكون سبيلاً للتعبير الأدبي. وهنا لا يغيب عن بالنا بأن الصيغ الكلامية الشفاهية تتفاوت بين شعب وآخر من حيث التصنيف اللغوي كتابة ومشافهة، تدويناً وتكلماً. ومن أجل أن نميز بينهما علينا أن نستدرك قواعد توليفها من حيث التراكيب المستعملة، لكون اللغة الرسمية المألوفة بالفصحى بسياقها الموحد وفق تكوين أساليب الجمل، وبما تستوجبه أواخر المفردات من حيث الإعراب والبناء كالرفع والنصب والجر وما إلى ذلك من أحكام تفرضها الحركات لموقع الكلمة كالفاعل والمفعول والمضاف وغيرها من القواعد التي يتم فرضها بما يمليه علم النحو الذي يختلف عن علم الصرف من حيث اشتقاق مفردة ما بعدة تصاريف، لا يمكن ضبطها وتعلمها واستيعابها إلا عن طريق القراءة والكتابة الصحيحة والدراسة المتواصلة، بخلاف ما يستنبط من المفردات في لغة الكلام المألوف باللهجة العامية أو الدارجة مشافهة، ناهيك عن اللغة المحلية اللهجوية المحصورة في منطقة جغرافية معينة المعروفة باللكنة كما هو الحال في اللغة الآشورية بين لكنة آشوريي منطقة أورمي في إيران وآشوريي مناطق متعددة في العراق، وكذلك بالنسبة إلى اللغة العربية بين سكنة الموصل وسكنة البصرة. وبالرغم من البُعد الجغرافي بين تلك المناطق، نجد في دائرة كل منطقة جغرافية تفاوت تلك اللكنات، وأقرب دليل على ذلك مناطق ألقوش وتلكيف وبرطلة رغم تقاربها من البعض وعلى مسافة لا تتجاوز العشرين كيلومتراً فيما يخص اللغة الآشورية التي تميزها تسميات الكلدانية والسريانية وهي من جذر واحد أصيل. وقد تكون أحياناً أخرى استعمال ذات اللهجة المحلية ولكن بلكنة مغايرة تميزها منطقة معينة عن غيرها كما يتضح ذلك في مناطق تواجد الآشوريين في ارمينيا وقرى الجزيرة من مناطق الخابور في شمال سوريا على ضوء التوزيع العشائري المألوف، ومن خلال النطق يحكم الإنسان على الإنحدار المناطقي أو العشائري للشخص. وهذه بديهة مألوفة في أكثر اللغات منها العربية التي تختلف فيها لكنة لهجة أهل الصعيد عن الإسكندرية، ولكنة سكنة شمال السويد مثل كيرونا عن  لكنة سكنة مالمو في الجنوب أو يونشوبينغ في المنطقة الوسطى. وكذلك ما يتعلق باللغة الإنكليزية حيث يتبين أن لكنة اوكسفورد " لم تعد مفهومة من الناطقين بالإنكليزية في وول ستريت، ولا في تكساس، وهاتان المنطقتان لا تفهمان لغة بعضهما بعضاً ". وهناك أمثلة عديدة وفق ما ذكره الباحث اللغوي مارسيل لوكان المدافع عن اللغة الفرنسية وأحد وكلاء متحف اللغات العالمي الذي ترعاه شبكة اليونسكو الخاصة بثلاث وعشرين أكاديمية في بلاد البحر الأبيض المتوسط، والمُلقب رجل العام لعامين متفاوتين والرجل النابغة للقرن العشرين عام 1999 من قبل مؤسسة التخطيط الحيوي الأمريكية. وإلى الملتقى في القسم الخامس من هذا البحث.


72
من يتحمل مسؤولية إحياء لغتنا؟
القسم الثالث



بقلم : ميخائيل ممو
سبق وإن سلطنا الضوء في القسم الثاني من موضوعنا الموسوم " دور اللغة وأهميتها في حياة الشعوب" وقد إرتأينا في هذا القسم أن نحدد بعض الإشكالات التي تدع لغة ما تتراوح في عقر دارها لتصبح في عداد اللغات التي في طريقها للإندثار، بالرغم ممن يحاول من بني الطليعة الواعية على بث روح الحياة فيها. لذا نود القول هنا: 
لو لم تكن اللغة برموزها الإبتكارية عبر مراحل التاريخ، لما استطعنا اليوم أن نتحدث ونتخاطب بها مع بعضنا، أو أن نقرأ لفهم ما دوّن بواسطتها،  نكتب وننشر ما يخالجنا وما تراودنا من الأفكار، وما إلى ذلك من مفاهيم أخرى.. وبما أنه قد إرتقى عددها إلى ما يقارب الستة آلاف لغة من خلال التطور البشري في كافة أصقاع العالم بهذا العدد الهائل، ليس معنى ذلك أن نتأملها ونفقهها جميعاً، ولا حتى الجزء اليسير منها. هذه بديهة لا يقرها المنطق العلمي اللغوي ولا الفلسفي لمحدودية مدارك الإنسان. إن المهم والأهم أن يتمكن الفرد من لغته الرئيسة المتعارف عليها بتسمية اللغة الأم، أي التي نشأ وترعرع عليها منذ صغره ولحد كبره. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، ولا تغفل على أي إنسان ينتمي إلى المجتمع البشري بحكم معايشاته اليومية في محيط مجتمعه، وعلى وجه خاص من ينتمي لذات المجموعة الإثنية التي يؤمن بها ويجعلها ديدنه الأسمى أينما حطت به الأقدار من أرض المعمورة. ليس معنى ذلك أن تتحدد المعرفة اللغوية بلغة واحدة فقط لدى الفرد، طالما هناك ما تفرضه التعاليم اللغوية وإمكاناته الإدراكية لتسلحه بلغات أخرى. إذن من الأهمية بمكان أن يتعلم ويتقن الفرد لغته الأم قراءة وكتابة طالما من السهولة أن يتحدث بها منذ نعومة أظفاره. أما أن يخلق مبررات يستوجبها التحليل الإقناعي فهذه مسألة فيها وجهة نظر. قد يكون الأمر كذلك أحياناً لظروف تفرضها الحياة الإجتماعية والسياسية العقائدية للدولة التي ينشأ فيها ومرتع طفولته. ولكن أن تكون عكس ذلك فلا وجوب للأعذار والمسوغات قطعاً. والقصد من ذلك إن توفرت كافة السبل والوسائل لتحقيق ما نعنيه، فأين تكمن العلة؟! هل هي في تصرفات إهمال الوالدين وأولياء الأمور؟ أم في نفسية الفرد ذاته؟ معايشاتنا وتجاربنا على مدى طويل من السنين أثبتت بأن الأمر يتوقف على الوالدين وثقافتهم بالدرجة الأولى، ومن ثم الأبناء بالدرجة الثانية، ولأسباب مجتمعية عديدة ثالثاً، بحكم المصاحبة والمرافقة من ذات الأعمار التقريبية تفرضها التأثيرات المباشرة عليهم  للتخلي عن التعليم اللغوي. وبما أن المسألة عمومية لدى أغلب الشعوب في ديار المهجر، إلا أن خصوصيتها تكمن لدى المكونات القومية التي ليست لها مدارس رسمية ومنابع تعليمية منظمة لإنتشال آفة الأمية كمصطلح أقرته منظمة اليونسكو الذي مفاده بأن من لا يقرأ ويكتب بلغته الأم يُحتسب في عداد الأميين بلغته الأم رغم معرفته وتثقفه بلغات أخرى لا تمت بصلة لإنتمائه اللغوي والإثني.
إن ما دعاني لهذه التنويه الهام، هو زياراتي للعديد من دول الإغتراب التي يتواجد فيها أبناء رعيتنا وجلدتنا من الآشوريين المهاجرين بكافة تسمياتهم، وعلى وفق خاص الذين تتوفر فيهم الهيمنة القومية من الشباب بالإنتماء الإثني وإفتقارهم للتربية اللغوية التي هي عماد أحاسيسهم ومشاعرهم وروح استمرارية وجودهم عبر التاريخ الحديث. وهناك أيضاً إلى جانب ذلك من لا يقلّ شأناً عنهم من أصحاب المسؤوليات في المراكز الدينية والمؤسسات الثقافية والإجتماعية يتمجدون بأصالة لغتهم القدسية ومدى أهميتها دون أن يحركوا ساكناً في الرفع من شأن أهميتها ودورها في الحياة الإجتماعية وتفعيلها بشكل مباشر ، أو المبادرة على حث أبنائهم للإلتحاق ببعض الدورات التي لا تتجاوز على أصابع اليد الواحدة إن كانت في الكنائس أو الجمعيات الخاصة التي اصبحت مرتعاً مرموقاً لهم للهو وقضاء الوقت هباءً في الإنغمار بمناقشات فارغة على طاولات مستديرة وبأعمال تمتد لساعات متأخرة من السهر لا تتناسب والتربية الأخلاقية لأبنائهم وعوائلهم.
ومن جانب آخر، إن تهيأت فرص التعليم الرسمي، يتبين لنا عن تهاون المسؤولين وتقاعس الوالدين أو أولياء الأمور من إتمام واجبهم في التعليم اللغوي المجاني على حث وتشجيع أبنائهم بغية الإلتحاق بدروس تعليم اللغة الأم. ولكي أكون أكثر وضوحاً استل مضمون هذه الفكرة من الواقع العملي في المدارس السويدية أولاً عن قلة الذين يلتحقون بدروس اللغة الآشورية وبكافة مسمياتها في كافة المراحل الدراسية، مقارنة بالكثافة السكانية لتواجد عدة آلاف من الناطقين بذات اللغة من المؤمنين بها شفاهاَ بذريعة تسمية الإنتماء القومي، بحيث لا تتجاوز نسبة تفعيلها العشرة بالمائة إن لم تكن أقل من ذلك. علماً بأنه يتم توفير كافة مستلزمات التعليم مجاناً دون أي مقابل. فإن كانت النسبة المخيبة للآمال بهذا المعدل في بلدان مشابهة، فما أدراك من البلدان الأخرى التي لا تتواجد فيها تلك الخدمات، وحسبي من ذلك حتى وإن وجدت وتهيأت الفرص بالمجهود الشخصي تجد النسبة بما لا تتوقعه أبداً، والدلائل كثيرة في العديد من دول الشتات في أوربا وأمريكا حيث تشكل فيها مجموعات سكانية اثنية كبيرة متمركزة في بقعة أو منطقة جغرافية واحدة.
هذه الإشكالية من ناحية، ومن الناحية الأخرى بعد تصاعد الوعي القومي على ضوء الأحداث السياسية والدينية في الأوطان التي يؤمها ذات الشعب تبرز الساحة السياسية والدينية والثقافية المتمثلة بالأحزاب والمراكز الدينية محدودية التوعية اللغوية لم ترق للمستوى الذي يستوجبه التعليم اللغوي في المهجر، بإستثناء بعض الجهود النادرة جداً التي يشهد لها الواقع المألوف في استراليا، ناهيك عن تألق تجربة التعليم في الوطن الأم.
وبالرغم من كل ذلك يتجلى لنا من أصداء تلك المواقع بأنها تخفي عنها أهمية التجسيد اللغوي المشمول ببرامج ومهمات أخرى كالتأليف في مجال أدب الأطفال والشبيبة والحكايات الشعبية التراثية وأدوات الألعاب الخشبية التعليمية وما شابه ذلك من وسائل الإيضاح العملية وفق ما هو متعارف عليه في المدارس الحديثة. كما وأنه من جملة ما يرتقي بالتوعية اللغوية في مجال تلك النواقص والسلبيات هو تشجيع من تتوفر فيهم المواهب فيما يتوصلون اليه ويحققوه دون دعم أعمالهم الإرشادية التوجيهية بمستوى الفكر القومي الفاعلة لتكوين الشخصية وإبراز الهوية الحقيقية، وكلنا يعلم بأن السياسات الدخيلة والنزعات الإرهابية والأوضاع المزرية في بلداننا الأصلية أردتنا على شفا حفرة من نار لنهجر أوطاننا وننقذ أرواحنا لعلنا نعود لضالتنا المنشودة والهدف المستوجب تحقيقه.

إذن دعونا أن نجعل من لغتنا الأم الوطن الدائمي لنا جميعاً أينما تواجدنا وبرغبة ملحة في كافة محطاتنا الإنتقالية، ومن خلالها نخاطب ما افتقدناه عسانا نصيب الحقيقة مثلما أصابت ذلك بعض الشعوب التي عايشت ذات المحن بصبرها الطويل جاعلة من لغاتها الدرب الشائك في طريق المعتدين وسلاح التحدي في وجوههم.
ولطالما لا زلنا في دائرة التبجيل اللغوي، فلا محالة من أن نفتح آفاقاً جديدة بطرق أبواب مستحدثة تمليها علينا وسائل الإعلام من الفضائيات والمواقع الألكترونية وغيرها من السبل التي تمتعت بألسن حرية التعبير المباشر والأقلام التي تم تحريرها من شبح الظلم والإضطهاد بإطلاق سراحها.
وهنا نود أن نثني جهود ومساعي المجلس القومي الآشوري في الينوي على يقظته ومبادرته بإقرار القرار التاريخي على جعل يوم 21 نيسان من كل عام يوم اللغة الآشورية، مستمداً أياه من ضخامة وأهمية القاموس الآشوري المحصور في واحد وعشرين مجلداً صادراً عن جامعة شيكاغو، استغرق وضعه تسعون عاماً على يد أمهر وأشهر اللغويين، توالى على جمع وتشذيب مفرداته أكثر من 85 باحثاً لغوياً من المستشرقين.
لذا.. وبهذه المناسبة التي كنا نحن على أبوابها من شهر نيسان الخالد نهيب بكافة مؤسساتنا ومدارسنا ومعلمينا أن لا ينسوا هذا اليوم التاريخي الهام، وأن يستيقظ من هم في سبات الإهمال القاتل ومن يضع العصا في دوران العجلة بأسلاكها أو قضبانها المحكمة الشبيهة بالتسميات اللغوية. وأن لا يتم إغفال ذلك من مسؤولي ومعلمي من نشيد بتجاربهم الإيجابية في سدني ونيوزيلندا ومحافظات السويد والعراق أيضاً تيمناً باللجنة الأدبية والتعليمية للمجلس القومي في شيكاغو ومالبورن وأرمينيا وجورجيا وكراسنادار في روسيا وسدني ومالبورن في استراليا ومناطق أخرى متفرقة.

 


73
ناهز التسعين ونحن عنه غافلون



بقلم: ميخائيل ممو
الآشوريون المنسيون ممن حملوا مقاليع الفكر في عقولهم، وأثقلت الشيخوخة آمالهم ليعيشوا بين حالات من الشك واليقين، تراهم عادة وقد إنزووا في صرح معاقلهم لفترة تاريخية معينة من حياتهم الباقية، وردح من الزمن بعد أن يأخذ اليأس مأخذه منهم، تراهم وعلى حين غِرّة يستأنسون ـ رغماً عنهم ـ على تلبية نداء من يناديهم بهاجس الصمت للركون في عالمهم الجديد، فيرحلون وعلى أصداء نواقيس الكنائس يُستذكرون، ليجتمع شمل العارفين من المقربين ومن المدركين على فريضة التأبين بيقين من التبجيل والتثمين، وإلقاء النظرة الأخيرة على مشرف المسكن الأخير بما أوجبه الباري عز وجل على عباد البشر بما أمر وما نهى عنه. فعل الأمر بما يتوجب على كل إنسان من الإستجابة له بحسن النية الصادقة، والنهي عما هو خارج حدود العبادة والإلتزام، مروراً بالنيات التي تطعمها النفس التواقة للمآرب الذاتية بغية الإحتياج وعقدة الأمنيات.
بالأمس القريب في السابع من أفراح نيسان سلطت إلهة الموت قبضتها على رقاب وإرادة من عُمِّدَ وتلقب بمُسمى هيبة رئيس الملائكة وتيمن بإسم بهجة نيسان الخالد، أن تكون نهايته في رحلة أبدية بعد رحلته التي استغرقت عشرة عقود (90 عاماً) في تضرعاته المهيبة، وفي إيمانه الذي لا تساوره الشكوك في أية هفوة تلامسه لتدغدغ مشاعره، ولا حتى في مصداقية أحاديثه وأمثاله وكتاباته بلغة من آمن به وإمتثل بصفاته، إلى جانب تلك اللغات التي تسلح بها بحيث لا تستبين وتفرق لفظه قط من أبنائها الأصلاء، ومنها الفرنسية ذات النغمات الرومانتيكية، والإنجليزية ذات اللفظ البديع المشوب بواقعية التجميل.
عاشرته على مدى سنوات طويلة، ألفته إنساناً واقعياً، ما يضمره في صفاء قلبه يجسده في حلاوة لسانه، ما ينطق به يقربك من قلبه، ما يناجيك به وكأنه يناديك للمشاركة في محراب إيمانه وإنسراحه الفكري البليغ، بتلك صفاته المؤنسة وثقافته الواسعة الشاملة التي تجذبك اليه لأول وهلة من سماع همسات صوته بتموجاتها الهادئة التسلسل ذات المعاني الهادفة، وبتلك مآثره التي يشهد لها كل من زامله وتعرف عليه من قريب أو بعيد، ليحمل كل واحد في مخيلته نظرته الخاصة واصفاً أياه بالمُنَظِّر للفكر السياسي، ومرشد الإجتهاد الديني، وشاعر مناسبات الأفراح والأتراح، والسارح في الخيال التأملي وعاشق الجمال وغيرها من النعوت.
بعد كل هذه الأوصاف التي تدعك في حيرة من أمر هكذا إنسان، يحدوك التساؤل، من يكون؟ وهل لدينا من يتحلى بتلك الصفات والميزات؟! نعم، ليس من الغريب أن يتواجد بيننا هكذا أفراد، وليس من العجابة أن يحوم حوالينا من هم على مقربة منا، ولكنهم بعيدون عنا، كوننا نتعمد بأن نكون بعيدين عنهم، ولا نُقيّم وجودهم. مثلما يقول المثل: "مطرب الحي لا يُقَدَر" وغيرها من الصفات، أو كما تتم الإشارة لذات المعنى بأنه "لا كرامة لنبي في قومه".
بعد هذه التقدمة، حتماً ساورتك الشكوك، وحاصرتك المشاعر لمعرفة من تكن هذه الشخصية التي لها تلك الميزات، ولكن الفهيم العليم من الإشارة يدرك. نعم، وليس من الغريب أن يتواجد بيننا المئات ممن لهم ذات الإعتبارات... غيبهم الدهر، أبعدهم القدر، وتم عزلهم وإهمالهم بدوافع من أبناء جلدتهم من بني البشر، من الذين تتلاعب في نفوسهم جذور وخزات الحسد والأنانية والغيرة القاتلة. وحيث أني لا زلت لا أقوى على الفصح بإسم هذا الإنسان الذي عنا قد رحل، لا زلت وأنا أدبج عنه وما نوهت عنه أشعر بالخجل. كونه كان يخاطبني دوماً، يا رفيقي هل سنظل نعبد مفردة الأمل بأقاويل الوجل؟! ونحن بعيدون عن توظيب حقائب العمل؟ وحتام نظل نطلب النصر من عنده تعالى؟ وهو الغافل عنا ونحن كسالى!!
كفى أن أقول: بأن كل من إقترب منه من الصغار والكبار يحمل في ذاكرته ما كان يلاطفهم به شعراً ونثراً، ومن الأقاويل والأمثال، ولا يستثني أي محفل أدبي وأية مناسبة مهما كان مستواها وحجم حضورها إلا وتراه قد إستل من غمد سترته سيفه المرصع برصيد من المفردات اللغوية الهادفة ليعلن عن مضمون تلك المناسبة بصوته الجهوري الجذاب وحركاته التعبيرية الدالة على رمزية ما يُمطره على آذان ومرآى الحاضرين.
رغم أن الحديث قد جاوز حدوده، ليس لي إلا أن أتوقف بخشوع لأعلن بأنه المرحوم " ميخائيل إيشاي داود نيسان" الملقب بـ " أبو كاندي – غاندي" لتأثره منذ مطلع شبابه بهذه الشخصية الفذة التي ألزمته أن يكني ابنه الوحيد بذلك الإسم.

ميخائيل نيسان، استنشق نسمة الحياة عام 1926* في إحدى قرى منطقة كراسنادار الروسية، بعد أن هاجر والداه من ديار أرضهم التاريخية "حكاري" بسبب الأحداث التعسفية المظلمة، وفي عام 1930 هاجروا إلى أيران، وبعد مكوثهم ما يقارب السنة فيها حطت بهم الأقدار في شمال العراق، ومن جراء أحداث سميل عام 1933 ألزمتهم العودة إلى سوريا ليستقروا فيها بمنطقة الخابور. وفي تلك الفترة بعد استقرارهم بشكل رسمي التحق بإحدى المدارس ليتعلم العربية، فتعلم من مبادئها ما يكفيه إلى جانب لغته الأم التي أتقنها قراءة وكتابة بحكم مطالعاته على يد بعض الأساتذة، وبما أنه كان من المتفوقين في تحصيله التعليمي فقد تم إلحاقه بمدرسة الدومينيكان الفرنسية وفرزه في الصف الرابع لمؤهلاته اللغوية التي أهلته لذلك. فأتقن اللغة الفرنسية بسهولة جعلته أن ينال المرتبة الأولى في منطقة الجزيرة السورية لقرى الخابور في فحوصات تلك اللغة من خلال الإمتحانات الرسمية لسلطة الحكومة الفرنسية آنذاك في سوريا، ومن خلال حديثه الشخصي إتضح لنا بأن اللجنة الإمتحانية كانت قد قدمت من بيروت. وفي عام 1945 ينتقي شريكة حياته، وبعدها بعام واحد وهو آنذاك في العقد الثاني من عمره عام 1946 يشد الرحال للمرة الثانية إلى العراق وعمل هناك بصفة مترجم في إحدى الشركات الفرنسية. وفي تلك الأثناء شدته غيرته وإمكاناته اللغوية على إتقان اللغة الإنكليزية بطلاقة. إهتماماته اللغوية جعلته أن يتبحر في العلوم الفلسفية والأدبية والدينية وعلى إقتناء ما يتيسر له باللغتين الفرنسية والإنكليزية ليقدم على الصياغة الشعرية بهما إلى جانب ما نظمه بما لا يحصى من القصائد باللغة الآشورية وعلى شكل خاص ومتميز بعد هجرته وكافة أفراد عائلته من الوطن الأم إلى السويد وهو في العقد الخامس مع العمر. ومن الجدير ذكره بأنه عادة ما كان في أغلب الأحيان يعمد على ترجمة ما ينظمه بالآشورية إلى إحدى تلك اللغتين، بدلالة ما كان ينشره في مجلة " حويودو " الغراء الصادرة عن إتحاد الأندية الآشورية في السويد ومجلات أخرى في المهجر. وإن تساءلنا عن ما أصدره من نتاج مطبوع، لم نجد له سوى باكورة عمله الشعري الموسوم باللغة الآشورية تحت عنوان "سواخي" أي بمعنى "مُبتغاي أو مُرادي" على هيئة قصيدة في ثلاثين صفحة مطعمة بالصور التراثية القروية، يفصح فيه من العادات والتقاليد برموز من التعابير الأخاذة. حيث يقول في مطلعها:
اصيخوا السمع لأمثالنا وحكاياتنا الشعبية... يحلو طعمها سرداً بإصولها الشعرية
في آخر بيت شعري يختتم القصيدة بقوله:
لا أستسيغ سماع الثناء، ولا روح الإرتقاء... لننهي الأمواج  بصف يوحد البقاء


قد يستغرب البعض من القراء مما دونته عن هذه الشخصية التي تميزت بالعديد من الصفات النادرة التي تستكشفها من خلال معاشرتك له. لذا ومن خلال علاقتنا الأخوية وإهتماماتنا الأدبية، ولكل من كان على معرفة به، وجدنا فيه طيبة الحديث، رزانة الكلام، متانة الخلق، هادئ الطبع، كثير المطالعة، غزير النظم وغيرها من الصفات. وفي سنواته الأخيرة رغم نشاطه المكثف وحيوته الدائمة جعلته ظروفه الصحية قعيد الكرسي اليدوي المدولب ليلازم دار المسنين، فاقداً لقوة ساقيه ما بين الركبة والقدم بسبب ما داهمه من مضاعفات داء السكر اللعين ليوقف تلك الإرادة التي كان يتحلى ويتنعم بها في جريه يومياً أوقات الفجر لأكثر من عشرين كيلومتراً، وما أن تشده المراوحة الوقتية فيعمد ليقضيها في إنتقاء ما ينمو من نباتات الطبيعة والأعشاب التي تعيد به الذاكرة لأيام استعمالها في القرى الآشورية، وإجراء التجارب على طبخها وتناولها وفق ما إحتواه المصدر الطبي الشهير الذي إعتمده من " كتاب الأدوية " باللغة الآشورية المترجم أيضاً إلى اللغة الإنكليزية، وربما لغات أخرى لأهميته الكبيرة وقِدَم معلوماته النباتية العلاجية.
ولطالما نحن في سياق هذه السيرة الذاتية، تحضرني الذاكرة حينما كنت مشرفاً على القسم الآشوري والعربي في مجلة "حويودو" ورئيس تحريرها فيما بعد، كان المرحوم يزودني في بداية كل شهر بقصيدة لمناسبة ما قبل إصدار العدد الشهري المعتاد عليه، وحين انهي طباعتها على الآلة الكاتبة في حينها لتبويبها، كان يخاطبني ويطلب مني بعد يوم أو يومين أن أحذف كلمة أو عبارة لأضيف غيرها. وبالرغم من إيجاد حل بطريقة ما لذلك كنت أنفذ ما يبتغيه، ولكن الأصعب من ذلك حين يبعث لي أكثر من رسالة تصحيح وتغيير في مدة اسبوعين والقصيدة قد اتخذت طريقها للنشر. ولا زلت لحد اليوم احتفظ بأغلب تلك الرسائل والقصائد التي إن تم جمعها وتشذيبها ونشرها لشكلت ديواناً شعرياً كاملاً. بعد أن استعضنا الآلة الكاتبة بالحاسوب أي الكومبيوتر خفت المتاعب علينا من حيث التصويب والتشذيب.

وفي اليوم المصادف 15 نيسان أقيم له القداس الرباني عن روحه الطاهرة في كنيسة مار جورجيوس في هالوندا، ومن ثم مواراته الثرى في مقبرة ليلا دالين في إحدى ضواحي ستوكهولم بالقرب من مثوى شريكة حياته المرحومة صبيحة داود المتوفاة عام 2004. وبعد مراسيم الدفن في الوداع الأخير لجثمانه، إجتمع المشيعون في قاعة أورهي بمنطقة فيتيا لمواساة ابنه الملقب غاندي وبناته زينا وهيلان وميلينا ونينا.
ومن الجدير ذكره بأن السيدة الوقورة سلوى التي أولته الرعاية الدائمة في دار المسنين تفضلت بقلب حزين وبعبارات مؤثرة متحدثة عن خصاله الحميدة وبأنه في الأشهر الأخيرة قضى وقتاً طويلاً في الكتابة، مدوناً ما لا يحصى من الأوراق في ملف خاص. وبعدها بأيام قبل رحيله الأبدي كان قد قرر أن يمزق كل ما إحتواه الملف دون أن يشير للدوافع التي حذت به لإتلاف ما دونه.
 المرحوم هو شقيق شقيق المرحوم باول نيسان من مؤسسي جمعية آواصر العلاقات العراقية السوفيتية في الستينيات في العراق و الدكتور داود نيسان في شيكاغو وبنيامين.
وفي خاتمة المطاف علينا أن لا نتجاهل ونستغفل هكذا شخصيات من بني شعبنا الذين سعوا في حياتهم من أجل إعلاء شأن لغتهم وآدابها، وعلى وفق خاص من اوحي لهم ما لم يتسنى ذلك لأي من كان، وكفى أن نهديهم وردة واحدة وهم على قيد الحياة بدلاً من باقات الزهور التي ترمى على لحدهم.
رحم الله زميلنا المعطاء، الذي كان من رجال العلم ورجال العلم مهما تقادم العهد وتعاقبت السنون فهم أحياء.
•    يذكر البعض بأنه من مواليد 1923 أو 1924 ولكن الأصح هو 1926 حسب ما ذكره لي من خلال لقاء موثق بالفيديو أثناء مقابلتي له.

74
دور اللغة وأهميتها في حياة الشعوب
(القسم الثاني)
بقلم: ميخائيل ممو

المطالبة بالديمقراطية اللغوية
سبق لنا في القسم الأول وسلطنا الضوء على مفهوم اللغة ومدى فاعلية التعدد اللغوي بثنائي وثلاثي اللغة إلى جانب دورها في التأهيل المعرفي والثقافي.
ومما تجدر الإشارة اليه هنا عن ديمقرطية اللغة بأن تجارب شعوب العالم أثبتت سياسة الصراع اللغوي في الدول الملتزمة في دساتيرها بوحدانية اللغة كلغة رسمية، بحيث أيقظت مشاعر وأحاسيس ومدارك الشعوب للمطالبة بالديمقراطية اللغوية كحق من حقوق الوجود القومي، وأكبر دليل على ذلك تكوين الدول بحكم لغاتها بعد نتائج الحربين العالميتين وخاصة في الدول الأوربية، تخلصاً من هيمنة الدول المُسيطرة على إدارة دفة الأمور لعوامل سياسية توسعية، فتم استقلالها بسلاح القوة اللغوية. والعامل الآخر الأكثر أهمية في المجموعات المنضوية تحت مفهوم التكوين الإثني وذات التجانس البشري المتواجدة في إطار الدول التي تتغافل عن لغاتها رغم ثنائية لغتهم أي اللغة الرسمية ولغة ما يسمى بالأقليات المتمتعة بعاداتها وتقاليدها وتراثها القومي. وبما أن هذه الحالة أدت بالكثير من تلك المجاميع للمطالبة بحقوقها اللغوية فقد انتشرت أوضاع الشغب وراح ضحيتها ما لا يحصى من النفوس البشرية في العديد من الدول ومنها على سبيل المثال التي تم الإعتراف بثلاثين لغة رسمية من مجموع ما يزيد عن المائة لغة في الهند. ولتعدد اللهجات اللغوية في بنغلادش وإعتماد لغة أقلية أثنية احتج وتظاهر الطلاب على ذلك بحيث كان مُؤدى التظاهر مقتل العدد منهم يوم 21 شباط 1952 ليتم فيما بعد تدوينه بتسمية " عيد شهداء اللغة " ومن ثم على أثر ذلك صدر قرار اليونسكو تيمناً بذلك اليوم على جعله " اليوم العالمي للغة الأم ". منذ عام 1999 ليحتفل به في مطلع العام التالي وفي كل عام للحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية لكافة شعوب بلدان العالم. فكان هذا القرار دافعاً محفزاً للعديد من الشعوب على المطالبة بحقوقهم اللغوية والإعتراف بها ومنها على سبيل المثال التي تم الإعتراف بها الأمازيغية المنعوتة بالبربر في المغرب والجزائر، والكردية والتركمانية والآشورية ـ السريانية في العراق، وإقرار جنوب أفريقيا بعدد من اللغات كلغات رسمية إلى جانب الإنكليزية وفي كينيا على غرار ذلك وغيرها من الدول في آسيا وأفريقيا وأوربا أيضاً.

اللغة والإنتماء القومي
القومية مصلح مستحدث للوجود العشائري بتآلفها وتقاربها من البعض لأسباب تفرضها عوامل الإنتماء الإثني إلى جانب المُقوم الجغرافي واللغوي بشكل خاص وعلى وجه التحديد، تم استحداثه على ضوء الأحداث الإجتماعية السياسية في أواخر القرن الثامن عشر كبديل لمفهوم الأمة أو الدولة لمجموعة من منظري هذه الفكرة في العالم العربي والأوربي بدافع رسم وتحديد الحدود الدولية من دولة لأخرى.
 يتبين لنا هنا وبدافع مباشر بأن الوحدة اللغوية هي مبعث التسمية الحديثة لمصطلح القومية، كإنفصال وتحرر بعض الدول العربية من هيمنة السلطة العثمانية وأستقلالها في رسم حدودها الجغرافية، رغم تمسكها بالرابط الديني، وإقدامها على تسمية القومية العربية التي تبنتها بعض الأحزاب السياسية لجمع شمل البلدان العربية ذات اللغة الواحدة، بالرغم من تفاوت قياداتها ونظرة كل قائد وأبناء شعبه من تلك التسمية بفقدان الضمير الجماعي لمفهوم التضامن ووحدة التآلف حسب ما نلمسه اليوم في سياسات تلك البلدان التي تشكل تسمية الوطن العربي. هذا ما حصل أيضاً في الوجود الآشوري المتبعثر ناهيك عن التسميات المستحدثة ـ  في الولاء لظواهر الإنقسامات العشائرية، رغم تواجدها في مناطق جغرافية متقاربة وإقليمية متباعدة، ليتزعم كل قرية أو تجمع عشائري قبلي رئيس متميز يُعرف بتسمية الملّلِك بمعنى الأمير أو القائد وفق التسمية الأكدية، متزعماً للسلطة بحكم توليه الوراثي أو لأسباب أخرى في التحكم بفض النزاعات والخلافات بين أبناء العشيرة الواحدة، أو عشيرته والعشائر الأخرى، إضافة للإستشارات والتوصيات الصادرة عنه لإتباعها إلى جانب مشورة التفويض الإلهي لرؤساء الدين، ويتم تقليد ذلك بالوراثة دينياً وفق التعاليم المستوجبة، ودنيوياً وفق الأحكام الموروثة والمفروضة منذ حقبة تاريخية لعصور خلت، رغم غياب شمس البعض منها بتأثير محفزات الوعي والثقافة والشعور بموازنة ومقارنة منجزات الماضي عن الحاضر وعلى يد المفكرين المصلحين والمجددين أحياناً، وعلى يد الطموحين المُرتئين من الإنقلابيين لتولي زمام الأمور، مثلما هو اليوم في أغلب الدول العربية والعديد من الدول الأوربية أيضاً ذات الحكم الملكي.
من المتعارف عليه في أمثلتنا الشعبية " شبيه الشئ منجذب إليه " أي مماثل له بصفاته وطبائعه وسلوكه، حيث نعمد من ذلك في توضيحنا بأنه من ينطقا ذات اللغة المشابهة أصلاً، عادة ما يكونا أكثر تواصلاً وتجاذباً وتفاهماً في تجسيد أحاسيسهما وأفكارهما وما يدور في خلدهما بدافع المتعة الوجدانية التي يحسان ويشعران بها، مقارنة بالذي لا يتقن ذات اللغة بشكلها الصحيح أو أنه يجهلها. ومتى ما إفتقد الفرد لغته وهو المنتمي لذات الوجود الإثني عادة ما يشعر بالذنب على عدم معرفته وإعترافه بذلك، وفي الكثير من المواقف تراه يتحسس بالتقصير وضعف الولاء لمجموعته، عندئذ يكون منفرداً وبعيداً من واقع مجتمعه مستسلماً للصمت الذي يحز في نفسه.
وفي حالات أخرى ترى التباعد مسوغ بتبريرات مفهوم الإلتزام العقائدي الديني المذهبي أو بفكر مبادئ الإنتماء الحزبي والسياسي. ولكي نكون أكثر وضوحاً نجد أن التعاليم الدينية بالنسبة للمسيحية جعلت الفرقة مباشرة بين أبناء ذات الشعب الذي يتحدث بذات اللغة مثلما حصل قديماً بين من سميوا بالنساطرة واليعاقبة، مولدة أغصان فرعية مذهبية لذات الشجرة الأصيلة. ليلتزم النساطرة باللغة التي نشأوا عليها من حيث الحروف واللغة المعروفة باللهجة الشرقية، والجانب الآخر من اليعاقبة إقدامهم على تغيير شكل ولفظ الحروف مع إعتماد الحركات اليونانية. ناهيك عن نظرة الفلسفة المسيحية للكلدان. ولكي نتوسع أكثر نستشهد بالإنشطار الذي حصل في يوغسلافيا بسبب الإختلاف المذهبي بين من يسمون بالصرب والكروات وتُعد لغتهم لغة واحدة، إلا أن إختلافهما المذهبي فصل بينهما  في المجال اللغوي بإعتماد الكرواتيين الحروف اللاتينية، والصربيين بحروف الكنيسة الأرثوذكسية للإغريق. إذن نستنبط من هذين المثالين رغم تعدد الأمثلة لمجموعات أخرى بأن الفلسفة الدينية اللاهوتية أبعدت المجموعة الواحدة من وحدتها إلى مجموعتين متفاوتتين، وأكثر بُعداً عن الوحدة القومية لتنادي كل مجموعة بفكرها القومي بعلة التمذهب الديني. وهنا أليس من حقنا أن نستأثر بمقولة ماركس حين قال: " الدين افيون الشعوب " رغم تأويل غايته لمنطق الصراع الطبقي بغية تحطيم الإستغلال الرأسمالي لمصلحة المعدمين من المجتمعات الفقيرة. وأكبر مثال عن قبل ذلك، استغلال رجال الدين لصكوك الغفران التي استنكرها وفندها مارتن لوثر وأثبت بتحقيق بطلانها بقوة إيمانه لتؤدي إلى انقسام المانيا وسريان المذهب اللوثري البروتستانتي في الشمال والكاثوليكي في الجنوب وبحكم ترجمته للكتاب المقدس بإسلوب لغوي مبسط. لقد تم كل ذلك من خلال التفاسير اللغوية الصريحة والحكيمة، كون اللغة من أولى مقومات القومية وليس الإيمان الديني أو المذهبي. وإن كان الأمر عكس ذلك لأنضوى أتباع الكنيسة السريانية والمشرقية الآشورية في الهند تحت راية القومية الآشورية وكذلك للدول الإسلامية والبعض منها التي تلتهج وتتلسنن أحياناً بالعربية لإنضوت تحت راية القومية العربية. فالدين هنا ـ شئنا أم أبينا ـ لله والوطن للجميع في المواطنة وأحقية التمتع بالإنتماء القومي على ضوء وحدة التسمية اللغوية التي تجمع أفراد العائلة الواحدة كنموذج مصغر ومتميز لمفهوم القومية، وبالتالي اتساع رقعتها بالعشرات وبالأحرى المئات وزد على ذلك لتشكل مفهوم الإنتماء القومي الموحد تحت تسمية واحدة موحدة من منطلق اللغة المشتركة للتعبير والتفاهم والإنسجام والتقارب الدائم، كونها روح الشعب، والشعب هو مكون القومية، كجذور الشجرة النافعة التي هي روح جذعها وأغصانها وثمارها. مثلما نحن اليوم كآشوريين نعتز ونلتزم بجذور تاريخنا وما ورثناه عنهم من عادات وتقاليد كموروثات شعبية وآداب ولهجات لغوية. وكما قيل: " أن اللغة بمنزلة القلب والروح من الأمة، وعلى دعائمها يجب أن تؤسس لهم دولة موحدة ". أن ما نتمناه من هذه المقولة أن نعي وجودنا، وأن نعي أهمية تراثنا، وأن نعي تأثير لغتنا، وأن نعي معنى تآلفنا، وأن نعي عوامل جمعنا وأن وأن وأن... لا أن نُسقط واحدنا الآخر بالدوافع النفعية، ولا أن نستنكر أحدنا الآخر لأسباب فوضوية، ولا أن نشمر عن سواعدنا لأسباب تدعمها القوى الدخيلة، ولا أن نصم آذاننا عن خبرة وتجارب ومفاهيم مفكرينا وأن لا نهمشهم.. حتماً بين أبناء جلدتنا من الإصلاحيين والمدركين ومن هم بمستوى الذين أضاءوا الشموع أمام درب المفسدين والضالين في تاريخ الشعوب ولكن تم حكمهم وإبعادهم واستهجانهم وإغتيالهم وبالتالي أقتفاء ما خلفوه من أفكار إصلاحية والإيمان بها. إذن دعونا أن لا نكون بمستوى اولئك المفسدين والضالين والغافلين.


76

دور اللغة وأهميتها في حياة الشعوب
(القسم الأول)
بقلم: ميخائيل ممو

تمهيد

من المتعارف عليه بأن اللغة هي مرآة المجتمع، تعكس صيغ الأخذ والعطاء بغية معرفة منطق الإيحاء اللفظي لظاهرة التفاهم. وفي الوقت ذاته هي تلك الأداة التي يتسلح بها الفرد للدفاع عن نفسه وإيصال فكرته بدافع مشجر الإحساس لإدراك الفهم والتفكير بالإقدام على قولبة معاني التعبير بشكل متناسق كضربات أصداء السيوف حين تتمحور الألفاظ بمدلول المعاني المُعتمدة بعامل الإدراك العقلي، وبما يعيه الإنسان من خلال  محفزات الإدراك الحسي بغية الفهم والتفاهم لإستدراج ما ينبغي فعله وإيصاله بالسبل التي يعتمدها كل فرد وبأية لغة كانت.
ما هي اللغة؟
هل هي مفردة لذاتها؟ هل هي كل ما يصدره اللسان؟ هل هي مصدر الحركات الطبيعية من الإشارات؟ هل هي الرموز المتفق عليها في الحديث؟ هل هي آليات التدوين التاريخي؟ هل هي مبعث الوحي الإلهي؟ هل هي تشكيلة الإلهام الوضعي؟ هل هي خاصة بفئة منتقاة متميزة بها؟ وهل هي اللهجات المستنبطة منها اللغات المتعددة؟ وعادة ما تتوالى إستفهامات " الهل " المتكررة، إن جاز لنا التعبير بذلك! ومما لا شك فيه إن كافة التساؤلات المفترضة تقودنا لتفسيرات وتحليلات متنوعة ومتفاوتة محصورة في مضامير مفسريها ومحلليها من الإختصايين اللغوين والباحثين المخضرمين من الأوائل ومن المحدثين حين يتسلح كل واحد بوجهات نظر مستمدة من الفترة الزمنية التي عاشها وتأثر بتجاربها، أو بإعتماد ما نصت عليه الكتب السماوية منذ الخليقة على أنها من الله. ولهذا تفاوتت النظرات وتضاربت الآراء وتعددت النظريات التي ليس بوسعنا أن نتطرق لها لسعتها وتواجدها فيما لا يحصى من المصادر بلغات مختلفة.
ما يهمنا هنا هو أن نجمع ما أجمع وإتفق عليه اللغويون على تعريف اللغة بشكل متقارب وموحد رغم إختلاف التعابير والتركيب اللغوي التي جسدت معنى اللغة بأساليب مختلفة، حيث إتضح بأن أقربها انحصر في التعاريف التالية:
1.   " إن اللغة نظام عرفي لرموز صوتية يستغلها الناس في الإتصال بعضهم ببعض".
2.   " إن اللغة هي كل وسيلة لتبادل المشاعر والأفكار كالإشارات الأصوات والألفاظ.. متفق عليها لإداء المشاعر والأفكار".
3.   " اللغة ظاهرة نفسية مكتسبة تمليها نوازع الحاجة للتعبير والتفاهم".
وهناك العديد من التعابير التي تختلف في  صياغاتها التي تهدف لذات المعنى بشكل خاص لا نستبعده مما أوردناه أعلاه.
كما ويتبين لنا من خلال التعاريف الآنفة الذكرعدة مضامين متقاربة  الوشائج  ( الإتصال، تبادل ، تمليها ) ، ( نظام ، المشاعر ، ظاهرة ) وكذلك ( رموز صوتية ، الأصوات والألفاظ ، التعبير) وغيرها.

دور تعدد اللغات

ومن المتعارف عليه أيضاً بأن اللغة وسيلة للإرسال من قبل المُرسل ليتلقاها المُستَلِم أو المُتلقي بالصدى المقصود في حال الكلام الطبيعي المُكتَسَب. فإن كان المتلقي ثنائي أو ثلاثي اللغة فعليه أن يفقه اللغة التي يُخاطب بها. وعلى أقل ما يمكنه أن يدرك الفحوى، لكون حالة تعدد اللغات من الحوافز على استدراك المضمون. وفي حال التحجج بعدم المعرفة على مضمون المُرسل ـ لفظاً وتدويناً ـ فمعنى ذلك فقدان الوعي والإستيعاب اللغوي للغة الأم، وفق مفهوم النظريات التربوية والنفسية الحديثة التي يؤكدها رجال التربية المتبحرين في هذا المجال من الذين يشيرون بأن من يتقن ويفهم لغته، يتسنى له استيعاب لغة اخرى بكل سهولة. ولهذا أقدمت الحكومة السويدية على إقرار تعليم اللغة الأم منذ المراحل الأولى للطفل أي من مرحلة رياض الأطفال بمصاف اللغة الرسمية المتداولة ولحد المرحلة الثانوية مع توفير كافة مواد ومستلزمات التعليم في المدرسة الرسمية. هذا ما استنتجناه أيضاً من خلال تجاربنا ومراحل تعليمنا لأبناء جلدتنا بتفوق من لهم معرفة شبه كافية بلغتهم الأم مقارنة بمن يجهلها قراءة وكتابة وتكلماً بالشكل الطبيعي.

دور اللغة في المعرفة
وبما أن النطق اللغوي ينشأ مع نشأة الفرد، وبمراحل تطور وظائف الأعضاء الخاصة بالنطق، عادة ما تتولد لديه ثروة من المفردات التي تسعفه على الكلام ليكون منحصراً تعبيره اللغوي اللهجوي الدارج وفق نهج البيئة العائلية أو البيتية التي يعيش فيها إلى الوقت الزمني من العمر الذي يؤهله لخوض تجارب التعلم اللغوي الصحيح. عندئذ يكون قد استدرج معرفته بصيغ الكلام المبرمج على ضوء التعبير الفصيح والنطق الصحيح المبني على أصول القواعد اللغوية من حيث النحو والصرف للشكل النمطي المُنظم الخاص بتصريف الإفعال والأسماء بصيغها المختلفة والمتعددة، والإقدام تدريجياً على تشذيب منطق الكلام من التعابير العامية السائدة والدارجة المنشأ والمفردات الغريبة الدخيلة التي يقتفيها من محيط المجتمع المتداخل وهي غريبة وبعيدة عن أصوات الكلام لشعب ومجموعة ما، متخذة مجراها في الأسلوب التعبيري كتابة في حال افتقاد المرادف لها باللغة الأم الأصلية وبشكل خاص حين يكون المحيط العائلي والمجتمعي من ذوي ثنائي أو ثلاثي اللغة من ناحية الأب والأم والمجتمع من منطلق الوحدات الصوتية الأساسية لكل لغة محكية. ومن تلك الإشكالات تواجد عدة شعوب قريبة من بعضها في المنطقة التي يتعايشون فيها، وكذلك دور السيطرة الإستعمارية بفرض نفوذها مثلما هو الحال مثلاً في مواطني أبناء المجتمع الجزائري المتوارثة لديهم العديد من المفردات الفرنسية بسبب الإستعمار الفرنسي، وكذلك في الهند من خلال الإستعمار البريطاني الذي بث روح اللغة الإنجليزية في نفوس شعوبها المتعددة اللغات بدوافع المصالح السياسية وإضعاف اللغات القومية التي استيقظ الناطقون بها لإثبات وجودها بعد تقلص واستبعاد الهيمنة البريطانية وبالتالي لتخوض تجربة الصراع في سيطرة لغة مجموعة ما كلغة رسمية على لغات ولهجات مجموعات أخرى والولايات أو المناطق الجغرافية التي لا تتعامل باللغة المفروضة عليهم والإستعاضة بالإنجليزية بغية اتساع رقعة التعليم اللغوي والمعرفي بها. ومن جراء ذلك أدت تلك السياسة إلى إحتجاجات وصراعات ذهب ضحيتها المئات إن تكن الآلاف من القتلى والجرحى ومن تم اعتقالهم وزجهم في السجون بعد إختفاء وزوال نفوذ اللغة الإنجليزية بشكل تدريجي.

اللغة والثقافة
إن كانت الثقافة ظاهرة خلقية وتوعوية تنجم بين بني البشر، فاللغة هي مصدرها ونبع وجودها، تخلقها مبادئ التدوين والمشافهة التي عمادها وسائل الإعلام وما يبرزه الفكر التنويري من نتاجات. لهذا نجد بأن أي علم من العلوم لا يخلو من سمة الثقافة. وبما أن كافة العلوم مصدر تواجدها من خلال اللغة، يتحتم على الفرد أن يستوعب التعبير اللغوي الخاص بكل علم من العلوم لإثراء المعرفة. من هذا الإعتبار ينجلي الأمر بأن من يتسلح بالتعدد اللغوي كثنائي اللغة مثلاً وفق ما أشرنا إليه سابقاً، عادة ما يكون ثنائي الثقافة حين يستمد معرفته من تلك اللغات التي يتقنها ويتأثر بها ليعمد على تطبيق مضامينها في حديثه وسلوكه وعمله وحتى في أحاسيس إنفعلاته عن مصدر وعيه وإدراكه بدلالة ظاهرة الحركات التعبيرية واللفظية محتمة أياها المعايشة في مجتمعين متفاوتين في العادات والتقاليد، كمن يعيش ويواصل تعليمه العلمي التخصصي في بلد أجنبي تتفاوت فيه ما ورثه عن ما هو في مجتمع وطنه الأم. كما وأن مفهوم التثقيف الذاتي كما يبدو لا ينحصر ويتحدد فقط على ما هو متعارف عليه والمألوف من مقولة " اكتساب شئ من كل شئ " في حين المعرفة التخصصية بعلم من العلوم الصناعية مثلاً أو العلوم الإنسانية بما فيها من الحقول الأدبية أو السياسية تبدو أهميتها أعلى وأرقى من المقولة المألوفة، لكون العلوم الأدبية والتقنية تثريها مقدرة وكفاءة اللغة التي تساعد على استدراك النهضة الفكرية في كافة جوانبها. عندئذ يتم وصف المتحدث ونعته بأنه متثقف بثقافة فرنسية أو سويدية أو ثقافة البلد الذي تخصص فيه، متسلحاً بالإزدواجية اللغوية والثقافية. وهنا يتضح بأن اللغة هي عماد الثقافة، طالما تشكل ظاهرة اكتساب معرفة جديدة لبناء الشخصية المعطاءة المتسمة بروح التفاؤل في الأخذ والعطاء. 
إلى الملتقى في القسم الثاني من موضوع اللغة والإنتماء القومي والمطالبة بالديمقراطية اللغوية.
mammoo20@hotmail.com

77
مآثر شهر نيسان عبر التاريخ
بقلم: ميخائيل ممو
في كل عام جديد، عادة ما نضيف رقماً جديداً لتاريخ العام المنصرم، وذلك في فجر العام الذي يحل علينا، وعلى مَرّ الأيام تتوالى المناسبات الدينية لإحياء ذكراها متمثلة بمآثر القديسين وغيرها من المناسبات المفروضة وفق التعاليم المسيحية، وكذلك للأديان السماوية الأخرى، وللمناسبات القومية والوطنية التي لا تقل شأناً، ولها مكانتها وطعمها الخاص أيضاً على مدار السنة، والتي منها بوجه متميز في شهر مقدم الربيع شهر نيسان الخالد خلود مناسباته المتعددة، حيث تتحلى فيه الطبيعة بحلّة قشيبة زاهية لتبث الإنشراح والفرح في نفوس من هب ودب على وجه الأرض، وعلى وفقٍ متميز الإنسان ذاته لتمتعه بروح الحياة ومنها أيضاً الماشية والطيور التي تسرح وتمرح في جو من الحرية بصفاء الأجواء وما يتحلى به وجه البسيطة بألوان زاهية ومنها بشارة الإخضرار واليانعة من الثمار.
لكي نؤكد ما ذهبنا اليه يلزمنا القول بأن شهر نيسان له أهميته ومكانته وتأثيره على النفس البشرية بجماله الشبيه بجمال الهة الحب والجمال، كونه يشكل ولادة حياة جديدة على الأرض وبداية إنتشارالخير والسلام والمحبة والجلال بدلالات عديدة حين تجعله العديد من شعوب العالم بأنه شهر العطاء لتحتفل به منذ العصور القديمة متمثلة بالعصر السومري فالآشوري والبابلي، ومن ثم أبناء إسرائيل بإعتباره بداية الخلاص لشعبهم بخروجهم من أرض مصر يوم 15 نيسان والإحتفال به كعيد للفصح كما جاء في التوراة، حيث كان الأول من نيسان يوافق الإعتدال الربيعي لديهم والمتعارف عليه في التقويم الحديث يوم 21 آذار.  وكذلك ما ذهب اليه العراقيون بنعته عيد الربيع، ولدى الصابئة واليزيديين والفرس بإعتباره عيد الخليقة لديهم، إضافة لليوم الأول منه والشهير بيوم الطرافة المعروف بكذبة نيسان لدى أغلب شعوب العالم إقتداءً  بتبني التقويم المعدل الذي سَنّهُ ملك فرنسا شارل التاسع عام ‏ ‏1564. وليس من الغرابة أن تحتوي أيام شهر نيسان الكثير من المناسبات لدى العديد من شعوب العالم رغم اختلاف تقاويم الإحتفالات، كونه أقدم الأعياد منذ سبعة آلاف عام وبتسميات متفاوتة كيوم "زكموك" لدى السومريين و" أكيدو أو أكيتو" الذي يعني " ريش شاتين أو شاتيم " بمعنى رأس السنة لدى الآشوريين، ولدى اليزيديين الذين يسمونه "سر صالي" كأول يوم أربعاء من أول أسبوع في شهر نيسان حيث يكون اليوم المذكور بداية للسنة اليزيدية، والرومان اعتبروه مقدساً بالنسبة الى فينوس آلهة الحب، ويعنى به أيضاً الآلهة التي تتولى فتح أبواب السماء لتشرق أشعة الشمس بعد غيابها في فصل الشتاء أي الإنفتاح، ولتتوالى التسميات كنوروز أي بمعنى اليوم الجديد ويوم الخليقة وغيره من التسميات تيمناً بإنتشار الخصب والخضار. وأن لا تفوتنا الإشارة لرمزية ما تعنيه ملحمة كلكامش فيما تخص تموز وعشتار وأهميتها بشهر الخصب والزهو والعطاء بعودة تموز اله الخصب إلى الحياة كعودة المسيح بعد صلبه.
كما وأشارت المصادر التاريخية بأن معناه لدى السومريين شهر العبادة او المزار المقدس بتقديس الهيكل،  وفي العصر البابلي بمعنى البداية والشروع أي بدء السنة الدينية المقدسة وقيل أيضاً عن ذكر اسم نيسان في النقوش التدمرية. وإلى جانب ذلك تبين لنا من بعض مطالعاتنا بأن العرب القدامى، ولا سيما أهل البادية، كان رعاة البدو يحتفلون بشهر نيسان من أجل ماشيتهم، ولا زال هذا التقليد سائداً في بعض المناطق التي يعتاشون على الماشية وعطاء الربيع. وليس بالغريب أن يوصي النبي لعلي بمقولة " أن تأخذ من ماء المطر بنيسان " للشفاء، ربما احتفاء بمقدم شهر الربيع الثاني أي الربيع الآخر الذي هو شهر نيسان في التقويم الهجري. وهناك أيضاً العديد من التفاسير لدى شعوب الشرق الآوسط من الأكراد والأتراك والتركستان واذربيجان وغيرهم.
وهنا لا تفوتني الإشارة لمناسية عيد الفصح عن مجموعة من النصب التذكارية في مدينة بعلبك الآثرية التي وجدتُ فيها في إحدى زيارتي شكل البيضة منحوتة في أغلب الأعمدة للدلالة على رمز ميلاد الحياة وديمومتها والتي يعتز بها المسيحيون بشكل عام لحد يومنا هذا في عيد الفصح بتلوينها بألوان زاهية كرمز للربيع الزاهي بمباشرة أبناء العائلة الواحدة في صبيحة يوم العيد وفيما بعد على المقارعة بمسكها بين راحة أصابع اليد بإظهار طرفها المحدد ليقرع عليها المتسابق ببيضته من الطرف المحدد أيضا ومن ثم تكرار ذلك من طرفها الثاني، ومن يكسر الطرفين يحصل عليها وتكون حصته، ولا تقتصر هذه العادة المتوارثة على العائلة فقط، وإنما للغرباء والأصدقاء أيضاً لتتطور بإسلوب آخر هو وضع بيضة واحدة أو عدة بيوض في مكان ما من قبل طرفين متنازعين، ومتى ما جلست ذبابة ما على إحداها يخسرها الطرف المَعني بها، ربما يُعنى بذلك على توفيق حظ الفائز لتلك المناسبة القدسية، وقد تكون تلك اللعبة من باب الطرافة.
ولكي نعزز أهمية هذا الشهر الذي تتوالى فيه المناسبات، يحدونا التساؤل، هل هي المصادفات أم الحقائق التي أملتها الطبيعة. حتماً سيكون الجواب في الحالتين. إذن دعونا نسرد بعض الأمور والوقائع التي أملت على الذين يحتفون بقدسيته وفق ما يلي:
1.   لدى الآشوريين: لا أخوض في ذلك لكثرة ما كُتب وكتبتُ عن ذلك، مكتفياً بكلمة دولة العراق أمام مجلس الأمن/ نيويورك 21 آذار 2013 التي جاء فيها ما يلي:
(عيد أكيتو (رأس السنة الآشورية) يمثل بداية للخير وقدوم فصل الربيع ويعتمد على أسطورة قديمة مفادها نزول الآلهة عشتار الى العالم السفلي لإنقاذ الإله تموز ونجحت بذلك ليعم الخير وينشر الربيع أزهاره على الربوع ويسمى بالآشورية (خا بنيسان) أي الأول من نيسان ويحتفل به الآشوريون قاطبة في العراق ودول المهجر كما كان يفعل العراقيون القدماء. (يعنى بذلك أبناء الإمبراطورية الآشورية).
2.   بعد سقوط الإمبراطورية بخيانة البابليين وتألفهم مع الميدييين (الفرس) لإسقاطها، كان الأشوريون من الأوائل الذين آمنوا بالمسيح، بغية تكوين امبراطورية دينية، فبقوا على عهدهم محتفظون بعاداتهم وتقاليدهم بإحياء رأس السنة الآشورية ولحد يومنا في الوطن الأم وبلدان المهجر.
3.   تشبيه ذلك بيوم قيامة المسيح من عيد الفصح بإنتصاره على الموت، وإنتصار الخير على الشر ليكون يوم المحبة والإيمان.
4.   شبّه المسيحيون الأولون كنيسة المشرق بأزهار وورود شهر نيسان بالألوان الزاهية التي ينشرها الربيع في ذلك الشهر.
5.   تنوع التذكارات ومناسبات الأعياد التي يُحتفل بها إحياءً لذكرى العديد من القديسين في ذلك الشهر من أمثال الربان هرمز في ألقوش ومار عوديشو ومار أدي وغيرهم.
6.   العديد من العادات والتقاليد المألوفة اليوم في الكنائس ذات الصلة المباشرة بتلك التي كانت في مهرجان أكيتو، ومنها على سبيل المثال: التبخير في الكنيسة، ملابس الكهنة والشمامسة، الطهارة والقراءات، الذبائح والقرابين وغيرها الشبيهة بالأيام الإثنتي عشر لإحتفالات اكيتو.
7.   لدى العبرانيين اليهود أو بني إسرائيل: أول وأعز يوم قدسي لديهم يوم خلاصهم من عبودية مصر، وفق ما جاء في سفر التثية (16: 1ـ 4 ) " احتفلوا دائما بفصح الرب إلهكم في شهرالربيع نيسان (الشهر اليهودي القمري) ففي هذا الشهر أخرجكم الرب إلهكم من مصر ليلا، واذبحوا للرب إلهكم غنما أو بقرا في الموضع الذي يختاره الرب ليحل اسمه فيه ".
8.   جاء في سفر الخروج خروج (34 17 18) عن شهر نيسان الذي يُعنى به  (شهر أبيب) تيمناً به لتسمية " تل أبيب" قول الرب لموسى وهو في أرض مصر: «هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور، هو لكم أول شهور السنة» (خروج 12: 1). وإنه لمن المثير للانتباه أن يكون معنى هذه الكلمة ”شهر أبيب“ حرفياً: " شهر البراعم الخضراء "، وقد سُمِّي هكذا لأنه يقع في فصل الربيع، ويُقابل شهرَي مارس وأبريل أي نيسان. وقد صار هو رأس السنة العبرية الدينية، ودُعِيَ فيما بعد باسم شهر ”نيسان“، وحالياً هو الشهر السابع للسنة العبرية المدنية.
9.   لدى الصابئة: ومن الشعوب القديمة إخوتنا الصابئة المندائيين بتقديسهم لشهر نيسان، نستشهد هنا بيوم البنجة الذي معناه التكفير عن الخطايا بعماد الجماعة، حيث يتم في كل سنة من اليوم الخامس والسادس من شهر نيسان الإرتماس في الماء الجاري على النهر بثلاث دفعات قبل تناول الطعام، وفي سائر المواسم لا يجوز إلا نهاراً وفي أيام الآحاد فقط. 

10.   قد تكون من باب المصادفة لأحداث معينة على إقرار أيام متفاوتة من شهر نيسان لإحياء ذكراها ومنها: اليوم العالمي للتوعية يوم 4 نيسان، ويوم الصحة العالمي في 7 نيسان، واليوم الدولي للرحلة البشرية إلى الفضاء في 12 نيسان، واليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف يوم 23 نيسان، واليوم العالمي للملكية الفكرية في 26 نيسان، ويوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية في 29 نيسان وغيرها، يوم التراث العالمي في 18 نيسان، يوم الرقص العالمي 29 نيسان، ويوم عيد الشجرة في اليوم العاشر من نيسان... حيث يتبين لنا بأن كافة هذه الأيام تتوسم بالعالمية ليعم جدواها على العالم أجمع دون أية مفارقة أو تمييز، إقتداءً بهيبة نيسان الخالد بزهوه ورونقه، مستبعدين الأحداث التي لا يتناسب ذكرها ونحن بصدد أفراح هذا الشهر ومنها يوم التطهير العرقي للأرمن والآشوريين واليونان المعروف بالمذابح من قبل الأتراك العثمانيين.
ولا يفوتنا هنا من الإشارة على إقدام مجموعة من العراقيين الواعين المدركين والمخلصين للتغني بإرث ما بين النهرين، وذلك من خلال مناداتهم ومناشدتهم السلطات الحكومية بجعل يوم الأول من نيسان يوم الثقافة العراقية لإحياء ذكرى هذا اليوم تزامناً مع يوم أكيتو رأس السنة الآشورية البابلية. وهذه دلالة على أن أبناء العراق الأصلاء لا زالوا يمجدون هذا اليوم التاريخي الشهير.
11.    ومن الجدير ذكره بأن يحتفظ كل شعب بيوم لغته في إحتفال خاص إلى جانب اليوم المحدد والمتعارف عليه باليوم العالمي لكل اللغات، لا أن يجعله اليوم المخصص بلغته، لكون الكثير لا يدركوا ذلك، وخاصة من أبناء شعبنا المتعدد التسميات والمكونات الحزبية أيضاً، ولدينا دلائل على ذلك لا حاجة لذكرها.
12.    وقبل أن نختتم حديثنا عن هذا الشهر الخالد، لا بد لنا أن نشير بأن العديد من دول العالم رسمت لها اليوم الذي تحتفل بلغتها الأصلية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر يوم اللغة الصينية بتاريخ 20 نيسان تخليداً لذكرى مؤسس الأبجدية الصينية، ويوم اللغة الإنكليزية بتاريخ 23 نيسان تخليداً للذكرى السنوية لوفاة الكاتب المسرحي والروائي الشهير وليام شكسبير، إضافة لأيام أخرى ولأكثر لغات العالم. إن تلك الأيام المحدد تاريخها يتم الإحتفال بها وفق التاريخ المقرر لها، وما تم إقراره من قبل مؤسسة اليونسكو يوم 21 شباط هو يوم كافة لغات العالم لتحتفل به سوية  كافة شعوب العالم في ذات اليوم، تقديراً وتشجيعاً لها دون مفاضلة لغة على أخرى.  رغم احتفاظ كل شعب ناطق بلغته الإحتفاء باليوم المحدد للغته. 
13.   وبما أن الآشوريين كانوا من الآوائل الذين إعتمدوا الخط المسماري في كتابتهم وتطوير ذلك إلى العهد الأوكاريتي في اللاذقية بإعتماد ما يقارب 32 رمزاً أو حرفاً، فكان الأجدر بأبناء ذلك الشعب من خلال مكونات تسمياته الدينية وتنظيماته الحزبية ومنتدياته الثقافية والأدبية أن يتحسس لذلك، ولكن لربما الأحداث المأساوية التي مرّ بها دعته أن يتغافل ويتناسى ما ذهبت اليه العديد من شعوب ودول العالم. إلا أنه بعد أن انتشر الوعي وتأسست المدارس في شمال العراق ودول المهجر استيقظ المجلس القومي الآشوري في شيكاغو بولاية الينوي الأمريكية على إقرار يوم اللغة الآشورية يوم 21 نيسان من كل عام، وذلك قبل ثلاث سنوات بإعتماد التسمية تقييماً لإصدار 21 مجلداً الذي أصدرته جامعة شيكاغو لعمل دام أكثر من تسعين عاماً بمساهمة 85 باحثاً لغوياً تم تكريم المتأخرين منهم في الذكرى الثانية ليوم اللغة الآشورية لعام 2015 في احتفال خاص لمساهماتهم القيمة. ويسعنا هنا أن نكبر جهود أبناء شعبنا من المعلمين والمسؤولين في جمعياتنا الثقافية والأدبية والإجتماعية بإقدامهم على إلتزام إحياء هذه المناسبة باليوم المخصص وعلى نحوٍ خاص في أمريكا والسويد وروسيا وأرمينيا وجورجيا وليتم ادراجه في التقويم السنوي، آملين من باقي الدول التي تتواجد فيه من أبناء شعبنا أن تنحى ذات المنحى ومنها بلاد النهرين واستراليا المتواجدة فيها مدارس اشورية وأينما تواجد أبناء شعبنا الآشوري الذين يعتزون ويتفاخرون بلغتهم الأصيلة.
ومما يؤسف له أن لا تستدرك بعض التنظيمات الحزبية والمكونات الدينية المهتمة بالتعليم والتدريس اللغوي  لهذه المناسبة المختلفة عن يوم اللغة العالمي المصادف 21 شباط بأنه وإعتباره يوم اللغة الآشورية لتنعته بذات اليوم دون وعيها ومعرفتها بشموله لكافة لغات العالم، وليس بلغة محددة. كما ونأمل من كافة مسؤولي التسميات القومية المستحدثة أن يعتمدوا ذات اليوم رغم نعتهم له بما يحلو لهم شريطة أن يكون بذات اليوم المقرر، بغية أن يكون سبيل التوحيد لأيام المستقبل من منطلق اللغة المُوحدة التي تخلق شعباً موحداً، كون اللغة هي العنصر الإساسي لمقومات القومية. هذا ما استطعناه أن نكبر فيه شهر نيسان المجيد، وفي الوقت ذاته نأمل من قرائنا الكرام أن يزيدونا علماً بما لديهم من مناسبات أخرى لم تحضرنا وتخص شهر نيسان. ونحن نورد موضوعنا بالعجالى المختصرة، حيث سنكون من الشاكرين لهم.


79
مسؤوليتنا ليست لعبة بيد الضالين
بقلم: ميخائيل ممو
حين تغيب هيمنة المبادرة الجماعية لمشروع ما من أجل النهوض بمتطلبات الشعب المنتمي والمنضوي تحت راية التسمية القومية ، والتي عادة ما تتحمل مسؤولية تلك المبادرات التنظيمات السياسية المتمثلة بالأحزاب، ليس معنى ذلك التغاضي والتغافل عن همة المبادرات الفردية النابعة من الذين يتصفوا بحيادية وإستقلالية الرأي، وإستهجان فكرة المبادرة كونها لا تحتمي بإلتزامات مبادئ السلطة الحزبية أو القنوات السلطوية، أو ان أصحاب تلك المبادرات محتم عليهم أن تمر مبادراتهم من خلال نظرة مجهر سلطة الأحزاب لدعمها ، وعلى الأغلب تفنيدها وبالتالي تحويرها على نحوٍ من الماركة المسجلة بغية التباهي بأسبقية العمل التنفيذي ، بالرغم من أهميتها المعنوية المباشرة المستمدة من الفكر الحر للفرد المُبادِر الذي يعمد تفعيلها وتنفيذها دون أي شرط أو ارتباط مقصود، بغية تعميم جدواها للنفع العام وإصلاح ما ينبغي إصلاحه أو تقويمه لإثبات الوجود الوطني الشامل أو مستلزمات الوجود القومي .
إن ما حدا بي لتدوين هذه التوطئة المقتضبة هو نظرة السلطات الحكومية على تفنيد العديد من مقترحات ومبادرات إصلاحات أفراد المكونات ذات  المذهب والإتجاه الحيادي أو المتمتعة بالإستقلال التام، بغية الإرتقاء بالواقع المألوف من نظرة الموازنة بمقارنة ما هو على الأرض، وما هو في ملفات أرشفة التعاليم التنظيمية المغبرة والمُلكئة لجمالية الرفوف المكتبية، وتلك مواد كراريس الدساتير المخفية في حقائب المُنَظر أو المسؤول المباشر . وكذلك هو الحال بالنسبة للأحزاب إن كان الرأي صادراً من رؤية النسيج الإجتماعي، وممن لم يلتزم رسمياً بالتنظيم المعروف ، ليتلق الرفض والمعارضة ، كونه لم ينبع من معين الفكر الحزبي ورؤيته الستراتيجية. هذا ما ألفناه ونألفه يومياً بين أروقة عمليات تنظيمات فئات الكتل السياسية والمكونات الحزبية في عراق اليوم، سواء بين الأحزاب السلطوية الكبيرة المشاركة على إدارة دفة الحكم في العراق أو بين أحزاب القوميات الأخرى كالقومية الآشورية مثلاً والمنضوية تحت أجنحة أطراف متعددة، كالطرف الفلاني لأسباب انتخابية بعلة محدودية عضوية الإنتماء ، أو لحساب طرف آخر لأسباب مصلحية، أو لخوف من الطرف الغالب، أو بدافع التواجد المناطقي وحوافز أخرى مغمورة في العقل الباطن، بدلاً من هاجس الشعور بمفردتي الوحدة والتوحيد لتصيبان المفردة الأم " الإتحاد "، بمواقف مشتركة وموحدة ووطنية من خلال ما يقره الدستور إن كان صريحاً وواضحاً في مواده،  وذلك من أجل تشكيل قوة تضامنية واحدة بأرضية صلدة ورصينة لها أهميتها في إثبات الوجود، وعلى نحوٍ خاص في حال التحالف لأرجحية كفة الميزان على الوجه الأفضل في كافة المجالات التي تفرضها إشكالات التفضيل لشعب ما، وبشكل خاص ومتميز في المجال السياسي لتطبيق ما هو في الصالح العام والخاص. أما الإنجراف في تيارات الإستهواء دون الدليل اليقيني بتأثيرات إطماعية بغية الإستحواذ وفرض الرؤية الإنفرادية فهذه مسألة تردي الفرد المراقب في شكوك عديدة ليعيش في دوامة أربع حالات متفاوتة، الأولى بإيجابية الدعم، والثانية بسلبية النفي،  والثالثة بموقف الشك والحيرة والرابعة التنحي الى قاعدة التطرف.
هذا ما يثبته واقع اليوم بشكل أوسع من خلال توجهات الدول الكبرى وإقدامها على ترضية أطراف مستضعفة بغية إنجرافها في تيار ألاعيبها الضمنية مقابل ما تمنحه لها من وعود لردع قوة ومكانة دولة ما، لها مركزيتها وكيانها كدولة مستقلة ذات سيادة أو جهة معينة، وذلك بكسب عواطف من لا يشعروا بإنتمائهم الشرعي المباشر لقوانين ذات الوطن رغم استيطانهم على أرضه، بفارق الإنتماء القومي والمذهبي واللغوي لا بدافع صراحة الوطنية المشتركة، ومن ثم انعكاس اللعبة بفرض المناداة بحقوق الإستقلال التام إن لم يتم تلبية المطالب التي تفوق حقوق المواطنين الأصلاء، وليس الدخلاء أيضاً من الذين تكاثر عددهم واستحوذوا على أراض بحجج واهية وغير شرعية لا يقرها القانون الدولي، وذلك بدافع استغلال الأوضاع السلبية التي فرضتها ظروف البلد السياسية بمؤثرات دوافع الأزمات الإقتصادية والأمنية والإجتماعية وفقدان الثقة لتشتت الكتل البرلمانية وضعفها أو عجزها في خلق قيادة مشتركة تخدم الشعب والمصالح الحزبية والعلاقات الدولية بالتبادل الإقتصادي والتجاري والدبلوماسي والتحالف برضا الأطراف المقصودة وفق معاهدات واتفاقات خاصة. لا لتكون بالتالي طُعماً ولقمة سائغة بيد من يدرك لعبة الإستغلال من خلال المصطلح السياسي المتعارف عليه بـ " فرّق تسد "، حسب ما يبدو للعيان بالمعايشات اليومية في عراق وسوريا اليوم من الجانب الأمريكي والروسي والتركي والسعودي ودول الخليج. وهنا لا نستثني وضع التحالفات الإنتهازية التي تفرضها بعض التكتلات على إستمالة من لها ايديولجيات متعددة من أبناء شعوب المنطقة متمثلة بالقوميات الإثنية ومنها القومية الآشورية التي لها جذورها التاريحية الأصيلة في أعمق أعماق الأرض الرافدينية النهرينية ليتم استغفالها واستصغارها رغم أصالتها في إمتلاك التربة بتغيير مفهوم وفحوى التسمية التي تم انتحال الأسم الحالي للعراق من اوروك العريقة في القِدَم أو ميزوباتاميا أي بلاد ما بين النهرين، حيث لا زال لحد أيامنا الحالية يتغنى الآشوريون بالتسمية الأخيرة في محافلهم وأغانيهم أو أناشيدهم أينما تواجدوا إلى جانب تمجيد المستشرقين والباحثين اللغويين لذلك.
ولكي نربط هذا الوجود القومي الآشوري المتبع بالنهج السياسي العروبي القومي والصراع الديني المذهبي والقومي الإسلامي لبعض الفئات لا يمكننا مقارنته بالظروف القاسية والمؤلمة الكارثية التي حلت بالتكوين الإثني لشعب الإمبراطورية الآشورية ودويلاته العشر بعد السقوط ق. م. ولحد إيمانه بالمسيحية ليلق فيما بعد أبشع أنواع العذاب والقتل والتشريد مروراً بعهود المذابح التيمورلنكية ـ الجينكزخانية التترية والحقبة العربية الإسلامية والعثمانية والزمرة الداعشية وما لف لفهم في عراق اليوم، ومقارنة ذلك أيضاً بالصراع المذهبي الطائفي بين الشيعة والسنة، إن كانوا عرباً أو أكراداً وفئات أخرى. ورغم كل ما حدث وحصل على مر العهود بقي الآشوريون يكنون الإحترام والتقدير والتبجيل لكلا الطرفين في كافة مناطق تواجد المذهبين من الموصل الحدباء أم الربيعين والمناطق الغربية إلى البصرة الفيحاء.
ما الذي جناه الشعب الآشوري ليكون لقمة سائغة لمن هبّ ودبّ؟! هل هي مسيحيتهم؟ أبدا. هل هي انثروبولوجيتهم؟ طبعاً لا. هل هي عملياتهم الإرهابية؟ لا أبداً. هل هي مشاكساتهم؟ كلا. هل هو تواطئهم؟ مع من؟ هل وهل وهل تتكاثر، ولا هناك أي تساؤل تؤطره أجوبة الصفات السلبية.. إذن أين هو الخلل؟ وأين هي الدوافع لكل التجاوزات لحد يومنا هذا؟! والدلائل تفوق ما أشرنا اليه. وأقرب دليل هو حال اليوم في ديمقراطية العراق المصاب بسرطان التزييف وداء الفساد والترويع بهجرة أبناء الوطن المخضرمين من المسيحيين بكافة تسمياتهم الإثنية من الذين خدموا الوطن بعز وشرف وإخلاص بتسنمهم أهم الوظائف التي ترتقي بالبلد منذ العهد الملكي لتأسيس العراق، وبالتالي لتثمن خدماتهم بما وصفناه من صفات الإيجاب بعكس ما هو عليها،  ليهُجّروا من ديارهم بعمليات التخويف والتهديد كالإختطاف والقتل والذبح ودفع الفدية والإستيلاء على عقاراتهم ومساكنهم بالعنوة وبالتزوير المفبرك ليتطابق فعلها فعل مضمون مقولة الشاعر الذي قال:
فَيَا عَجَباً لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً ... ألـقمُهُ بأطْراَفِ الْـبـَنَانِ
أعـلِّمهُ الـرِّماَيَةَ كُـلَّ يــوَمٍ ... فَلَمَّا اشتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَـظْـمَ الْقـوَافي ... فَـلَمَّا قَال قَافِـيَةً هَـجَاني

mammoo20otmail.com

80
منتدياتنا الأدبية والثقافية والإجتماعية إلى أين؟
بقلم: ميخائيل ممو
حين يستقر بك المقام في محطة ما من بلدان العالم وأنت مزمع على الإستقرار بدافع الهجرة القسرية أو الطوعية، عادة ما تكون في حيرة من أمرك، تجرفك تيارات التخمين لأي منعطف تقتفي بغية الراحة النفسية والحياة الإعتيادية بحلوها ومرها. وبدون شك تحدوك الحيرة بملاقاة من هم على مقربة من أبناء جلدتك أو أن يكونوا من نسل ذات المواطنة الإقليمية التي أنت عليها. فإن كنت آشورياً تعمد لملاقاة من يتصف بصفات اثنيتك، وأحياناً لغة المواطنة الإقليمية الرسمية تكون الدافع لذلك مهما كانت المفارقات الأثنية تحيل التقارب من بعضكما من منطلق مقولة " كل غريب للغريب نسيب " وهذه حقيقة لا تنكر طالما " الحاجة أم الإختراع "، وفي علم كل إنسان واع بأن هكذا مقولات لم تصاغ هباءً ودون جدوى بفعل التجارب التي انبثقت منها وركزت مضامين مفهومها لتطبيقها عملياً.
وبما أن التجمع السكاني الإجتماعي تفرضه العادات والتقاليد الموروثة لمجموعة اثنية من الأفراد، كما تطبع الإنسان في عصوره الأولى، نجد اليوم بأن الطبقة الواعية والمثقفة تَقدم على جمع شمل من تعنيهم تلك الموروثات، سواء كانوا من أتباع قومية معينة أو تنظيمات حزبية أو اعتبارات انتماءات مذهبية من منطلق الإنقسامات الكنسية للمسيحيين، وللمسلمين أيضاً وفق تواجدهم المذهبي من خلال المساجد والجوامع والكنائس والمنتديات. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها بدليل التجمعات التي اعتدنا عليها في بلداننا الأصلية التي تم استنساخها ونقل واقعها ونشرها في بلدان الشتات بحكم التواصل الإجتماعي الذي تفرضه مستلزمات الغربة بشكل آخر ومستحدث لتزيد الطين بلة من حيث الإنقسامات والإضطرابات النفسية التي مبعثها الإلتزامات الخاصة والأزمات العائلية التي تنعكس على مواقف ذريتها بإنسجامها مع الواقع الإغترابي وفق النشأة الإجتماعية والتربوية واللغوية الحديثة التي تحتمها قوانين ودساتير البلد المضياف. لتعيش العائلة الواحدة حالة الإزدواجية المعقدة بعلة الذرية بعيدة عن الأعراف والتقاليد الموروثة لكبار العمر. ناهيك عن الحالات النادرة التي تشذ عن مسببات تلك السلبيات بحكم التعصب والتربية المُحكمة. وهنا لا نستثني أي مجموعة كانت من بلداننا الشرقية إن كانت دينية أو قومية بدليل السلبيات التي تتراءى لنا أمام أبصارنا ومن خلال السجلات الحكومية الموثقة والوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمنشورة التي تشهد وتثبت ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أزمات حالة الطلاق والإفتراق لأسباب واهية، المعاشرة والزواج اللاشرعي من مجتمعات متفاوتة، إنعزالية السكن الإنفرادي وعواقبه، تجاوز حدود الإحترام والإلتزام، المشاحنات التي لا طائل فيها، وغيرها من الأمور التي تشحنها الملابسات الشخصية العدوانية وإختراق الأنظمة المرعية بسلوكيات وتصرفات لا يُسَوّغ فعلها لتوقع وتردي مرتكبيها تحت طائلة القانون والعقاب. لتنتشر تلك الظواهر بتبريرات تفتقر لجوهر الحقيقة، متخذة طابع الإنتشار بالتقليد الأعمى، وتناسي مقولة " يا غريب كن أديب " واستمرار التمادي في الغي والضلال الدائم بإستغلال مفردة "الحرية" المقدسة وليدة ديمقراطية الرأي المؤطرة بمفهوم العدالة والمساواة والأخلاق الإجتماعية مهما بلغت صفاتك الشخصية ومفهومك للحياة، وليأتي على بالك " إذا أنت أكرمت الكريم ملكته " ليكنّ لك أبلغ آيات الإحترام والتقدير بفضل رعايتك له بالحسن والعرفان الجميل.
لذا يستوجب علينا أن لا نستصغر وجود مؤسساتنا التنظيمية من المنتديات الأدبية والجمعيات التثقيفية والنوادي الإجتماعية كونها سفارات وقنصليات نستقي منها ما يُعلي من شأننا، بتجاذبنا أحاديث الملاطفة باللغة الأم واللغات التي تسلحنا بها في بلداننا التي هي الوسيلة المُثلى لإكتساب ما نحن بحاجة إليه. وكذلك من واجبنا دعمها مادياً ومعنوياً لترتقي سلم النجاح وتتكفل بتوفير ما ينبغي إيجاده وتوفيره للجميع دون تمييز أو مفارقة للكبار والصغار من كلا الجنسين من بناة أجيال المستقبل، بحيث أن تقع المسؤولية على كل فرد منتم ٍ بقناعة تامة، لتكون بمثابة المدرسة التي نستقي منها ما يعوزنا على يد من يضحوا بأوقاتهم طواعية بإمكانات وظائفهم وتخصصاتهم ومسؤولياتهم الخدمية المتفاوتة في حقول متعددة، شريطة أن يتم انتخاب " الرجل المناسب في المكان المناسب " لا أن نجعل من المحسوبية والمنسوبية " أي الحسب والنسب سلاح التحدي الفارغ والمصلحة الشخصية لأسباب واهية تفرضها أفكار موروثات التبعية العشائرية والشخصنة المقيتة الممزوجة بالإتهامات الفارغة بإعتماد مقولة " إن لم تكن معي فأنت ضدي " والعزوف عن المضامين الإصلاحية من ذوي المقدرة والكفاءة  والتعنت بالشكليات التي لا تجدي نفعاً كتلك البالونات التي لا يطول عهدها بإستمرارية وجودها على ما هي عليه. والأدهى من كل ذلك المراوغة المقصودة التي تفرزها بعض الأفواه بحجة الممازحة التي تكشف حقيقة المواربة في الكلام الشبيه بسم إبرة النحلة التي تغرزها في الجسم.
إن كانت مفاهيم ما أشرنا إليه تشكل بعض الإيجابيات المُفترضة، فالسلبيات لا تقل شأناً عن ذلك إن لم تكن أكثر منها بما تشهد له حال واقعها المتردي أينما تواجدت وفي أية دولة كانت من خلال رؤيتنا وملاحظاتنا ومحادثاتنا الدائمة لمستوى التقييم، وكأن العدوى انتقلت وأصابت كافة تلك المؤسسات التثقيفية والترفيهية التي شلّت من فاعليتها الموثقة بأجمل العبارات في دساتيرها الرسمية. ومن تلك الأسباب الظاهرة للعيان قلة الأعضاء الحريصين والفاعلين بصدق وإخلاص، إنشطار هيكلية المؤسسة الجامعة وفق التعنصر العشائري والإقليمي، حالها حال الأحزاب السياسية، تمركز مجموعة معينة من منطلق " عمك خالك " دون أية خدمات تحتمها فقرات الدستور، إنحصار النشاط على فئة عمرية محددة بأهوائهم الخاصة، إفتقار فعاليات الأطفال والشباب من حيث الترفيه والتوعية، شحة وقلة الحضور لكافة المحاضرات التثقيفية والتعليمية، عدم الإلتزام بالمواعيد في العديد من المناسبات، عدم إحترام قرارات الهيئة الإدارية بتجاوزها والإستخفاف منها رغم جودتها لمصلحة المؤسسة، عدم الشعور بالمسؤولية المباشرة لمن يتولى مسؤولية واجب محتم ٍ عليه أو عمل ما، غياب الدورات التعليمية اللغوية وغيرها الخاصة بالشبيبة والنسائية أيضاً وإنعدامها على أقل ما يمكن قوله. وعن موضوع الحفلات الراقصة حدّث عنها ولا حرج من حيث التباهي الممغنظ والتبرج الصارخ وجملة الصرفيات للفرد التي تعيل عائلة منكوبة في الوطن وبلدان الإنتظار التي تستحلبهم، وبالتالي ليلقوا حتفهم في بحار سفن ومراكب النجاة غير المؤمنة، إضافة لأمور وأحداث أخرى غيرها.
لذا أود التساؤل هنا وبإستغراب، إن كنا حقاً ننادي بالحقوق القومية التي تتفرع منها مؤسسات ما لا يمكننا حصرها، ونعتبر منتدياتنا الخدمية التي نوهنا عنها بأنها دوائر حكومية شبه رسمية لنا، أليس من المحتم علينا أن نحترمها ونقدسها وندعمها؟! أليس من المفروض أن نقتدي بها كحقل للتجارب. وإن شاءت الظروف وتحققت أهدافنا السامية، ألسنا بحاجة إلى التسلح بقوانين مؤسساتنا المعهودة لتطبيقها بكل سهولة في مشاريعنا المستقبلية؟! حتماً سيكون الجواب بالإيجاب. إذن ليباشر كل واحد بمكانته على نفض الغبار العالق على كتفه ويجعله من الرواسب لتكوين أرضية صلدة لمشاريع أحلام أبنية المستقبل، طالما العالم في ارتفاع وإنخفاض وعلى شفا حفرة من وادي ونار أحداث حرب مستقبلية مروعة.
mammoo20@hotmail.com   

81
بلاغة الأدب
أدب السياسة

بقلم: ميخائيل ممو

حين يطرق سمعنا العديد من المفردات والمصطلحات من الماضي البعيد منذ أيام نشأتنا وترعرعنا، مروراً بأيام مرحلة شبابنا، ونحن نتجاوز العقد الخامس والسادس والسابع من عمرنا، تستهوينا ذكراها ـ سلباً وإيجاباً ـ بمدى وعينا لها في الفترة الشبابية. ومن تلك المفردات المفردة البلاغية " البلاغة " المشتقة من الفعل " بَلـُغَ " كمصدرٍ له، لتعود بنا الذاكرة القهقري أي إلى الماضي البعيد من أيام مقاعد الدراسة للمراحل الدراسية النهائية. وفي ذات الحين لنتذكر تلك الفروع المستقاة منها والمعروفة بعلم البديع والبيان والمعاني مولدة مصطلحات الجناس والطباق والسجع والتورية والتشبيه والإستعارة والإسناد والخيال والعاطفة لتؤطر الفصيح من الكلام المؤثر بألفاظ نطق اللسان في الخطابة والمحادثة، والتدوين المحفوف بإسلوب متناسق جذاب يستلب قلوب القراء، كتلك اللوحة الفنية التي تدع الناظر المُتأمل لدقائق محتوياتها بإمعان تام من خلال شدة تزاحم وتلاحم تزاوج الألوان، وتناسق الرموز التعبيرية المُبتغى منها.
ولكي لا نسترسل فيما ذهب اليه القدامى من أئمة اللغة العربية من أمثال الجرجاني والقزويني والسكاكي وغيرهم، ومن المحدثين في عصر النهضة القومية من أمثال أحمد الزيات وأحمد الهاشمي والدكتور البكري وصلاح الدين موسى وغيرهم ممن عالجوا مفاهيم مصطلح البلاغة إلى جانب الغربيين من أمثال فكتور هيجو والفنسيين ديمارسيه وفونتاني وغيرهم من أدباء الغرب القدامى، وبالتالي من المحدثين الذين اعتمدوا في منهجيتهم العلوم اللسانية كوجه جديد لعلم البلاغة، حالهم حال الشعر التقليدي الكلاسيكي بطغيان الشعر المُستحدث عربياً على يد السياب والبياتي ونازك الملائكة ، ومن الغربيين ت. س. إليوت مُنَظر قصيدة "الأرض الخراب" وإديث سيتويل وكيتس وغيرهم الذين شيدوا ومدوا جسوراً بما لا يحصى من الشعراء المحدثين في العالم العربي والغربي.

إن أغراض الشعر والقصة في المجال الأدبي تنوعت وتفرعت بإستحداثات عديدة، حالها حال المفاهيم والمبادئ بمضامينها السياسية التي استمدت اصولها من اسس تكوين التعابير اللغوية بأساليب تدوينية مستحدثة بأطرٍ متنوعة تفرضها الصياغات الفكرية  وفق أساليب التعارض المبنية على اسس الديالكتيكية  التي فرضتها الظروف الإقتصادية والإجتماعية للنظريات السياسية من جراء انبثاق المدارس الأدبية في المحيط الأدبي والفني وتأثيرها على واقع الأدب السياسي، وعلى وجه الخصوص سياسة الأدب الروسي على يد ليو تولستوي ودوستوفسكي وتشيكوف وغيرهم من المحدثين من الإدباء الروائيين والشعراء الذين لا زلنا نقرأ تراجمهم في أمهات الصحف العربية والمواقع الألكترونية. وبما أن العصر الحالي هو عصر النهضة الفكرية الجديدة والوثبة الحضارية للتجديد الأدبي والفني والعلمي والسياسي  بغية التطوير والأرتقاء لأعلى سلم النجاح في كافة مجالات الحياة، تحدونا المفارقة بمقارنة عصور من سبقونا الذين انحصرت أفكارهم ونداءاتهم وتحدياتهم في محدودية نشرياتهم سراً داخل حدود تواجدهم ومحدودية انتقالها لدول الجوار وغيرها من الدول بشكل غير مباشر. ولكي نكون أكثر وضوحاً بأن سرية النشر والتحريض والتصدي المباشر انتفى مفعولها وغابت عنها جدران التصدي المباشر لقمعها، وليتسنى لكل فرد من حملة الأقلام والأفكار النيرة أن يستل سيفه ويشهره علناً بوجه من شاء حين لا يوائمه وذلك بإنتمائه كمواطن حر وتمتعه بالحرية المطلقة في أجواء ديمقراطية  " جمهورية ولايات المواقع الألكترونية والتواصل الإجتماعي المتحدة " الملتزمة بمنهجية ديمقراطية الرأي وحرية التعبير المباشر. لهذا نجد سياسة آداب مائدة الأكل والشرب والتعامل المباشر وغيرها من الصفات قد طغت عليها آداب سياسة السياسة وسياسة الدين بعكس ما هو مألوف، بدليل ما تقع عليه بصائرنا يومياً وفي كل لحظة من مقالات ومداخلات وتعقيبات لا حصر لها في كافة ممالك القنوات الإعلامية التي تتلاعب بالمفردات السياسية التي منها الأجندة الداخلية والخارجية لكل مملكة مستحوذٍ عليها من مُكَونٍ معين، لا يعير أية أهمية لمنطق ثقافة الإصلاح والتنوير، طالما لم تبدر المناشدة من ذات المكون، بالرغم من جدوى وصلاحية الفكر الإصلاحي والتنويري. وكأنما تلك القنوات تشكل سلطة مستقلة لذاتها من خلال رواد وإنتماءات كوادر تنظيماتها الحزبية مهما كان حجمها،  صغيراً أم كبيراً، لتفعل كل واحدة منها على مضض ٍ ضمني بفرض نزعة التعصب الطائفي والمذهبي والعقائدي المتزمت الذي يُنهك محور الضمير الجماعي لمكونات فسيفساء الشعب المنضوي تحت لواء المواطنة الموحدة وفق متطلبات الحقوق والواجبات المفروضة على كل مواطن، رغم السعي والمناداة ورغم تفاوت الإنتماء الديني، وبالرغم من أن أغلب دساتير البلدان العربية تقر بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام. علماً بأن هناك ممن يدينون بديانات أخرى ولهم ذات صفات المواطنة إلى جانب الإنتماء القومي بدليل تعدد القوميات كما هو عليه في العديد من الدول ومنها سوريا والعراق متمثلة تلك الإنتماءات بالوجود القومي الآشوري والكردي والأرمني والإيزيدي والصابئي. وعلى ضوء هذه الإعتبارات نجد بلاد ما بين النهرين من خلال التشكيلة السلطوية المشتركة أي الشراكة متعارضة في سياستها المؤدية دوماً الى التناحر والمشاكسات المقصودة بإعتماد كل جهة بأفكار مذاهبها الدينية التي منبعها الدين الإسلامي. إذن ما الضير في أن يتم فصل التمذهب الديني المتمثل بالتحزب السياسي لكل مكون إن كان إسلامياً أو مسيحياً أو أي دين آخر، لكون مفهوم القومية بتدرجها الحسابي العددي لكل مجموعة عادة ما تتعارض ومفهوم حكومة السلطة التيوقراطية التي تستمد أفكارها من الإيمان بالحق الإلهي على أساس عنصري، ومنها أيضاً حالة بيع صكوك الغفران من قبل سلطة الكنيسة في أوربا للصفح عن خطايا الفرد، والتي عفا عليها الدهر بعد أن تم رفضها ونبذها على يد طبقة المثقفين وبدعم من المعوزين والفقراء بحيث حادت  أوربا عن ذلك منذ خمسة قرون، وإنعتق الشعب المسيحي من قيود السلطة الكنسية ، والعالم العربي لا زال يصارع نفسه دون أن يتخذ عبرة من أحداث التاريخ المأساوية التي أردته في مهاوي الإنعزال عن بعضه لا يحيد عن البغضاء والإقتتال والتحديات ليكون لعبة يلهو بها المحتلون من الدول الكبرى كالأب الأمريكي والأم الروسية وفراخهما من الدول الأوربية لتتخذ الصين واليابان كقوتين ذات كفاءة عالية دور الحذر منها ومنعزلة نوعاً ما عنها لتختبرا  مدى شرعية الأب والأم.

ولطالما لا زلنا نتراوح في حلبة التحديات والإنقسامات الطائفية والمذهبية والقومية على مستوى بلاد النهرين عراق اليوم، ينبغينا المفهوم المتعارف عليه من منطلق العدالة الإجتماعية والمبادئ الأخلاقية أن نتشبع بها ليمكننا التسلح بإحترام الرأي والأخذ والعطاء لتجاوز أي نوع من الخلافات التي لا تدري نفعاً، إن كنا حقاً نؤمن بالعدل والمساواة اسس الإنسانية لضمان الفرص المتكافئة لأي من كان من المواطنين في البلد الواحد الموحد بإلغاء الفروق التسموية المستحدثة والتعنصر بملذات تبعية التسلسل الوراثي.لهذا يتوجب أن ندرك إن كانت مقومات القومية في الوطن الواحد هي التي تزرع أحقية التكوين القومي والأرض هي أم تلك المقومات حسبما يقال. فما بالك من أرض عراق اليوم؟! أليست هي مهد الحضارة الآشورية؟ إذن أين هي حقوق الآشوريين الذين ما فتأوا إمتداداً لتلك الحضارة العريقة بكافة تسمياتهم المذهبية؟ وإن كانت اللغة هي المقوم الأول للوجود القومي الشرعي، فأين كانت اللغة العربية قبل ذلك؟ وأين كانت اللغة الكردية التي يتمتع أبناؤها اليوم بربع مساحة الأرض الآشورية بدلالة المعالم الآثرية والمواقع الكنسية في شمال وجنوب العراق وتسميات القرى المستعربة والمستكردة وبالأحرى المغتصبة. أما إن تساءل القارئ ما علاقة العنوان بمحتوى المقالة، فليدرك من له سعة الوعي بأن بلاغة الخمسة آلاف من ألواح مكتبة آشور بانيبال هي أساس سياسة اليوم. وإن أول تشريع على وجه الآرض هو أساس النبع الثري لقوانين وتشريعات اليوم. وإن لم تصدق ذلك، فما عليك إلا أن تسعى جاهداً لقراءة كتب التاريخ التي هي أكبر شاهد على ذلك ومقارنتها بقوانين دول العالم التي تتنزه بها ولا تستنكف من الإعتراف بحقيقة وجودها ومما تعتمد عليه.
mammoo20@hotmail.com

83
قراءة في تراجيديا الدكتورة "ميم" وذويها
بقلم: ميخائيل ممو
شاءت الصدف أن اسلط الضوء على ثلاثة روابط توسمت بعنوان " من كان يصدق أن يحدث هذا؟! " لأبدأ بالجزء الأول الذي ظننته من نسج الخيال، كما اعتدنا بقراءة القصص القصيرة والروايات المأساوية التي تستلب القلوب للتعبير عن الواقعية بشكل غير مباشر. وهنا تبين لي بأن عملية السرد تبدو وكأن السارد السيد "بدري نوئيل" أراد أن يستشف فكرة معينة يلهي بها القارئ. حيث لا زلت لهذه اللحظة وأنا أدون ملاحظاتي بأنه كان يعني ذلك، كونه في سرده وعرضه لأحداث القصة اتبع طريقة عرض مقدمات الأفلام التي اعتدنا عليها، والغالبية منكم يتحسس ويدرك تلك المعايشات.
على أية حال، وكما هو مألوف لقراء القصص القصيرة، بأنها لا تتجاوز العديد من الصفحات، والقارئ النهم  عادة إن جرفته وقائعها وأحداثها الغريبة والمأساوية المباغتة يسترسل في التهام كلماتها وجملها وعباراتها. ولكني لم أكن من رواد هذا النوع من القراء، إن لم أحلل كل جملة أو عبارة عن دوافع وأسباب صياغتها بهذا الشكل أو ذاك، سواء من حيث التركيب النحوي أو اسلوب السرد الأدبي أو التحليل المنطقي لعملية التشويق والحبكة الفنية.
رغم ما أشرت اليه، وأنا في قراءتي الأولى انتابتني مشاعر الفزع والتساؤل بإستغراب ملفت للنظر.. قد تكون هذه القصة حقيقة وليست من نسج الخيال. ساردها من أبناء شعبنا، ولم يسعفني بصري أن أقرأ له من قبل.. وهل من المنطق أن ينشر الموقع هكذا قصة سردية مليئة بما لا يتوافي فيها شروط النشر من حيث الصيغة الفنية النحوية والتأثير النفسي بالرغم من سياسة الموضوع  الذي يعبر عن رأي كاتبه، كما هو متعارف عليه. وهنا ساورني الشك بأنها حقاً حادثة واقعية وللموقع رأيه في مبدأ " السبق الصحفي " بعرض الحدث كما هو.
عادة ما يثير القارئ النهم أن يتوصل دوماً ما يتبع تسلسل الأحداث، وهنا تيقنت نوعاً ما بأن واقع الحدث الأول بمحاولة استمالة الضابط المحقق الرائد (طاء) للدكتورة (ميم) ذات الخامسة والعشرين عاماً وفي عمر الزهور بجمالها الجذاب (حسب وصف السارد) بحديثه الملتوي وبلمعان نجومه الراكنة على كتفه كشرف مقدس لوطن العراق. كان قد ظن بمغالطتها على التقرير الذي أعدته لمدير المستشفى عن حادث انفجار راح ضحيته الكسبة من العمال إنه سيفلح في إقناعها لتحقيق ما يصبو اليه من أفكار سيئة بإستمالتها له. وما أن تيقن بأنه لا فرصة لذلك، وبأن شرف مهنة الطب أعلى من ذلك ومن طبيبة مسيحية تؤمن " بقضاء الله وقدره، وتردد دائما ربي اختر لي ما تراه خيرا لي ، واغفر لهما لأنهم لا يعرفون ماذا يعملون.."  فرحل أدراجه. ولا ننسى هنا بأن أمثال هذه المواقف يعيشها العراق يومياً في كل أرجائه، وفي كل زاوية من قراه ونواحيه وعلى وجه خاص ومتميز تلك الدوائر الرسمية بكافة أنواعها بإستغلال ذوي النفوس الضعيفة لحالات العوائل البائسة واليائسة من أوضاعها الإجتماعية والمعيشية والفقر المدقع الذي نال كل بيت عراقي من شماله إلى جنوبه. وأقل ما يمكن اثباته من حيث الملكية الإستحواذ اللاشرعي على دور السكن ابتزازاً بألاعيب المتسلطين على دفة الأمور بحفنة من السحت الحرام وبقسم اليمين القرآني على شرعية الإمتلاك.
ونحن لا زلنا في الجزء الأول من الليلة السوداء المكتنفة بالسحابة الدكناء والغبراء توالت بوادر الجريمة بشكل مباغت وغير متوقع، وكأنها مبيتة من ذلك الرائد المحقق الذي يمثل شرف الحكومة بالزيف والمراوغة والإحتيال لتحقيق مآربه بواسطة من هم تحت سلطته في ذات المنطقة بإستغلال منصبه الوضيفي وهيبة لباسه الرسمي أو بمبلغ مالي زهيد كرشوة للضالين المتهورين..وكما يتمتع بها هو الآخر في الجزء الثاني من الأحداث المأساوية. ربما ذلك، بالرغم من انها الحقيقة المرة التي ابتلى بها المجتمع العراقي بكل أطيافه. ولكن أن تأتي في ذات المساء وفي وقت متقارب مجموعة مؤلفة من ثلاثة شباب متهور في سيارة خاصة أمام دار أمِّ وابنتيها وهنّ يعمدن الدخول لدارهن لينهالوا عليهن بالضرب والسحب والتهديد بقوة السلاح دون سبب، ومحاولة الأم في حماية ابنتيها الدكتورة "ميم" والصغرى "حاء" ذات الخمسة عشر عاماً، لتقع الأم مباشرة مغمية على الأرض من جراء ضربة بإخمص مسدس أحد المعتدين، وسحب الفتاتين بقوة السلاح داخل السيارة والإتجاه لمكان مجهول في ذات المنطقة. كيف يمكننا أن نحلل ذلك. هذه الواقعة الأليمة التي لا شاهد عيان مباشر لها لإقناع السلطات الحكومية التي هي الأخرى غائرة في جرائم النهب والسلب والفساد المحتسب من شاكلة الإرهاب المالي والإداري.
إن الطامة الكبرى من هذه الجريمة النكراء أن يتم اختطاف الأختين في تلك الليلة لمكان مجهول واغتصابهما تحت وطأة التهديد والوعيد بالشر الجازم وتركهما في صبيحة اليوم الثاني في شارع ما على أطراف المدينة دون ستر يستر جسديهما لأسباب مجهولة، ومن ثم ليحضيا بسائق أجرة من ذوي الرحمة والخير ليقلهما في سيارته ويوصلهما لمنزلهما المقفل، دون معرفتهما بما حصل لوالديهما، ومن ثم الإستنجاد ليدخلا مسكن الجيران.
قد يتساءل القارئ، وماذ حصل للأم؟ بقيت مرمية على الأرض.. وماذا عن الأب أو أين كان الأب؟ فهذا موقف آخر.. الأب صرعته مفاجآت الصدف.. على مقربة من المنزل  حصل عطل مفاجئ في إطار سيارة الدكتورة التي كانت تقلهم، وعلى أثر ذلك طلب أن يرتجل أفراد العائلة الى منزلهم كونه على مقربة وفي ذات المنطقة. بقي الأب منهمكاً على إصلاح العطل وتبديله بالإطار الإحتياطي، ومن ثم توجهه إلى مسكنه. بعد وصوله أمام المنزل وإرتجاله وجد زوجته مغمى عليها وملطخة بالدماء، وعدم وجود ابنتيه وغيابهما من المسكن المقفلة بابه، فهاجت به الأفكار الغريبة، وبصراخه المُستغرب استغرب الجيران وهرعوا لمعرفة ماذا حصل، وهو الآخر فقد وعيه وسقط على الأرض. وبمساعدة الجار تم نقل الأم والأب بالإسعاف إلى المشفى.. وبالنتيجة كانت قد لقيت الزوجة حتفها في ذات اللحظة الهجومية، وبقي الزوج يصارع الحياة من شدة الصدمة المُفاجئة، ولتلحق الأختان بهما صبيحة اليوم الثاني في نفس المشفى بغية المعالجة أيضاً وبشكل خاص الأخت الصغرى التي كانت تنزف دماً، وليتفاجأ خطيب الدكتورة "ميم" من هذه المعضلة، حيث يعمل هو الآخر في ذات المشفى، وأقدم على الإتصال بالشرطة لتسجيل دعوة ذد مجهول، ولسوء الحظ كان المُجيب الرائد "طاء" الذي خان ضميره وشرف المهنة واستباح الحرمات بإتهام وتلفيق لا مبرر لهما ضد الدكتورة البريئة النزيهة والطاهرة ليعتبرها السبب فيما حصل هي واختها بتهمة المجني وهي السبب في مقتل والدتها، وعلى أثر ذلك أعلن بإلقاء القبض عليها واقتيادها في سيارة الشرطة كأنها إحدى المجرمات لحين إكمال التحقيق معها ، ورفضه أيضاً حضورها مراسيم دفن والدتها رغم اتخاذ التدابيرالمسبقة لذلك. تصوروا أين وصلت الحالة المزرية والمفاسد التي تحرمها كافة الأديان السماوية وحتى الكفرة أن تصبح عملية حضور توديع ودفن أقرب المقربين للفرد بالرشوة العلنية من خلال من هو تحت امرة المتسلطين كوسيط مباشر الذي هو الآخر له حصته من ذلك. تصور ايها القارئ وأنت تعيش هذه المواقف كيف بمكنك أن تتصرف. الام جثة هامدة في ثلاجة حفظ الموتى، والأب في الانعاش الصحي فاقد الوعي، والأخت الكبرى في التوقيف والأخت الصغرى تعاني آلام الإغتصاب بحاجة الى الدم وتحت المراقبة من الشرطي المُكلف. وبعد وفاة الوالد استدرج الرائد ذات الملابسات ثانية فيما يتعلق بإقامة مراسيم الدفن له دون حضور الأختين ولم يسمح لهما الذهاب الى المقبرة بحجة ان المنطقة غير آمنة.  وبقاء الدكتورة " رهن التوقيف ثلاثة ايام كان الرائد يستدعيها لغرفته ويطلب منها الحديث عن الشباب الذين تناوبوا عليها محاولاً استدراجها ويسمعها كلمات شوق وهيام ويراوغها وخداعها بأن يطلق سراحها لقاء المبيت معه ليلة واحدة إلا انها صدته بكل جرأة ، مما ضربها في غرفته عدة مرات بحجة عدم ادلاء بالمعلومات" .
   
هذا العرض المختصر هو غيض من فيض عن هذه التراجيديا، لكون الأحداث الأخرى فيها من التفاصيل المتشابكة الغريبة والمؤلمة المؤسفة التي لا يستوعبها العقل البشري، بحيث يندى لها الجبين، وتعتصر لها القلوب. لذلك لا يدفعني ضميري ويستحبني إحساسي من الغور فيها لإحتدامها بالمُفاجآت المُحيرة التي لا تُعتقل ولا يستوعبها حتى الخيال، لأدع القارئ قراءة كل ما حدث في الجزء الأول والثاني والثالث من الروابط المنشورة أدناه. كما وإني لا أريد الإطالة بكل ما حدث من أمور تبعث على الإستغراب والتعجب والإشمئزاز القاتل الذي يقزز الأبدان من حماة الشعب والوطن.. من رواد أمناء الشرطة وأتباعهم.. من المفسدين وأنصارهم.. من المخبرين السريين وقادتهم.. ومن بعهدتهم سلطة القرار الإنفرادي.. مِن ومِن ومِن...
ما يحفزني ذكره لمثل هذه الأحداث بأن الحكومة العراقية تحارب الدواعش على الممارسات اللاإنسانية والتجاوزات التي لا فائدة ترجى منها والتي هزت مشاعر العالم في الشرق والغرب، ويتناسى أفراد السلطة الحاكمة بأن ممارسات من وظفتهم وقلدتهم مقاليد الحكم في دوائرهم ومؤسساتهم الرسمية بغية نشر الأمن وحماية المواطنين الأبرياء والمخلصين النجباء للوطن الأم من أرض العراق هم أيضاً على شاكلة أسيادهم. أليسوا هم الفئة المارقة الخائنة بحق الوطن؟! أليسوا هم بأنفسهم الأكثر سوءاً وتخريباً وانتهاكاً من تجاوزات دعاة الدين الجديد؟! إذن " لا تنظر إلى القشة التي في عين غيرك، ولا تبالي بالقشة أو الخشبة التي في عينك " ، فكلاكما سواء من رداءتكم وخستكم تعرفون، ولا أقول واستشهد بمقولة "من ثماركم تعرفون " لكونكم لا تليقون التشبيه بالثمار. وتذكروا بأن من يدين بالباطل يدان بالحق لردع الباطل، و" بما تكيلون يكال لكم " هذه هي سنة الحياة من وحي شرع الله. وحتام يظل جزاء من يخلص للوطن الأم ويخدم أبناء شعبه من المعوزين والمعاقين والجرحى والشهداء وغيرهم تحت قبضة السراق والإرهاب الفكري والنفسي الحاد؟!
وفي خاتمة المطاف أرفع قبعتي للأخوين شوكت توسا وأوراها دنخا سياوش تقديراً وتثميناً لمشاعرهما وأحاسيسهما المرهفة فيما تفضلا به بتحليلهما وعرضهما كتابة لصلب الموضوع الذي ارتأينا التنويه عنه، واشيد بالذكر أيضاً السيد بدري نوئيل الذي تجرأ وأبان تفاصيل الجريمة النكراء من فم المصدر الرئيسي لها. آملين للمنكوبتين د." ميم " والقديسة " حاء " الصبر والسلوان لفقدان أعز ما كان لديهما الأم الحنونة والأب الحريص، وأن لا ينسيا بأنهما سيظلان عبرة لمن اعتبر، وليضاف اسميهما في سجل ضحايا التاريخ الإنساني إلى جانب الآلاف بل الملايين من أبناء شعبنا الذين فُـقِدوا وغُيّبوا وهُجّروا. وأن لا ننسى بأن سنة الحياة هي هكذا حين يشتد لفح أوار وحشية شريعة الغاب وتنتشر الفوضى ويغيب الأمن والأمان. وعلى ما أتصور وأظن حتى شريعة الغاب لم تكن يكتنفها التعامل الذي رويناه.
mammoo20@hotmail.com

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,801880.0.html
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,802235.0.html
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,802783.0.html

84
" من الخابور إلى السويد "
Från Khabour till Sverige

قصة باللغتين الآشورية والسويدية
بغية اثراء المكتبة الآشورية بالحرف الأصيل تواصَلَ الأستاذ ميخائيل ممو مع اثنتين من طلبته في المرحلة الأخيرة من المدرسة الثانوية على أن يكون بحثهما السنوي بكتابة قصة مستنبطة أحداثها من الواقع المأساوي الذي يعيشه اليوم أبناء شعبنا في منطقة الخابور على يد الإرهابيين، وذلك من خلال تجربة أليمة عاشتها فتاة يافعة بفقدان والديها ليضطرها الأمر أن تعيش حالة الصراع النفسي الحاد، وبالتالي بمساعدة أهل الخير أن يمدوا لها يد العون والدعم المادي والمعنوي لتصل السويد وتعيش بأمان.
بعد جهد جهيد تم صياغة القصة باللغة الآشورية الحديثة وترجمتها إلى اللغة السويدية لتصدر بعنوان " من الخابور إلى السويد "، تم طبعها في امريكا بتعضيد من مؤسسة الإتحاد الدراسي لحركة العمال السويدية فرع يونشوبينغ (ABF) الذي يتولى إعداد وتنظيم دورات دراسية في بلديات السويد. يقع الكتاب في حدود 80 صفحة من الحجم المتوسط  بسعر 100 كرونة مع إضافة سعر البريد.
لذا نشيد بقراء اللغة الآشورية / السريانية والسويدية إقتناء نسختكم من خلال الكتابة على العنوان التالي:
ABF
Västra Storgatan 12
553 15 Jönköping
Sweden
أو الإتصال للحجز على رقم  الهاتف أو البريد الألكتروني التاليين:
        + 036 – 30 61 81            michella.zayat@abf.se     

85
حتام يسرح كل حزب من أحزابنا في وادٍ ليدوي صداه في الخواء؟!
بقلم: ميخائيل ممو
(إن كنت حقاً تشكو العطش، فعليك إتمام كأسك من شدة إحتدام العطش)
أعزائي القراء.. دعوني هذه المرة أنأى الطرف عمّا دونته من مئات المقالات بما فيها من القصائد باللغتين العربية والآشورية على مدى خمسة عقود من الزمن، وبما شملت واحتوت من موضوعات خصت التربية والتعليم واللغويات والأدبيات والعموميات والنقد البناء، لأخص بالذكر الواقع السياسي المتردي الذي نعيشه اليوم ولا من منقذ حكيم أو مصلح بليغ ومفكرصنديد بهداهم مقتدون، بالرغم من آلاف المقالات التي اكتسحت المواقع الألكترونية بتواليها يومياً إلى جانب الصحافة الورقية والقنوات الإعلامية المكتضة ببرامجها المتشابكة بالتحليل والتصريحات لمعالجة الأوضاع الراهنة في مجتمعاتنا الشرق أوسطية المبتلية بالتوتر الأمني سياسياً، وبالفقر المدقع إقتصادياً، وبالقلق المفزع نفسياً وبالإنتهاكات والتجاوزات والهجرة الداخلية إجتماعياً من جراء المحاصصة الطائفية المقيتة والإقليمية المذهبية القاتلة التي جعلت الثروات النفطية والطبيعية الأخرى قبلة المستطمعين من أبناء الوطن أنفسهم لمنافعهم الشخصية ولتلك الدول النفعية التي أقدمت على إختلاق ونشر بذور الإتهامات والمشاحنات والتهديدات والتأويلات بغية نشر آفة الصراعات للتدخل المباشر بتبريرات تعكس مضامينها مساندات الدول الغربية للتحالف، والإقليمية منها إن كانت عربية وغير عربية داعمة لما تعنيه وتستهدفه الدول النفعية.       
هذا ما عشناه ولا زلنا نعيشه في مواطننا الأصلية التي من جراء تلك المطامع والمفاسد اللاشرعية أردت الملايين من مكونات الشعب الرافديني ودول الجوار في مهوى رياح دول الشتات لتنقل وأياها من ايضاحات وتعليقات وتوضيحات تجسد ما يُنشر، الشبيهة منها بالرذاذ، والأخرى بزخات المطر الكثيف التواصل، ناهيك عن المداخلات التي لا تليق بالمفهوم اللغوي نحوياً وقواعدياً واسلوبا، بمداخلات لا تفي بالغرض المحتم الذي من المفترض أن يجدي نفعاً، لأسباب تفرضها من يقدس مقولة " إن لم تكن معي فأنت ضدي ". فإن كان منطق مثقفينا وواعينا من رواد فكرة هذا الإسلوب الممتعض، كيف بنا أن نقترب من البعض لإنهاء عقد " الأنا " المشؤومة؟!. وكيف بنا أن نحقق مفهوم التفاهم والتقارب إن كان كل واحد يسرح في وادٍ؟!  حيث يتبين لنا ويتضح بشكل جلي أن الغالبية العظمى من تلك المناوشات والتحديات تعالج الأمور السياسية التي إبتلت بها البلدان العربية ودَوْر مواقف سياسة الحكومات الغربية منها، على وفق خاص ومتميز بقطبيّ البُعبُع الأمريكي والروسي ودول التحالف الأوربي لبوءات البُعبُعين مخافة من طيفها المرعب، إضافة لدول العالم الثالث التي ترضع من أثدائها، لتؤمّن ديمومة وجودها بمعيشة الكفاف من الرزق على مقدار الحاجة.
اقولها بكل صراحة وثقة متيقنة، إن كانت البلدان أو الأوطان العربية التي تزخر أراضيها بالعديد من الثروات الطبيعية التي تعادل عطاءات كل واحدة منها موارد عدة دول مجتمعة،  قد استيقظت من سباتها وتكاتفت تحت شعار الوحدة الوطنية أو الإنتماء القومي المشترك لفرضت نفسها كقوة ثالثة تضاهي القوتين الأمريكية والروسية، مشكلة قوة مغرية وفاعلة تكتسب الصين واليابان ومن دول الغرب إلى جانبها. ولكن العلة الرئيسة تكمن فيمن يظنون بأن كراسي الهيمنة السلطوية هي من لدن الخالق يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، أو التسلسل الوراثي الإثني والعشائري القبائلي والإنتماء الطائفي، لا كما هو متعارف عليه في بلدان الديمقراطية والعدالة الإجتماعية لكل فرد من أفراد المجتمع. وهنا يفرض التساؤل نفسه، كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك إن كان الوارثون يتمنهجون خارج مشيئة الوحي الإلهي بالتطبيق الشرعي؟! وهل بالإمكان أن يساير الشعب مصالحهم الذاتية وهم يسرحون ويمرحون في عالمهم الخاص؟! هذه مسألة فيها وجهة نظر تفرضها مفاهيم المنطق الإنساني في حال إن كان أبناء الشعب الواحد سواسية أمام القانون وفق الدساتير المرعية، ووفق ما تضمنه الحديث " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، " و" الناس متساوون كأسنان المشط " وغيرها من الأحاديث المشابهة لذات المفاهيم. فأين نحن اليوم من تلك الرعاية، ومن ذلك التساوي وفق مبادئ الشرع والقوانين المرعية؟! أليس هذا التعامل والتجاوز خارج نطاق إرادة الله والأنبياء؟! ناهيك عن ما سَنّ مُشرّعو الدول من مبادئ حقوق الإنسان لحماية الإنسان والبشرية جمعاء. فإن كان تصور المتسلطين والمهيمنين عكس ذلك، فليرشدونا لطريق الصواب بناء لتصوراتهم المكبوتة في دائرة الذات، عسى أن يحل الأمن والسلام والمساواة، لا أن يستعينوا بعناصر الشر التخريبية التي تدركها الجماهير الواعية من خلال حملاتها التظاهرية بين حين وآخر. ليتم قمع البعض منها مباشرة، وترك البعض الآخر تبّح أصواتهم دون تلبية أي مطلب من مطالبهم، كما هو واقع اليوم في بلاد الرافدين، بلاد أول دولة سنّت القوانين وطبقتها ليحتذى بها وعلى ضوئها إلى يومنا الحالي في كافة أنحاء العالم. وحتام يبقى الشعب العربي يتمنطق بقول سبحانه وتعالى " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " فإن كان الأمر كذلك فقد نفذ الصبر الذي دام لأكثر من خمسين عاماً، وإن كان على منوال " الفئة القليلة " حقاً، فها هي اسرائيل تنفذ وتحقق ذلك ولا يتجاوز عدد نفوسهم الثلاثة ملايين مقارنة بالشعب العربي الذي عددهم يتجاوز أضعاف الأضعاف عليهم. إذن المسألة ليست بالكثافة السكانية المقصودة هنا، وإنما بحسن النية وقوة الإيمان والثقة المتبادلة بصدق وإعتزاز بكلمة الوحدة والتوحيد، وليس برفع الشعارات فقط والمناداة في مهب الريح، وكما قالها نزار قباني صراحة " نقعدُ في الجوامع.. تنابلاً .. كُسالى.. نشطر الأبياتَ، أو نؤلف الأمثالا.. ونشحذ النصر على عدونا.. من عنده تعالى..." وإن كان أمر الواقع حلّ وتسهيل المعاصي بالإبتهال والتضرع إلى الله، وبهذه البساطة الإيمانية لِما تكالبت شعوب الأرض على بعضها، وتجاهر بالعداء أبناء الشعب الواحد بإختلاف تكويناته الإثنية ومكوناته الحزبية. وعندها لإستجاب الخالق الباري إلى دعاء ملايين المتوسلين من ذوي الإيمان الخالص من المعذبين الذين لقوا حتفهم غرقاً وعلى أقل ما يمكن لدعاء الشيوخ والأطفال الأبرياء، وأولئك الذين تم سبيهم وانتهاك أعراضهم وشرفهم بإسم دعاة الدين الإسلامي الجديد، والإسلام منهم براء، وما شاكل تلك الإنتهاكات والمغالطات حتى من الذين يدعون الرحمة في قلوبهم، وهم بعيدون عنها. إضافة لأولئك الذين يزيدون نار الحقد بأسم الدين بين هذا وذاك بالعلن أحياناً، وأحياناً أخرى تحت ستار السهو المبرمج بتوجيهات مبطنة من سياسات القوى الكبرى.
وهنا لكي أكون حيادياً لا استثني بني شعبنا من المسيحيين بكافة تسمياتهم القومية وعلى وجه خاص  من سكنة بلاد ما بين النهرين من الآشوريين في العراق وسوريا الذين ابتلاهم الظلم والقتل والتشريد منذ سقوط الإمبراطورية الآشورية رغم إيمانهم بالقوة الغيبية الإلهية ولحد يومنا الحالي، ورغم إيمانهم الجلي فيما بعد بالمخلص والإله الواحد، ورغم وعود الرب لهم " ولآشور بركة في الآرض... وعمل يدي آشور..." بمباركته لهم في أرض مصر حسب ما ورد في العهد القديم في سفر إشعياء. فإذا كان الأمر كذلك، أين هو وعد الرب لهم؟! بالرغم من إقتفاء تكويناته المذهبية ما ذهب اليه قباني في ابياته الشعرية الآنفة الذكر المستلة من قصيدته الهجومية "هوامش على دفتر النكسة " الموجهة لملوك وسلاطين ورؤساء العرب، إلى جانب انتقال عدوى الصراعات الحزبية العربية ومنها العراقية إلى جسد الأحزاب الآشورية التي ما فتأت تعيش ذات الإنقسامات بعيدة عن بعضها وبمدارك القيادات والزعامات التي توثق في أنظمتها الداخلية ذات الأهداف بتعابير متقاربة تبعدك عن ممارساتها العملية مجسدة سلبيات النتائج التي تدع كل مجموعة من أحزابنا تسرح في وادٍ ليدوي صداها في الخواء الذي لا جدوى منه.
اخوتي القراء... ولكي لا أتَهَم (بضم الألف) بأني من دعاة التشويه والتهريج أو الإساءة لأي من كان فيما جاء في فقرتنا النهائية،  أو بتفضيل طرف على آخر، أظنكم على معرفة تامة وعلى يقين تام بكل ما أشرنا اليه بما جرى وما زال يجري، ولربما يحدوكم الإستغراب بأن يتبادر لأذهانكم التساؤل المُعتاد وما هو الحل؟! وها أنا هو الآخر أشاطركم الرأي بذات السؤال. لعلنا نتفق سوية على الصيغ الجوابية العلاجية لكل ما نوهنا عنه من الأدواء (جمع داء) أي الأمراض النفسية المستشرية ظاهرياً وباطنياً جسد تلك التنظيمات. مع شكري لمروركم على كل ما صغناه وبيناه دون خجل أو وَجَل. آملين أن تدلو بدلوكم لِما هو خير ما نسعى إليه لصالح شعبنا المُنهك، المُشَرّد، الحائر، المُبتلى ووو.. ولخير ما نتمناه لصالح التنظيمات السياسية وتكوينات الإنقسامات الدينية المتشرذمة التي لا زالت جميعها تفسر الأحلام المنشودة بتفاسير تدعمها المصالح الشخصية والنفعية والتبعبة القبلية من أجل تلك المقاعد والكراسي الزائلة بمرور الزمن الذي لا يُؤتَـمَن. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها طالما سجلات التاريخ هي الشاهد الأكبر بما وثقت ولا زالت توثق الأحداث والنتائج القريبة العهد من شعوب ثورات الربيع العربي في الأوطان العربية التي اختلط فيها الحابل بالنابل جراء الإحتجاجات والمعارضات العارمة والإقتتال المتواصل والتلاعب بالعواطف، لتكون المحصلة من السئ إلى الأسوأ فالأسوأ، دون أي إعتبار لمفاهيم الإصلاح الذي طال آمده حتى وإن كان بشكل جزئي كما هي الأوضاع المستشرية في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ونوعاً ما في تونس ومصر.
mammoo20@hotmail.com

86
لا تكن كالحرباء في مواقفك
بقلم: ميخائيل ممو
نعم .. لا تكن كالحرباء في مواقفك،  يا من تنظر للحياة بعين لا تبعدك النظر سوى عن رؤية المسافة المحددة بظل قامتك، وأحياناً بإزدواجية البصر، وإنحصارك في تلك المسافة التي تبعث فيك الملل، والتمركز في دائرة قِصْر رؤيتك التي تقودك فيما بعد لتخمينات في غاية السلبية تجاه المجتمع الذي لا يستثنيك من شرعية عضويته، مهما ارتقت بك رؤياك، ومهما تدنت أو انخفضت في الدائرة الوهمية التي تحتويك، رغم معرفتك بحدودها التقليدية التقييدية. 
من منطلق هذه الظاهرة على الإنسان الذي يسعى لما يطمح إليه أن يعي دوره في الحياة مهما بلغ من العمر في اكتساب المعرفة والحكمة التي عادة يقتنيها منذ صغره وفي مطلع شبابه ليستند عليها، وما تتوالى عليه فيما بعد من مراحل النشأة العمرية التي عادة يتوارثها بمعرفته واستدراكه من المحيط العائلي والمجتمعي والتثقيف الذاتي من مواقف معترك الحياة. لذا فإنه مهما طال به العمر، فهو متعطش لها في مسيرته الحياتية، وتستوجبه إرادته بحكم طموحه وتطلعاته من رفدها بما هو جديد عليه، عبر مراحل حياته للسيرعلى هديها والإمتثال بكنهها، مؤهلة إياه تجارب عديدة وقناعة تامة محفوفة بالرضا والتيقن لبناء شخصية متميزة تؤهله لإسداء النصح والإرشاد متى ما استوجبت الحاجة لذلك، وبما ينتقي من عطور تجارب رياض الحياة بغية توجيه من هم في ركبه ومسار تياره بمسوىً أعلى أو أدنى، وكذلك في حال إن كانت غاية من يلتمس مشورة ما لتقويم مَن هو بحاجة للتقويم والتقييم. أما أن يحيد عن مجرى ذلك التصور لأسباب تمليها إعتبارات أخرى، شخصية عفوية أو مصلحية نفعية،  فهذه مسألة فيها وجهة نظر. وهنا تكون تلك المسألة قد دعتنا أن نخمن مواقفه بين وجهتين متفاوتتين، الأولى إيجابية والثانية سلبية. فإن كانت حقاً تتوسم بالإيجابية فهذه دلالة على مفاهيم الصدق والإحترام والإخلاص والإيمان مؤداها الخدمة العامة دون مقابل بغية الإرتقاء بمكانة الإنسان وإقتياده ضمن موكب المصلحين، كونها تـُستَشفُ من الحصافة التي تحتكم إلى العقل الواعي لإتخاذ القرارات وتنفيذ ما ينبغي تأكيده لإصلاح ما يجب إصلاحه من المثالب، وتقويم ما ينبغي تقويمه من الإعوجاج.  أما إن تمثلت المسألة بالجانب السلبي فتلك دلالة على إزدواجية الرأي والإختفاء خلف ستار التردد والتشبث بصفة التملق لتحقيق غايات تؤطرها شارات الأنانية والبغض والحقد التي هي من الأمراض الفتاكة لشخصية الإنسان نفسياً وعقلياً وبالتالي جسدياً، مبعثها أو مصدرها ما يخزنه العقل الباطن من إشكالات ظروف نفسية يغذيها الإستهجان والإستنكار لرفض وكسح الأعمال الخلقية ذات النفع المادي والمعنوي. وفي ذات الوقت الكشف علناً ـ ربما دون معرفة واستدراك ـ  عن أردأ الصفات التي يرفضها وينددها العقل البشري المتسلح بسلاح المعرفة الحقيقية التي توسع مدارك الفرد مهما إجتازت حياته بمراحلها المتمثلة بعهد الشباب وما بعدها، ولحد الشيخوخة. أما مَن يتواطأ مع الصفات السلبية الآنفة الذكر، يؤكد حتماً عن خروجه من سكة مسار الثقة بالنفس التي تكشف حقيقته دون وعيه أحياناً، كذاك الأسد المتبختر حين يتوهم ولا يستدرك بأن يرى منافسه في ظله المشابه له على سطح ماء البئر، متحدياً تبختره في عمق البئر الذي يرمي بنفسه فيه ليصارع ظله، وبالتالي ليلق حتفه فيه.
هذا هو واقعنا الذي نعيشه اليوم في أوطاننا الأم من جراء حالة الحرمان المزرية والأضرار النفسية والصحية الناجمة عن فقدان الأمن والإستقرار والعوز المادي والمعنوي مجتمعة، بحيث لم تدع الفرد أن يعيش أواصر العلاقة الإنسانية في تعامله مع ذاته ومع الآخرين في المحيط الذي أصبح غريباً عليه. وأقل ما يمكن قوله وإثباته بأنه تتقاذفنا أمواج مواكب مكونات التحزب الطائفي بالمحاصصة للتربع على زمام البرج العاجي، تلاطفنا ألسنة العسل الممزوج بالسم القاتل، لتجعلنا قاب قوسين، نشكو الضيق والحرمان والتشريد بضعف قدراتنا على تَحَمّل ما تمليه علينا إرادتنا المشحونة بالمخاوف والفزع والقلق، لتهدينا ـ رغماً عنا ـ أن نبحث عن منفذ للخلاص، بوسائل قد تؤدي إلى الهلاك، ومن طرف آخر بأساليب لا يُحمد عقباها، كما تثبته الإحصاءات التي لا تـُقـَدر من هجرة أبناء الوطن الأصلاء من مراتع وجودهم، إلى جانب الدخلاء ـ إن صح التعبير ـ الذين يقتدون بغيرهم من الذين سبقوهم لغاية في نفس يعقوب. لتكون المصيبة الأخرى وهذه الحالة بنقل ذات الداء والأعراض من المفسدين والدجالين والسارقين إلى بلدان الشتات التي احتضنتنا ورعتنا رغم تفاوت مبادئنا ومواقفنا وانتماءاتنا في أوطاننا، فحدّث عنها ولا حرج. فكيف تحلو الحياة لشعب منزوع السلاح في أرض وطنه وبتفاقم المصائب وأهوال المعاناة بإستفحالها أن يكون ضيفاً على الضيف المُنتهك للحرمات في أرضه المغتصبة أن يعيش بأمان؟! اللهم إلا إذا انقلب السحر على الساحر. وسحر اليوم تتحكم عليه مصالح الثروات النفطية من الدول الغربية ومن يساندهم من مستوطني البلد من النفعيين، ومن اولئك اللاعبين على حبلين. هذا ما تنبأ له في مطلع العشرينات أحد مطارنة الكنيسة الشرقية وممثلها في الهند أثناء حضوره مؤتمراً دينياً في مدينة اوبسالا السويدية حين أفاد في كلمته بأن الشرق سيكون منطقة صراع على القوى النفطية. وهذا ما تحقق اليوم لصالح الدول الغربية لتنتفع من ذلك وتجعل بشكل خاص من العراق وسوريا وليبيا ودول أخرى التي منها إيران وفق الرابط المنشور في نهاية المقال بعنوان " للمزيد " حيث تعيش تلك الدول الصراع الطائفي والمذهبي شارات الوهن والتخاذل والهزال بإستحواذ تلك القوى المراوغة، ومن ثم انتشار الفساد. وها هي منظمة الشفافية الدولية تؤكد ذلك في تقريرها الذي نصبت العراق من الدول العشر الأوائل الأكثر فساداً من مجموع 168 دولة لعام 2015.
إذن ماذا ينتظر الشعب العراقي قاطبة من هذه النتائج؟ وماذا تتأمل وتنتظر تلك المكونات المنزوعة السلاح من أبناء شعبنا والمكونات الأخرى المؤمنة بمبدأ السلام والتسامح بهجر بيوتها وأملاكها وقراها من تلك السياسة التي إختلط فيها الحابل بالنابل والأخضر باليابس من جراء مساوئ تلك الصراعات المستشرية لأسباب تسموية أدت بمنزوعي السلاح المادي من الآشوريين بكافة نعوتهم والإيزيديين والصابئة وغيرهم من حماية الأرواح عوضاً عن حماية الممتلكات؟! لكون الممتلكات بالإمكان تعويضها، ولكن الأرواح لا تـُعَوّض. رغم ما حلّ بتلك المكونات التي غفل عنها من حرروا العراق بإسم ديمقراطية الإستحواذ المناهضة لمبادئ الديمقراطية الحقيقية التي من أسسها إبعاد الظلم والإستبداد، بتفضيلها طرف على آخر، ومن ثم نثر بذور الفكر الداعشي لمصالحهم الخاصة.
الأهم من كل ذلك بعد تلك النتائج المزرية والمعيبة هو أن تتخذ تلك المكونات قرار الخلاص في الحين الذي تقذف بهم أمواج البحر على السواحل الآمنة لتستقبلهم النواطير في الأماكن المأمونة من بلدان الشتات بعبارات مؤداها مبادئ الرحمة والإنسانية والإحترام والتقدير وفق مبادئ حقوق الإنسان، ليستغربوا من ذلك التعامل الإنساني في البدء. وما أن يستقر بهم المقام والوضع من بحبوحة العيش، تراهم وقد استباحوا كل شئ لدى ديوان الضيف، ناقلين ذات المساؤئ التي اعتادوا عليها. وهنا ليس معناه وفق مبادئ الأخلاق وتوصيات الشرائع السماوية أن يتجاوز البعض على ما هم عليه بعد أن تطأ أقدامهم أرض الراحة والأمان لتعيشوا براحة البال والسلام، متناسين ذلك وفي وقت قصير بتعمد التجاوز والتطاول بإسلوب شائك لا يجدي نفعاً على توفير ما لا ينبغي ولا يمكن توفيره ليدل عن يقين على الطمع الذي لا مبرر له بمناداة لا يستوجب مضاعفتها. وهنا تنعكس الآية لا على الفرد الواحد نفسه وإنما لتنتقل العدوى إلى مجموعة أكبر لتشمل من الطيبين والقنوعين بشكل غير مباشر ومن الذين يمتثلون لمقولة " خبزنا كفافنا "، وبما معناه كفانا إننا أنقذنا أرواحنا وأرواح أطفالنا الأبرياء. وهنا تستشري الطامة الكبرى بما قيل " ما زاد عن حده انقلب إلى ضده ". عندئذ تكون تلك الطامة سبباً لخلق حالة كرهٍ ونفور بإشمئزاز وفتور من الذين استقبلوك بحسن النية والإنسانية، ومن ثم تكون عاملاً مؤثراً على مَن هم مِن بعدك مِنَ الذين عاشوا ويعيشون تفاقم معاناتكم الميأوسة، بإيصاد أبواب الرحمة والعناية أمامهم مهما كانت الأعذار والمسببات بدوافع إشتداد الجشع الذي لا مبرر له، إضافة لإتباع ممارسات لا يقرها القانون ولا الأعراف النتعارف عليها. هذا ما أكدته وسائل الإعلام في أغلب دول العالم التي احتضنت اللاجئين والمشردين لتتخذ حكوماتها قرارات الترحيل بالإبعاد القسري للآلاف منهم رغم تواجدهم في تلك البلدان لفترة زمنية معينة بتوفي المأكل والمشرب والسكن والمساعدات والأمان.
لهذا تجد من تسديه النصيحة لتجنب ذلك السلوك يستهجنك ويعاديك ويكيل لك بما لا تتصوره من عبارات الحقد والتشويه، تيمناً بمضمون ما قيل إذا نصحت الجاهل عاداك، غير مستدرك لفحوى تلك العبارة، ولا لمضمون علـّم الجاهل بما يجهل عساه يهتدي لدرب الصواب إن كان يلتمس مشورة العارفين. لذلك ينبغي الإنتباه بكل حذر " من الذي كان جائعاً وشبع، لا من الذي كان شبعاً أو متخماً وجاع ". وفق ما قاله أحيقار الحكيم مستشار الملك سنحاريب قبل الميلاد لإبن أخته نادان الذي تبناه ومنحه من الثروات لينقلب على فضله.
كاتب آشوري عراقي
 mammoo20@hotmail.com
للمزيد
(إضغط على  Ctrl في لوحة الحروف وعلى المزيد في نفس الوقت
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=802453.0


87
عالم اليوم لا يقاس بعالم البارحة
بقلم: ميخائيل ممو
عالمُ عَقدٍ ما من الزمن لا يقاس بعالم عقود أو حُقوب من الزمن الذي تليه وفق معطيات الطبيعة البشرية التي تمليها تجارب الحياة، ليكون مفادها التحكم بسلوك الفرد والمجتمع، أو تلك التزعات التي تمليها آليات التطور والتغيير من حقبة لإخرى من الدهر. ولهذا عادة ما نقول في أحاديثنا الذي تفرضه المقارنة لمسألة أو حدث ما بأن عالم اليوم ليس عالم البارحة أو الأمس البعيد، ليتم إثبات ما نحن بصدده، بغية إقناع المُقابل في حال إعتصامه وتجاوزه لحدوده بسلوك يتنافي ومنطق الواقع المألوف، رغم أن مفهوم البارحة هو اليوم الذي يسبق نهاره, أي أقرب ليلة مضت وانقضت، لتكون مثالاً يحتذى به للمقارنة والمفارقة بما هو عليه الفرد أو المجتمع مهما بلغ من وعي وإدراك.
لذلك عادة ما نستشهد بالمقولة الأخيرة في حديث عابر لنفند ما لا يتطابق أو يقاس وعالم اليوم, وهذه بديهة طبيعية لا يمكن نكرانها أو التغاضي عنها طالما الزمن في مسار طويل ودائم غير محدد كسريان الكوكب حول الشمس، وكجريان نهر ما إلى ما لا نهاية. ودليل ذلك ما واكب مجاراة ومعايشات مراحل التطور البشري منذ الخليقة, والتغير الحضاري الذي وَلّـدَ وأبرَزَ مكونات بشرية تجاري الأزمان التي إنقضى وجودها وانقرضت، ومنها ما زالت تحتضر من تلك المكونات التي تقولبت على معتقداتها اللاإنسانية, ولم يبق لنا منها سوى آثار مآثرها وتاريخها ـ سلباً وإيجاباً ـ الذي نشهد له في أمثالنا وحِكَمُنا وحكاياتنا. هذه حالة طبيعية يعيشها الإنسان أيضاً وفق متغيرات حياته الطبيعية إلى اليوم الذي يواريه الثرى، لتكون حياته مبعث الذكرى للأجيال القادمة من بني جنسه من خلال علاقاته الإنسانية ودوره في المجتمع بين أبناء جلدته، ومن الجانب الآخر لبني البشرية جمعاء إن كان من الذين أبدعوا في حياتهم وخدموا الإنسانية بأفكارهم وإبداعاتهم وتألقهم لتحقيق مشاريع معينة لها أهميتها ومكانتها وجدواها. وبما أن افراد المجتمع متفاوتون في طبائعهم وقدراتهم وطموحاتهم، ليس بوسعنا أن نقارن ونقيس أبناء البارحة عن أبناء اليوم, وفي كافة المراحل والعهود الزمنية التي عاشوها وتطبعوا على مآثرها وموروثاتها. لذا نقولها وبكل بساطة وسهولة بأن ابن اليوم يختلف كلياً عن ابن البارحة. ولو تساءلنا ما الفارق؟ وبماذا نؤكد ذلك؟ لتعددت الأسباب وتفاوتت الآراء والتأويلات برؤيا واجتهادات منفردة معتمدة على مفاهيم أسس التربية الدينية وتفاوت المعتقدات السياسية وإلتزامات المعايشات الإجتماعية وغيرها من المعايير والتفاسير.
رغم التفاوت الذي نعوّل النفس على الفَتِه, فإن التقنيات الحديثة تفرض وجودها لتزيد من حدة الوعي لدى الفرد والمجتمع في أية بقعة من أرض المعمورة على المقارنة والمقايسة, ومعرفة كل شئ عن كثب حين تم الإعلان عن العالم بأنه أصبح قرية صغيرة مسيجة بتكنولوجيا أو تقنيات أطر المعلوماتية التي قيضت للبشرية كل شئ وما لا يمكن اخفاءه بالسر, وبتلك بوادر ومظاهر العولمة التي قرّبت شعوب العالم من بعضها, ليصبح كل فرد على مقربة ومعرفة مباشرة لكل ما يسود في الحياة اليومية، وأكبر دليل على ذلك وسائل وقنوات التواصل الإجتماعي التي أزاحت أقنعة الإختفاء خلف أسوار الحياء وجدران الممانعة المتوارثة لمجتمعات معينة، وكشفت عن المظالم التي تفرض بالعمد على العباد في أصقاع من العالم غير المتمدن الذي ما فتأ يتنفس الصعداء بالخفي في عقر داره للإفراج عن همّه وضيقه بإزالة الحسرات والتنهدات المُسوّرة بتأوهات الألم والكآبة، وبعلانية التستر التدويني والصوتي المدبلج أحياناً خلف ستائر الأسماء المخفية في ظروف معينة تفرضها عدة عوامل كالبيئة الإجتماعية، المُعتقد الديني وطبيعة العادات والتقاليد الموروثة المُسورة بالتحريم كما في السعودية واليمن على وجه الخصوص, وكما يتضح ذلك عِـبْر تلك القنوات التي لا حصر لها من خلال سلطان العصر المتمثل بالهاتف المحمول وأجهزة الأنترنيت على سبيل المثال لا الحصر التي استعاضت عن معاشرة الصحاب أو المخالطة بالمواجهة العلنية المباشرة عن كثب من القريب والبعيد. ليعيش الفرد أسير ذلك الواقع دون معرفته المباشرة عن الزمن الذي استلب شغاف قلبه وحصره بلهوٍ دائم في عالم تلك الدائرة المُسيجة بالأشواك والورود أحياناً متى ما تم الترفيه عن النفس خفية، ولتكون في عرفه الأماسي التي يطول أمدها أضعاف وضح النهار في غياب من يتحكم عليهم بالمحظور لا تنطوي على اسس حرية الرأي, غير آبه للجهد اللاإرادي الذي ينتزع من ديمومة وجوده رويداً رويدأ بهدوء وتؤدة والتصرف بدون رَويّة من غير شعور مباشر قد يؤدي أحياناً إلى ما لا يحمد عقباه بالقرصنة على أسرار المتحدث والإطلاع على الخفايا المخزونة بفك رموز التشفير للإسم المُشفر بطريق المراوغة المبطنة بأساليب الإطمئنان والقناعة للطرف الآخر، وبالتالي يتسلح به المُقرصن للغرض النفعي أو التشويهي بالإشهار الصوتي والرسائل النصية والفيديو وغير ذلك بغية التخويف والتهديد والفضح لتحقيق المآرب والمقاصد المخفية التي تخالج نفسية المُقرصن من المصابين بداء النرجسية اللاأخلاقية، واستغلال ذلك بمطالب السوء ومن كلا الجنسين على ضوء نتائج الإحصاءات والبيانات التي تكشف عنها إدارات المؤسسات والشركات المشرفة على مواقع الإتصالات الإجتماعية ومنها الفيس بوك، توايتر، سناب شات (المحادثة السريعة)، سكايب، بالتولك وغيرها المميزة بعدد زوارها البالغ بالآلاف إن لم يكن فوق المليون يومياً من كافة أنحاء العالم, دون التمييز ما بين الغث والسمين لتكون نتائجها الطامة الكبرى للذين وقعوا في شِباك تلك المواقع من الشبكة العنكبوتية. والأغرب من كل ذلك أيضاً أن يستقبل أصحاب البريد الألكتروني بين فترة وأخرى رسائل إغراء في غاية السرية من مؤسسات ومصادر لا علم لهم بها، وبتصورهم على انها رسمية تتمتع بالمصداقية، حيث تقوم بإغوائهم لتبلغهم وتبشرهم فيها عن فوزهم بمبالغ نقدية غير متوقعة وبجمل عديدة منها " عنوان البريد الخاص بك قد فاز بكذا مبلغ " مطالبين فيها معلومات شخصية ومن ضمنها الرقم الحسابي بغية تزويدهم بتلك المبالغ الخيالية، فيتم الإستحواذ على قرصنة المعلومات المخزونة واستغلال ذلك بالتعهد على الضمان بالأمان بوسائل النصب والإحتيال التي تبعد الشك من المبتدئين الذين لا علم لهم بها وتنقصهم الدراية الكافية من حقيقة تلك القنوات رغم تكرار المحاولات بأساليب متنوعة.
ولا يفوتنا هنا أن نشير على ضوء ما شاع وقيل عن الإرهاب العملي والفعلي المباشر بحصد أرواح البشرية في البلاد العربية بشكل خاص، أن لا ننسى بأن من مسبباته الرئيسة هو الإرهاب الإلكتروني كما يتم وصفه بدليل صراعات الدول, وما يسرت له تلك القنوات من مجموعات القرصنة على كشف الحقائق والتشهير بما تضمنته الوثائق التي كانت محمية في غاية السرية. وكما قيل أيضاً بأن الربيع العربي الذي هجج مشاعر الشعب الثائر على سلطنة حكامه ومن بيدهم زمام الأمور هو من ولادة تلك القنوات، قلبت الربيع إلى صيف قائظ وشتاء قارص، لتكون نتائجه تكالب مكونات القوى المهيمنة على بعضها, وتجاهرهم بالعداء والتواثب على السلطة والثروات ومال الشعب الذي سُلِبَت حقوقه، وحًرّمَ من قوته، وهُجّرَ من مسكنه وأرضه ليلتحف العراء ويتأسى من حالات المرض والجوع والتشريد في أرض وطنه، وأكبر نموذج لذلك شعب العراق وسوريا بشكل عام، وتلك المكونات القومية من الآشوريين والمسيحيين قاطبة والايزيديين والصابئين والأرمن وغيرهم...  فحدث ولا حرج عن تلك الملايين التي تعاني الموت النفسي البطئ وهم أصحاء في ديار الإغتراب، يشكون حالة الإغتراب الذهني وهم بعيدون عن بلدهم ومجتمعهم وتقاليدهم لشعورهم بالتيه والضياع والإستعباد والإستلاب. تؤججهم مشاعر الذكريات المزدوجة المشحونة بحياة الماضي البعيد لأيام النعمة المباركة والأيام التي أسرتهم لتوخز حياتهم بالكوارث.
إذن دعنا نعلمك ـ عزيزي القارئ ـ إن كنت من الرواد الزائرين لتلك المواقع أو القنوات ولم يكن على بالك ما أشرنا إليه رغم اطمئنانك الساذج على التواصل والمحادثة والإنفتاح، أن تتسلح بالحذر من الأقاويل المغرية التي تمزج السم في العسل دون معرفتك, أو كلسعة الثعبان المباغتة التي تقودك لعض أصابع الندم, وحينها تنطبق عليك مقولة ( لاتَ الساعة ساعة مندمٍ ) أي ( ليست الساعة ساعة مَندمٍ )، وكما يقول المثل العراقي الشهير (الفأس وقع بالراس, وما مِنه الخلاص).
فالحذر كل الحذر من تستهويه عواطفه لخوض مياه البحر الهادئ في جوّ مستلطف بطبيعته المستدرجة للأمواج  المتلاطمة دون علمه بالتيارات التي تجرفه إلى الأعماق المهلكة.   
mammoo20otmail.com


89
عالم اليوم لا يقاس بعالم البارحة
بقلم: ميخائيل ممو
عالمُ عَقدٍ ما من الزمن لا يقاس بعالم عقود أو حُقوب من الزمن الذي تليه وفق معطيات الطبيعة البشرية التي تمليها تجارب الحياة, ليكون مفادها التحكم بسلوك الفرد والمجتمع, أو تلك التزعات التي تمليها آليات التطور والتغيير من حقبة لإخرى من الدهر. ولهذا عادة ما نقول في أحاديثنا الذي تفرضه المقارنة لمسألة أو حدث ما بأن عالم اليوم ليس عالم البارحة أو الأمس البعيد, ليتم إثبات ما نحن بصدده, بغية إقناع المُقابل في حال إعتصامه وتجاوزه لحدوده بسلوك يتنافي ومنطق الواقع المألوف, رغم أن مفهوم البارحة هو اليوم الذي يسبق نهاره, أي أقرب ليلة مضت وانقضت, لتكون مثالاً يحتذى به للمقارنة والمفارقة بما هو عليه الفرد أو المجتمع مهما بلغ من وعي وإدراك.
لذلك عادة ما نستشهد بالمقولة الأخيرة في حديث عابر لنفند ما لا يتطابق أو يقاس وعالم اليوم, وهذه بديهة طبيعية لا يمكن نكرانها أو التغاضي عنها طالما الزمن في مسار طويل ودائم غير محدد كسريان الكوكب حول الشمس, وكجريان نهر ما إلى ما لا نهاية. ودليل ذلك ما واكب مجاراة ومعايشات مراحل التطور البشري منذ الخليقة, والتغير الحضاري الذي وَلّـدَ وأبرَزَ مكونات بشرية تجاري الأزمان التي إنقضى وجودها وانقرضت, ومنها ما زالت تحتضر من تلك المكونات التي تقولبت على معتقداتها اللاإنسانية, ولم يبق لنا منها سوى آثار مآثرها وتاريخها ـ سلباً وإيجاباً ـ الذي نشهد له في أمثالنا وحِكَمُنا وحكاياتنا. هذه حالة طبيعية يعيشها الإنسان أيضاً وفق متغيرات حياته الطبيعية إلى اليوم الذي يواريه الثرى, لتكون حياته مبعث الذكرى للأجيال القادمة من بني جنسه من خلال علاقاته الإنسانية ودوره في المجتمع بين أبناء جلدته, ومن الجانب الآخر لبني البشرية جمعاء إن كان من الذين أبدعوا في حياتهم وخدموا الإنسانية بأفكارهم وإبداعاتهم وتألقهم لتحقيق مشاريع معينة لها أهميتها ومكانتها وجدواها. وبما أن افراد المجتمع متفاوتون في طبائعهم وقدراتهم وطموحاتهم, ليس بوسعنا أن نقارن ونقيس أبناء البارحة عن أبناء اليوم, وفي كافة المراحل والعهود الزمنية التي عاشوها وتطبعوا على مآثرها وموروثاتها. لذا نقولها وبكل بساطة وسهولة بأن ابن اليوم يختلف كلياً عن ابن البارحة. ولو تساءلنا ما الفارق؟ وبماذا نؤكد ذلك؟ لتعددت الأسباب وتفاوتت الآراء والتأويلات برؤيا واجتهادات منفردة معتمدة على مفاهيم أسس التربية الدينية وتفاوت المعتقدات السياسية وإلتزامات المعايشات الإجتماعية وغيرها من المعايير والتفاسير.
رغم التفاوت الذي نعوّل النفس على الفَتِه, فإن التقنيات الحديثة تفرض وجودها لتزيد من حدة الوعي لدى الفرد والمجتمع في أية بقعة من أرض المعمورة على المقارنة والمقايسة, ومعرفة كل شئ عن كثب حين تم الإعلان عن العالم بأنه أصبح قرية صغيرة مسيجة بتكنولوجيا أو تقنيات أطر المعلوماتية التي قيضت للبشرية كل شئ وما لا يمكن اخفاءه بالسر, وبتلك بوادر ومظاهر العولمة التي قرّبت شعوب العالم من بعضها, ليصبح كل فرد على مقربة ومعرفة مباشرة لكل ما يسود في الحياة اليومية, وأكبر دليل على ذلك وسائل وقنوات التواصل الإجتماعي التي أزاحت أقنعة الإختفاء خلف أسوار الحياء وجدران الممانعة المتوارثة لمجتمعات معينة, وكشفت عن المظالم التي تفرض بالعمد على العباد في أصقاع من العالم غير المتمدن الذي ما فتأ يتنفس الصعداء بالخفي في عقر داره للإفراج عن همّه وضيقه بإزالة الحسرات والتنهدات المُسوّرة بتأوهات الألم والكآبة, وبعلانية التستر التدويني والصوتي المدبلج أحياناً خلف ستائر الأسماء المخفية في ظروف معينة تفرضها عدة عوامل كالبيئة الإجتماعية, المُعتقد الديني وطبيعة العادات والتقاليد الموروثة المُسورة بالتحريم كما في السعودية واليمن على وجه الخصوص, وكما يتضح ذلك عِـبْر تلك القنوات التي لا حصر لها من خلال سلطان العصر المتمثل بالهاتف المحمول وأجهزة الأنترنيت على سبيل المثال لا الحصر التي استعاضت عن معاشرة الصحاب أو المخالطة بالمواجهة العلنية المباشرة عن كثب من القريب والبعيد. ليعيش الفرد أسير ذلك الواقع دون معرفته المباشرة عن الزمن الذي استلب شغاف قلبه وحصره بلهوٍ دائم في عالم تلك الدائرة المُسيجة بالأشواك والورود أحياناً متى ما تم الترفيه عن النفس خفية, ولتكون في عرفه الأماسي التي يطول أمدها أضعاف وضح النهار في غياب من يتحكم عليهم بالمحظور لا تنطوي على اسس حرية الرأي, غير آبه للجهد اللاإرادي الذي ينتزع من ديمومة وجوده رويداً رويدأ بهدوء وتؤدة والتصرف بدون رَويّة من غير شعور مباشر قد يؤدي أحياناً إلى ما لا يحمد عقباه بالقرصنة على أسرار المتحدث والإطلاع على الخفايا المخزونة بفك رموز التشفير للإسم المُشفر بطريق المراوغة المبطنة بأساليب الإطمئنان والقناعة للطرف الآخر, وبالتالي يتسلح به المُقرصن للغرض النفعي أو التشويهي بالإشهار الصوتي والرسائل النصية والفيديو وغير ذلك بغية التخويف والتهديد والفضح لتحقيق المآرب والمقاصد المخفية التي تخالج نفسية المُقرصن من المصابين بداء النرجسية اللاأخلاقية, واستغلال ذلك بمطالب السوء ومن كلا الجنسين على ضوء نتائج الإحصاءات والبيانات التي تكشف عنها إدارات المؤسسات والشركات المشرفة على مواقع الإتصالات الإجتماعية ومنها الفيس بوك, توايتر, سناب شات (المحادثة السريعة), سكايب, بالتولك وغيرها المميزة بعدد زوارها البالغ بالآلاف إن لم يكن فوق المليون يومياً من كافة أنحاء العالم, دون التمييز ما بين الغث والسمين لتكون نتائجها الطامة الكبرى للذين وقعوا في شِباك تلك المواقع من الشبكة العنكبوتية. والأغرب من كل ذلك أيضاً أن يستقبل أصحاب البريد الألكتروني بين فترة وأخرى رسائل إغراء في غاية السرية من مؤسسات ومصادر لا علم لهم بها, وبتصورهم على انها رسمية تتمتع بالمصداقية, حيث تقوم بإغوائهم لتبلغهم وتبشرهم فيها عن فوزهم بمبالغ نقدية غير متوقعة وبجمل عديدة منها " عنوان البريد الخاص بك قد فاز بكذا مبلغ " مطالبين فيها معلومات شخصية ومن ضمنها الرقم الحسابي بغية تزويدهم بتلك المبالغ الخيالية, فيتم الإستحواذ على قرصنة المعلومات المخزونة واستغلال ذلك بالتعهد على الضمان بالأمان بوسائل النصب والإحتيال التي تبعد الشك من المبتدئين الذين لا علم لهم بها وتنقصهم الدراية الكافية من حقيقة تلك القنوات رغم تكرار المحاولات بأساليب متنوعة.
ولا يفوتنا هنا أن نشير على ضوء ما شاع وقيل عن الإرهاب العملي والفعلي المباشر بحصد أرواح البشرية في البلاد العربية بشكل خاص, أن لا ننسى بأن من مسبباته الرئيسة هو الإرهاب الإلكتروني كما يتم وصفه بدليل صراعات الدول, وما يسرت له تلك القنوات من مجموعات القرصنة على كشف الحقائق والتشهير بما تضمنته الوثائق التي كانت محمية في غاية السرية. وكما قيل أيضاً بأن الربيع العربي الذي هجج مشاعر الشعب الثائر على سلطنة حكامه ومن بيدهم زمام الأمور هو من ولادة تلك القنوات, قلبت الربيع إلى صيف قائظ وشتاء قارص, لتكون نتائجه تكالب مكونات القوى المهيمنة على بعضها, وتجاهرهم بالعداء والتواثب على السلطة والثروات ومال الشعب الذي سُلِبَت حقوقه, وحًرّمَ من قوته, وهُجّرَ من مسكنه وأرضه ليلتحف العراء ويتأسى من حالات المرض والجوع والتشريد في أرض وطنه, وأكبر نموذج لذلك شعب العراق وسوريا بشكل عام, وتلك المكونات القومية من الآشوريين والمسيحيين قاطبة والايزيديين والصابئين والأرمن وغيرهم...  فحدث ولا حرج عن تلك الملايين التي تعاني الموت النفسي البطئ وهم أصحاء في ديار الإغتراب, يشكون حالة الإغتراب الذهني وهم بعيدون عن بلدهم ومجتمعهم وتقاليدهم لشعورهم بالتيه والضياع والإستعباد والإستلاب. تؤججهم مشاعر الذكريات المزدوجة المشحونة بحياة الماضي البعيد لأيام النعمة المباركة والأيام التي أسرتهم لتوخز حياتهم بالكوارث.
إذن دعنا نعلمك ـ عزيزي القارئ ـ إن كنت من الرواد الزائرين لتلك المواقع أو القنوات ولم يكن على بالك ما أشرنا إليه رغم اطمئنانك الساذج على التواصل والمحادثة والإنفتاح, أن تتسلح بالحذر من الأقاويل المغرية التي تمزج السم في العسل دون معرفتك, أو كلسعة الثعبان المباغتة التي تقودك لعض أصابع الندم, وحينها تنطبق عليك مقولة ( لاتَ الساعة ساعة مندمٍ ) أي ( ليست الساعة ساعة مَندمٍ ), وكما يقول المثل العراقي الشهير (الفأس وقع بالراس, وما منه الخلاص).
فالحذر كل الحذر من تستهويه عواطفه لخوض مياه البحر الهادئ في جوّ مستلطف بطبيعته المستدرجة للأمواج  المتلاطمة دون علمه بالتيارات التي تجرفه إلى الأعماق المهلكة.   






90
بربكم متى يتم التسامح والتآلف ليتحقق الأمان والسلام
في شرق الأنبياء؟
بقلم: ميخائيل ممو
في أوائل وآواخر شهر نيسان عام 2003 وعلى آثر الحملة الهجومية لإزاحة السلطة الصدامية تظاهر الشعب العراقي علناً , وتعاضد مع البعبع الأمريكي وقوات التحالف على تحرير العراق من هيمنة سلطة حكم البعث البائد, ومن ثم الإقدام على إستلام مقاليد الحكم لإدارة دفة أمور بلاد ما بين النهرين الجديد تحت جناح وغطرسة الهيمنة الأمريكية البريمرية وحاشية المغتربين من رجال السياسة المعارضين,  حيث تم شرعنة تأجيج التطرف في الدستور العراقي بما لا يخدم مصالح الشعب العراقي من جراء الصراعات التي نخرت مفهوم الوحدة والتآلف بين تلك التكوينات الحزبية الدينية المذهبية والطائفية السياسية العشائرية إلى جانب الأجندة الأجنبية الإقليمية وقوى المصالح العشوائية. وعلى أثرها شاعت المفاسد والسرقات والإنتهاكات والتجاوزات لتخدم اولئك الذين لفظهم الحكم البائد من الذين احتضنتهم دول الغرب, ليتمتعوا بحياة الحرية, وليعيشوا على موارد المساعدات الإنسانية التي تقرها أنظمة تلك البلدان. ومن بعد السقوط أي المصطلح الذي ألفناه وشاع تداوله لينعم الخير بين أوساط الشعب العراقي انعكست الآية, وتيسرت لهم ظروف العودة للوطن المُحَرَر من قبضة النظام البعثي, بحكم انتماءاتهم المذهبية واتجاهاتهم السياسية ومصالحهم الشخصية المناهضة للسلطة, آملين منها على شموخ البنى التحتية المهشمة من جراء " التحرير الإحتلالي " لنهضة الرقي الحضاري في الوطن الأم وفق معايير التغيير التدريجي, ومنهجية البناء الجديد على ضوء معايشاتهم واستدراكهم لمفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة والتطور الحضاري التي اكتسبوها وتسلحوا بها وهم يعيشون في الشتات. وبمرور الزمن خابت الظنون لدى شرائح المجتمع وأدهشتهم بمرارة وحزن كبيرين ليعيشوا الأمرين حين انكشفت نواياهم المبيتة تدريجياً بما آل إليه العراق بأمنه القومي العام إقتصادياً وأمنياً وسياسياً وإجتماعياً, وعلى التوالي من مواقف رجال الدين إلى قادة السياسة بكافة انتماءاتهم القومية والمذهبية, عكس ما اكتسبوه وتتلمذوا عليه فترة غيابهم في بحبوحة العيش الرغيد بإسم المعارضة والمقاومة بمفهوم الإتجاه المعاكس, رغم مناداتهم بتلك المصطلحات المجسدة لحقوق الإنسان, وتعابير طمأنينة ضمان معيشة حياة كفاح الشعب الجريح الذي سُلبت حقوقه ليعيش حالة الفقر المدقع من الأوضاع المزرية, ويلتحف العراء في عقر داره من جراء التشريد والتهجير القسري في ذات الوطن.
هذا ما حصل على نحوٍ عام بين القادة السياسيين المخضرمين الذين بسطوا نفوذهم على الحكم, لتنعكس أساليبهم المجحفة بشكل مباشر على مكونات الشعب العراقي قاطبة, ولتستقطب بالتالي خميرة الشعب النهريني المتمثل بتلك المكونات الأصيلة من الآشوريين بكافة تسمياتهم المذهبية والصابئة المندائيين والإيزيديين والشبك على نحوٍ خاص ومتميز , والمسيحيين على نحوٍ عام بدافع شروط الأسلمة, وتجاوز الأمر لغيرها من شرائح الوطن الجريح المُغتصب مذهبياً والمحتل عشائرياً من هجمات وانتهاكات قوى الشر وعناصر التخريب بدلالة الخيانات المبطنة علناً وبالخفي أيضاً, مستبشرة بعصابات القتل والترهيب والإغتصاب في كل زاوية من أرض الوطن, لتطال فيما بعد وبشكل أوسع من ذلك على يد الدواعش بما فيها أرض منبع حضارة العراق, مدينة نينوى الخالدة وأم الربيعين موصل الحدباء, بتلك معالمها الأثرية التي تشهد لها أسوارها وأبنيتها وقلاعها ومنحوتاتها وألواحها النادرة ومخطوطاتها الراكنة بأمان في أولى مكتبات العالم المسماة بمكتبة آشور بانيبال أو المكتبة الآشورية, حيث كانت نينوى آنذاك عاصمة الأمبراطورية الآشورية, ممتداً شموخ وجودها منذ سيطرة الحكم الساساني الميدي والعثماني فالفتح العربي الإسلامي الذي حافظ واعتز وافتخر بتلك معالمها لقرون عديدة.
ومما يؤسف له انجراف تيار التهشيم أجساد تلك المنحوتات الفنية الشامخة على مدى سبعة آلاف عام, إضافة لقدسية الكنائس والمساجد وأضرحة علماء الدين والتراث الحضاري لهيبة العراق, بمعاول دعاة دولة الخلافة المستحدثة لإسلام جديد لا تقره مفاهيم القرآن الكريم والأحاديث القدسية وبما شرعه الباري عز وجل لعباده من العقائد والأحكام.    
استغرابنا هنا هو: إن كانت تلك النصب والمنحوتات الأثرية بمغزاها الفني تخالف المفاهيم القرآنية وتعاليمه لأقدمت على تحطيمها ونبذها جحافل الرسول في عهده وفي العهود التي توالت فيه الفتوحات الإسلامية وعهد الهيمنة الفارسية والعثمانية. وما هي المفسدة والإباحية الخارجة عن حدود الأخلاق والأدب والقانون من تلك الفنون الحضارية التي صاغها أبناء الشعب العراقي الأصلاء الممتدة جذورهم لتلك الإنتماءات البشرية والمواطنة التي نألفها ونعيشها اليوم وبكافة تسميات وصفات المواطنة؟ فإن كان الأمر كذلك, لِما اعتز الغرباء من الغربيين على سرقة الأصل منها أو استنساخها والإحتفاظ  بها في بلدانهم لتتصدر أبواب متاحفهم وأروقتها التي يزورها الملايين سنوياً من كافة أنحاء العالم, وتدر عليهم بما لا يحصى من الموارد المادية على حساب حضارة الرافدين, ناهيك عن الدراسات والأبحاث العلمية والتاريخية الأكاديمية التي لا تخلو منها رفوف المكتبات الجامعية والمؤسساتية التراثية والثقافية العالمية. فهل نحن فقط من فصيلة البشر, وهم من فصيلة الحشر؟! وهل إسلام اليوم غير إسلام البارحة؟! أعوذ بالله إن كان الأمر كذلك. وهل سننتظر بمجئ المهدي المنتظر؟! أم مجئ المسيح للمرة الثانية؟! ليخبرانا بما نحن عليه فاعلون, وبما ينبغي عمله. قد يتحتم ذلك في زمن غير منتظر من عصرنا الحالي, وربما يتحقق ذلك في عصر أجيالنا المستقبلية في الوقت الذي تتضاعف فيه الأزمات والإنتهاكات والتجاوزات أضعاف ما نعيشه اليوم والتي لا تستوعبها حتى شريعة الغاب في البقاء للأقوى. وإن كانت نينوى قد خلت من مسيحييها, فها هي الأخرى محافظة الأنبار بمدنها العريقة قد صاحبتها تلك السلبيات إمتداداً من أقصى مدنها على الحدود الغربية بما فيها مدن عانه وهيت وغيرها التي ترتقي أخبارها إلى زمن الدولة الآشورية في عهد الملك الآشوري تكلت نينورتا الثاني (889 ـ 884 ق. م.) حيث كانت تكنّى بـ (عانات) ليستمر تاريخها الى الفتح العربي حين اقتحمها خالد بن الوليد وأمر بأن لا يُهدم فيها بيعة أو كنيسة , وأن تدوي نواقيسها في أي ساعة شاء أهلها من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات,  إضافة إلى الفلوجة التي اسماها الآراميون بالأنبار قبل ذلك, ناهيكم عن الحبانية والخالدية وحي الفرات "كولي كمب" التي كانت جميعها معقلاً للمسيحيين بشكل عام بما فيهم من الآشوريين بكافة تسمياتهم المستحدثة والمكونات الأخرى من النسيج العراقي كالعرب والأكراد السنة والشيعة والأرمن ومن الهنود والباكستانيين والإنكليزي المحتل منذ تأسيس الدولة العراقية من العهد الملكي لتكون تلك ابنيتها ومدارسها وكنائسها اليوم مأوىً للنازحين المشردين ولاجئين بعد أن هُجروا من ديارهم في ذات الأرض, ولا زالت الى اليوم تشهد مدينة الحبانية بمعالم المسيحيين المتمثلة بكنيسة مار كيوركيس ومريم العذراء وكنيسة مار ساوا في كولي كمب إضافة لجوامعها ومساجدها ومقابرها المقدسة.
كما علينا أن لا ننسى بأن للأنبار عمقها التاريخي منذ العهد الآشوري البابلي حين سبا نبوخذ نصر اليهود من بيت المقدس إلى بابل, حيث كانوا قد حبسوا في الأنبار, ومن ثم العهد الساساني إلى الفتح العربي في عهد خلافة أبي بكر على يد المثنى بن حارث الشيباني وخالد بن الوليد, لتزدهر في العهدين الأموي والعباسي, متخذاً منها أبو العباس السفاح عاصمة له  وكرسي مملكته  إلى أن مات حتف أنفه ودفن فيها.
ونحن على أعتاب إنهاء مقالتنا وخزتنا دبابيس جديدة من الإنتهاكات التي خصت الموتى أيضاً وهم في لحودهم ليعلن شلة من الضالين ثورتهم على قبور المسيحيين والآشوريين خاصة بإقدامهم على تدمير وتخريب ونبش ألحادهم التي أكل عليها الدهر وشرب, وهل كان في تصورهم أن يستفيقوا من رقدتهم الأبدية لإعادة سلطتهم على مدينة كركوك التي أنشأها سردانيبال ملك الآشوريين في عهد الإمبراطورية الآشورية ق. م.؟! كركوك عاصمة الذهب الأسود المعروفة آرامياً بتسمية " كرخا دبيت سلوخ" أي مدينة سلوقس وفق المجاميع النسطورية للكنيسة الشرقية منذ عام 410 م. إضافة للتسميات العديدة التي أوجدتها السلطات المهيمنة عليها كالفرثيين والفرس والعرب. والأغرب من كل هذا التصرف المشين أن يتحسس الفكر الداعشي بإطلاق سراح 25 آشورياً من الآسر تزامناً مع التخريب وتزامناً مع المولد النبوي ومولد يسوع, علماً بأن أغلبهم من الأطفال في عمر الزهور إضافة لتسعة مأسورين يتجاوزون الأربعين عاماً. حالة يكتنفها العجب العجاب لهذه المصادفة.

لذا نعود ثانية ونقول انه من المؤسف والمحزن حقاً أن تمحى مآثر تلك المعالم الأثرية من أرض الوجود بما فيها الإسلامية والمسيحية, العربية والآشورية واليزيدية لأسباب جلها بعيدة عن المفهوم الإنساني وشرع الدين الإسلامي الحنيف وتعاليم الديانات والمعتقدات الأخرى في كافة أنحاء العالم. آملين من الذين خرجوا عن هدى الصراط المستقيم بتكتلهم الديني المُصغر أن يهتدوا لطريق الحق والصواب, ويتجنبوا زهق الأرواح البشرية البريئة بأساليب وحشية من الدمار الشامل من كلا الطرفين, المتحدي المعتدي والمعتدى عليه, والتخريب المتعمد للتراث الحضاري الذي لا يُعوض مهما بلغت الحضارة الإنسانية من تطور وتقدم وإرتقاء.
وفي خاتمة المطاف نود التنبيه والإشارة لأكبر ظاهرة دينية على المصادفة التي تزامن فيها المولد النبوي مع يوم ميلاد السيد المسيح ولأول مرة منذ 457 عاماً, وهذه المصادفة قد حدثت أيضاً في نهاية شهر ديسمبر عام 1558.  أليست هذه المصادفة ـ نوعاً ما ـ إشارة  إنذار وتحذير من الخالق على شاكلة قصة الطوفان حين " رأى الرب شر الإنسان قد كثر على الأرض" لينذر نوحاً بما ينبغي عمله لتفادي نتائج الطوفان. وليس بالبعيد أن تكون تلك الظاهرة الإلهية بإلتقاء تاريخ المولدين نموذج اشعار على الإختراقات التي تنافي مبادئ الإسلام والمسيحية بإسم المشعوذين الضالين والإرهابيين ودولة الخلافة الجديدة من أجل التوحيد واحترام الرأي في المعتقد وفق مبادئ حقوق الإنسان بالرغم من لونه ومعتقده وانتمائه, انطلاقا من قول الرسول " الناس سواسية كأسنان المشط , وإنما يتفضلون بالعافية..." وقوله تعالى " لكم دينكم ولي ديني" وقوله أيضاً " لا إكراه في الدين ..." وكذلك " ليس للإنسان إلا ما سعى, وأن سعيه سوف يُرى" " فالمسلم من سلم الناس من يده ولسانه " " خير الناس من نفع الناس " وغيرها من الأحاديث والآيات بالرغم من تفاوت تفاسير المجتهدين عن فحوى ما ذكرناه. لذا هل من المنطق العقلاني بأن شلة من الإرهابيين ودعاة الخلافة الجديدة يتوسمون بالمصداقية والإيمان الصحيح ويبصرون الحقيقة أكثر من مليارين من المسيحيين في دول العالم وبأنهم على خطأ؟ وهل إن مليار ونصف من المسلمين الذين يناهضون الفكر الإرهابي هم على خطأ أيضاً؟! أبداً أن يكون ذلك, مقارنة بآلاف المعارضين القابعين في العراق وسوريا ومجموعات متناثرة هنا وهناك. حتماً هذه المقارنة لا يصدقها المنطق الإنساني والتاريخ القويم. آملين في العام الجديد أن تزول الغشاوة عن عيون الضالين المفسدين وتنصهر ريبة وقساوة قلوبهم بتفتح عقولهم ليعم السلام والأمان على البشرية جمعاء لمناسبة التقاء ذكرى أفراح ولادة النبي وولادة المسيح مع استقبالنا لخفايا العام الجديد 2016.
إذن في نهاية المطاف دعونا نقول: بربكم متى يتم التسامح والتآلف ليتحقق الأمان والأمن والسلام في شرق الأنبياء؟
mammoo20@hotmail.com

92
ذات الرأي والمغزى بتعابير متفاوتة
" رجع بخَفيّ حُنين "
ميخائيل ممو
أكل يوسف التفاحة / يوسف أكل التفاحة / التفاحة أكل يوسف / أكل التفاحة يوسف
يوسف التفاحة أكل / التفاحة يوسف أكل
ست جمل متناثرة في التركيب النحوي لتنظيم الكلمات, ومتفاوتة في قواعد وأصول التعبير اللغوي. لكل جملة تركيبها الخاص في المعنى المرمي إليه, والمقصود منه بهدف نيل والتهام التفاحة الحائرة لعملية مضغها والتهامها, بغية تحقيق ما يصبو اليه المتحدث عن ذلك, علماً بأن الغاية المرجوة هي ذاتها وفق مفهوم كل واحد من الناطقين بها, وعلى نحو ما يتأمله ويحلم به ليصيب البعض منهم منطق التلعثم والتلكؤ لمعنى الدلالة. لذا فإن التساؤل هنا يفرض نفسه, هل أن الناطق أو المتحدث يستوعب فحوى ما يتمنطق به؟! قد يكون ذلك إن إستثنينا مدى المعرفة اللغوية في عملية التعبير لكل فرد, وإن إعتمدنا علم القواعد من حيث التحكم لبناء ملائمة المفردات وترتيبها الجُمَلي من جملة توليدية إلى جملة تحليلية واستنتاجية لإختلفت كل واحدة عن الأخرى في الدلالة, طالما لكل لفظة مستقلة وكامنة في ذاتها ولا تحتاج إلى غيرها من الوحدات. فلفظة أكل تتمتع بحرية في موقعها وتنقلها في عملية التركيب كجزء صغير من حيث التركيب, وكذلك الأمر فيما ترميه تكوين ألفاظ المفردات الأخرى.
في حال إقدامنا على تحليل مضمون كل جملة, لسهل الأمر علينا بتأكيد حال الجملة الأولى وفق منطق علم النحو والقواعد المنصوص عليها في اللغة العربية من حيث الإبتداء بالفعل فالفاعل والمفعول به بتأكيد حكم الحركات الإعرابية للفعل الماضي بالفتح والفاعل بالرفع والمفعول به بالنصب إن كان الفعل بصيغة المتعدي واللازم أيضاً. أما الجمل الأخرى التي لا تنسجم وتتوافق لتلك القاعدة بالإمكان تصنيفها وفق حالات التخمين المقصود من التساؤل المفروض في الإجابة كالتأكيد مثلاً في قولك: من أكل التفاحة؟ ليكون الجواب يوسف أكل التفاحة. وحال الجمل الأخرى قد تفرضها كمّن أصيب بالسكتة الدماغية في التلكؤ والتلعثم أو كالمبتدئ على تعلم لغة حديثة, بتقديم وتأخير لفظ مفردة على أخرى مع صعوبة النطق الواضح في إيصال فكرة الفهم والإفهام بالنسبة للمُرسل والمتلقي لما يكتنف وسيلة الإرسال. متى ما تفحصنا حقيقة التعابير الآنفة الذكر في إيصال الفكرة لتفاوتت الآراء من صحة صياغاتها المتعثرة, وهذه حقيقة لا يُمكن نكرانها مهما اسهبنا في التأويل والتحليل والتعويل.
إن مناحي التعابير عادة ما تتفاوت في إبداء الرأي لإيصال المغزى, وهذه حالة تميزها الصفات التي يتحلى ويتسلح بها الفرد بحكم ثقافته ومعرفته وإسلوبه في التعبير لتجسيد فكرته, ومدى استيعابه لها على ضوء مهارة المحادثة والمقدرة على التعبير, كما هو الحال في مسألة حسابية للوصول إلى النتيجة المحتمة بأساليب وطرق رياضية حسابية وهندسية متفاوتة ومغايرة, سواء في حالة الجمع أو الطرح أو الضرب والقسمة لتكون النتيجة أو المحصلة بذات الرقم أو العدد للمطلوب اثباته. ومن ناحية أخرى مشابهة مثلما يهدف السياسيون في تحقيق مآربهم للوصول إلى سدة الحكم بأساليب متعددة منها التآمر, الإنقلاب, الثورة, الخيانة, الإتفاق الضمني وغيرها من المنافذ بالتخطيط القريب أو البعيد المدى أو المباشر. ومن هذه البديهيات نستخلص بأن النتيجة هي واحدة لتحقيق الهدف.
إن الأمثلة التي استشهدنا بها في المجال اللغوي والحسابي والسياسي استخلصناها من واقع مجموعة من ممثلي أبناء شعبنا لأحزابها السياسية ومنظماتها الفكرية في لقاءاتهم بين فترة وأخرى, وذلك من جراء الظروف والأحداث القاسية التي فرضتها عليهم بغية التقارب والتفاوض لتوحيد الرأي والفكرة التي تنشد الخلاص من هضم وهدم وجودنا القومي كشعب آشوري بكافة انتماءاته التسموية المذهبية التي تسعى للإرتقاء بهيبته التاريخية لنيل حقوقه المشروعة وفق مبادئ حق تقرير المصير والمفهوم الديمقراطي. كما وإن ذلك تؤكده العديد من مكونات الشعب العراقي وأحزابه في وقت الأزمات التي تشمل الجميع, ومن خلال مسعى كل ممثل حزبي بما يجده مناسباً في مداخلاته التي تشكل سجالاً عقيماً أي لا غالب ولا مغلوب مردها التقوقع المذهبي والعرقي والطائفي والعشائري والإتجاه السياسي أو الفكري بمقولات وتحليلات وتأويلات متضمنة ذات المعنى بأساليب مختلفة على نحو تعبير تركيب الجمل المنوه عنها سابقاً, ليتم عدم الإتفاق على النص القويم والصحيح بمهاترات ومؤاخذات يناقض بعضها الآخر باللوم والمعاتبة, لينطبق بالتالي على كل واحد منهم بعد التفاوض المثل القائل: " رجع بخَفيّ حُنين " والذي مفاده الإخفاق بمعرفتهم على الخسارة التي منيوا بها لسوء التصرف في التحام صيغة التعبير كإنفراط خرز المسبحة, وبما تؤكده أيضاَ المقولة الشائعة " أتفقوا على أن لا يتفقوا " ليفندوا عن عمدٍ ودراية هدف رؤيتهم وعلى تفتيت حروف كلمة الوحدة بمحدودية الفهم اللغوي الخاطئ للتعبير في الميدان السياسي. علماً بأن المغزى المنشود من الرأي المطروح هو ذاته, مشوباً بإسلوب مبطن تفرضه التوصيات الخارجية والجانبية من خلف الستارة المتهرئة والمعلقة بدبابيس صدئة. لذا فإنه متى ما سبرنا وتوغلنا في دساتير ونواميس أحزابهم عملياً أو بالتخمين والظن لوجدناها تنادي بمبدأ الحرية والديمقراطية التي لا مفر منها, ولكن يتم تجسيدها بعكس ما هي عليه في مفاهيمها الإنسانية الحقيقية. إذن دعنا نقولها وبحرية تامة " إن الحرية تمنحك الحق في أن تخطئ, لا أن ترتكب الخطأ عمداً ".
mammoo20@hotmail.com

93
قيمة المجهود الفكري في متجر سوق مريدي
بقلم: ميخائيل ممو
أن أبدأ حديثي عن مفهوم كلمة الأدب وما تتضمنه هذه المفردة من اعتبارات ومعايير  لغوية, من المحتم أن يستنفر من الموضوع من لا يدرك فحواه وأبعاده, لتشمل بالتالي مجموعة كبيرة ومماثلة من القراء الذين هم بعيدون عن الواقع الأدبي, وبشكل مباشر من العنوان الرئيسي والبارز الذي يتوج ويتصدر المقالة الخاصة بالأدب وما تستوعبه هذه المفردة من حقول متفاوتة, ليقتصر الأمر فيما بعد على النزر اليسير من ذوي الإهتمام الأدبي, بدلالة ما تؤكده إحصاءات مشاهدات هذا الحقل في الصفحات الأدبية الألكترونية والأعمدة المخصصة لها، ناهيك عن حقول النشريات الأخرى الورقية من المطبوعات. وهنا يبدو ويؤكد القراء العاديون والسطحيون بأنهم يشكلون أضعاف من هم من ذوي الإختصاص والإهتمام بالشأن الأدبي. ليغيب عن بال القارئ العادي من تقييم وتقدير الجهد الذي يبذله الكاتب فيما يتوصل اليه من أفكار إيجابية لإستمالة النفوس وإيصالها للناس لتدري بالنفع الخاص والعام لهم, علماً بأن الغالبية العظمى من القراء يقضون يومياً ما لا يحصى من الساعات في تصفح آليات النشر الحديثة, ومن ضمنها وأهمها في نظرهم تلك المألوفة بمواقع التواصل الإجتماعي كالفيس بوك والماسنجر وما شابه ذلك, غير مستدركين بأنها اصبحت الشغل الشاغل لهم والشبيبة على نحو خاص, لإحتوائها شذر مذر من الكلام والصور ومقاطع الأفلام الغريبة دون التمييز بين الغث والسمين, لكون الغث أو الردئ أصبح من سمات العصر حين يُصاغ ويُطعم بإشهار مشوق لإغواء القارئ أو المشاهد بتعليقات واهية ومرتجلة, ناهيك عن تلك الإعلانات المزخرفة والمزركشة بأزهى الألوان وأجمل العبارات للمواد المقصودة, وبتفوق أثمان صياغتها ونشرها أضعاف سعر مجموعة الكتاب الواحد. هذا ما يبدو واضحاً وجلياً في كافة الحقول الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية, وما شاع مؤخراً من خلال ذلك الجهاز التلفوني الساحر أو تلك الآلة الصغيرة المتعددة الأنواع  التي تتلاعب وتتراقص أصابع اليد عليها بخفة متناهية أينما تواجد حاملوها في المقاهي والقطارات والشوارع وأماكن أخرى.
إن ما دعاني لتدوين هذه الديباجة هي المصادفة التي حتمها عليّ فضولي وبشكل تلقائي لزيارة مكان منزوٍ ومختص بعرض المواد والحاجيات الفائضة لدى المتبرعين لدعم مساهمات مناداة وأهداف بعض الجمعيات الخيرية المعروفة بـ " السيكن هاند " التي تسعى لدعم المحتاجين والمعوزين في بعض الدول. كان ذلك في إحدى المدن السويدية, حيث تتصدر واجهة المحل وعلى مرآى من الزجاج العازل للفت انتباه المارة ببعض التحف النادرة أحياناً. وفي جولة بين اروقة المعروضات, فإذا بي أمام أكوام من الصناديق التي تشكو الإنعزال والملآى بأنواع من الكتب إلى جانب سلسلة طويلة من الرفوف المثقلة بما لا يحصى من المطبوعات القديمة والحديثة وكأنها متجر تراثي لبيع الكتب النادرة, ليخونك الإعتبار والتأمل بأسف بالغ لذلك الجهد الفكري والثقافي المميز بعد تصفح البعض من الكتب لتثبت حداثتها بدلالة تاريخ إصدارها, والقسم منها بتكرار ذات النسخ وكأنها صدرت حديثاً من المطابع لتجد مكانها في البيئة التي لا تلائم تواجدها, رغم أهمية مضامينها لدى الذين يحاورون أنفسهم عنها من خلال تجاربهم ومما يستنبطون من أحداث واقع المجتمع الذي يتعايشون معه ليتم تزاوجها بولادة مبادئ جديدة معمذة بعناوين الكتب الصادرة.
وهنا خطر على بالي ما كنت قد سمعته وقرأته عن شهرة " سوق مريدي " الذي كان يجمع كل ما بحاجة المشتري من المستعمل والمستحدث من المواد وبما فيها من الجرائد والمجلات والكتب، وكما يشار أحياناً بإستصغار واستهجان البعض من حملة تسمية لقب " الدكتور والماجستير أيضاً " من تلك السوق التي هي بمثابة الجامعة التي لا يعترف بها دولياً. وهذا ما تؤكده الفترة الزمنية وطرق الدراسة التراسلية لحملة تلك الألقاب التي تتعارض بمقارنتها مع الجامعات الرسمية والمعترف بها رسمياً في سجل الدراسات العليا دولياً , وغياب اطروحاتهم من التسجيل الرسمي المتعارف عليه.
إن الغرض الرئيسي من هذ العرض الغريب هو أن يختلط الحابل بالنابل, أي بما معناه المجهود الفكري والتثقيفي لمن يشار اليهم بالبنان من المبدعين والمتميزين لتكون اسماؤهم بمصاف من لا تجدي أعمالهم نفعاً, وتقييم نتاجاتهم على حدٍ سواء بذات القيمة والمكانة بأبخس الثمن, وبالسعر الذي لا يرتضيه حتى الجهلاء, وكأنك تساوي ما بين نبته تفوح بالعطر الزكي ونبتة مجاورة تزكمك نتانة أشواكها لتواجهك نسمة كأداء.
ومما لا شك فيه أنه من بين تلك العطاءات الفكرية كالكتب التراثية النادرة واللوحات الفنية الشهيرة, تجدها وقد اتخذت طريقها إلى مكان آخر مشابه نوعاً يعرف بالمزاد العلني, ليتم عرضها والإعلان عنها بغية بيعها بالمزايدة المباشرة, فتكون المفارقة كبيرة جداً بين حشر كتاب قيم وذات أهمية بين كتب غايتها الترفيه والمخادعة بإمور خرافية وغيرها من الصفات التي لا تقل شأناً عنها. فتجد المفارقة والمقارنة كبيرة حين يصل سعر الكتاب أو اللوحة بما لا يصدقه العقل. وهنا قد تكون المصادفة أن يُحشر كتاب ما بين الكتب المهداة لمتجر ما دون معرفة المُستلم لقيمة ما ورده, وليُسعّره ويُثمّنه بأبخس الثمن دون معرفة شهرة ومكانة المؤلف ونتاجه الفكري الإبداعي, وقد يكون من حملة أعلى الجوائز التقديرية. ولكي أكون أكثر صدقاً وواقعياً مما عرضناه, صادفني في يوم ما زيارة صديق في مكتبة واسعة وغنية بما تحويه, فوجد كتاباً له أهميته الفكرية والتراثية مرمياً على أحد الرفوف المحتشدة بالكتب, تناوله ليسأل المكتبي عن سعره الذي خمّنه ما بين الخمسين والمائة دولار, فإستغرب صاحبي مبتسماً بعد أن أشار لسعره الرسمي من خلال الإنترنيت بثمنمائة دولار مع محدودية النسخ المتواجدة لدى إحدى دور النشر. وهذه دلالة على أن العديد ممن يتاجرون بالكتب ويتولون مسؤولية عرضها وبيعها لا علم لهم بأهمية هكذا مطبوعات وبمؤلفيها, والأدهى من كل ذلك أن يتراءى لك المخزون منها في صناديق كارتونية أسيرة الأقبية المظلمة النتنة لتكون طـُعْماً للفئران وحشرات العث بأنواعها المتعددة, متناسين قيمة نور الكلمة, وكما ورد في إنجيل يوحنا " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ." ولكي لا نحصر الأمر على قراء العربية من أهل الذمة, نوجه تساؤلنا بجملة أين هم قراء العربية من أولى الآيات القرآنية " إقرأ بإسم ربك الذي خلق..." بتسهيلهم على إحتضان تلك المتاجر المريدية نتاجات المؤلفين الذين سهروا الليالي وعانوا ما عانوا على نشرها بخسارتهم المادية والمعنوية بدلالة نسبة إحصاءات المكتبات الخاصة والعامة ودور النشر في البلدان العربية فيما يتعلق بالمبيعات, ومنها ما هو أيضاً في ديار المهجر في بعض الدول الكبرى المكتضة بقراء العربية من أصول ديارهم الأصلية من جذور عربية, مقارنة بقراء مواطني تلك البلدان التي حلوا ضيوفاً فيها. وأين القارئ العربي من فحوى المقولة الشائعة التي تردد دوماَ " الكتاب خير صديق للإنسان " ناهيك عن خلو بيته من رف واحد لتزينه الكتب بدل تحف الزينة, مقارنة بأصحاب بيوت مواطني تلك البلدان التي لا تخلو من أمهات الكتب, ربما تيمناً بمفهوم المثل العربي الشائع إلى جانب مثل الألفة الشائع لديهم مجسداً ذكاء وقوة ووفاء ومجالسة الكلب في المقولة التي مفادها " الكلب خير جليس وصديق للإنسان". وهناك أيضاً من الدلائل الكثيرة التي تجدي الإنسان وتنقذه من الصعوبات والإشكالات مقارنة ومقايسة بما ترمي اليه العديد من الكتب رغم صغر حجمها بمحدودية عدد صفحاتها, وعلى سبيل المثال لا الحصر, كتاب النبي لجبران خليل جبران وإبداعاته الأخرى التي لا تقل شأناً في مضامينها الفلسفية والتربوية الإرشادية والتوجيهية للتثقيف الذاتي, بدلالة طغيانها مكتبات العالم بترجمتها لأكثر من خمسين لغة. آملين أن تستيقظ الضمائر لقراء العربية مهما كانت جنسياتهم لتقييم وانتشال مطبوعات المبدعين من أسواق مريدي تقديراً لقيمتها وأهميتها ومنافعها, لتطمئن أرواح من خلفوا لنا عصارة جهدهم لخدمة البشرية والحضارة الإنسانية.
mammoo20@hotmail.com

94
محاضرات لرابطة الكتاب والأدباء الآشوريين
على أثر الزيارة التي قام بها وفد أدبي من رابطة الكتاب والأدباء الآشوريين في الوطن الأم, متمثلاً بالسيد د. عوديشو ملكو والسيدة سوزان القصراني والسيد بنيامين أبرم البازي للقاء أبناء شعبنا في السويد والدانمرك.ولمناسبة هذه الزيارة فقد تولى نادي بابيلون الآشوري في يونشوبينغ مهمة تنظيم لقاءاتهم وفق الفقرات التالية:
•   الخميس 26. 11. 2015  محاضرة للطلبة الآشوريين في جامعة فيكشوـ السويد.
•   السبت 28. 11. 2015  محاضرة لأبناء شعبنا في مدينة اورهوس / الدانمرك.
•   الجمعة 04. 12. 2015  محاضرة في لينشوبينغ في تمام الساعة السادسة عصراً على قاعة مؤسسة Fridtunagatan 2.. Bilda
عنوان المحاضرة: الروابط بين الأمة الآشورية وكنائسها.
•   الأحد 06. 12. 2015 محاضرة في نادي بابيلون الآشوري, وذلك في تمام الساعة الرابعة في مقر النادي.
عنوان المحاضرة:
ـ قضايا إدبية ولغوية آشورية.
ـ استعراض أوضاع أوضاع المسيحيين عموماً في الوطن.

                   
نأمل تواجد المهتمين في الوقت المحدد
أهلاً ومرحباً بكم
نادي بابيلون الآشوري


 

95
مكونات الشعب العراقي ضحية سلطة شريعة الغاب
بقلم: ميخائيل ممو
ما أجمل أن يتشبث الإنسان بجذور نشأته في مرتع طفولته وبحبوحة صباه, ليعمد بالتالي معبراً بشعور لا إرادي عن انتمائه الإثني في الوسط الجماهيري من ذراري بني قومه وجنسه المنتمي واللامنتمي لقضاياه المصيرية، وليكشف فيما بعد بوعي شبابي وإحساس مرهف عن مواقفه القومية ـ قولاً وعملاً ـ في ميدان العالم الآشوري الصاخب, بالتصدي لتجاوزات المُعتدي من خلال المآسي والأحداث المروعة والإنتهاكات التي يعيشها أبناء جلدته من الشعب الآشوري بكافة تسمياته التاريخية التي مصدرها من ذات المعين الذي ننهل منه أفكارنا.
ومما لا شك فيه, وعلى نحوٍ خاص أن نجد أقلام العديد من كتابنا الذين تتمحور في انفسهم مشاعر الإنسانية ومحفزات الوجود القومي, يدبجون ما يتراءى لهم بمقالات عن الأوضاع المزرية والمأساوية التي تخص من هم تحت وطأة من يدعون الديمقراطية, وهم بعيدون عن فهم معنى الديمو ـ قراطية التي تعني حكم الشعب متمثلة بالذين ينتمون لمكونات ذات الشعب في الدول التي لهم فيها ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات على حدّ سواء وفق الدساتير المدونة. أما الإجحاف بحق المواطنة لغالبية مواطني تلك المكونات المتمثلة بالآشوريين والصابئة والأزيدية والتركمان والأرمن في الدول التي يتواجدون فيها فهي انتهاك لمبادئ الديمقراطية التي تؤكد وتعترف بأصالة تواجدهم على الأرض التي احتظنتهم ودافعوا عنها في السراء والضراء منذ فترات أيام المحن والكوارث في عهود مختلفة, إيماناً منهم بولائهم للوطن بما يحتمه القانون وتنص عليه الدساتير المرعية.
إن ما يُكتب ويُنشر تباعاً لا ضير فيه, طالما الظروف المنوه عنها تلزمهم على الإفصاح بما تُعانيه مكونات وشرائح اولئك المواطنين, علماً بأنه من واجب السلطة حماية وجود تلك المكونات بأي شكل من الأشكال, وأن لا يقتصر استغلالها في الأيام العصيبة فقط , مثلما تشهد له أحداث المعارك والحروب التي طالت الوطن الأم في فترات متفاوتة بتجنيد أبناء تلك المكونات في الخطوط الأمامية للدفاع عنه, بدلالة زخم قوافل الشهداء الذين تيتمت عوائلهم, وما لا يحصى من الأسرى بنعتهم من مواطني الدرجة الثانية أو الثالثة والتخلي عنهم لإنتفاء الحاجة المشروعة, واعتبارهم من فئات ومجاميع شذاذ الآفاق أي من الغرباء والدخلاء على الوطن الذي سقوه بدمائهم الزكية, ودافعوا عنه بإخلاص وتفانٍ لحماية الأرواح بتلك سواعدهم الفتية التي سخروها بعرق جبينهم ومروءتهم ووفائهم لتصون حدود وجوده من المعتدين. فإن كانت ديمقراطية السلطة الحاكمة تنتهج ادوار الغبن الفاحش من المكر والخديعة والحاق الضرر بالمعنى والمنطق الليبرالي الذي تنادي به, فأين هي مبادئ العدل والمساواة؟! وأين هي ممارسات الحقوق والحريات الأساسية من الناحية التطبيقية؟! وأين هي بالتالي سلوكية إحترام الرأي الآخر؟!. وأكبر دليل مستحدث لسلسلة شبيهة من هذه التساؤلات هو إقرار قانون تشريع البطاقة الوطنية بسلب حق الأطفال القاصرين من أبناء المكونات المسيحية بأسلمتهم في حال اعتناق أحد الوالدين للديانة الإسلامية, المُنافي لحرية الرأي وما أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن حقوق الأطفال بما نصه " لهم الحق في التعبير عن وجهات نظرهم وأن يتم احترامها " وغيرها من النصوص التي تؤكد ذلك. وفي الوقت ذاته تزامن الأحكام المجحفة والصادرة بحق وزير البيئة السابق السيد سركون لازار بتبريرات قضائية واهية فيها من المغالطات الثبوتية التي تفندها خدماته ومواقفه في هيكلية العمل الوزاري. تساؤلنا هنا هل لكونه آشورياً ومسيحياً فقط أم أنه العنصر الوحيد بين تكتلات التشكيلة الوزارية؟ فإن كان الأمر كذلك, أين هو القضاء العراقي من عشرات الوزراء ونوابهم ومسؤولي الكتل النيابية الذين يؤمنون بالإسلام من الذين عاثوا في أرض بلاد ما بين النهرين من فساد ودمار بسرقة ونهب أموال الشعب العراقي بإفراغ خزينته بما لا يحصى من مليارات الدولارات بالسحت الحرام بخبث وقبح وتجاوز ينافي مبادئ الدين الإسلامي الحنيف, رغم تشبثهم وتمسكهم به؟!   
هذه المغالطات والإنتهاكات والتجاوزات اللاشرعية التي تنفذها الأحزاب السياسية المهيمنة على مقاليد الحكم, وعلى إدارة دفة الأمور في البلدان التي يقطنها أبناء شعبنا, عادة ما تدع الكثيرين من أتباع تلك الأحزاب بأن يشذوا عمداً عن المسار الخلقي والمبدأ الإنساني على تجاوز حقوق الإنسان, والقيام بأسوأ مما تتقصده مفاهيم تلك الأحزاب المتسلطة بإسم الديمقراطية من الناحية النظرية بالخفي والعلانية لمآربهم الذاتية التي قد تنبع أحياناً من جوهر المبادئ المبطنة لسياسة تلك الأحزاب, كما هو الحال في الوعود الكاذبة والضمانات المعلن عنها في مواعيد صراع الإنتخابات, بغية حصد الأصوات لتحقيق مآربها, ناهيك عن تلك المجموعة من الذين يلفظهم المجتمع السوي من المنحرفين عن الأعراف والعادات والتقاليد الإجتماعية بطباعهم السلوكية الشاذة من مرضى النفوس بتمردهم على سلب حقوق الآخرين, والتطاول بالإستحواذ على ممتلكاتهم بالإختطاف والتهديد والتخويف والترحيل, مثلما يتم عن معرفة مقصودة بقلع جذور شجرة معمرة ومثمرة تدر بالنفع الوفير رغم جمالية وجودها على أرض ولادتها بجهود من يحميها بحذر واهتمام بالغين.
 الأدهى من كل ذلك ووفق منطق لكل فعل رد فعل, تستشري الأمور بشكل أوسع مما هي عليه, بحيث يقدم من يقوى على محاولات إنتزاع سلطة الأقوى بأشرس السبل وأوحش الطرق كما يتراءى للعيان وعن كثب في الساحة العراقية بين اتباع مذهبَي السنة والشيعة من متبني الإنتماء العربي, ومن الطرف الآخر من متبني الإنتماء العرقي واللغوي في الوجود القومي كالكورد والتركمان ومواقفهم من الوجود العربي دعاة القومية العربية وعكس ذلك, بالرغم من انضوائهم تحت سماء رابطة الدين الموحد المتمثل بالإسلام الذي ينفي ويُفند تلك المعتقدات من خلال مضامين ومفاهيم العديد من نصوص الآيات القرآنية. والأسوأ من كل تلك المناوشات النفعية اللاعقلانية انبلاج الموجة الجديدة والصاخبة بإسم الدواعش من الذين زادوا الطين بلة بتحريف راية الإسلام الحقيقي بتلك مبادئهم الغريبة على العالم أجمع , وبتلك مناداتهم التي تفندها كافة الديانات السماوية والوضعية على وجه الأرض, وبما شرعه الخالق لعباده من العقائد والأحكام بإقدامهم على ما لا يتواجد حتى في شريعة الغاب أي قانون البقاء للأقوى, لكون الأقوى أحياناً بحكمة الإيمان يخضع لتأثيرها لتكون نظرة رحمته مشوبة بضمير مغاير كعامل مساعد للترويح عن قوته مهما استشرت غطرسته وبلغ طغيانه. هذا ما أكدته سلطة الدواعش في قرارها المؤرخ 7 تشرين الثاني 2015 بإطلاق سراح 37 آشورياً محتجزاً من كلا الجنسين, على أمل تحرير وعودة ما تبقى من المختطفين والمهجرين من قراهم الآشورية في مناطق الخابور بسوريا وباقي المخطوفين من المكونات الأخرى في العراق وسوريا. وبهذه الخطوة تكون قوى الدواعش ـ نوعاً ما ـ قد خففت مما كانت قد أقدمت عليه مقارنة بانتهاكات سلطة ديمقراطية السلب والنهب والقتل على الهوية المستشرية في كل زاوية من زوايا أرجاء الساحات الواسعة من الحدود العراقية على المستوى الرسمي والشعبي. فحتام يبقى العراق على ما هو عليه اليوم؟! يعيش حالة الفقر المدقع بإقتصاده المُنهار, وبتشريد أبناء شعبه الجبار على أيادٍ ملطخة بدماء الأبرياء الذين يلتحفون العراء ليعيشوا حالة أزمة حشرجات الموت عشرات المرات من شدة قيظ الصيف اللاهب وقسوة اشتداد برد الشتاء القارص بأمطاره التي استعاضت عن مخزون الآبار النفطية المستحوذ عليها من ذوي المصالح الخاصة لمنافعهم الذاتية ومصالح الجهات والدول التي تدعم مصالحهم ومواقفهم السياسية لإثراء أرصدتهم في بنوك تلك الدول كضمان لتأمين حياتهم وحياة عوائلهم استعدادا للهرب المفاجئ, تيمناً بمن سبقوهم وأرشدوهم على ذات الطريق, تخلصاً من قبضة الحكم متى ما سلط القضاء النزيه مطرقته على طاولة العدل.   

99
الإحتفال بـ "يوم اللغة الآشورية" في السويد على مستوى أكاديمي 

بسبب كبر و سعة الموضوع تم نشره على شكل ملف PDF. يرجى النقر على الرابط ادناه للاطلاع.
http://www.ankawa.com/sabah/SPRAKDAG2015.pdf

104
المعلم ليس وحده المسؤول عن نجاح العمل التربوي

بقلم: ميخائيل ممو
في منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي 2014 بدعوة من منظمة اليونسكو إلتقى في بيروت 45 خبير دولي من خبراء وزارات التربية والتعليم، المؤسسات الأكاديمية، الهيئات الدولية، المنظّمات غير الحكومية والوكالات المتخصّصة في العالم العربي للمشاركة في ورشة العمل الإقليمية الثالثة حول "تطوير سياسات وممارسات المعلّمين في العالم العربي". لعرض أفكارهم والنتائج التي كانوا قد توصّلوا إليها بمشاركة خبراء من دول أميركا اللاتينية وأفريقيا للاستفادة من عملية تطوير هذا النوع من الوثائق، وإعطاء الفرصة لزملائهم من الدول العربية للاطلاع على تجارب دولية مماثلة والتعرّف على عوائق وتحدّيات واجهت نظرائهم في مناطق أخرى خلال تطويرهم لسياسات تنظيمية عامّة للمعلّمين، بغية تبادل الآراء ووجهات النظر للوصول إلى ما يجدي نفعاً للعملية التربوية على أحسن وجه.
شملت نقاشات اللقاء التربوي حول أبرز التطوّرات، والتحدّيات والسياسات المعمول بها، بالإضافة إلى الخطوات العملية التي يجب القيام بها بهدف خلق بيئة وظيفية مناسبة لإحراز التقدّم النوعي في التعليم في العالم العربي.
من المألوف والمتعارف عليه إن الإقدام على عقد لقاءات بهذا الشكل والمحتوى تحت شعار تطوير العمل التربوي والتعليمي، ينبغي عادة ان تشمل المسببات التي تكون عائقاً لذلك التطوير، وليس حصراً على عنصر واحد من العناصر المتمثلة فقط بالمرسل اي المعلم. لكون المعلم مهما كانت درجة ممارساته التعليمية والتحصيل العلمي المقتنى والشخصية التي يتمتع بها في المجهود الذي يبذله ـ وهي من واجبه ـ عليه أن لا تتغافل تلك المؤتمرات عن الجوانب السلبية المتمثلة في المتلقي والمقصود بها التلاميذ في كافة مراحلهم التعليمية والدراسية، إضافة لوسيلة الإرسال المتمثلة بالمناهج وغيرها من العوامل السلبية.
كما لا يخفى على أحد بان المعلم مهما كانت صفات شخصيته، فأنه يحمل ذلك الإسم الذي يؤهله على إداء وظيفته وفق تأهيله العلمي والتربوي، حاله حال الطبيب الذي يقوم بواجبه لمعالجة مرضاه، وعادة ما تتفاوت الكفاءة المقدرية بين شخص وآخر. منهم من يبقى على ما تسلح  به أيام دراسته في تحصيله العلمي، ومنهم من يسعى لتطوير معلوماته وفق ما يستحدث من أمور. ومنهم من يؤدي واجبه وفق ما تملي عليه القوانين الوزارية للتربية والتعليم. لهذا فإن ما يمليه المعلم على تلامذته تتفاوت على ضوء ما يتصف بها من إمكانات وخططه المنهجية المبنية على خبراته، والسنوات التي قضى فيها مهنة التعليم والدورات التربوية التطويرية التي يقدم على المشاركة فيها للتعرف على أحدث الطرق والأساليب المستحدثة لتطبيقها.
تساؤلنا هنا هل يتمتع كافة المعلمين بتلك الصفات الإيجابية لتحقيق ما يصبون اليه؟ لا أظن ذلك بتاتاً، طالما الوضع الإجتماعي والإقتصادي والنفسي لها تأثيراتها المباشرة على حياته، حسب ما أثبتته العديد من الدراسات والبحوث الميدانية في البلاد العربية. فإن توسعنا أكثر وقارنا ذلك بمعلمي الدول من الذين يمارسون ذات المهنة في البلدان الأجنبية لأبناء المهاجرين من البلدان العربية البالغ عددهم بالملايين والراغبين في تعلم اللغة الأم، لإكتشفنا بأن الحالة هي أسوأ مما هي عليه في بلدانهم الأصلية لأسباب عديدة، منها تولي مهنة التعليم من لهم اختصاصات لا تمت بصلة للتعليم, ومنهم من لا زال متشبثاً بالأساليب التقليدية، ومنهم من لم يتأهل لمستوى التعليم، وتفاوت لهجات المعلم بحكم تفاوت عدد مجموعة التلاميذ الذين هم من بلدان عربية متعددة كالعراقي والمغربي والمصري وغيرهم. ولكي أكون أكثر مقربة من هذا الواقع، أنا شخصيا تلمست هذه الحقيقة من معايشاتي في حقل التعليم والتدريس على مدى أربعة عقود بالرغم من اعتمادي الفصحى وفق المناهج المقررة إلى جانب تمكني من اللهجات الشائعة التي تسهل علي فكرة إيصال بعض الشروحات الإيضاحية التي تستوجبها اللهجة العامية المناسبة للهجة التلميذ. فهل يتوفق المعلم في إداء رسالته ومهمته إن لم يتمكن لهجة بعض التلاميذ؟! من أجل أن أكون أكثر واقعياً وصريحاً أروي هنا ما لمسته ذات مرة من أحد المطبقين لدي الموفد من معهد معلمي اللغة العربية في ستوكهولم حين سأل عن فائدة القلم من خلال الجملة المقروءة، لتسأله إحدى الطالبات عن معنى القلم، مجيباً أياها بلهجة " ألم " لتفهم منه بأنه يعني " الوجع ". ولدى حيرته من إيصال المعنى سارع برفع القلم وأشار لما يعنيه، فأجابته الطالبة قائلة: " الله يخليك استاذ، دي گول گلم " بلهجتها الخاصة. هناك الكثير من هذه الحالات التي تصادف المعلمين الذين هم بعيدون عن لهجة التلميذ الذي ورث نطق الكلمة بلهجة المحيط العائلي والبلد الأصلي الذي قدم منه، وعلى نحوٍ خاص وظاهر للعيان أثناء الكتابة الإملائية في المراحل الأولى من التعليم لهجاء الكلمة باللفظ المتطبع عليه التلميذ، كأن يلفظ أو يكتب الجيم بالكاف أو الياء كقولهم في اسم "دجاجة" دگاگة كما في مصر ودياية كما في جنوب العراق ودول الخليج، ناهيك عن العديد من الحروف الشبيهة لهذه الحالة كتغيير لفظ حرف الظاء بالزاي، والضاد بالدال، والقاف بالهمزة وغيرها، علماً بأن هذه الظواهر متواجدة نسبياً في كافة اللغات على وفق محيط البيئة الجغرافية على سبيل المثال وغيرها من العوامل.
أما أن " يُعتبر المعلّم الأساس في نجاح أي تطوير تربوي" وفق ما أشار اليه مدير مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية مستبعداً بعض العوامل الهامة، فهي حالة لا تنطبق مع فاعلية العمل التعليمي حين يشير قائلاً: "مهما كانت نوعية وجودة المناهج الدراسية ووفرة التقنيات التربوية، ومهما بنينا من خطط واستراتيجيات، يبقى نجاحها مرهون بيد المعلّم. لذلك، الاهتمام بتأهيله وتدريبه يُعتبر من ضروريات نجاح النظام التربوي".
نعم، أن مسألة الإهتمام بتأهيل وتدريب المعلم من مستلزمات المهنة على مرور الزمن من جراء ما يستحدث في العمل التطبيقي في أرقى الدول على يد الإختصاصيين التربويين وعلماء النفس التربوي والإجتماعي وغيرهم ممن يسعى للنهوض والإرتقاء بما يشفي الغليل. أما أن نتغافل ونتغاضى عن أهمية المناهج الدراسية والفروق الفردية ووسائل الإيضاح الأخرى هي عملية لا يمكن الإستغناء عنها طالما تعد من الأجزاء المكملة لنجاح العملية التربوية، وطالما يعتمدها المعلم في إتمام واجبه، ومن دونها لا تستكمل الأهداف المرجوة، وما سعى إليه التربويون على تحسين نوعية العملية التعليمية وتشجيع رسم السياسات المدروسة على استحداث انجع السبل في العديد من الدول التي بلغ فيها التعليم أرقى المستويات كالدول الإسكندنافية مثلاً. لذلك، وكما ينبغي المبادرة على رفع مستوى رسل العلم والمعرفة، يستوجب أيضاً وعلى نحوٍ متزامن من تشذيب المناهج التعليمية وفق أحدث الطرق المشوقة شكلاً ومضموناً، وكذلك ما يتعلق بالواقع المدرسي وظروف التلاميذ كونهم يشكلون الدور الجوهري والمركز الرئيسي في دائرة التعليم، وبدون وجود ذلك لا وجود للمعلم ولا وجود لعملية التعلم والتعليم.
mammoo20@hotmail.com




106
ذكرى يوم اللغة العالمي مأثرة تاريخية



بقلم : ميخائيل ممو ـ السويد
 
تمر علينا  في غضون شهر شباط من كل عام الذكرى التي تتوج عالم العلم والمعرفة، عالم الفن الكتابي والتثقيف الذاتي، عالم "في البدء كان الكلمة..."، عالم "إقرأ ، إقرأ بإسم ربك...". نعم هذا العالم الذي أكدت نوره نصوص الكتب السماوية وأضفت على جوهر اللغة هالة من التقديس لأهميتها في حياة الإنسان. ذلك العالم الذي زاد من معانيه وكثف من دلالاته أئمة الفكر من الفلاسفة والحكماء والأدباء والشعراء منذ فجر التاريخ ولحد يومنا الحاضر الذي أطرته منابع التقنيات الحديثة بغية الوعي الدائم في مسيرة الحياة.
لذا انه من الأهمية هنا، وفي اليوم المصادف 21 شباط 2015 ان نستذكر الذكرى الخامسة عشرة من يوم اللغة العالمي بإقرار منظمة اليونسكو على ضوء ذلك اليوم من عام 1999 الذي تم تدوينه والإعلان عنه بغية الإحتفال به وتبجيله منذ عام 2000 في كافة أنحاء العالم. على أثر ذلك، وعلى مدى الخمسة عشر عاماً استقبلت المؤسسات الثقافية والمكتبية الرسمية والمنتديات الأدبية والجهات المدرسية التربوية للإحتفاء بهذه المناسبة من خلال العديد من الفعاليات والنشاطات ذات الأهمية في حياة الطلبة وذوي العلاقة من المؤسسات الأخرى.
إن كان الهدف الرئيس من منظمة اليونسكو إحياء لغات العالم على أحسن وجه، فهي دلالة على ما لها من أهمية في حياة شعوب العالم أجمع دون تمييز بين لغة وأخرى، كون اللغة هي نسمة روح الحياة في جسد الوجود القومي والوطني لأية امة، وأداة التفاعل الإجتماعي، والوسيلة لدعم وإسناد ذلك التفاعل من أجل التطور والإنتماء تحت لواء الجماعة في المجتمع الذي ينضوي تحت سقف تلك اللغة.
كما وتبين من قرارات المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة  ( اليونسكو) هو محاولة الحفاظ على تلك اللغات التي أدرجت في قائمة الإندثار والزوال والذوبان، طالما لها جذورها في اللغات المستحدثة عنها بتداولها الشفهي لبعض الشعوب، وكتابة أيضاً بإنحصار آثار وجودها لدى المهتمين بتراثهم اللغوي ولدى المستشرقين المتخصصين بدراسة تلك اللغات التي منها اللغة الآرامية التي هي وليدة وامتداد جذور اللغة الأكدية أي البابلية الآشورية المألوفة على مدى طويل من القرون والعصور التاريخية، وعلى نحو خاص ومتميز في المراكز الدينية، حيث بدأ في عصرنا الحديث يشع نجمها ويسطع نورها بتفرع تسمياتها بعد تحررها من قبضة الإستعمار السياسي والإبادة الجماعية للناطقين بها وتشتت أبنائها في أصقاع العالم، لتعيد مجدها من أجواء تلك المناطق، كونها لغة الأسلاف والأخلاف أي التي تنحدر منها ذريتهم. وأكبر دليل على ذلك تأسيس المعاهد الأكاديمية والمجامع اللغوية الخاصة بها في العراق وسوريا منبع تلك اللغة وفي دول الشتات أيضاً، إضافة للمدارس الخاصة والرسمية في العديد من الدول كما هو الحال في عراق اليوم بصورة جلية في ثمار مدارسه.
ومتى ما تأملنا بشكل أوسع لفحوى قرارات اليونسكو لوجدنا بأن أهميتها لا تنحصر فقط لما أشرنا اليه، وإنما هي أبعد من ذلك، وفي مقدمتها الإحياء والتطور اللغوي لبسط نفوذها في حياة الشعوب الناطقة بها، والحفاظ على الإرث الحضاري بما فيه الثقافي والأدبي والعلمي. إضافة لإثراء الرصيد اللغوي وتوثيق حركة النقل والترجمة بين اللغات، وتشجيع الكتاب والأدباء والشعراء والعلماء في حقول مختلفة على البحث والإستقصاء والإستنتاج في مجال تخصصاتهم. ومن أهم الأسس المعمول بها حث وتشجيع الناشئة من طلبة المدارس على تعلم لغاتهم الأم حفاظاً على وجود الهوية القومية والإنتماء الإثني، وبغية فتح أبواب قنوات سهولة التواصل بين أبناء البلد الواحد، رغم تعدد اللغات فيه بحكم تعدد الإنتماءات القومية، كما هو الحال في العراق المتعدد المكونات بلغات مختلفة عن بعضها كالكردية والتركمانية والآشورية والأرمنية إلى جانب العربية التي هي بمثابة اللغة الرسمية في المدارس والدوائر الرسمية والإعلامية. فمن هم في دول الإغتراب التي ولدوا فيها قد يستصعب عليهم من التواصل كتابة أو تحدثاً مع أبناء البلد الأصلي إن تغافلوا عن لغاتهم الأصلية. لهذا يتبين لنا جلياً في بلدان الإغتراب الديمقراطية التي تولي الإهتمام على تعلم اللغة الأم، عادة ما توفر لهم مقاعد الدراسة الرسمية المنتظمة لتعلمها والإغتراف من مناهلها إلى جانب لغة البلد الرسمية، لكون من يتعلم ويتقن لغته الأم تتيسر عليه عملية استيعاب لغة البلد بشكل أفضل وأسهل حسب ما أكدته استنتاجات البحوث التربوية والنفسية على يد أمهر الخبراء التربويين والنفسيين. إلا أنه من المؤسف حقاً أن نجد هناك نسبة كبيرة من أولياء الأمور لا يعيرون أهمية لذلك بالرغم من الإرشادات والنصائح التي عادة ما تصلهم كتابة أو عن طريق المحادثة الدورية المباشرة مع المسؤولين والمرشدين التربويين في المدارس عن واقع مستوى التلاميذ خلال السنة وفي كافة مراحلهم الدراسية. فمنهم من يمتعض على حث فلذات أكبادهم من تعلم اللغة الأم،  ومنهم من لا يحمل الفكرة محمل الجد ليدعوا أبناءهم يتحكموا بما يرتأون، ليعضوا أصابع الندم فيما بعد حين يشعروا بأهمية وفاعلية اللغة الأم في الحياة العملية.

من الأهداف الرئيسة لمقررات منظمة اليونسكو بأن اللغة وسيلة لنشر الوعي بغية القضاء على آفة الأمية التي هي من أخطر الآفات الإجتماعية في حياة الشعوب، كتلك الحشرة الضارة التي تفسد الزرع. من هذا المنطلق تسعى المنظمة دوماً على إيجاد أنجع الحلول والتوصيات والإرشادات لتلافي مفعول تلك الآفة بإقدامها على عقد وتنظيم المؤتمرات الخاصة بذلك، فكان آخرها في منتصف كانون الأول / ديسمبر 2014 بإجتماع خبراء من وزارات التربية والتعليم، المؤسسات الأكاديمية، الهيئات الدولية، المنظّمات غير الحكومية والوكالات المتخصّصة في العالم العربي في بيروت، لبنان للمشاركة في ورشة العمل الإقليمية الثالثة حول "تطوير سياسات وممارسات المعلّمين في العالم العربي" بإلتقاء 45 من الخبراء الدوليين من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا والدول العربية لدراسة عوائق وإشكالات عملية التعليم اللغوي والخطط التي يستوجب الإعتماد عليها كحلول مستقبلية. ومن جملة ما توصل اليه المؤتمرون "بأن المعلم يشكل الدور الرئيسي في نجاح أي تطوير تربوي مهما كانت نوعية وجودة المناهج الدراسية ووفرة التقنيات التربوية. لذلك فإن الاهتمام بتأهيله وتدريبه يُعتبر من ضروريات نجاح النظام التربوي".
هذا ما لا يمكن نكرانه، لكون المعلم هو بمثابة ذلك الفلاح الذي يوفر ما يدعم نجاح ما يصبو إليه في حقله. وكذلك هو بمثابة ذلك الطبيب الذي يوصي مرضاه بالدواء الذي يشفي الداء. وتساؤلنا هنا كيف يكون الحال إن أهمل المريض ذلك الدواء؟! ونعني هنا بأن نجاح العملية التعليمية والتربية لا تتوقف على المعلم فقط ، وإنما هناك عوامل أخرى لها دورها متمثلة بالتلميذ أولاً ومن ثم ما يشوّقه من المناهج إضافة لدور رعاية الوالدين والنظام المدرسي والمجتمعي.
ما يهمنا اليوم ولمناسبة يوم اللغة العالمي أن نسعى على الإرتقاء باللغات الأم في العصر التقني الحديث الذي قلص من زخم النشر الورقي في محدودية الكتب الصادرة في أرجاء العالم وعلى نحو تنازلي سنة بعد أخرى، وأن نشد من آزر المؤلفين والناشرين الذين انحصرت نتاجاتهم في الشبكات الحاسوبية والأجهزة التقنية الأخرى بالرغم من سهولة التواصل اليومي المباشر، لكون الكتب أداة حية لدبج وتسطير الأفكار، الإحتفظ بها والعودة اليها، سواء على رفوف المكتبات العامة أو الخاصة.
mammoo20@hotmail.com




109
هنيئا لك د. روبين بيت شموئيل
بقلم: ميخائيل ممو ـ السويد
إن كان النادي الثقافي الآثوري في بغداد وفرعه في السليمانية, أيام النضال السلبي في مجال السياسة والأدب، قد لمّ شمل مجموعة كبيرة من المثقفين الآشوريين والجامعيين, وعلى نحوٍ خاص ومتميز أصحاب المقدرة الأدبية والفنية, فاليوم يشهد التاريخ لما آل اليه الفكر الأدبي من إبداعات تمخضت عواقبه في أبناء ذلك الجيل الذي تحدى الصعوبات التي لا تنكر من أجل رفع راية الوجود القومي والإعلامي بكافة حقوله، وأكبر دليل على ذلك تلك المجلة التي توجت بتسمية  "المثقف الآثوري" واحتضنت مداد أقلامهم منفردة بما يدبج فيها لسقي محتويات موضوعاتها التي كان يقطع السقي عنها في كل عدد من أيدي الرقابة السلطوية.
من فضائل ذلك المنتدى الأدبي في مرحلة السبعينيات أن يجمع بين أروقته وأفنية حديقته الغناء وفي أجواء مكتبته العامرة جُلّ المثقفين من حملة الشهادات العالية والأكاديمية بإختصاصات متفاوتة, إلى جانب المخضرمين من أبرز أدبائنا وشعرائنا الذين ارتقوا بمصاف أشهر المبدعين في حقل التأليف والكتابة الأدبية المرموقة، لتضاف أسمائهم كأعضاء فخريين في سجلات النادي بدلالة دعمهم للحركة الأدبية، وتميزهم بالمشاركات في الأمسيات والمهرجانات الشعرية والندوات والمحاضرات ودورات التعليم اللغوي, واليوم لم يبق منهم على قيد الحياة أقل من نصف أصابع اليد الواحدة، إن لم ينعموا جميعاً في الفردوس الأبدي. والأدهى من كل ذلك أن حصيلة مخزونهم الفكري كان من منابع أول مدرسة تأسست في مطلع العشرينيات من القرن الماضي على يد الآب الفاضل المرحوم يوسف قليتا في الموصل, وفي مقدمتهم المرحوم الشماس كيوركيس بيت بنيامين الذي أوفد الى الهند وهو في ريعان الشباب لتعليم أبناء الكنيسة الشرقية العلوم اللغوية والطقوس الدينية, وليرفد بعد عودته حركة الطباعة والنشر بالحروف المطبعية اليدوية التي جلبها معه ممهداً الطريق لعملية النشر المباشر, بدلالة ما يقارب الأربعين كتاباً من عصارة فكره.
أن ما انجبته مدرسة الأب قليتا, هو ذاته من الجانب النظري والتطبيقي في كنف النادي الثقافي كأمتداد لذات الحصيلة, لتسلح ما لا يحصى من الأعضاء بما كان يُملى عليهم في المناسبات القومية واللغوية والتراثية والثقافية والفنية بجهود المتضلعين من الأدباء والتربويين والأكاديميين وفق اختصاصاتهم المتنوعة. فكانت تلك الأيام بمثابة قوة دافعة لنبضات القلب, وفرصة سانحة للإغتراف من معين الفكر التقدمي للتواصل الدائم والإسترشاد بمنابع أمهات المصادر لعملية رصد التثقيف الذاتي وإستكمال حلقات تلك البوادر التي مهدت الطريق أمامهم, ليثبتوا بفخر وإعتزاز ما ابتغوه بعين الإعتبار.
بالأمس القريب ورغم الظروف القاسية التي ألمت بأبناء جلدتنا في الوطن الأم لم يتهاون أو يتقاعس خريجو النادي الثقافي في الإغتراف من مناهل العلم والمعرفة بتطوير تسلحهم المعرفي، ليتهافت كل واحد ممن ورث من ميزات ذلك المنتدى أن يشمر عن ساعديه لإستكمال ما اختمر في وعيه الثاقب بمواصلة الدراسة والبحث واستقصاء ما خفي عليهم ليؤكدوا عن كثب بأنهم لا زالوا أبناء أولئك الجهابذة الذين ارتقوا بمفاهيم الحضارة, وخلفوا امهات الألواح والرقم الطينية والوثائق التي سرت مضامينها في نفوس أبرز الباحثين واللغويين والآثاريين في أرجاء المعمورة, ليقوم البعض منهم على التبحر في تصويب وتشذيب ما ارتآه وتوصل اليه المستشرقون الغرباء في استكشافاتهم وتحقيقاتهم لعدة قرون, غير مكتفين بذلك ليتجاوز فضولهم وطموحهم في الأصول اللغوية أيضاً سواء من لدن الباحثين العرب أو من المستشرقين الأجانب رغم بعدهم عن مفاهيم تلك اللغة تفوهاً وتدويناً. فإضطر العديد من أبناء تلك اللغة بهمتهم العالية وحرصهم الشديد على مواصلة الدراسة في العديد من الجامعات ليضعوا النقاط على الحروف بشكلها الصحيح, رغم تولي الباحثون الغرباء مهمة الإشراف. لذا نجد بين فترة وأخرى يطرق سمعنا وفي عدة دول عن تخصص أبناء شعبنا في علم الآشوريات والتنقيب رغم قلتهم قياساً بالعدد الكلي الذي ينتمي تحت راية العلم الآشوري, ومن الحريصين على وجودهم القومي الزميل الشهم روبين بيت شموئيل الذي سعى جاهداً على مدى سنوات عديدة في مسيرة الإحياء اللغوي بالتدقيق والتمحيص متأهلاً درجة الدكتوراه في العلوم اللغوية الآشورية التي تكنى اليوم بالسريانية, علماً بأن اهتماماته بتأليف ونشر بعض البحوث والكتب تزامنت مع دراسته الأكاديمية, متنقلا من بلد لآخر ليصيب عين الحقيقة التي وضعها نصب عينيه. ولهذه المناسبة التي أهلته لدرجة الدكتوراه تعود بي الذاكرة القهقري بمخاطبته لي في رسالة خاصة بتاريخ 30 ايار 1998  بغية تزويده بمعلومات عن الشاعر الراحل سركون بولص بحكم العلاقة والمعرفة التي بيننا, وكوني أقرب المقربين له من خلال اللقاءات والإتصالات, وذلك لإستكمال باكورة مشروعه الأدبي بإصدار كتاب تحت عنوان " سركون بولص.. نشأته وحياته " ومن أجل تلبية طلبه وتثمين فكرته اسرعت في حينها مخاطبته هاتفياً, مثنياً الجهد الذي يبذله لشخصية سركون والمكانة التي تبوأها في عالم الشعر بالعربية والإنكليزية, مسلطاً الضوء على بعض المعلومات, ومُؤمّلاً أياه أن أكمل مسعاه بالكتابة خطياً. فكانت فرحته كبيرة لتلك المحادثة بدلالة ما نشره في مقدمة الكتاب الذي صدر عام 1998 باللغتين الآشورية والعربية حيث كتب قائلاً: " أعترف بأن تلك المحادثة الهاتفية غير المنتظرة كانت عوناً لي وإن لم تكن خطياً, قد شدت من عزمي وأغنت أفكاري. ولم يساورني تصوري بأن يكون الأستاذ ميخائيل هو المتحدث معي في ذلك اليوم الغير اعتيادي لدي. بصوت عال أقول بأني مدين لهذا الرجل الآشوري الممتلئ بروح المحبة والأيمان القومي بمده يد المساعدة من حديثه الشيق وإيضاحاته المجدية.....". كما وأني على يقين تام بأنه لم يستثني أحداً من الذين حاولوا دعمه لما كان يصبو اليه.
من هذا المحتوى يسعدني القول بأن الزميل روبين بإقدامه على ما تم تنفيذه كان الوحيد من بين أبناء شعبنا الذي خص المرحوم سركون بنتاجه المذكور بالرغم من عدم ملاقاته له، إلا من بعد شاءت الصدف أثناء تواجدهما في هولندا لمناسبة مشاركة سركون في مهرجان نوتردام الشعري قبل رحيله بعدة أشهر. ليحقق روبين حلمه الذي ساوره، متمماً فرحته وشوقه بملاقاته وجهاً لوجه. (راجع تفاصيل اللقاء من إعداد الزميل الأديب بولس آدم في الرابط المنشور أدناه).
أن ما ينبغيني القول هنا، ليس بالغريب أن يتسلح روبين بالعلوم الهندسية الأكاديمية ويحيد عن ذلك ليقتفي في مسيرة حياته دروب العمل الأدبي طالما تحفزه مشاعره وأحاسيسه المرهفة ووعيه من خلال اهتمامه وسعيه بغية التسلح بالمعارف الأدبية الآشورية، ليهندس بمقاييسه اللغوية الحقول الأدبية كتمهيد لإتحافه المكتبة الآشورية بمؤلفات صدرت تباعاً، مؤهلة أياه خوض تجربة الدراسات العليا في بغداد وهولندا ولبنان في الجامعة اللبنانية التي قلدته صولجان شهادة الدكتوراه في العلوم اللغوية الآشورية. لذا وبهذه المناسبة التي هي قمة الطموح الشخصي نشد على يده مهنئين أياه ومتأملين منه أن يتحفنا المزيد، وأن يتبوأ كرسي الأستاذية في الجامعات  العالمية ذات الشأن بمجال اختصاصه.
بطبيعة الحال، وكما نوهنا عن مفخرة النادي الثقافي الآثوري ينبغي أن لا نتغافل ونتناسى بمن سبقوه في مجال تواصلهم لتوثيق جذورهم التاريخية وأصالة وجودهم من تشذيب ما حصده الغرباء بمفاهيم واستنتاجات لا تمت للحقيقة والواقع بصلة، نذكر منهم المدير العام لمديرية الآثار ودائرة المتحف العراقي المرحوم دوني شمعون، والدكتور عوديشو ملكو، والدكتورة هيلين ملكو في علم الآثار ومنهم من هم على سلّم التدرج أمثال الزميلين زكي جيري في علم الآشوريات ونينيب لاماسو في العلوم اللغوية وغيرهم ممن يواصلون دراستهم في العديد من جامعات العالم بإختصاصات متفاوتة. مع اعتذارنا لمن خانتنا الذاكرة  الإشارة لأسمائهم.
أن عطاء الزميل روبين يثبت صورة واضحة المعالم عكس الذين لا يبذلون جهداً في تأطير ما اقتنوه من شهادات موشحة على جدران مكاتبهم وغرف مضايفهم، مزينة بحرف الدال (د.) بمنزلةِ دالة الدَلال كميزة الدّلال في صيحات مزاده العلني في سوق مريدي. فهنيئاً لك يا رفيق الدرب في الحقل الأدبي واللغوي دكتور روبين في مسعاك الذي بوأك وسام الدكتوراه، مع بالغ شكري وتقديري.



 
 

111
محطات إعلامية خارج نطاق الإعلام الصريح
بإستثناء البغدادية
بقلم: ميخائيل ممو
متى ما عُدنا القهقري لمراحل التطور الإعلامي في عراق اليوم لوجدناه قد خاض مراحل متفاوتة على ضوء ثورات وانقلابات العهود التي بسطت سيطرتها على مقاليد الحكم، إبتداءً من العهد الملكي ومروراً بالعهد الجمهوري بأدواره القاسمي والعارفي والصدامي، ليركن فيما بعد بإعلام ما بعد السقوط. إن عدنا إلى الماضي ووضعنا إعلام تلك الفترات في ميزان التقييم والتثمين لوجدنا بأن المفارقة تتفاوت من مرحلة لأخرى، طالما الإعلام متجسداً بمفهوم الصحافة كونها السلطة الرابعة لحكم الشعب. لهذا لا محالة من أن نستدرج معايير ذلك على نحوٍ مما هو عليه اليوم بدلالة القنوات التلفزيونية والمحطات الفضائية والإذاعية والصحافة الورقية الحرة والإلكترونية بما تشهد له التقنيات التي يصعب علينا حصرها بشكل دقيق، ومنها على سبيل المثال منبع التواصل الإجتماعي كالتوايتر والفيس بوك والبالتولك وغيرها مما يستحدث بين فترة وأخرى، التي أصبحت هي الأخرى بمثابة الوسيط لنقل الحقائق وتجسيدها للجمهور. ولكي نضع على طاولة البحث والتقدير ما أشرنا إليه ينبغينا ان نستدرك الصالح من الطالح، ويستوجب علينا أن نرفع من شأن الإعلام الذي يؤدي دوراً إيجابياً من أجل وضع النقاط على الحروف بتشكيلها الصحيح في الشبكات الإعلامية التي تجعل المرفوع منصوباً ومن المنصوب مكسوراً، وما عليه خارج النطاق العرفي المألوف لأسباب تمليها معولات حُقب السلطات المهيمنة أو رهبة المكونات الحزبية أو تأثيرات ذوي النفوذ المادية. هذا ما عشناه وألفناه منذ يوم السقوط ولحد يومنا الذي نألفه عن كثب.
من هذا التمهيد المقتضب يتضح لنا بأن الإعلام مهنة ورسالة. إذن إن كانت مهنة للذين يتولون مسؤؤليتها في كافة الحقول الإعلامية المشمولة بها، ينبغي والحالة هذه أن يكون من يمتهنها متسلحاً بصدق الكلمة وقوة الإيمان والمقدرة الكافية على نقل فحوى الرسالة المقصودة بدقة مضامين محتواها، ليكون المتلقي على بينة منها ومن مصداقيتها على ضوء الحقائق والشواهد التي تصله دون مواربة، وخالية من ملابسات التزييف والمخادعة. لذا وكما أشرنا بأن الميادين الإعلامية إتسعت مساحاتها بعد السقوط لإتخاذها مناحٍ جديدة في الحياة السياسية على نحوٍ خاص، وعلى مستوى أرجاء بلاد ما بين النهرين بإسلوب دكتاتورية الديمقراطية ـ إن صح التعبير ـ  فإختلط الحابل بالنابل بمساومات الهيمنة المادية النفعية الخاصة بإستشراء الفساد والسرقات والإبتزاز والإختطاف والإغتيال، باكياً / مغنياً كل واحد على ليلاه على حساب الشعب المغلوب على أمره، دون أن يَعِر أهمية للمواطن الذي هو أساس المجتمع العراقي ، وبدونه لا وجود لهم، طالما عجلات الزمن في دوار مستمر ودائم.
إن ما دعاني وحفزني لتدوين مؤشرات هذه الإلتفاتة متابعاتي اليومية للأوضاع الراهنة في عراقنا الجريح الذي آلـَمَتْهُ الهموم والمعاناة المستحدثة، وألمّت به لتعاني ثرواته هي الأخرى من الواقع المزري لمقتضيات ومتطلبات حال الشعب قاطبة، حين حلت به فيضانات النزوح والهجرة داخل الوطن الأم ، ناهيك عن الملايين الذين احتضنتهم ديار الغربة.
لنعود ونتساءل في خاتمة الحديث: حتام يبقى العراق الجريح يشكو الآلام؟ وحتام تبقى الوحوش الكاسرة تكشر عن أنيابها لتنهش جسده؟ ومن الذي يتجرأ لتضميد جراحه؟ ولكي نكون صريحين ومتفائلين من الإجابة، لا بد لنا أن نشير بكل صدق وإخلاص، إن كانت حقاً رقابة السلطة الرابعة المتمثلة بالصحافة والإعلام هي الناطور الأمين والقاضي الصادق لمجريات الأمور لتضميد الجراح، فعلى القنوات الإعلامية أن تكون بمستوى المسؤولية على كشف الحقائق وإزاحة الستارة عما تضمره من الخفايا، منتهجة النهج الذي أقدمت عليه فضائية " البغدادية " في العديد من برامجها بكشف ما يُخفى على المواطن العراقي بكافة انتماءاته المذهبية والقومية والإثنية دون مفارقة بين زيد وعبيد، أو بين كلدو وآشور بدلالة الحقائق التي يستعرضها برنامج "التاسعة " وبرنامج  " حوار عراقي " وغيرها من البرامج التي شدت الملايين لمتابعتها يومياً من عامة الشعب والساسة الذين تتوشح اكتافهم شكوك الفعل السلبي.
وفي خاتمة المطاف نرفع الدعاء آملين أن يتحقق الحلم الذي نادى به مؤسسها عون الخشلوك أثناء حديثه في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في لندن بحضور ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز حين قال " إن المسيحيين العراقيين هم أبناء العراق الأصلاء، وبدون وجودهم لا وجود للدولة العراقية "، وأن يتحقق ما ناشد به  شاعر العراق الأكبر الجواهري في قصيدته العصماء "يا دجلة الخير" حين قال:
لهفي على امَّةٍ غاض الضميرُ بها     من مدَّعي العلمِ والاداب والدين
لعـل يوماً عصـوفاً جــارفاً عَـرِمـاً    آتٍ فــتـرضيك عـقـباه وترضيني
 

113

معلمو اللغة الآشورية في مدارس يونشوبينغ
وتلاميذهم في امسية احتفالية خاصة

بإهتمام طليعة من معلمي اللغة الآشورية / اللغة الأم في المدارس السويدية بمدينة يونشوبينغ في السويد، تم تنظيم امسية خاصة بتاريخ 17 كانون الثاني 2014 شملت التلاميذ الذين يتعلمون اللغة الآشورية في مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الإبتدائية والمتوسطة والثانوية بحضور أولياء الأمور أيضاً وضيوفهم، وذلك في قاعة ريكوليتو المألوفة في مركز المدينة. حيث كانت المناسبة مستوحاة من العرف السويدي على غرار ما تقْدم عليه الإدارات المدرسية السويدية بإقامة إحتفال خاص سنوياً للتلاميذ بشكل عام لمناسبة إنتهاء الفصل الدراسي الأول المتزامن مع عيد البشارة بميلاد يسوع المسيح واستقبال السنة الجديدة، بممارسة وتنفيذ العديد من الفعاليات المسلية بإستعمال الأعمال  اليدوية بأحجام وأشكال وألوان متفاوتة من الورق والأقمشة ومواد أخرى، ومنها على سبيل المثال المعروفة بإسم " بوسِّـل" وهي عبارة عن مجموعة من القطع الكارتونية أو الخشبية موزعة على الطاولة يتم جمعها لتشكيل لوحة متكاملة, إضافة لفعاليات أخرى متنوعة مشوقة للتلاميذ. بهذا ولأول مرة فكّرَ وسعى معلمو اللغة الآشورية الإقدام على تنظيم الأمسية المتميزة بدعوة التلاميذ وأولياء أمورهم وضيوفهم من محبي الإحياء اللغوي، وعلى أن تكون كافة النشاطات باللغة الأم بغية بث روح الوعي واليقظة لإحياء لغتنا وحمايتها ونشرها قدر المستطاع بشكل دائم، وبيان أهميتها في الحياة الإجتماعية، لكون الكثير من بني شعبنا وعلى نحوٍ خاص مجموعة من أولياء الأمور من الذين يتقاعسون ويغيضون الطرف أن يرشدوا أبنائهم على أهمية تعلم اللغة المتداولة في البيت وفي المحيط العائلي، وكذلك يعمد البعض من التلاميذ بحكم توصية الآباء والأمهات على إختيار اللغات التي درسوها في بلدانهم الأصلية على حساب لغتهم الأم التي هي بمثابة هوية وجودهم القومي، علماً بأنه من حق التلاميذ المهاجرين إختيار تعلم القراءة والكتابة باللغة الأصلية في المدرسة السويدية الرسمية بناءً على قرار السلطات السويدية.
وعلى ضوء هذه الأمسية يتحتم علينا الإشارة عن عدد الحاضرين الكبير الذي لم نتوقعه، بما يزيد عن الثلثمائة شخصاً, بمشاركة أولياء الأمور مع التلاميذ في دعم نشاطاتهم وبطرق مختلفة بغية مساعدتهم، إضافة لمساهمتهم بتقديم انواع مختلفة من الحلويات والعصير والسواخن.
ولكي يكون القارئ على معرفة من فقرات برنامج الأمسية، تفضلت في البدء المعلمة جوليت إيليا الترحيب بالحاضرين بجملٍ معبرة ومؤثرة، ومن ثم طلبت من كاتب سطور هذا التقرير ميخائيل ممو أن يتفضل بتقديم الفقرة الأولى من البرنامج متضمنة عرض فيلم عن أهمية اللغة الآشورية مع أغانٍ ذات صلة باللغة منتقاة من فيلم " ألب ـ تاو مردوتا آتوريتا " للمرحومة لينا ياكوباوا. وأثناء العرض إهتم الحضور بآذان صاغية بشوقٍ ومحبة المشاهدة والإستماع بإنتباه منقظع النظير.
بعد هذه الفقرة تم دعوة التلاميذ في طابور طويل وعلى أنغام الأغاني الآشورية التي أعدتها المعلمة شميرام داود لتناول الحلويات الخاصة بهذه المناسبة مع العصير، ومن ثم دعوة  أولياء الأمور على إرتشاف السواخن المحببة لهم كالقهوة والشاي و"كلوك" السويدي الخاص لمثل هكذا مناسبات. وبإنتهاء هذه الفقرة تفضلت المعلمة آنيت سليمانيان لإتمام البرنامج، فدعت كافة التلاميذ الذين كان عددهم أكثر من مائة تلميذ وتلميذة أن يجتمعوا في منتصف القاعة لإجراء مسابقة على أنغام الموسيقى لتعلن عن فوز كل من تبقى في الساحة، وبالتالي لتعلم الجميع بمشاركتهم على شكل حلقة كبيرة في إداء دبكات آشورية مع المعلمين.
ومن الجدير قوله من قبل الختام، كانت الفرحة قد عمّت قلوب جميع الحاضرين من خلال تعابير الشكر والتبجيل للمعلمين المسؤولين على جدوى ومنافع الأمسية التي لم يسبق لها مثيل، معززين طلبهم بإعادة تنظيم أمسيات مستقبلية وبشكل دائم. وبهذا المناسبة شارك معنا ممثل موقع " هكيانا اتورارايا " الأستاذ الجامعي سمير خوشابا من مدينة فكشو بتسجيل فقرات من الحفل إضافة للمقابلات التي أجراها كاتب السطور مع العديد من الحاضرين كأولياء الأمور والتلاميذ والمعلمين لإبداء آرائهم وتجسيد مشاعرهم.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشكر بإسم لجنة المعلمين السيد سمير يلدا لإعارته القاعة مجاناً بغية استعمالها، وكذلك السيد كلبرت دخو عن تعاونه ودعمه في تنظيم رونق القاعة.
اللجنة المشرفة من معلمي اللغة الآشورية من اليمين إلى اليسار: شمعون شمعون، آنيت سليمانيان، جوليت إيليا، آشور عوديشو، مريم داود، جاكلين خيو، الفونس شمعون، شميرام داود، ألماس أيواس وميخائيل ممو أثناء إجراء اللقاء لموقع هيكيانا آتورايا.
 

114
قراءة في محاضرة الأستاذ ميخائيل ممو
عن أسباب ضعف التلاميذ باللغة العربية في المدارس السويدية

إعداد: هيئة تحرير موقع اللغة الأُم ـ العربية




في المؤتمر اللغوي الذي انعقد بتاريخ 27 ـ 28 من شهر تشرين الأول / اكتوبر في ستوكهولم ليومين متتاليين من قبل مصلحة شؤون المدارس السويدية للمواقع اللغوية الألكترونية الخاصة باللغات الأم، تضمن 24 لغة، ومن ضمنها اللغة العربية التي كان لها دور القدح المًعلى بمشاركة 160 من المعلمين والمعلمات،  توافدوا من 61 بلدية من بلديات المملكة السويدية.
كان اليوم الأول مخصصاً لإلقاء محاضرات باللغة السويدية للمشاركين الذين لم يقل عددهم عن السبعمائة تربوياً من المعلمين ومدراء المدارس. وفي اليوم الثاني توزعت اللغات منفصلة عن بعضها على ضوء البرامج الخاصة بكل لغة ليصل مجموع المشاركين في اليوم الأول والثاني 1200 عضواً. 
وفيما يخص مجموعة اللغة العربية افتتح المؤتمر الإستاذ بيوتر (Piotr Koscielniak) مسؤول مواقع اللغات الأُم في مصلحة شؤون المدارس السويدية مرحباً بالحضور ومشيراً في كلمة مقتضبة عن أهداف المؤتمر ودور مصلحة شؤون المدارس في عقد هكذا مؤتمرات لتطوير العملية التربوية وفق التقنيات الحديثة، وتمنى لهم التوفيق في مؤتمرهم. بعدها جاءَ دور المحاضرين لتقديم محاضراتهم التي انحصرت على ست محاضرات قيمة ومتنوعة في مضامينها تمثلت بالعناوين التالية: 
ـ  كيف يستخدم المعلم السبورة الذكية في التدريس؟ للإستاذ جبار زيادي. 
ـ ماذا تعرف عن مجلة نانار للدكتورة أسيل رشيد العامري.
ـ تدريس اللغة الأم وعلاقتها بالمقررات المدرسية الأخرى للاستاذ جمال جرجيس.
ـ أسباب تدنّي مستوى التلاميذ في تعلم اللغة العربية في المدارس السويدية للأستاذ ميخائيل ممو.
ـ مستوى التلاميذ في تعلم اللغة العربية للأستاذة فادية عبدالله.
ـ الإرشاد الدراسي وتحديد مستوى المعرفة لدى التلاميذ الجدد للأستاذة تامار اوكار. 

وبالرغم من تفاوت موضوع المحاضرات فقد انفرد الأستاذ ميخائيل ممو في محاضرته من خلال إصداره لنتاجه الفريد من نوعه الذي توسم بنفس عنوان محاضرته، مسترسلاً النقاط المعروضة بشروحات وتعليقات تفصيلية ذات أهمية، معولا أياها بخمسة عناصر رئيسية هي: التلميذ، المعلم، المنهج، أولياء الأمور وعناصر أخرى متفرقة، مستنبطاً من كل عنصر عشر نقاط فرعية هامة ومفصلة بدلالات وأمثلة واقعية يألفها كل مربّ تربوي قدير، مستعرضاً أياها على نحوٍ دقيق، ومُطعماً شروحاته بأمثلة مستقاة من خبراته التربوية والعملية بما يزيد عن أربعة عقود على ضوء مقدمته التي ارتجلها قائلاً:
( يسعدني أن أكون بينكم وأنا على أعتاب سنتي الأخيرة في مهنة التعليم، مستمداً مما سبقها من سنوات خلت خلاصة ما ألفته من معايشات على مدى يزيد عن أربعة عقود، منها في الوطن الأم العراق الجريح المصاب بالشلل، ومنها في ديار المهجر الملئ بالسأم والعلل.
أقف أمامكم كمحاضر وأنا لست أفضل منكم، أو أقل من ذلك، ولكن خزين خبراتي هي التي أهلتني لأقدم لكم ما نعانيه، وذلك عن " أسباب تدنّي مستوى التلاميذ في تعلم اللغة العربية في المدارس السويدية" التي حصرتها وضمنتها في كتابي الجديد الذي يحمل ذات العنوان، إضافة لموضوعات أخرى ذات أهمية لكافة التربويين وأولياء الأمور".
من هذه التقدمة القصيرة التي جسد فيها الأستاذ ميخائيل بإقتضاب معاناة مهنة التعليم شدني المحاضر أن اصيخ السمع بروية متناهية لما يعرضه، وكأنه يقرأ أفكارنا ليستلب قلوبنا بصيغ تعابيره التسلسلية المعروضة على الشاشة الكبيرة، وكأنها حلقات متواصلة ببعضها، فأفصح عما في خلده دون توقف لسعة ما يعرضه ملتزماً بوقته المحدد ليتناسب مع عشرات النقاط.. ونظراً لكثرتها وسعتها واستخلاصه لها نستثني الإشارة لها، حيث نفضل الإطلاع عليها من خلال نتاجه التربوي الصادر حديثاً, كونه يعرض فيه أيضاً الحلول الناجعة، إضافة للصعوبات التي تواجه التلاميذ في عملية التعلم للقراءة والكتابة. 

ومما استرعى انتباهي بغية الإشارة اليه انطلاقه بمفاجئتنا بسؤال لم يخطر على بالنا عن عدد مفردات اللغة العربية، ليتلقى إجابات متفاوتة لم تكن بما خمّنه وتوصل اليه الخليل بن أحمد الفراهيدي التي حصرها بالملايين وفق نظريته الإحصائية ما بين المستعمل والمهمل منه بالملايين. ومن خلال تجاربه ومعايشاته المستفيضة استطاع أن يلقي الضوء على عدد من الإستفسارات والأسئلة الخاصة بموضوع المحاضرة. والأجمل من كل ذلك سعيه في استخلاص عشرة مقترحات وتوصيات دونها في كتابه الآنف الذكر وأشار إليها للحاضرين بغية السعي لتطوير وتحسين العملية التربوية التعليمية والإرتقاء بمستواها، ليخص بها في الوقت نفسه همّة المشاركين ومسؤولي وزارة التربية ومصلحة شؤون المدارس والتي حصرها على النحو الآتي:


1.   التوافق على وضع منهج موحد بتعاضد جهود المميزين من ذوي الكفاءة والمقدرة اللغوية والتربوية والنفسية، وممن له باع طويل في الحقول المذكورة من خلال عملية التعليم في المراحل الدراسية.
2.   تشكيل لجنة استشارية موسعة من المحافظات لتكون عاملاً مساعداً ومقوياً للجنة تأليف المنهج الموحد، على أن يتم اختيار أعضائها بناءً على عطائها المميز ومراحل تخصصها في العملية التعليمية والتوثيق المهني.
3.   أن يتماشى المنهج الموحد والخطة التربوية السويدية المقررة من مصلحة شؤون المدارس الخاصة بالمناهج، مع برمجة عملية التأليف لكل المراحل الدراسية للتعليم.
4.   العمل على صياغة الأسئلة الموحدة للمراحل الختامية من خلال لجنة المناهج المؤلفة على وفق النظام السويدي المميز والمعروف بالفحص المركزي في مادة اللغة السويدية والإنكليزية والرياضيات، وكما هو مألوف ومتعارف عليه في البلدان العربية أيضاً.
5.   زيادة الحصص التعليمية لمادة اللغة الأم إسوة بباقي اللغات الرئيسة كالإنكليزية والفرنسية والأسبانية أو اللغات المشمولة بالمادة المسماة اللغة الأم كمادة حديثة، خاصة في المرحلة الثانوية، وأن تكون على أقل ما يمكن حصتان في الإسبوع، وتلاشي ما يُقرر بين اسبوع وآخر في بعض المدارس التي لا يستكمل فيها عدد التلاميذ المشمولين.
6.   أن لا تقتصر أوقات الدوام بحسب ما هو عليه اليوم أي على الأوقات الحرة، أو ما بعد الدوام وفي أوقات الفراغات في الجدول المدرسي الرسمي، لأن التلميذ يرى في ذلك إجحافاً بحقه مقارنة بزميله التلميذ السويد. بهذا من الأولى أن تزاد مادة اللغة الأم لتكون من ضمن الجدول المدرسي الرسمي، وفي ساعات لا تتضارب مع أوقات الدروس الأخرى.
7.   أن يكون إعتماد المعلم الأساسي أو الرئيسي في المدرسة من ذوي الإختصاص في مادة اللغة الأم، وليس على اسس القِدَم أو العلاقات الشخصية مع الإدارة المدرسية أو لأسباب أخرى غير مُقنعة ضمن النشاط المدرسي، لكون إدارة وحدات العمل الخاصة بمعلمي اللغة الأم أقل خبرة من المعلمين في معرفة ما يتعلق بإمور اللغة الأم في المدارس التي هم بعيدون عنها، وفي أقل تقدير انتقال المعلم بين عدة مدارس لتصل أحياناً الى أكثر من أصابع اليدين.
8.    أن تكون هناك إجتماعات دورية متعاقبة لمعلمي ذات اللغة إلى جانب إجتماعات وحدات أو مجموعات العمل التي تضم من معلمي اللغات الأخرى  لمحدودية عددها. ومن المستحسن على مديري ومسؤولي أقسام اللغة الأم تكوين مجموعات العمل المشترك من نفس اللغة بغية تبادل الآراء على النحو المباشر.
9.   إعتماد معلمين من ذوي الإختصاص والكفاءة في الحصص المخصصة لإرشاد ودعم ومساعدة التلاميذ الذين هم بحاجة لشرح وتوضيح ما يصعب عليهم، وعلى نحوٍ خاص المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، وكذلك لمواد العلوم الإنسانية بأن يتمكن المعلمون من اللغة السويدية على نحوٍ مناسب لإيصال الفكرة للتلاميذ على نحوٍ تام.
10.   الإحتفال بيوم اللغة العالمي المصادف 21 شباط / فبراير من كل عام، وكذلك بيوم اللغات الأم الخاص بكل لغة، إضافة ليوم المعلم العالمي الذي يصادف في الخامس من شهر تشرين الأول / اكتوبرمن كل عام، والذي يحتفل به في أكثر من مائة دولة، بالرغم من أن بعض الدول خصصت يوماً مستقلاً لمناسبة عيد المعلم المستمد من مأثرة معينة لتاريخ تلك الدول.


115
لينارد شابو، مرشح لمجلس بلدية بوتشيركا في جنوب ستوكهولم

لينارد شابو 28 عاماً، ماجستير في حقل الإقتصاد ومن سكنة تومبا ضواحي ستوكهولم، وهو من أبناء شعبنا الطموح يسعى لتحقيق مأرب بني جلدته بكافة تسمياته القومية (الكلدانية السريانية الآشورية) وقد رشحه حزبه المسيحي الديمقراطي لخوض الإنتخابات ضمن مجلس بلدية بوتشيركا بغية الدفاع عن حقوق أبناء شعبه وبشكل خاص لتوضيح موقفه من الأحداث الأخيرة في العراق وسوريا التي تهدف التطهير العرقي للمسيحيين إلى جانب مسيحيي الشرق قاطبة في البلاد العربية. دعمكم له سيخفف من عبئ أبناء شعبنا في الوطن الأم بلاد ما بين النهرين. تسلسله في القائمة هو الرقم 16 بإسم
 Linard Shabo


117
القناة الفضائية الآشورية القومية
وخدماتها الإيجابية

ANBSAT.COM
بقلم: ميخائيل ممو
mammoo20@hotmail.com
قراءة تمهيدية
من منطلق فحوى مصطلح الإعلام المتعارف عليه بأنه وسيلة مهمتها جمع ونقل المعلومات ونشرالأخبار عبر ما ترصده مصادرها الإعلامية المتنوعة بما فيها السمعية والمرئية والمقروءة التي طغت عليها اليوم الوسائل التقنية المألوفة بالتواصل الإجتماعي بأشكال مضامين منابعها المستحدثة وفق ما تتفنن به القنوات الفضائية وما تنقله وتؤكده عنها الصفحات الإلكترونية أي الإنترنيت.
لذا نود الإشارة هنا من جوهر تلك المعلومة المقتضبة ذات المغزى الإعلامي بحصر أهميتها وفاعليتها على حركة الإعلام الآشوري بشكل خاص من خلال برامج إحدى القنوات الفضائية المعروفة بالقناة الفضائية الآشورية القومية ANBSAT (Assyrian National Broadcasting) والتي تُبث أيضاً بواسطة شبكة الإنترنيت من مقرها الرئيسي في سان خوزيه / كاليفورنيا, هادفة تغطية ما يدور من أحداث في المجتمع الآشوري بشكل عام, مستمدة معلوماتها الأساسية من واقعه ومعايشاته أينما تتواجد مكوناته التي تحتويها التسميات المركبة بصياغاتها المتفاوتة، وذلك بإعتماد وإنطلاق القناة وفق أجندتها الإعلامية الشبابية المستحدثة وتسلحها بمفاهيم الحيادية والديمقراطية والإستقلالية لأجل الجميع والصالح العام.
دوافع القراءة
إن ما دعاني لتدوين هذه التقدمة التمهيدية برزت واستنبطت من متابعاتي لبرامج القناة اليومية المتواصلة بمشاهدات وملاحظات حفزتني للإشادة بها، بدوافع بثها اليومي المتواصل وتنوع ما تحتويه من موضوعات توجيهية تعليمية وإرشادية وفنية وتثقيفية، ولقاءات حوارية دون تمييز بين عنصر وآخر أو بين مؤسسة وأخرى أو تنظيم سياسي وآخر، رغم تفاوت الأهداف وسبل تحقيقها، لتمسكها بصفتها الحيادية منذ تأسيسها، وتمتعها بمبدأ الديمقراطية واستقلاليتها من الخضوع تحت سلطة أية جهة متنفذة في الوسط السياسي أو الديني أو العشائري والإقليمي بين مكونات شرائح المجتمع الآشوري.
هذا ما حدا بمجموعة كبيرة من المشاهدين على توجيه نداءات التساؤل والإستغراب عن غيابها وانقطاعها عن البث المباشر لفترة قصيرة لا تتجاوز الإسبوع في العام الماضي، رغم قصر العمر الزمني لنشأة بثها اليومي لأسباب خارج نطاق إرادة التركيبة الإعلامية من هواة العمل الإعلامي الذين يعملون لخدمتها, ليكون بالتالي ذلك التساؤل مبعث همة ونشاط لمواكبة النشاط مرة ثانية بيقين يؤطره التفاني والإصرار على الإستمرارية دون تقاعس أو خيبة أمل, طالما تكاتفت أيدي العاملين بإرادة موحدة وتهافت العديد من ذوي اليقظة الفكرية والشعور القومي على دعم وإسناد القناة على مضاعفة استحداث البرامج المجدية بإستجابتهم طواعية.
إن ما زادني إهتماما أكثر ودفعني لمتابعة القناة بشكل يومي ودائم هو تضحية شخص واحد من بني شعبنا على تحمله التكاليف الباهضة لتأسيسها، وتبنيه مراحل ديمومتها بدافع شعوره القومي وإحساسه المرهف, وبوعيه الذي حثّه وأرشده على تبني القناة في خدمة المجتمع, بعيداً عن مشاحنات وصراعات التنظيمات العشائرية والإقليمية والإثنية والحزبية والمذهبية التي انتشرت الخلايا السرطانية في أجسادها التي إمتد بريقها من المواطن الأم وانتشارها في مواطن ديار الغربة الظاهرة أعراضها في التكتلات والتجمعات الإنتمائية لأصول مناطقية متميزة بممارساتها التاريخية، رغم معايشاتها في أجواء تستبعد مسبباتها التقليدية البالية
الحدث الأهم
بهذا ليس من الغريب هنا أن أشير إلى الحدث الأهم الذي حفزني لتدوين هذه الكلمة المستمدة من واقع مشاهدتي ومتابعتي اللقاء المباشر في برنامج تُوّجَ بعنوان "الجسر لنينوى" مع مسؤول ومؤسس القناة الفضائية السيد نينوس ترنيان في حواره مع الإعلامي الشاب والطموح السيد ستيف ناصري، بما طرحه من أسئلة ذات أهمية عن زيارة وجولة السيد نينوس لربوع الوطن الأم بلاد ما بين النهرين أثناء تجواله في شمال الوطن وحضوره لمعايشة احتفالات السنة الآشورية 6764, ومن ثم ما بلغه من طموح لتفقده بعض المدارس الآشورية والأقسام الداخلية للطلبة الآشوريين ـ قسم البنات ـ وبشكل خاص أقسام تلك الطالبات الجامعيات من اللائي يواكبن الدراسة الجامعية ولقاءاته بهن للوقوف على أجواء ظروفهن المعيشية وتواصلهن الدراسي، بحيث حفزته مواقفه القومية ومشاعره الإنسانية على تذليل بعض المصاعب وتخفيف الأعباء التي تواجه البعض منهن في معايشاتهن اليومية، وبالتالي إقدامه بالعمل الخدمي الإنساني المباشر بتوفير بعض المستلزمات الضرورية لهن على حسابه الخاص, تقديراً لجهودهن واعتزازهن وإصرارهن على مواصلة التعليم الجامعي رغم الظروف الصعبة التي أفضت عنها بوضوح كل واحدة منهن في حياتهن بدليل المخاطبة الكلامية التي تجسدها بعض الصور المرفقة أدناه التي تعزز مواقف السيد نينوس الإنسانية، وبما أدلى به في حديثه لهن وللآخرين لدعمهن ومساعدتهن وحثه المشاهدين من ذوي الهمة والغيرة والشهامة لحذو حذوه.
الأدهى من كل ذلك تجاوب الكثير من المشاهدين على مخاطبته تلفونياً بشكل مباشر والثناء على ما قام به من خلال حواره المباشر في القناة, والتي حفزت العديد منهم على تقديم وإضافة مقترحات وتوصيات إيجابية عملية أدلوا بها لدعم الحركة الطلابية لتذليل الصعوبات، ومد يد المساعدة بشكل دائم, كتمهيد للأجيال المستقبلية، ولكون إستحصال وإغتراف مبادئ العلم والمعرفة من أسس وقواعد النهضة القومية وإثبات الوجود القومي والذات في آن واحد، خاصة لواقع شعب عانى الويلات في مراحل حياته من أجل نيل حقوقه ومناداته للتمتع بالحياة الحرة الكريمة كالشعب الآشوري الذي تشهد له تلك المآسي والمذابح التي عاشها منذ سقوط الإمبراطورية الآشورية مروراً بالإضطهاد الأربعيني وأحداث التاريخ القريب والحديث ولحد يومنا هذا, بدليل ما يجري في موطنه الأصلي والبلدان التي يتواجد فيها بتأثير السلطات السارحة تحت سيطرة النفوذ المذهبي التكفيري والتعصب الديني البعيد عن مفاهيم الأديان السماوية السمحاء.
إضافة للحدث الأهم
وأنا ادون ما تم الإشارة إليه آنفاً، استرعى انتباهي من بث مباشر للقناة ذاتها بنقل مواقف شعبنا الآشوري من الإنتخابات العراقية التي حُرّم منها العديد منهم وفق التعليمات الجديدة للمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات التي ألزمت المُنتِخب اعتماد الوثائق الأصلية لإثبات الشخصية مع اعتبارات أخرى بغية المشاركة في عملية التصويت. ونظراً لتعذر البعض من استصحاب وتوفير ما لم يكن في حسبانهم، ورغم عناء السفر لبُعد المسافات من المراكز الإنتخابية للعديد من المواطنين العراقيين وخاصة من الآشوريين الأصلاء من بني الرافدين، لم يحظوا على تتويج سبابتهم اليمنى باللون البنفسجي الغامق رمز ودليل شرعية التصويت والإنتخاب. وكان من جملة الأسباب بأن جواز السفر العراقي غير نافذ المفعول، وكذلك عدم صلاحية وشرعية دفتر الخدمة العسكرية والعديد من الوثائق الثبوتية الرسمية الصادرة عن المراجع والدوائر الرسمية التي تثبت المواطنة الحقيقية لأطياف المجتمع العراقي بحجة عدم ورود اعتمادها في التعليمات الرسمية من العملية الإنتخابية.
من خلال هذه المواقف، كان من بين الحضور في العرس الإنتخابي المذكور بإحد المراكز في كاليفورنيا صاحب القناة الفضائية السيد نينوس ترنيان (ولادة إيران) مع أحد مقدمي البرامج السيد داود البازي (ولادة العراق) الذي لم يسمح له بالتصويت لنقص في اوراقه الثبوتية بسبب قدمها وعدم صلاحيتها حسب ايضاحات مسؤول المحطة الإنتخابية، ولينجرف في قائمة البازي العديد من أبناء شعبنا بحيث أغاضه ذلك الإسلوب اللامنطقي من التعليمات وثارت ثائرته ليصاحبه في غيضه وهيجانه السيد ترنيان بإعتلاء صوته بحمم جمله وتعليقاته النقدية من خلال النقل الحي والمباشر من أمام أروقة المركز الإنتخابي الذي حتم على مسؤول المركز للتفوه بإبعاده، وهنا كان إصرار ترنيان على الإستمرار في فضح ألاعيب قرارات المفوضية والتشهير بها مهما بلغت الإجراءات ضده وضد فضائيته، وبقي على هذا المنوال بلقاء ومناقشة من لم يحظوا بحق التصويت وإظهار مستمسكاتهم المتعددة من خلال العرض المباشرعلى الشاشة.
وفي لقاء تلفزيوني من خلال برنامج خاص تضمن عرض الإشكالات الإنتخابية، ومن ثم الإتصال بالمعتمدين من المسؤولين من ممثلي المفوضية في المهجر ومناقشتهم، بحيث تم التوصل لبعض الحلول والقناعات التي يسرت في اليوم الثاني للبعض من المرفوضين على التمتع بحق التصويت والإنتخاب بحرية تامة ومنهم داود البازي مقدم البرنامج الخاص. وهنا تذكرت المقولة التي مفادها: " ما ضاع حق وراءه مطالب ".
فهنيئاً للذين مارسوا حقهم في عملية التصويت الإنتخابية.... وهنيئاً للسيد نينوس ترنيان على مناداته في تحقيق ما سعى اليه... وهنيئاً للقناة الفضائية في إداء رسالتها الإعلامية بتفان وإخلاص من أجل حرية الكلمة وديمقراطية الرأي وخدمة المجتمع المدني.
 






     
 



 
 

118
الموسيقار والملحن جوزيف ملكي
في ذمة الخلود

بقلم: ميخائيل ممو
mammoo20@hotmail.com



شاءت المصادفة بلمحة بصر أن ألمح عبارة " ورحل عنا " باللغة السويدية في موقع اتحاد الأندية الآشورية في السويد، غير متيقن من أن تكون الصورة التي يعلوها الخبر بأريحية صاحبها وبنظرته النغمية الربيعية أن يكون حقاً هو المقصود من عبارة الرحيل.. نعم الرحيل الأبدي، إن لم يكن النص الذي يليه من اللقاءات الصحفية المألوفة.  بعد التمعن على التهام الأسطر التالية فإذا به الزميل الموسيقار والملحن والأستاذ جوزيف ملكي قد فارق الحياة في رحلة أبدية. وفي اللحظة ذاتها انتابتني وخزات من خيبة أمل مؤلمة، وإعتصر فؤادي الحزن على إنسان طافت على محياه البسمة العفوية التي كانت تزامله، وبتلك أريحيته التي كان يلاطفها بدخان سيكارته التي لم يتخلى عنها بجد إلا في فترات انسراحه وانهماكه في أوقات عزفه، وكأنها تلك الريشة التي تلامس أنامله ليدغدغ بها أوتارعوده الذي عشقه طيلة حياته وكأن اهتزازات نغماته بمثابة النبع الذي يغني نبضات قلبه ليترنح ودندنات لسانه وصوته.
ملتقانا الأول وتعارفنا عن كثب فرضته سفرة نخبة من هيئة إتحاد الأندية في السويد إلى موسكو بدعوة من اتحادهم الذي كان يرأسه كلمانوف للوقوف على ديمومة العمل المشترك في العديد من النشاطات والتي منها الموسيقية بتوجيه وإرشاد العازف جوزيف. وهنا ينبغيني من واقع هذه الرحلة التاريخية أن أسرد واقعة من معايشاتنا الجميلة عن انطلاق وفدنا بإتجاه مطار ستوكهولم أن يفاجئ عازفنا جوزيف الجميع بنسيانه لآلة العود في مسكنه، والعودة ثانية لجلبه.. لتكون هذه الواقعة مبعث مزح دائم طول الرحلة، حيث لم تكن الحالة الأولى التي اعتادها المرحوم، كونه وبشعوره المرهف كأنه سارح في غيبوبة لما يدور بخلده من ألحان متزاحمة في العقل الباطن. هذه الحالة عادة ما تنتاب من يتألق ويتعمق في محاريبهم الخاصة لعمل ما.
وبمرور الأيام شاءت ظروف العمل المشترك أن نتزامل ردحاً من الزمن في فترات متعددة من خلال نشاطات إتحاد الأندية الآشورية كنائب للرئيس ومسؤولية عملي في مجلة حويودو حين كان يتولى مسؤولية كتابة القسم العربي على الآلة الكاتبة ومن ثم بحداثة تقنية الحاسوب. وفي هذه المرة عايشت واقعة أخرى ظننت بأن ظاهرة النسيان عاودته ثانية حين تأخره من تدوين مقالتين علميتين على الآلة الكاتبة بغية نشرها، نبهني عنها كاتبها الدكتور، لما فيهما من جدوى النصح والإرشاد عن مضار التدخين والكحول وبعض المأكولات المعلبة التي كان قد اعتاد عليها ـ المرحوم ـ والمسببة لتفشي الأمراض القاتلة، فخاطبته بغية التذكير، وإذا به يخاطبني ويباغتني بجدية مشحونة بقهقهته المسلية قائلاً: " صدقني يا استاذي، كلما تراقصت أناملي على لوحة مفاتيح الحروف بغية تدوين المقالة، يستوقفني الخوف والتردد من جوهر النص الذي يحرمنا عن العديد من الممنوعات التي اعتدنا عليها. بإلله عليك أن تكتبها أنت وتبعدني من مضمونها، وإلا سأظل أحلم بها دوماً". فإضطررت لتلبية طلبه وكتابة المقالتين ونشرها تباعاً في مجلة حويودو، تحاشياً من الحالة النفسية التي كانت تراوده حقاً لما يتمتع به من إحساس مرهف وشفافية عواطف جياشة ومشاعر روح فياضة ليبعد عنه وساوس الحيرة بمرافقته لسيكارته التي لم تفارقه، سارحاً وآفاق تأملات اللحن والطرب، كأنه يستلب لتأثيرها ويستوحي نغماته من حرية تموجات دخانها الراحل كرحيل أصداء موسيقاه. ولهذا كنت ترى بأن مزحه يصيب عين الحقيقة، وكما يروي أحد اصدقائه بقوله: ( ومن الطرائف التي حصلت مع الموسيقار جوزيف، أثناء ترددنا عليه لحثه بالإسراع في تلحين الأغاني، فكان يقول: إن نصف الأغنية قد إنتهى، أما النصف الآخر فيلزمه "قدح عرق").  ويجب أن لا يؤاخذ الفرد على ظاهرة النسيان طالما يشبهها جبران خليل جبران بشكل من أشكال الحرية، وقائل آخر يعتبرها أسهل طريقة للحياة، ولولا النسيان لمات الإنسان لكثرة ما يعرف.
ولكي يكون القارئ على معرفة قريبة من أهمية هذا الإنسان الذي خدم الفن والموسيقى الآشورية/ السريانية بألحانه وعزفه الدائم في العديد من المناسبات القومية داخل مملكة السويد وخارجها، لا بد من أن نلقي نظرة على سيرة حياته منذ أن ولد عام 1948 في مدينة القامشلي من والدين جذور أصالتهما تعود لعائلة ملكي القس جرجو من مديات في  منطقة طورعابدين التي أنجبت العديد من رواد الفكر القومي واللغوي بمراكزها الدينية في الأراضي التركية.
بدأ ولعه في المجال الموسيقي منذ صغره مستدرجاً هوايته على آلة السيكسفون النفخية في فرقة محلية بمدينة القامشلي على يد مدربه حسن الترك من أصول قوقاسية، وفي منتصف الستينيات تلقى دروسه الموسيقية في المركز الثقافي في القامشلي على يد الموسيقار المعروف كبرئيل أسعد متعمقاً في الموسيقى الكلاسيكية الشرقية بضوابط علامات السلم الموسيقي على أوتار ألة العود الذي أصبح فيما بعد آلته المفضلة ، رغم خبرته في العزف على العديد من الآلات كالأوكرديون والكمان والسكسفون بدليل مشاركتة في بعض العروض التي كان يقيمها ويحييها المركز.
بعد أن أحس مما اكتسبه من معرفة عن عالم الموسيقى، إرتأى أن يطرق باب التلحين، فكانت تجربته الأولى عام 1967 لأغنية " رحمتو دلبي " كلمات الدكتور ابروهوم لحدو وغناء جليل ميلو عام 1969 ومن ثم بصوت المطرب عبد الأحد لحدو عام 1981. وفي ذات العام الذي قدم لحنه الأول إنتقل من القامشلي إلى دمشق لدراسة الموسيقى أكاديمياً، أهلته متابعاته لمشاركته في العزف مع اوركسترا الإذاعة السورية في المدينة. وعلى أثر ذلك وبمرور عدة سنوات حتمت عليه الظروف الخاصة أن ينتقل إلى أسبانيا عام 1970 لدراسة الإخراج المسرحي والموسيقى أيضاً ولفترة لم تدم طويلاً تسلح فيها على الإلمام باللغة الإسبانية ، ومن ثم آثر أن ينتقل إلى السويد ليواصل عمله الموسيقي بين أبناء جلدته من تركيا وسوريا ولبنان والعراق ليعمد بالتالي على تأسيس فرقة فنية بإسم " كودو دبابل أي بمعنى فرقة بابل " عام 1975  بعضوية أفرام أسعد على العود، جورج صومو على الطبلة وجوزيف على آلة الأوكرديون مع المطربين الأخوين سيمون وبطرس حدرولي. وفي فترة زمنية قصيرة شاع أسم الفرقة واستحوذ بين أبناء شعبنا في العديد من المناسبات الخاصة والعامة، وعلى أثر تأسيس الأندية الإجتماعية والثقافية والرياضية ومن ثم جمعها تحت مظلة إتحاد الأندية الآشورية، كان قد بلغ صدى الفرقة شأواً واسعاً في المدن المتواجدة فيها الأندية الآشورية لتتعاقد معها على إحياء حفلاتها الدورية


 والمناسبات القومية والخاصة. وفي عام 1979 أصدرت الفرقة البومها الآول من ألحان جوزيف وكلمات لينا حفو بعنوان " من بيت نهرين أثيونو أي قدمتُ من بين النهرين". وفي ذات العام وبمبادرة من اتحاد الأندية الآشورية في السويد تم دمج فرقة بابل وفرقة شميرام في تسمية جديدة بإسم "عشتار" بإدارة جوزيف الذي سعى جاهداً وزملائه على تنفيذ العديد من المشاريع الفنية، والتي كان منها دعم أغاني الأطفال بإصدار أول إلبوم عام 1980 ليتبعه الإلبوم الثاني عام 1981 فالثالث عام 1983 من ألحان جوزيف ملكي أيضاً، التي زاملت ألسن الأطفال وإستحوذت في ذاكرتهم كونها تجسد واقعهم لتداولها في العديد من المناسبات الخاصة بهم، نذكر منها: " أثمول ايمر ملفونو، توخ توخ حبيبو، تاتي تاتي"، وعلى مدى السنوات المتوالية ساهم في تلحين ما لا يحصى من النصوص التي ضمتها العديد من الإلبومات وذاع صيتها من خلال بعض الأغاني والأناشيد التي كان يحبذها ملحنها ومنها: " توخ حورو دحولمِه، آزن لو شهرو، كرحمولوخ حبيبو،عشتار وتاموز وعلَيمه دو فودبول التي غنتها جوليانا جندو عام 1993، ومن جملة ما لحنه في سنواته الأخيرة في الالفية الثالثة نذكر منها: " دلو مي حوبِيدَخ، واي واي، حبيبتو دو ليبو وغيرها.. وبالتالي ليستقر به المقام عازفاً في محطة القناة الفضائية " سورويو تي في" في سودرتاليا إحدى ضواحي ستوكهولم ومن أكبر المدن التي يقطنها الشعب الآشوري بكافة تسمياته.
ومن مآثره التي لا يمكن التغافل عنها الدورات الموسيقية التي نظمها في مدينة يوتوبوري وسودرتاليا لتعليم مبادئ الموسيقى وما تتطلبه من مستلزمات لعملية الإستمرار والإبداع. كما وكان له دوره الرئيسي في تشكيل فرقة نينوى في يوتوبوري التي أنجزت العديد من الأعمال الفنية. إن عملية إحياء أربعة كونسيرتات في بولونيا بإسم الشعب الآشوري وبدعم الناشط الآشوري الدكتور الفاضل ميخائيل عبدالله كان لها صداها في المجتمع البولوني. إضافة لمسؤوليته عن توجيه وإرشاد جمعيات هواة المسرح والموسيقى من النشء الجديد برعايتهم تحت سقف اتحاد الأندية. وبقي من مآثره التي كان يحلم بها دوماً عن " بيت كازو " بتجسيد الألحان الكنسية من خلال مجموعة من المطربين لإحياء ذلك التراث الديني واللغوي والثقافي بإسلوب حداثوي ليفند تلك الألحان التركية التي استمدت من ذلك المخزون التراثي الثري. آملين من صاحبوه واستلهموا فكرته في ذاكرتهم أن يقدموا على تنفيذ ما حلم به، لتطمئن روحه في الإخدار السماوية، طالما ستظل بصماته ظاهرة على انجازاته اللحنية التي لا تغيب عن بال أشبال المستقبل في مناسبات أفراحهم ناهيك عن المناسبات القومية.  ومما ينبغي الإشارة اليه بأن الملفونو جوزيف خدم في مجال التعليم اللغوي لغير الناطقين باللغة العربية في جامعة يوتبوري إلى جانب الترجمة باللغة الأسبانية لفترة لم تدم طويلاً، ومن ثم ليتفرغ كلياً في الحقل الذي نشأ وتربي عليه لخدمة أبناء مجتمعه الذي احتظنه ليشار اليه بالبنان بدافع مهاراته وإبداعاته ومواقفه القومية التي جسدها بألحانه وأرائه . من هذه الحقـيـقة التي ألـفها الجميع من المهتـمـين بالحقـل الموسيقي والثـقافي   
والفكر القومي حتمت عليهم مواقفه أن يشيدوا بما كان ينوي تحقيقه. بهذا ونظراً لمكانة جوزيف الفنية والموسيقية والثقافية التي حظي بها بين أبناء شعبه والمنظمات التي ساهم في نشاطاتها طواعية ودون تردد، أقدمت المنظمة الآثورية الديمقراطية في الأول من سبتمبر 2007 ولمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيسها أي ميلادها الخمسون بتكريم الموسيقار جوزيف في حفل خاص تقديراً وتثميناً لجهوده التي لم يتقاعس عنها قط. وفي اليوم المصادف 29 نوفمبر 2009 حذا كورال الموسيقى الآشورية/السريانية في سودرتاليا حذو المنظمة بإحياء حفلة تكريمه في دار الشعب (فولكتس هوس) تم فيها عرض معظم ما لحنه وألفه من أغان وأناشيد بإدارة السيد عيسى هابيل.
بقي أن نقول: إن تحدثنا عن صفاته الإنسانية، ليس بوسعنا إلا أن نردد مقولة: فحدّث ولا حرج، لما كان يتمتع به من أخلاق عالية وروح  مرنة  مشوبة بالتسامح ومتوجة بالصبر أردتها أعاصير الداء المباغت دون توقع بإيقاف نبضات القلب الطيب  في الثامن عشر من شهر نيسان 2014 في العاصمة ستوكهولم، وعن عمر يناهز 65 عاماً، بتوديع أهله وأصدقائه ومحبيه، تاركاً من ذريته ولده سركون وابنته كارمن وعوده رفيق دربه الفني وملهم ألحانه في صمت عميق وحزن دفين إضافة لآلاته الموسيقية التي خلدتها ألحانه، وبعض الكتابات المستوحاة من نغماتها.
كفى أن نقول في نهاية المطاف: ستبقى آثاره عالقة في ذاكرة أجيال المستقبل رغم انطفاء لهيب ديمومة ألحانه مع رحيله الأبدي بإرادة من بث في روحه تلك النزعة الإنسانية والفنية والثقافية ليبقى خالداً ومثالاً مضيئاً دروب الآتين من بعده ليمتثلوا بصفاته.


121
الطالبة الأكاديمية رينا ممو
تنال شهادة الماجستير في حقل التمريض العائلي




بعد جهد من التواصل الدراسي الأكاديمي في مجال البحث العلمي للخدمات الطبية والتطبيقات العملية، كان قد حان الوقت للطالبة الجامعية رينا مَمّو في يوم الأربعاء المصادف في الثالث والعشرين من شهر نيسان 2014 لتتبوأ كرسي الدفاع عن اطروحة الماجستير في علم التمريض العائلي  معنونة أياها بتسمية:
(Triage Nurses Administrating Medication for Anaphylactic Reactions)
أي بما معناه التقريبي " فرز المصابين بالداء لتخصيص الدواء بناءً على شدّة حالتهم التحسسية" وذلك من جامعة (Resurrection University in Chicago  ) الأمريكية بمدينة شيكاغو.
بعد مناقشة طويلة عن الأسئلة التي طرحت عن مضمون الرسالة  من قبل اللجنة المشرفة استطاعت الطالبة رينا ان تسلط الأضواء بإيجابية تامة عما تعنيه في اطروحتها على خدمة المجتمع بشكل عام والذين يعانون من الحالة النفسية والمرضية بشكل خاص. بعد ذلك اجتمعت اللجنة المشرفة وأعلنت قرارها بمنحها درجة النجاح بتفوق على نيلها شهادة الماجستير، آملين منها ديمومة الإستمرار في بحوثها المستقبلية لخدمة المجتمع.
بقي أن يعلم القارئ الكريم بأن الطالبة رينا هي ابنة الدكتور دانيال ممو المتخصص في الطب الإشعائي وعمها الأديب المعروف الأستاذ ميخائيل ممو.
ولا يسعنا في إدارة عينكاوا كوم إلا أن نهنئ الأخت رينا ممو على مسعاها، آملين أن تسعى لنيل الدكتوراه.













122
الذكرى الأولى ليوم اللغة الآشورية


 
بقلم: ميخائيل ممو

ونحن على أبواب الإحتفال بيوم اللغة الآشورية الذي تم إقراره بتاريخ 23.06.2013 في حفل تكريم مجموعة من الأدباء الآشوريين من دول مختلفة بإهتمام ورعاية المجلس القومي الآشوري في شيكاغو بولاية إلينوي، تم إعتماد تسمية يوم 21 نيسان من كل عام بيوم اللغة الآشورية  للإحتفاء بهذه المناسبة التاريخية في أروقة وأفنية مدارسنا ومؤسساتنا الثقافية والأدبية والدينية والقومية، إسوة بالشعوب التي خصصت أياماً للإحتفاء بيوم لغاتهم الأم إلى جانب أيام أخرى لمناسبات عديدة لها مكانتها في تاريخ تلك الشعوب.
وبما أن اللغة الآشورية لها جذورها الأصيلة في ساحة العمق التاريخي بما منحته للبشرية من نور العلم والمعرفة بدلالة معالم الحفريات ورُقمها الطينية وما حوته خزائن مكتبة آشور بانيبال من منجزات حضارة بلاد النهرين، بدأت منابت فروعها تزهر ثانية في أرض أصالتها. ومن جراء ذلك إرتأى المكرمون وهيئة المجلس القومي الآشوري أن يكون اليوم المُشار اليه مخصصاً للمناسبة المذكورة بحضور ما يزيد عن 350 شخصاً من أبناء شعبنا يوم إعلان النبأ السار في يوم التكريم، مستقبلين أياه بفرح شديد وترحيب حاد بما له من أهمية وفاعلية كمنجز تاريخي للإحياء اللغوي بغية النهوض من الكبوة التي لازمت اللغة الآشورية لقرون عديدة، واليوم بدأ التاريخ يعيد نفسه حين بدأت بوادره تشرق في آفاق الوطن الأم وبلدان المهجر بتأسيس المدارس الرسمية والخاصة وإعلاء شأن الصحافة ووسائل الإعلام والتأليف والنشر بعد غياب دام العديد من القرون بسبب الأحداث الدينية والسياسية والأوضاع المزرية لظروف غير طبيعية من الإضطهادات والتجاوزات في مناطق تواجد الشعب الآشوري بكافة مذاهبه ومكوناته، مروراً بغزوات مظالم المغول على انتهاك حرمة الكنائس والمساجد وإتلاف كنوز الثروات اللغوية بما فيها المصادر الدينية، إضافة لما اختلقه المبشرون الأجانب فيما بعد بحكم سياسة التمذهب الديني والطائفي في تاريخنا الحديث الذي زاد من حدة الإنشطار والإنقسامات والتسميات التي لا زلنا نعاني منها، ناهيك عن فلسفة رجال الدين بما خلقوه وخلفوه منذ الأربعة قرون الأولى من انتشار المسيحية، إلى جانب الإضطهادات والمذابح التي لحقتها في العهد العثماتي وسببت تشتيتهم في أراض مترامية الأطراف من أرجاء العالم يشكلون اليوم فيها تكوينات اثنية بإسم الآشوريين كما هو الحال في تركيا وإيران وروسيا وأرمينيا وجورجيا وسوريا ولبنان وأمريكا واستراليا والعديد من الدول الأوربية دون أن يتخلوا عن عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم ووجودهم القومي.
ما هو متعارف عليه بتأكيد المتبحرين في العالم اللغوي والتربوي والإجتماعي بأن اللغة هي هوية الشعب الناطق بها في تعامله اليومي الدائم وممارسة شؤونه الرسمية وشبه الرسمية التي تفرضها منهجية مؤسساته.
من هذا المفهوم المنطقي والعقلاني يتضح لنا وكما يقال عن تواجد ما يقارب الستة آلاف من اللغات في شعوب العالم، منها المألوف ومنها المجهول ومنها التي في دورها للزوال والذوبان. فالقليل من المألوف أقرت لها أياماً للإحتفال بيوم لغاتها، وبقي القدر الكبير دون ذلك لأسباب لهجوية وقومية وجغرافية مناطقية وتعدد صيغ الناطقين بها، وإنحصار البعض منها على مجاميع اثنية نائية في أماكن تواجدها على مر السنين بعيدة عن ركب العالم الحضاري.
أما اللغة الآشورية التي عاصرت العهود والفترات الزمنية المتفاوتة منذ العهد الأكدي مرت بمراحل متعاقبة نتيجة التطور اللغوي ـ إن لم يكن التمييزـ بتبديل أشكال الحروف  والرموز المألوفة واستحداث رسمها بشكل مغاير مع تفاوت أصواتها وألفاظها اللهجوية وشكل الحركات واستعارة المفردات الدخيلة بحكم المعايشات المناطقية مع شعوب أخرى بفرض سيطرتها، ومن ثم انتحال التسميات المرادفة على مر السنين كالآرامية والسريانية والكلدانية وغيرها من التسميات المستحدثة، علماً بأن صيغها اللغوية هي ذاتها في هيكلة تكوينها ضمن أصول جذورها اللغوية التاريخية بمفرداتها وقواعد نحوها وصرفها وبشكل خاص اللغة الآشورية الشرقية الحديثة بمجاراتها لمفهوم الحداثة رغم تحفظها بجذور أصالتها كإمتداد لغوي لإصول اللغة الآشورية الكلاسيكية التي منبعها ومصدرها تلك التسميات المؤكدة في علم الآشوريات باللغة الآشورية البابلية أو البابلية الآشورية  كفرعين لهجويين ناتجين عن الأصل المشترك للغة واحدة متمثلة بالتسمية الأكدية التي شملت منطقتي بابل وآشور بإصطلاح تلك التسمية من أرضية الموقعين المألوفين بالشمالي المتمثل بآشور والجنوبي المتمثل ببابل لكون الدولة البابلية الحديثة هي بمثابة امتداد لإمبراطورية آشور ، كما هو الحال في تسمية رأس السنة الآشورية البابلية، وكذلك في أوجه التقارب والتشابه بين العربية والأكدية، أو العربية والآرامية أو التسمية السريانية المستحدثة عن اللفظة الآنكليزية اس ـ سريان. شأنها شأن مجموعة اللغات الجرمانية الإسكندنافية المعروفة بالسويدية والدنمركية والنرويجية القريبة من بعضها في القياسات النحوية والثروة اللغوية بتسميات مختلفة من أصل مشترك فرضتها مؤشرات وخصائص التحول الديموغرافي وطبيعة التوزيع الجغرافي كدول مستقلة عن بعضها مثلما كانت بابل وآشور. وليس من المُستبعد أن نستدل عن واقع اللغة الأكدية بتسمية الآشورية البابلية مثلما كان تواجد اللغة اللاتينية  قبل الميلاد وبعده كلغة رسمية ولغاية القرن السادس عشر بعد الميلاد حين غابت شمسها بسبب انبثاق اللغات القومية النامية في الغرب بدوافع الإنتماء الجغرافي والإجتماعي والإثني والسياسي لتحل محلها مطعمة بمفردات آدابها وعلومها وفلسفتها إلى جانب بقاء تراث اللاتينية بشكل رسمي في كنف المؤسسة الدينية الغربية كلغة رسمية في أفنية الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، مثلما هو الحال للآشورية الكلاسيكية بنعوتها المرادفة المطابقة للأصل عن عدم التخلي من استعمالها في الطقوس الدينية للكنيستين الشرقية والغربية بلهجتين متقاربتين، رغم امتعاض البعض من التسمية الأصل لأسباب سياسية ومذهبية نحن في غنى عنها في الميدان اللغوي.     

لهذا فإن استغرابي هنا من ذلك الإمتعاض أن لا يحاول الممتعضون من الإقتراب على فهم أوجه الحقيقة التي مصدرها أولئك الخبراء وعلماء اللغات القديمة والحديثة البالغ عددهم أكثر من 85 لغوياً قضوا أرداحاً من الزمن منذ عام 1921 وعلى مدى 90 عاماً بالتوالي على دراسة وتمحيص وتوثيق القاموس اللغوي الكبير في جامعة شيكاغو الذي نعتوه بتسمية " القاموس الآشوري" في واحد وعشرين جزءاً، بإعتباره منبع وأساس التسميات المركبة  والمذكورة آنفاً بدوافع محو أصالة التسمية القومية الآشورية التي لحقتها اسباب أخرى لا تغرب عن البال كالتعريب والتذويب.
هذا ليس معناه أن ننفي كلياً دور تسمية اللغة الآرامية وما استحدث منها، ونلغي وجودها من آدابنا وعلومنا القديمة والحديثة طالما اتسعت حدود رقعتها ومساحة أهميتها بحكم تسهيل صعوبات الكتابة المقطعية المسمارية إلى هجائية وبحروف صوتية وإتسامها بلين وبساطة أصواتها وصيغها وتراكيبها المستمدة من مراحل تطورها المبني على وجود اللغات التي قبلها، كونها من فصيلة اللغات السامية ذات الجذور المشتركة، وكذلك ينطبق الأمر فيما يخص استحدات التسمية السريانية في العصر المسيحي لحين مجئ الدين الإسلامي وسيطرة اللغة العربية على تلك التسميات التي بدأت تعيد نفسها في تاريخنا الحديث كما أشرنا آنفاً من خلال النهضة الأدبية والثقافية والإعلامية الحديثة التي يسرت إحياء الوجود اللغوي إنطلاقاً من مبدأ حقوق الإنسان وما أقرته منظمة اليونسكو بعد الأحداث الدامية في دكا عاصمة  بنغلادش ومطالبة شعبها من السلطات للإعتراف بلغتهم الأم البنغالية وبوجودها الشرعي بمصاف اللغات الأخرى المتداولة.
على أية حال ليكن في علمنا جميعاً، إنه مهما غرنا في تفاصيل ما أشرنا إليه بإسلوب سفسطائي ومن غير قناعة للإعتراف بالحقيقة سنظل نجري كجريان الأنهر الضيقة التي تصب في البحار الصاخبة الأمواج التي لا تدعنا نعوم فيها بهدوء وروية لنريح أنفسنا في العوم ونريح الذين يتأملوننا على الساحل. هذا ما يتسنى لي تشبيه واقعنا المرير في تاريخنا المعاصر بتأثير الأمواج الهائجة الصاخبة المتمثلة بأولئك الذين يفكروا دوماً على شاكلة قصر مسافة أظلالهم في وضح النهار والتي تبددها سطوة الظلمات.
وفي خاتمة المطاف نهيب برسل التربية والتعليم باللغة الآشورية والجمعيات والمؤسسات الثقافية والأدبية أن لا يبخلوا من مد يد العون لطلبتنا ومن المهتمين بلغتنا في الإقدام على الإحتفاء بهذا اليوم في الذكرى الأولى وعلى مدى السنوات القادمة ليتحسسوا بمدى أهمية اللغة وتأثيرها في حياتهم.

mammoo20@hotmail.com


134
وداعاً.. رفيقنا
زيا نمرود كانون


ميخائيل ممو / السويد


حقاً لقد فجعنا برحيل أحد أعمدة الأدب الآشوري الحديث الذي ألمَّ به المرض الظالم ليدعه يعاني من ألم الحسرات والتأوهات على ما كان يحمله بين طيات فكره لخدمة المجتمع. وبرحيله المباغت الذي لم نكن نتوقعه بهذه العُجالة التي جعلتنا أن نقف واجمين، نستذكر جمّ فضله ودرر أدبه مما تركه لنا وللأجيال القادمة.
حقاً يا رفيقنا الراحل.. لقد أديت ما عليك ووفيت في إدائك، وخدمت لغة بني شعبك بما يرضي من فهم مواقفك وتطلعاتك وخدماتك، رغم طموحك الدائم على تقديم المزيد مما خزنته في ذاكرتك. ولكن ماذا عسانا أن نفعل من مشيئة القدر. دعني أقولها وبملئ فمي ان الفاجعة التي ألمّت بنا وبمن عاشرك وتواصل معك لا تقل هولاً بمن سبقوك من ذات الرياض. بقي أن تعلم روحك الطاهرة بأن ذكراك ستبقى تناشدنا بذكر مآثرك، وبما اتصفت به من صفات حميدة متمثلة بأخلاقك المطعمة بشذا الفضائل والمزايا السامية.
حقاً يا أديبنا الراحل.. كنت شهماً لكل ما تصبو اليه، وكنت ذلك المثابر الذي لا يملّ ولا يتقاعس في مواكبة المسيرة الأدبية واللغوية، وكنت في غالب الأحيان أن تكون بمثابة ذلك الإنسان الذي لا يرنو لسمات الرقي والعلو والأبهة بما كنت تكشفه لنا وتمهد له لمشاريعك المستقبلية في الوطن الأم لتكون بالتالي وبحكم الظروف القاسية ضحية أشواك الهجرة والإغتراب.
أيام ملازمتك لفراش المرض أحزننا مرضك، وأيام شعرتَ بمحدودية العطاء الفكري تألمنا لذلك، وأيام معرفتنا بمعاناتك الشديدة ساورتنا الشكوك، وها هي اليوم تلك الشكوك تؤكد لنا نتائج تلك المعاناة بفراقك الدائم ورحيلك الأبدي بإسدال الستارة على الفصل الأخير من حياتك الزمنية بإرادة من آمنت به، تلك الحياة التي خاطبتَ فيها الحبيب في يوم ما بمقاطع من قصيدتك "أيها الحبيب" التي ترجمناها للعربية والتي بدأتها بجمل متفاوتة مفادها: اسمع ايها الحبيب.. انظر ايها الحبيب.. هيا ايها الحبيب.. نلج في موج الريح.. وبصوت حاد المرونة نصيح.. ايتها الريح.. حركينا.. حلقي بنا.. وارفعينا، لعُلى السموات.
وها هي تلك التنبؤات التي ساورتك لتلك السموات قبل اربعة عقود في الوطن قد لبت صيحاتك بعد أربعة عقود من عمرك الزمني وأنت بعيداً عن مرتع أحلامك.  
وليس لنا في نهاية حديثنا إلا أن نقول: انتم السابقون ونحن اللاحقون.. فنم قرير العين في مثواك الأخير. وما بقي لنا سوى التضرع إلى الخالق بأن يتغمد روحك بشآبيب رحماته، ويلهم ذويك وأصدقائك الصبر والسلوان.

***


ولكي يكون القارئ على معرفة بسيرة حياة الفقيد زيا نمرود كانون أنقل هنا ما دونته عن سيرة حياته عام 1976 في كتابي الموسوم " في رياض الشعر " مع بعض الإضافات الحديثة التي استقيناها من معاشاة حياة الإغتراب.
•   ولد عام 1934 في بلدة عين سفني في مدينة الموصل.
•   أنهى دراسته الثانوية عام 1957 في المعهد العلمي ببغداد.
•   تخرج عام 1958 من الدورة التربوية للمعلمين في بغداد.
•   تم تعيينه بعد تخرجه معلماً في محافظة أربيل.
•   أنتقل عام 1967 إلى بغداد، فإلتحق بالجامعة المستنصرية ليتخرج منها حائزاً على شهادة البكالويوس في اللغة الإنكليزية وآدابها.
•   عمل في القسم الآثوري (السرياني فيما بعد) بإذاعة بغداد منذ تأسيس القسم عام 1972. ليمارس عمله كمترجم ومذيع ومقدم لبرنامج ( الأدب والحياة) ولمدة تزيد عن الثلاث سنوات.
•   عضو سابق في لجنة المكتبة والهيئة السريانية والمجلة التابعة لمجمع اللغة السريانية في بغداد.
•   عضو سابق في هيئة تحرير مجلة " المثقف الآثوري " الصادرة عن النادي الثقافي الآثوري، وأحد مؤسسي جماعة " أصدقاء الأدب الآثوري". كما ومارس تعليم اللغة الآشورية في النادي الثقافي. وعلى أثرها نال وسام النادي لنشاطاته الدائمة في النادي.
•   انتخب عضواً في الهيئة الإدارية لإتحاد الأدباء والكتاب الناطقين بالسريانية وتولى منصب نائب الرئيس إبتداءً منذ عام 1973 ودوراته اللاحقة كعضو فعال لغاية عام 1980.
•   عضو اتحاد الصحفيين العراقيين عام 1980 إضافة لعضويته في الإتحاد العام للإدباء العراقيين عام 1985 ومن ثم عضويته في جمعية المترجمين العراقيين عام 1988.
•   عام 1989ـ 1993 اختير للتدريس في المعهد الكهنوتي لكنيسة المشرق الآشورية وتتلمذ على يديه العديد من رجال السلك الكهنوتي.
•   شارك في معظم المهرجانات الشعرية والأماسي الأدبية في بغداد وخارجها.
•   نشر في وقتها دراسة مسهبة وعلى شكل حلقات بجريدة التآخي تحت عنوان " تاريخ الأدب الآثوري". وكذلك العديد من المقالات في المثقف الآثوري ومجلة الإتحاد ومجلة الكاتب السرياني التي تولى فيها منصب سكرتير التحرير ومجلة مجمع اللغة السريانية.
•   له عدة دراسات تبحث في الأدب واللغة، إضافة لمجموعة شعرية.
•   عام 1993 ولأسباب خاصة شد الرحال مع عائلته الى الأردن ومنها الى شيكاغو، ليمارس فيها نشاطاته من خلال المؤسسات الآشورية، فمارس التعليم والتدريس في المدارس الرسمية وعمل كموظف في المؤسسة الخدمية لأبناء الجالية.
•   من نتاجاته الأدبية المطبوعة:
ـ كتاب بهرا وطلالي أي ضوء وضلال عام 1980 بغداد
ـ معجم الأدب السرياني، الجزء الأول، مع مجموعة من المؤلفين، 1990 بغداد من منشورات المجمع العلمي العراقي.
ـ كتاب الحلقة المفقودة في تاريخ الآثوريين" 1997 شيكاغو.
ـ تعليم اللغة الآثورية للآثوريين المولودين في المهاجر وغيرهم.
إضافة للعديد من المخطوطات والتي منها ثلاثة أجزاء لتعليم اللغة الآثورية.


136
الأستاذ د. ليون: لغتنا ليست وطننا فقط بل هويته أيضاً
وروح الجسد القومي والكنسي

بقلم: ميخائيل ممو

قبل كل شئ أستهل بداية مداخلتي لما طرحه وتفضل به زميلنا الدكتور ليون برخو في موقع عينكاوا على ضوء (الرابط 1) المرفق بعنوان: " لغتنا هي وطننا، وهويتنا الكنسية والقومية والإحتفاء بها واجب " معتمداً في تفصيلاته على ما إقترحناه بشأن تسمية  " يوم اللغة الأم " لأبناء شعبنا ووجودنا القومي، والتي عمذناها تلك التسمية " يوم اللغة الآشورية " أو " الآشورية / السريانية " من خلال مقالنا المنشور في عينكاوا كوم ( الرابط 2 )، إسوة بباقي أيام لغات الشعوب ، ونحن على أعتاب ذكرى " يوم اللغة الأم العالمي " المصادف 21 شباط من كل عام.
أستهل هذه المداخلة، لأعلم استاذنا الفاضل ليون الذي لا يألو جهداً في مسعاه على دبج الموضوعات النقدية والتحليلية المدعمة بالنظريات العلمية والمنهجية أحياناً، وبآرائه الشخصية في حين آخر، لأبين بأن اللغة ليست وطننا فقط، بل هي هويته أيضاً، يجسد قدسيتها الإيمان الكنسي والمذهبي، ويُعلي من شأنها وجود الإنتماء القومي للحفاظ على رونق وقدسية وجودها واستمراريتها، لتصبح في كل الأحوال الروح الحية في جَسَدَيّ الكنيسة والقومية معاً على مر العصور كخلود المبشر الأول الذي بشر ونطق بها وخلدها منذ فجر التاريخ الميلادي، وما قبل ذلك أيضاً ولحد يومنا هذا.

مسألة التسمية القومية لأبناء شعبنا أصبح حالها حال تفرعات التسميات الدينية بمذاهب مختلفة، بالرغم من إيمانهم الواحد، مع تفاوت في الرأي فيما يخص الإجتهادات التي خلقت الإنشقاقات، كما هو الحال بالنسبة للمذاهب الإسلامية بين الحنبلي والشافعي والمالكي والظاهري والجعفري والزيدي وغيرها لتتخذ مجرى الإنقسام والتشتت الى تسميتين رئيسيتين تمثلتا بالشقين الكبيرين المعرفين بالشيعي والسني، كما هو في الديانة المسيحية كالكاثوليكي والأرثذوكسي والبروتستانتي وغيرها من التسميات المستحدثة ذات المغزى السياسي والعدواني الذي يغيب عن بال الكثيرين.

منذ منتصف الألفية الأولى وشعبنا المسيحي في مهد نشأته خاض صراع الإجتهادات والتأويلات بفتاوى التشتيت لخلق التسميات التي نوهنا عنها، والتي بدورها زادت الطين بلة بإنتقال عدواها في جسد تسميات الإنتماء القومي، والتغافل عن مفهوم الدين لله والوطن للجميع تحت تسمية تاريخية لها دلالانها وفق منظور أسس الإنتماء العرقي الأصيل الذي تشهد له ساحات النضال ودماء ملايين الضحايا والشهداء على مدى العصور التاريخية دينياً وسياسياً.
هذا من جانب، ومن الجانب الآخر ـ آمنا بالله ـ عن وجود الشعب الآشوري والكلداني والآرامي، ولكن عن الشعب السرياني الذي استمدت منه التسمية اللغوية المستحدثة " السريانية " مسألة في غاية الشك والحيرة. فإن كانت التسمية شاملة للتسميات الثلاث من منابعها الشرعية لا ريب في ذلك. إنما الحيرة في الأمر أن نرجعها الى أصلها مثلما يتم تفسير باقي التسميات التي لا أود الخوض في إشكالاتها.. فإن كانت دينية ـ كما يؤولها البعض ـ فهذه لا تمت للحقيقة بشئ، وإن كانت تعني الإعتزاز القومي فلا بد من أن نسندها إلى مصدر إشتقاقها الرسمي والأصيل، وأن لا نتغاضى ونتغافل عن ذلك لأسباب تعنتية عدوانية وإعتبارية لغاية في نفس يعقوب.

التفسيرت اللغوية التي ألفناها، ومما لا يحصى عددها من الشروحات والمداخلات والتعليقات تدعنا أحيانأ أن نعترف بها لإسباب وحدوية، شريطة أن لا نتناسى الآشورية التي استمد تأويل وتفسير السريانية منها بسبب الترجمة التي فرضت فرضاً بالعربية ومن قبل مغالطات المستشرقين أيضاً، أو الذين إنتهجوا مقولة " خالف تُعرف "، علماً بأنها تحوير واشتقاق من المفردة الآشورية بلفظها الغربي المُعَرّف المعروف والمألوف بمصطلح  اسيريان ( Assyrian  ). وحين ننعت بالعربية التسمية المُشار اليها تكون " السّريانية " بتشديد حرف السين وإخفاء اللام. وبما أن الأل (ال) هي أداة إضافة للتعريف، فحتماً سيتم إخفاء لفظ اللام في (ال) لتلفظ  ( اسيريان  Assyrian  )  بـ ( اسريان أو اسيريان ) ومن ثم التعريف بـ ( اس + سريانية ) لكون السين من الحروف الشمسية المشددة، وعندما تدخل أداة (ال) التعريف على الحرف الشمسي في المفردة  لا يُلفظ حرف اللام. هذا من الناحية التحليلية لمنشأ التسمية الآنفة الذكر. أما عن الوجود الشرعي للمُسمى الأصل تشهد له الحقبات التاريخية، ولا يمكن نكران ذلك وكما أشرنا.
إن الحالة هذه ينطبق عليها ما ذهب اليه المؤرخون الأجانب في تعريبهم أو نقلهم لكلمة " عرب " حين صيغت بتسميات متفاوتة متمثلة بالحروف اللاتينية التالية: ( Arub, Arbi, Urbi, Arabi, Aribu Aribi  ) ولكن المفردة الأصلية والصحيحة المألوفة بقيت ولازالت محافظة على هيبتها التي هي معروفة لدى الجميع.
لذا تساؤلنا هنا، أين هي مآثر وبطولات الشعب السرياني (إن لم يكن الآشوري) الذي اشتقنا منه لفظة السريان والسريانية بمفهومها المجرد من أصالة العمق التاريخي؟ وأين هي الأماكن والمواطن التي خلدها ذلك الشعب؟ أو وأو.... أليس هو المتمثل بالآشوري والكلداني والآرامي في حقب زمنية متفاوتة أملتها الظروف السياسة؟ ولماذا لم يتم استنباط صياغتها من الكلدانية والآرامية كمفردتين يشهد لهما التاريخ السياسي والأدبي أو اللغوي على ضوء ما يتناقله المؤرخون؟   
 إذن فلماذا السرياني إن كان أصلها أسيريان أي بمعنى الآشوري؟! فالمصطلح هنا ولد من منشأ هجيني أي من أبوين متفاوتين في الأصل مثلما يقال من أب عربي وأم أعجمية في علم اللغة.
كلنا يعلم بأن التسمية الشائعة التي تكنى بها لغتنا وشعبنا هي السريانية، ولكن علينا أن نعلم علم اليقين من الذي صاغها ودونها وجعلها الشماعة التي نعتمدها ـ شئنا أم أبينا ـ لنكون من الموالين لها عمداً كما فعلت السلطات البائدة بفرض منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان والتغافل عن بني آرام والصابئة.

أما الذين يذهبون في زعمهم عن افتقاد صلات القربى بين مفردات ما شاع استعماله في عهد الآشوريين والآراميين وعصرنا الحالي انه افتراض لا أساس له، كون مكونات مفردات اللغة الحديثة أغلبها مشتقة من الأصل، وليس أدل على ذلك من برهان قاطع ودامغ من مئات المفردات التي صيغت بها الآيات القرآنية، ولا زال استعمالها أيضاً حتى في صلواتنا وكتبنا اللاهوتية والأدبية شعراً ونثراً بذات المعنى وذات اللفظ. وهناك العديد من القواميس التي تؤكد هذه الدلالات، وبشكل خاص التي صدرت حديثاً عن المهتمين بالأبحاث اللغوية والتراثية. وبمجرد زيارة عابرة بطرق باب " عمّنا كوكل أو غوغل أو جوجل " الذي هو الآخر نقلنا له ذات العدوى سيستجيب لطرقك ويلبي دعواك بالكشف عن تلك المفردات. ومتى ما تمت حيرتنا في إيجاد مفردة يستعصي علينا إيرادها في كتاباتنا، ينبغينا الأمر والحالة هذه الإستنجاد بتلك المصادر القاموسية والمخلفات التراثية والتاريخية التي حلت رموزها ومفاهيمها بالرغم من تفاوتها اللفظي أحياناً، قديماً وحديثاً. قديماً بتأثير العوامل البيئية الجغرافية والإجتماعية والثقافية والمناطقية النابعة منها اللهجات مشحونة بمواصفات خاصة تميزها عن بعضها صوتياً وربما صرفياً ونحوياً، كما يتضح لنا في تفاوت لغة لهجة شمال الرافدين عن جنوبه وفي العديد من دول العالم، وكما هو الحال بين أبناء الشعب الواحد في شمال العراق لأسباب يفرضها الإنتماء المذهبي والإدعاء القومي إلى جانب ما أشرنا اليه مسبقاً. ولكي نكون على مقربة أكثر مما أشرنا اليه ندرج فيما يلي ما أكده المعجم الأكدي في مقدمته.

( سمي الباحثون الأوائل لغة النصوص المكتشفة في بلاد آشور المتمثلة اليوم بالقسم الشمالي من العراق، اللغة الآشورية ( Assyrian Language  ) ولغة النصوص المكتشفة في بلاد بابل المتمثلة بالقسم الجنوبي من العراق، اللغة البابلية ( Babylonian Language  )  وذلك نسبة إلى أماكن اكتشاف النصوص. وبما أن النصوص المكتشفة في بلاد آشور كانت أول النصوص التي وصلت إلى أوربا إذ عكف الباحثون على دراستها وحل رموزها، فقد سمي العلم الذي يعني بدراسة النصوص المسمارية المدونة بالآشورية والبابلية عامة بعلم الآشوريات ( Assyriology  ) وما يزال يعرف بهذا الإسم..... وبأن الأكديين أشاروا الى لغتهم بمصطلح اللغة الأكدية (بالأكدية لشان أكدي    Lishan akkadi) أي اللسان الأكدي أو اللغة الأكدية).

هذا ما استنتجه المؤرخون والباحثون في العلوم اللغوية في زمن مؤسس الدولة الملك سرجون الأكدي نسبة لمدينة أكد في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد. وكما يؤكد أيضاً العديد من الباحثين المعتمدين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر هاري ساكس في كتابة " عظمة بابل " ص 68 ، لندن 1962 ترجمة عامر سليمان قوله:
مملكة أكد ( تعد أول مملكة وحدت جميع أرجاء بابل وآشور، تحت حكم مركزي واحد وإمتدت بنفوذها إلى الأقاليم المجاورة مثل بلاد عيلام جنوب غربي إيران وأجزاء من بلاد الشام).
نستنتج هنا بأن الملك سرجون ومن تبعه من ملوك الآشوريين بسطوا نفوذهم على مناطق واسعة منذ عام 2371 لغاية 2230 ق. م. أي لأكثر من مائة وأربعين عاماً. وبهذا التوسع السلطوي انتشرت تلك اللغة بخطها المسماري واستمر امتدادها لدول أخرى في الشرق بتعاقب حكم الملوك الآشوريين بدلالة الأبجدية الأوغاريتية المسمارية في اللاذقية / سوريا،  برموزها التي بلغت في حدود 32 رمزاً كتابياً معتمداً، أي بخمسمائة عام قبل انبثاق الأبجدية الفينيقية الآرامية المتقاربة في معظم أصواتها اللفظية.
***
أن ما ذكرته فيما سبق من رأي وإيضاح قد يكون بعيداً ـ نوعاً ما ـ مما ذهب اليه الزميل ليون ، ولكي أكون اكثر دقة مما أورده في مخاطبته استل فقرته التي يقول فيها: (بعدها سأعرج على موقف كاتبنا وشاعرنا وصديقنا ميخائيل من لغتنا ). حيث سبق لي وأبديت رأيي عن ذلك.
أما قوله: (ولكن رجائي الوحيد هو أن لا يتم ذلك دون دراسة مستفيضة تشترك فيها كل فئات شعبنا بمنظماتهم وكنائسهم لا سيما زعمائنا الكنسيين وأخص بالذكر بطاركتنا).
أقول وبصراحة تامة رجاؤه فيه نوع من المصداقية طالما يشير إلى دراسة مستفيضة ـ حسب قوله ـ ولكن هل أن كافة فئات شعبنا تتوفر لديه تلك المصداقية، ولا سيما المنظمات ذات العلاقة أو التنظيمات الحزبية والكنائس.. لا أظن ذلك أبداً، طالما تلك المنظمات والتنظيمات الحديثة والكنائس جعلتنا مشتتين منذ القرن الخامس والسادس من وجودنا المتآلف. وإن كان الأمر بيد زعمائنا الكنسيين من البطاركة والمطارنة ورجال الدين، فأين هو موقف اللغويين  العلمانيين من تلك الدراسة المستفيضة؟! أما الغرباء فقد سرقوا وابتزوا وسلبوا ما لدينا وأولوه على مرامهم وكأنما نحن غافلون عن الحقيقة.
أما عن معاناتنا من التشرذم وموقف مكونات شعب صار مستقبله على كف عفريت هي حالة فرضتها مواقف التزمت والإنجراف في مسار تيارات التعصب المبني على منطق التأويلات اللامنهجية أو العلمية، ومن منطلق تبريرات لا أساس لها من الصحة كما يتخبط البعض من حملة الأقلام السامة على نفث سمومهم كالحية الرقطاء، وعلى ذر الرماد في العيون التي اتسمت بحدة البصر.
وما أجمل ما يذهب اليه الأخ ليون بعبارة (لنتخذ ولو لمرة واحدة في تاريخنا المعاصر خطوة مهمة كهذه بطريقة حضارية ونترك شأنها للعلماء والأكاديميين والمختصين في صفوف شعبنا ونخرج بقرار تتفق الأغلبية عليه ويكون مسنودا ومدعوما من قيادتنا الكنسية ).
أعود وأقول: وهل حقاً ستساهم تلك القيادات الكنسية في الدعم والإسناد لما يتوصل اليه من بني جنسنا من العلماء والأكاديميين والمختصين واللغويين على ما يقروه، علماً بأن القيادات الكنسية أظهرت وأثبتت نتائج مواقفها في مطلع السبعينيات ولغاية منتصف التسعينيات في الحوار المسكوني بين الأرثوذكس الشرقيين وكاثوليك روما وغيرها من تقليد الكنائس المشرقية والمغربية في حوار برو اورينتي في المسائل اللاهوتية التي شارك فيها بطاركة ومطارنة تلك الكنائس والمذاهب، لتكون نتائجها ما خلصت اليه المجامع الكنسية الأربعة المألوفة من تحريم وانشقاق متمثلة بمجمع نيقية 325 والمجمع المسكوني الثاني 381 ومجمع أفسس 431 ومجمع افسس الثاني 449 ليعيد التاريخ نفسه في ذات الدوائر على مدار الزمن لحد عصرنا الحالي.
والنقطة الأشد غرابة أن يذكر الأخ ليون بأن ( حملة الشهادات الراقية فيها كلهم تقريبا من غير أبناء شعبنا. فهم عندما يطلقون عليها "السريانية" ينطلقون من موقف علمي أكاديمي رصين. وهذه المسألة بالذات كانت سببا لخلاف بيني وبين زميلي ميخائيل حيث رفضت الدعوة لإلقاء محاضرة في تجمع معلمي وأساتذة اللغة السريانية في السويد لورود إسمها بطريقة لا تتفق مع ما هو دارج في الأروقة العلمية والأكاديمية ).
وهنا أصاب عين الحقيقة لأشاطره الرأي بأن حملة الشهادات الراقية من الغرباء أطلقوا لفظة " السريانية" على لغتنا وشعبنا. تساؤلي هنا من أين جاءوا بهذه التسمية؟ ومن أين استنبطوها؟ وما هي المصادر التي اعتمدوها في الترجمة أو التعريب؟ علماً بأن الزميل الفاضل في بعض الكتابات يحمل الإستعمار الغربي على ما نحن عليه اليوم.
أما عن رفض الدعوة لمؤتمر اللغة الآشورية الذي أقرته وزارة التربية السويدية في حينها كان من الأفضل أن يغتبط لهذه الدعوة لينتشل فكرة المغالطة التي ضمت من آمنوا بشعار المؤتمر الذي ضم من كافة مكونات شعبنا من المعلمين والتربويين، ليؤكد ما هو دارج في الأروقة العلمية والأكاديمية، لكون الحقيقة لا يمكن بيانها والإتيان بها إلا عن طريق خذ ما عندي واعطني ما لديك من خلال المناقشة الحرة وديمقراطية الرأي طالما المؤتمر يضم كافة شرائح مجتمعنا ومن بينها من يؤمن بفكرته التي يظنها ويؤمن بها بأنها الأصح والأصوب علمياً.
وفي خاتمة المطاف لا يسعني في هذا الرد المفصل إلا أن استمحيك عذراً ـ زميلي المثابر ـ إن تجاوزت بعض الشئ في مخاطبتي ومداخلتي، ما دام رأينا يهدف لإعلاء شأن الحرف لأصالة النسج اللغوي، ولا ننس بأن لكل من يدلي بدلوه له طريقته، ولكل من يسعى بغزل النسيج اللغوي له مغزله، شريطة أن يكون الغزل ما يدري بالنفع العام، وأن لا يكيل كل واحد للآخر بمكيالين، كما يفعل البعض، وعلينا أن نتعظ  مما قاله الصوفي أبو حامد الغزالي في بيت شعري مفاده:

( غزلت لهم غزلاً دقيقاً فلم أجـد     ** لغزلي نسـاجاً فكسرت مغزلي )

آملاً أن لا نكسر مغازلنا ليتسنى لنا إتمام غزلنا.

مع بالغ شكري وتقديري
ميخائيل ممو / السويد
رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,643438.0.html
رابط 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,641086.0.html

138
Michael Mammoo
Tel. 00 46 -  707 154651 mobile  
E-mail: mammoo20@hotmail.com

إلى: هيئات ومجالس مؤسساتنا القومية والأدبية واللغوية والثقافية
تحياتي..
في اليوم المصادف 21 شباط 2013 تحل على العالم أجمع الذكرى الرابعة عشر ليوم إعلان اليوم العالمي للغة الأم بعد إقراره عام 1999 وتنفيذه عام 2000 من قبل منظمة اليونسكو  بغية الحفاظ على اللغات بشكل عام وخاصة لغات ما لا يحصى عددها من شعوب الأقليات القومية التي أدرجت في قائمة الإنقراض والإنصهار ليقدر عددها 3500 لغة من مجموع ما يقارب 6000 لغة في العالم،  بالرغم من تداولها اليومي شفاهياً وتنازلها في العد العكسي كتابياً لدرجة الصفر في حال الإنقراض، وما بقي منها مخطوطات ومطبوعات أن تاخذ طريقها في سراديب قد تكون مجهولة الآثر، ولتحتسب مع مرور الزمن كتلك المدونات من الرقم الطينية التي تحميها الأغبرة والإتربة.  
بناء لهذه الظاهرة السلبية كشف الباحثون والمفكرون على أن شخصية الطفل تبنى على لغته الأم وتساهم على رقيه ونجاحه في استيعاب لغات أخرى وتنمي قدراته السلوكية والمهنية. وبما أن الطفل هو جزء أو لبنة في بنيان مجتمعه الصغير الذي يعيش في كنفه والمحيط به، فلا محالة على مدى الأجيال أن ينشأ الأطفال بذات الصفة لبناء صرح المجتمع الكبير المتمثل بالوجود القومي الحي للشعب الذي ينضوي تحت سماء اسم رايته.
إن منطمة اليونسكو حين سعت على تسمية هذا اليوم لم يكن هباء، وإنما إنطلقت من مبادئ حرية الإنسان وإحترام حقوقه في الحفاظ على وجوده مثلما عليه من واجبات تفرضها السلطات عليه في البلدان التي تتسم بتعدد اللغات والقوميات والثقافات لمكونات الشعب الذي يخدم البلد الأصلي له رغم اعتباره من مواطني الدرجة الثانية التي ينبغى أن تمحى هذه الصفة من قواميس دساتير تلك الدول طالما الجميع سواسية أمام القانون، كما هو الحال في الدول الديمقراطية.


دورات فصلية لتعليم اللغة الآشورية في جمهورية كازاخستان في شمال آسيا الوسطى

من مفهوم ومغزى الجملة الأخيرة، من الغريب حقاً، أن يتجاهل العالم المتمدن وجود شعب لا زال يتشبث ويلتزم بماضيه المجيد، ذلك الماضي الذي أنار وأضاء سماء البشرية بمنجزات وأفكار ما فتأت سجينة رفوف ودهاليز وأروقة أرقى متاحف العالم، وفي الوقت ذاته أن يتمادى ويتمارى ويتغافل القوم الذي لا زال يتغنى بتلك المآثر ويتمجد بأسلافه دون أن يضع النقاط على الحروف بشكلها الصحيح، أي أن يهمل ما لا يجب اهماله ، وأن يتغاضى عما لا ينبغي التغاضي عنه، وذلك من خلال التجمع المقصود والتعاون المُتعمد على بذر بذور التهاون والخذلان داخل مؤسساتنا الدينية والسياسية ومنتدياتنا الإجتماعية والثقافية بغية فرض السلطة الإنفرادية على حساب الهيمنة الجماعية التي تعد أساس التمدن والتطور.
من خلال هذا التمهيد المقتضب ، الذي استنبطته من واقع الحال ، سواء في الوطن الأم أو ديار المهجر ، إتضح لي في الآونة الأخيرة عن دور بعض مؤسساتنا التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إن لم يكن أقلها وبكافة تسمياتها القومية على رصد مبالغ مادية لنشر المؤلفات باللغة القومية ولغات أخرى عما له علاقة بلغتنا وأدبنا وتراثنا وثقافتنا وعلومنا، ناهيك عن القاموس الآشوري لجامعة شيكاغو الذي استغرق العمل على إنجازه 90 عاماً  ليتم طبعه في 21 جزءاً، متضمناً 28000 مفردة مترجمة عن الخط المسماري الأكدي, يعود تاريخها لأكثر من 2500 سنة قبل الميلاد، بحيث أصبح دوي وأصداء هذا المشروع الأكاديمي الضخم والنادر مفخرة للباحثين والدارسين من اللغويين والآثاريين والباحثين إلى جانب ما يصدر سنوياً من القواميس بجهود فردية وفي حقول مختلفة.
 

ومما تجدر الإشارة اليه، حركة الترجمة والنشر والقنوات الإعلامية والمؤتمرات اللغوية التي تعقد في الوطن الأم بلاد الرافدين وبعض البلدان مدعاة فخر وإعتزاز طالما تبشر بالخير لإحياء لغتنا القومية،   

إضافة للمدارس التي تم تأسيسها لتعليم اللغة الأم بشمولها كافة المواد التعليمية وعلى كافة المراحل الدراسية والدورات التدريبية والتأهيلية للمعلمين والمدرسين, بحيث أدت هذه الإنجازات على بث مشاعر الوعي لدى بعض الغيورين في الإقدام بجهود فردية في المضي على نهجها في كاليفورنيا وأريزونا واستراليا. ناهيك عن بعض الدول التي تسمح للأجانب على تعلم لغتهم الأم في المدارس الرسمية كالسويد وأرمينيا على سبيل المثال.
لذا حقاً أقول لكم : بأنكم أقدمتم على العمل ووفيتم بما بذلتموه بدلالة أعمالكم الإيجابية التي يتصدى لها من لا تنل يداه عنقود العنب أو أية ثمرة متألقة.
ولكن ما يُؤسف له ويُحزن عليه أن نجد العديد من منتدياتنا، إن لم يكن معظمها وبكافة تسمياتها لم تصل الى المستوى الذي يطمح اليه كل فرد اشوري بكافة مكوناته، وفي جميع الحقول التي لها دورها الرئيسي لرفع هيبة الوجود القومي لغوياً وتراثياً وثقافياً، وأخص بذلك التي منها عملية تعميم التعليم اللغوي والتربوي على المستوى الرسمي ، كما هو الحال في بعض دول الشتات التي نوهنا عنها.

إن ما استرعى انتباهي وحثني للكتابة بهذا الشأن هو مشاهداتي عن كثب لأعمال ونشاطات مؤسساتنا أثناء زياراتي واستطلاعي من خلال العديد من اللقاءات. هذا ليس معناه بأنها معصومة عن السهو والخطأ إن كانت قد سعت فعلاً في تحقيق مآربها. قد تكون هناك بعض المثالب والمآخذ في المسلك والمنهج ، وهذه بديهة لا يُمكن نكرانها ، لكون الإنسان يتعلم من أخطائه ومن تجارب الآخرين ، ومن لا يَقْدم على العمل لا يرتقي سلم درجات النجاح.
وبما أن ما ذهبنا اليه مصدره النبع اللغوي, أود الإشارة إلى نقطة مهمة جداً، وهي مستنبطة من خلال كتاباتي ومطالعاتي لواقع أهمية وفاعلية اللغات الأم لدى شعوب العالم ، حيث وجدت بأن أغلب الشعوب تتمجد وتتباهى بالعديد من المناسبات القومية الخاصة بها ، مثلما نحن نحتفي بالسنة الآشورية وذكرى الشهيد الآشوري ، ناهيك عما يملأه التقويم الميلادي من مناسباتنا الدينية كباقي الديانات. ولكون الأمر هنا يتعلق بمناسبة يوم اللغة الأم العالمي الذي يشمل كافة لغات العالم، إنبرت العديد من الدول، وعلى أثر ذلك  بإقرار اليوم المناسب لها للرفع من شأن اللغة القومية والرسمية المتداولة للشعب الناطق بها بإعتبارها هوية وجوده على مدار الأزمنة، وكما يتضح من بعض الأمثلة المدونة أدناه.  
 ـ يوم اللغة الأم العالمي في 21 شباط من كل عام.
-  يوم اللغة العربية في 18 كانون الأول - ديسمبر .
-  يوم اللغة الصينية 20 نيسان - ابريل .
-  يوم اللغة الانجليزية في 23 نيسان - ابريل .
-  يوم اللغة الفرنسية في 20  آذار - مارس .
-  يوم اللغة الروسية في 6 حزيران - يونيو .
-  يوم اللغة الاسبانية في 12 تشرين الأول - اكتوبر.

أكتفي هنا بذكر هذه اللغات ، علماً بأنه هناك ما لا يحصى من اللغات لدى شرائح شعوب العالم تحتفل بالأيام التي رسمتها ليوم لغاتها.

لذا فإنني من هذا المنطلق أقترح على هيئات ومجالس مؤسساتنا بكافة اتجاهاتها إتخاذ هذه الفكرة أو المقترح بعين الإعتبار إسوة بباقي اللغات التي تمجدها شعوبها من الناطقين بها، ليكون اليوم الذي يتم تحديده للغتنا كمنطلق لتحفيز أبناء شعبنا وتعميمه عليهم أينما تواجدوا وحطت بهم الظروف والأوضاع القاسية المؤلمة.

 

طلاب وطالبات مدرسة مار بنيامين شمعون الآشورية في لاس فيكاس في أمريكا

أتقدم بمُقترحي هذا من منطلق خبراتي وتجاربي وتعاملي الدائم مع اللغة الآشورية لأكثر من أربعين عاماً، منها 34 عاماً قضيتها بتعليم وتدريس لغتنا في المدارس الرسمية السويدية ، إضافة لتأليفي سلسلة المنهج التعليمي بسبعة أجزاء لوزارة التربية السويدية والمُتداول في انحاء السويد ودول اخرى. وكذلك أنطلق بهذا المُقترح من حرصي الدائم في الإسهام على وجودنا الكلي الذي لم يبق من مقوماته العتيدة غير لغتنا التي هي روح الأمة ، وبدونها سنجهل ونذيب وجودنا الإثني لننصهر بين شعوب الدول التي نأمّها.
ومن أجل اختيار اليوم المحدد والمناسب, ينبغي أن نستمد اليوم المحدد لذلك من مناسبة  ذات صلة  بأحداث ومأثر واقعنا وتاريخنا والتي منها على سبيل المثال: يوم تأسيس أول مطبعة آشورية ، يوم طبع أول كتاب بلغتنا بعد الميلاد ، يوم ولادة  أو رحيل أول كاتب آشوري أحيى اللغة والأدب والتراث في عالمنا القديم أو الحديث، يوم الإعلان عن إكتمال وإصدار القاموس الأكاديمي لجامعة شيكاغو وغيرها من المناسبات التي يمكننا البحث عنها والتأكيد عليها لتسمية " يوم اللغة الآشورية ". ولكي لا يتزمت ويمتعض البعض من التسمية لندعها تكن التسمية " يوم اللغة الآشورية / السريانية".
إن عملية إقدامنا على هذه الفكرة ليس ضرب من الخيال كما يتصوره ويظنه البعض, وإنما يفرضه الواقع المعاصر, ولكون لغتنا التي نعتز بها ونمجدها ونتباهى بها هي من أقدم لغات العالم المستحدثة والنبع الصافي الذي اغترفت منه لغات أخرى بما لا يحصى من المفردات والمصطلحات والتعابير، وأعلنت بتحديد وتسمية اليوم الذي يُحتفى بها.. فلماذا نحن أيضاً لا نحتذي حذوها ونقتدي بها طالما يشهد التاريخ بأن لغتنا هي مصدرها. كونها اللغة التي نطق وبشر وقدس بها المسيح ومن تبعه إلى يومنا هذا من خلال الأنجيل المقدس. فإن لم نعرها ونوليها تلك الأهمية والمكانة العالية، فمن ننتظر أن يُعلي من شأنها. إذن، فمن المؤكد بأنه سيكون ليوم اللغة المُقرر دوره الفاعل في محيط مجتمعنا وبين أبناء شعبنا الناطق بها ومؤسساتنا إسوة بباقي اللغات، بغية إعادة ذكرى الإحتفاء بذلك اليوم سنوياً كإقامة الحفلات الخاصة بذلك، توزيع وتبادل الهدايا الطباعية بكافة أشكالها، إعادة طبع ونشر مؤلفاتنا وكل ما يمت بصلة لهذه المناسبة.

 

طلاب وطالبات مدرسة القديس ربان هرمز الآشورية في سدني مع أهاليهم أثناء إحتفال إنتهاء الفصل الدراسي

وفي الختام كلي أمل أن انتظر رأيكم بما نوهت عنه ليمكنني من دراسة الموضوع مع زملائي المدرسين الآشوريين في المؤتمر اللغوي السادس الذي نعقده سنوياً في السويد بدعم مصلحة شؤون المدارس التابع لوزارة التربية.

 

المدرسة الآشورية في كاليفورنيا

مع بالغ شكري وتقديري لكل من يقرأ ويتجاوب مع الفكرة المطروحة للنقاش والمتابعة عسى أن نحقق ما نصبو اليه.
ميخائيل ممو / السويد


139
راحيل ديباسو تنال شهادة الدكتوراه في العلوم الطبية




في امسية علمية ثقافية واجتماعية التقى رجال العلم والمعرفة والثقافة من السويديين والآشوريين في ملتقى  خاص بمدينة يونشوبينغ ـ السويد لمناسية نيل الطالبة الآشورية الطموحة راحيل ديباسو درجة الدكتوراه في العلوم الطبية بتاريخ 25/1/2013 عن اطروحتها المعنونة
" تأثير جينات الوراثة والخواص الميكانيكية للشرايين الكبيرة في الإنسان "
" Influence of genetics and mechanical properties on large arteries in man"
حيث كانت قد حصلت قبل ذلك تأهيلها الأكاديمي بنيلها شهادة البكالوريوس من جامعة يونشوبينغ وشهادة الماجستير من جامعة اوبسالا في السويد, وسعت فيما بعد على إتمام دراستها وبحثها في الإختصاص الذي أهلها لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة لينشوبينغ.
بعد أن ألقت بحثها الموسع الذي دام ثلاث ساعات بحضور خمسة أساتذة أكاديميين بدرجة بروفيسور وجمع كبير من ذوي الإختصاص, تمت المناقشة في قاعة المحاضرات في مشفى ريهوف بمدينة يونشوبينغ, لتجتمع اللجنة المشرفة والمقررة فيما بعد وتعلن نتيجة منحها الدرجة العلمية بإمتياز. 
ولهذه المناسبة أقيمت حفلة خاصة على شرف المُحتفى بها بإلقاء الكلمات متضمنة من المُشرف على اطروحتها البروفيسور توسنِه لانِه والمقربين لها الذين اشادوا بطموحها ومقدرتها على إنجاز ما توصلت اليه  في مجال تطوير البحث الطبي الذي أهلها للقب دكتورة راحيل. وما ينبغي الإشارة اليه بأن السيدة راحيل التي لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر هي أم لثلاثة أولاد وزوجة السياسي الآشوري المعروف إلهان ديباسو رئيس الحزب الإشتراكي الديمقراطي بمحافظة يونشوبينغ. ومن خلال هذا الإنجاز الذي توصلت اليه يمكننا إعتبار د. راحيل من النماذج النادرة بين الشبيبة الآشورية لتكون من الأمثلة الحية التي يُشار اليها بالبنان, علماً بأنها كانت قد قضت فترة طويلة في العمل القومي والشبابي في إتحاد الشبيبة الآشورية في السويد ونشرت العديد من المقالات في مدلة حويودو.
لا يسعنا في خاتمة هذا الخبر إلا أن نهنئ الطموحة راحيل بملئ قلوبنا, آملين منها المزيد من إنجازات البحوث الطبية لخدمة البشرية.
ميخائيل ممو / السويد
     












141
شكراً للأديبين عادل دنو وفليمون درمو
بقلم: ميخائيل ممو
(ما حك جلدك مثل ظفرك . . فـتولـّى أنت كـلّ أمـرك)
من منطلق مضمون هذا المثل الشائع ينطلق الزميل الأديب والروائي الأستاذ عادل دنو في استرساله المقتضب للتعريف عن جهد أدبي تشابكت فيه عدة أسماء أدبية مخضرمة من جيل العشرينيات, سبق وإنطفأ بريق عطاء معظمها في عمر السبعينات والثمانينات, ليخلفوا لنا ما جادت به قرائحهم من كتابات لم يتسنى لهم من نشرها في حينها في الوطن الأم لأسباب  سلبية عديدة مجتمعة ومؤدية بهم إجتياز الأسوار المنيعة لتحط أقدامهم في العديد من ديار الإغتراب التي إحتضنتهم ليتنسموا نفس الروح بحرية تامة, حاملين في كنائنهم الأدبية سيوفهم الورقية المعنوية, والتي منها ما أنعته باللجوء الأدبي لمؤلفاتهم في ديار الهجرة.
هذا ما شاء به القدر من جراء الظروف السياسية والإقتصادية لأدبائنا الآشوريين الراحلين من أمثال بنيامين كندلو, يوئيل بابا, آشور قليتا, شماشا كيوركيس بيت بنيامين دآشيتا ووو...وبالتالي إيشايا إليشا خنو الذي صدر بإسمه كتاب " رباعيات الخيام "  ليكون محور عرض وتحليل الأستاذ عادل دنو الذي بدوره هو الآخر نحا منحى من ذكرناهم في ديار الهجرة من خلال ما نشره وبشكل خاص تلك الرواية العتيدة التي نشرها باللغة الأم تحت عنوان " بيت نورِه" في العام المنصرم, ولضيق الوقت وبعض الظروف الخاصة ـ  أدبياً ووظائفياً ـ لم يسعفني الحظ على إتمام فصولها, آملاً ذلك مستقبلاً ، لقلة التحليل النقدي بين كتابنا للنتاجات الأدبية المنشورة في أصقاع متفاوتة والتعريف بها مثلما أقدم عليه رفيق الأدب عادل دنو في تعريفه لكتاب المرحوم إيشايا خنو.
لكي لا أكون بعيداً وفي منأى آخر مما أقدمَ عليه الزميل دنو عمّا سعى اليه الأديب فيليمون درمو على عرض وتحقيق رباعيات الخيام التي ترجمها نظماً بالآشورية المرحوم ايشايا خنو, يشرفني القول بأن ما حققه الأستاذ درمو أضاف لبنة رصينة في صرح الأدب الآشوري, لما إحتواه الكتاب المنشور من معلومات قيمة كانت جليسة الرفوف المنسية, حسب ما أبانها الأخ دنو في عرضه للكتاب في الرابط المذكور أدناه , ليُعلم القارئ عن هذا الإنجاز القيم, وليضيف أيضاً معلومات إضافية بحكم التواصل والتتبع الأدبي لما ينشر عن تلك الرباعيات لم يحظ ناشر الكتاب الإشارة اليها, ليكون القارئ على معرفة بمن سعى وأنجز ترجمة تلك الرباعيات, والتي قد يكون هناك من ترجمها أيضاً وبرحيله رحل وجودها وطواها النسيان حالها حال ما لا يحصى من الآثار الأدبية والمخطوطات التي نقرأ عنها في المباحث والتدوينات اللغوية دون أن نعثر عليها.
ما أود الإشارة إليه بأن الأسماء التي ذكرناها آنفاً وغيرها من أمثالهم في مطلع ما ذهبنا اليه, سبق لي وعاشرتهم في الوطن الأم من خلال إتحاد الأدباء والكتاب الناطقين بالسريانية في العراق والنادي الثقافي الآثوري في بغداد ومناسبات الأمسيات والمهرجانات الشعرية والأدبية ومجلة المثقف الآثوري التي زاملتها إلى اليوم الذي جعلني أتبع مسارهم, وما فتأت تلك الذكريات عالقة على صفحات فكري رغم تفاوت العمر الزمني والجيل الأدبي الذي عايشناه آنذاك. ومما يتراءى لي من تلك الذكريات عن المرحوم إيشايا خنو تلك المشية الرزينة حين كنا نقتاده بفخر وإعتزاز ليعتلي منصة الخطابة ليشنف أسماع الحاضرين بالقصيدة المُعدة لمناسبة المهرجان الشعري, ويوم لبى طلبنا هو والمرحوم شماشا كيوركيس على إتمام كتاب " سيرة حياة الملفان يوسف قليتا" الذي أشرفت على نشره وطبعه في حينها. وتمت الإشارة اليه في الكتاب الصادر حديثاُ الذي نحن بصدده.
وفي خاتمة المطاف لا يسعني إلا أن أثني هِمّة الزميل إيزريا خنو إبن المرحوم إيشايا على مفاتحة الأديب درمو الذي أضاء طريق النور بجمعه المعلومات القيمة في الموضوعات التي تضمنته دفتي الكتاب, وحبذا أن يحذ كل وريث شرعي لمخلفات ذويهم حذو الأخ إيزريا وفيليمون طالما أصبحت اليوم سبل ووسائل النشر أيسر مما كانت عليه, سواءً الورقية أو الشبكة العنكبوتية, وعلى القارئ أن لا يخامره التهاون والتقاعس في الإقدام على دعم وإسناد وإقتناء ما يصدر بالحرف المقوّم لوجوده بغية الحفاظ على تراثه بذلك الحرف الذي يتفوه وينطق به يومياً دليل اعتزازه بلغته الأم التي هي بمثابة الهوية لإنتمائه القومي, ليتسنى له الإفتخار بهم وبتراثه وأدبه وعاداته وتقاليده التي تجسد بأقلام ادبائنا وشعرائنا وكتابنا الذين هم عماد الأمة التي نتغنى بإسمها في محافلنا ومنتدياتنا ووسائل إعلامنا, مثلما يحلو لنا أن نمجد ونثني على من يدغدغوا شغاف القلوب ويهزوا المشاعر من مطربينا المؤمنين في ادائهم من الذين لولا الشعراء الصادقين في نظمهم لما سمعنا دوي أصواتهم. 

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,633329.msg5871985.html#msg5871985

142
ليلى قصراني وحكاية الأرملة العراقية الأرمنية
رفيقة القلم الحر ليلى قصراني
تحياتي
نعم.. هكذا يترنح الإنسان حينما تتحكم به المصادفات التي لم تخطر على باله, واللاتعمد حالة يفرضها أحياناً الواقع المرير من مُوَجّهٍ متلبس بغشاوة الرؤيا.
إن ما طرحتيه في مقالتك " حكاية أرملة عراقية أرمنية والجندي الأمريكي " ذات الخمسة محاور جسدت واقعاً مريراً من حياة عائلة أرمنية بريئة لم تستهوِ قلع جذورها من الأرض التي اينعت فيها جهود ثمارها, ليجبرها ذلك الحدث المروع والفاجعة الأليمة على نبذ كل شئ والتحاف ديار الهجرة, لتشاء المصادفة ثانية لذلك الإنسان اللامتعمد في خطيئته على ملاقاة أحد أفراد الضحية بحكم تأنيب الضمير قاصداً مسامحته بما أقدم عليه دون معرفته بواقع حال تلك العائلة.
أن ما هز مشاعري تلك العبارات التي تقولين فيها ـ حسب نقلك لها ـ هي:
" قالت له الأرملة الثكلى "أنت لديك دموع للبكاء لكن دموعي أنا قد نشفت" ثم أردفت، "أنتم غزوتم العراق تحت شعار الحرية. أين هي الحرية اليوم؟ اليوم العراق أسوأ من قبل...لابد انك الان سعيد بأننا قد سامحناك. ليس سهلا على شخص ما أن يصرح "أني قد سامحتك" نعم...لقد سامحتك لكني أبدا لن أنسى احبائي. كل ليلة اضع رأسي على الوسادة وأتذكر ذلك اليوم الكئيب في حياتي. "
والأدهى من كل ذلك مقولة  كتبت نورا رسالة للوبيلو بلغة أنجليزية مهملة على الفيس بوك تقول له: " بأنها فرحت بزيارته وبأن لها الان أخاً ثالثا ".
 تصور قارئي الكريم.. هذا هو الإيمان الصحيح في التسامح , وهذا هو الإيمان الصادق في العفو عن الخاطئ , وهذا هو الإيمان المُرتجى ممن يعمد الإصلاح.
ونحن بدورنا نضيف رأينا لرأي ذوي العائلة المفجوعة بمقولتها: " أين هي الحرية اليوم؟ وتُعني بها الحرية في العراق. لأجيبها قائلاً: حرية العراق لا تضاهيها أية حرية في العالم , ولا حتى في شريعة الغاب.. وَسَموها بحرية الإختطاف والقتل.. حرية النهب والسلب.. حرية الذبح على الهوية.. حرية الإغتصاب وانتهاك الأعراض.. حرية المحاصصة والمذهبية ووو...
كفاني هنا يا رفيقة القلم ـ ليلى قصراني ـ أن أقول بأنك الإنسانة الوحيدة التي تمثلت فيك مشاعر الإنسانية الحقة حين جَسّدتِ ما طرحتيه في مقالتك , ومن بين ما لا يحصى من حملة الأقلام العراقية فيما يدبجوه في المواقع التي لم تعد تُحصى.
هذا الإقدام ليس بالغريب علينا طالما عرفناك من خلال مفاهيم روايتك " سهدوتا " التي هي الأخرى مأثرة في الكشف عن واقع مكونات الشعب العراقي ومن بينها الشعب الآشوري كما هو الحال للعائلة الأرمنية المتمثلة بعائلة خاجادريان.
ما أتمناه منك أن تبري قلمك بحد السيف وتسترسلي على صياغة ما قدمتيه لنا بإسلوبك السلس وخيالك التألقي من منطلق محاورك الخمس مصاغة في خمسة فصول لتضيفي فكرة حداثوية الى رفوف المكتبة الإنسانية لخدمة الفكر الإنساني من واقع المجتمع العراقي الحالي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل.
ميخائيل ممو / السويد
* مقالة ليلى قصراني على الرابط التالي:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,631650.0.html

148
علينا أن لا نتحجج من مرارة الدواء
( ردّ على ردّ )
بقلم: ميخائيل ممو
   سبق لي واطلعت على مقال من أحد الأساتذة من رواد موقع عينكاوا كوم حين تم حشر اسمي فيه بشكل غير مباشر بدلالة الصفات التي اتمتع بها والمواقف الخاصة من المهنة التي ازاولها وعلى وجه الخصوص مجال الكتابة والتأليف والتعليم ، ولا أعلم لماذا لم يصرح علناً كاتب المقال ما يعنيه بمواقفي من حيث التسمية اللغوية. وبما أن مواصفاته اتخذت طابع التحفظ من ذكر الإسم، فأنا الآخر سأنحي ذات المنحى في ردي المباشر قائلاً:
   لم تُضرب الأمثال هباءً، ولم تُدوّن جزافاً  طالما فيها من المعاني التي يُستعان بها في الحديث والمناقشة، ومنها ما يضاهي أبرز ما ورد على ألسنة الأنبياء والحكماء والفلاسفة من الذين يشهد لهم التاريخ فيما ذهبوا اليه من أجل الإصلاح والتوجيه الصائب كمصدر للمشورة المبتغاة. وبما أن تلك الأمثال والأقوال المأثورة استنبطت بفكر واعٍ  ورأي ثاقب من منابع تجارب الحياة فيما تعمد اليه بمضاهاتها لمصادر الوحي الإلهي ، فلا محالة من أن يتم الإمتثال لها، والإستشهاد بها لتقويم إعوجاج ما ، بإسداء النصح والإرشاد، وتقويم ما يمكن إصلاحه لمن لا يستدرك نتائج أعماله أو سلوك تمنطقه بعدم مجاراته لها، وبما يفرضه واقع ومضامين تلك الأمثال المُجدية لإيقاظ الأحاسيس وتحفيز المشاعر.

   من خلال هذه التقدمة القصيرة  أود الإشارة للمثل الشعبي الشائع الذي مفاده " أتريد أكل العنب أم قتل الناطور؟! ". فإذا كان الغرض الرئيس من اقتناء العنب فلا ريب من اتباع الأساليب السلمية في إقناع الناطور وإرضائه على تحقيق المُبتغى. أما إذا كان الأمر في قتل الناطور من أجل حبيبات عنقود العنب فهذه جريمة لا تغتفر. كما وأنه ليس من المنطق أن يعمد طالب العنقود على اقتراف تلك الجريمة الشنعاء إلا فيما إذا حاد الفاعل عن القوانين المرعية وسار على خُطى أساليب المناهضة ليتبع ما ذهب اليه ميكيافيلي صاحب كتاب الأمير بمقولة " الغاية تبرر الوسيلة " أي بأية طريقة كانت لتحقيق الغاية المرجوة مهما كان حجمها. المثل المشار اليه ينطبق في معناه ومبناه على العديد من الأمور الحياتية التي تبغي تحقيق الهدف بأساليب سلبية أو إيجابية لتنفيذ المرام. كما وأنوه لمضمون المثل المذكور حصراً على ما سأتطرق اليه أدناه.

   يقودني هذا العرض إلى التنويه عما يذهب اليه بعض أبناء شعبنا ( بكافة تسمياته ) المتنورين والمثقفين ـ ناهيك ممن هم عكس ذلك ـ أثناء تمنطقهم بأساليب النقد والعزوف أو السخرية والاستهجان من منطلق التعصب الطائفي والمذهبي على عدم السماح لفلذات أكبادهم من تعلم اللغة الأم, المسماة بعرفنا الآشورية من منطلق هويتنا ووجودنا القومي, التي يُعنى بها أيضاً بمفردة السريانية عربياً، كونها معربة ومترجمة عن المفردة الإنكليزية " اسيريان " لأحكام نطقية تمليها قواعد اللغة العربية في مجال الحروف الشمسية والقمرية أثناء شمولها بأل التعريف. فإن كانت لفظة السريانية في صياغتها مستمدة من الآشورية على ضوء متطلبات التحوير النطقي أو اللفظي فما الضير من استعمال المصدر بدلاً من تهجين الأصل والإمتعاض منه أو الإستخفاف والإشمئزاز دون مبرر، واعتبار المفردة الآشورية من الوخزات التي تشلل أنسجة البنية الفكرية بإفرازات انفعالية.
 
   وبما أن موضوعنا هنا ليس الخوض في معمعة وإشكالات جذور ومنشأ التسمية التي تجرنا في أودية ودهاليز التفسيرات اللغوية من مبنى ومنطلق التيارات المناوئة والمؤيدة، آلينا على أنفسنا أن نضيف رأينا لأولئك الذين تصلنا وخزاتهم بشكل غير مباشر، ويتشكون من الأذى الهائل الذي نسببه من خلال تسمية اللغة الأم للتعليم باللغة الآشورية بأنها مبعث إقصاء الكثير من تلامذة أبناء شعبنا من المذهب الفلاني عن التحاقهم تحت سقف ومسيرة ما تُسميه وتفرضه المدارس الرسمية في السويد ودول أخرى كأستراليا وروسيا وأرمينيا في مدارسها ومؤسساتها الرسمية, وبالتالي حرمانهم من اللغة الأم لتضفى عليهم صفة الأمية التي هي ذات اللغة المنطوقة والمستعملة بذات السمات وذات الأبجدية بنحوها وصرفها أي قواعدها بشكل عام، وزد على ذلك ذات اللغة الطقسية بين أروقة الكنائس المشرقية والمغربية  ومواضعها التي يتولى عليها الكهنة من تقديم الذبيحة الرمزية أي المذبح (مدبخا), بالرغم من تفاوت ظواهر اللهجات المستعملة والمتوارثة التي أملتها الظروف الجغرافية والإنتماءات العشائرية إلى جانب المعايشات الإقليمية في العديد من مناطق تواجدهم.
   أود الاستدلال، هنا، من خلال تجربتي  ذات الأربعة عقود في هذا المضمار من حيت التأليف والتعليم ومعايشاتي الدائمة بأن الأمر لا ينحصر في التسمية اللغوية إلا لدى من هم قابعون في ركن إنطوائي ممن يشيدون بتأويلاتهم وتبريراتهم غير المنطقية بحجة النعت اللغوي، بالرغم من مشاركاتهم في مناسبات الأفراح والأتراح ، ليثبتوا بأننا شعب واحد إلا ما ندر ممن نعنيهم هنا.
وبغية دحض ما يعوّل عليه البعض من تبريرات لا تمت للواقع العلمي والتعليمي والمنطقي والتربوي بصلة، نجزم ونؤكد بأن هناك العديد من تلامذة أبناء شعبنا، بإنتماءاتهم المذهبية المختلفة، سايروا العملية التعليمية والتربوية وفق مناهجنا التعليمية وتفوقوا في دراستهم اللغوية دون أن يحيدوا عن التسمية  ويمتعضوا منها، كون الدراسة تعتمد اللغة الأدبية وليست اللهجوية، رغم تفاوتها ـ نوعاً ما ـ عما إمتاز به الأولون من جهابذة اللغة في مختلف مناحيها الإبداعية.
   والنقطة الأخرى التي أود الإشارة اليها هو أن يحملني البعض جريرة التسمية على حرمان أبناء الجالية الكلدانية أو المذهب الكلداني من التحاقهم بدروس اللغة الأم في مدينتي، ويغيظ الطرف عن العديد من المناطق من أبناء ذات الجالية وبنسبة عالية جداً دون أن يتخلوا عن تلك المناهج ويؤكدوا سنوياً عن رقيها وصلاحيتها وفاعليتها رغم التسمية الآشورية لها. أليست هذه مغالطة من الذي (الذين) يعنيني بمقولة " هؤلاء الناشطون وهم يعيشون في مدينتي وهم أصدقائي يرددون مثل السيد شذايا: "شاء من شاء وأبى من ابى" حتى على حساب تدمير شعبنا لأن الأمية دمار."
   وتساؤلي هنا أين هو الدمار أو الأمية في تلك المناطق التي لا تشمئز من التسمية بنسبتها التي تزيد على من يؤمنوا بالتسمية الآشورية؟! أرى الدمار هنا يكمن فيمن يؤجج الجمرات الخامدة ليزيد من لهيبها اشتعالاً دون جدوى.
كما وهناك العديد من العبارات والاتهامات والمغالطات التي لا أود الرد عليها ( إلا إذا استدعت الضرورة ) بحكم مرونة الطبيعة التي أتمتع بها، طالما تم نعتي بشكل غير مباشر بمقولة " شاء من شاء وأبى من أبى " التي هي بعيدة عن  فلسفة حياتي الشخصية. ولست من أتباع من يؤمنوا بما يقوله الشاعر:
إذا كان رب البيت بالدفّ ضاربٌ      فشيمةُ أهل البيت كلهمُ الرقصُ
وفيما إذا كانت مفردة السريانية لوحدها تجعلني وطنياً فما هو دور باقي مقومات الشعور الوطني وعناصر القومية التي نتمتع بها وننضوي تحت لوائها؟! ثم من هو الناشط القومي؟ ألم يكن ذلك الإنسان الناشط الذي يحمل روحه على راحته، ويسعى لتحقيق مآربه في الوطن القومي بنشاطه الدائم؟! إذن والحالة هذه تعتبر الوطنية والمواطنة عادة ما يمليها نشاط الشعور القومي والإيمان بمبادئ الإنتماء لما يحلم به من لا وطن له على أرض الواقع المرير الذي يعيشه. لذلك أقول: إن فقدنا ذلك الحلم فقدنا نشاطنا وإيماننا وعمدنا إلى صهر وجودنا.
 
   لذا دعني أقول هنا بأن تحفيز البعض من أولياء الأمور أو المتنفذين اجتماعياً وسياسياً على حرمان التلامذة الأبرياء من التعليم اللغوي الأم بسبب التسمية الآشورية أو بسبب الإنتماء المذهبي والإقليمي للمعلمين الرسميين هو تبرير غير منطقي طالما الغاية تبرر الوسيلة بإسلوب إيجابي مجدٍ لمن يهدف تحقيق ما يصبو اليه. وطالما ينوي الفرد اقتطاف العنقود باستشارة الناطور، وطالما يتمتع المعلم بشرف المهنة في إداء مهمته التربوية والتعليمية دون فرق بين زيد وعبيد، أو بين عوديشو وعبد المسيح. ومن خلال التداعي السلبي المقصود والمتعمد من قبل من يتجاوز حدود الإعتدال يتناسى ويتغافل أن إسلوبه يزيد الطين بلة ـ شئنا أم أبينا ـ كوننا نزرع بذور الحقد والكراهية والاشمئزاز في نفوس فلذات قلوبنا وأكبادنا في مطلع حياتهم، وهم أبرياء من المخاطر المستقبلية التي تزيد من الابتعاد عن بعضنا لينطلق كل واحد باكياً على ليلاه في وادٍ مغاير.
ومما يدهشني ويثير استغرابي حين يخالف البعض ـ بما ذهبوا اليه ـ على تحفيز أبنائهم الإلتحاق بدروس تعلم اللغة العربية تحت راية العروبة والقومية العربية، دون دعمهم وإرشادهم على تعلم لغة وجودهم القومي أو الإثني، لغة آبائهم وأجدادهم, علماً بأن أنظمة وقوانين وزارة التربية لشؤون المدارس في السويد تنص وتؤكد بأنه يحق للتلميذ تعلم اللغة المتداولة في البيت كلغة رئيسية أي بمعنى اللغة الأم دون غيرها مع بعض الإستثناءات في حال عدم استعمال اللغة القومية في المحيط العائلي بشكل دائم أو أن يكون التلميذ ثنائي اللغة. والأدهى من كل ذلك حين يكون معلم اللغة العربية من أصول اشورية يتم القبول به لتعليم أبنائهم العربية ويرفضونه على تعليمهم لغة هويتهم القومية.
   إذا كان هنالك ثمة أعداد ضئيلة تتشبث بحجة التسمية اللغوية، فلا ريب في ذلك، ولكن الشك الغالب والحيرة المستفحلة  هي النسبة العالية من تلامذتنا الذين ينجرفون في تيارات أولياء أمورهم بتخييرهم على هواهم، وعدم إرشادهم إلى أهمية تعلم لغتهم الأم، رغم استعمالهم لها وبأية لهجة كانت، متناسين أهميتها وفاعليتها أيضاً في المعدلات السنوية للمراحل الدراسية. ولكي نثبت ذلك عن كثب، نشير لأقرب وأكبر دليل يؤيد زعمنا، وهو أن تجد في منطقة ما يتواجد فيها ما لا يقل عن خمسين تلميذاً يتحدثون بذات اللغة الأم متوفرة لهم سبل التعليم اللغوي في المدارس الرسمية، ولا تجد بينهم من التحق بدرس اللغة الأم سوى ربع العدد وفي كافة المراحل المدرسية. وقس على ذلك ما يتراءى في العديد من ديار الهجرة التي استضافت بني   شعبنا بكافة انتماءاته المذهبية سواء في الدول التي تتيح فرص تعلم اللغة الأم أو الدورات التي تنظمها الجمعيات الثقافية والإجتماعية والأخويات الكنسية بكافة تسمياتها الشرقية منها والغربية أيضاً، بدلالة البحث الميداني الذي أجريناه قبل سنوات في ثماني دول يقطنها أبناء شعبنا، والذي كانت نتائجه ما لا يتصوره العقل عن نسبة الأمية المتفشية في مجال اللغة الأم من منطلق تعريف منظمة اليونسكو لمفهوم الأمية.
من هذا الباب دعونا إذن نعالج الأمور على ما يجدي لغتنا وآدابنا وتراثنا لتطمئن أرواح جهابذة اللغة والقديسين الذين خلدوا الأدب الكنسي ليومنا هذا. أقولها ثانية:  نعم! دعونا نعالج الأمور ليس من باب التسمية أو الإنتماء الإقليمي والمذهبي  وأحياناً العشائري والسياسي، وأن لا نتحجج ونتذرع من طعم مرارة الدواء بالتخلي عنه وهجر أعراض الشفاء الذي يمنحنا الصحة والعافية ليزيد من معرفتنا ويثري لغتنا التي هي ذات اللغة المقدسة التي ننعتها بلغة المخلص. مع اعتذاري لمن ينفض الغبار الذي على كتفه من محتوى ما ذهبنا اليه. آملاً في نهاية حديثي أن يتعض من يرمونا بحجرهم أن يتأملوا بدقة فحوى ما ذهب اليه الشاعر في قوله:
كم قال غيري كلاماً لست أفهمه      وبِتُ أكتب ما لا يفهم الناس

وفي الوقت ذاته أن لا نتناسى ما ذهب اليه الشاعر المعري قبل ما يربو عن ألف عام مضت  حين قال:

الناس للناس من بدوٍ ومن حاضرةٍ    بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

وفي الختام لنتخذ عبرة من مقولة الشاعر الذي قال:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً     وإذا افترقن تكسرت آحادا


149
يوم المعلم العالمي
تحت شعار
" إتخاذ موقف للمعلمين




بقلم: ميخائيل ممو / السويد
mammoo20@hotmail.com

إن كان لأولياء الأمور دورهم في تربية وتنشئة فلذات أكبادهم وقلوبهم, فالمعلم هو نبع ذلك الدور, بما اغترفوه من علمه وتوجبهاته ليستقبلوا الحياة العملية. وإنْ كان الطبيب مصدر الرحمة، فالمعلم هو مصدر الحكمة، وكلا المصدرين يبشران بسُبُل الخير لبني البشر. الأول بالرحمة النفسية والجسدية للعليل ، والثاني بالحكمة الأدبية والعلمية لمواكبة الدليل، ذلك الدليل الذي هو بمثابة منبع إلهام للقرطاس والقلم، للتعبيرعن هاجس أحاسيس الألم وعن هاجس أفراح النِعم، وعن كل ما ينبغيه التدوين من الخواطر والوقائع والأحداث في كافة حقول العلم والمعرفة، رغم التطور التقني الذي يَسّرَ السُبُل أمام من هم في حاجة للإثراء اللغوي والمعرفي المباشر في كافة مجالات الحياة التثقيفية الشاملة.
فيما إذا توغلنا قليلاً في عمق التاريخ القديم، إنطلاقاً من مرحلة ما قبل التاريخ لوجدنا بأن التعليم ينحصر في مرحلتين هما ما قبل الكتابة الرمزية أي الصورية وما بعد إقرار التدوين الرسمي. في الحالة الأولى تم اعتماد التعليم والتوجيه والإرشاد الشفوي من خلال الممارسات المعرفية بمستلزمات الحياة آنذاك، وبمرور الزمن ومن منطلق حكمة الإنسان وولعه في الإبتكار تهيأت له أسس الكتابة المُعتمَدة التي كان مؤداها توسع آفاق التعليم، ليعم دويها في أرجاء متفاوتة من العالم إبتداءً مما احتوته ألواح ملحمة كلكامش في جنوب بلاد الرافدين وما ناظرها في العهد الفرعوني بالكتابة الهيروغليفية، إمتداداً للعهد الإغريقي من خلال ملحمتي الإلياذة وأوديسا لهوميروس تواصلاً مع ما ذهبَ اليه سقراط وافلاطون وأرسطو بإنتشار أشعة شمس فلسفتهم وتعاليمهم على العالم أجمع من خلال النقل والترجمة، إضافة لملاحم تعليمية أخرى المتمثلة بالميثولوجيا أي مجموعة الأساطير في الهند والصين وغيرها من بلدان العالم القديم التي اعتمدت البحث عن المجهول من أسرار الكون والخليقة.
وهنا يجب أن لا ننسى ما دونه الأشوريون والبابليون ما له صلة مباشرة بالعملية التعليمية والتربوية والقانونية على ضوء ما تسجله وتشهد له تلك الرُقم والألواح الطينية التي عثر عليها في بطون أرض الرافدين متمثلة بتعليم القراءة والكتابة والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم، لتصبح تلك الآثار القيمة حبيسة المتاحف العالمية ومنها بشكل خاص في المتحف البريطاني بفضل ما جمعه مؤسس أول مكتبة عالمية الملك الآشوري آشور بانيبال.
إن مدعاة هذه التقدمة هو مَقـدَم " يوم المعلم العالمي " الذي يصادف في الخامس من اكتوبر/ تشرين أول من كل عام, والذي تم تسميته وإدراجه هذا العام تحت شعار " إتخاذ موقف للمعلمين ".
ولكي يكون القارئ على بينة من هذه المناسبة في حياة المجتمعات، لا بد لنا من الإشارة عن الدوافع التي حتمت منظمة اليونسكو الإتفاق على إقرار التوصية عن ذلك اليوم منذ عام 1966 تثميناً لمواقف المعلم, وليكون ذلك اليوم رمزاً  عالمياً حياً لوعي ومآثر المعلم بما يقدمه وينجزه في عمله من تثقيف وتطوير. ولكي تتخذ تلك التوصية طابعها الرسمي تم إقرار ذلك منذ عام 1994 إحياءً لذكرى توقيع التوصية المشتركة والمتفق عليها بتنفيذها من قبل منظمة العمل الدولية ومنظمة الإمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة أي اليونسكو لتخص وتشمل واقع وأوضاع رجال التربية من المعلمين، إسوة بيوم اللغة الأم المصادف 21 شباط من كل عام ويوم الكتاب العالمي 23 نيسان وغيرها من المناسبات المعتمدة في دول العالم.
إن هذه الإلتفاتة الجليلة هي بمثابة  شهادة تقييم وتثمين لدور بناة الأجيال من العمل النبيل في تنشئتهم للحياة المستقبلية، وذلك بغية الشد من عزمهم على مضاعفة الجهد في تولي مهام رسالتهم الإنسانية على نشر الوعي، وما يتحسسون به في دعم وإسناد من هم بحاجة التنوير من التلامذة، وفي الوقت ذاته في الإقدام على تطوير العملية التربوية من منطلق ما يتوصل اليه الباحثون والمعنيون في مجال العلم والمعرفة، وكذلك بث روح الهمة والنشاط في ممارسات المؤسسات النقابية للمعلمين للدفاع عن حقوقهم لتحقيق الأهداف التربوية والتعليمية لتتماشى مع إنجازات العصر الحديث.
من خلال مطالعاتي تبين بأن منظمة اليونسكو توصلت لبعض الحقائق التي تهم التربية والتعليم لتحقيق المساواة بين الجنسين من المعلمين، إضافة لمضاعفة الكادر التعليمي الأنثوي على الذكوري ليتم التوازن بين الجنسين، إستكمالاً لمتطلبات إستحداث مليوني وظيفة جديدة في مجال الإحتياجات اللغوية التعليمية لتحقيق وتنفيذ وتعميم عملية التعليم الإبتدائي بحلول عام 2015 من منطلق الواقع الملموس للتقارير والتوصيات المعتمدة التي أبانت وكشفت بأن نسبة الفتيات والنساء في العديد من الدول تشكل معدلات عالية من الأمية ممن لم يلتحقن في مراكز ومدارس التعليم الإساسية. وبما أن منجزات التعليم هي أساس النمو والتطور الحضاري فلا محالة من إعتماد " يوم المعلم " كمنطلق لمؤشرات جديدة في كافة مراحل الحقول التعليمية والتثقيفية، طالما يشكل المعلم مركز الثقل لتلك المؤشرات، ولطالما تحتفل أكثر من مائة دولة بذلك اليوم رغم احتفاء البعض منها في أيام وأشهر متفاوتة من السنة، منطلقة من بعض الأحداث الوطنية والقومية لتلك البلدان، ومن الدول التي تعتمد اليوم المحدد نذكر البعض منها كروسيا والباكستان والفليبين ولتوانيا وأوكراينا وأذربيجان. آملين في نهاية كلمتنا أن تعِـر المؤسسات الحكومية ذات العلاقة إهتماماً بالغاً بذلك, وأن تأخذ بعين الإعتبار هذا اليوم الهام في حياة الشعوب في أية بقعة من أرض العالم, وبشكل خاص دول العالم الثالث والشعوب التي تناضل من أجل البقاء لتحقيق أهدافها على ضوء الشعار الذي تم طرحه هذا العام من منظمة اليونسكو بدعم مواقف المعلم, لتكن تلك المواقف الإيجابية المحفزة متشعبة في خدمته, والرفع من شأنه ليشعر عن كثب بأهمية مكانته ودوره الفاعل دوماً في خدمة المجتمع, كونه يشكل حجر الأساس في رقي أبناء شعبه في كافة المهن والوظائف التي يتبوأونها بحرصه وكدّه ورعايته على تنشئتهم وإيصالهم للمراحل الختامية من دراستهم. كما وأن أقل ما يمكن تقديمه إقامة المهرجانات الإحتفائية بمكانته من قبل الجهات ذات العلاقة المباشرة, مع تثمين وتقييم دور المبدعين في مجال اختصاصاتهم المنهجية, إضافة لتشجيع الطلبة على المساهمة بما يبدر عنهم من فعاليات وغيرها من المبادرات التي تجعله أكثر حرصاً وأبلغ أثراً وأرفع شأناً.
وفي خاتمة المطاف لا يسعنا بهذه المناسبة إلا أن نتقدم بخالص التهاني وأبهى الأماني للمعلمين بهذا اليوم الموسوم بإسمهم، كما وننقل لك ـ قارئنا العزيزـ  البعض من عبارات التبجيل بحق المعلم التي تشهد بفضله والتي منها ما يلي:
* " الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم "

* " المعلم كالشمعة التي تحترق لتضئ الدرب للآخرين "

* " من علمني حرفاً , صرت له عبداً " أي لفضل تعليمه وجميله.

*     قُــم لِـلـمُـعَــلِّـمِ وَفِّــه الـتَـبـجــيـلا     كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
     أعـلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَــلَّ مِنَ الَّذي   يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وعُقولا
      سُـبـحــانَـكَ الــلَـهُـمَّ خَـيـر مُـعَـلِّـمٍ   عَـلَّـمتَ بِـالقَلَمِ القُرونَ الأولى

*    لا تعجبوا إن صحتُ يوماً صيحة ً    ووقعتُ ما بين البنوك قتيـــلا
      يا مـن يـريـد الانتحــــار وجـدتـه     إن المعلم لا يعيش طـــــويلا

*    لــولا المعــلـمُ مـا قـرأتُ كـتابـــاً     يوماً ولا كتبَ الحروفَ يراعي
      فـبـفـضلهِ جـزتُ الـفضاءَ محـلقـاً     وبعـلـمهِ شـقّ الظـلامُ شعـاعي

*    أقـدّم أسـتـاذي على نـفــسِ والدي    وإن نالني من والدي الفضل والشرف
      فذاك مربي الروح والروح جوهر   وهذا مربي الجـسم والجـسم كالصدف



152
جولي
أمرأة من الماضي القريب

بقلم : إيفلين عوديشو قليتا




أنه لكلام جميل أن يقال بأن عمر الأنسان رحلة, نعم قد أكون أنا واحدة من أولئك الناس , قد أختصر عمري في هذه الرحلة التي أخذتني الى أيام طفولتي سائحة في شمال الوطن , أتسلق الأشجار والوديان والمرتفعات مع أخوتي ونغمر ارجلنا في مياه العيون العذبة الجارية من بين صخور الجبال.
نعم هذه كانت طفولتنا وما كان يعنيه لنا شمال الوطن في تلك المراحل من حياتنا . أما أن آتي بعد سنين طويلة لأعود الى نفس البقعة من التربة التي مشيتها حافية القدمين وتسلقت أشجارها بحثاً عن الثمار لأقطفها , أعود اليها محملة بأحلام نسجها خيالي الواسع سابحاً في سماء الحب والجمال والشوق لكل شئ أسمه (وطن). هذه هي قمة السعادة لي . فقد وجدت الحُّب الذي حلمت به والجمال الذي رسمته في خيالي والشوق الذي أطفأته الأحضان التي استقبلتني حالما وطأت قدماي تربة الوطن.
كل هذا يأخذني الى الساعات الأولى من رحلتي الأخيرة الى الوطن , ففي الساعة الأولى من ركوبي الطائرة جلس الى جانبي شاب في العشرين من عمره ومعه صديق من نفس العمر , أحدهم ذو سحنة فاتحة تميل الى البياض والثاني كان أسمر اللون يميل الى سحنة داكنة, المهم في الأمر, سمعتهم يتحدثون الآشورية في اللحظة الأولى من جلوسنا على مقاعدنا , وربطنا أحزمتنا,  وحتى قبل أن تقلع بنا الطائرة . قلت في نفسي مبتسمةً لحالي (هههه, إذاَ لن تموت لغتنا الغالية كما يتشاءم البعض بهذه المقولة , ما زال فيها شباب يافع ينطق بها كهذين الشابين. أبتسمت وقلت لهم بأنني آشورية مثلهم ويسعدني أن ألتقي بشباب يافع مثلهم ويتحدث اللغة الأم بطلاقة , أخبرني الجالس بجانبي بأنه أصلاً من نوهدرا / العراق  وأسمه آشور, وزميله الجالس في المقعد الأخير بأنه اصلاً من تركيا من قرية تسمى حسَّن  أو (حسَّانه) وأسمه سركون أو سرخدون, على ما أتذكر, كتمت في نفسي الدهشة لعدة أسباب, أولاً لأنني لم أشأ أن احرجهم بإستفساراتي المتعددة, ولأنني لم أكن قد سمعت بهذا الأسم لقرية آشورية من قبل , أعادوا لفظ الأسم عليِّ عدة مرات حتى تيقنت بأنني الفظ الأسم صحيحاً . أستدركت نفسي وسألت (سركون) كيف له أن يتحدث الآشورية بطلاقة وهم من قرى آشورية في تركيا , فالمعروف لدينا بأن أبناء جلدتنا من تركيا يتحدثون باللهجة السريانية الغربية كما نطلق عليها أحياناً , أخبرني , بأنه قد ترك تركيا وهو طفل صغير بعد أن أُحرقت قريتهم حسَّن (حسَّانه) والتي يتحدث أهلها بلهجة قريبة جداً للآشورية التي نتحدث بها نحن , وهاجر سركون مع عائلته الى المانيا حيث كان قادماً منها الآن للأشتراك في أحتفالات أكيتو لهذا العام (6762 آشورية / 2012 ميلادية)  والأشتراك مع بقية الشباب الآشوري القادم من جميع أنحاء العالم لحضور أجتماع  أتحاد الطلبة الآشوري العالمي المنعقد في نوهدرا .
أخذتني فرحة الوصول الى الوطن بعد غياب سنين طويلة,  وفرحتي بلقاء الأحباب من الأصدقاء والأقارب والزملاء, وغمرت روحي بسعادة لا توصف وأنا أرى أبناء أمتي قد تنفسوا الصعداء بعض الشئ .
في غمرة من كل هذا, كانت لي مفاجأة أخرى ومن نوع غريب بعض الشئ التي أعادتني الى مقعدي في الطائرة والشباب الذي جلس بجانبي . هنا كانت التي جلست بجانبي أمرأة من الماضي القريب .
أسمها (جولي) , رضيعةٌّ وُلِدت من أبوين آشوريين في قرية حسَّن (حسَّانه) من جزيرة بوتان , عندما ذهب والدها لتسجيل أسمها, قال له الكاتب التركي, هذا أسم مسيحي, لا يصح أن تسميها به, من اليوم  يصبح أسمها (ﮔولي) فأصبحت تسمى (ﮔولي) بالتركي ومعناها (الوردة) .         التقيت بهذه السيدة العظيمة والغريبة عنّا جميعاً في إحدى الأمسيات في بيت أبن عمِّها في ناحية عين كاوة من مدينة أربيل . هذا ما روته لي في تلك الأمسية من ليال الربيع بعد عودتنا من أحتفالات الواحد من نيسان رأس السنة الآشورية.  (هنا تذكرت ما قاله لي (سركون) وهو أحد الشابين الذين جلسا معي في الطائرة بأنه غيَّر أسمه من أسم تركي الى أسم آشوري عندما غادر تركيا الى احدى البلاد الأوربية والتي كان قادماً منها لزيارة الوطن الذي ينتمي اليه, ولم يراه أبداً.) يبدو أنه كُتِب على شعبنا أن يعيش بغير هويته, فإما أن يُجبَر على تسمية ابنائه بأسماء الشعوب التي أحتلت أرضه, أو نحن نغير أسماءنا بأنفسنا جرياً وراء هويةٍ أخرى هرباً من واقعنا المرير.
المهم في الأمر أن جولي أمرأة قدمت الى العراق تفتش عن أقربائها الذين تعرف عنهم فقط ما سمعته من والدها الذي أوصى بها أن تفتش عن أقربائها الذين هاجروا الى العراق بعد المجازر الشنيعة التي تعرضروا لها بناءً على آوامر صادرة من السلطات التركية آنذاك في بداية القرن العشرين , وتتواصل معهم لتصون ذات القربى بينهم, ولتحتفظ الأجيال القادمة بصِلة الرحم هذه.
كانت جولي قادمة من بلجيكا, إبنتاها الإثنتان قد تزوجتا من شابين آشوريين، ولظروف خارج نطاق ارادتهم كانو قد تركوا مدينتهم عين كاوة وأستقروا في بلجيكا, وبعد جهد سنين طويلة وبالسؤال والأستفسار , علمت جولي بأن أبن عم والدها  يعيش في عين كاوة مع عائلته الكريمة. وعلى أثر ذلك شدَّت جولي الرحال مع إبنتيها وأزواجهم الى عين كاوة, وحلَّت ضيفةً على ابن عمها وعائلته .
جلستُ أحادِث جولي, متشوقةً لسماع حكاياتها الغريبة. في المقدمة كنت قد أخبرتكم بأنها أمرأة غريبة, لا تتعجبوا فهذه السيدة يمكن أن أصفها لكم بأن تكون في نهاية العقد الخامس من عمرها, ولكن الدهر قد أخذ منها مأخذه, فقد مرّت جولي بفترات عصيبة من حياتها , عانت ما عانته من الأمراض ومشاكل صحية عديدة الى أن أدت إحدى العمليات الجراحية التي أجريت لها لأستئصال الغدة الدرقية كانت نتيجتها أن بّحَّ صوتها بحيث أصبح من الصعب عليها التحدث بطلاقة ولو لدقيقة أو دقيقتين من دون أن تتوقف لتتنفس ثم تعاود الحديث مرة أخرى, وهكذا كان الأمر في غاية الصعوبة لي أن أستطيع ألتقاط  الكثير من الكلمات وخاصة أسماء القرى التي كانت تذكرها من دون مساعدة من إحدى بنات العائلة المضَّيفة . تقول جولي بانها عانت من تسع عمليات جراحية في فترة قصيرة, سألت الرب أن يمنحهها السلامة وخاصةً في صوتها لكي تستطيع أن تروي ذكرياتها ولو أنها مؤلمة وشهادتها لما جرى في القرى المجاورة لقريتها (حسًّانه) من جزيرة بوتان .
هكذا كانت روايتها الحقيقية والمؤلمة عن ما تتذكره جولي وما شاهدته بأم عينيها ما كان يجري للقرى الآشورية الواقعة ضمن جزيرة بوتان في جنوب تركيا .
بدأ الأمر بعدة سنين قبل بداية التسعينيات من القرن الماضي حيث أشتدت ضربات حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية ضد السلطات التركية, والشعب التركي بأجمله , فوصل الأمر بالسلطات التركية أن تتبع المطاردين من متمردي حزب العمال الكردستاني في كل البقاع من الأراضي التركية, حتى وصل الأمر الى مطاردتهم في جزيرة بوتان مدّعيةً بأن أعضاء الحزب المُطارد يأخذون من قرى جزيرة بوتان مأوى لهم, أو أن آهالي هذه المدن و القرى يتسترون على متمردي الحزب. وهكذا وجدت السلطات التركية أن من حقها حماية مواطنيها من هؤلاء المجرمين في اي مكان كانوا وبأية طريقة ترتأيها, وكان من ضمن خططها أن تهجم على القرى الآشورية في جزيرة بوتان بعد أنصاف الليالي لتحَّوط كل قرية أو قريتين معاً حيث يرقد أهلها بسلامٍ وآمان في بيوتهم, ولا يصحون إلا على أصوات القنابل والأعيرة النارية تطلق عشوائياُ لإرهاب أهل القرية, ومن ثم إشعال النيران فيها لتتصاعد ألهبة النيران والحرائق من شتى أطراف القرية المحترقة بأشجارها وبيوتها, يحاول الأهالي الهرب بكل ما أوتوا من قوة وسرعة لينجوا بأنفسهم مع عوائلهم تاركين وراءهم كل ما يملكون, متاعهم اليومي , مدَّخراتهم , مزارعهم , محصولهم الذي أتلفته النيران , بيوتهم المحترقة, والأغلى من كل ذلك , أراضيهم التي ورثوها عن أجدادهم , ولدوا وتربوا فيها, سمُّوا بإسمها لآنها موطنهم الأصلي وهم من ابنائها  الأصليين, تتراءى لهم وأمام أعينهم, تُسلَب, تُنهَب وتُحرَق وهم غير قادرين على حمايتها .
يا ترى أين كانت منظمات حقوق الأنسان الدولية حينها ؟
هذه الجرائم لم تحدث في القرون الوسطى !!!!!!!!!!!!
بل حدثت قبل عشرين عاماً, في القرن العشرين الحضاري !!!!!!!!!!!!!!!
لقد أُحرِقت مئات القرى والأقضية في جزيرة بوتان في العقد الثامن والتاسع من القرن الماضي. بناءً على ما ذكرته هذه السيدة العظيمة (جولي).  فقد حدث كل هذا في نهايات الثمانينيات وبداية التسعينيات. أما قريتها حسَّن (حسَّانه) فقد أحرقت عام 1993 من قبل الأكراد, ثم سكنوها وعمَّروا فيها بيوتهم, وفي السنوات الأخيرة, سمع سكان حسَّن (حسَّانه) بأن الأكراد قد أستملكوا القرية, قدموا شكاوى الى الحكومة التركية التي كانت قد غيرَّت من سياستها تجاه سكان القرى الأصليين, وبعد أن أصدروا قوانين مدنية جديدة تعيد الحق لأصحاب الأرض الأصليين, حيث تم إخراج الأكراد من هذه القرى ليعود أصحابها بأستملاكها مرة أخرى .
أنها خطوة إيجابية لا يمكن التغاضي عنها, حيث قامت الحكومة التركية الجديدة بإعادة الأراضي لأصحابها ومعها تعويضات مالية عن الأضرار التي لحقت بهؤلاء الأبرياء نتيجة الهجمات العسكرية عليهم وما خسروه من موارد طيلة هذه السنوات .
بقي أن نذكر هنا أسماء البعض من مئات القرى التي أُحرقت في تلك الفترة المريرة من تاريخ أمتنا بناءً على ما ذكرته (جولي),  وأرجو أن أكون قد وفقت في كتابة هذه الأسماء بلفظها الصحيح حسبما سمعته من هذه السيدة الكريمة .        
أما عن بعض القرى التي تتذكرها جولي هي :
كرجوليا – هيرات – راويتا – شاغ – سوربطمار – ديريكه – دادار - كرقوندا نه – شيياسوره – طورمره وأخيراً حسَّن (حسَّانه) .
ما أثار أعجابي بهذه السيدة هو إصرارها على أن تعيش حياتها بكامل صورها, وحبها الشديد لقوميتها وتحدثها بلهجتها الأصلية , وعندما كانت تحس بأنني لم أفهم ماقالته , كانت تجد مخرجاً لها بأن تستعمل مفردات آشورية صرفة لإفهام مقصدها من الكلام , وحتى الآمور الأجتماعية والسياسية لأبناء شعبنا وما يعانوه في الغربة لم تكن خافية عليها .
ندعو الله أن يطيل من عمر جميع الأمهات الصابرات على مآسي الدهر, و نأمل ألا تطول معاناة شعبنا الذي لا زال يعاني من مآسي الهجرة والقتل والضياع .



153
وداعاً... شاعرنا بنيامين ملكو
بقلم: ميخائيل ممو

mammoo20@hotmail.com



في اليوم الذي تنسم فيه الشاعر الآشوري الراحل بنيامين ملكو نسمة الحياة ، لم يكن يعلم بأنه تسلم سمة معترك الحياة التي تؤهله لخوضها, ولتقوده بالتالي تأمل محطات عديدة من قوافل العمر التي دام مسارها أكثر من 72 عاماً بأيام قربته الى المحطة الأخيرة من رحلته الحياتية الأبدية ، كما ولم يكن على دراية بأن تلك السمة قد نفذ مفعولها ليخلد الى الراحة في المحطة الأخيرة من حياته وهو مغمض العينين على فراشه , ليعيد تلك السمة الى باريها بعد انتهاء مفعولها الذي تحدد سريانها إبتداءً من السابع عشر من حزيران 1940 ولغاية الأول من تموز 2012 يوم وافته المنية  للرحيل الأبدي من الحياة الدنيوية.
ومن خلال تجاربه ومعايشاته الحياتية أدرك بأن الحياة هي أقصر من ذلك الخط القصير الفاصل بين تاريخ الولادة ـ وتاريخ لحظة الموت ، ليشد من عزمه على استغلال كل فرصة بما منّت وأنعمت عليه تجارب الحياة وقدرات ممارساته الادبية. فكان من هذا المنطلق يفجر طاقاته الفكرية وملكاته الراسخة في النفس بما يحبره ويدبجه من كتابات وتأملات تخمينية مستقبلية مستلهماً أياها شعراً ونثراً وحديثاً ينشر صداه بين أقرانه من السامعين في الجلسات والندوات لمناسبات متفاوتة ، وبين من يتأمل قصائده ومقالاته من القراء المؤمنين بما كان يطرحه بتواصل مستديم ، غير آبهٍ لوخزات الداء الذي لازمه في سنواته الأخيرة , طالما كان قد جعل من الإيمان الصادق الذي تحلى به وسيلة لتحقيق ما يصبو اليه عبر قراءاته الدقيقة لما يدور في خلد الآخرين ممن هم على قربٍ وبُعدٍ منه , مستنبطاً أياها من واقع الشتات المرير, ومن معايشات التهجير والتذويب والتعذيب القاسية , بما ألـَـمّ بأبناء جلدته من معاناة ، ومما عاناه هو الآخر برهافة حسه وعمق تفكيره وآلام معايشاته في الوطن الأم وديار الهجرة الأليمة طالما كان قد شبّ وشاب على ارضية الوعي القومي والسياسي منذ وعيه لوجوده الإثني الذي شحنه بإلتزاماته التي لم يحد عنها طيلة حياته النضالية سلباً وإيجاباً.
هذا ما كان يشعر به شاعرنا الراحل , وما كان يثبته ويطبقه على أرض الواقع , لا يقل شأناً عمّا عاناه ونادى به من سبقوه ورحلوا قبله من أدباء وشعراء ومبدعين بغية الإستقرار في المحطة الأخيرة من حياتهم. وها هو الآخر يحذو حذوهم ليلتقيهم كضيف وعضو جديد في منتداهم السرمدي برؤاهم اللامرئية في الديار الأبدية. يتطلعون بمنظار النظرة الحسية , ويتأسون بنفحات المشاعر الروحية , آملين تحقيق ما انتابهم من أحلام على تجسيد وتفعيل ما حفظته سطور طروس التاريخ الحديث.

ومن جملة ما يخطر على بالي ويتفاعل في مخيلتي من ذكريات مع الفقيد الراحل لتدعني أدون هذه المرثية وفاءً له من بعد رحيله هي تلك النداءات الهاتفية التي قربتنا من بعضنا بفضل اليراع الذي التزمناه سلاحاً مشتركاً بيننا لنتجاذب أطراف الحديث عن واقعنا بشكل عام ، وعن مسار واقعنا الأدبي واللغوي بشكل خاص ، بالرغم من عدم لقائنا مسبقاً , لحين لقاؤنا بفضل موقع خابور كوم في الحفلة التكريمية في شيكاغو قبل سنوات والتي حظيت بها وثلاثة من المبدعين حيث جعلتنا على قرب ليتكرر اللقاء على مدى عدة أيام , ومن خلال قرينته الفاضلة ليدا لاوندو التي تبنى صوتها الرخيم لتجسد أفكاره القومية التي شاع دويها وانتشر صداها بين أبناء شعبنا.
هذه هي الحياة.. كل واحد منا يأتي دوره في لحظة غير متوقعه ولم تكن في حسبانه رغم معرفته بأن الموت سيطرق بابه بشكل مباغت, إلا أن الراحل بنيامين ملكو لم يكن ذلك الإنسان الذي يخامره ويهيبه قلق الموت ـ كما ألفته ـ كونه تشبث بثقته في الحياة ، وكونه آمن بأن العطاء الدائم هو روح الحياة ، فكان حقاً الغصن اليافع من فروع تكوين الشجرة الأدبية المعطاءة التي تتساقط ثمارها اليانعة وتتناثر أوراقها تباعاً بين فترة وأخرى كرحيل ادبائنا وشعرائنا من عالم الساحة الأدبية  من تأثير معاناة زخم العطاء ومن تأثير وخزات من لا يثمن ذلك العطاء كحالة نفسية تؤكدها تطبيقات علم النفس.
المؤسف حقاً والحالة هذه ، وعلى حين غرة هو أن نفتقد انساناً عانى من أجلي وأجلك ، ومن أجل بناء المجتمع الواعي دون مقابل ، لا الذي يعاني ويعمل من أجل نفسه ولنفسه ، ولا يدع الأخرين ينتفعون من ثمار وجوده.
من هذا المنطلق نقول لأسرة الفقيد الخسارة التي منيتم بها هي خسارتنا جميعاً ، ليلهمكم الباري الصبر والسلوان ويسكن زميلنا وأخينا الراحل فسيح جناته.

***
ولكي يكون القارئ اللبيب على دراية ومعرفة عن سيرة حياة الراحل وما خطته أنامله نستعرض بإقتضاب رحلته التي نوهنا عنها , حيث أنه ولد وترعرع في قرية تل تمر التي انجبت العديد من الأدباء والشعراء والفنانين من الذين تشهد لهم أعمالهم في الساحة الأدبية والفنية والإجتماعية. وأقل ما يمكن ذكره عن مبادئ لغته الآشورية ، إن مِن جملة مَن تتلمذ على أيديهم هو الأب الراحل الجهبذ بولص بيداري. درس في المعهد الزراعي بدمشق ، بعدها شدّ الرحال عام 1960 الى بيروت حيث قضى عشر سنوات مواظباً في الحقل الأدبي وفي مجال المسرح بشكل خاص من خلال ما كتبه من مسرحيات هادفة جسدت مضامينها على خشبة المسرح بجهد الشبيبة الآشورية.
وفي عام 1970 راودته فكرة السفر الى امريكا ملتحقاً بالفناء الجامعي لدراسة الصحافة ، ومنهمكاً بما تمليه عليه تصوراته ، ناقلاً أياها بالصياغة الشعرية التي منها الشعر الغنائي ليتحف العديد من الفنانين بما يتناسب والشعور القومي ، وأبرز ما نظمه تلك الكلمات الدررية التي ما فتأت تتلألأ في سماء الأغنية الآشورية الهادفة من حنجرة ولسان المطرب القومي آشور بيت سركيس حين يصدح قائلاً: ( بيت نهرين اتري وَت لِه منشِنخ ) بما معناها ( وطني ما بين النهرين لن انساك ). وإلى جانب ذلك كتب العديد من المقالات باللغة الآشورية والعربية والإنكليزية ونشر في مجلات متفاوتة التي منها: مجلة آشور ، مهديانا ، زهريرا ، باصويا ، بين النهرين، خيروتا وغيرها من المجلات. انحصرت مؤلفاته التي من الصعب حصرها هنا في عدة مجالات تمثلت في الحقل المسرحي الدرامي والدواوين الشعرية والمقالة ، إضافة للترجمة التي خص بها ثلاثة مؤلفات هامة من الإنكليزية إلى العربية وهي: 1. رحلة هنري لايارد لجبال آشور. 2. سراج آسيا المرتعش , تأليف القس يوئيل بابا. 3. العالم بلا يهود , لكارل ماركس. ناهيك عن نتاجات أخرى التحفتها رفوف خزائنه ، حالها حال مخطوطات من سبقوه من أقرانه بتفتح قرائحهم على ما لا يحصى من النتاجات التي لا زالت طي النسيان من ذوي الإهتمام والجاه ممن تصدح أصواتهم في المنتديات على أصوات قرع الأقداح.
تساولي هنا: حتام تظل تلك الإبداعات الفكرية التراثية اللغوية تشكو الإنعزال؟! وحتام نظل نتأسى ونتأسف على ذكر رحيل أصحابها , ومن دون أن نسعدهم بوردة بائسة وكلمة شكر صادقة في أيام حياتهم؟! آملاً أن تدغدغ كلماتي هذه مشاعر من ينفض الغبار من على كتفه.


156
نتاجات بالسريانية / عبرا د اتري
« في: 12:19 13/04/2012  »

157
المطرب الستيني إيوان شمديناني
 في رحلة أبدية


( 1942 ـ 2012 )

بقلم : ميخائيل ممو

نشأ وترعرع في ربوع قوميات متعددة ومتآخية ، وعلى مرتع اتسم بالسعة والرغد ، تنسم وتنشق أريج تلك المدينة الأثرية الشامخة " اربخا " بعراقة وجودها منذ زمن الملوك الاشوريين المعروفة حالياً بإسم " عَرَفا " أي كرخ سلوخ ، كركوك الحالية ، المألوفة بنارها الأزلية وقلعتها الآثرية.
اكتسب من مآثرها التراثية وعياً وإيماناً ، جاعلاً منهما أداة لبناء معبده الذي تنسك فيه ، مستلهماً ما ترنم وتنغم فيه من ألحان طعّمها بصوته الشجي الرخيم ، وكأنها أصداء برونق مزامير مستحدثة في العهد الذي كانت أجواء العراق تتنعم بصفائها وهدوئها في مطلع الستينيات ، وفي الوقت الذي صدحت عالياً مفردات القاموس الآشوري على ألحان وأنغام وأصوات نخبة من المطربين الآشوريين وأصحاب القلم الحر، ومن بينها صوت الشاب اليافع ايوان شمديناني الذي سطع كنجمة صباحية ليترنم بجرأته ويعزز مبادئ انتمائه القومي، وليخاطب الوطن والطبيعة والحبيبة وغيرها من المضامين بلغته الأم ، لتكون تلك اغنياته بمثابة الطيور المهاجرة في أرجاء الوطن وعالم الإغتراب.

بدأ اهتمامه بالواقع الفني الآشوري منذ طفولته حينما كان يستذكر أيام الأعياد بإنطلاقة المجاميع الآشورية المحتفية آنذاك لتقديم التهاني من بيت لآخر وعلى التوالي ، وبشكل خاص حين كان يصاحبهم دوي المطرب يُؤاو إسحاق الذي كانت له مكانة خاصة في قلب المطرب الشاب ، وبالتالي تأثره به ليقتفي دربه بإسلوب حداثوي ، متبوءاً خشبة المسرح لأول مرة في عام 1960 وهو في الثامنة عشرة من العمر صادحاً بكلمات ولحن أول أغنية له التي مطلعها:
آنا مو تاتن .. انا مو تانن ... قا خليتا دلبي مو تانن
رخقا من لبي هويلا ... كو لبي دردِه دريلا
والتي ترجمتها:
أنا ماذا اقول .. أنا ماذا اقول ... لحبيبة قلبي ماذا أقول
بعـيـدة عن قـلـبي اصـبحت... وبقلبي الآلام قد زرعت

وعلى أثر ما لاقته باكورة أعماله الغنائية ، بهمة وعزيمة من هزتهم مشاعر التأليف والتلحين من الشباب أمثال اوشانا جنو وجان دشتو  ووردا نسطورس وجيمس إيشا ويوخنا خنانيا وسركون يوسف ورابي جبرائيل التفوا حوله ليجسد كلماتهم والحانهم بصوته الجهوري والشجي ، رغم شحة الساحة الغنائية من الأصوات الشبابية في تلك المرحلة ، متأثراً بالمطربين اوشانا يوئيل وبيبا، مشكلين انطلاقة شبيهة بجماعة كركوك الأدبية التي اثبتت وجودها في نهضة الأدب العراقي ، شعراً ونثراً في تلك المرحلة ، ولكن بمسحة اشورية في الحقل الغنائي والفني ، لينطلق متألقاً الشاب شمديناني بمشاركاته في العديد من الحفلات والمناسبات الإجتماعية والقومية ، محفزة أياه في الإقدام على تسجيل أول اسطوانة عام 1972 لدى الموسيقار الشهير جميل بشير في بغداد متضمنة في صفحتها الأولى أغنية " يا كخوا أي أيتها النجمة " من تأليف ولحن الفنان تيدي نيقاديموس ، وعلى الصفحة الثاني أغنية " كومينا خليِه عينخ  أي عيناك السوداوان جميلتان " من تأليف ولحن الفنان والممثل البارع سامي ياقو ، ليزيد عليهما البومين من الأغاني عام  1979 و 1982.
ومن الجدير ذكره ، أنه إلى جانب تألقه في الحقل الغنائي وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية كان قد التحق بمعهد المعلمين ليتخرج منه ممتهناً سلك التعليم في مجال اللغة الإنكليزية ، وفي الوقت ذاته توليه رئاسة النادي الوطني الآثوري الإجتماعي في مرحلة الثمانينيات ولعدة دورات انتخابية.
ومما يؤسف له إن الظروف العصيبة التي لم تكن على البال في حينها كانت قد حتمت عليه لمواقفه الشريفة ودماثة خلقه وشعوره القومي أن يشد الرحال لعالم الهجرة والإغتراب إسوة برفاقه الذين سبقوه قبل ذلك ، ليمكث طيلة حياته على أرض السويد ، منعكفاً في صومعته ليعيش دوماً على أحلام الذكريات ، متأسياً على الواقع المزري في الوطن الأم ، وعلى ما يعانيه أبناء جلدتنا في عالم الإغتراب رغم استئناسه بعض الأحيان على حضور بعض المناسبات القومية التي ينطمها نادي بابيلون الآشوري في المدينة التي يعمرها.
 
ومما ألفناه من محادثاته كان ينظر للأغنية بأنها بحاجة لجهد كبير لا يدركه السامع الذي تصل لآذنيه ومداركه كاملة بتكوينها الثلاثي المتمثل بالكلمة واللحن والصوت في إطار الإداء المتشابك برونق وبهاء ، بالرغم من عوامل التقنيات التي لم تكن على ما هو عليه اليوم.
وما أجمل أن يلتقي في حينها ثلاثة من مشاهير كركوك في مطلع شبابهم ليتركوا لنا بصماتهم على العديد من النتاجات  ومن المآثر ما يُحمد لها ، لتكون شهادة للتاريخ في مجال الأدب والنحت والغناء ، وهم الشاعر البارع سركون بولص والرسام النحات المتألق باول عيسى والمطرب ايوان شمديناني الذي لم يمهله المرض العضال أن يعيش طويلاً ، ملبياً دعوة ومشيئة الرب في الساعة الواحدة والنصف من فجر يوم الإثنين المصاف 26 آذار 2012 في المستشفى الرئيسي بمدينة يونشوبينغ في السويد ، وليوارى الثرى في الثلاثين من ذات الشهر عن عمر يناهز السبعين عاماً.
لهذا الحدث المباغت ، لا يسعنا إلا أن نرفع لعائلة الفقيد ولأقاربه وأصدقائه  تعازينا الحارة ، آملين من الباري أن يسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه والمقربين له الصبر والسلوان.

160
نتاجات بالسريانية / يمي
« في: 01:39 28/02/2012  »



161
مناجاة روح الأب الراحل يوسف سعيد
بقلم: ميخائيل ممو

mammoo20@hotmail.com





أيها الأب الفاضل ، ويا أيها الشاعر الراحل
بين الحين والحين كان الهام الشعر يراودك بشوق وحنين ، لتباغتني في كل وقفة تأملية بنداءاتك الهاتفية بغية أن تبعد وتدفع عنك الملل بإسترجاعك لذكريات الماضي الكركوكلية ، وصدى الشوق يدغدغ مخيلتك لتقف على المستجدات من أخبار الشاعرين سركون بولص وجان دمو.
وبعد رحيلهما كان يشدك الحنين والأنين لسرد مآثرهما وطيبتهما بلوعة وحسرة ، كونهما كانا من أعمدة من زاملوك في نشأة وتبني جماعة كركوك الأدبية. وكنتَ حقاً في كل مَرّة تنأى وتبتلع الحشرجة المُرّة لتعزف على أوتار عواطف قلبك الحان الحزن الدفين لذكريات الماضي من السنين. وها أنت اليوم ترفرف روحك وأياهم في جنات الخلد لتفاجئهم بقدومك حاملاً ذات الرسالة التي آمنتم بها جميعاَ.

أيها الأب الفاضل ، ويا أيها الشاعر الراحل
دعني هنا أخاطب روحك الطاهرة الزكية لأذكرك بأنه قبل رحيلك الأبدي بإيام قليلة تهاتفنا بالرغم من بحة الإجهاد التي انتابتك في يومها، فتحسستُ وتحسستَ أنت بأنك لا تقوى على اتمام حديثنا مثل ما كنتَ قد اعتدتَ عليه، لترجوني في هذه المَرّة بتنهيدة مُرّة وقاسية إثرَ حديث قصير شاكراً بطيبتك وصراحتك المألوفة على تأجيل الحديث لحين أن تتماثل بالشفاء العاجل. فهل كنتَ يا أبانا الفاضل على علم ودراية بأنك راحل عنا بهذه السرعة الخاطفة التي لم تمهلك طويلاً ؟! وهل كانت أصداء النواقيس التي الفتها تجلجل في أعماق ذاتك  لتلبي مشيئة الرب على الإستسلام؟! يبدو أن الأمر كان كذلك ، لتكون كلماتك الأخيرة شارة وداع أبدي لا تغيب عن بالنا.

أيها الأب الفاضل ، ويا أيها الشاعر الراحل
نعم ، هكذا حكم الدهر. حكم الدهر بمشيئة الأحداث أن نلتحف ديار الغربة ، نتأسى رغماً عنا ، وفي الوقت ذاته يراودنا الحنين للماضي الأليم رغم مرارته ، ولتطأ أقدام كل واحد من عناصر حلقة الحداثة الأدبية مرافئ ومحطات متفاوتة ، حالها حال خرزات السُبْحَة المتقطعة والمتناثرة من خيطها هنا وهناك.
نعم ، وبالتالي هكذا شاء القدر ، أن تختطف يد المنون كل واحد في بقعة من أرض الإغتراب نائية عن بعضها وعلى التوالي ، بدءاً برحيل جان دمو في استراليا ، سركون بولص في امريكا ، أنور الغساني في كوستريكا ، وجليل القيسي في ارض ما بين النهرين وغيرهم... واليوم ها أنت يا أبانا الكريم تثويك ارض السويد، لتجمعكم آصرة الروح في عالم الخلود السرمدي.
نعم ، رحلت عنا لتترك لنا مآثرك وآمالك وآثارك من ابداعاتك الشعرية ولقاءاتك السمعية والمرئية لتنطبع في ذاكرتنا ولنحيي ذكراك دوماً كقديس للشعر مثلما قلت ذات مرة في لقاء اذاعي " احياناً احلم ان اكون مع الملائكة ، واحيانا أن اكون انساناً آخر". فها أنت اليوم مع اولئك الملائكة الذين تأملتهم وتمنيت ملاقاتهم. ومنذ أن شَهَرَ يراعك بتألقك في مهرجان المربد الشعري وأنت تلفظ عبارات الموت في مطلع قصيدتك التي تقول فيها:
" ظلي يتكور فوق ضفاف الانهار
وموتي البطئ
لا يعرف اسرار مادة التحنيط
ولا جفاف المومياء "
وليس أكثر دلالة على مناجاتك للموت البطئ من تلك ايحاءات باكورة نتاجك الشعري الذي وسمته متوجاً  بعنوان " الموت واللغة " متجاوزاً العقد الثالث من العمر لتعني بذلك بعد الرحيل لا نترك لأولادنا سوى اللغة.
حقاً لقد صدقت في قولك ، وقد وفيت بوعدك ، بما تركته لنا من درر المعاني كأب روحاني وشاعر رباني.
وهنا تحضرني تلك كلماتك التي صغتها من نفثات يراعتك الحزينة المُسَوّرة بالمجد يوم شاركتنا بتأبين سركون بمقولة : " وبموت سركون تدفن عبقرية انسان جاء ضيفاً ورحل له اجنحة مضيافة عبر سماوات جديدة ". لنستنتج منها حدسك الذهني بأنك مصدر عبقريته منذ تبنيك لنشأته الشعرية وتنبؤك بمستقبله الإبداعي.
يا أبانا الفاضل ، وهل لي أن انسى فضلك وتبجيلك يوم خاطبتني بتقدمة كلمتك التي قلت فيها :  ( اهدي هذه الكلمة لزميلي الأديب ميخائيل ممو الذي حظي بحفل تكريمي من قبل اتحاد الأندية الآثورية في السويد ، تثمينا لجهوده في حقل الأدب والصحافة والعمل القومي وبشكل خاص في مجلة حويودو الغراء ). لتردد اسمي في كل فقرة في كلمتك بصفات متفاوتة ، اخترت منها هذا الجزء اليسير الذي تخاطبني فيه بقولك:
(ميخائيل ممو .. أكتبْ .. فالكتابة وسيفها البتار الوحيد الذي يفتح لنا أوداجها لندخل حاملين طيوباً لعذارى متكأءات على جدائل العريس القادم من جبال آثور ،  حيث هناك بقايا نكهة مطعمة بالبيلسان والبخور ، وبقايا من روائح النرجس العراقي في سفوح جبال معطرة برياح ذات هلهلات رشيقة وسعيدة ، تكتب فاتحة لنفحة في خاصرة الكتابة ، وتروي قصصاً عن لوحات آثورية تفقس بهجة روعه روحها من القلم الأسيل. عد الينا حاملاً على صدرك نبراس سيف الكتابة الآشورية ، وأكتب لنا عن أشباح الروح ، تحيطها أرض الرعب المحنطة ، تجاور صحراء أرواحنا المشردة).
أجل يا أبانا.. ها أني أوعدك ، ومثلما يُقال وعد الحر دين ، ملبياً طلبك بالكتابة التي لم اكن أحبذها أن تكون على شكل مرثية حزينة مؤلمة تعصر الألباب وتبكي الأحباب.
وها أني أعود ثانية لأحمل على صدري الوسام الذي اهديته لي بالسريانية لأدبجه على صفحات فكري بقولك:
ܕܪܰܫ ܘܰܦܪܰܫ ܐܝܕ̈ܝܟ. ܘܠܐ ܬܐܚܘܪ ܥܠ ܣܪܝ݂ܩܘܬܐ ܕܐܪܝܐ. ܘܠܐ ܚܙܘܐ ܕܢܦܩ ܐܝܟ ܟܘܟܒܐ ܘܗܘ݂ ܘܒܓܘܢܗ ܐܘܟܡܐ ܗܘܐ. ܡܫܰܚ ܙܰܠܓܗ ܒܥܰܪܦܶܠܐ ܕܛܘ݂ܪܐ. ܘܣܕܪ ܬܫܥܝ݂ܬ݂ܗ ܥܠ ܩܪܩܦܬܐ ܕܝܠܗ ܕܗܘ݂ ܡܪܐ ܕܡܪ̈ܘܬ݂ܐ. ܕܰܫܚܰܛ ܕܓ̈ܠܬ݂ܐ ܡܢ ܟܶܪܟܶܗ. ܘܠܐ ܢܳܚܬܐ ܒܚܰܕ ܡܢ ܐܫܛܪ̈ܐ ܕܟܬ݂ܝܒ̈ܬ݂ܗ.ܘܝܳܩܶܕ ܘܩܳܡܶܨ ܠܕܓܠܘܬ݂ܐ ܕܢܳܦܚܐ ܘܢܒܗܐ. ܒܟܬܒ̈ܐ ܕܒܝܬ݂ ܐܝܣܪܐܝܠ. ܗܘ ܟܪܘ݂ܟ݂ܝܐ ܕܢܫܪ̈ܐ ܕܕܳܥܪܝ݂ܢ ܠܒܝܬܐ ܕܦܳܬܰܚ ܟܘ̈ܐ ܒܫܩܝ݂̈ܦܬ݂ܐ ܕܛܘܪ̈ܐ. ܘܦܬܚ ܡܢ ܚܕܝܐ ܕܛܘܪ̈ܐ ܢܗܪ̈ܘܬ݂ܐ ܕܚܠܡ̈ܐ. ܝܘܣܦ ܣܥܝ݂ܕ

لم يبق لنا في نهاية مرثيتنا سوى مناجاتنا لروحك إلا أن نقول: إن رَزْأنا برحيلك الأبدي جسيم ، وما علينا إلا أن نتضرع الى الباري العليم أن يتغمد روحك الطاهرة شآبيب رحمته ويلهم ذويك الصبر والسلوان.



162

عازف اشوري عراقي في فرقة سمفونية سويدية
بقلم: ميخائيل ممو





عواصف الهجرة والإغتراب تنقلك احياناً ومن دون اي حسبان لعوالم لم يتوقعها الإنسان المُقابل، سواء في عالم الهجرة الدائمة أو مصادفات الترحال المباغت، لتُفاجَأ بما يشد عزمك في الوقوف على كنه ما تراه وتلمس حقيقته، لتكون بالتالي على معرفة تامة وقناعة لا تغيب عن بالك من أوليات انبهارك ودهشتك.
هذا الإفتراض إن لم يكن واقعاً ملموساً فهو بشارة لصيغة الممكن الذي حفزني بفضول مستدرك أن استنتج من اسلوب تلميذ التقيه لأول مرة على مقاعد الدراسة في صفي المدرسي من المرحلة الثانوية، متأملاً حديثه النغمي الممزوج بعبارات تَـنِمّ عن روح رقيقة تجسدها علامات الحياء والخجل المرتسمة على مُحيّاه، وكأنها الهمس الذي يبشرنا بما يخفيه بشفافية بين أوتار العواطف من خلال ما تعودت عليه أنامله التي جعل منها مفاتيح مناسبة لكل ما ينوي فتحه والكشف عنه بنغمات من الآلة السحرية التي يلقيها على كتفه والمتمثلة بالكمان.
وبتوالي الأيام شاءت المناسبات أن تقربني منه كعازف متمكن بصفة موهوب يتلاعب بأوتار الكمان كتغريد البلابل بأنغام تشنف الأسماع وتطرب القلوب. وهنا تيقنت برهافة الحس إن كان الشعر إلهام فالنغم مأواه ومسكنه المُفضل ، وإن كان الشعر فتاة فالموسيقى خطيبها. وعلى أثر ذلك وبحكم اهتمامي لنسج خيوط الشعر آثرت أن يصاحبني ريمون يوسف في مناسبات قراءاتي الشعرية بآلته المسيرة بحكمه وطوع ملامسة القوس الوتري.
إن ما حفزني لهذه التقدمة المقتضبة هو دعوتي لحضور وقائع الحفل الضخم لمنتدى فرقة كونسيرت يونشوبيغ بعنوان " في وسط اوربا " الذي اقيم في تمام الساعة الثانية ظهراً ولعدة ساعات من يوم الأحد 5 شباط على مسرح دار الثقافة سبيرا الشهير بوسعه وجمالية موقعه في مركز المحافظة، وبمشاركة ما يربو على الستين عازفاً على آلات متفاوتة عددها خمسة عشر نوعاً كالفلويت والكلارنيت والكمان والسيلو والطبل المتمثلة بالوترية والنفخية النحاسية والإيقاعية الصوتية وغيرها. كما وكان من بين العازفين أحد أبناء شعبنا الذي نوهت عنه مسبقاً بإسم ريمون يوسف. ومن الجدير ذكره ان قاعة العرض كانت قد اكتضت بجمهور الحاضرين البالغ عددهم ما يزيد عن الأربعمائة شخص.
أن العروض التي قُدمت بقيادة المايسترو السويدي اوفيه كوتنك شملت العديد من السمفونيات الشهيرة منها للألمانيين ريتشارد ستراوس (1949 ـ 1864) وانتوني دفوراك (1904 ـ 1841) والنمساوي فرانز شوبارت (1928 ـ 1797) والسويدي ميكائيل ستراند (1958 ـ 0).
ومما لفت انتباهي حيوية وذكاء العازف الآشوري العراقي الشاب ريمون بتواجده مع مجموعة كبيرة من المتمرسين السويديين بآلة الكمان التي عشقها منذ الصغر وهو ابن الثانية عشر من العمر ليتبوأ هذا المركز وهو في العشرين من عمره. ومن خلال معرفتي به أثناء تدريسي له ومرافقته لي في امسياتي الشعرية والأدبية اتضح لي مقدرته العالية على عزف العديد من الحان الأغاني الآشورية والعربية والأجنبية التي أهلته لإجراء اختبار في مجال عزفه ومعلوماته الموسيقية ومن ثم اجتياز الأختبار بنجاح ليتم ترشيحه وقبوله كعضو دائم والأصغر سناً في الفرقة السيمفونية ومشاركته لأول مرة في العرض المُشار اليه ، رغم مشاركته في مناسبات اخرى كعازف منفرد على مستوى مناسبات المحافظة.
بدورنا نهنئ العازف الشاب ريمون يوسف على مسعاه ، آملين له النجاح الدائم في حياته المهنية ودراسته التكميلية ومشاريعه المستقبلية.
 

 
 

163
نتاجات بالسريانية / يومنا عيدا
« في: 23:41 02/02/2012  »

164
حتام نبقى نرتدي الأسمال البالية؟!
 
بقلم: ميخائيل ممو / السويد

mammoo20@hotmail.com
على مدىً غير محدد ومنذ بدء الخليقة ما فتأت عجلة الزمن تدور على سكة التاريخ البشري دون أن يتلفها الصدأ ، محافظة على دورانها الدائم والمتوالي دون أن تتوانى وتتباطأ في إدائها الفعلي ، لتنهك مكونات عناصر تلك السكة المقصودة والمتمثلة بالحشد البشري ، لتنبئنا بأن من يتشبث في حاضره بمآثر الأمس متأسياً بالتخاذل يفتقد الغد نادماً على حاضره ، ليركن بالتالي على ضفاف التأمل اللامجدي سارحاً في جِنان أخيلة الظن المرتقب ، كالظل الذي يختفي بإختفاء مصدره ، وكالوهم الزائل كزوال موج البحر في جريانه المتلاطم.
هكذا تتراءى الحياة لأبناء الشعوب التي تبكي على ماضيها بترجرجهم وتربضهم تحت بقعة شجرة عجوز وارفة الظلال بأوراقها المتناثرة الساقطة وخالية الثمار ، بتغافلهم عن ميزة مبدأ الفكر الإبداعي المستلهم مِن حصيلة مَن تحصن بحصافة الرأي والتخمين الصائب ، كمثل المبدعين الذين يعمدون لتغيير مجرى الحياة بفلسفة مستحدثة ومؤطرة بفكر ثاقب.
متى ما نهج الفرد بقيادة جماعية ضالة من خلال قائد مراوغ متمسكاً بهذا المسلك السلبي واستأثر به يكون قد نحا المنحى اللغوي الهزيل لإرضاء الذات ، وتشبث بالعملي الزائف الذي لا تقره قواميس نواميس الطبيعة البشرية ولا المؤسساتية ذات الطابع الإرتقائي ، كون العملية المُعتمدة تلويحاً بسيف الهلوسة التي تنأى عن مسار المفهوم العقلاني حين يوجه مقود التجذيف دون وعي وأناة واستدراك ضد التيار الهائج وعكس مجرى السيول النهرية الجارفة. وبمعنى أدق وضوحاً وأقرب استدراكاً هو انزلاق وانجراف مجموعة عرقية أو مذهبية أو طائفية وعشائرية لتكوين نسق من السلوك المناهض بصلابة الجُلمود ، وتفرعها بعقل جمعي مؤدلج مستخلص من رحم التسمية القومية والأثنية الأم الأصيلة الولادة ، لتركن على انفراد في مهاوٍ تسلخ عن جلدها روابط المصالح المشتركة ومقومات الإنتماء الموحد بتبديد عناصر التكوين التكاملي التي بواسطتها ترسى اسس تحقيق الأهداف المرسومة بمشاعر وأحاسيس الألام والآمال المستقبلية لكل من يسعى استنباط  رؤياه من منبع الضمير الحي.
بهذا يتضح لنا جلياً أنه من أجل النهوض بمستوى مؤسساتنا الرسمية وشبه الرسمية ، وبكافة نعوتها الآنفة الذكر ومكوناتها ، ينبغيها أن تدفع بعجلة التغيير إلى ما يُلائم مراحل التطور الظاهر للعيان ، وبما يبتغيه عالم اليوم إنطلاقاً من التقدم الحضاري المشوب بالتقنية الحديثة لواقع متطلبات العصر.
من منطلق هذا الواقع ، ومن خلال ما نألفه ونعيشه يومياً كشعب آشوري بكافة تسمياته ومكوناته ، باتت تتلاعب وتتقاذف به هياج أمواج بحر الهجرة وعواصف رياح التشريد في الأوطان التي نأمّها ونقصدها وفي مراتعنا الأصلية أيضاً دون شك ، وعلى أثرها أردت أوضاعنا في مستنقع يُرثى لها. فإن تساءلنا عن دوافع ذلك وما حملته من مسببات لتراقصت الأجوبة في مخيلتنا ، لنردّها بتبريرات متفاوتة تتمركز وتنحصر مفاهيمها في إطار خاص لا يمت الواقع بصلة ، قاصدين بها السلطات المهيمنة على مرتع وجودنا بالدرجة الأولى ، متناسين تلك السلبيات التي تُنعت بعدوى الأمراض المُعدية التي تعتري أقرب المقربين لنا ومن بني شعبنا وأرومتنا أينما تواجدت هيمنته وبسطت نفوذه ، إن كانت في المجال الديني أو السياسي ، ناهيك عن مفهوم المحتوى الإجتماعي والإقتصادي ، وكأنما نعيش في عصور ما قبل التاريخ المتمثل بالإلتزام القبلي والتمييز العنصري الطائفي والعشائري ، دون أن نمتثل لمبادئ احترام الرأي والإرشاد والأخلاق بالمنطق العلمي والتربوي والإنساني معاً.
وهنا يتبادر السؤال الى الأذهان دوماً ، حتام نظل نتراوح في ذات الدائرة المقفلة؟! وحتام نبقى نرتدي الأسمال البالية؟! وحتام نستمر نتشبث بتلك الأفكار الشائكة؟! وحتام يبقى انساننا الآشوري لا يعي تجارب التغيير الجذري لشعوب العالم بغية الإقتداء بها ليظل غائراً في المواقع الهشة يعيش حالة التقهقر الدائم سواء في الوطن الأم أو بلدان المهجر؟!
عادة ما يسعى الفرد لنيل وتحقيق الأفضل والأجدى من أجل حياة أسلم وأرفع ، وينأى بمحاولات تدريجية عما يعكر صفو حياته إن كان متسلحاً بإدوات الوعي المبني على أسس نظرات ثاقبة ، تهديه بمفعول ثقته العالية الى الأمثل والأصلح ، والإلتزام بمُثل التهذيب العليا المستمدة من مستلزمات التربية والتعليم والتثقيف الذاتي لتحقيق عناصر التنمية واركان التقدم ومباهج التطور ، ليكون بالتالي وبحكم إرادته عضواً نافعاً في كيان المجتمع الذي ينتمي اليه ومفخرة له  كمثال حي يقتدى به. أكبر دليل على ذلك ما يبدر من الذين يشار اليهم بالبنان في مجال تألقهم بطراز معين لا نظير له بذات المستوى المتألق.
يتضح لنا هنا من هذه البديهة بأن الإجتهاد الفردي الصادق عادة ما يقود للنمو الدائم إن لم تشب المحيط الذي يعيشه مثالب ومخالب التخريب بمهاترات البطلان والإسقاط المُتعمَد لأسباب ومحفزات قد يجهلها الكثيرون بانضوائهم تحت أمرة رواد الجهل أو تنظيم جماعي عشائري متذبذب برؤية سلطنة ونفوذ قادته.
هذا ما لا يقل شأناً عن مهام التنظيمات الجماعية المتنفذة من خلال المؤسسات والمرافق التي تحاول أن تبسط سيطرتها وتوسع من نفوذها للإطاحة بالجهود الفردية ذات النفع العام ، لإعتبارات واهية تدعمها منافسة الردع المباشر أو الإختفاء تحت أعشاب بِركة الماء الراكد. أما إذا وسّعت تلك التنظيمات من آفاق مداركها ، واعتمدت مضامين دساتيرها بنفض الغبار الذي يتلذذ بها ، وآمنت حقاً بما تهدفه وتشير اليه لأدركت واقع النهوض والتنمية ، وما تمليه عليها وعلى المجتمع بشكل عام من نتائج ايجابية تخدم الجميع ، فتكون والحالة هذه مميزة ومتماشية مع صفات المجتمعات المتقدمة القادرة على إدارة دفة الأمور بحكمة وروية بترجمة مدوناتها إلى أفعال وأعمال بنائية رصينة لتزيد من فاعلية التنمية بالرفاه والتقدم ، دينياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، التي عادة ما تقود لتقوية وازدهار حركة الحياة في أوساط المجتمع مهما كانت تطلعاته ورؤى شرائح تكوينه.

165
أغبرة أسمال العام المنصرم
بقلم: ميخائيل ممو / السويد

mammoo20@hotmail.com
قبل أيام ودعنا العام الملئ بالثورات الربيعية في العالم العربي والتي غيّرت تقاسيم وجه التاريخ العربي ، وكذلك ودعنا ما بدا من أحداث الإنقسامات الكنائسية المذهبية في العالم المسيحي المحصورة في التسميات المستحدثة والمركبة في الحقل الديني والسياسي  ، لتمتد المسيرة بوداع ترسبات المشاحنات الحزبية المكتسية بغطاء النعرات الطائفية ، مضافاً اليها ما ولدته نزعة الإنتماءات العشائرية من حقد وبغض وكره بين الغافلين ممن يتشبثوا بأوهن المبررات اللامنطقية لإعلاء شأن ديدنهم بإلتزام التعصب العشائري الموروث والمذهبي المُستحدث كمدعاة للنصر الطائفي، وكمخفرة للإنزواء القبائلي الذي عفى عليها الزمن في عصر عالم القرية الصغيرة ، غير آبهين لنتائج سلبيات الإنقسامات والمشاحنات والمبررات بما تخفيه من أضرار وعيوب لا يحمد عقباها على الأفراد المسببين لها في العالمين الإسلامي والمسيحي ، وبشكل خاص على أقدم أرض من مهد الحضارات في بلاد ما بين النهرين وأرض الكنانة وبالتالي على المجموعات الضالة المتباهية والمنتمية تحت لواء المسميات الآنفة الذكر ، مع اتساع رقعة ذلك في البلدان التي استضافت أبناء تلك الأوطان. لترى أيضاً في العالم المسيحي وعن كثب مضاعفة قداديس أعياد الميلاد في كل حدب وصوب من ذات المنطقة السكانية ومن ذات الشريحة الإثنية ، وعلى مفترق من بعضها وهي تصدح بالدعاء والتسبيح والسجود لله ليغفر الخطايا والذنوب ، ولترى إلى جانب ذلك احتفالات أفراح أعياد الميلاد والعام الجديد موزعة هنا وهناك وعلى أقل بُعدٍ من بعضها بدوافع شخصية ونفعية ، وليكيل ضُعاف النفوس بما يحلو لهم من دعايات واتهامات فارغة لا تجدي نفعاً غير الإساءة لأصحابها ، متأملة تلك النفوس مع إشراقة بزوغ فجر العام الجديد للسهو والتغافل والتغاضي عما سلف من عناصر المناصرين والأقربين القابعين في ذات البِركة ، بتناسي من هم الأولى للإقتراب منهم والإدلاء أمامهم بلغة التسامح ، والإعتراف لهم رغم كونهم خارج إطار دائرتهم المنهجية المغلقة بحكم أسباب واهية تدحض تأويلاتهم بحيث لا يرتضي الخالق الذي يبتهلون بإسمه تلك المواقف السلبية ، ولا حتى المنطق الإنساني الصادق والأعراف المُتعارف عليها.
هذا ما نلمسه دوماً ، ولمسناه في أيام التبشير بالمحبة والسلام بإسم المسيح ، وفي صبيحة اشراقة عام نزع الأفكار البالية. هذا ما أدركناه في تلك الأيام التي يرتجى قدومها لتحقيق وتنفيذ لغة التسامح بقناعة لا غبار عليها، ولكن هيهات منها. هذا ما عشناه ، وحتماً سنظل نعيشها طوال استقبال الأيام المتوالية للعام الجديد ، طالما خرجت تلك الأجناس من طوق الأعراف والتعاليم القدسية ، لتبقى صفات السلب ملحقة بها دون أي تغيير منطقي ملحوظ.
نعم ، هذا ما يتراءى واضحاً وضوح الشمس لكل فرد مؤمن وصادق وداعٍ لبناء المجتمع الذي تسوده المؤاخاة والمؤازرة انطلاقاً من تعاليم السيد المسيح وكافة الأديان السماوية التي لا تقل تعاليمها شأناً عن بعضها ، وما ذهبت اليه مقررات حقوق الإنسان التي لا تقل هي الأخرى شأناً بما اوصت به لسعادة وطمأنينة الإنسان في مسيرة الحياة الفانية ، لكون الفرد بوعيه وثقافته ينمي ذاته ، وبدوره ينمي المجتمع ، ليتسع دور المجتمع في خدمة الفرد والفرد في خدمة المجتمع بغية محو أمية الغفلة والجهالة واجتثاث جذورها من مدارك وأذهان الذين لم تطئ أقدامهم ضفاف عُباب البحر الهائج ليستدركوا الأعماق ويغوصوا فيه لإجتذاب أصداف ومحار اللؤلؤ ونحوه.
إذا عزونا الأمر لحالة ما ذهبنا اليه نستنتج بأن أغبرة عدوى الداء ما فتأت عالقة ومتشبثة بأردان وأطراف الأسمال البالية التي استضفناها معنا في أية بقعة وطأت عليها أقدامنا ، لتبقى معشعشة ومترنحة تلاطف اخيلتنا بين المد والجزر في فوضى عارمة لا تقودنا لأي مخرج تشع منه بوادر نور الحرية وديمقراطية الرأي بمفهومها الأيدلوجي البناء ، طالما تتفشى في أعماق الذات صفات الوهن الثقافي والأمية الإجتماعية والدينية والسياسية التي تُعتبر بمثابة السماد المجدي للحياة الآمنة المُسيجة بروح طمأنينة التفاهم لنيل درجات مراحل التقدم والتطور والتعاون بأخلاق سامية ورفيعة دون الكيل بمكيال تمييز زيد على عبيد ، إلا بإسلوب السلوك العملي الصادق ، والنفعي الشامل والإيمان الصريح ، وعلى منأى واضح ومبين من صيغة الند للند والعنف بالعنف بخلقها أساليب التشاحن والتنافر والفتور، وبقاء حالة اللارضا في ديمومة مستمرة كدوران العجلة التي تبقى تدور حول نفسها إلى الحد الذي ينهكها التوقيت الزمني المحدد الذي نحدده في حياتنا العملية بمدى أيام العام الواحد ، لنستأثر باليوم الأخير منه الذي نمجده لمغفرة الذنوب والخطايا والتكفير عن السيئات ، ولكن دون جدوى بدافع فقدان الثقة بالنفس من التأمل الروحاني وذوبان التأمل الذاتي .
وفي خاتمة طروحاتي تساؤلي هو: حتام نظل نعيد أغبرة أسمال كل عام بمضاعفتها وبذات الهيئة المألوفة؟!     

166
محاضرة للدكتور دانيال ممو
في المجلس القومي الأشوري في الينوي
ضمن نشاطات المجلس القومي الأشوري في ولاية الينوي ، وبمناسبة حلول ( اليوم العالمي للسرطان) الذي يصادف في اليوم الرابع من شباط \ فبرايرمن كل عام. سيلقي الدكتور دانيال ممو محاضرة قيمة عن مرض السرطان مستمداً مضمونها من بحوثه وخبرته العملية والوظيفية ، حيث سيسلط الأضواء وبإسهاب على المحاور التالية:
* مرض السرطان بشكل عام.
* مرض سرطان الثدي الخاص بالنساء.
* مرض سرطان البروستات الخاص بالرجال.
* اسئلة ومداخلات الحاضرين.
وذلك في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم الأحد المصادف 19 شباط \ فبراير2012، وعلى قاعة المجلس القومي الأشوري في الينوي / شيكاغو على العنوان التالي : 9131 Niles Center Road  .
لذا نهيب بأبناء شعبنا استغلال هذه الفرصة والحضور من اجل الأستفادة وزيادة الوعي الصحي ، علما بأن المحاضرة ستكون باللغة الأشورية (اللغة الأم) وبأسلوب سلس ومبسط .
الدعوة عامة للجميع


167
لغة السياقة ضمان للحياة الآمنة
بقلم: ميخائيل ممو






حينما يعجز الإنسان من التواصل الدائم مع أقرانه بحكم ما تمليه ـ أحياناً ـ بعض الظروف الخاصة التي تصادفه بغتة ، ومن دون أن يحسب لها حساباً من قبل ، يكون والحالة هذه قد تجاوز مرحلة من العمر، لتدعه أسير ذاته سارحاً في منعطفات من التأملات والتخمينات التي تعكس ارهاصاته المخفية المبطنة ، لتكون بالتالي من المنجزات التي يُحتذى بها ، ويعم جدواها على مدى طويل ، لمن يرى فيها ما تملي حاجاته ممهدة لتحقيق مطامحه التي يتعذر عليه من التميز بها ونيلها.
قد تكون هذه التقدمة الممهدة يشوبها نوع من الغرابة للقارئ بعد أن يلج بتؤدة وروية المدخل الرئيسي مما نعنيه في موضوعنا الذي كان سببه أحد زملائنا ، بعكفه على ملازمة أمر إرتضاه لنفسه ، أيقظه وأيقنه من صحة الجدوى العامة. ومن صدى هذا اليقين تمخضت لديه اتعابه الفكرية وتأملاته المرجوة بولادة كتاب ثري بمادته التعليمية والتوجيهية والإرشادية في الحقل الذي قد يصعب على الكثير من اكتناه العديد من رموزه وأشكاله ومخططاته التي تعني الكثير لخدمة الإنسان في هذا العصر الذي يزخر بزحمة السير الآلي في الشوارع والطرقات والأزقة المتخمة بأنواع متعددة من المواصلات.
الآن قد آنت الأسطر وحان الوقت لأكشف عن هوية ذلك الإنسان الذي آمن بأن الأمنيات لا يمكن من تحقيقها بالتمني ، والمعرفة دون نشرها وتعميمها لا تجدي نفعاً.
من هذا المنطلق بذل زميلي الطموح الأستاذ سمير وردا منذ أن حطت قدماه أرض الغربة في بلد الثلج والضباب المتمثل بالسويد أن يسعى جاهداً منذ السنوات الأولى على التسلح بمبادئ المعرفة اللغوية الغريبة عليه ، مثابراً ليل نهار على التقاط ما تقع عليه عيناه من المفردات ، وما تؤانس مسامعه من العبارات الرخيمة بتذبذب موسيقاها ، ليدونها في ورقة تلو الورقة لتشكل بالتالي مجلداً مليئاً بالكلمات والعبارات السويدية المترجمة الى العربية ، آملاً فيما بعد وظبها بتنقيحها وتنظيمها وإخراجها لعلها تكون الهادي الأمين لمن يظل الطريق ممن يطرقوا باب الهجرة الى السويد. فظل هذا المشروع الذي فاتحني عنه مرات ومرات تخاطب اوراقه اليائسة الرفوف المنسية التي حوتها ، ولتبق إلى اليوم في حالة يرثى لها من الشكوى التي تعانيها من السبات العميق. وعلى أثر ذلك بلغ الطموح حدوده لدى زميلي سمّوري ـ كما أسميه ـ ليعكف هذه المرة بعد استشارتي ، لفكرة أوسع أفقاً وبُعداً مما كان يتأمله ، وذلك في الإقدام على الإلتحاق بقسم اللغة العربية من معهد المعلمين في ستوكهولم ليثري مخزونه اللغوي والثقافي في مجال النحو والصرف والترجمة.  ومن ثم ليختار فترته التطبيقية لديّ ما يقارب أربعة أشهر. بعد أن قضى سنتين وتخرج من المعهد المذكور حاملاً شهادة التأهيل التعليمي ، كان قد حظي أن يعمل في مدرسة بمحاذاة المنطقة الجغرافية التي كنت أعمل فيها. وخلال تلك الفترة تجده منكباً على صياغة بعض المحاولات في مجال التأليف لمنهج تعليم اللغة العربية للمبتدئين الذي هو الآخر زامل قاموس المفردات. وبمرور الزمن وعلى مدى يزيد عن العقدين من مهنة التعليم المرهقة ، وجد الأستاذ سمير نفسه يخوض تيار الأمواج العاتية لتعود به القهقري لعهد جديد من الراحة النفسية والجسدية العملية بإحالته على التقاعد بدافع العمر الزمني ووضعه الصحي والنفسي من متاعب التعليم. وهنا حدا به الفراغ لنوع من العجز والرتابة والضجر فآلَ على نفسه أن يمارس رياضة فكرية جديدة آمدها ما يقارب السنتين حين صمم الإلتحاق بمدرسة تعليم وإدارة السياقة ، لتكون حصيلة هذا الجهد المتواصل تصميمه على تجسيد معلوماته وخبراته من خلال مؤلف موسع وشامل بعنوان " كتاب تعليم السياقة باللغة العربية " الصادر عام 2007 في 250 صفحة مزينة بالصور الإيضاحية والتمارين التطبيقية والأمثلة الإرشادية ، معتمداً على العديد من المصادر السويدية المعتمدة في مجال قيادة السيارات. وبما أن طبعته الأولى التي جاوزت الألفين نسخة قد لاقت إقبالاً منقطع النظير بنفاذها من الأسواق ، سعى مؤلفنا المذكور مرة ثانية على توسيع أفق معلوماته وخبراته من خلال القوانين المستحدثة ومعايشاته التي لامسها بشكل مباشر في الشروح النظرية والتطبيقية من خلال مدرسته الموسومة بـ " رتتا " أي بمعنى المقود ، ليلقي نظراته على ما يستوجب إضافته لما صدر. وهنا إرتأى وبجهد حثيث على تطوير كتابه الأول بزيادة ما يقارب 150 صفحة جديدة مستمدة من ملاحظاته التطبيقية ذات النفع العام لرواد العربات الخاصة والشاحنات والحافلات في البلاد العربية أو الأجنبية التي يقطنها من أبناء الناطقين بالعربية ، لكون لغة السياقة وقيادة العربات لغة عالمية تحتويها ذات الرموز الشاخصة في أغلب دول العالم لسلامة السير وتجنب الأحداث الخطيرة التي تودي بحياة الإنسان سواء من المارة أو السائق ذاته ومن معه.



نظراً لسعة الكتاب فيما يهدف اليه ، وبطبعته الأنيقة بورق صقيل ورموز اشاراته الملونة وشروحات مضامينه المبسطة على القارئ ، إرتأينا هنا أن ندرج العناوين الرئيسية المعتمدة بفروعها المتسلسلة والمتمثلة بما يلي: رخصة القيادة ، السيارة والإنسان في حركة المرور، أنظمة السلامة والتوجيه في السيارة ، كيف تبدأ بقيادة السيارة ، ملحقات ومكملات بخصوص السيارة ، الإنسان في حركة المرور ، نضوج شخصية الإنسان في حركة المرور ، الكحول وتأثيره ، حوادث المرور ، الغرامات والعقوبات ، السياقة داخل المدينة ، القوى التي تؤثر على السيارة والأمان ، السياقة على الطريق الريفي ، السياقة الليلية ، والسياقة على الطرق الزلقة ، وملحق خاص بالشواخص وعلامات المرور السويدية مع كلمات وجمل مألوفة باللغة السويدية والعربية.
ونحن على أبواب خاتمة هذا العرض ، لا يسعنا إلا نشيد بجهد الأستاذ سمير وردا الذي أهدى ثمار ما سعى اليه للناطقين بالعربية من أجل أمان حياتهم بقوله : " الذي يرغب الحصول على رخصة السياقة أن يقوم بوضع خطة كاملة قبل البدء بالحصول على رخصة السوق.... واستشهاده بالمثل الصيني: رحلة الألف ميل ، عادة ما تبدأ دوماً بالخطوة الأولى". ولكي يتسنى لك اقتناء نسختك من هذا المجهود المفيد ، عليك كتابة العنوان  التالي:   www.arabiskatrafiken.se في حاسوبك ، ومن ثم الضغط على كلمة الموقع المؤشرة باللون الأزرق للإطلاع على العديد المعلومات حسب ما هو مدون في الشكل أدناه.
 

168
بنيامين شليمون أفضل طالب في محافظة يونشوبينغ وقائد صفه.


 


بقلم: ميخائيل ممو
بهذه العبارة وصفته جريدة يونشوبينغ بوستن في عددها الصادر بتاريخ 28/10/2011   في خبر نشرته مع صورة له على صفحتها الأولى ومن خلال ريبورتاج خاص على صفحتها الخامسة بعنوان كبير مفاده " بنيامين هو الأفضل في الإختبار التقليدي المعاصر.
 في وقت سابق من شهر تشرين الأول أجرت جريدة داكنس نيهتر الأوسع صحيفة انتشاراً في السويد ، مسابقة تقليدية متوارثة لإختبار حصيلة المعلومات المعاصرة  لكافة مدارس المرحلة المتوسطة في جميع انحاء السويد. وبعد جمع وفحص كافة المشاركات البالغ عددها 235547 لإختيار أفضل مدرسة ، أفضل صف وأفضل طالب ، تبين بأن أفضل مدرسة على مستوى محافظة يونشولينغ هي مدرسة مونتيسوري الحرة في بلدية يسلافيد ، وأفضل صف هو الفصل التاسع شعبة د  في المدرسة الإنجليزية الدولية في هوسكفارنا بمدينة يونشوبينغ ، وأفضل طالب هو بنيامين شليمون من نفس الصف.

الجذور التاريخية للإختبار
تعود الجذور التاريخية لهذا الإختبار السنوي لعام 1939 الذي باشرت به صحيفة داكنس نيهتر سنوياً ، ويتم الإعلان عنه في ذات الصحيفة مع تعميم ذلك على كافة مدارس المملكة، متضمنة الأسئلة موضوعات عامة تتعلق بالحروب والكوارث والشخصيات والأحداث وغيرها من الأمور التي عاشها العالم بشكل عام. وعادة ما تعتمد الإجابات على المعلومات العامة التي يتسلح بها من يرغب في الإجابة. لقد تبين من خلال ما ذكرته الصحيفة المذكورة بأن أغلب الفائزين وعلى مدى سنوات طويلة كانت حصة الفوز للذكور ، ولكن هذا العام سجلت النتائج طفرة تاريخية بأن نصف الفائزات هن من الأناث ولأول مرة منذ عام 1939. حيث بلغ عدد الفائزين من كلا الجنسين بالتساوي ، أي 11 فائز لكل منهما ، ومن ضمنهم الطالب بنيامين ، وذلك قياساً ومقارنة بما اوردته النتائج في القرن الماضي الذي كانت نسبته 96% للذكور و 59% للإناث. والحال الأسوأ  كان في العام 2003 حين كانت الفائزة الوحيدة بين الذكور فتاة واحدة فقط في السويد. وفي لقاء معها أعزت السبب بأن شكل الإختبار يدعم الذكور لكون الغالب من الأسئلة تتعلق بالكوارث والحروب التي تهم الذكور وتبتعد عنها الإناث ، إضافة للعديد من صور الرجال في صياغة الأسئلة ، وعادة ما تتراءى صور النساء في الدعايات فقط. ومما تجدر الإشارة اليه أيضاً بأن فوز الإناث حالفهن الحظ في دورتين على مستوى السويد وذلك عام 1987 وعام 1999.

ماذا يترتب من نتائج على هذا الإختبار؟
بعد أن تنتهي المدة المحددة للإجابات ، يكون الطلاب على أحر من الجمر وبتلهف شديد على استقبال إعلان النتائج ، لكون الفائز منهم سيحصل على امتيازات لم يحلم بها ، وتجعله بين أقرانه من يشار اليه بالبنان ، بما يتسلح به من معلومات عامة ، وليكون النموذج الحي في محيط مدرسته ومجتمعه ، وبالتالي ليعيش ذكريات التقييم والتثمين الذي ينتظره من ساعة الإحتفاء لإستلامه جائزته في محيط وقائع الإحتفال الخاص ، سواء في المدرسة التي هو فيها أو المحافظة ومن ثم في المركز الرئيسي الذي مقره في العاصمة ستوكهولم في اليوم العاشر من شهر ديسمبر الذائع الصيت والذي يصادف لقاء أبرز علماء العالم في يوم توزيع جوائز نوبل.
وتجدر الإشارة هنا ، بما أن الطالب الآشوري بنيامين شليمون الذي هو من أصل عراقي ، وحاصل على لقب أفضل طالب لهذا العام بمحافظة يونشوبينغ ، وأيضاً ومن ضمن العدد المحدد للفائزين على مستوى السويد ، كونه الوحيد الذي أجاب بين زملائه في صفه بالإجابة الصحيحة ، فإنه سيشارك في اليوم المذكور ، وستكون مكافأته مشمولة بما يلي:
* الحضور في قاعة توزيع جوائز نوبل يوم العاشر من ديسمبر.
* استلام جائزته من يد الملكة سيلفيا زوجة ملك السويد.  
* المشاركة بتناول وجبة الغذاء مع وزير التربية يان بيوركلوند.
* زيارة مبنى الكونسرت لتوزيع جوائز نوبل.



بقي لنا أن نشير بأن الجريدة المحلية الأوسع انتشاراً في محافظة يونشوبينغ ، وفي مقابلة مع الطالب المبدع أجاب وعلامات الخجل مرتسمة على محياه " لم أتوقع بأني سأفوز رغم قناعتي الإيجابية بما أدليت به " ، " كما وأني أشعر نوعاً ما بالقلق من خلال مشاركتي في الإحتفال ولكن حتماً سأكون ساراً وفرحاً " وقبل ذلك ستكون الفرحة بين افراد عائلتنا.
بدورنا نهنئ الطالب بنيامين على ما خزنه من معلومات عامة في ذهنه على مدى تسع سنوات من تواجده في السويد ، مؤهلة أياه لنيل هذا الفوز بين الآلاف من المتسابقين على مستوى دولة السويد ، آملين له النجاح الدائم في حياته الدراسية والتوفيق في حياته المستقبلية.  

  

172
الأزياء الآشورية تتحدث عن نفسها!

بقلم: ميخائيل ممو
عادة ما تقاس حضارة الأمم بآدابها وتراثها الخالد الذي تتناقله الأجيال عبر المراحل التاريخية ، سواءاً في الوطن الأم أو في الأوطان التي يأمّوها في بقاع الأرض التي تحتضنهم. ومن ذلك التراث الخالد تستشف تلك الاجيال بدقة ما يتراءى لهم ، وتستنشق منه رائحة تلك الأصالة المتوارثة عن الآباء والأجداد لتكون بمثابة الجذور التاريخية لفروع شجرة التراث بكافة أنواعه.
من هذا المنطلق تفضل كاتب السطور وأعلن قائلاً : ( أحد أقوى عناصر القومية في حياة الشعوب المنضوية تحت لواء التسميات القومية الخاصة هو التراث المشترك بين أبناء الشعب الواحد والموحّد ، وعلى أن يكون ذلك التراث مُجسّداً من خلال الموسيقى التقليدية ، الرقص الفلوكلوري ، المأكولات الشعبية ، الحكايات والأمثال ، وبالتالي الأزياء التي هي موضوعنا لمناسبة النشاط الثقافي الذي أزمع نادي بابيلون الآشوري بمدينة يونشوبينغ السويدية وأقدم على تنظيم عرضٍ تراثي للأزياء الآشورية التي لا زال استعمالها حياً ومتداولاً في المواطن الأصلية ، حيث أعلن عنه ولأول مرة بعنوان " عرض أزياء آشورية " في الساعة السابعة من مساء الأحد المصادف 21 آب 2011 في قاعة النادي.
كما وأن لهذه المناسبة دلالاتها بما تجسده العروض بالملابس التي لها كنهتها الرمزوية مثلما كان الحال للملوك الآشوريين في عهود تسنمهم السلطة في بلاد ما بين النهرين على مدى قرون طوال ، حيث كان لكل طبقة أزياؤها الخاصة كالجنود والنواطير والنساء وغيرها من الألبسة ذات الطابع المهني والتقليدي بدلالة ما احتوته متاحف الدول الكبرى من منحوتات ومخلفات الإمبراطورية الآشورية ).
هذه التقدمة المقتضبة أوحت لي أن أشيد بجهود السيدة يوليا جيري القادمة من عاصمة الضباب لندن ، لتشارك أبناء جلدتها في بلد الصقيع والثلوج السويد ، بما حاكته وخاطته أناملها من أزياء وقبعات وأحزمة واللواحق التي تُكمل هيبة الزي الآشوري المتفاوت الأشكال ، وبرونقهِ التليد المُطعم بالعتيد من الألوان الزاهية لملائمة الطبيعة وعصر الحداثة.
ما تجدر الإشارة اليه إن السيدة الطموحة والمثابرة يوليا جيري ذات الخبرة والتجربة في هذا المجال ، ومن خلال عروضها الشهيرة التي أقدمت عليها في لندن ومغنسط آلاف المشاهدين ، استطاعت في السويد أيضاً أن تجند من النساء والشابات والشباب ليثبتوا وجودهم من خلال تحليهم بتلك الأزياء التي قاربت العشرون زياً متمثلة بالرموز المتفاوتة المنقوشة والمطرزة على كل قطعة ، إبتداءاً من الرمز القومي للعلم الآشوري ، الملك والملكة ، الناطور والأسرة الملكية ، ومن ثم الطابع المتميز لكل قرية ومدينة معاصرة من شمال ما بين النهرين ولكافة الإنتماءات المذهبية لأكثر من عشرين منطقة سكنية والتي منها : نوهدرا ، القوش ، منكيش ، عقرة ، شقلاوة ، عنكاوا ، كرملش ، الخابور ، برطلة ، بغديدا ، ارموتا ، بحزاني ، كويسنجق ، والعشائرية كالتياريين وشمزدين وغيرها... بإضافة ما يتجاوز عدده ضعف ذلك.
ولكي نلقي الضوء على ما تضمنته فقرات برنامج العرض ، قبل ذلك شُنفت آذان الحضور بإغنية وطنية بجهود عضو الهيئة الإدارية السيد يونادم يونادم ، ومن ثم بوشر العرض على أنغام الموسيقى الخلفية الهادئة بزي العلم الآشوري الجذاب ، ليتبعه زي الناطور الملكي فالملك والملكة وزي البيت الملكي لتتوالى عروض الأزياء الأخرى في منتصف القاعة بين صفين من جمهور الحاضرين وعلى ضوء المناطق المُشار اليها أعلاه ، ليتخذ العارضون والعارضات فيما بعد المكان المخصص لهم بإعتلاء مسرح القاعة وقوفاً ، جنباً إلى جنب ، حيث كان يتقدم كل عرض وجود الطفلة الآشورية الشجاعة داريبيل بمعنى حامية أو حارسة الوطن ، وهي بدورها تحمل نموذجاً من صورة الزي لكل عرض. وفي الوقت ذاته صاحب العرض تعليقاً ايضاحياً وتعريفياً عن المناطق الخاصة بإرتداء واستعمال الزي بغية تزويد الحاضرين بمعلومات تُخفى عليهم ، وخاصة من الذين احتضنتهم ديار الغربة وهم بعيدون عن الوطن الأم.
بعد برنامج العرض الذي استغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة ، وبحضور جمع غفير من المهتمين من الأطفال والشباب والكبار من كلا الجنسين ، انبرت السيدة المصممة يوليا وشكرت الحضور على اهتمامهم وتعاون هيئة النادي على استقبالها بحفاوة كبيرة ، كما واجابت بصدر رحب على بعض الأسئلة فيما يتعلق ببعض الرموز الخاصة بالأزياء. ومن ثم تقديراً لجهودها قـُـدمت لها بإسم النادي هدية تذكارية مع التقاط العديد من الصور لمجموعة العارضين بصحبة المصممة والحاضرين الذين التفوا حولها شاكرين لها عل اتعابها.
كما وتجدر الإشارة بأنه قبل ذلك وفي بداية العرض كان قد حضر ممثلو جريدة يونشوبينغ المحلية وأعدت ريبوتاجاً خاصاً معها مع التقاط العديد من الصور وتم نشر ذلك في صباح اليوم التالي بعنوان " أزياء شعبية بألوان زاهية مفرحة ". وفي خاتمة المطاف لا يسعنا إلا أن ننشر لقطات من الواقع الذي عشناه في تلك الأمسية النادرة لتضاف الى الأرشيف التراثي.
 
 

174
يوم ذكرى الشهيد الآشوري بمدينة يونشوبينغ / السويد

على أثر اللجنة المُنبثقة من نادي بابيلون الآشوري وطورعابدين والأحزاب السياسية الآشورية بمدينة يونشوبينغ في السويد ، تم إحياء الذكرى الثامنة والسبعين ليوم الشهيد الآشوري مساء الأحد المصادف 7/8/2011 في قاعة نادي بابيلون ، وبحضور جمع غفير من أبناء شعبنا الآشوري بكافة انتماءاته المذهبية والتنظيمات الحزبية.
في البدء استهل الاحتفاء بالوقوف دقيقة صمت على ارواح الشهداء ، ثم رحبت السيدة رجاء زيتون بالحاضرين ليتقدم فيما بعد المطرب ولسن هرمز بصوته الجهوري المشوب بالحنين والأسى مفتتحاً الإحتفاء بترنيمة وطنية على أنغام عازف الأورغن الشاب الطموح وليم ياقو، لتتوالى بعد ذلك فقرات متنوعة من الكلمات والقصائد والأناشيد الخاصة بالمناسبة ، حيث اعتلى منصة الخطابة السيد ايليا ديري ليلقي كلمة موحدة بإسم الناديين ، مرحباً بالحضور وشاكراً لهم استجابتهم ومشاركتهم ، ومن ثم لينطلق مستذكراً المآسي والإضطهادات التي جعلت منظماتنا تحتفي بهذا اليوم التاريخي في كافة أرجاء المعمورة التي يتواجد فيها أبناء شعبنا ، مستلهماً طروحاته من أبشع الجرائم في الماضي التليد ومنها سيفو وسميل وصوريا...

ثم تفضل السيد ايلهان ديباسو عن محافظة يونشوبينغ وبإسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي ليلقي كلمة بالمناسبة ، تلاه السيد اسحق ايليا معاون مسؤول قاطع اسكندنافيا للحركة ـ زوعا بإلقاء كلمة موحدة بإسم التنظيمات السياسية المٌشارِكة. بعدها تفضل القس دانيال شمعون راعي كنيسة مريم العذراء لكنيسة المشرق الاشورية واسترسل في كلمة ارتجالية قيمة مستذكراً فيها قيم ومعاني الشهادة. كما وكان لدوي أصوات أعضاء فرقة طور عابدين للإنشاد دورها الفاعل في إداء انشودة تراثية وطنية. كما تم عرض فلم وثائقي عن مذابح سيفو صيغت محتوياته بجهود السيد صبري عثمان القادم من هولندا وليلقي الأضواء على المجازر الدموية التي قامت بها تركيا وعانى منها شعبنا المسالم ، مختتماً حديثه عن دور مركز سيفو الذي يتولى مسؤوليته لإيصال صوت شعبنا الى بقية الدول.
 
ولأجل بث روح الوعي من خلال الغناء الوطني والتراثي عاد المطرب ولسن وشنف آذان السامعين بترنيمة " رعوش جوَنقا " أي " استيقظ أيها الشاب " ، وعلى شاكلتها صدحت فرقة طورعابدبن الإنشودة الوطنية " بيت نهرين أتريويت " أي " وطني بين النهرين ".

وفي مجال الشعر شارك البعض ممن استلهموا مضامين قصائدهم من الأحداث المأساوية بأوصاف وصور وأخيلة متفاوتة وهم السادة جورج شنكو ، شموئيل ياقو ، خوشابا يونان ، جورج ارخوان والسيدة إيليشوا كوركيس.

وفي خاتمة برنامج الإحتفاء تقدمت فرقة إنشاد نادي طورعابدبن وتألقت بإدائها المؤثر وأنشدت نشيد " دشتا دبعقوبة ". وفي نهاية المطاف الفكري والروحي والتثقيفي تم احتساء القهوة والشاي على أرواح الشهداء.



176
مؤتمر اللغة الآشورية الرابع في السويد

موقع اللغة الآشورية التابع رسمياً لوزارة التربية السويدية ( ادارة شؤون المدارس ) سيعقد مؤتمره السنوي الرابع بتاريخ 2ـ 3 من شهر ايار 2011 بمدينة نورشوبينغ   
(   Marieborgs kursgård i Norrköping   )
متضمناً العديد من المحاضرات والموضوعات المستحدثة للخطة الدراسية الجديدة لتلاميذ المدرسة الابتداية والمتوسطة والثانوية بمشاركة العديد من المحاضرين من ذوي الإختصاص في المجال التربوي والتعليمي باللهجتين الشرقية والغربية ، إضافة لمسؤولين سويديين  ومن بينهم الأساتذة التالية اسماءهم:
ـ الأستاذ ماتس وينرهولم من وزارة التربية ومشرف المواقع اللغوية / يتحدث عن قوانين خطط العمل المستحدثة بشكل عام.
ـ الأستاذ مورتن لارسون / مدير شعبة اللغات الأجنبية بمحافظة لينشوبينغ / يتحدث عن سياسة المحافظة لتعليم اللغات الأم.
ـ د. عبد المسيح السعدي / استاذ جامعي من امريكا / يتحدث عن عملية التطوير اللغوي باللهجة الغربية.
ـ الأستاذ زكي جيري ـ طالب دكتوراه في جامعة اوبسالا ، السويد / يتحدث عن اللغة الأشورية وعلاقتها باللغة الأكدية والآرامية وباللهجة الشرقية.
ـ الأستاذ ميخائيل ممو / مدرس واديب معاصر / يتحدث عن أحدث اساليب تعليم اللغة الآشورية باللهجة الشرقية.
ـ الأستاذ بولص دنخا / مدرس وكاتب معاصر / يتحدث عن اللغة الآشورية الفصحى باللهجة الشرقية.
ـ الأستاذ اشور عوديشو / مدرس وشاعر / يتحدث عن دور القصة في عملية التدريس باللهجة الشرقية.
لذا نهيب بمعلمي اللغة الآشورية / السريانية الإطلاع على برنامج المؤتمر ودعوة التسجيل في الرابطين التاليين:
www.modersmal.skolverket.se/assyriska
http://modersmal.skolverket.se/assyriska/images/stories/assyriska/filer/pdf/Dagordning-_assyriska-syriska_konferensen_2011.pdf
http://modersmal.skolverket.se/syriska/images/stories/syriska/Simon/Inbjudan__Information.pdf
وللمزيد من المعلومات الاتصال بالأشخاص المدونة اسماءهم أدناه ، علماً بأن آخر موعد للتسجيل هو 26 نيسان 2011.
marten.larsson@linkoping.se
pauls@nohadra.com Pauls Dinka 0707487601
mammoo20@hotmail.com Michael Mammoo 0707154651
achourodicho@yahoo.se Achour Odicho 0737742537
ephraim.caan@linkoping.se Ephraim Caan 0702-17 42 74 
barmano@bredband.net Simon Barmano 0707397076


177
قراءة في المنهج التعليمي " براعم اللغة الآشورية " للأستاذ يوآرش هيدو وألأستاذة جوان ريحانا

بقلم : ميخائيل ممو
mammoo20@hotmail.com

مما لا شك فيه ¡ إن الظروف القاسية والأحداث المريرة المؤلمة تدع الإنسان أن يبحث له عن مخرج من هول نتائجها السلبية قبل أن يتضاعف مردودها على من يؤمن بالحياة الحرة الكريمة. وفي حقب متفاوتة من تاريخ الشعب الآشوري عاش الآشوريون حياة مليئة بالمآسي والأحزان مطعمة بالتهديدات على محو وجودهم بإنتزاع هويتهم بشهادة المظالم والإنتهاكات والمذابح التي تعرضوا لها منذ اطلالة مجدهم ونفوذهم لحد يومنا هذا. ولهذا تجدهم يطرقون أبواب الهجرة ليحافظوا على كيانهم ووجودهم القومي إسوة بالشعوب التي لها نظرة انسانية بتقييم الإنسان مهما كان لونه وجنسه. وبغية الحفاظ على الوجود القومي والاثني لا محالة لتلك الشعوب التي تنتهك حقوقها من أحياء ثقافاتها وتراثها وتقاليدها ¡ وكل ذلك لا يتأتي الى حيز الوجود والتنفيذ إلا من خلال اللغة التي نشأوا عليها وتعلموا بها وتثقفوا بواسطتها بتجسيد مشاعرهم والتعبير عن أحاسيسهم في السراء والضراء ¡ قراءةً وكتابةً وتعاملاً .

من هذا المنطلق نجد أن المسؤولية الكبرى في المجال اللغوي تقع على عاتق الوالدين في النشأة البيتية الأولى¡ ومن ثم المدرسة التي ينطلق اليها الفرد ليتعايش مع العالم الخارجي ¡ وبالتالي دور الإعلام المرئي والسمعي والمقروء من الصحف والمجلات ومختلف الكتب. وبما أن الكتاب لا زال بمثابة خير صديق للإنسان ¡ رغم التطور التقني الذي انتزع بعضاً من حيويته وقـلـّـل من أهمية طباعته ¡ سيظل ذلك الصاحب الصامت والأمين المرافق للفرد ¡ طالما تحتم فاعليته مقاعد الدراسة منذ الصغر لعملية التعليم والتثقيف لحياة مستقبلية .

وهنا يكمن التساؤل والإستغراب كيف بالذين تقذف بهم أمواج الهجرة في البلدان الغريبة عليهم وبلغات مغايرة لما يجسد مشاعرهم من عملية التواصل والتعبير السليم! حتماً تضطرهم الحياة الجديدة بأن يكونوا مزدوجي اللغة أي ثنائي اللغة متمثلة باللغة الأم واللغة الجديدة عليهم ¡ فتكون اللغة الحديثة الرئيسية لمتعلميها كونها لغة التعليم الأساسية والتعامل اليومي في تلك البلدان ¡ لتظل اللغة الأم بمثابة اللغة الثانية أو الثانوية لإقتصارها على محيط ضيق ¡ المتمثل في الجو العائلي بالنسبة للطفل والشبيبة ¡ بالرغم من أنها تشكل الهوية الأصلية في الإنتماء القومي .

من أجل تجاوز الإشكالات والسلبيات المتحتمة على أجيال المستقبل في ديار الإغتراب ¡ وبشكل خاص من عملية الإنصهار في المجتمعات الجديدة ¡ ينبغي والحالة هذه أن تدق نواقيس الخطر وتعلن نصائح الحذر قبل فوات الأوان. وهنا يطرح السؤال نفسه: على من تقع مسؤولية ذلك¿ ومن الذي ينبغي عليه أن يولي اهتماماً لشحذ الهمم وتنفيذ ما يستوجب اتخاذه من إجراءات وحلول لتجاوز تلك الإشكالات والسلبيات¿
عادة ما تتفاوت الآراء عن وضع الحلول الصائبة ¡ ليقول البعض إن ذلك من واجب ادارات الكنائس ¡ والبعض الآخر يُحَمّل المسؤولية على التنظيمات الحزبية ¡ وعلى الهيئات والمؤسسات الإجتماعية والثقافية أو من ذوي الأموال بغية دعم وتمويل مشروع العملية التعليمية ¡ ناهيك عن مهمة اللغويين والأدباء والكتاب والشعراء كون مهمتهم الرئيسية والفاعلة هي تقليم الشجرة التي يتم بذر بذورها في تشكيل المجموعات التي تنوي التعليم والمدارس التي يتم تأسيسها. وفي الوقت الذي لا يتم بذر تلك البذور بشكل رسمي ومنتظم يعمد العديد من الأفراد في الإعتماد على أنفسهم بوضع وتأليف المناهج التعليمية المبسطة ¡ عسى ولعل أن تحظى بمن يوليها اهتماماً بشكل شخصي بدوافع الحرص والشعور بالمسؤولية التاريخية في حياة المجتمع الذي ينضوي تحت لواء عاداته وتقاليده وتطلعاته للحفاظ على وجوده .


ألأستاذ يوآرش هيدو وألأستاذة جوآن يوسب ريحانا مؤلفا ألمنهج

إن التقدمة المقتضبة ـ نوعاً ما ـ أعلاه لم تكن حصراً على الإشكالات الآنفة الذكر بقدر ما هي عن الأفراد المعدودين من المهتمين في ديار غربة أبناء شعبنا الآشوري بإقدامهم على جعل تطلعاتهم وامكاناتهم حيز التنفيذ بحكم درايتهم ووعيهم عن واقع الحال.  ومن أولئك المعدودين الذين حرصوا على أهمية لغتنا بكتاباته القيمة رغم معاناته الدائمة في الوطن الأم وديار الهجرة نشيد بجهود الأستاذ الفاضل يوآرش هيدو ( بكالوريوس أدب انكليزي ) الذي زاملنا قبل أكثر من ثلاثة عقود في هيئة تحرير مجلة " المثقف الآثوري " الصادرة في وقتها عن أبرز نادٍ آشوري في بغداد والعراق قاطبة ¡ ليلتقي في شيكاغو بحكم ودافع اهتماماته الأدبية بالسيدة الأكاديمية جؤان يوسف ريحانا التي كانت هي الأخرى تلك الناشطة القومية في الهيئات الإدارية المتتالية للنادي المذكور وعلى مدى سنوات طوال. نعم ليلتقيا من خلال نشاطهما الثقافي والتعليمي في المجلس القومي الآشوري بولاية الينويس ¡ ويبذلا جهداً كبيراً بإقدامهما على تأليف الجزء الأول من منهج تعليمي رصين للمبتدئين بمحتوىً شامل لعملية تعليم مبادئ اللغة الآشورية والموسوم " براعم اللغة الآثورية " مع شرح وإيضاح باللغة الإنكليزية ¡ ليتيسر الأمر على المتعلمين المغتربين والأجيال الشبابية من فهم ومعرفة ما يهدف اليه المؤلفان . ومما زاد من موضوعية الكتاب الطريقة الإخراجية في عملية تبويب الموضوعات وطباعة الحروف الألكترونية المقروءة بوضوح إضافة للعديد من الصور التراثية التي تدع المتعلم يتأمل عطاءات أسلافه ¡ كما وساهم د. إيشو مرقس سنحاريب من منطلق تجاربه التقنية على تصميم الغلاف ¡ حيث كان هو الآخر من بين الذين ساهموا  على دعم نشاطات النادي ومجلة المثقف الآثوري الآنفة الذكر .


ألمنهج ألتعليمي لمباديء أللغة  ( برعم أللغة ألآشورية )

باشر المؤلفان في بداية هذا المنهج بمقدمة ممهدة للقارئ بالإنكليزية كمدخل له لمعرفة بعض الإرشادات الخاصة بمحتوى مميزات اللغة الآشورية من حيث النطق والكتابة الصحيحة على ربط الحروف ببعضها وأهمية حروف العلة والحركات وتلك الأصوات التي لا شبيه لها في الأبجدية اللاتينية¡ وغيرها من  الملاحظات المحصورة في اثنتي عشرة نقطة أيضاحية .

إن هذا المنهج التعليمي المبني على أسس تربوية حديثة ¡ لا يقل شأناً عن المناهج الأجنبية التي اعتاد عليها المتعلمون في البلدان المتقدمة بإعتماد الطريقة الصوتية المقطعية بتجزءة وتحليل المقاطع الهجائية الصوتية للمفردات ليعيد تركيبها ثانية موصولة الحروف دفعة واحدة لتأليف الكلمات ثم الجمل القصيرة ¡ بمراعاة عملية لفظها والإشارة لأصواتها المقطعية بالحرف اللاتيني وشرح معانيها ليسهل على القارئ المتعلم ادراكها واستيعابها والتركيز عليها .

وعلينا أن لا ننسى بأن الطريقة المستعملة تندرج تحت طريقتي تعليم القراءة المعروفة بالتركيبة ¡ كونها تبدأ بالجزئيات التي هي الحروف الأبجدية بأسمائها أو بأصواتها مثلما أشرنا بدءاً بالحروف فالمقاطع الصوتية والمفردات ثم تركيب الجمل ¡ أي من أصغر الوحدات المتيسرة إنتقالاً إلى الأكبر منها المتمثلة بالجمل وما تليها من عبارات قصيرة ¡ تمهيداً لمحاولة قراءة النصوص المطولة نوعاً ما .

وعن طريقة استعراض الموضوعات اعتمد المؤلفان الإسلوب التدريجي في الوصول إلى تراكيب الجمل والفقرات أو النصوص القصيرة فالطويلة مؤطرة ببعض القوانين النحوية المبسطة للمبتدئين المناسبة لمداركهم  كإستعمال الضمائر وحروف الجر بالشكل الصحيح .

ومتى ما تصفحت الكتاب لوجدته مقسماً على خمسة فصول أو أبواب متفاوتة رغم حصر دروسه في ثلاثة وعشرين درساً ¡ مفصلاً أياها وفق ما يلي:
1. إحتواء القسم الأول على ثماني دروس محصورة من الصفحة 16 لحد الصفحة 58 بحصرها على اسماء واصوات الحروف ومن ثم مصاحبة الحركات لها بتحليل الكلمة مقطعياً ومن ثم تركيبها .

2. إحتواء القسم الثاني على الدرس التاسع لحد الرابع عشر ¡ إبتداءً من الصفحة 59 لغاية الصفحة 89 ¡ بحصر محتواها على العلامات الفارقة واستعمالات بعض القوانين الكتابية واللفظية والإشارات الرمزية كعلامات نقاظ الحروف اللينة (المركخة) وعلامة الجمع ( السيامِـه) والخُطيط المائل المعروف بإسم " مبطلانا / تلقانا " أي المُبطل للفظ الحرف المذكور في الكلمة ¡ إضافة لمبادئ أولية مبسطة عن أهمية الإلتزام بالقواعد من خلال الضمائر وتصريف أزمنة الأفعال .

3. إحتواء القسم الثالث على الدرس الخامس عشر لغاية الدرس الثالث والعشرين ¡ من الصفحة 90 لحد 125 ¡ متضمناً عشرة نصوص للقراءة مع شرح للمفردات الصعبة وفي نهاية كل نص مجموعة من الأسئلة عن مضمون الدروس .

4. القسم الرابع والمحصور بين الصفحة 127 الى 140 عكف المؤلفان على تدوين كافة الإجابات على الأسئلة الواردة في الكتاب. وكما يبدو عَمِـدا من ذلك تسهيل فكرة التأكد من الحلول الصحيحة للتمارين ليراجعها المتعلم ¡ وبشكل خاص للمتعلمين الذين يعتمدون على أنفسهم في تناول الكتاب .

5. أما القسم الخامس والأخير من الصفحة 141 لحد 157 تضمن جدولاً أبجدياً  متسلسلاً بشرح معاني الكلمات الصعبة باللغة الإنكليزية ¡ إضافة للفظ المفردة الآشورية بالخط اللاتيني والمقطع الصوتي أي الطريقة المألوفة بالكرشوني المَعني منها أن يُكتب لفظ الكلمة الأصلية بحروف أبجدية أخرى .
  
بقي أن نـُعلم القارئ الكريم بأن الهدف الرئيسي من منهج " براعم اللغة الآثورية " هو أ يتوصل المتعلم لما يلي:
ـ  قراءة  العبارات المختلفة بسهولة.
ـ  أن يتمكن من كتابة الجمل والعبارات والرسائل بشكل صحيح.
ـ  أن يتحدث باللغة الآثورية السوادية المتداولة بالشكل السليم.
ـ  أن يكون مُـلماً بمقارنة لهجة الحديث السوادية بلهجة الكتابة.
ـ  أن يكون متمكناً بمهارة على ترجمة الجمل والعبارات البسيطة.
ـ  ليتمكنوا من تعليم الصغار اللغة الآثورية مستقبلاً.

ولكي نكون منصفين في تقييمنا للكتاب لا بد من إيراد بعض الملاحظات التي قد تفوت غالباً على المؤلفين قاطبة مهما كان مستواهم اللغوي ودرجة وعيهم  ووسع خبراتهم في عملية التأليف. كما وإن ملاحظاتنا التي سنأتي على ذكرها أن لا تؤخذ من باب الإنتقاص بالمُؤَلـَف بقدر ما هو التنويه لبعض الهفوات الغير متعمدة ¡ وذلك بغية تلافي وتجاوز تلك الهفوات في الطبعات القادمة .

من المآخذ على الكتاب انعدام عملية التشويق في حفظ واستيعاب حروف الأبجدية  ¡ حيث كان من الأجدر أن تتنوع دروس تعليمها بشكل أوسع وعن طريق دعمها بالعديد من التمارين المشوقة المدعمة بالصور. وكذلك فيما يتعلق بالصور الإيضاحية عن ندرتها في الدروس الأولى من الكتاب لتتماشى مع معاني بعض المفردات الهادفة ¡ كونها من العوامل النفسية والتربوية التعليمية المساعدة لدعم التعلم ¡ لكي يكون المنهج في الوقت ذاته ملائماً للمتقدمين في العمر ـ نوعاً ما ـ من الصغار .

ومن جانب آخر فيما يتعلق بإدراج العديد من المفردات غير المألوفة في الإستعمال والتداول اليومي ¡ حيث كان من الأفضل تعويضها بما هو مألوف للمتعلم ومنها على سبيل المثال :
" ܣܵܢܐܹ̈ܐ ¡ ܡܹܐܣܵܪܬܵܐ ¡ ܚܘܼܛܪܵܐ¡ ܝܲܕܥܵܬܼܵܐ¡ ܣܸܕܩܵܐ¡ ܬܵܘܣܲܦܬܵܐ¡ ܣܝܼܦܵܐ¡ ܩܵܐܲܪ¡ ܬܸܗܡܵܐ¡ ܐܲܟܼܚܕܵܐܝܼܬ¡ ܣܘܼܘܵܕܵܐ¡ ܩܲܪܩܘܼܪܵܐ¡ ܟܘܿܬܝܼܢܵܐ ܘܫܲܪܟܵܐ...". بالرغم من شرح معناها.
كما لا يخفى على الزميل يؤارش وهو المتمكن من اللغة الى درجة كبيرة أن لا نعقد العملية التعليمية وخاصة في حقل الكتابة حين يستعمل حرف الألف المصغر فوق أو على الحباص ( ܝܼ  =  خواصا ) مثلما نكتب اسم  ايشوع " ܝܑܼܫܘܿܥ " ونقيس ذلك بالعربية ¡ طالما الحباص في أفعال الكينونة للشخص الأول والثاني والثالث المفرد والجمع للمذكر والمؤنث يعطينا ذات الصوت في أثناء لفظ الإضافة بإستثناء حالة التأكيد ¡ حيث كان من الأفضل أن لا يتم استعمال " ܝܑܼܠܹܗ ¡ ܝܑܼـܠܵܗܿ ¡ ܝܑܼܘܸܬ ¡ ܝܑܼـܢܵܐ ¡ ܝܑܼـܘܲܚ ¡ ܝܑܼـܬܘܿܢ ...." والإقتصار على حذف الألف المُصغرة ¡ كونها تضاف للأسماء مثلما نقول : "ܐܝܼܕܵܐ¡ ܐܝܼܠܵܢܵܐ¡ ܐܝܼܣܵܪܵܐ¡ ܐܝܼܬܝܼܩܘܿܢ ܘܫܲܪܟܵܐ " كما هي الحال في حركة " رواخا =  " و " رواصا =  " مثل : " ܐܘܿܪܗܵܝ ¡ ܐܘܿܝܡܵܐ / ܐܘܼܡܬܵܐ ¡ ܐܘܼܦܩܵܐ ". كما وتم استدراك بعض أفعال الكينونة في بعض الجمل ومنها على سبيل المثال ما ورد في  الصفحة المرقمة  98 و 100  وصفحات أخرى وكتابتها بهذا الشكل " ܝܠܹܗ ܘ ܝܼܠܹܗ " بدلاً من " ܝܑܼـܠܹܗ". وهنا حتماً سيتساءل المتعلم أيهما الأصح ¿ وبأي شكل سيتم كتابتها¿ رغم طغيان الحالة المصاحبة بالألف المصغرة في الكتاب والتي سيتصورها المتعلم هي الأصح والأسلم ¡ ونحن ننوي تسهيل الأمور عليه في عملية التعليم .
 
وفي الختام لا يسعني إلا أن أثني بجهود الأستاذ يؤارش هيدو والإستاذة جؤان على العمل الطوعي الذي أقدما عليه لإتحاف مكتبة المناهج التعليمية النادرة بلغتنا المعاصرة ¡ آملاً منهما المزيد من النتاجات ليكونا نموذجاً ومثالاً حياً في احياء لغتنا لإستمرارية إثبات وجودنا ¡ وللذين يكبتون قدراتهم في دهاليز مظلمة دون أن يحركوا ساكناً .

كما وأشيد بالجهود الفردية المضنية لمن سبقهم في هذا المجال في عدة دول ¡ ليعلم القارئ عن إشارتنا لهم بالمعدودين أمثال الأدباء الراحلين الطيبي الذكر ومن بينهم المرحوم كورش بنيامين من ايران والمرحوم كيوركيس بنيامين دأشيتا من العراق ¡ ومن حذا حذوهم من الإخوة الأب شليمون أيشو من العراق ¡ وفريدون درمو وجاكوب ميرزا وأنور عتو من استراليا ¡ وكيوركيس طوبيا وهيدو هيدو من أمريكا ¡ والزميل بولص دنخا من السويد ¡ كما وأخص بالذكر أيضاً الأب شموئيل دنخا من امريكا وعوديشو ملكو من العراق وهرمز جودو من استراليا لتناولهم الجانب الهام من قواعد ونحو اللغة الآشورية ¡ إضافة  لذلك نشيد بجهود الهيئة الإدارية للمجلس القومي الآشوري في شيكاغو / الينويس برئاسة الزميل شيبا مندو لتوليهم مهمة طبع المنهج التعليمي المذكور على نفقة المجلس لخدمة المتعلمين واتحاف المكتبة الآشورية ¡ مع إعتذاري للذين ساهموا في هذا المجال ولم تتوفر لدينا أعمالهم

178
هنري بدروس وفشله بفهم مشاعر روّاد الشعور القومي

بقلم : ميخائيل ممو / السويد

في البدء أود القول بأنه نادراً ما أمسك بالقلم بغية الرد على العديد من المداخلات التي تتناول كتاباتي الأدبية في مجال الشعر والنثر ، رغم خلو البعض منها من عناصر وأسس النقد الأدبي والعلمي السليم والقويم. وبما أن الأخ هنري بدروس يتطاول دائماً بإستفزاز شديد اللهجة ، وبإسلوب رفض أفكار الآخرين ممن يتناولوا موضوعات تاريخية ولغوية وفكرية ذات صلة بوجود شعبنا المتفاوت التسميات ، كونها تتعارض وتطلعاته الخاصة ، وجدت إن الفرصة مؤاتية لأدلو بدلوي عما كتبه من تعليقات على مقالتي المنشورة في العديد من المواقع بعنوان " رُسُل الأدب وروّاد الشعور القومي أحياء في قلوبنا " والخاصة بالذكرى السنوية للملفان نعوم فائق ، لأقول له:
يزيدني فخراً بأنك تمسك المقلاع بيدك لترمي بحجارتك تلك الشجرة المثمرة التي لا يمكنك النيل من ثمارها لتسقطها على الأرض علـّك تقتنيها دون تأملك بأنها ممرغة في التراب لتدعها جانباً ، وتعيد الكرة ذاتها مرات ومرات دون جدوى ، متناسياً من أنك تزيد من زهو عطائها والتخفيف من ثقل حملها لتمنحك ثماراً أينع وأنفع .
ومن ناحية أخرى أجدك ولمرات عديدة تخوض غمار التسمية الآشورية والسريانية والآرامية بأيهما الأصح ؟ وبأيهما الأقدم ؟ وبأيهما الرسمية؟ وبأيهما هي لغة الشعب؟ ووو ... لتتوقف في تساؤلاتك متمركزاً بعبارة أيهما الأصح والأكثر شرعية؟
وهنا تعود بي لتذكرني بمقولة أيهما الأصل البيضة أم الدجاجة؟ وبالعبارة المتعارف عليها " هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟ " وربما تجيبني لا هذه ولا تلك ، أو أن تقترح بما يحلو لك. كما ولا يغفل عليك إن كنت من المؤمنين أن تجيبني بما شاء للرب في خلقه.
أظنك دوماً بأنك لا تستنكر مواقفي فيما أذهب اليه من حيث النعت اللغوي ، كونك تعلم جيداً وعلى دراية تامة بما أؤمن به ، ربما من خلال كتاباتي الأدبية أو أحاديثنا الصوتية التي عفى عليها الزمن دون أن نصل الى قناعة ورضى بما نرمي اليه ، وكأنما نتراوح في دائرة مقفلة لنستخلص فلسفة من خلق الخالق، وبالتالي لنستنجد ونتعض بالنصوص الميثولوجية المتمثلة بتلك الأساطير التي ارتقت بالعقل والفكر الإنساني في العصور الأولى من التاريخ البشري ، لنلحق بها ونحلق بما توالى من أفكار واجتهادات المحدثين المعتمدين من الفلاسفة والمبشرين الذين يدلون بدلوهم فيما هم ذاهبون اليه لغاية في نفس يعقوب.
ومما يسرني هنا أن احيي فيك روح منهجية البحث العلمي والإستقراء الزماني والمكاني ، ولكن عليك أن تعلم وكما تشير عن اسلوب المنهج العلمي في مدلولاتك أن لا تنس بأن المنهج العلمي مفاده عملية تنظيمية بطرق واساليب ذهنية وحسية متفاوتة مستندة ومستمدة من وقائع مادية ومعنوية تتحكم بها الأحداث المتوالية ، وما تبرهن عليه اليوم قد ينكشف سره غداً وبالعكس ، ولهذا تجد العديد من الباحثين واللغويين تختلف رؤاهم من جراء الاستكشافات والدراسات المتوالية وما تمليه عليهم أحداث العصر التقني الدقيق. وليكن في علمك ، أنا شخصياً لست ممن يتزمت ويتعنت بما تتوقعه في كتاباتي ، ولكن هذا هو ايماني وقناعتي وتصوري التي استمدها جميعاً من نشأتي ودراستي وتواصلي ، وكما هو أنت عليه ، وفيما إذا كنت قد رضعت حليب طفولتك من أم آشورية وأب آشوري لكنت قد التزمت بذات الموقف في تسمية لغتك الأم التي اعتز بها وانعتها بالاشورية لترادفها السريانية ، ولكن أقولها لك صراحة ، آه وألف آه على أحداث الزمن والوقائع اليائسة البائسة التي أردتنا في وديان متفاوتة فرقتنا وابعدتنا عن بعضنا كشعب واحد ينحدر من ذات الأرومة ـ إذا صح التعبير بنظرك ـ لتجعلنا نقدس أهواء مفسدينا ونركع أمامهم ، لنتشبث بتسميات مختلفة ومفرقة , ولنغير رموز حروفنا والفاظها لنتناسى بأن اللغة الموَحَدة هي التي توحّد أبناء الشعب الواحد من المنضوين تحت راية التسمية القومية الأصيلة لا الدخيلة والمحرفة لأسباب خارج نطاق ارادتنا ، وبشكل خاص من الغرباء الذين لا صلة لهم بوجودنا القومي أو الإثني ، وأكبر دليل على ذلك تحريف مفردة " اسيريان " الى " سيريَن " أو " سريان " وغيرها من الإشتقاقات الصرفية المتقاطرة التي سنأتي على ذكرها ، وأنت على معرفة تامة ماذا اعني بذلك. كما ولا تنس بأن مناشداتك التي تتطاول بها لتزييف الواقع بإعتمادك بعض المصادر ومعتمديها والإشارة لتحليلاتهم واستنتاجاتهم ، لا يغرب عن بالك بأن هناك أيضاً من يدحضها ويرفضها ويدعها في خبر كان. فلماذا يجوز لك بما تذهب اليه ولا يجوز لغيرك من الذين يعتمدون الفريق الثاني المخالف لرأيك. ولا اريد هنا أن أخوض في معامع وغمائم تكثيف التحويرات الحرفية من جراء قياس السفسطة التمويهية والنطق / اللفظ الأجنبي الذي أوصلنا لهذا اليوم لنكون لقمة سائغة في أفواه من سلبونا حضارتنا وانتزعوا هويتنا واستمدوا منها كل ما جعلهم أعلى شأناً وأرقي تمدناً وأبرز وجوداً.
أما أن تقلل من شأن شهيد اللغة السريانية والوجود القومي الآشوري/ الآثوري والسرياني ( لكي لا تغضب علينا) الملفان نعوم فائق ، كونه قد حاد في بعض مواقفه التي تنعته بها ـ وفق رأيك ـ فهذه مشكلتك لوحدك ولمن ينهج نهجك. أما إن كنت قد امعنت البصر بما عمدته في مقالتي لكنت قد أشدت بفحواها المقصود ، ولكن يبدو عليك أنك انجرفت في تيار حساسية حاستك السادسة الخاصة بالتسمية اللغوية الآشورية فقط والناطقين بها ، ورحت تدون ما يحلو لك لتولج الحبل الغليظ في ثقب الإبرة بمحاولات يائسة ، اللهم إلا إذا فتت وعزلت خيوط التركيب منفردة ، وهذا ما يتطلب منك جهداً بالغ الأهمية لتصيب الهدف المنشود.
وفي نهايات اسطرك المتناثرة تحثني للإجابة على اسئلة لا تخصني ، وتحملني وزر ثقلك حين تقول: ما هو اسم لغتنا؟ واسمها العلمي والتاريخي؟ وهل يوجد سريان اراميون لغتهم الأم السريانية واشوريون لغتهم الأم الاشورية؟
اجابتي ادونها بإقتضاب ومفادها هو: كيف تريدني أن اجيبك وانت لا تعترف بوجودك الاشوري الذي تتنكر له ، بالرغم من أن وجودك هو امتداد لتلك الحقب التاريخية والحلقات المتواصلة من أبناء أكد وبابل وآشور؟  وكيف تريدني أن ادبج لك تسمية لا تعترف بها رغم تأييد العديد من المؤرخين واللغويين لها  ومن جنسيات متفاوتة؟ وأنت على علم بكتاباتهم. وإذا كان هدفك من صيغة سؤالك الثالث أن اجيبك بنعم أو لا ، فهذه مشكلتك أيضاً ، وبكلا الإجابتين سوف لا تقتنع ، لكونك تقول بأنك سرياني آرامي فلا أعلم ما هي لغتك أهي سريانية أم آرامية؟ أم العكس؟! أم أنك مزدوج المواطنة في الإنتماء القومي واللغوي. وكما تعلم ليس من عادتي وطبيعتي أن أقطر لك التسميات على شكل قاطرات متفاوتة التركيب لا تستوعبها السكة القومية المُوحَدَة والمُوَحِدة بطولها المتوازي التواصل. ولماذا يجوز لك التركيب اللغوي السريانية/ الآرامية أو الآرامية/ السريانية ولا يجوز لنا الآشورية/السريانية علماً بأن السريانية هي تحوير واشتقاق ومرادف للآشورية .
أظنك على علم بأنني نادراً ما أرد أو أجيب على مداخلات لا طائل منها ـ كما أشرتُ في البدء ـ لتردينا في متاهات أنا في غنىً عنها.  وبما أنك اعتدت أن ترمي بسموم سهمك في جسد تسمية اللغة الآشورية ، ولكن  هذه المرة بشكل مغاير ، لذلك آليت على نفسي أن أجيبك بما قل ودل ، وبما هو غيض من فيض لكي لا تتصور بأن المناورة فاشلة حسب تصورك ، آملاً أن تقرأ الموضوع بإمعان لتصيب الجوهر بعين ثاقبة علك تتجنب الشكليات التي توردها.  ورغم كل ذلك أنني لم أتناول وأرد على كل ما دونته عن شهيد الحرف والصحافة الآشورية (عفواً السريانية لتقتنع نوعاً ما) التي حمل رايتها الى جانب الشهيد آشور يوسف وغيرهم في عهد ولادتها بين مظالم واضطهادات نشوء النهضة القومية لإثبات الوجود القومي الذي تؤمن به كما يؤمن به غيرك ممن لهم قناعات بشرعية هويتهم القومية رغم تفاوت انتماءاتهم المذهبية. ومن آمنوا بذلك الوجود في حينها ليلقوا ما لاقوه من ظلم وانتهاك وتشريد ، وبالتالي ليتمجد المشردون من بني جلدتنا وبشكل خاص من بني آشور الذين راجعوا التاريخ ووعوا ما لحق بمن تقدمهم من أسلافهم ، لينبروا بمواجهة التاريخ الحديث بإسلوب تقره المنظمات العالمية لتقرير مصير الشعوب بتأسيس تنظيماتهم السياسية والقومية والثقافية متمثلة بالطليعة الواعية التي ضحت بحياتها على مذبح الحرية لنيل حقوقها القومية من أجلي وأجلك ومن أجل من كان يقبع في الدهاليز الحالكة. أوليست تلك التنظيمات هي التي جعلتهم يبصرون بريق الأمل ونور الوعي ليعوا وجودهم؟ ومن المؤسف قوله ما أن اشتد عود البعض منهم بمراوغات الزيف والخداع والمصالح الشخصية لإرضاء أسيادهم الطامعين عادوا وتمثلوا بشجاعة تلك الصفات السلبية المؤلمة والآنفة الذكر, حالهم حال من وصفهم الشاعر بقوله:
 
اعلمه الرماية كل يـوم     فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي    فلما قـال قافية هـجــاني

ومن ثم لينبري المخلصون والواعون والمدركون والمؤمنون ممن تسلحوا بسلاح  العلم والمعرفة والوعي القومي ليرددوا مقولة الشاعر التي يقول فيها:
مـا نـالَ أهْـلُ الجاهـلـِـيـّة كــلهُـمْ     شِعْري ولا سمعتْ بسحري بابِلُ
وإذا أتـَتـكَ مَـذمّـتـي من نَـاقِـص     فَهيَ الشـهــادَة لي بــأنـي كامِــلُ

آملاً أن لا تستحوذك اشواك الشك بما يعنيه ويهدف اليه مضمون البيتين الشعري ، كونك من الذين تلهث في سعيك لنيل المعرفة بشكل أكاديمي ، عسى ولعل أن تصيب الحقيقة المنشودة في يوم ما ، طالما ما فتأت تطرق أبواب التمحيص والتدقيق والإستنتاج بدأب متواصل وحرص شديد.
بقي أن أقول لك: إذن كيف تريدنا أن نبني برجنا العاجي الكبير والمشترك ، ونعيد مجد أجيال أجدادنا القدامى ومواقف آبائنا وشبابنا من أحداث مذابح سيفو وحكاري وسميل وصوريا وسيدة النجاة والقائمة تطول؟! أجل كيف يتسنى لنا ذلك وهناك من يردد ما ذهب اليه الشاعر في قوله:
وإن عـناءاً أن تـفهـم جاهـلاً    فيحسب جهلاً أنه منك أفهمُ
متى يبلغ البنيان يـوماً تمامه    إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ

أليس هذا الغير مِن بني جلدتنا سوية ومن دمنا ولحمنا؟!
أليس هذا الغير مَن تجري في عروقه دماء ضحايا تلك المذابح؟!
أليس هذا الغير من فقد أعز القربى له في الأحداث المتوالية؟!
وإن لم يكن هذا الغير من بني جلدتنا ، فمن يكن؟ حتماً ستجيبني الغرباء عنا. وأنا الآخر أشاطرك الرأي مائة في المائة. ولكن التساؤل المرير هو : أوليس نحن الذين فتحنا الأبواب على مصراعيها ليشتتنا المبشرون بنزعاتهم المبيتة؟ أوليس الصراعات المذهبية هي التي أردتنا لنخوض معارك التسميات القومية واللغوية؟ أوليس الولاءات العشائرية والطائفية هي التي زعزعت وزحزحت مكانتنا ووحدة كلمتنا وقوتنا؟
حتماً ستشاطرني الرأي أيضاً وبقناعة تامة ، كوننا نعيش هذه الظروف الأليمة  ، لتكون كل تلك السلبيات مدعاة فخر وقوة للغرباء عنا وعن أصالتنا ، ليطلقوا صرخة التحدي في وجوهنا وينالوا من بأس وجودنا، وأكبر دليل على ذلك دوافع المجازر العصرية التي يندى لها الجبين ويشهد لها عراق اليوم التي تطال الآشوري والسرياني والكلداني والآرامي والماروني والصابئي والإيزيدي وكل مؤيد لأي تسمية مستحدثة.
وفي خاتمة المطاف من هذه التمهيد دعني اتجول في اروقة سطورك التي لم تستدرك فحواها وهي كما يلي:

اولاً. ان ما نوهت ُعنه في تقدمة مقالتي عن مفهوم ودور اللغة هو بشكل عام في حياة اي مجتمع من المجتمعات ، وليس حصراً بلغة معينة ، ولهذا لم أشر الى اسم اية لغة. فما هو الغريب من قولك " الغريب ان السيد ممو يتكلم عن أهمية لغتنا القومية ولكنه في نفس الوقت لا يذكر اسمها ".
عجيب من أمرك!! أنا اتحدث بشكل عام عن دور اللغة في حياة الشعوب وليس فقط في حياة شعبنا مهما كانت تسمياته ، كونها بمثابة تلك المرآة التي تكشف عن واقع ذلك الشعب الذي ينطق بها لتكون روح جسد الأمة. فيبدو من منطقك وفحوى كلامك أن تستفزني للقول بما يخالف رأيك ،  وبالرغم من تفاوت صيغ ونطق اللهجات بين ابناء شعبنا ، سواءً من يتقبل التسمية الاشورية أو غيرها من التسميات فلا بد لي من إيضاح ما تنوي اليه.  فإن اردت ورغبت أن انعتها بالسريانية / الآرامية حسب رأيك ، فأنا سأسميها بالآشورية / السريانية  لكون مصطلح التسمية السريانية هو من " اسيريان " ، وكما هو متعارف عليه فيما إذا دخلت أل التعريف العربية على اسم مبدوءٍ بحرف شمسي لا تلفظ اللام ، فيستعاض عن لفظها بتشديد الحرف الشمسي نفسه  بسبب إختفاء حرف اللام من ال التعريف في النطق العربي ، بحيث لا يتم نطقه أو لفظه. لكون حرف السين من الحروف الشمسية المشددة ، ولهذا نقول اسـ ـ سريان وتكتب السّريان ، أو أسـ ـ سريانية وتكتب السّريانية لتكون والحالة هذه مرادفة للآشورية التي اشتق منها. والأدهى من كل ذلك فيما إذا قمت بزيارة منطقة طورعابدين الحالية تراهم يعّرفون عن هويتهم بالتسمية التي يلفظونها بالشكل التالي : " إحنان اسورويـِه " ، بربك ما معنى ذلك؟! ولهذه الإشارة الموجزة تعيقيب أوسع فيما يأتي من أسطر.

ثانياً. مؤاخذتك على الملفان نعوم فائق بأنه استعمل تارة السريانية وتارة أخرى الآشورية ومن ثم الآرامية، فهذه دلالة على وعيه القومي وتشبعه بروح التآخي وجمع الشمل وليس من باب التعصب الأعمى الذي يلتزمه البعض من رواد الحركات الدخيلة والمزيفة من الذين ينكرون وجودهم القومي الأصيل.

ثالثاً. تتهم نعوم فائق بأنه كان شاعراً ومدرسا وصحافياً أكثر من أن يكون باحثاً.. بإلله عليك كيف تتوقع عن إنسان قضى شبابه وعمره كله مضحياً بحياته في المجالات التي ذكرتها أن يفتقر للأبحاث التاريخية واللغوية الخاصة بإنتمائه القومي. وهل من غير الممكن من يكون شاعراً ووو  وأن لا يلم بتاريخ ومنابع اصوله وجذور نشأته وترعرعه لمجرد أنه لم يدون دراسة أو بحثاً مسهباً عن ذلك؟
رابعاً. ما الخطأ حين تقول " ويدعون بأن المعلم نعوم فائق كان يؤمن ان الهوية أو التسمية الاشورية هي التي توحد كل الطوائف السريانية ". وتقول ان قصيدته " انهض يا ابن اشور انهض " جاءت قبل ان يدعي التسمية الآرامية.. فلو كنت صحافياً ودرست مفاهيم الصحافة لكنت قد ادركت ما ينويه هذا الشهيد الذي تألم من مشاعر ومواقف المشعوذين من ابناء جيله وجلدته .. ولكي تكون على دراية من موقفه هذا عليك أن تتطلع في مذكراته التي دونها زميله فريد نزهه في اعداد من الصحف الصادرة انذاك.

خامساً. تقول بأنك لم تجد له أية دراسة تاريخية حول تاريخ الشعب السرياني.. بربك إذا كان تساؤلك ان تستهجن من اتعاب هذا الرجل ، فهل لك ان تعطيني امثلة عن الذين ضحوا بحياتهم في حقل الصحافة والكتابة الادبية والفكرية الموجهة ممن كتبوا ودونوا دراسات مستفيضة عما تقصده؟! وها اني اعطيك مثلاً واحداً عن جبران خليل جبران الذي دوّن ما لا يحصى من المقالات ونشر الكتب ، وذاع صيته من خلال كتابه النبي إن كان قد دوّن دراسة علمية مستفيضة عن اللغة العربية غير مقالة واحدة او مقالتين وليس بحثاً هاجم فيها المنفلوطي وغيره ممن وقفوا في وجهه لإسلوبه الحداثوي.

سادساً. تستشهد بأحد الروابط التي ارفقتها بأن نعوم فائق نادى بتسمية آرام والأمة الآرامية في مجلة " الاتحاد " التي تولى رئاسة تحريرها. لا اريد الإطالة في هذا الموضوع لكون المثل يقول " تعرف الرسالة من عنوانها ". ألا يكفي أن تكون الافتتاحية قد صدرت من مجلة جمعت بين التسمية الاثورية والكلدانية ، ومن مجلة صادرة بإسم الجمعية الوطنية الاثورية الكلدانية.. اسألك ماذا يعني ذلك؟ وكما أشرت لك بأن للصحافة سياسة خاصة في مجال الاعلام.

سابعاً. أما عن تنويهك بأن نعوم فائق كان يكتب في مجلته " بيت نهرين " اسم " اسورايا " بدل " سوريايا " فهذه حقيقة لا يمكن نكرانها ، وكما نوهنا عنها مسبقاً بأن الإسم السرياني مشتق ومنحدر من الاسم الاصيل لا الدخيل أو المُنتحل. وإذا تعمقت قليلاً في لفظة "سورايا " أو " سوريايا " فهي تعني الانتماء الديني يا أخي الفاضل ، وهذا ما ينطق به الكلداني والآشوري والسرياني للتعريف عن هويته في ارض ما بين النهرين وفي كافة القرى والبلدان التي يعمرها ابناء شعبنا بكافة تسمياتهم ، مثلما يقول الأجنبي " آي ام كريستيان " أي بمعنى مسيحي. ومتى ما أضفت الألف في بداية الكلمة كما تكتب بالحرفين الشرقي والغربي تصبح آسورايا فتعني والحالة هذه آشورايا ، وأنت على علم بذلك استناداً لرأي العالم الفرنسي آرنست رينان الذي نوهتَ عنه. والحليم تكفيه الإشارة.

ثامناً. تقول:  " في كتاب شبه مفقود للمعلم نعوم فائق حول الكلمات السريانية في لهجة ديار بكر نراه يسمي لغتنا " السريانية ، الآرامية ، الأشورية (في اللغة الإنكليزية)" . فنحن اليوم نعرف جيداً لما اطلق علماء الأثار تعبير " اللغة الأشورية" في أواسط القرن التاسع عشر و كيف تداركوا هذا الخطأ لأن اللغة كانت أكادية وأن اللغة السريانية هي متحدرة من اللغة الآرامية وان اجدادنا كانوا يسمون لغتهم الأم : اللغة السريانية او اللغة الآرامية ".

قبل كل شئ إن كان الكتاب مفقوداً ، فلا أعلم كيف استقيت معلوماتك منه.. وإن كان استعماله لعدة مصطلحات أو تسميات للغتنا فهذه دلالة على انه يؤمن ايماناً قويا باننا شعب واحد ، والتسميات اوجدتها وخلقتها الظروف السياسية والبيئة الجغرافية والعوز الإقتصادي وعوامل أخرى كما هو حال اليوم في العراق الحديث ، وكما تم اصطلاحه أيضاً في عهد أحمد حسن البكر بتمويه وجودنا بمصطلح " الناطقين بالسريانية " من الآثوريين والكلدان والسريان بغية تفريق أبناء الشعب الواحد وربط وجودهم بالواوات بدل التسمية الموحدة قومياً ، وما ذهب اليه المستعرب اليهودي أحمد سوسه بقلبه وشويههه حقائق ووثائق التاريخ الأصيل. هذا ما يجري اليوم أيضاً ليعيد التاريخ نفسه بإسلوب مغاير ومستحدث، مما أدى إلى خلق النعرات والإنقسامات في جمعياتنا ومؤسساتنا وأحزابنا وو.

تاسعاً. تقول في مكان اخر عن نعوم فائق " ارتكابه لأخطاء تاريخية تشوه هويتنا السريانية الآرامية ".  ان ما يجعلني في حيرة هنا هو تذرعك عن تشويهه لهويتك المذكورة ، فلماذا لا تدحض تلك التشويهات التي تحملني وزرها طالما يقصد بها مفاهيمك واعتبارات اتباعك؟
 
أما عن هويتك السريانية الآرامية لا أريد الإشارة اليها بمفهومي الخاص ، وإنما أكتفي بما كتبه وأكده المطران يعقوب أوكين منا في الصفحة 487 ـ 488 من قاموسه الشهير " دليل الراغبين في لغة الآراميين " حين يذكر ما يلي:
 
" فلفظة السرياني على رأي أغلب العلماء المحقين متأتية من لفظة الآثوري محرفة بعض التحريف طبقاً لطبع اللغة اليونانية. وهذه التسمية دخلت أولاً على سكان بلاد الشام ثم نحو أواسط الجيل الأول للمسيح ، دخلت أيضاً على سكان ما بين النهرين وآثور وبابل على يد الرسل الشاميين الذين تلمذوا هذه البلاد وأقبلوا بها الى الديانة النصرانية. فأجدادنا الأولون لحبهم الشديد للإيمان ولتمسكهم الوثيق بعُرى الدين الحق تركوا بنوع من الإفراط مع الوثنية حتى اسمهم القديم وتسموا بإسم السريانيين نسبة الى الرسل الذين بشروهم وتمييزاً لهم من بني جنسهم الآراميين الذين لم يكونوا بَعدُ قد اعتنقوا الديانة المسيحية ، ولذلك أضحت لفظة الآرامي مرادفة للفظة الصابئ والوثني ولفظة السرياني مرادفة للفظة النصراني والمسيحي".

ألا يدل هذا المنطق بأن كلمة السرياني مشتقة من الآثوري إن لم تكن الآشوري؟! ناهيك عن الكثير من الآراء التي تدعم هذا الشهادة ، ولا حاجة لذكر أسماء ومراجع المؤيدين لها ، كونك أكاديمياً وعلى علم بذلك. فإن كان نعوم فائق سريانياً ـ آرامياً وتدحض أفكاره القومية ، فماذا تقول عن المطران أوجين منا الكلداني والكاثوليكي المذهب الذي يقول في شرحه وتفسيره لمفردة سوريّا بأنها من أسوريا أي آثور ، ليزيد في معناها بقوله: " سوريا الداخلة. ما وراء نهر الفرات ". " وسوريا الخارجة. آثور وما بين النهرين ". ليتوصل بالتالي عن مفردة سورايا بأنها تعني سرياني ، آرامي. نصراني ( اختصار اسورايا أي اثورايا). ص 487 من قاموسه الموسوم " دليل الراغبين في لغة الآراميين " ليكنى فيما بعد بإسم " قاموس كلداني ـ عربي " بطبعته الحديثة في بيروت عام 1975 في عهد المطران روفائيل بيداويد.
ثم من يكونوا أولئك " الأجداد الأولون " من سكنة بلاد ما بين النهرين وآثور وبابل؟ أليسوا من حفداء / أحفاد سلاسة بني آشور وبابل؟ والأدهى من كل ذلك أن نجعل من السريانية والآرامية قومية وهي تعني الإنتقال من الوثنية الى النصرانية التي تعني المسيحية  والنصرانية في بلاد النهرين ولحد اليوم يُكنى بها كافة المسيحيين بمذاهبهم المختلفة ، وفي كافة الكتب التراثية القديمة في الجزيرة العربية ، ولتستحدث فيما بعد لدى البعض بقولهم كريستيانا من كريستيان. فأرجو يا أخي هنري أن لا تصب جام غضبك على نعوم السرياني فقط ، فحتماً سيتعداه لأوجين منا الكلداني أيضاَ وممو الآشوري وبالتالي رينان الفرنسي. وغيرهم ممن تعتبرهم بعرفك من مشوهي التاريخ.

ولكي لا تغضب علينا من انفرادنا على حصر رأي العلامة اللغوي اوجين منا ، أقربك قليلاً من رأي كلداني آخر متبحر في مجال التاريخ ، التزم تلك الصفة بإسم القس بطرس نصري الكلداني حين يذكر في كتابه " ذخيرة الأذهان...." المطبوع عام 1905 ما نصه " .... لأن اللغة السريانية أو السورية وهي الآثورية نفسها ( فإن لفظ سورايا مقصور بلا شك عن " اثورايا " كما هو رأي هيرودت المؤرخ " ص 29 . ثم ينتقل بقوله: " ولا يخفى ان اللغات تُعطي أحياناً كثيرة اسمها للشعوب فيدعون بها كما ان الشعوب تُعطى للغات اسمها ، فإن بلادنا مثلاً تسمى عربية من اللغة الشائعة فيها وبالعكس " الخ.
وفي الوقت ذاته يذكر بتمجيد اللغة الارامية حين يقول: " اما اللغة لتي كانت شائعة يومئذ فكانت الآرامية أو السريانية أو الآثورية ..... ( لكي لا أطيل الحديث ) لأصل الى قوله: " بأن اللغة الآرامية الفصيحة الشائعة اليوم هي على نوعين أو لغتين احداهما تدعى شرقية والاخرى غربية ، فالشرقية هي لغة الكلدان والنساطرة حينما وجدوا. والغربية هي لغة الموارنة والسريان الكاثوليك واليعاقبة اينما وجدوا. وليس بين هاتين اللغتين من فرق إلا من جهة اللفظ. فإن الشرقيين يلفظون السقاف زقابا بالفتح ويشددون الحرف المتحرك إذا سبقه متحرك آخر. أما الغربيون ( وأنت منهم ) فيلفظون الزقاف بالضم المرفوع وينفون كل تشديد.
أنا لا أريد هنا أن ألج في أروقة دهاليز الخلاف النسطوري (الآشوري) اليعقوبي (السرياني) واستعارة الحركات اليونانية وإبدال شكل الحروف وتحوير لفظها ، وإنما سأقتصر مكتفياً بما كتبه القس الجليل بشهادة جملة واحدة ذات دلالة معنوية وهادفة حين يقول: " ولا مراء في أن لفظ الشرقيين هو الأصح على ما بين المدققون.. الخ. ص 31.
كما وهناك الكثير من الأمور التي لا أرغب الإسهاب في عرضها لكوني لا  أكتب رسالة اكاديمية لمناقشتها. وكفى أنه يستشهد برأيه على من اعتمدهم ومنهم العلامة اللغوي وكما يقول " السعيد الذكر المطران اقليمس يوسف داود" مطران دمشق على السريان ، مؤلف كتاب اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية ، طبع في الموصل 1896.

ثم ليأتي من بعده المطران أدي شير ليؤكد ذات المعلومات في الجزء الأول من كتابه " تاريخ كلدو وآثور" 1912 والجزء الثاني 1913 مشيراً الى أن " سوريا تحريف اسوريا اليوناني أي آثور " ج1 ص51 ، ومن ثم ليتوسع أكثر في الجزء الثاني موضحاً بأنه بعد التنصر أي اعتناق الديانة المسيحية أقدم من عرفوا بالكلدان الآثوريين ليسموا بإسم السريان تمييزاً لهم من وثنية الكلدان الآثوريين ، حيث يثبت ما نصه " فلم يكن الإسم السرياني يومئذ يشير إلى أمة بل إلى الديانة المسيحية لا غير. ومما يثبت قولنا ما أتى في كتاب تاريخ إيليا مطران نصيبين ( 975 ـ 1046) فأنه فسر لفظة سرياني (سوريايا) بلفظة نصراني وإلى يومنا هذا نرى الكلدان الآثوريين لا يتخذون لفظة (سورايا) أي سرياني للدلالة على الجنسية بل على الديانة. فإن هذا الإسم عندهم مرادف لإسم مسيحي من أي أمة وجنس كان " ص 3 معتمداً هو الآخر على رأي العلامة يوسف داود بإشارته في كتاب اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية، ح 11.
لم يكتفي المطران ادي شير وهو كلداني المذهب بما أشار اليه مؤكداً بمنطق علمي وواقعي حين يقول: " فقد تحقق ان السريان اليعاقبة أيضاً أقروا أن اصلهم كلدان اثوريون جنساً ولغة وأن اسم السرياني هو يوناني خارجي أطلق غلطاً وزوراً علينا وعليهم.".
وما أصدقه حين يستطرد بقوله: " ويا ليتهم يجوزون مثلنا عن الإسم السرياني ويسترجعون الإسم الكلداني الآثوري فنصبح كلنا شعباً واحداً اسماً وجسماً ويداً واحدة لننهض امتنا هذه القوية القديمة (ارميا هـ :15) التي كسبت في سالف الأزمان ذكراً جميلاً ومجداً عظيماً في الزمنيات وفي الروحانيات" ج2 ص5.
تساؤلي هنا ، هل هذا الكاهن الفاضل وهذا المطران الجليل وغيره ينفون تسمية الآثورية التي تنفي وجودها؟! حتماً سيكون جوابك بالنفي لهم أيضاً مثلما نفيت مجاراة نعوم فائق لهم ، وهذه دلالة لتعصبك مثلما تتهمنا بالتعصب وغيرك من الاكاديميين الذين دعمت رأيهم في بعض المناسبات لعدم مشاركتهم في أحد مؤتمراتنا المقررة رسمياً من قبل وزارة التربية السويدية وادارة شؤون المدارس المسؤولة والمشرفة على تحرير موقع الكتروني رسمي بإسم الأثورية.
ليتنا تمثلنا بمواعظ هؤلاء الرجال الأوفياء الذين ضحوا بحياتهم على مذبح الحرية بإعلاء كلمة الصدق والحق من أجل وحدتنا ، ويا ليتنا نزعنا من صفحات عقولنا المشاحنات الجوفاء وأقتفينا مسارهم لكنا اليوم قد أعدنا وحققنا مقولة " التاريخ يعيد نفسه ".

بعد هذا الإيضاح وبناءً لما نوهنا أوليس سكان بابل وآثور ذلك الشعب الذي تمسك بأرضه وسمي بإسمها، وعلى ضوء ما تذكره في أحد الأسطر بأن اللغة كانت أكدية نسبة لمنطقة أكد. فمن أين كانت مستوحاة التسمية التي تكنى بها سرجون الأكدي في القرن الرابع والعشرين ونسب اليها اسمه ومملكته وشعب بلاده؟ أليست من أرض أكد وشعبها مثلما هي في أرض بابل وآثور ، ناهيك عن اللغة الآرامية التي نشرت نفوذها واتسعت رقعتها لأسباب تجارية وسياسية ، مثلما انتشر نفوذ لهجة أو لسان قريش على منطقة الجزيرة العربية لذات الأسباب. وها هو الآخر من أبناء جلدتنا الآب البير ابونا يؤكد تداول اللغة الآشورية الى جانب  انتشار الآرامية التي يشيد بها ويرشحها في مقالته " من نحن؟ وما قوميتنا؟ " والتي تفضلها أنت حين يقول : " وسرعة انتشارها ( يعني الارامية ) بين الدول الكبرى التي استخدمتها لغة للتداول والمراسلات .... بجانب لغاتها الخاصة الآشورية أو البابلية أو الفارسية ، الخ....) فكيف يحلو لك أن تنفي وجود الآشورية؟! بالرغم من موقفه السلبي بوجود الآشوريين.

ومن هذا المنطلق دعنا نفرض بأن الآشورية والفارسية انضوت تحت خيمة ما يسمى باللغة المحلية بسبب استحواذ الآرامية لعدة عوامل ، ألم يكن حالها حال اللغة اللاتينية في العصور الوسطى بوجود لغتين هما اللغة المحلية للمداولات العامة والأخرى التي هي اللاتينية للتعاملات الرسمية ، لتتخذ فيما بعد المحلية منها شأن الرسمية والأدبية؟ ناهيك عن مثيلتها العربية القريشية لغة المعلقات والقرآن التي هي الأخرى خبا نورها بلغة مستحدثة رغم بقاء الألسنة المحلية المعروفة باللهجات في العالم العربي.

عاشراً. مؤاخذتك على مقولتي التي نصها ما يلي :
" نقول بأن اللغة هي التي ترتقي بواقع أية أمة لدرجة التطور والمدنية ، لكونها الوسيلة التي تقودنا إلى التفاهم والتعبير وتجسيد المشاعر شفوياً وتحريرياً. وبما أن اللغة تُعد من الأسس الرئيسية لمقومات أية قومية ، فأنه يستوجب استعمالها والحفاظ عليها بإهتمام بالغ ، لكونها تجسد شكل هوية الإنتماء القومي. ولأجل ذلك تحتم الضرورة أن نكون واعين لمعرفة هذه الحقيقة، وعلى معرفة أكبر بأن الواجب الرئيسي لإثراء اللغة هو من مهام الأدباء والمؤلفين والكتاب واللغويين والشعراء والعاملين في حقل التعليم بغية إحياء وتأكيد وجودها وتطوير آفاقها وإيصالها لعقول ومدارك أبناء ذلك الشعب الناطق بها والفخور بتراثها ، وبالتالي التعامل بها بصدق وإخلاص وإهتمام دائم."

انك تعترف حين تقول:  بأن احداً لا يعارض الافكار التي ذكرتها في مقالتي .. وتتهمني بالتهرب من ذكر اسمها العلمي.. اجابتي كانت واضحة لك فيما تم عرضه في بداية هذا الرد ، ومن ثم ألم تدرك بأن مضمون الفقرة أعلاه تشمل أية لغة كانت دون استثناء ، ومن ضمنها الآشورية والآرامية حتى وإن تم تصنيفها في جدول اللهجات؟
ولكي تكون على علمٍ وإطلاع أوسع مما اشرنا اليه في مجال اشتقاق التسمية المُعتمد على منطق لغوي وتاريخي وجغرافي وأضيف الشعبي أيضاً ( كوننا استعضنا الكلاسيكية التي لا يفقهها الشعب بالحديثة ) بمراجعة ما يلي :
-   مجلة المجمع العلمي العربي / مجلد 22 ، 1947 ، ص 178 ـ 181 Ernst Herzfeld
-   Frans Rosenthald. Die Aramaistische Forschung seit Noeldeke’s
-    Vereoeffentlichungen. Leiden 1939, p. 3-4….
-   Cannuyer, A Propos de I origine du nom de La Syria JNES 44, 1985; pp. 133 – 135
-   Lexikon der Alten Welt, Zuerich 1965, p. 12966
-   Woertbuch der Antike, p. 731………
-   سوريا القديمة ، الكتاب الأول  للدكتور عبدالله الحلو ص 64 ـ 84 دمشق 2004
 
إذن دعني ازيد هنا بخفة متناهية لأقول لك : لتكن مبروكة عليك تسمية السريانية الآرامية التي هي امتداد وتحويرات للأكدية والبابلية والآشورية ، لكون اللغة المستحدثة تتأثر وتؤثر. ومن المضحك المُبكي أن تمحي الوجود الآشوري أيضاً منذ سقوط الإمبراطورية الآشورية عام 612 ق. م. بالتآمر البابلي والفارسي ، ولا تمحي الوجود الآرامي بسيادة الفرس على البلاد قاطبة عام 538 ق. م. حين خبا نجم الممالك الآرامية وانطفأ. كما أضيف وأقول كيف تسمح لنفسك أن تمحي الوجود الآشوري الذي اجتاح العديد من دول المنطقة ومنها الممالك الآرامية في عهد العديد من الملوك الآشوريين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الملك تغلات بلاصر (1112 ـ 1074) ق. م. بإجتيازه الفرات ثمان وعشرين مرة بمحاربته الآراميين وبردهم عن حدود بلاده. وبما أن صراعهم استمر مع الآشوريين لا سيما في القرن التاسع ، اضطر ملك الآراميين أخوني أن يدفع الجزية للآشوريين الذي حولوا مملكتهم سنة 885 الى مقاطعة اشورية لتكون تابعة بولاية حران. وفي بداية القرن التاسع هاجم الملك الآشوري نيراري الثالث (809 ـ 782) ق. م. مدينة دمشق واضطر ملكها للإستسلام ودفعه الجزية المفروضة عليه من الفضة والذهب والحديد والملابس الكتانية والأثاث الخشبي المطعم بالعاج وغيرها من الأشياء التي لا تحصى. ولا تنس بأن الملك سنحاريب في إحدى حملاته سبى ما يتجاوز العشرين ألف من الآراميين الى بلاد النهرين ، ناهيك من مواقف بنوبلاصر ونبوخذنصر ( 605 ـ 562 ) فيما بعد ، لحين تولي الفرس زمام الأمور على المنطقة وزوال الوجود السلطوي للبابليين والآشوريين والآراميين. أن زوال سلطة هذه الشعوب الثلاثة ليس معناه أن يظل الآراميون فقط لوحدهم في ساحة البقاء  لتستنكر وجود الآخرين طالما يتمسكوا بوجودهم القومي مثلما تتمسك انت وتدافع عن انتماءك للآراميين. وأن فقدان السلطة من يد ملوك التسميات الثلاث بسبب نفوذ الفرس ومن ثم اليونان والرومان والعثمانيون والعرب معناه ضياع وانصهار الاشوريين والآراميين. اذن كيف يجيز لك  أن تتخلى عن الآشوريين دون الآراميين. وأكبر دليل لذلك ما عرضته عليك من الواقع الأليم الذي يعيشه أبناء شعبنا بكافة تسمياته في العراق ، وما يتعرض له من قتل وتشريد بهجرته للدول المجاورة والأوربية وغيرها.
 
تساؤلي هو هل سيتخلى عن هويته  وينقرض؟! قد يكون الجواب بالإيجاب أو النفي ، ولكن الإيجاب هو الذي يُثقل كفة الميزان ببقائه وديمومته ، طالما لا زلنا نتشبث بجذورنا التاريخية وهويتنا الاصيلة. وهذه دلالة على إننا نعيش اليوم ذات الحال التي عاشها الأولون من أسلافنا قبل وبعد المسيح.  وكفى هنا أن اعيد لك للمرة العاشرة بأن السريانية هي تحريف لأسيريان والتي أصلها اشورايا وآثورايا الى جانب اشتقاقات اخرى كأسيريا اليونانية واللاتينية ، وسيريا ، سوريا ، سورايا ، آسورايا ، سيرياني وسريانية وامتداد التسمية الآشورية الى شعوب اخرى بألفاظ متفاوته منها اشوري لدى الفرس واسورينر لدى الأرمن واسورليار لدى الاذربيجانيين واسورلر لدى الاتراك واسيريسكي أو أيسوري لدى الروس وأسيرسكا لدى السويديين واسيريَن لدى الانكليز وياسو لدى الصينيين ووو . وعن فقدان حرفي الثاء والشين لدى الأغلبية مثلما عمل اليونانيون وإنقلاب نطقهم الى اسـ ـ سريان التي تكتب السريان ويعنون بها الآشورية أو الآثورية كما هو في العربية.
بقي فقط أن احيطك علماً تعقيباً لكلامك الذي تقول فيه :
" إن الفكر الآشوري مبني على طروحات تاريخية خاطئة وعناد البعض في تسمية لغتنا ب " اللغة الآشورية " لهو تطرف كبير لأن الشعب الآشوري كان يتكلم اللغة الأكادية التي كانت منتشرة في كل الشرق وقدامى الفرس استخدموها ولم يسموها " اللغة الفارسية " وحتى ملوك آشور كانوا يسمونها آكادية وليس " آشورية "!
لا ريب في ذلك إن تطرق بعض الباحثين لهذا المضمون!! ولكن ما رأيك في جدول اللغات السامية الذي يسلسلها الى ثلاث فصائل هي : الشمالية والوسطى والجنوبية ، لتشمل الفصيلة الأولى الشرقية والغربية، فالشرقية تتضمن البابلية والآشورية المنحدرة من الأكدية. أما الغربية فهي بدورها تنضوي تحت لواء جناحين فرعيين هما الشرقي والغربي متفرعة ومتمثلة بالسريانية والصابئية والنبطية بالفرع الشرقي ، ومن ثم المتمثلة بالفرع الغربي كالسامرية والتدمرية والآرامية. أما الوسطى فهي من حصة الفينيقية والعبرية والكنعانية ، والجنوبية من حصة اللغة العربية ولهجاتها.  وهناك تقسيمات واجتهادات أخرى تصنفها بأشكال متفاوتة. وفيما إذا كان دليلك بأن الملوك الآشوريين يسمونها الاكادية ، فلماذا يدون " المعجم الأكدي " من منشورات المجمع العلمي العراقي وفي مقدمته عكس ذلك وبما نصه : " سمى الباحثون الآوائل لغة النصوص المكتشفة في بلاد آشور المتمثلة اليوم بالقسم الشمالي من العراق باللغة الآشورية ، ولغة النصوص المكتشفة في بلاد بابل المتمثلة بالقسم الجنوبي من العراق باللغة البابلية ". ومن ثم سميت الآشورية البابلية مثلما أنت تسميها السريانية الآرامية ، وظلت تستخدم الى قبيل العصر الميلادي. وكما أشرت لك مسبقاً بأن اللغات تتأثر وتؤثر ، أي بما بما معناه ان كافة اللغات الآنفة الذكر متقاربة من بعضها بفارق التحوير اللفظي أو النطق لتشكل وتولد لهجات مختلفة تتبناها دول مختلفة كما هو الحال في الدول الإسكندنافية ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ  والتي تـُنسب لغاتها لفصيلة المجموعة الجرمانية كالسويدية والدنمركية والنرويجية والإيسلندية ، رغم صلة القرابة التي بينها فإنها تتميز كل واحدة منها بميزات خاصة في النطق والكتابة وشكل بعض الحروف. هذا ما ينطبق أيضاً على جدول اللغات السامية بأقسامها الثلاثة ، علماً بأن هناك العديد من الفصائل اللغوية الشبيهة بذلك.
ولكي لا نتجاوز آداب المناقشة والمداخلات والردود التي لا تجدي نفعاً ، أقولها بكل صدق وإيمان " كل إناء ينضح بما فيه " وكذلك " ليس للإنسان إلا ما سعى " فدعنا نسعى للبناء لا للهدم ، لتجاوز الحوار البيزنظي بحوار انساني ومنطقي لنعيد أصالة مجدنا بإتعاضنا من واقع الماضي السحيق والأليم.

يا أخي هنري.. لقد اصبح حالنا حال الذين فرقونا وشتتونا لننقسم ونبتعد عن بعضنا حفاظاً على الكراسي الخالية من المسامير التي تحملها " المخلص " لنتحمل وزر تفسيراتهم السفسطائية ، حيث لا زلنا لا يعترف واحدنا بالآخر رغم إخفاء أشعة نور الحقيقة بغربال صدئ ، أكل عليه الدهر وشرب. وهذا الأمر يذكرني بقصة قرأتها منذ زمن طويل في مجلة كلكامش التي كانت تصدر في ايران ـ لا أعلم إن كانت حقيقة أم من نسج الخيال ـ حين التقى اربعة رجال من انتماءات متفاوتة أي الآشوري والتركي والأرمني والفارسي ، ولم يبق بحوزتهم من النقود ما يسد رغبات طلب كل واحد منهم بغية الشراء. فقال الآشوري أنا أرغب شراء " عنو ِه " ، وقال الأرمني لا الأحسن " خاووع " فرد التركي وقال: لِمَ لا يكون " اوزوم " ، ومن ثم ليردف الفارسي منادياً : أنا أرغب فقط بـ " اليانكور". فإشتد النقاش فيما بينهم وكل واحد منهم ينادي بمطلبه.  ومن باب المصادفة هنا أن يلتقي بهم مَن بلغ مِن الحكمة والدهاء والمعرفة بمفردات لغاتهم ، مخاطباً أياهم بتسليمه ما لديهم من نقود لشراء ما يتمنوه ، فذهب واشترى كمية من عناقيد العنب وقدمها لهم ليصرخوا جميعاً بإندهاش ، هذا ما كنا نتمناه ونرغبه والإبتسامة تعلو على وجوههم لكون كافة المفردات التي نادوا بها كانت تعني العنب.
هذا هو الحال الذي عشناه في الماضي ونعيشه في الحاضر ، وحتماَ سنظل نعيشه في المستقبل لننقله الى اجيالنا القادمة الذين هم براء من اشكالات التسمية ونتائجها السلبية. فدعنا نكون حكماء لنتمثل بمعرفة من حلّ إشكال الرجال الأربعة ، لا أن نبذر بذور الزوان الردئ في كل أرض نأمُهّا ، لنتلافى مقولة " الحرب بينهم سجال " أي بما معناه ، حيناً من يشن هجوماً على هذا الفريق وحيناً على الفريق الآخر.

وفي خاتمة المطاف أقول لك أخي في النضال القومي واللغوي والأدبي والثقافي بأنه بلغ السيل الزبى ، مكتفياً بما دونته لك حصراً بموضوع مقالتنا وتعليقاتك التي أردت بي لهذا الإسهاب دون الإشارة للعديد من المراجع والمصادر التي تدعنا نتبحر في استنتاجاتهم وبلغات متفاوتة ليطول حديثنا ، كما ناهيك أيضاً عن أفكار وتطلعات أئمة اللغة الذين ذكرتهم من رواد مدرسة الرها ونصيبين والخلاف الذي دار بينهم لأسباب لاهوتية هي من شأن رجال الدين ، لأنه مهما طبلنا وزمرنا لا يجدي نفعاً بما عرضناه ، وبما اوردناه من تساؤلات وإجابات بعادة تغاضينا عن مضمون الشطر الأول والتزامنا بالشطر الثاني مما يقوله الشاعر في البيت التالي:
 
إن الـفـتى مـن قـال هـا أنــذا    ليس الفتى من يقول كان أبي

أي بما معناه أين هي مآثر من تدّعيهم مقارنة بالذين يلتحفون العراء ويضحون بحياتهم على أرض الواقع ذوداً عن حقوقنا لتعيش حراً كريماً ولتعيد مجد الذين تتباهى بهم؟!
وآخر ما أود قوله : بأنك ستظل حاملاً رفشك لتنبش في الأرض الرملية بغية حفر وتكوين بئر حديث ومن دون جدوى لعدم تلاحم ذرات رملك بمناورات فاشلة.
دعني في خاتمة الختام استل بيتين شعريين من قصيدة الشاعر حنا افندي زهيا الآثوري مقرظاً فيها كتاب المطران ادي شير لتتأمل فحواها.

أهـديـتـنا تـاريخ قوم ناطحـوا         كبد السماء في شامخ البنيان
تاريخ آثــور وبابـل آتـيـــــــاً        بـدلائـل تـغـنى عن البرهــان
مع احترامي لك.
ميخائيل ممو


179
رُسُل الأدب ورُوّاد الشعور القومي أحياء في قلوبنا
بقلم : ميخائيل ممو
mammoo20@hotmail.com
ليس من الغريب أن تتفاوت آراء اللغويين في نظرتهم لتعريف مفهوم اللغة ، طالما كل واحد منهم يُؤوّل نظرة تفسيره من منطلق ميدان اهتمامه وزاوية تخصصه وفق منهجية البحث العلمي وعلاقتها بالعديد من العلوم. وبما أن موضوع عرضنا هنا يبعدنا عن تلك المفاهيم لنحصرها في مجال اهميتها ووظيفتها في حياة المجتمع والقومية التي ينتمي اليها الفرد ، نقول بأن اللغة هي التي ترتقي بواقع أية أمة لدرجة التطور والمدنية ، لكونها الوسيلة التي تقودنا إلى التفاهم والتعبير وتجسيد المشاعر شفوياً وتحريرياً. وبما أن اللغة تُعد من الأسس الرئيسية لمقومات أية قومية ، فأنه يستوجب استعمالها والحفاظ عليها بإهتمام بالغ ، لكونها تجسد شكل هوية الإنتماء القومي. ولأجل ذلك تحتم الضرورة أن نكون واعين لمعرفة هذه الحقيقة، وعلى معرفة أكبر بأن الواجب الرئيسي لإثراء اللغة هو من مهام الأدباء والمؤلفين والكتاب واللغويين والشعراء والعاملين في حقل التعليم بغية إحياء وتأكيد وجودها وتطوير آفاقها وإيصالها لعقول ومدارك أبناء ذلك الشعب الناطق بها والفخور بتراثها ، وبالتالي التعامل بها بصدق وإخلاص وإهتمام دائم.
مما لا شك فيه بأن أبناء اية قومية عادة ما يفتخرون بعلمائها وروادها المتبحرين في أعماقها مثلما يتباهى ويفتخر الإنكليز بشكسبير ، والألمان بمارثن لوثر والعالم العربي وخاصة لبنان بجبران واعتزاز بني آشور بمار عبديشوع الصوباوي لبلاغته اللغوية وغيرهم من الادباء والشعراء واللغويين بين شعوب الدول الأخرى. كما وإن لكل زمن أومرحلة تاريخية يبرز من الرواد النابغين الذين يشار اليهم بالبنان ، ويتم نقش أسمائهم على صفحات طروس التاريخ ، وبتوالي ومرور الزمن يتضاعف عددهم كما نذكر أسماء برديصان ومار افرام ومار نرساي وغيرهم من الذين لا زلنا لحد يومنا هذا نعيد ذكراهم بما خلفوه لنا من أعمال ثرية بمضامينها الهادفة وذات النفع العام ، وبشكل خاص اولئك الذين خلفوهم وانتهلوا من منابع علومهم ، وحرصوا بشكل دائم ليكونوا امتداداً لهم على إثراء تلك المسيرة الأدبية واللغوية والفكرية ، والتي برز منهم في فترة متقاربة الملفان نعوم فائق في تركيا ، والقس يوسف قليتا في العراق والدكتور فريدون آتورايا في روسيا وغيرهم من الذين قدم وخدم كل واحد منهم في مجال اهتماماته وتعامله للجدوى العامة الدائمة لأجيالنا المستقبلية.
ولمناسبة الذكرى السنوية للملفان نعوم فائق في الخامس من شهر شباط من كل عام كونه  أحد الأعمدة الرصينة للتكوين الأدبي والنهوض الفكري لحفاظ وارتقاء الشأن الأدبي واللغوي والقومي قبل ثمانين عاماً ، ينبغي علينا أيضاً أن لا نتغافل ونتناسى رفاقه الآخرين الذين حملوا بدورهم ثقل هموم تلك المسيرة بمشعل القلم. وأن لا تقتصر وتحدد مركزية هذه المناسبة على مآثر وصفات شخص معين أو عدة أشخاص ، لكون الذين بمستواهم عادة ما يكون وجودهم وتتمثل مكانتهم بمثابة الحلقات المتراصة التي تشكل وجود سلسلة قوية لها أهميتها ومفعولها في حياة المجتمع.
من خلال تعايشنا في أوساط مجتمعنا الآشوري بكافة انتماءاته المذهبية والطائفية وجدنا واتضح لنا بأن الكثيرمنهم ليست له معرفة ودراية كافية عن مآثر ومواقف الملفان نعوم فائق ، وقلائل هم من الذين يعيرون أهمية لشخصه وأعماله ومواقفه كونهم من المؤمنين بالمبادئ القومية وآدابها التي هي من اسس المدنية واثبات الوجود. ومن أجل أن يلموا اولئك الذين لا دراية لهم بمعرفته وذكر اسمه الخالد آلينا على أنفسنا أن نعرض هنا بعض الجوانب من سيرته الذاتية ودوافع الإحتفاء بذكراه سنوياً بالرغم من موقفنا الشخصي على حصر الإحتفاء بشخصية واحدة سعت وخدمت اللغة والنهضة القومية.


من هو الملفان نعوم فائق؟
ـ تنسم نعوم بن الياس بن يعقوب روح الحياة في شهر شباط 1868 في منطقة آمد المعروفة بديار بكر في تركيا ، وتعمد بإسم نعوم مع إضافة لقب فائق لإسمه فيما بعد. وبعد وفاة والده ومن ثم والدته تكفل شقيقه الأكبر توماس برعايته.
ـ التحق بالمدرسة الإبتدائية وعمره سبع سنوات ، ومن ثم بالمدرسة الثانوية لمدة ثماني سنوات ، متسلحاً بالعديد من اللغات كالسريانية والعربية والتركية والفارسية والأرمنية والكردية ومبادئ اللغة الفرنسية ومن ثم الإنكليزية.
ـ عام 1888 وهو في العشرين من عمره ، زاول مهنة التعليم متنقلاً بين عدة مدارس في تركيا ومن ثم في سوريا ولبنان والقدس.
ـ 16 تشرين الثاني 1889 سيمَ شماشاً انجيلياً على يد البطريرك بطرس الرابع في ديار بكر.
ـ 14 شباط 1899 وهو في الثلاثين من العمر اقترن بالسيدة الفاضلة لوسيا قرياقوس ورزقهما الله بولدين وثلاث بنات. توفي الأول عام 1904 والثاني عام 1906 وإحدى بناته عام 1921.
ـ عام 1908 تم اعلان الدستور العثماني ليكون دافعاً ومحفزاً له على تأسيس جمعية قومية بإسم " الإنتباه " ، منطلقاً فيما بعد على تأسيس وإصدار مجلة " كوكب الشرق " التي كان يتوجها مقالاته وقصائده النهضوية.
ـ عام 1912 وبسبب المظالم والإضطهادات التي داهمت المسيحيين منذعام 1895 ولغاية المذابح الكبرى عام 1915 شدته مأساتها أن يغادر مسقط رأسه متوجهاً الى بيروت ومنها الى الولايات الأمريكية بصحبة أفراد عائلته ليصلها في الخامس من كانون الثاني 1912.
ـ عام 1916 وفي ديار الهجرة اسس مجلة " بين النهرين " بثلاث لغات هي الآشورية/ السريانية والعربية والتركية ، وفي عام 1921 يتولى مسؤولية رئاسة تحرير مجلة "الإتحاد" الناطقة بإسم الجمعية الوطنية الكلدانية ـ الآثورية. وبعد توقفها يعود ثانية لأحياء مجلته " بين النهرين ".
ـ عام 1927 فجع بإنتقال قرينته الى الأخدار السماوية ، وليعيش على أثر ذلك حالات من التأزم النفسي مهاجماً أياه داء الرئة بمعاناة لم يمهله الصبر على ديمومة الحياة ليرديه جثة هامدة في الخامس من شباط 1930 ، تاركاً بعده اثنتين من بناته مع مجموعة كبيرة من المؤلفات بلغت أكثر من ثلاثين مؤلفاً بلغات مختلفة.
دوافع الإحتفاء السنوي بذكرى نعوم فائق.
إن ما عرضناه هي نظرة مركزة عن سيرة الملفان نعوم فائق الخاصة ، وبقي أن نعلم عن دوافع الإحتفاء السنوي بإسمه منفرداً. حسب نظرتنا وبحثنا توصلنا على تدوين النقاط التالية:
1.   وعيه وشعوره القومي في بداية شبابه وتسلحه بأفكار واعية وبناءة.
2.   نشره الثقافة واهتمامه بتعليم أبناء شعبه في مدارس مختلفة.
3.   خدماته الإنسانية والإجتماعية لأبناء شعبه أينما حل به السكن.
4.   ابتعاده عن عناصر التخريب المتمثلة بالطائفية والعشائرية والعنصرية.
5.   مواقفه الصادقة المتجسدة في كتاباته وخطاباته ضد الظلم وأعداء بني جلدته.
6.   نداءاته الدائمة بغية الإتحاد وبصوت مشترك موحد.
7.   دعواته المستمرة لنشر الوعي بتأسيس المدارس والمجلات والمطابع.
8.   تضحياته بإحياء وتطوير اللغة والإرتقاء بمستوى الأدب بشكل عام.
9.   اعتماده على نفسه بتولي مسؤولية إصدار المجلات ونشره الكتب واهتمامه بحقل الإعلام والصحافة الآشورية.
10.   ابتعاده وعزوفه عن المصالح الشخصية والمادية ، وقضاء وقته في الأعمال ذات النفع العام لإعلاء وتبجيل الإسم القومي بغية اقتناء الحقوق القومية.
وفي الختام نود القول بأن مناسبة إحياء ذكرى نعوم فائق التي تقتصر وتنحصر بإسمه أن تكون أوسع من ذلك لتشمل مجموعة أكبر من الذين خدموا الأدب والوجود القومي تقديراً لجهودهم وأعمالهم التي لا زالت حروف اسمائهم تتلألأ بين ما سطروه لنا وتركوه تراثاً خالداً نقتدي به ، انطلاقاً من مقولته الشهيرة التي يقول فيها : " ثلاثة تنجح الأمة: قلم الكاتب، مخزن التاجر وحقل الزارع " ليزيدها بمقولة أخرى مفادها: " الأمة التي تهمل لغتها تفقد مجدها وتضيع كيانها ".
إذن دعونا ننطلق من هذه المفاهيم الدررية لتطمئن قلوب معاصرينا وتزخر عقولهم بما هو الأجدى لبني قومهم وللإنسانية جمعاء.


180

183
درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية

بعد جهد متواصل وسعي حثيث على مواصلة الدراسة الجامعية ، وبطموح كبير نال الطالب لورنس شابو درجة الماجستير بنجاح في حقل الإقتصاد بجامعة ستوكهولم عن بحثه في مجال إدارة الأعمال والتسويق. ولهذه المناسبة نتقدم بأحر التهاني وأبهى الأماني للدؤوب لورنس ، آملين له التوفيق والنجاح الدائم في حياته العملية والسعي مستقبلاً لنيل الدكتوراه.
خالك
ميخائيل ممو


184
مسيرة استنكار واحتجاج للعمل الإجرامي في كنيسة سيدة النجاة
نادي بابيلون بمدينة يونشوبينغ يدعو كافة أعضاء الجمعيات والكنائس والأحزاب للمشاركة في المسيرة الإحتجاجية الصامتة التي تقام استنكاراً للجرائم الإرهابية البشعة التي ارتكبتها شلة مجرمة لا تربطها بالعرف البشري أي صفة إنسانية بتطاولها على اقتحام كنيسة سيدة النجاة يوم 31 / 11 في بغداد وإقدامها على مجزرة القتل العشوائي في دار العبادة التي راح ضحيتها أكثر من 50 شهيد من رجال الدين والشباب والشيوخ ومن هم بعمر الزهور. لمناسبة هذا الحدث الجلل والمصاب الأليم والمحزن والمروع الذي يندى له الجبين ، نهيب بكل من تحز في نفسه آلام هذه الفاجعة المريرة تجسيد مشاعره في قافلة الإستنكار التي ستنظم بموافقة السلطات السويدية رسمياً.
التاريخ : الجمعة 12 / 11 / 2010
الوقت : الساعة السادسة مساءً
مكان التجمع: وسط مدينة يونشوبينغ في ساحة Hovrattstorget  مقابل  Grandhotel بالقرب من مكتبة يونشوبينغ المركزية.


185
التوقع في ضراوة الحياة اللامتوقعة
ـ قراءة مركزة ـ



بقلم: ميخائيل ممو
الرجاء متى ما يفرض نفسه كحالة يأس متواصل بتأمل مُنتظر، تزخرتصوراته بمماطلات متكررة تمليها كوامن الذات على نفسها ، علـّها تـُطـَمْـئِـن مواقف الصراعات الحدسية التي ترمي بالإنسان في مهاوي التخمين الدائم من جراء الممارسات الدائرة في محيط التشابك النابع من التفاعل البشري في أي مجتمع من المجتمعات ، بحيث تتبلور مفاهيمه على درجات متفاوتة تحتمها اعتبارات اليقظة الفكرية والثقافة الشاملة وأساليب المعايشات اليومية المبنية على أسس ومعايير التفوق الحضاري العام.
من يعيش ويتمحور في آتون هذا الصراع  بتألق فكري مبني على رؤى الماضي وواقع الحاضر، عادة ما يخوض مرحلة التأقلم الإزدواجي ، منطلقاً من مآثر الذكريات الأليمة / المُفرحة المُعشعشة في العقل الباطن ، مصطدمة ومتنافسة مع حاضر اللاإستقرار.
إن ما دعاني للبدء بهذه التقدمة المقتضبة المشوبة برؤيا قد تكون مدعاة غرابة للقارئ ، هو قراءتي لما فاضت به وهاجت قريحة الزميل الفنان السينمائي والشاعر بولص آدم في ديوانه الشعري الحديث الموسوم " ضراوة الحياة اللامتوقعة " بإحتوائه 32 صورة مؤطرة بإسلوب نثري على شاكلة القصة القصيرة والدراما ، وشعري على شاكلة قصيدة النثر محصورة جميعها في 116 صفحة من الحجم المتوسط ، صادرة عام 2010 عن دار ابداعات الحضارة للنشر في القاهرة.

سبق ونوهت بأن بولص آدم يعيش الماضي ليولد منه ما يتراءى للحاضر، بغية أن يرتقي بما ينبغي تفعيله بمبررات بدائلية إيجابية المنفذ ، مدعماً أفكاره وتأملاته وتصوراته بزخرفة اللوحة التشكيلية وما تعنيه من إعتبارات رمزية واضحة المعالم ، والتي انتقاها من مخيلة من زامل تجاربه ،  وشاطره المعاناة شقيقه لوثر ايشو آدم ، لتجسد ما يصبو اليه ، برفاهية روحه الإستطلاعية على أنغام  العود الذي تترنم أصداؤه بإجتذاب الوحش المتربص كرمز مخيف خلف العازف المتمثل بالشاعر وهو يجسد انفعالاته الداخلية المتمثلة بتطلعات الإنسان الواعي لما يختمر في حسبانه.
يبدو لنا ومنذ الوهلة الأولى بأن الأرضية التي بنى عليها بولص آدم اهتماماته السينمسرحية بذرت في ذاته بذور تفتح ذهني لمعجم شعري يتمثل بمفردات الصيغ الفنية المستمدة من نصوص المسرح المتعارف عليه حين يُطعم تعابيره بها ومنها على سبيل المثال: ماكبث ، ميلر ، الملك لير ، شايلوك ، تاجر البندقية ، الموت السينمائي ، الصور الفوتوغرافية ، السينما التجارية ، السليلويد ، السيناريو وغيرها... متدرجاً بخلق أبطال للعديد من موضوعاته ، منتقياً أياها من سجلات الموروث القومي بتسميات متفاوتة تيمناً بإنتمائه الذي جرفه الدهر ليكون ضحية عالم الهجرة ، وفي بقعة أرض لم يحلم بها ، معتبراً أصحاب تلك التسميات نموذجاً للحياة المُثلى ، وكأصالة يُقتدى بها على ما تعانيه وتتحمله من صدمات وانتكاسات وأزمات ، بإشارته لها في العديد من نصوصه القصصية القصيرة والإقصوصية أو القصيرة جداً والشعرية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، أنويا ، دليلا ، بهرا ، أسخريا ، يونادم، يونيا ، أوراهم، مندو ، أندراوس اوشانا ، رمو ، هرمز ، يوحنا وغيرها...

حين نتصفح مجموعة الضراوة ، ومباشرتنا بالرحيل مع صفحاته الأولى ، يفاجئنا بولص بتتويجه في الصفحة الخامسة منه عنوان " جرد الأزمنة في نصوص واقعيتي الوحشية " كمدخل لما يتراءى له من مخاضات لا طائل تحتها ، بتدويره لعبارة " كل ورقة للنور يقشرها الظلام ، تعيش ممزقة " وتكراره لها شبيهة بوضع حالة الطلق ، ليعيد الكرة ذاتها بتكرار جملة " جيئة وذهاباً على سطح الدار " ، " جيئة وذهاباً على انقسامي بين علم الحياة ". ناهيك عن أزمة أزمنته في " ألعب مع أزمنتي لعبة جر الحبل " و" أقلب الصور المنهكة في ألبوم أزمنتي " ، ليغادر بالتالي بريشة كرامته من أجل حياة جديدة يتوقع فيها مأساة بلا تبرير، كما يشير في نهاية قصيدته النثرية ، ليستقبل حلقة جديدة  بالصفحة التالية كحلقة ربط معنونة بحرف لاتيني " تاوبن ماركت " ، حائراً من وجوده ، محاكياً نفسه ، ليرتضي عن قناعة بما تعلمه في تلك المدينة الغرائبية من فيلسوف فيها بمقولة " تقبل الحياة كما هي .. تماماً كما هي!". فينهي نصه بقرار مقنع حيث يقول: " اكتفيت بذاك القدر من محاكاة نفسي ".

ومن قناعته بتلك المحاكاة يطل علينا مباشرة بمخاطبة القارئ بعنوان " سيدتي القارئة ، سيدي القارئ " معلناً له عن تجاربه الحيانية المأساوية التي " تغلبت عليها الوقائع المحزنة على الوقائع السارة عدداً " ليخاطب نفسه: " لتكن الحياة جديراً بها يا بولس آدم؟ عليك أن تكون فيها منتجاً! ". بهذا التصميم الذي يجعله مثالاً إيجابياً لحياته ، يعكسه للقارئ قائلاً : " غير أنني ألجأ إلى الإبداع طوال حياتي لأكون حاضراً ، فأهلاً وسهلاً بكم قراء لهذا الكتاب... معكم شاهداً ".

كان الأولى بالكاتب بولص أن يدع موضوعه الموجه للقراء أن يتصدر كتابه كمدخل لما يرمي اليه ، طالما يتحدث لهم عن فلسفته فيما توصل اليه خلال مسيرته الحياتية. أما إن كان له رأياً آخر مستلهم من نظرته الإخراجية ، فهذه مسألة لها أبعادها الخاصة محصورة بفنتازية رؤياه من منطلق نسق فنه التعبيري.
من خلال قراءة استطلاعية عامة لنصوص الكتاب المنتقاة من زخم كتاباته ومتابعة نشره لها في العديد من الصحف والمجلات الورقية والمواقع الألكترونية ، تدعنا نركز على ميكانيزمات السرد المباغت من عبارة لأخرى أو فقرة لأخرى ، بتطويعه التكثيف اللغوي بتكوينات غريبة المرمى ، وضبابية يزيد من كثافتها ، بغية تخفيف حدة التوتر وكأنها انبثقت بطريقة لاشعورية مباشرة ، ربما غير آبه لها ولما تثيره من قلق لدى القارئ ، مترنحاً ومتألقاً بجناحين رسم عليهما صفتي الألم والحزن بدلالة سجل مفردات التأزم النفسي الذي يعاشره ويخيم عليه من ماض قاس بحيث لا تخلو نصوصه منها بشكل عام ، وبتأكيد انفعالي متواصل تشهد عليها الصفات التي تخلق التأزم ويتجلى إتسامها بالواقعية ، ومن نماذجها : العذاب ، الإغتراب ، الظلام ، الكراهية ، النار ، الألم، الحزن ، القبر، التابوت ، الكابوس ،  الغضب ، السفاح ، الدامي ، سميل ، الغرق ، السجناء ، السجن ، العنف ، إرهاب، إعدام ، التهديد ، الأحلام ....
تساؤلنا هنا ، أليست هذه الرموز المعجمية مدعاة إبداع لإنسان كالزميل بولص آدم الذي عاش ظروف  حياة مأساوية ـ قد تكون قاسية ـ  جسدها قبل ذلك على أرض الواقع بأعمال فعلية؟
هذا ما يؤكده الكاتب نفسه ـ دون توقعه بما يخبئ له المستقبل المجهول ـ بما قام به وأقدم عليه بأعماله السينمائية  ، وكما تم ذكره والإشارة اليه في خاتمة الكتاب كتعريف لسيرته  " وبولص أدم هو أول سينمائي في الشرق بمعالجته على إغراق صالات العرض بأفلام العنف خلال فترة الحرب....".

وعلى ذكر كلمة الحرب نرى الكاتب يزرع هذه الكلمة بما لا يحصى في كتابه ، بدليل هيمنة العبارات المأساوية الآنفة الذكر ، المتولدة عن مشاعر الحزن والألم ، ذات الصلة المباشرة بما يترتب عن الحرب من مآس وعبث وانتهاكات ، وكأنها تلازمه طيلة مسيرة حياته ، ويعيش على آثارها ومخلفاتها ومآسيها ونتائجها المحزنة والكارثية ، وبما تمليه الحرب من نتائج لا يحمد عقباها ، بتناوله معداتها وآلياتها المتجسدة في العديد من استعمالاته المعبرة عن الرصاص ، المدافع ، الطائرات ، الدبابات ، الفناء ، الموت، القنابل ، المسلح ، الإطلاقات ، الديناميت ، الأسلحة وغيرها.

هذا ما دعاه أن لا تخلو نصوصه من مفردة " الحرب " بالذات ، حيث أتى على ذكرها وتشبث بها كرمز اسطوري في أغلب ما احتواه نتاجه الفكري بإحساس عميق في مؤلفه المذكور ، بحيث أشار اليها في نص " ضراوة الحياة اللامتوقعة " بتكرار ٍ بلغ خمس عشرة مرة في جمل مترابطة ومتفاوتة ، ناهيك عن اعادتها في مواضع مختلفة وبما لا يقل عن عشرة نصوص قصصية وشعرية. 
إن هذا الإسلوب السردي عادة ما يدع القارئ يسرح في أفق التأمل لحل العقدة التي تتراءى له وكأنها جملة خيوط متشابكة ، لا يجد نتائجها إلا في القفلة التي تسوقه لإحتمالات متفاوتة منها التأمل ، التساؤل, أو إيجاد تفسير لفكرة جديدة ، لا يزيح سر كثافتها وغموضها ومرماها إلا الذي خاض ذات التجربة وتعمق في إكتناه المجهول.
هذا ما لاحظناه واستنتجناه في العديد من طروحاته وبشكل خاص في اسلوبه الحداثوي في مجال الشعر والقصة القصيرة جداً ، وكما يتبين ذلك في " لحم العنزة " ، " القرش الصغير" ، " الرئيس والحذاء " و " تفجير" رغم  خلوها من عناصر السرد المفصل والوصف المتكرر والعنونة المباشرة.

ليس لي في خاتمة تطوافي بين أروقة الجدران المشيدة بألوان من رخام الكلمات والعبارات التي تدعك تتأملها بعمق وروية ، سوى القول: لا يتحسس بألم المتألم إلا الذي زامل الألم. متمنياً لزميل القلم ورافع راية الحرف مزيداً من الإبداعات الفكرية طالما يعيش بعيداً من عيون الأوابد النافرة من الإنس، ومتحرراً من شرار نيرانها التي جعلته يتذكر وجودها على عنونة كتابه بـ "ضراوة الحياة اللامتوقعة " وبرمز الآبدة في سماء لوحة الغلاف بتربض وتربص مخيف ، على أمل أن يشتد ولعه بأسارير الحياة المتوقعة ، وبردم خلجات وهواجس ملابسلات اللاتوقع ، ليضفي ويسبغ نعمة الإنشراح والرفاه في النفوس. مع أجمل تحياتي وتوقعاتي.
 


 

186
الإفتعال والإصرار في قصائد أوراهم لازار


 
بقلم : ميخائيل ممو
مرة ثانية يمتطي الشاعر اوراهم لازار صهوة حصانه ليصارع الزمن ملوحاً برسالة شعرية جديدة يتوجها بعنوان " لو كنت " شاهراً أياها بوجه التاريخ الحديث الملئ بالأعاصير المتصاعدة بأغبرتها  التي تعمي رؤى بني البشرية وترديهم للمناشدة بإسم الإنسانية لإزاحة قيود الظلم وتبديد الغبن وإذابة مفردات الإستغلال من صفحات قواميس الإضطهاد القسري الذي يتشبث به من مزجوا بضمائرهم ألسنة النار والقتل والدمار بإغراء مشوب بعفن الفكر الإضمحلالي بلهزهم بين من ينظروا للعلى ببراءة التصور وعزيمة التقوى من أجل حياة كريمة مُثلى .
جاء تجسيد هذا الفكر التصوري من خلال قرص مضغوط بنسجه لخيوط شفافة ودقيقة من سحر المفردات والعبارات ليخاطب بها الشاعر أوراهم لازار الروح التي زهقت ، والجسد الذي ذوى والنفس التي إطمأنت بإسم الشهادة على مذبح الحرية والعقيدة والنضال. هكذا يخاطب الجمع الذي تصدر قافلة التضحية من بني جلدته من الآشوريين ، ذلك الجمع الذي جابه معاناة الذل والهوان بعزم الصمت وحكمة التسامح لتضاعف بصيرته عله يسعف بهما وجوده ، وليكشف بالتالي أن تطلعاته تسير دون هوادة ، لا يجديها اللين والرفق ، ولا حتى تصدي الهم والغم ، ليصرخ معلناً ومخاطباً ذاته دعني أن أكون لإثبت كينونتي بشهادتي رغم مخالب الغدر القاتل ، طالما أضحى الإصرار سلاح العصر لمن يفقه فحوى الحياة.
ومن خلال قرار الإصرار ينطلق متسائلاً : ما الذي يسعفني وبإمكاني جعله حيز التنفيذ لمداواة قروح أمتي؟ وما هو البلسم الشافي؟ وبإجابة مقتضبة يشير قائلاً : الحقيقة المرة يتم تقويتها بالصبر والتآخي بين أبناء الأمة الواحدة ، ناشراً بين ثنايا أبياته الشعرية في قصائده الهادفة صفات التأمل وإشعاءات من النور على مستقبل الوضع القائم ، بإعتماده ما يؤتمل من مؤسساتنا القومية المتمثلة بالسياسية والإجتماعية والدينية والثقافية والأدبية والفنية ، سواءً في ربوع الوطن الأم أو بلاد الغربة القاسية.
لكي تقترب وتلمس وتعيش الواقع الذي طرحه شاعرنا ، فما عليك إلا أن تقتني القرص المضغوط الذي تضمن تسع قصائد باللغة الآشورية أو الآثورية الحديثة والمعاصرة التي يرادفها تسمية السريانية وفق مفاهيم الكلمات الدخيلة أو التي تفرضها مفاهيم الترجمة بحكم علم الصوت التي تطرأ على الإستعاضة من عملية نطق بعض الألفاظ. إضافة لذلك زاوج نصوص قصائده بأنغام موسيقية ملائمة ليشنف الأسماع براحة نفسية يطغي عليها الإنسجام في طروحاته المقصودة ، وبإسلوب يُـيَـسّـر إدراك وإستيعاب تلك المفاهيم من خلال نصوص الكراس الورقي الملحق بمصاحبة  تفاسير المفردات الصعبة أو الغريبة على من لا يستوعب اللغة الفصحى.
لا يسعنا في نهاية كلمتنا إلا أن نشيد بما أقدم عليه الشاعر أوراهم في نتاجه الحديث ، كونه أضاف لبنة جديدة لصرح الأدب الآشوري الذي يشكو من شحة النتاجات الأدبية وبأية لهجة من لهجاتنا المتعارف عليها بين أبناء شعبنا بكافة انتماءاته المذهبية وتسمياته المختلفة وتصوراته المتفاوتة.
وبما أن كافة النتاجات الصادرة بلغتنا تؤطرها محدودية النشر والتوزيع ليقتصر توزيعها على بعض المكتبات والمحلات والمؤسسات المحددة والمتواجدة في المناطق التي يتواجد فيها أبناء شعبنا ، حيث عادة ما يكون العدد المطبوع والمنشور محدوداً أيضاً ، ولكي تضمن أي نتاج فما عليك إلا أن تتصل مباشرة بالمقرات المشار اليها أو على عنوان المؤلف نفسه. ومن أجل إقتناء نسختك من القرص الشعري المذكور نشير فيما يلي عنوان البريد الألكتروني للشاعر أوراهم لازار التالي :
orahimlazar@hotmail.com

 




بغية الإستماع لنماذج من القصائد اضغط على الملف التالي
 
http://www.ankawa.com/upload/634/SKRIVBAHIM.MP3

187
البروفيسور ميخائيل سهدو في ذمة الخلود
بقلم : ميخائيل ممو / السويد

Mammoo20@hotmail.com







كاتب السطور ميخائيل ممو مع البروفيسور ميخائيل سهدو في المؤتمر الآشوري العالمي الثاني المنعقد في موسكو بتاريخ 23 حزيران 2003

 
 
1934 ـ 2010

في الثلاثين من آب 2010 اختطفت يد المنون ناشط من نشطاء الحقل الأدبي الآشوري في روسيا المعروف بإسم البروفيسور ميخائيل يوخانوفيج سهدو ، وذلك في سان بطرسبورغ ـ مدينة لينينغراد ـ بعد صراع طويل مع المرض الغير قابل للشفاء الذي ألمّ به في سنواته الأخيرة، وليضاف اسمه الى جانب قائمة قافلة الأدباء المعاصرين الذين رافقهم وعاشرهم من أمثال الأخوين الأديبين رابي مارونا وكيوركيس أرسانس والدكتور ماتييف والصحفي ايليا برطانوف والكاتب عبدالوف وغيرهم ممن ضحوا بحياتهم من أجل إعلاء شأن الأدب الآشوري والوجود القومي في روسيا من خلال قصائدهم ومقالاتهم القيمة ومؤلفاتهم المنشورة والمخطوطة ومواقفهم القومية الجريئة على نهج السياسي والأديب الطبيب الراحل فريدون آتورايا.
ولد ميخائيل سهدو في التاسع من حزيران عام 1934 في ليننغراد من أبوين آشوريين كانا قد نزحا من أرض الأجداد حكاري في تركيا إبان الحرب الكونية من عام 1916 من جراء القمع والإضطهاد والتشريد الذي لحق بالآشوريين في عهد السلطنة العثمانية ، وكانت الأسرة مكونة من ثلاثة أولاد وبنت. ولقد تم قتل جده القس اسحق سهدو عام 1938 الذي خدم في كنيسة بافلوفسك ، وتم زج والده في السجن في ذات السنة وللمرة الثانية عام 1948.
ونتيجة للظروف القاسية آنذاك إضطرت العائلة للنزوح من ليننغراد في نيسان 1942 إلى قرية كراسنادار في اورميا ، وفي عام 1944 التحق ميخائيل هناك بالمدرسة الإبتدائية وقضى فيها سنتين ، وبعدها بعامين عادت العائلة الى ليننغراد ثانية ، ليواصل هو دراسته فيها حاصلاً على الشهادة الثانوية عام 1954 ، ومن ثم التحاقه لإداء الخدمة العسكرية منذ عام 1954 لغاية 1957 ، وليلتحق في نفس العام بجامعة ليننغراد بقسم الساميات ليتخصص باللغة الآرامية والعبرية والآشورية الحديثة ، مضيفاً  اليها العربية والألمانية تمهيداً لأطروحته عن " اللهجات الآشورية الحديثة في إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفياتية ومنها لهجة البق وكاور وبروار".
عام 1962 اقترن بالآشورية زينا لتكون حصيلة ذريتهما كيوركيس عام 1963  وسركون عام 1965. ونظراً لمواقفه الجريئة وتطلعاته المستقبلية في الاتحاد السوفياتي مع بعض الرفاق الجامعيين المناهضين للشيوعية ألقي القبض عليه من قبل الكي بي جي  وأدين بإتهامات مخالفة للقانون ليودع السجن لمدة 13 عاماً قضاها منفياً في منطقة نائية ، ليطلق سراحه فيما بعد بتاريخ 15 آب 1977. كما وإن طموحه ودراسته أهلته بعد عودته ليتسنم كرسي الأستاذية في أكاديمية سان بطرسبورغ اللاهوتية الارثوذكسية بتدريس اللغة العبرية والآرامية منذ عام 1980 لغاية 2001 ، وعلى أثرها ولمناسبة الذكرى 275 لتأسيس البطريركية والذكرى الخمسين لإحياء المدارس اللاهوتية في سانت بطرسبورغ منح جائزة تقديرية عام 1996 لجهوده في الأكاديمية.
وفي الحقل القومي والثقافي الآشوري في الإتحاد السوفياتي كحركة معاصرة ، كان البادئ في هذا المجال بإعتباره في مقدمة من نادى بتأسيس المدارس الآشورية الخاصة للتعليم في ليننغراد 1979 ـ 1985 ، إضافة لتنظيم المهرجانات الآشورية ودعواته لتشكيل الإتحاد الشامل للمسيرة الثقافية والإجتماعية. كل هذه الطموحات دفعته لأن يتولى عدة مسؤوليات والتي منها توليه رئاسة جمعية " آثور" عام 1995 ، وعضوية لجنة التنسيق الآشورية منذ عام 1991 لغاية 1995. وإلى جانب ذلك اهتمامه البالغ بترجمة القصائد والأغاني الروسية الى اللغة الآشورية المعاصرة بدلالة كلمات اغنيته الشهيرة " الربيع ". كما وأنه لم يتوانى قط في جمع المعلومات عن مصيرالآشوريين في روسيا ، فكانت حصيلة هذا العمل الجاد نشره لكتاب بعنوان " السيرة الذاتية للآشوريين في روسيا " طبع عام 1990 وأعيد نشره عام 2006. إضافة لمساهمته الفعالة في إقامة نصب تذكاري في مقبرة بطرسبورغ لضحايا الآشوريين من جراء القمع الستاليني.
عرفت هذا الإنسان عن كثب من خلال عدة لقاءات لي وأياه سواءً في موسكو أو أثناء زياراته للسويد في عدة مناسبات كان آخرها انعقاد المؤتمر الآشوري العالمي الثاني لبحث القضايا القومية والثقافية واللغوية المنعقد في موسكو بتاريخ 23 حزيران 2003 ، حيث تولى مسؤولية تقديمي في المؤتمر وليكون المتداخل الرئيسي عن مضمون محاضرتي الموسومة " أهمية اللغة الآشورية وصعوبات التعليم " وليزيدني فخراً بمجالسته ومداخلاته المستمدة من خبراته الواسعة الآفاق في المجال اللغوي.
بقي لنا أن نقول في نهاية حديثنا لهذه المناسبة الأليمة والمحزنة ، كيف بنا أن نرتقي بوجودنا القومي إن لم نحتفي ونبجل من يضحوا بحياتهم من أجل هويتهم القومية ومشاعرهم الإنسانية وخدمة مجتمعهم في كافة المجالات التي يدونها التاريخ ويؤطرها بالمواقف الإيجابية، ومثلما استعرضناه عن سيرة حياة المرحوم ميخائيل سهدو ، وهناك المئات بل الآلاف من أمثاله طويت اسماؤهم في السجلات المنسية للتاريخ دون أن نعر أهمية لأتعابهم وخدماتهم ومواقفهم.
إذن دعونا نمتثل لما يقال: امنحني وردة بسيطة في حياتي بدلاً من الآكاليل التي ترمى هباءً على قبري. وهذه هي الحقيقة ، لنمنح الشهيد الحي قوة العمل ونثمن أعماله طالما لا يزال على قيد الحياة ، ليستمد تطلعاته بشكل أفضل فيما يهدف له في مسار حياته لخدمة الجميع من بني الإنسانية. 
وفي خاتمة المطاف لا يسعنا إلا أن نخاطب روحك الطاهرة بقولنا: نم قرير العين في مثواك الأبدي لترعاك ملائكة الرحمة على تلك مآثرك الحميدة التي ورثتها لنا لتكون دوماً مدعاة فخر بما خلفته لنا. آملين من العلي القدير أن يسكنك فسيح جناته إلى جانب شهداء امتنا مستقبلاً أياك الشهيد فريدون اتورايا ، وأن يلهم الله أهلك وذويك الصبر والسلوان.

 

 

188
الشهادة وعي وشجاعة وإيمان
بقلم : ميخائيل ممو

نعم... الشهادة وعي وشجاعة وإيمان ، وعي لمجريات الأمور ، وشجاعة تجتاز الشرور وبالتالي إيمان لا ينتابه الفتور.
من هذه المنطلقات يقحم الأنسان نفسه لنيل قدسية الشهادة على مذبح العقيدة التي يلتزم بمبادئها ليسقي بدمه بذور استمرارية التطلعات المستقبلية لوجود من ينضوي تحت لوائهم لإثبات بقائهم وديمومتهم بغية الحفاظ على صفات عفة وطهارة الإنتماء الشرعي ، ولأي شعب من شعوب العالم سواءً في ساحات الوغى ، أو من جراء مظالم الإنتماء السياسي والقومي أو بشكل آخر من ضغوط وتضييقات الإرتداد الديني والإثني.

بناءً لمثل هذه التطلعات ، إرتأت العديد من الشعوب التي عانت الويلات من ظروف الحروب والظلم والإستبداد على صهر وإذابة هويتهم القومية والوطنية ، على إتخاذ رمز ٍ مُعبر عن قدسية الشهيد ، إنطلاقاً من واقع مأثرة مأساوية في تاريخ ذلك الشعب بغية التخليد والإحتفاء بذكرى الذين ضحوا بدمائهم الزكية على مذبح نيل الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وأكبر دليل على ذلك تلك الأنصاب التاريحية التي تتوجها عبارة " الجندي المجهول" في أبرز ساحات العالم.

وبما أن الشعب الآشوري بكافة انتماءاته المذهبية ، ومن يتمثل بروح عناصر الإنتماء القومي ويحمل بذورها يكون مشمولاً في دائرة البوتقة التي نعنيها ، ومن يشعر ذلك الشعور هم أبناء الطليعة الواعية التي تتمخض عن رؤاهم مفاهيم الإنتماء الصادق ، ليكونوا جسراً يرتاده من تغافل عن مسار العبور الصحيح للوصول الى الطريق القويم.

إن تلك الطليعة الواعية المتمثلة بشخصيات الإتحاد الآشوري العالمي وتحديداً في بداية السبعينيات من الألفية الثانية ، حتمت عليهم مشاعرهم القومية في مؤتمرهم بطهران على رسم صورة تمجيد ذكرى الشهيد الآشوري في إطار تزخرف محتواه ضحايا مجزرة قرية سميل الأليمة الجريحة والتي لا زالت دماء ضحاياها تسقي وتحيي جذور ما ينبت على أرضها معلنة ومخاطبة الأجيال اللاحقة من بني آشور بأن الدم المراق هو ماء الحياة لبقائنا واستمرارية وجودكم ووجودنا.

حين رسمت الطليعة الواعية تاريخ اليوم السابع من آب كرمز مقدس للإحتفاء بذكرى الشهداء الآشوريين لم يكن الأمر إعتباطاً ، ولم يكن من أهواء عاطفية ، ولا تناسياً أوتغافلاً عما عاشه ولحق بأبناء المجتمع الآشوري من اضطهادات وتجاوزات ومذابح على أراضي سكناهم الأصلية على مدى آلاف السنين ، والتي تُعد أضخم وأوسع وأمرّ وأقسى مما هو عليه في أرض الأبرياء من مذبحة سميل قياساً بإحصائيات الضحايا والخسائر والتهجير القسري المؤدي لإلتحاف سماء البراري والأراضي القاحلة المبتلية بالأوبئة القاتلة ، وغير ذلك من المسببات التي قوّظت صفوفهم.
كما وإن تلك الطليعة لم يكن مرماها أن تتناسى الملايين من شهداء الإيمان الديني ، وشهداء العفة والطهارة وشهداء عقيدة الإنتماء القومي للدفاع عن حقوقهم من أجل الحياة الحرة الكريمة قياساً بآلاف الضحايا في القرية الوادعة التي لا زال جرحها يتقطر دماً زكياً كشهادة للتاريخ وللأجيال المُقبلة.

إن الوازع الذي حدا بالطليعة لإقرار السابع من آب كان تيمناً وتبجيلاً وتباهياً بتلك الأرواح البريئة التي لاقت ما لاقته من مظالم وحشية يُندى لها الجبين في سلسلة مجريات العصر الحديث ، وكما وصفتها وسائل الإعلام العالمية آنذاك وحفظتها رفوف الخزائن كشاهد للتاريخ للصالحين ممن يعيدوا كتابة وقائع وأحداث الشعوب المظلومة.  إضافة لكونها آخر المذابح الجماعية في تاريخ ومسيرة الشعب الآشوري في مناطق سكناهم الأصلية وعلى أراضيهم الشرعية ، وإلى جانب ذلك كشف أعراض أمراض لؤم المستعمر الغابر الذي أنكر وعوده التي قطعها للشعب الآشوري بحمايتهم وتحقيق أهدافهم ، وبدلاً من أن يلتزم وعود العون سار على مسار بطش الروماني  نيرون وغيره ممن سَوّدوا صفحات طروس التاريخ.

إن هذه المناسبة التي أضيفت إلى سجل العديد من مناسباتنا القومية والدينية ليتم استذكارها والإحتفاء بها سنوياً أينما تواجد أبناء الشعب الآشوري ، انتشر صدى دويها حتى بين شرائح المجتمع العراقي وشعوب العديد من الدول بشكل رسمي بدلالة الحضور والمشاركة المباشرة، وأكبر دليل على ذلك مساهمة شخصيات برلمانية من الحكومة الإسترالية بعد مرور سبعة وسبعين عاماً بإلقاء كلماتهم في اليوم الذي ازيح الستار عن النصب التذكاري للشهداء الآشوريين في إحدى ساحات سدني من هذه السنة لتنتعش أرواح الشهداء وتبارك خطواتنا وتقوينا على المضي قُدماً في تحقيق ما نصبوا اليه ، وكذلك ما أقدم عليه البرلمان السويدي مؤخراً للإعتراف بمذابح الآشوريين والأرمن واليونانيين عام 1914 ـ 1918.
وعلينا أن لا ننسى بأن وسائل الإعلام بما فيها السمعية والمرئية والمقروءة تغطي أحداث هذه المناسبة بما يجري في مقرات الجمعيات الآشورية وفي كافة أنحاء تواجدها منفردة أو مجتمعة ومتمثلة بالإحزاب والمؤسسات الثقافية والإجتماعية والدينية. وعلى ذكر الدينية باتت الكنائس أيضاً ومن خلال الهياكل الكنسية للآباء الروحانيين يستذكرون مفاهيم الشهادة والإستشهاد وعلى وجه الخصوص في الكنائس المشرقية التي لاقت الويلات طيلة تواجدها في المواطن الأصلية منذ اعتناق المسيحية ، ولا زالت حتى يومنا هذا بما يتراءى للعالم أجمع في بلاد النهرين ومن خلال الفضائيات الإقليمية والعالمية.

بقي أن نعلم في خاتمة كلمتنا هذه بأن مجد الشعوب وحضاراتهم لا تُبنى وتُرتقى إلا بدماء الشهداء كونهم يتحلون بالوعي والشجاعة والإيمان ، وتضحيتهم من أجل الأجيال الآتية من بعدهم للحفاظ على هويتهم وانتمائهم القومي.
من خلال مقالتي هذه لا بد لي أن أشير للإحتفاء الذي أقامه نادي بابيلون الآشوري بمدينة يونشوبينغ في السويد الذي نظمه في السابع من آب في مقره الدائم بمشاركة أكثر من عشر ة خطباء ألقوا كلمات وقصائد جسدت الأحداث الأليمة والمعاناة والمظالم ومفاهيم الشهادة وما يستوجب اتباعه والعمل من أجله لتحقيق الوحدة والتآخي ونيل الحقوق القومية على ضوء المواثيق والإتفاقات الدولية المنبثقة عن هيئة الأمم ولجان حقوق الإنسان.
افتتح التأبين كاتب السطور بكلمة استعرض فيها أبشع المظالم التي عانى منها أبناء الشعب الآشوري منذ سقوط الإمبراطورية الآشورية لحد يومنا هذا، ليتبعه القس وردا أوراهم من مدينة يوتوبري وبمشاركة الشمامسة ادمون أوراهم وجبرائيل مركو ووليم ميشائيل إضافة لإسحاق ايليا عن الحركة الديمقراطية الآشورية ومن ثم شومير من مدينة لينشوبينغ وخوشابا يونان وايلشوا يونادم  وآشور اوديشو وبسام بطرس وشموئيل ياقو، حيث دام الإحتفاء لأكثر من ثلاث ساعات مختتماً أياها كاتب السطور للمرة الثانية بقصيدة حوار بين الشهيد والأمة والتاريخ ، وبدلالة صور جمهور الحاضرين المرفقة.
    
  
 


  
  
            

189
نتاجات بالسريانية / يا سميل
« في: 23:01 05/08/2010  »

190
دعوة للمشاركة في المسيرة الإحتجاجية ضد التفجيرات الأخيرة التي استهدفت
الطلبة المسيحيين في جامعة الموصل / العراق


دعوة استنكار لحملات  التطهير العرقي والإبادة الجماعية للمسيحيين في العراق


ان تردي الأوضاع في وطننا العراق بعد التاسع من نيسان 2003 بإنتشارالعصابات والميليشيات الإرهابية بدأ أبناء الشعب العراقي قاطبة بكافة انتماءاته القومية يعيش حالة الذعر والتهديد والإختطاف والقتل بسبب الهوية والمعتقد وخاصة المسيحيين بكافة انتماءاتهم المذهبية ، وذلك بإجبارهم على إنكار دينهم أو دفعهم للفدية وبالتالي تهجيرهم من بيوتهم  إبتداءاً بتفجير الكنائس واختطاف رجال الدين ليتجاوز الأمر مناطق سكنى المسيحيين بأبشع الطرق والأساليب اللاإنسانية التي لا تبيحها الشرائع الدينية قاطبة.
إن حملات الإرهاب البشعة طالت الأطفال الأبرياء والشيوخ الطاعنين في السن من الرجال والنساء والشبيبة التي هي عماد الوطن.
كل هذه الأساليب ليعيش بلد الرافدين أحلك أيام في تاريخه الطويل على مدى سبعة آلاف سنة ، بغية اخلائه من أبنائه الأصليين من الآشوريين والكلدان والسريان وتهجيرهم قسراً ، حيث نرى اليوم أكثر من نصف مليون طرق ويطرق أبواب دول أخرى حفاظاً على أرواحهم ، وأكبر دليل على ذلك موجات الهجرة المتتالية إلى الدول الأوربية والسويد بشكل خاص.
من خلال دعوتنا هذه نطالب الرأي العام العالمي بكافة منظماته الديمقراطية والعادلة ومنها منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة الإمم المتحدة ومجلس الدول العربية والحكومات للتدخل على وضع حدّ ٍ لتجاوزات سكب دماء الأبرياء بإيقاف حملات التطهير العرقي والإبادة الجماعية. كما ونطالب الحكومة السويدية أن تنظر بعين العطف والرحمة لآلاف العراقيين والمسيحيين المتواجدين في السويد والمهددين برفض بقائهم في بلد الحرية والديمقراطية لكي لا يكون مصيرهم مصير الجريمة الشعناء التي استهدفت بناة العلم والمعرفة من أبناء بغديدا  طلبة جامعة الموصل بمدينة نينوى الخالدة خلود الدهربأصالتها الحضارية التاريخية.
لذا نهيب بالمناصرين لأبناء شعبنا بكافة شرائحه المناهضة لإعمال العنف والإضطهاد والحملات الإرهابية  المشاركة في المسيرة الإحتجاجية التي تنظم بمدينة يونشوبيغ في السويد ، وذلك في تمام الساعة الحادية عشر من يوم السبت المصادف 15 /5/2010 حيت يتم التجمع في كنيسة مريم العذراء  بمركز المدينة مقابل كنيسة صوفيا ثم التوجه نحو رود هوسيت لتسليم مذكرة الإحتجاج. آملين حضوركم في الزمان والمكان المشار اليهما ، مع شكرنا لكم سلفاً لتعضيدكم وتجسيد مشاعركم الوطنية والإنسانية.
شرائح المجتمع العراقي بمدينة يونشوبيغ / السويد



193
ذكرى رحيل الشاعر سركون بولص

بقلم: ميخائيل ممو / السويد

آه من فواجع الهجرة في ديار الإغتراب ...
فاجعة تلو الفاجعة ، نقاسي وَقعها ، نتأسى بندبها ، نرتعش من هولها ، ونتأوه بذكرها...
بالأمس ودعنا الجواهري بصمت ، والبياتي بلوعة ، والسبتي بحسرة وغيرهم من الخالدين..
وآخر من التحق بهم من جعل لحافه الأبدي سماوات بلدان الغربة ، الشاعر الذي عاش الغربة بغرابة بويهيمية قاتلة ومؤنسة في نظره هو الشاعر سركون بولص.

قبل عامين ، وفي اليوم المصادف 31 تشرين أول ، وارى الثرى جثمان الفقيد الشاعر سركون بولص بمدينة سان فرانسيسكو في أمريكا ، والذي باغتنا برحيله الأبدي الى الأخدار السماوية  وفي ديار الغربة في آخر زيارة له لأوربا أثناء مشاركته في مهرجان الشعر العالمي في روتردام بهولندا ، ومن ثم سفره الى جنوب فرنسا للمشاركة في المهرجان الشعري المُقام في مدينة لوديف، حيث تحسس هناك بمرض مُفاجئ لم يقوَ على  تحمله ، مخاطباً أياه الرحيل إلى برلين  بين أعز رفاقه من حملة القلم الحر وبشكل خاص الشاعر مؤيد الراوي وعقيلته فخرية اللذان يعزهما كثيراً وزميله الشاعر خالد المعالي ، غير مستدرك وواع ٍ بأن المرض سيداهمه بقوة ويدعه في غيبوبة ليرقد بالتالي في مشفى برليني ، وليوافيه الأجل المُحتم يوم 22 نشرين أول عام 2007.

ولمناسبة مرور عامين على رحيل شاعرنا الفذ سركون ينبغي أن نكون صادقين وأوفياء لإحياء ذكراه السنوية طالما ضحى بحياته من أجل الحركة الشعرية في العراق بشكل خاص والأدبية بشكل عام على مستوى العالم العربي والعالمي  كآشوري عراقي أصيل ومتميز بمواقفه الإنسانية التي آمن بها لإعلاء كلمة الحق والعدل في كل بقعة أرض وطأت فيها قدماه ، كونه كان كثير الترحال طيلة حياته التي لم تعرف طمأنينة الإستقرار منذ أن هاجر الوطن في الستينيات عبر سوريا ولبنان ومن ثم امريكا وبعدها زياراته المتفاوتة بين الدول العربية والأوربية.

إن القول في شاعرنا الراحل يطول به المقام لو استعرضنا جوانب حياته الأدبية والمحطات التي توقف فيها وعانى ما عاناه. داعياً القلم والورق أقرب المقربين له والتأمل ديدنه الأسمى في الحياة، ومن جراء ذلك نادراً أن نجد من تحلى بصفاته ، حيث كان صادق الود ، صارم الكلمة ، جم اللطف ، طلق النفس ورضي الشمائل ، معتلياً البرج الذي شيده بلبنات الكلمة ومعمداً أياه بمعبد الشعر ، ذلك المعبد الذي أوحى له الثقة العالية بالنفس لتدعه يتيقن بأن لهيب نور السراج يرتعش كمؤشر على نفاذ زيت الإناء ، وليؤكد ذلك بحتمية ما قاله مرة :
" تـَلـَقــّاهُ النهرُ الهائجُ كأنه ذبيحة ، صارع قليلاً ، صاحَ مرة ً وإختفى "
نعم ، وبإختفائه شاع صدى اسمه لنبحث عنه في دواوينه الشعرية وقصصه القصيرة وترجماته المتنوعة ، وما كُتبَ ويُكتب عنه في كافة وسائل الإعلام.
يقول سركون في إحدى قصائده:
نادتني الأشجار لأنام
وفي حلمي وجدت باباً
بين الغابة والطريق
حيث جلست على صخرة لأستريح
وألقي نظرة أخيرة ورائي
هكذا يصف سركون مغامرة الفتى الهارب من القرية ، ليعيش بالتالي في المدينة ، وها هو ايضاً يحذو حذو الهارب ليعيش في برلين التي أحبها واعتاد على زيارتها ليلقي نظرته الأخيرة عليها.

ولهذه المناسبة الأليمة التي تدعنا نخاطب روحه الطاهرة ،  نقول لك يا زميلنا سركون: لا تنتابك الغرابة إن بكيناك بدموع سخية ، وتأسينا على رحيلك الأبدي. لأن الخسارة التي مُنِيَت بها ممالك الكلمة وعوالم الشعر كبيرة لا تعوض.
لا بأس عليك في عالمك الجديد ، طالما نسجت من الحروف ستائر لنوافذ رؤياك ، ولطالما رصفت من كلماتك لـُبنات لمحراب عبادتك ، دعْـك تـُكمل المسيرة مع رفيقك جان دمو والقيسي في مملكة أين التي تخلدت بإسمك في ديوانك البكر " الوصول الى مدينة اين" والموسوم بإسمك المُركب من السر والكون يا سركون. وها أنت اليوم قد وصلت لتلك المدينة لتلتقي من سبقوك اليها.
نم قرير العين في مثواك الأخير.. نم مستريح البال معطراً بشذا الفضيلة.. نم مطمئناً تخلدك تآليفك و تعززك  مواقفك وتراجمك... وكأنك تعيش بيننا دوماً وأبدا.

إسم كبير في رحلة الشعر العراقي

ولد في الحبانية 1944
انتقل الى كركوك 1956
انتقل الى بغداد عام 1964.
هاجر الى بيروت عام 1967.
حط به المقام في امريكا عام 1969.
تنقل في البلاد الاوربية والعربية منذ 1970.
عاش في اليونان واشتغل هناك عام 1983ـ1985
بعد مرض مباغت وافاه الأجل ببرلين يوم 22 تشرين أول 2007.
وارى جثمانه الثرى في بلاد الإغتراب بمدينة سان فرانسيسكو 31 ـ 10 ـ 2007. 
       



 


مؤلفاته المنشورة والمخطوطة


1. يوميات في السجن / يتضمن  ترجمة ليوميات هوشي منـّه /1968/ بيروت
2. كتاب عن فيروز / 1971 / امريكا
3. الوصول الى مدينتين / قصائد بالإنكليزية / 1982 / واشنطن
4. الوصول الى مدينة أين / شعر / 1985 / اليونان
5. الحياة قرب الأكروبول / شعر / 1988 / المغرب
6. الأول والتالي / شعر / 1992 / المانيا
7. حامل الفانوس في ليل الذئاب / شعر / 1996 / المانيا
7. غرفة مهجورة / مجموعة قصص / 1996 / الماني8
9. إذا كنت نائماً في مركب نوح / شعر / الماني
10. شهود على الضفاف / شعر بالعربية والألمانية / 1997 / المانيا
11. هناك في ضياع وظلام النفس والآخر/ قصائد مترجمة للعربية
12. اساطير وتراب / سيرة ذاتية بالبوسنية والألمانية
13. ديوان عظمة أخرى لكلب القبيلة / وضع اللمسات الأخيرة عليه قبل وفاته بيومين.
14. مجلة دجلة بالإنكليزية ، أصدر عدة أعداد منها في امريكا
15. مجموعة من القصص القصيرة بالعربية نشرت في عدة مجلات

مخطوطاته ومشاريعه المستقبلية التي حلم بتحقيقها
1. بحر المتاعب / دراسة
2. رقائم لروح الكون / قصائد مترجمة
3. آشور بانيبال في سان فرنسيسكو
4. الهجرة من آشور الى بلدان الآشياء الأخيرة / قصيدة
5. أم آشور تنزل ليلاً الى البحر
6. ديوان عاصمة آدم / نشر اجزاء منه في مجلة مواقف
7. كتاب النبي لجبران / ترجمة الى العربية
8. ديوان شاحذ السكاكين / قصائد مختارة بالإنكليزية
9. العقرب في البستان


من أقوال الشاعر الراحل



* البضاعة الوحيدة التي تشبه الذهب هي الطريق.

* اللغة اصبحت بالنسبة لي نفيسة جداً لأنها ذخيرتي الوحيدة.

* لا يمكن أن تحتمل وجودك في بلد يفكر أينما ذهبت.

* اؤمن بأن الشاعر ينبغي أن تكون له خصوصية حقيقية بالتفاصيل، بالأحداث، بالفواصل الذهنية التي تترجم نفسها فيما بعد الى تعابير، الى اسلوب ، الى خلفية والى تركيبة.

* أني أجد أن الشعر بالنسبة الى حاجة عظيمة ومخيفة وسحرا أحتاجه لذلك فإن الشعر لا يعني أي شيء عندما يكون مجرد نتاج

* نحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطئ لأن قصيدة النثر في الشعر الأوروبي هي شيء آخر.
وفي الشعر العربي عندما نقول قصيدة النثر نتحدث عن قصيدة مقطعة وهي مجرد تسمية خاطئة، وأنا أسمي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحر كما كان يكتبا إليوت وأودن وكما يكتبه شعراء كثيرون في العالم الآن.

* الحداثة هي مفهوم غامض وصعب التفسير ويعتمد على موقف الشاعر الشخصي من الثقافة والعالم بشكل عام. أي إن الثقافة تجربة تقف وراء الشاعر والتي تقرر مدى فهم هذا الشاعر أو ذاك وعلى أي مستوى من ما نسميه بالحداثة.
* أرى الآن أن الشعر بحر والشاعر هو الصياد وهناك شبكة ما. ولنقل أن الشبكة هي القصيدة وعليه (أي الشاعر) أن يخلق تلك الشبكة وهذا عمل يستغرق طيلة الحياة.

* في مفهومي إن الشعر نوع من السحر الذي من الممكن أن يغير حياتك كاملة، كما قصد ذلك ريلكة في قصيدة له عندما قال "عليك الآن أن تغير حياتك"
*  أنا دائما أفكر بأن الثقافة شيء جميل لكنها غير كافية لتفسير التجربة البشرية. 

199

مؤتمر الاتحاد الاشوري العالمي في يونشوبينغ / السويد

لمناسبة انعقاد مؤتمر الإتحاد الآشوري العالمي ، الخامس والعشرون ، بتاريح 4 /9 / 2008  بمدينة يونشوبينغ في السويد ، ينتهز نادي بابيلون الآشوري لإقامة عدة ندوات مفتوحة مع المسؤولين من أبناء شعبنا الآشوري والقادمين من دول عديدة كايران وامريكا واستراليا واوربا وارمينيا ، وكما اعتاد النادي سابقاً في لقاءاته مع احزاب ومنظمات ابناء شعبنا بغية القاء الضوء على أوضاع الآشوريين في البلدان التي يقطنوها.
لذا فأننا ندعو كافة المهتمين ممن لهم الرغبة في الإستماع لما يطرحه الوافدون من معلومات الحضور في مقر النادي وفق البرنامج المُعد لهم بالشكل التالي:

الخميس 4 / 9/ 2008 ، الساعة السادسة مساءاً : افتتاح المؤتمر والدعوة عامة للجميع من الأحزاب والمنظمات والراغبين في الحضور ، حيث يتضمن الإفتتاح فيما بعد معلومات عامة عن ابناء شعبنا في امريكا وانكلترا.

الجمعة 5 / 9 / 2008 : اجتماع مغلق للمؤتمرين.

السبت 6 / 9 / 2008 ، الساعة السادسة والنصف مساءاً : لقاء مع وفد ارمينيا واستراليا وهولندا.

الأحد 7 / 9 / 2008 ، الساعة السادسة والنصف مساءاً : لقاء مع وفد ايران ، اضافة لنتائج اختتام المؤتمر والبيان الختامي.

لذا نهيب بأعضاء النادي وغيرهم للحضور في هذه الأمسيات والإستفادة مما يتم طرحه ومناقشته بغية النفع العام ، علماً بأن اعضاء المؤتمر يواصلون اجتماعاتهم الخاصة والمُغلقة في الفترة الصباحية.

وفي الختام نقول: ان ما يهمك يهمني ، وما يهمني حتماً يهمك ، اذن لا ندع الفرصة تفوتنا لنتقابل معاً ونتناقش معاً ونتفاهم معاً بما نفكر به ونتمناه كشعب اشوري للحفاظ على وجوده وديمومته.
ولا تنس بأنه ربما نتفاوت في الرأي ولكن ليس معنى ذلك ان نتفاوت في الهدف الذي نسعى جميعنا لتحقيقة اينما تواجدنا.

اللجنة الثقافية
نادي بابيلون الآشوري
يونشوبينغ / السويد

200
حفل تأبيني لذكرى الشهداء الآشوريين
في نادي بابل الآشوري بمدينة يونشوبينغ

اعداد : اللجنة الثقافية

دماء الشهداء الآشوريين دين دائم برقبة كل آشوري مؤمن بوجوده القومي وانتمائه الإنساني.
لقد ناضلوا من أجل بقائك ، ضحوا من أجل تحقيق آمالك ، واستشهدوا ليكونوا رموزاً حية لديمومتك بقهر قوى الظلم والاستعباد.
وللمناسبة التي تكلل اسمها بيوم احياء ذكرى الشهداء الآشوريين ، أقام نادي بابل الآشوري بمدينة يونشوبينغ / السويد حفلاً تأبينياً في الساعة السابعة والنصف من مساء السبت المصادف 9 آب 2008 ، حضرها من هم ظلال اولئك الجهابذة بوعيهم القومي وادراكهم الحسي وتقديرهم الدائم لذكراهم للمواقف الشريفة التي ادت لسفك وإراقة دمائهم الزكية على مذبح الحرية والديمقراطية والعدالة لترفرف ارواحهم الى الاخدار السماوية.
بعد دقيقة صمت على ارواح الشهداء ، اعلن عريف الحفل السيد الفونس شمعون عن بدء الحفل التأبيني من خلال ترحيبه بالحاضرين ، وممهداً لمفهوم هذه الذكرى ، شاكراً فيها من أولوا اهتماماً بالحضور لقضاء ساعتين بسماع ما استجمعت عقول الخطباء من مضامين متفاوتة والبالغ عددهم احد عشر متكلماً.
بعد هذه التقدمة استدعى رئيس النادي الاديب الأستاذ ميخائيل ممو ليلقي كلمة الهيئة الادارية باللغة الاشورية والتي تضمنت ثلاثة مفاهيم مترابطة بمضمونها المنطقي بإلقائه الضوء على مفهوم القومية والتضحية والشهادة بين الامس واليوم ، ثم تبعها بقصيدة حوارية مؤثرة يتحاور فيها الشهيد والأمة والتاريخ.
ومن ثم اعتلى منصة الخطابة الخوراسقف دانيال شمعون مرتجلاً كلمته بقوله: من الصعب الوقوف في مثل هذه اللحظة الأليمة للتعبير عن الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن وجودهم لإيمانهم بدينهم وقوميتهم ، ومن ثم مسترسلاً بتسليط الأضواء على معنى الشهادة ، طالباً من الرب أن يذكرهم في ملكوته السماوية.

من بعده تفضل القس يوخنا ياقو واستدرج في كلمته عواقب مجزرة سميل 1933 في عدة اعتبارات ، مختتماً كل اعتبار بعبارة من هو عدونا الحديث ، وبتسلسل زمني استشهد بما تعرض له ابناء شعبنا في كل زمان ومكان ، وآخر تلك المواقف التي يعمد منها محو وجودنا بسرقة واتلاف وافتقاد مآثرنا التاريخية وبآلاف المنحوتات.

أما السيد جورج حداد ألقى كلمته بإسم الحركة الديمقراطية الآشورية ، تحدث فيها عن مجزرة سميل ، مشيراً ايضاً الى التهجيرات القسرية التي يُقصد منها اضعاف وجودنا على مهد اصالتنا منذ العهود السابقة وعلى ما يُخطط  له اعداء الانسانية في الحفاظ على الوجود القومي على ارض الاباء والاجداد.
فأضاف قائلاً: " ونحن نستذكر هذا الواقع المأساوي ومئات الآلاف من الضحايا، فان ذلك يقودنا الى ان نقول بان العقلية التي ارتكبت مذابح سميل، لا زالت ماثلة وتفعل فعلها الى يومنا هذا عبر سياسات الاقصاء والاستئثار والتفرد بالسلطة ثم الفرقة والتناحر".

ثم جاء دور الشماس جبرائيل مركو ليتحدث عن المفهوم السياسي ، حيث بدأ كلمته بقوله: المسيح لم يستطع تحريرنا  الى أن أصيح شهيداً لما آمن به ونشر دعوته ، وبلا شهادة لا وجود لديمومة الحياة. ومن هذا المنطلق نجد ان الرأي السياسي بدأ في أورمي وديار بكر منذ العشرينات وعلى ايادي الخالدين فريدون اتورايا ونعوم فائق وغيرهم ، وامتداد ذلك في العمادية في مطلع الثلاثينيات بنشر الفكرة القومية والوطنية والسياسية كخطوة أولى ، ومن جراء ذلك التآلف كانت الجريمة النكراء التي حصدت الاخضر واليابس في قرية سميل الثكلى الى اليوم. واختتم كلمته بقوله: السويد اكثر راحة لي مما في الوطن إن لم اتمتع بحقوق قومية ، وهدفنا هو ان يتم تحقيق ذلك في العراق.
وفي مجال الشعر انطلق السيد حبيب شابو بمقولة كلنا حزانى لمناسبة ذكرى مجزرة سميل وشهدائنا الأبرار، ثم  ترنم بقصيدة عنوانها " عناد الشهيد مع الجلاد " بلهجته العينكاوية المؤثرة والتي طغى عليها روح الحزن والمأساة ، وكأنه يقول: التضحيات لا تضيع سدىً اذا كان الشعب حياً ، ولا يضيع حق وراءه مطالب.

ولأول مرة شارك السيد سمير يوسف ـ استاذ جامعي في السويد ـ حفزته مشاعره وتأملاته القومية لكتابة قصيدتين باللغة السويدية بدافعين هما: حبه وتقديره للوطن الذي احتضنه ويعيش فيه والدافع الآخر ليوصل فكرته للكثير من شبابنا باللغة التي هم أجدر بها. كانت القصيدة الأولى باسلوبها السلس توصف ما حصدته أيدي الطغاة في قرية سميل من الصغار الأبرياء والكبار النجباء والشيوخ الوقورين. وفي القصيدة الثانية التي كانت بمصاف الأولى توجها بعنوان " الى روح الشهيد فرنسيس شابو " ، اضافة لذكره كوكبة الشهداء الشباب وفي مقدمتهم يوسف ويوبرت ويوخنا الذين كانوا ضحية العهد الزائل.

ثم تقدم السيد خوشابا يونان والقى قصيدة باللغة الاشورية على شرف الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحفاظ على هويتهم القومية ، مستعرضاً فيها بعض الجوانب المؤلمة المت بممتلكي الارض التي ترعرعوا عليها وسقوها بعرق جبينهم ، لتسقى ثانية بدمائهم الزكية هدراً ، ولتبقى آثارها شاخصة كقوة دافعة لأجيال المستقبل.

كما وشارك السيد جوني خوشابا بكلمة ارتجالية اشار فيها بأن التاريخ سلسلة حلقات ولكل منها دورها الفاعل في شكلها المتكامل ، قاصداً من ذلك الأحداث المتوالية التي عاشها الشعب الاشوري على مدى التاريخ القديم والحديث ، مستشهداً بأولئك المؤمنين الذين تم ابادتهم في قلعة كركوك من أجل ايمانهم الديني وتراثهم اللغوي ومناشدتهم بالجرية من أجل البقاء.

أما الشماس يوئيل ياقو فقد شارك بقصيدة للشاعر ميخائيل ممو بعنوان " وصية الشهيد الآشوري " التي جاء في نهايتها عن الاجتماع الذي عقدته ارواح الشهداء في الدنيا الآخرة والقرارات التي توصلوا اليها بغية ايصالها لأبناء شعبهم الشهداء الأحياء على الأرض اليوم.

وفي الختام القى السيد ميخائيل ممو قصيدة جديدة بعنوان " مرثية الى العراق " تناول فيها الأحداث المأساوية التي مر بها العراق ما قبل السقوط وبعده بوضع بصماته على الجراح التي يعاني منها الشعب العراقي بشكل عام ، آملاً في نهايتها بإسم قوة كلكامش وهيبة عشتار أن يلقيا بظلهما على الجسد العراقي الذي يمزقه الداء الطائفي العضال. نقتطف ما جاء في نهايتها المقطع التالي:
وأسفاه عليك
يا وطني
يا وطن العراق
بإسم التحرير
ألبسوك جلباب المحن
وأنت لا زلت حياً
زينوك بقماش الكفن
لتباع بأبخس الثمن
في أرخص الأسواق
فآه عليك ، وألف آه
من لهفة الأعماق
يا عراق


201
حفل تأبيني لذكرى الشهداء الآشوريين

دماء الشهداء الآشوريين دين دائم برقبة كل آشوري مؤمن بوجوده القومي وانتمائه الإنساني. لقد ناضلوا من أجل بقائك ، ضحوا من أجل تحقيق آمالك ، واستشهدوا ليكونوا رموزاً حية لديمومتك بقهر قوى الظلم والاستعباد.
وللمناسبة التي تكلل اسمها بيوم احياء ذكرى الشهداء الآشوريين ، يقيم نادي بابل الآشوري بمدينة يونشوبينغ / السويد حفلاً تأبينياً خاصاً لهذه المناسبة.
لذا نهيب بمن تحز في نفسه اعتبارات هذه الذكرى الخالدة ويود المشاركة والمساهمة بكلمة أو قصيدة أو أي نشاط آخر يخص الحفل الإتصال برئيس النادي أو مسؤول اللجنة الثقافية المدرج اسميهما ادناه ، وذلك بغية تنطيم البرنامج.

الوقت والتاريخ : الساعة السابعة من مساء السبت المصادف 9/8/2008
المكان : قاعة نادي بابل الآشوري بمدينة يونشوبينغ

مسؤول اللجنة الثقافية                                                    رئيس النادي
الفونس شمعون                                                            ميخائيل ممو
0739319631                                                          0707154651

202
"أكيتو" رأس السنة الاشورية البابلية في محاضرة للأديب ميخائيل ممو!

بتاريخ 12 نيسان من العام الحالي وفي مدينة &Aring;rhus الدانيماركية وتزامنا مع احتفالات اعياد رأس السنة الاشورية-البابلية "أكيتو" وبمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين لتأسيس الحركة الديمقراطية الاشورية القى الاديب ميخائيل ممو محاضرة عنْ احتفالات "اكيتو" تناولت المحاور التالية: مفهوم أكيتو، المغزى الفكري –الميثولوجي والاجتماعي في احتفالات "أكيتو"، استعراض وتحليل للايام الاثني عشر وما كانت تتخلله من احداث ومهرجانات احتفالاً باعياد "أكيتو" ، الدلالات الروحية والفكرية لأعياد "أكيتو" على كنيسة المشرق منذ انْ اعتنق الاشوريون المسيحية كديانة والى يومنا الحاضر والمحور الاخير توقف عند العملية التاريخية والحسابية لكيفية احتساب السنة الاشورية-البابلية.

تناول المحاضر وباسهاب وتحليل دقيق مغزى عيد "اكيتو" رأس السنة لاشورية-البابلية. فلهذا العيد معان اعمق في وجدان الانسان الاشوري منذ انْ وُجِدَ هذا العيد قبل اكثر من ستة الاف سنة خلتْ وليومنا هذا، فالايام الاثني عشر التي يتم خلالها اقامة الاحتفالات والكرنفالات كانتْ تعبير ساطع عنْ العمق الفلسفي والفكري والميثولوجي والاجتماعي لهذا العيد ولتلك البيئة التي عاش وعمل فيها الفرد الاشوري، فمن تلاوة الصلوات والتهاليل وتقديم القرابين المعبّرة عنْ الطاقة الروحية لاجدادنا مروراً بتجسيد وتمثيل ملحمة الخليقة "الاينوما ايليشا" الّتي تجسّد القدرة العقلية الحية للانسان الاشوري الخلاّق، كذلك قدرة هذا الانسان على تنظيم الكون والحياة والمجتمع ووضع حد للفوضى.

لقد بين المحاضر بأنّ عيد عيد أكيتو هو القدرة على التغلّب على ما تهرّأ وهزل، انه مناسبة للتوافق مع الطبيعة وذلك لتأمين حياة اجتماعية زاهرة وخصبة. "أكيتو" هو رمز للتجدد والامتلاء بالامل والايمان والتقاؤل. "أكيتو" هو بالمحصلة النهائية القدرة على التأثير في مجرى الاحداث وذلك بتحرير القوى الفاعلة جراء القلق الّذي كان ينتابهم من كوارث الطبيعة ، إذْ لابد للحياة انْ تنبعثْ ثانية في الطبيعة وذلك من خلال إقامة طقوس "التحوّل الكبير" إذْ من شأنه إعادة الطبيعة الى فترة خصب جديدة.
 
أنّ مثل هذا الجهد، فكراً وبحثاً، الّذي قام به المحاضر هو المطلوب في واقعنا الراهن الّذي ينتابه الوهن هنا وهناك لكي نستطيع انء نقدم البديل كوننا احفاد ذلك الشعب الخلاّق الّذي قدّم الكثير للبشرية والحضارة. هذا الجهد بامكانه انْ يعيد صياغة وخلق ما يسمّى "بالذاكرة الجمعية" الّتي لابد لكل شعب ان يمتلكها، فنحن بامس الحاجة اليها وذلك عنْ طريق احياء ما هو مشترك بيننا جميعاً مهما اختلفتْ تلاوين انتماءاتنا الفكرية والسياسية والمذهبية، لأن "الذاكرة الجمعية" تسنطيع انْ تضعنا في الطريق الّذي سنسعى من خلاله لأنْ نخرج منْ واقعنا الحالي الّذي نتقوقع فيه، واقع التمذهب والعشيرة في ذاتهما لكي ننتقل الى واقع اخر نعمل فيه لأنْ نكون "شعبُ لذاته"، عندها سيكون لنا شأنُ في هذا العالم.
الدكتور داود كيوركيس












203
شكروتقدير

 بإسمي وباسم عائلة مموجميعا أنتهزهذه الفرصة السعيدة لأعبرعما يجول في خاطري ويكنه قلبي من شكروتقدير وامتنان لكافة الاصدقاء والاقارب الخيرين الذين كتبوا في موقعي عينكاوا كوم وخابوركوم ، إضافة الى غرف المحادثة (البالتولك) ومشرفي الاذاعات الصوتية والمرئية في شيكاغو مع كافة اعضاء الحركة الديمقراطية الاشورية وبشكل خاص الزميل الأستاذ يونادم كنا الأمين العام للحركة ، وكل من إتصل بنا هاتفيا او قابلنا شخصياً، وذلك بمشاطرتهم فرحتنا بمناسبة نيلي درجة الدكتوراه في فيزياء الطب الاشعاعي ، حيث عبروا عن مدى شعورهم الجياش واحاسيسهم المرهفة من خلال تقديمهم التهاني والتبريكات المقرونة بالود والمحبة والاخاء والمعطرة بأحلى الكلمات النابعة من اعماق قلوبهم الخالصة الطاهرة النقية. وبتصورنا كل ذلك دلالة على تشجيعهم وتقيـيمهم في الحصول على درجات عالية في كافة الحقول العلمية والعملية.

وبهذه المناسبة ايضاً ، يسعدني ان أقدم خالص شكري وتقديري واعتزازي للاسقف الدكتور مارباوي سورو مع الكاهن القدير والمتميز شموئيل دنخا  وزميله الكاهن زيا مارانو على طيبة قلوبهم ، وصفاء نيتهم ، نقاوة روحهم , مدى انسانيتهم، وبساطة شخصيتهم لما ابدوه تجاهي من خلال مكالمتهم الهاتفية بتلك العبارات المؤثرة والمكللة بصدق واخلاص ممزوجة بفرحة لا تقدر بثمن .

 ومن الجدير بالذكر أيضاً ،  لي الشرف والفخر والاعتزاز لاقدم اسمى وأرقى كلمات الثناء والتقدير لزميلي الباحث والخبير الدكتور بنوئيل باكوس الاخصائي في استخدامات اشعة الليزر لمعالجة الامراض المتعلقة في الجلد منذ اكثر من عقدين.. والذي كان أحد اعضاء اللجنة المشرفة على الاطروحة  ولم انس فضله على تشجيعه المستمر لي والسعي قدماً من خلال بداية دراستي الجامعية للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه سوية.

وفي الختام شكراً لكم جميعاً بدون استثناء , وهنا اود ان أذكر دور زوجتي المثالية ماركريت وأولادي ( روني , رينا , روبن , ورامينا) والذي كان لهم الدور الاساسي والفعال من حيث التشجيع والمساندة والعون وخاصة في تهيئة الظروف الملائمة واللازمة للتفرغ في إكمال الحلم والذي اصبح حقيقة.


الدكتور دانيال ممو     


204
أخبار شعبنا / شكر و تقدير
« في: 20:20 05/03/2008  »

205
مهرجان شعري خطابي
لتأبين الشاعر سركون بولص في العاصمة السويدية ستوكهولم


اعداد: لجنة الحفل التأبيني
في تمام الساعة الرابعة من يوم السبت المصادف 8 كانون الثاني 2007 توافد الشعراء والأدباء ومحبو الأدب الى قاعة ألفيك في العاصمة ستوكهولم ليحتفوا بالحفل التأبيني لأربعينية الشاعر الراحل سركون بولص الذي صارعه المرض مستسلماً لنداء ربه في ديار الغربة بعيداً عن وطنه الأم وعن مسكنه الدائم بين أهله ، ليرحل الى العالم الأبدي مودعاً أبناء جلدته من جماعة كركوك لتواجد أغلبهم في برلين ، وذلك صباح يوم الإثنين المصادف 22 تشرين أول 2007.
ونظراً للمكانة التي حظي بها الراحل في عالم الشعرفي الوطن والغربة ، ووفاءً لروحه الطاهرة  أقدم إتحاد الكتاب العراقيين في السويد بالتعاون مع نادي بابل الثقافي في ستوكهولم على تنظيم الحفل التأبيني المهيب بمشاركة جمهرة غفيرة من الشعراء والأدباء والمعنيين بالشأن الثقافي والأدبي من كافة شرائح المجتمع العراقي في السويد وبعض الدول الأوربية بحضورهم الشخصي أو بما تم ارساله من مراثٍ وبرقيات للجنة الحفل التأبيني. وقد تجشم عناء السفر والحضورللمشاركة الشاعر اسحق قومي من ألمانيا والشاعر المبدع خلدون جاويد من الدنمرك والكاتب الصحفي جهاد زاير من مالمو متصدراً أياهم الشاعر العراقي الأب الجليل يوسف سعيد المعلم الأول للراحل سركون بإكتشافه لموهبته الشعرية والأدبية منذ أيام كركوك من ستينات القرن الماضي.

وفي تمام الساعة الرابعة والنصف أعتلى الأديب الشاعر ميخائيل ممو المنصة ليعلن عن افتتاحه قائلاً:
( لا يسعنا في هذه المناسبة الأليمة إلا أن نحيي ونناجي روحه الطاهرة برموز الحرف والكلمة وسحر المعاني التي عبدها في محارب وهياكل الشعر، وقبل ذلك لنقف دقيقة صمت حداداً على روحه وروح كل شهيد اقتفى مساره ، وآمن بمبادئ الحرية والديمقراطية لإعلاء كلمة الحق والعدل في كل بقعة من المعمورة).


بعد ذلك اعتلت منصة الخطابة الشاعرة وئام الملا سلمان رئيسة اتحاد الكتاب العراقيين في السويد لتسترسل بإسم الإتحاد في كلمتها بعبارات ملؤها الحزن والأسى بإسلوب رصين تناولت فيه دور جماعة كركوك ومن ضمنهم بشكل خاص دور سركون في اثراء الثقافة العراقية بما ترك من نتاج انساني متميز، وضمنتها بنصوص متفاوتة المغزى خاطبت فيها روح الشاعر سركون بولص تضمن احداها النص التالي:
( في الخريف /  ظل بشارع من احياء برلين/ يتمشى لوحده ، ساخرا من مرضه باقتناص لذة الجعة/ غير مكترث للوجع/ بين مقطعي اسمه سكون التكور/ حركة المدن التي حط بها رحاله/ على حافات موته يتأمل بتأن نصف عمره يجلس قبالته/ ولأنه المغمور بفلسفة الجمال/ اختار زمن رحيله/ إذ تمطر الاشجار اوراقها، / والسماء  أحزانها/ في الخريف/ حين يموت شاعر بين مطرين/ بذات اللحظة يولد طفل في آكاد/ مسقبلا الحياة بتساؤل/ لِـمَ تركتني ايها الملك الصادق؟/ اجبه يا سركون/ لمن اودعت طفولتك المدللة وغادرت !
ثم جاء دور كلمة اتحاد الجمعيات العراقية في السويد التي القاها رئيس الأتحاد السيد عبد الواحد الموسوي جاء فيها: ( سركون بولص ، واحد من شعراء الحرية ، هرب بوطنه الشعري لينقذه من التعسف والدم ، جال بوطنه من مكان الى آخر ، لقد تاه من كل ممتلكاته ، آشوري تائه ، عراقي تائه ، حي تائه ، إلا ملكتـُه التي لم يتوه عنها لأنها وطنه).
ومن ثم اعقبه رئيس نادي بابل الثقافي الفنان التشكيلي السيد نبيل تومي ليقول في كلمته : ( أنا سركون ابنكم منذ مئات القرون ، جئت معترفاً لكم يا ابناء العراق شعباً ووطناً بأنني أحبكم جميعاً ، حملت راية جدي ، فطوبى لمن يحملها بعدي ، الشكر لكم ، لما فيكم من حب ، ومن حنين وأمل. أنا سركون ، لم أنكس الراية ، فأرفعوها عالياً الى المجد).
وبخطوات وئيدة وقلب مثقل من أعاصير الزمن وذكريات الماضي اعتلى المنصة بهيبة كبيرة الشاعر الأب الجليل يوسف سعيد الذي خاطب الجمهور بكلمات مفعمة بالعذوبة والحزن والألم قال فيها:
 (سركون بولص في الحلم، وكل طاقات أحلامك الخضراء عابرا وهاد الابدية متابعا فضائتها الخضراء الذاتية. اليست في مطارات نومى ونومك وسباتهما، وقفت على جسر مكون من الهزيع الاخيرمن ليل جمعة حزينة حاملا بيارق الشمس مرفرفة بشعاعاتها فوق سحاب مدن بعيدة وجزر تلثم في الصباح الوحيد اخاديد لشفاه سعيدة. وفي المساء حتى الشمس تخترق نهايات من جهة المساء الحالم. ومع هذا اتوقف قليلا في محطات العقل حاملا خريطة من حرير ثمين حبكتها اصابع امي ونسجتها من خيوط حرير موصلي. وفجأة اتوقف لاتحسس انباض الهزيع الاخيرعقاربه تمتص سويعات افق بعيد.


فعلا كانت سعيدة ايامنا تلك.ويبقى الاحتماء بك ياقديس الارض والسماء وصخرة المتوكل راسخا على قاعدة رجائك ذات الاسس الصخرية وليكن عونك لي بمثابة قوة الروح،واشجان قلب مرفرفة كاجنحة فراشات سعيدة وملونة. سركون بولص اصرالا  ان بالصاد وليس بالسين كما يفعل الكتاب من لبنان ليعود الى جذوره السريانية الاشورية الارامية.بولص بالصاد وليس بالسين. وبموت سركون تدفن عبقرية انسان جاء ضيفا ورحل له اجنحة مضيافة عبر سماوات جديدة. ولازال سركون بولس الحدس والحدث الجديد بين اقلامنا الجديدة وسيبقى ناسكا مرافقا احلامنا الخضراء مولودة من نفثات(نفسات) يراعته الحزينة حاملة اشباح اعماقه المسورة بالمجد ومجدا مؤثلا لسركون بولص).
تبعه الشاعرالسوري صبري يوسف من ستوكهولم بقصيدة نثرية مطولة بعنوان " سركون بولص من نكهة المطر" خاطب فيها روح الفقيد ومعزياً من رافقوه المسيرة داخل الوطن وخارجه بالإشارة لأسمائهم مروراً بجماعة كركوك  ووصولاً لملتقى رواد منتديات العالم العربي ، نقتطف منها المقطع التالي:
( سركون بولص قصيدة مندلقة / من ليال مرصوصة بالبكاء / ريشة فنان مذهبة بكنوز البحر/ عاش مسكوناً بهواجس الشعر/ شاعراً ممهوراً بحبات القمح / إنساناً مهفهفاً بنكهة الندى ).
ثم أنهى قراءته قائلاً : ( وداعاً يا صديق غربتي / يا فارس البوح / يا كبش الفداء / يا ضياء الشعر/ نم قرير العين بين أهداب السماء ),
بعد ذلك ألقى القاص والروائي العراقي علي عبد العال كلمة توجها بعبارة " روح الشاعر في القصيدة "  أشاد فيها بدور الشعراء والأدباء في بناء الحضارات وديمومة ذكراهم في قواميسها التاريخية ، جاء فيها: ( العنصر الوحيد الذي يجمعنا في هذه اللحظات هو روح شاعر أصيل كتب قصائد إنسانية رائعة على مدى زمن قارب النصف قرن. قصائد لا زالت ترفرف بيننا كالحمائم في ساحات الكنائس وعلى المآذن. كتب الشاعر سركون بولص قصيدة بسيطة وصافية احتلت موقعها في التراث الحضاري للبشرية جمعاء).
وكان لشاعر المناسبات السيد ميخائيل داود من ستوكهولم وبشيخوخته الشبابية دوره البارز بإلقاء قصيدة عمودية مطولة باللغة الآشورية مطلعها: ( على اليابسة وعبر البحار شاع اسمك / بنظمك وأعمالك ذات الخصوصية المتميزة /  بإنتشار اسمك في العالم وأبناء جنسك ).



أما الكاتب الدكتور داود كيوركيس من مدينة يوتيبوري الذي لم يسعفه الحظ بالحضورجسدياً لظروف خاصة ، فكانت روحه معنا لشدة تأثره بالفقيد حيث أناب عنه الإعلامي اديسون هيدو لينقل جوهر ما صاغه متوجاً بعبارة " كلمات من القلب في أربعينية شاعر" جاء فيها:
( عندما يجول المرء في دواوينك ايها الشاعر الجميل فأنه يحس بمسعاك للتقريب بين التاريخ والإبداع وموضوعهما المشترك ، الإنسان. فإذا كان التاريخ كعلم ، يتناول الإنسان ودوره في التاريخ. لإإن الإبداع يصنع جوهراً موضوعه الإنسان، وامتداد هذا الإنسان هو التاريخ بعينه. هكذا أردت أن تكون قصيدتك. هكذا اخترت لغة القصيدة النثرية الحرة ).
تبعه الكاتب جلال يلدكو بلهجته الألقوشية الصميمية تشوبها عبرات التأثر بقصيدة مهداة لروحه يقول فيها:
( لا يفقه الحكايات والأناشيد إلا من يفقه الحب والسلام /  ومن يكون سنداً لمن يرمي الإقتحام / كتت صوتاً يدوي صداه في مسامعنا / ولم تعمد على نسيان رائحة الوطن ...).

وبإسلوب مطعم بالحرف السرياني والعربي تزاوجت عبارات الشاعر يعقوب برصوم الفراتي بصوت جهوري في قصيدتين معنونتين بـ " عيدو رحيمو " و " العراق " خاتماً أياها بالمقطع التالي:
( ترى ... متى ترشق الغيمة ، عراقنا ، مطراً بعد مطر / كي يفيض دجلة والفرات / ماءً .. عطاءً .. فرحاً لكل البشر/ رباه.. متى تسمع هذا الخبر...؟ ).
وبعد استراحة دامت ربع ساعة لإرتشاف القهوة عن روح الفقيد جاء دور الإعلامي والشاعر صبري يعقوب ايشو الذي هو الآخر شنف آذان السامعين بصوت متميز اعتدنا عليه في المرئيات ليخاطب روح الفقيد بلغته الأم ، ننقل فيما يلي مقطعاً مترجماً للعربية من قصيدته الموسومة " في ذكراك يا سركون " حيث يقول: ( تحت صورتك سركون الحر كـُتِبَ ، انتقل الشاعر/ نبأ يُصعب سماعه ، ويا ليته لم يكن حقيقياً / غياب كل صديق من بيننا لهو لب المرارة / والأمر من ذلك أن يكون هذا الغياب لسركون بولص... / ارقد بسلام أيها الصديق وأنت الرمز الخالد لكل شاعر).
كما وشارك الشماس بنخيس القس خوشابا بقصيدة عنوانها " رثاء لراهب القصة والشعر" مبتدءاً بترنيمة صوتية قصيرة تقديساً لروح الفقيد وليعقبها فيما بعد بأبيات قصيدة باللغة الآشورية التي من ضمنها هذين المقطعين: ( يا راهب القلم والكتاب/ بألسنة مختلفة / تلبس السواد قصائدك / ومن الحزن ذابلة.../ لم تلهث وراء الشهرة / ولا مال الزوال / لكن طعم قصائدك / لا تترك الأفواه...).



أما الشاعر الضيف من ألمانيا الذي حضر خصيصاً لهذه المناسبة فقد كان في الأيام الأولى من فقدانه لصحبة زميله سركون قد ترقرت عيناه بدموع الآسى والكلم من الحدث الجلل ، وليدع قلمه منساباً على نظم وتدوين عدة مراثٍ ملهماً أياها من ذكرياته ليسمعنا نتفاً منها ومن ثم لينطلق بصوته الجهوري الحاد مدوياً بقصيدة عمودية بعنوان " اتهامات لعاشق امتد كفضاءات القصيدة ، جاء في مطلعها:
رحـلـت دونـما علم ولا خـبــر      وجزت الموت في زهو وفي كفن
سمعتُ الله يشـدوني بأغـنـيـة      كأن فيها من سركون ، من لـحـن
لـتـلـك الأمة الـشـماء مـنتسب      أتـبـكـيـك أيــا سركون في عـدن؟
                     وداعاً أيها السركون يا عـلـماً      ستبقى قـاعـة الـشعـراء كالـقـُـنـن

وممن تحملوا عناء السفر وشدهم الشوق للمشاركة كان الكاتب والصحفي جهاد زاير الذي لم تمهله عبرات الحسرات وصدى الذكريات من تدوين كلمته ليدع كلماته وعباراته تنساب بحرية كما عهدها في انسيابية الفقيد بلقاءاته وأحاديثه ، ليحذو حذوه ويشيد بمآثر الفقيد.
أما الشاعر والكاتب المبدع جاسم الولائي فقد اعتلى المنصة بهيبة عالية وهو مثقل بالأفكار وبما دونه قلمه من اعتبارات جلية واستذكارات طعمها بفلسفة سركون مشيراً في كلمته " أريد أن نتفق في هذه الأمسية ، فيها حصراً على الأقل على اعتباره حياً بيننا ..." ومما جاء في بداية كلمته نقتطف المقطع التالي:
( للحديث عن شاعر مثل سركون، لا بد أن أعود الى مقولة عظيمة قالها هنري ميلر: حين يكون الشاعر في الحضيض، يغدو قلب العالم رأساً على عقب واجباً، وهي نفس الثورة التي نجدها في شعر وفكر سركون بولص). واختتم حديثه بعبارة " لست ممن يجهزون للموت ، لأنه الأخير المهمل في حسابي".


وهناك من عاش حلم الحضور والمشاركة شاعرنا المبدع خلدون جاويد الذي تجشم هو الآخر عناء ومشاق السفرمن بلاد الدنمرك تخالجه رؤاه للقيا من يرى فيهم صورة وظل الفقيد متجسدة في وجوه الشعراء والأدباء المحتفين لهذه المناسبة ، وليكون هو الآخر بينهم ناقلاً احاسيسه ومشاعره من خلال قصيدة عمودية مهداة لروح الفقيد تألق فيها بإشادته لمناقب الفقيد بإسلوب رمزي آخاذ،ومما جاء في مطلعها نقتطف هذه الأبيات:
أيا شاعــر النهـرين أفـقـك أرحـب   اذا ما تـهـاوى في الـزوابـع مـركب
وإن كـنـت قـــبـطـانـا شريدا مغيباً   فأنت الى مـهـد الـحـضارات تـنسب
وأنت عـثوق النخل والورد والندى   برغم المنافي حيث تـذوي وتـشحب
جـناحـك أفـق سابــح في غـضـارة   بوسـع عراق الحب مهـما تحـزبــوا
وشعـرك لـلـنخـل العراقي ينـتـمـي   واسـمـك بـالأرض الســواد يـلـقــب
ومهـمـا تـكـن أم لـنـا من قـبـيـلــــة   فــأن عــراق الـرافـــديـــن لـنـا أب

بعد ذلك نودي اسم الإعلامي والشاعرالمبدع بيير ايليا البازي من ستوكهولم ليضاهي شاعرنا جاويد بقصيدة عمودية أيضاً ، وقبل القائها تراقصت في مخيلته وطيات فكره بعض العبارات التي ارتجلها قائلاً: " اليوم تتراقص الدموع في فضاءات روح فقيدنا الغالي الزميل الشاعر سركون بولص ، وتعجز الكلمات أن تفي حقه في ذكرى مرور اربعين يوماً على رحيله". ثم انطلق بصوته كهدر الرعد قائلاً :


يا أمـيـر الشعــراء عـرسك محـفـل               والرقص في عــرس الأديـب بكـاءُ
يا سـيـد الأحـــيــاء مـوتـــك مـولــد    ودعـت أرضـــاً فاحـتـوتـك السـماءُ
والأرض تفتخر باحـتضانك طاهراً    فـــــذا يـكــون لها ، وبهـا الأبــنــاءُ
               أنـت الـذي أرضـى الإلـه فـمـثـلــك              مـا أرضعـت مـن صـدرهـا حـــواء
   
وكان آخر المتحدثين الأديب والشاعر ميخائيل ممو الذي أدار برنامج الأمسية بتعليقاته المقتضبة والهادفة بين فقرة وأخرى وكأنها بمثابة ورود ينثرها على كل قصيدة وكلمة رثاء ، لينطلق هو الآخر بقصيدة نثرية توجها بعنوان " مناجاة روح سركون للمحتفين بتأبينه " مخاطباً الفقيد بقوله:
( نعم .. يا سركون .. / عرفناك وعهدناك / طاوعت نداءات كل الآلهة ، ولم ترتجف / رحلت في دهاليز الصمت ، ولم تعتكف : تجاوزت قوانين الكظم ، ولم تستخف أو أن تخف...).
قبل الختام / وقبل الرحيل/ نسيت أن اخبركم/ وأن أقول لكم/ اليوم التقيت/ بمن سبقوني/ بمن انتظروني/ وبمن افتقدوني/  في مدينة " أين " / من " جماعة كرخ سلوخ "/ بينهما جان دمو، والقيسي جليل/  يحملان مشعل الترحيب / في عالمنا الرحيب/ يستقبلاني بصوت نحيب / صداه /  ما هذه الزيارة العجيبة/ ما هذه الطلعة الغريبة / يا سركون/  أحقاً عشقت المنون؟! /  وبصوت غرائبي مألوف/  صاح جان: الآن قد حان/ اكتمال النصاب/  دعنا اليوم نجتمع/  لحديثك نستمع/  في فردوس مدينتا الجديدة/  نعيد مجد ايامنا التليدة/  ونؤطر الختام/  بأغرب الكلام/  ببيان جديد مذيل/  بإسم " جماعة أين "/  في مدينتهم الجديدة / " أين ".



الفقرة الأخيرة من حفل التأبين كان قد خصص للسيدة الفاضلة نغم أدور موسى المطربة المعروفة بمشاركاتها الوجدانية في شتى المناسبات الخاصة والعامة ، حيث ارتجلت كلمة مقتضبة أشارت فيها أهمية أحياء مثل هذه اللقاءات وضرورة مشاركة المرأة الى جانب الرجل في كل المجالات ، ثم اعقبت كلمتها وبصوت رخيم ترنيمة حزينة أعدتها خصيصاً لحفل الـتأبين.

وفي تمام الساعة السابعة مساءً تقدم عريف الحفل ميخائيل ممو ليعلن عن مرسلي البرقيات والمراثي التي لم يتسن قراءة نصوصها لضيق الوقت وليختتم الحفل بقوله: ( لا يسعنا في هذه اللقاء إلا أن نشكر جمهور الحاضرين ، ومن ساهم في إحياء هذه الذكرى الأربعينية التي ذكرى ثانية لولادة أول كتاب للفقيد وهو في عمر الأربعين ، فيا لها من مصادفة ، ولم يبق لنا إلا أن قول:
نم قرير العين أيها الراحل في مثواك الأخير.. نم مستريح البال معطراً بشذا الفضيلة .. نم مطمئناً تخلدك تآليفك ، تعززك مواقفك وكأنك تعيش بيننا دوماً وأبداً ، طالما قلت في يوم ما " البدء نختاره ، لكن النهاية تختارنا ، وما من طريق سوى الطريق".










207
سركون بولص منجم الكلمة الثري

 


تستضيف غرفة  " ينابيع العراق " للمحادثة في البالتوك الأستاذ  ( ميخائيل ممو ) في أمسية خاصة للحديث عن الشاعر الراحل ( سركون بولص ) بعنوان ( سركون بولص منجم الكلمة الثري ) وذلك مساء يوم الإثنين المصادف 29 تشرين الأول ( أكتوبر ) 2007 الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت وسط أوربا. ( الثالثة ظهراً بتوقيت تورونتو، الثانية ظهراً بتوقيت شيكاغو، الثانية عشرة ظهراً بتوقيت كاليفورنيا، الخامسة فجراً من يوم  الثلاثاء بتوقيت سيدني )

المحاضرة مؤلفة، وعلى التسلسل، من المحاور التالية:
المدخل.. توطئة .. نشأته وتكوينه الأدبي .. المحطات الأدبية الخمس في حياته .. سركون وتجربة الترجمة.. تجربة القصة القصيرة.. تجربة الإبداع الشعري.. شرعية قصيدة النثر لديه .. سركون ولغته الأم: الآشورية .. مؤلفاته .. سركون في عيون الكتاب والشعراء... مع قراءات شعرية للشاعر الراحل.

غرفة ينابيع العراق هي ملتقى المثقفين والمفكرين والكتاب العراقيين، ويمكن الوصول إليها بعد الدخول إلى برنامج البالتوك والنقر على التصنيف Middle East ثم النقر على التصنيف الفرعي Iraq ثم النقر المزدوج على اسم الغرفة وهو:
IRAQ yanabee aliraq

208


209
نتاجات بالسريانية / سميلي
« في: 01:13 23/08/2007  »



211
قصيدة
أنت أيها النهر أيضاً ؟!
 
للشاعر
جورج عيسى كيوركيس
( 1938  ــ  1978 )

ترجمة
ميخائيل ممو

الإهداء

الى روح الأديب الآشوري الراحل

جورج عيسى كيوركيس

الذي رحل في الوقت الذي كان يثري فيه

رياض الأدب الآشوري بنتاجه الفكري الغني

بمفرداته ومعانيه

من جوهر معاناته الشخصية

وما ارتسم في مخيلته من ذكريات الحكايات التي طرقت سمعه

 وأحداث المآسي التي عايشها عن كثب

 وانطبعت في عقله الباطن

ليحولها لوحات شعرية وقصصية ناطقة بمعانيها

عساني أكون قد أديت خدمة متواضعة لرفيق الأدب الراحل

بنقل احدى قصائده لقراء العربية.

ميخائيل ممو










أنت أيها النهر أيضاً؟!*

( الى أمي التي روت لي هذا الحدث في العهد الذي هرب وتشتت أبناء أمتي في مطلع هذا القرن.)

ما لك تزعـق بأعلى صوتك ؟
ماذا لمحت؟  وماذا لاح في ذاكرتك ؟
ماذا تريد أن تفسر بلسانك الصغير؟
أتريد أن تسرد جُـنـَحَ وجرائم هذا العصر؟
تلك التي ألـمّـت بأبيك ،
 قريتك الهادئة ،
بالرفاق
واخوتك جميعاً.
أتريد أن تحكي للبشرية التي دعتنا هنا
في هذه البرية
التي لا مخرج لها؟
آه ٍ ..
أية ساعة شاذة مرعبة هذه
في تاريخنا؟!
شبل الأسد يستنجد بالآخرين
حكاية الأم
التي تحاول أن تـنـقـذ صغيرها.
***

إهدأ يا قلبي ، اهدأ.
أجل.. إهدأ قليلاً ،
لا يكن في حسبانك
أن توقظ البشرية النائمة ،
لتلقَ التأنيب.

إهدأ.. ليس لنا من السامعين
الظلام الدامس يلفنا ،
وهذه الأرض المهجورة متروكة ،
والتراب الذي ما فـَتئَ حامياً من حر تموز،
يزيد من صلي أعقابي المكتوية.
لكن.. لحين أن نصل الى النهر البعيد ،
ولحين
 أن يشرق في أفق حياتك اليوم الجديد
لا تهدأ
ارفع صوتك
اذا افتقدت السامعين ،
فلديك القمر والنجوم من السامعين المؤمنين
يتلون حكايتك المقتضبة الزكية ،
لساكني السماء السابعة ،
ولكل الأزمنة.

ارفع صوتك الطاهر، مدوياً ،
لينشرصداه في كل جانب
ليسمعك النسر المدمى الجناحين ،
وتلك نسمة الحياة الباقية فيه
لتبدد المحن
وليبسط جناحيه محلقاً للعلى
لتكاثر الغربان السوداء ،
التي تنهش أجساد الصغار والشباب.
لم تسنح للنسر أن يحط على المرتفع
حيث يتواجد المتوحشون ليسلبوا البررة.
لا تهدأ
زعيقك يمنحني قوة وجرأة
لأكمل دربي
ولنجتاز النهر،
عندها نتخلص من يد القاتل،
ونبني بيتاً على أرض الحليب والعسل.
ازعق ودَوّ ،
لا تهدأ
لتسمعك ثعالب الصحارى المفترسة ،
ولتعرف أنك ذلك الشبل الجديد
تبحث عن الحياة ، وعن الحرية.

بوداع ذلك الليل ،
 ورحيل الظلام
لمحت عيناها آخر نجم كان يتلألأ
متفادياً السماء
وأصابع التجلي البيضاء
تطول ممتدة
من خلف قمة الجبل الشامخ
مَـوقعهُ الآن بعيداً جداً منها
حتام يبتعد ؟
هل الى الأبد ؟
شاءت الذكريات
أن تـُشغـلها بالماضي ،
لكن رقبتها التعـبى
من حمل وليدها ،
أدارت وجهها للأمام ،
وتخطت بتمهل
حيث المكان الذي يتلألأ فيه سطح النهر
تذكرت انها عطشى
والشبل ظـَمِـئاً أيضاً
عَـدَت بقفزات على رجليها المكتويتين،
ستقدم على العَـدْوِ
حتى وان كانتا مصابتين بالعجز.
***
على حافة النهر الذي عمدت اجتيازه
بسط السكون بأجنحته الساحرة
وبزنارها القرمزي ، هدية حبيبها
شدت وليدها مُحكماً على ظهرها
رافعة أطراف ثيابها الممتدة
وتخطت في النهر
قاصدة الطرف الآخر
على أمل الخلاص من الموت.
استمرت تشد من جرأة الصغير
بينما هي أشد حاجة لجرأة القلب.
" لا تخف يا بني ،
النهر ليس عميقاً ،
واجتيازه سهل على الأرجل ،
دون السباحة
ولكن سأعوم اذا ما فاض عن حده
كوني  سبحتُ  كثيراً في صغري
في بحيرتنا الصغيرة جداً ،
بحيرتنا الراكنة بعيداً الآن.
لا تخف ،
يا ابتي ،
اقتفينا نصف الطريق
قليلاً جداً
 ونصل ضفة النهر.
هناك سنبتعد من أيادي المفترسيـن
سنبني لنا كوخاً صغيراً ،
منسوجاً من خيوط أملنا، الرفيعة.
هناك سنحل سوية بسلام ،
ونعيش على الذكريات الجميلة
لقريتنا الهادئة. "
***
حينما أصبحت على مقربة
من الطرف الآخر
تحسست المياه تنساب
من ركبتيها
احتدمت من فرح النجاح
ومدت بيدها الكليلة على ظهرها
تـتـفحص طفلها
فـتـيـبست كالخشبة
حينما تلمست أصابعها الزنار فارغاً
تحركت واستدارت
ها أمل حياتها
يختفي بعيداً في عباب السماء
هرعت بكل قواها
الى حافة النهـر
صارخة...
وصراخها يشق عنان السماء
ولكن..
من سيوقف جريان النهر؟!
***
ألم تكن كافية كل ضحايا الذبائح ؟
ألم تكن كافية قريتنا الخضراء الهادئة ؟
ألم يكن كافياً ذلك الحبيب الشاب
والملائكتين مرتا ومريم أيضاً ؟
إن نـَما الظلم في الإنسان
فأي نهر تكون أنت
باعث الحياة ؟
من الذي استفزك لتخطف أملي ؟
أنت لست جزءً من البحر الكبير
الذي كانت ترفرف عليه
روح الكل قبل الخليقة.
ألـَسْـتَ عائشاً تحت ظل المقدس
لتقطف الآن ثمرة الأرملة ؟
حتى الطبيعة متمردة علينا ،
لا تمنحنا مكاناً لراحة البال!!
***
اقـتـفـت الأم ذلك الدرب
الذي عليه استترت
حاملة رعب ذلك الحلم
الحلم الذي لا يفارقها
وبقلبها أمل اشراقة اليوم الآخر
اليوم الجديد ،
ولكن ...
أسيشرق ذلك اليوم ؟!


212
الأدب الأشوري واشكالية الهوية والإلتزام



بقلم : ميخائيل ممو

Mammoo20@hotmail.com

لفت انتباهي عنوان مقالة الأخ أبدل أبدل المتوجة بـعبارة ( الأدب الآشوري واشكالية الهوية والإلتزام ) والمنشورة في موقع ( عينكاوا كوم ) ، فتأملتها ملياً ورحت مسترسلاً على مطالعتها بإمعان ، تماشياً مع اهتماماتي الأدبية ولكل ما يمت بصلة لواقع ادبنا الآشوري ، سواء بلغتنا الأم أو لغات أخرى ، وهذه حالة طبيعية يعيشها كل أديب يقتفي  ذات المساروبأية لغة كانت.
من خلال نظرة عامة لفحوى المضمون استـنتجت بأن الكاتب يعيش حالة من الحرص على ما يتمخض به فكرالكاتب الآشوري بأطياف لغوية متفاوتة ، ومدى رؤية القارئ لتلك الأطياف ، ومن يوسمهم بالنقاد أو الذين يزنون بميزان النقد العابر دون الإعتماد على مفاهيم المنطق العلمي لروحية الأدب بشكل عام وأنواعه الزاخرة المبنية على مضامين الإتجاهات المقصودة التي منها الديني والسياسي والمقارن والفلسفي والنفسي والتاريخي وعشرات غيرها ، بانضوائها تحت سقف المذاهب المتفاوتة والتي منها الكلاسيكي والرومانتيكي والواقعي والوجودي وغيرها..
ان الفكرة الرئيسية التي تضمنها موضوع الكاتب في اشكالية لغة الكتابة ، حاول طرحها في عدة نقاط  مستخلصاً اياها من رؤى مثقفينا وربما البعض من كتابنا حيث تفرعت وانحصرت في التساولات التالية:
ــ هل الأدب الآشوري يعد حصراً ما يكتب بالآشورية؟ وهل ما يكتب بلغات أخرى لا يمكن اعتباره ادباً آشورياً ؟ وهل لغتنا الحالية غير قادرة على التعبير بما يفي الحاجة كغيرها من اللغات؟
قبل أن أدلو بدلوي وأشاطررأي زميلنا الكاتب بما استخلصه واستنبطه لا بد لي من القول والتساؤل :
أين هم نقادنا في المجال الأدبي؟! وأين هم كتابنا ـ ناهيك عن العدد اليـسيـر منهم ـ الذي يشمرون عن سواعدهم ليسايروا التقنيات الحديثة ويملأوا الفراغات التي تعاني منها المواقع الألكترونية أو بالأحرى مجلاتنا الدورية؟! أين هي مدارسنا التعليمية في بلاد الإغتراب بغية رفد  واحياء احد اهم المقومات لهويتهم القومية ووجودهم الإثني؟!
من المتعارف عليه والمُعترف به بأن حضارة اية امة عادة ما يؤكده ادباؤها وفنانوها من خلال ادابها وفنونها الثراثية ، وتاريخنا القديم يؤكد ذلك بدون اي شك ، وعلى ضوء ما تعترف به شعوب الدول المُتحضرة ، بدلالة ما تحتضنه رفوف واراشيف وخزائن متاحف العالم ، ومتى ما قسنا ما خلفه اباؤنا واجدادنا مقارنة بما هو عليه الآن ، نستدل  وكأنما لسنا خير خلف لخير سلف. هذه حقيقة مرة لا يمكن نكرانها طالما تؤكد الاحصاءات بأنه لا يصدر بلغتنا خمسة بالمائة سنوياً من النتاجات المدونة بلغتنا القومية. ومن جانب آخر اذا احصينا ما يكتب وينشر بلغات أخرى قد تكون النسبة مضاعفة ، ولكن ما هو حجم المؤازرين لتلك اللغات قراءة وكتابة واطلاعاً؟! بدلالة المؤلف الذي يسعى بطبع نتاجه ونشره وتوزيعه ، وبالتالي ليحتفظ بالجزء الكبير منه في مكتبته الخاصة ، مصاباً بأزمة نفسية حادة مؤداها الإعتكاف عما يقدم اليه ومن ثم معايشته حالات من اليأس والإحباط وربما الإعتزال من معترك العطاء الفكري في مجال الأدب بشكل عام ، وليترك ما دبجه على مدى سنوات عديدة يشكو الملل محتفظاً به لنفسه ومن ثم لأفراد عائلته بعد رحيله كـلـُـقى للذكرى ، وليس أدل على ذلك مما احتوته صفحات سِـيَـر وبيوغرافي كتابنا وشعرائنا في مجلدات الاديب الدكتور بيرا سرمس من خلال أجزاء كتبه الموسومة ( تاريخ الأدب الآشوري ) ، وما أقدم عليه الأديب القس شموئيل دنخا بإصداره مجلدين غنيين بعنوان ( تاريخ مقتضب للأدب الآشوري الحديث ) حاصراً أياه على مدى المائة والخمسين سنة الأخيرة ، ومشيراً لأسماء الأدباء والكتاب والشعراء بما لا يقل عددهم عن المائة من الذين خدموا التراث الأدبي وترك كل واحد منهم العديد من المخطوطات التي لم  تر النور فترة تواجدهم على قيد الحياة ، وايداعها مطمورة في عالم النسيان تغازل الغبار وصمت السراديب ونغمة اللامبالاة. اضافة للجهد الذي بذله الزميل الأستاذ فرنسيس خوشو بجمع ما تسنى له من أسماء مؤلفينا وعناوين نتاجاتهم ليدرجها في مجلد باللغة الإنكليزية بعنوان ( بيبليوغرافي ادباء بين النهرين ).
 لكي نكون صادقين وواقعيين بما أشرنا اليه سالفاً نشير لما خلفه لنا بعض المحدثين من ادبائنا ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ  أمثال شكسبير الأدب الآشوري المرحوم ميشائيل لازار عيسى الذي انتشلته يد المنون ولم يكمل منتصف ما بعد العقد الرابع من عمره ، حيث ترك بعد رحيله ما لا يقل عن اربعين نتاجاً قيماً في كافة الحقول الأدبية ، رأيتها بأم عيني محبوسة في حقيبة عبرت المحيطات لتستقر في امريكا ، علماً بأن ما نشر منها لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة. والأدهى من كل ذلك انه عايش طبع كتابه الأول على نفقة البعض من اصدقائه وهو على قيد الحياة ، وفي قمة عطائه الفكري في مجالي القصة والمسرح ، وما طبع فيما بعد كان بجهود وحرص بعض الخيرين من ابناء شعبنا. ومثالنا الثاني هو المرحوم الدكتور فريدون اتورايا الذي ضحى بحياته من أجل حقوق الآشوريين وصاغ بياناً يدعو فيه لوطن قومي ، مسببة له مواقفه الجريئة من خلال كتاباته الثورية لمجازاته بقدسية الإستشهاد وذلك بإصدارحكم الأعدام بحقة وهو لما يزل في منتصف ما بعد العقد الثالث من عمره ، تاركاً عصارة فكره في كتابات خطية اختفى معظمها لدى ابناء شعبنا مقتفية درب الضياع لأسباب مجهولة.
ان الأتيان على ذكر هذين الإسمين هما غيض من فيض في حقول الأدب الآشوري قديماً وحديثـاً ، وهذا ليس معناه أن ننتقص من أهمية البعض ومكانتهم من جهابذة الكتابة الأدبية وبشكل خاص من أولوا الأدب الديني والفلسفي والتعليمي أهمية لا تقل شأناً عما تبحر فيه المستشرقون وادباء الغرب أو الشرق ، فمنهم من اودع عشرات الكتب المخطوطة تناجي بعضها وتنادي من يحررها من دهاليز سجونها المخفية.

اراني هنا وقد تجاوزت نوعاً ما حدود ما نعنيه في تساؤلاتنا رغم التجانس الموضوعي لما نرمي اليه. لذا يستوجبنا الأمر أن نقـف بشكل مقتضب على ما يرمي اليه مصطلح مفهوم الأدب ، ومتى ما توسعنا في بحثنا ينبغي أن نورد  التيارات والمذاهب التي حددت مفهوم كلمة الأدب وذلك لإختلاف المعنى باختلاف العصور لدى العديد من شعوب العالم انطلاقاً من معنى الحداثة والتجديد وبما تمليه الظواهر الطبيعية والتطور التقني على المجتمعات البشرية. نجد والحالة هذه ان كلمة الأدب في العالم العربي ومنذ منتصف القرن التاسع عشر تعني وترمز لمفهومين هما العام والخاص. المعنى العام ويقصد به كل ما يصيغه وينتجه العقل والشعور. اما المعنى الخاص فهو الكلام البليغ الذي يُقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين.
اما في العالم الغربي فهناك عدة تصورات نقتفي منها ما يلي : الكتابات التي تتصف بإسلوب متميز وخلودها بلغة ما أو شعب معين. وبتعبير آخر تراث المخطوطات والمطبوعات الخاصة بشعب ما أو بلغة معينة.
اذا ما أخذنا بالمعنى العام نستدل منه بأن ما يصاغ  شفوياً أو تحريرياً مصدره الشعور والإحساس والمآثر اي الفضائل المتوارثة من الأنتماء القومي أو الأثني سواء باللغة الأم أو أية لغة أخرى فيما إذا كان الفرد / الكاتب ثنائي اللغة على حد سواء. وهذا ليس معناه أن أجعل من اللغة الثانية محتسبة من الأدب القومي لتلك اللغة ، طالما هي وسيلة للفهم والتفاهم وتجيسد لما يضمره عقل الكاتب بغية ايصال ما يرمي اليه. اما أن أكون احادي اللغة ولا تمت بصلة لإنتمائي العرقي فتعبيري ونتاجي بها تمليها عدة عوامل خارج نطاق الإرادة ومنها ظروف التعليم والتثقيف الذاتي ، العوامل السياسـية والإقتصادية ، النشأة والمؤثرات الجغـرافية ،  ولكن العواطف والمشاعر تكون نابعة من الأحاسيس الوجدانية للشعور القومي بغية استعمال الكلام الخاص لإستعراض الموضوع وإيصال الفكرة للتأثير على القارئ ، لكون الفكرة النموذج العقلي للأشياء الحسية لدى افلاطون ، أو تصور ذهني يجاوز عالم الحس حسب تعريف كانت.. وهذا ما تؤكده نظرة العالم الغربي الخاصة بشعب ما أو بلغة مقصودة لانتمائية ادباء وشعراء الشعب الـمَـعـني.
والتساؤل الذي لا يقبل الشك هنا ، هل أن الأديب أو الشاعر البريطاني الذي يكتب بالانكليزية نعتبر ادبه ادباً امريكياً؟! وهل نحتسبه أدباً وشعراً لآداب الدول التي تستعمل الانكليزية كلغة رسمية؟! وقس على ذلك اللغة الأسبانية التي تستعمل في دول أخرى كلغة رسمية.
من هذا المنطلق هل يحق لنا أن نلغي صفة ( اديب اشوري ) من الكاتب الذي ينشر بلغتين أو نمنحه صفتين في آن واحد ، أو ثلاث صفات لمن يكتب مجسداً افكاره ومشاعره بثلاث لغات؟
اذا كان الإفتراض جائزاً فلماذا سُـمّـي من كتبوا بالعربية قبل مجئ الأسلام بشعراء النصرانية؟ ولماذا احتفظ المترجمون ونقلة الفلسفة اليونانية والسريانية بصفات الكتبة والمؤرخين والمترجمين السريان أو النساطرة علماً بأن النقلة في العصر العباسي وعصور أخرى هم من أهل العراق والشام وفارس والهند ، واليوم حل محلهم المستشرقون من بلدان متفاوتة اللغة ، فمنهم الانكليزي والألماني والفرنسي والروسي. وهل ما يكتبوه بالعربية وما ينشروا من دراسات بلغاتهم الأم يُعَد من صلب الأدب العربي في مجال الادب المقارن أو ادب الرحلات وغيرها من الفنون الأدبية؟ الجواب قد يكون ما بين هذا وذاك ، ومثلما أشار الزميل أبدل أبدل.
ان استعمال اللغة في الحديث كوسيلة للتفاهم وتبادل المشاعر والأفكار ومن ثم اكتشاف الرموز الكتابية لحاجة التدوين فتحت آفاقاً واسعة للشعوب في الحفاظ على ما تناقلته الأجيال وتمييز الجماعات البشرية أو طوائف اجتماعية معينة. لذا فأن اللغة قبل أن تكون نظام من الرموز الصوتية فهي ظاهرة اجتماعية يتعامل بها افراد المجتمع الذي ينضوي تحت لواء تسميته القومية كمفهوم عام ، وبتعبير آخر هي ظاهرة نفسية مكتسبة تمليها نوازع الحاجة بغية التعبير والتفاهم وتجسيد المشاعر والأحاسيس. وحينما يصيب اللغة الضعف وتمر في عهود صعبة وقاسية لتوصف بالعهود المظلمة ، تكون اللغات المجاورة قد فرضت سيطرتها وأدت الى تقليص مساحة اللغة الأدبية أو الفصحى ليحل محلها كلام اللهجة الدارجة ، ومتى ما سنحت لها الظروف لتستعيد حيويتها تكون قد عُـمّـذت بتعابير ومفردات جديدة لتعيش حالة من الإزدواج بين العامية والفصحى مثلما يتضح لنا جلياً في بعض القنوات التلفزيونية والمقالات التي تنشر باللغة الأدبية في بعض المجلات والمواقع الألكترونية. وهنا تنحو منحىً آخر بين ناطقيها ، مما يؤدي استعمالها صعوبة احتواء معانيها الكلاسيكية من قبل الأجيال الجديدة واستغرابهم من العديد من مفرداتها ومصطلحاتها التي لم تطرق سمعهم مسبقاً، وانحصارها بين من عاصروا وعايشوا فترات زمنية متفاوتة ، كما هو الحال لأبناء شعبنا الآشوري بكافة تسمياته وبشكل خاص من الذين هاجروا قراهم التي ترعرعوا فيها واحتضنوا مدنية المدن الكبيرة في ذات الوطن ، أو الذين تركوا أوطانهم وعاشوا في ديار المهاجر من بلاد الغرب لتنشأ الاجيال الجديدة على لغة البلد الجديد سواءً في المدرسة أو الشارع والتعامل اليومي ، وفي الوقت ذاته ليقتني اللهجة البيتية المحكية بنسبة ضئيلة تجعله مترددا في حديثه مع اقرانه ووالديه وأبناء شعبه باللغة الأم ، مطعماً اياها بمفردات وتعابير لغة البلد التي قد يصعب فهمها وادراك دلالاتها من الكبار ، وذلك لتطبع وملائمة الأوتار الصوتية لأصوات ومخارج نطق حروف  اللغة الجديدة من ناحية ، ولفظ مفرداتها بلكنة متميزة.
أما عن اشكالية مفهموم الإلتزام الأدبي فهي مسألة عالجها العديد من فئات الكتاب والفلاسفة ، ولكل فئة مواقفها وانصارها فمنها من اعتمد الألتزام الديني / المذهبي في الأدب ، وفئة ثانية اعتمدت الألتزام السياسي / الحزبي في الأدب ، وفئة ثالثة المذهب الوجودي في النتاج الأدبي وأخرى تبلورت لديها فكرة الوعي والمسؤولية إزاء الإنسان والمجتمع.
لا نستبعد هنا الإيجابيات التي يحملها الإلتزام فيما اشرنا اليه ، ولكن في ذات الوقت هناك من المآخذ على البعض منها لكونها تنال من حرية الكاتب في تجاوزاته لخلق حالة من الابداع الادبي في المجالات التي تحدد الزامه على الالتزام بما هو مؤمن به ، اضافة للمحاكاة والتقليد وانحصاره في دائرة مغلقة محاطة بسياج من الإلتزامات التي ينبغي ان لا يحيد عنها الأديب الملتزم بانتمائه العقائدي والفكري أو الديني والسياسي وما الى ذلك من اعتبارات لا يقوى على تجاوز حدودها.
اذن ليكن مسعانا الرئيسي على فهم الإلتزام بأنه انطلاقة الكاتب لخدمة الفكرة المنطقية التي يعتمدها ويكون مؤداها التأثير والإثارة ، ثأثيرها الفعلي على القارئ ازاء قضايا الإنسان والمجتمع ، واثارة فاعلية قدرتها النفعية بغية تلافي صفة التعصب وخلق حالة من مسؤولية الأعتراف بواقع الفكرة المطروحة. لحظتئذ نكون قد خدمنا ادابنا بأشكالها المتفاوتة ان كانت نثراً أو شعراً.
أين مكمن الضرر من استلهام جوهر النص من احداثنا المأساوية وتطعيم اركانه برموزنا المعبرة والمتعارف عليها تاريخياً وتراثياً من عملية الأقدام بنسجه بلغة مغايرة؟! أليس هذا نوع من الالتزام الادبي الصريح والواضح لأي قارئ غريب لا يمت بصلة لأحداث النص؟
أما ان يكون النص باللغة القومية للكاتب في المجال السياسي والإجتماعي ومجالات اخرى ويطرحها لأبناء شعبه الذين تتفشى الأمية فيهم بنسبة عالية وغريبة جداً ، كيف يتسنى لنا والحالة هذه من ايصال الفكرة المقصودة لإيقاظهم من غفوتهم وغفلتهم واستنهاض هممهم ، وخاصة حينما يستوعب المضمون من هم من ذوي الإهتمام والإختصاص ، وهنا نكون قد ادينا واجباً لمجموعة منتقاة وليس من منطلق الأدب للشعب مهما كانت لغة استيعابة ، وإلا انضوينا تحت نظرة ومقولة الأدب للأدب.
وفيما يخص ويتعلق بالأدب الآشوري للأطفال والشباب فهذه معضلة بحاجة لتمحيص وتحقيق اسبابها وبواعثها بدقة متناهية ومن خلال بحوث ودراسات خاصة من المختصين في المجال التربوي والنفسي والادب القصصي ليتسنى لنا وضع النقاط على الحروف متى ما أدركنا فاعلية مبطلانا أي المُبطِل للفظ الحرف الضائع في العديد من الكلمات الآشورية ، لعلنا نصيب الحقيقة ونصل للحل الصائب.
مع شكري للأخ أبدل الذي حفزني لهذه الكتابة ، آملاً أن اكون قد اديت جزءً من الواجب المحتم علينا. 

213

214
ܫܸܢَܬܵܐ ܐܵܬܘܿܪܵܝܬܵܐ
ܢܸܨܚܵܢܵܐ ܬܲܫܥܝܼܬܵܢܵܝܵܐ ܢܒܼܝܼܥܵܐ ܡܼܢ ܡܝܲܬܪ̈ܘܼܝܵܬܹܐ ܝܲܪ̈ܬܘܼܬܵܢܵܝܹܐ

ܒܝܕ: ܡܝܼܟܼܐܝܠ ܡـܡـܘܼ: ܣܘܝܼܕܢ
mammoo20@hotmail.com

ܡܿܢ ܕܡܲܩܠܸܒ ܘܨܲܚܨܹܐ ܛܲܪ̈ܦܹܐ ܕܬܲܫܥܝܼܬܵܐ ܠܘܲܬܼ ܥܲܡܡܹ̈ܐ ܕܬܹܒܼܝܼܠ ܡܼܢ ܫܘܼܪܵܝܵܐ ܕܒܪܝܼܬܵܐ ܘܠܣܵܟܼܵܐ ܕܬܲܫܥܝܼܬܵܐ ܕܩܵܐܸܡ ܒܸܬ ܚܵܙܹܐ ܒܲܪܢܵܫܵܐ ܕܝܼܠܹܗ ܗܿܘ ܐܸܣܛܘܼܟܼܣܵܐ ܕܝܼܢܵܡܝܼܟܵܝܵܐ ܩܲܕَܩܡܵܝܵܐ ܠܐܲܡܝܼܢܘܼܬܵܐ ܕܕܪܵܓܼܬܵܐ ܡܕܝܼܢܵܝܬܵܐ ܫܘܼܘܫܵܛܵܢܵܝܬܵܐ؛ ܒܗܿܝـ، ܕܝܼܠܹܗ ܡܚܘܼܦܛܵܐ ܒܟܲܫܝܼܪܘܼܬܵܐ ܠܩܢܵܝܬܵܐ ܡܵܐ ܕܝܼܠܹܗ ܚܫܝܼܚܵܐ ܘܡܵܘܬܪܵܢܵܐ ܠܒܲܪܢܵܫܵܐ ܘܫܲܘܬܵܦܘܼܬܵܐ ܕܝܼܠܹܗ ܬܚܘܼܬ ܓܘܼܠܦܵܗܿ. ܘܠܦܘܼܬܼ ܚܘܼܦܵܛܹܗ ܐَܣܸܠَܩܠܹܗ ܘܡܛܹܐܠܹܗ ܠܕܲܪܓܼܵܐ ܕܒܵܪܘܿܝܘܼܬܵܐ ܐܲܝܟܼ ܕܒܸܣܗܵܕܵܐ ܝܠܵܗܿ ܬܲܫܥܝܼܬܵܐ، ܡܛܘܿܠ ܛܲܪ̈ܦܹܐ ܕܐܸܡܗܵܝܹ̈ܐ ܕܣܝܵܡܹ̈ܐ ܘܠܘܼܚܹ̈ܐ ܕܠܹܐ ܐܵܬܝܼ ܠܡܢܵܝܵܐ ܡܼܢ ܫܘܼܥܝܵܬܹ̈ـܐ ܘܗܘܼܡܵܣܹ̈ܐ ܘܪܹܫܘܵܬ̈ـܐ (ܕܘܼܓܼܡܹ̈ܐ) ܣܪ̈ܝܼܛܹܐ ܒܠܸܫܵܢܹ̈ܐ ܦܪ̈ܝܼܫܹܐ ܡܫܲܪܘܼܪܹܐ ܡܲܫܩܠܵܐ ܕܗܲܝܡܵܢܘܼܬܵܐ ܘܚܘܼܡܣܵܢܵܐ ܕܐܵܢܝܼ̈ ܥܲܡܡܹ̈ܐ ܒܚܒܼܝܼܫܵܬܹ̈ـܐ ܕܡܠܘܼܐܵܝܗ̈ܝـ، ܦܝܼܠܵܣܘܼܦܵܝܹ̈ܐ ܘܚܘܼܫܵܒܼܵܝܹ̈ـܐ ܒܓܲܫܡܲܢܬܵܐ ܕܪܸ̈ܢܝܹܐ ܕܟܹܐ ܪܵܡܙܝܼ ܠܟܲܝܠܹ̈ܐ ܕܕܘܼܓܼܡܹ̈ܐ ܡܸܙܕܵܘܓܵܢܹ̈ܐ ܒܗܸܦܟܵܐ ܐܲܝܟܼ ܛܵܒܼܬܵܐ ܘܒܝܼܫܬܵܐ، ܒܲܗܪܵܐ ܘܚܸܫܟܵܐ، ܣܲܟܼܠܘܼܬܵܐ ܘܝܕܵܥܬܵܐ، ܢܘܝܼܠܘܼܬܵܐ ܘܚܲܝܠܵܐ، ܘܠܟܠ ܡܵܐ ܕܡܫܵܡܸܗ ܠܒܲܪܢܵܫܵܐ ܘܦܵܪܸܫ ܒܕܝܼܩܘܼܝܵܬܹ̈ـܐ ܕܟܝܵܢܵܐ ܒܪܘܼܟܵܒܼܗ ܡܫܬܲܚܠܦܹ̈ܐ، ܘܡܼܢ ܕܐܵܢܝܼ̈ ܥܲܡܡܹ̈ܐ ܫܘܿܡܵܪ̈ܵܝܹܐ ܘܐܵܫܘܿܪ̈ܝܹܐ ܘܒܵܒܼܠܵܝܹ̈ܐ ܘܦܵܪ̈ܥܘܿܢܵܝܹܐ ܘܗܸܢܕܘܵܝܹ̈ܐ ܘܝܵܘܢܵܝܹ̈ܐ ܘܟ̰ܝܼܢܵܝܹ̈ܐ ܘܫܲܪܟܵܐ ܕܡܼܢ ܐܵܦ̮ܪ̈ܝܼܩܵܝܹܐ ܘܝܘܼܪ̈ܵܦܢܵܝܹܐ ܠܥܲܗܕܵܐ ܕܬܲܫܥܝܼܬܵܐ ܕܩܝܵܡܬܵܐ ܝܲܢ ܥܝܼܪܘܼܬܵܐ ܪܸܢܝܵܝܬܵܐ ܚܲܕَܬܵܐ، ܘܙܸܕ ܡܼܢ ܥܲܡܡܹ̈ܐ ܕܝܼܢܵܐ ܒܸܥܡܵܪܵܐ ܬܚܘܼܬ ܒܲܕܘܵܝܘܼܬܵܐ ܘܠܚܘܼܕܵܝܘܼܬܵܐ ܕܫܲܘܬܵܦܘܼܬܵܐ ܘܪܸܚܩܵܝܘܼܬܵܐ ܡܼܢ ܬܘܼܩܵܢܵܝܘܼܬܵܐ ܕܕܵܪܵܐ ܚܲܕَܬܵܐ.

ܡܸܢܕܝܼ ܕܒܸܥܢܵܝܵܐ ܝܘܲܚ ܠܲܐܟܼܵܐ ܝܼܠܹܗ ܗܿܘ ܢܸܨܚܵܢܵܐ ܬܲܫܥܝܼܬܵܢܵܝܵܐ ܢܒܼܝܼܥܵܐ ܡܼܢ ܡܝܲܬܪ̈ܵܘܼܝܵܬܹܐ ܝܲܪ̈ܬܘܼܬܵܢܵܝܹܐ ܕܥܲܡܵܐ ܐܵܬܘܿܪܵܝܵܐ ܙܸܕ ܡܼܢ ܐܸܫܸܬ (ܐܸܫܬܵܐ) ܐܲܠܦܹ̈ܐ ܫܸܢܹ̈ܐ ܡܓܘܼܫܡܸܢܵܐ ܒܫܸܡ ܪܸܫ ܫܹܢَܬܵܐ ܐܵܬܘܿܪܵܝܬܵܐ ܕܚܲܕَ ܒܢܝܼܣܲܢ ܕܩܵܒܘܼܠܹܐ ܝܘܲܚ ܠܫܹܢَܬ 6756 ܠܦܘܼܬܼ ܨܚܵܚܹ̈ܐ ܕܗܘܼܡܵܣܵܐ ܕ(ܐܹܝܠܝܼܢܘܿܡܵܐ ܐܹܠܝܼܫ) ܗ.ܕ. (ܐܝܼܡܲܢ ܕܓܵܘ ܫܡܲܝܵܐ) ܫܒܼܘܿܩ ܡܼܢ ܗܘܼܡܵܣܹ̈ܐ ܘܟܬܵܒܼܝܵܬܹ̈ܐ ܐَܚܹܪَ̈ܢܹܐ ܒܸܪܡܵܙܵܐ ܠܐܵܗܵܐ ܦܘܼܪܣܵܐ ܐܲܝܟܼ ܕ(ܐܟܝܼܬܘܿ) ܕܝܼܠܹܗ ܚܲܕَ ܡܲܕܒܚܵܐ ܩܘܼܪܒܵܐ ܕܒܵܒܼܠ ܡܘܼܬܵܒܼܵܬܵܐ ܓܵܘܹܗ ܩܲܝܸܡܬܵܐ ܕܐܲܠܵܗܵܐ ܡܲܪܕܘܼܟܼ (ܫܸܡܫܵܐ ܕܝܵܬܹܩܹܐ ܚܲܕَܬܵܐ) ܒܓܵܘ ܚܲܕَ ܙܘܼܝܵܚܵܐ ܫܹܢَܬܵܝܵܐ ܝܕܝܼܥܵܐ ܒܫܸܡ (ܐܹܝܙܵܓܹܐܠ) ܗ.ܕ. (ܣܩܘܼܦܬܵܐ ܪܵܡܬܵܐ) ܡܼܢ ܬܵܒܵܩܵܐ ܬَܚܬܵܝܵܐ ܠܫܲܘܝܵܐ ܕܐܲܪܥܵܐ، ܟܲܕ ܬܵܡܵܐ ܥܝܵܕܵܐܝܼܬܼ ܟܹܐ ܛܵܥܢܹܐ ܗَܘܵܘ ܟܲܗܢܹ̈ܐ ܠܪܸ̈ܡܙܹܐ ܕܐܲܠܵܗܹ̈ܐ ܘܚܲܕܪܹܐ ܗَܘܵܘ ܓܵܘ ܥܵܠܘܿܠܹ̈ܐ ܕܡܕܝܼܢَܬܵܐ، ܘܡܼܢ ܒܵܬَܪ ܗܵܕܵܐ ܕܵܥܪܹܐ ܗَܘܵܘ ܘܡܵܬܒܼܐ ܗَܘܵܘ ܠܗَܘܿܢ ܓܵܘ ܗܲܝܟܠܵܐ ܠܐܲܦܵܝ ܡܫܵܪܵܝܬܵܐ ܕܚܘܼܪ̈ܩܵܢܹܐ ܘܛܲܟܼܣܹ̈ܐ ܝܲܢ ܥܝܵܕܹ̈ܐ ܕܫܹܢَܬܵܐ ܐܵܬܘܿܪܵܝܬܵܐ ܚܲܕَܬܵܐ ܠܡܸܬܚܵܐ ܕܬܪܸܥܣܲܪ ܝܵܘܡܵܢܹ̈ܐ ܒܵܬَܪ ܐܘܼܕܵܠܹܐ، ܘܟܠ ܚܲܕَ ܝܵܘܡܵܐ ܐܝܼܬ ܗَܘܵܐܠܹܗ ܛܲܟܼܣܵܐ ܦܪܝܼܫܵܐ ܘܒܸܡܫܵܘܬܲܦܬܵܐ ܕܥܲܡܵܐ ܟܠܵܢܵܐܝܼܬܼ ܥܲܡ ܪܹܫܵܐ ܕܟܲܗܢܹ̈ܐ ܘܟܲܗܢܹ̈ܐ ܘܡܲܠܟܵܐ ܒܬܢܵܝܹ̈ܐ ܘܡܲܕܪ̈ܫܹܐ ܘܟܪ̈ܘܼܟܼܝܹܐ ܘܡܲܩܪܲܒܼܬܵܐ ܕܛܲܐܵܠܬܵܐ ܕܒܪܝܼܬܵܐ ܘܕܼܒܼܚܵܐ.
ܪܸܢܝܵܐ ܕܒܪܵܝܬܵܐ ܕܪܹܫܵܐ ܕܫܹܢَܬܵܐ ܐܵܬܘܿܪܵܝܬܵܐ ܦܸܫܠܹܗ ܡܬܘܼܚܸܒܵܐ ܒܡܵܫܲܟ̰ܚܬܵܐ ܕܟܝܘܼܠܵܐ ܘܡܫܲܚܬܵܐ ܕܙܲܒܼܢܵܐ ܒܡܸܨܥܵܝܘܼܬܼ ܡܲܠܘܵܫܘܼܬܵܐ ܘܟܵܘܟܼܒܼ̈ܐ ܘܐܸܣܛܪܘܿܢܘܼܡܝܵܐ ܕܝܕܵܥܬܵܐ ܕܵܥܬܝܼܕܵܢܵܝܬܵܐ ܕܝܲܪܬܘܼܬ ܝܵܘܡܵܢܹ̈ܐ ܠܐܵܡܝܼܢܘܼܬܼ ܚܲܝܹ̈ܐ ܒܲܪܢܵܫܵܝܹ̈ܐ. ܘܐܵܗܵܐ ܦܸܫܠܹܗ ܡܫܘܼܪܸܪܵܐ ܒܐܵܡܝܼܢܘܼܬܼ ܣܢܵܕܬܵܐ ܐܸܠܹܗ ܒܡܸܬܚܵܐ ܕܕܵܪܹ̈ܐ ܝܲܪ̈ܝܼܟܼܐ ܘܗܲܠ ܐܸܕܝܘܿܡ، ܘܐܲܝܟܼ ܒܪܵܝܬܵܐ ܘܦܪܵܣܬܵܐ ܕܫܹܢَܬܵܐ ܡܫܝܼܚܵܝܬܵܐ ܒܟܠܹܗ ܬܹܒܼـܝܼܠ ، ܘܫܹܢَܬܵܐ ܕܓܵܠܘܼܬܵܐ ܕܡܲܫܠܡܵܢܹ̈ܐ ܘܫܲܪܟܵܐ ܕܬܵܘܕܝܵܬܹ̈ܐ ܠܘܲܬܼ ܥܲܡܡܹ̈ܐ ܦܪ̈ܝܫܹܐ ܕܬܟܠܠܗَܘܿܢ ܩܵܐ ܓܵܢܲܝܗ̈ܝـ، ܠܐܵܗܵܐ ܦܘܼܪܣܵܐ.

ܘܐܸܢ ܪܗܹܐܠܲܢ ܒܩܲܛܝܼܢܘܼܬܵܐ ܠܐܘܼܣܝܵܐ ܕܚܘܼܪ̈ܩܵܢܹܐ ܕܝܵܘܡܵܢܹ̈ܐ ܕܫܹܢَܬܵܐ ܐܵܬܘܿܪܵܝܬܵܐ ܕܟܹܐ ܦܵܐܸܫ ܡܙܲܝܚܝܼ ܗَܘܘ ܒܝܼܵܝܗ̈ܝـ، ܫܹܢَܬܵܐܝܼܬܼ ܒܸܬ ܓܵܝܫܲܚ ܚܕܵܐ ܦܝܼܠܵܣܘܼܦܘܼܬܵܐ ܕܝܼܠܵܢܵܝܬܵܐ ܕܐܝܼܬܠܵܗܿ ܐܘܼܦܩܹ̈ܐ ܡܬܘܼܚܸܒܹ̈ܐ ܓܵܘ ܟܘܼܢܵܫܵܐ ܕܪܸ̈ܢܝܹܐ ܡܓܘܼܫܡܼܢܹ̈ܐ ܒܐܵܢܝܼ ܚܘܼܪ̈ܩܵܢܹ̈ܐ ܘܛܲܟܼܣܹ̈ܐ ܕܝܼܠܵܢܵܝܹ̈ܐ ܡܟܲܢܫܹ̈ܐ ܡܼܢ ܨܚܵܚܹ̈ܐ ܘܗܲܝܡܵܢܘܼܝܵܬܹ̈ܐ ܕܗܿܘ ܙܲܒܼܢܵܐ، ܕܲܠܡܵܐ ܝܲܢ ܩܵܘܡܵܐ ܕܠܹܐ ܝܢܵܐ ܒܲܨܘܿܪܹܐ ܡܼܢ ܡܸܢܕܝܼ ܕܩܵܐܸܡ ܐܵܦܸܢ ܕܦܘܼܪܫܘܼܢܝܵܐ ܙܲܒܼܢܵܝܵܐ ܘܡܸܬܼܛܵܘܪܵܢܘܼܬܵܐ ܕܡܕܝܼܢܵܝܘܼܬܵܐ. ܘܩܵܐ ܕܗܵܘܲܚ ܒܘܼܫ ܩܘܼܪܒܵܐ ܡܼܢ ܐܵܢܝܼ̈ ܣܘܼܟܵܠܹ̈ܐ ܡܲܕܟܼܘܼܪܹܐ ܝܘܲܚ ܠܐܸܠܬܸܚܬ ܠܢܘܼܩܙܹ̈ܐ ܕܒܹܐܬܵܝܵܐ ܝܢܵܐ:

1. ܬܲܚܵܒܬܵܐ ܕܪ̈ܲܗܛܹܐ ܙܲܒܼܢܵܝܵܐ ܕܓܸܕܫܹ̈ܐ.
2. ܙܲܗܝܘܼܬܵܐ ܘܚܬܝܼܪܘܼܬܵܐ ܒܫܪܵܝܬܵܐ ܕܫܘܼܪܵܝܵܐ ܕܛܵܒܼܬܵܐ ܘܫܠܵܡܵܐ ܥܲܠ ܐܲܪܥܵܐ.
3. ܚܘܼܕܵܬܵܐ ܕܟܝܵܢܵܐ ܠܒܕܝܼܩܘܼܝܵܬܹܐ ܕܠܒܼܫܬܹܗ ܒܙܲܗܝܘܼܬܵܐ ܘܟܲܗܝܼܢܘܼܬܵܐ.
4. ܐܲܠܨܵܝܘܼܬ ܡܕܲܒܪܵܢܘܼܬܵܐ ܕܫܘܼܠܛܵܢܵܐ ܒܥܸܕܵܢܵܐ ܕܫܓܼܘܼܫܝܵܐ ܘܫܪܲܛܬܵܐ ܕܫܲܝܢܵܐ.
5. ܚܘܼܫܵܚܵܐ ܠܒܕܝܼܩܘܼܬܵܐ ܕܙܲܕܝܼܩܘܼܬܵܐ ܓܵܘ ܚܲܝܹ̈ܐ ܕܥܲܡܵܐ.
6. ܪܡܵܙܬܵܐ ܠܡܲܦܪܝܵܢܘܼܬܼ ܝܘܼܒܵܠܹ̈ܐ ܒܙܘܼܘܵܓܼܵܐ ܕܡܲܠܟܵܐ ܒܝܵܘܡܵܐ ܡܬܘܼܚܸܒܵܐ ܒܚܲܕܘܼܬܵܐ.
7. ܩܸܢܛܪܘܼܢܘܼܬܵܐ ܕܥܒܼܵܕܵܐ ܫܘܼܝܵܫܵܝܵܐ ܘܬܵܘܕܝܼܬܵܢܵܝܵܐ ܒܪܡܵܙܬܵܗܿ ܠܫܲܠܝܼܛܘܼܬܵܐ.
8. ܐَܣܵܪܬܵܐ ܕܓܸܕܫܹ̈ܐ ܒܚܸܟܼܡܬܵܐ ܐܲܠܵܗܵܝܬܵܐ ܕܗܵܘܝܵܐ ܐܝܼܬܘܼܬܵܢܵܝܬܵܐ.
9. ܙܵܟܼܘܼܬܵܐ ܕܛܵܒܼܬܵܐ ܥܲܠ ܒܝܼܫܘܼܬܵܐ ܘܪ̈ܘܼܚܵܬܹܐ ܒܝܼܫܹ̈ܐ.
10. ܕܪܵܓܼܬܵܐ ܕܗܘܼܡܵܣܹ̈ܐ ܠܦܘܼܫܵܩܹ̈ـܐ ܕܗܘܹܐ ܠܗَܘܿܢ ܡܲܥܒܕܵܢܹ̈ܐ ܡܕܝܼܢܵܐܝܼܬ.

ܘܫܒܼܘܿܩ ܕܠܵܐ ܡܲܢܫܲܚ ܠܲܐܟܼܵܐ ܕܣܵܡܵܐ ܙܵܘܕܵܐ ܕܚܒܼܝܼܫܵܬܹ̈ܐ ܡܘܼܕܟܼܪܹ̈ܐ ܒܥܸܠܸܠ ܩܘܼܒܠܹܐ ܠܗَܘܿܢ ܪܵܒܵܐ ܡܼܢ ܥܲܡܡܹ̈ܐ ܘܕܝܼܠܵܢܵܐܝܼܬ ܐܵܢܝܼ̈ ܕܟܹܐ ܥܲܡܪܝܼ ܗَܘܘ ܚܵܕܸܪܘܵܢܹܐ ܕܬܚܘܼܡܹ̈ܐ ܕܐܵܬܘܿܪ̈ܵܝܹܐ، ܘܐܵܦ ܐܲܬܪ̈ܵܘܵܬܹܐ ܕܝܘܼܪܘܼܦ ܒܦܝܵܫܬܵܐ ܕܚܲܕَܟܡܵܐ ܡܼܢ ܥܸܩܒܼ̈ܐ ܕܦܘܼܪ̈ܣܹܐ ܬܵܘܕܝܼܬܵܢܵܝܹ̈ܐ ܡܸܫܬܚܠܦܹ̈ܐ ܕܦܝܼܫܹܐ ܝܢܵܐ ܚܸܙܝܹܐ ܓܵܘ ܗܲܝܟܠܹ̈ܐ ܕܣܓܼܕܬܵܐ ܘܕܝܼܠܵܢܵܐܝܼܬܼ ܕܟܼܵܪܹ̈ܐ ܕܩܲܕܝܼܫܹ̈ܐ ܘܥܹܐܕܵܐ ܕܩܝܲܡܬܵܐ ܒܝܲܪܚܵܐ ܕܢܝܼܣܲܢ.
ܒܘܼܬ ܕܐܵܗܵܐ ܘܟܲܕ ܐܵܚܢܲܢ ܩܵܒܘܼܠܹܐ ܠܫܹܢَܬܵܐ ܐܵܬܘܿܪܵܝܬܵܐ ܚܲܕَܬܵܐ ܒܥܸܕܵܢܹ̈ܐ ܕܩܲܘܵܡܝܵܬܹ̈ܐ ܡܲܪܝܼܪܹ̈ܐ ܘܩܸܫܝܹ̈ܐ ܒܐܲܬܪܵܐ ܝܸܡܵܝܵܐ ܕܝܠܝܼܕܠܵܗܿ ܓܵܘܹܗ ܐܵܗܵܐ ܡܝܲܬܪܘܼܬܵܐ ܝܲܪܬܘܼܬܵܢܵܝܬܵܐ ܕܗܵܠܵܐ ܒܢܲܝ̈ ܥܲܡܲܢ ܡܙܲܝܘܼܚܹܐ ܝܠܹܗ ܒܝܵܗܿ. ܘܒܐܵܗܵܐ ܦܘܼܪܣܵܐ ܡܲܩܪܘܿܒܼܐ ܝܘܲܚ ܒܘܼܢܵܝܹ̈ܐ ܘܒܵܪ̈ܲܟܼܝܵܬܹܐ ܩܵܐ ܒܢܲܝ̈ ܥܲܡܲܢ، ܘܒܣܲܒܼܪܵܐ ܝܘܲܚ ܕܫܵܪܹܐ ܫܲܝܢܵܐ ܘܫܠܵܡܵܐ ܥܲܠ ܟܠ ܩܸܛܥܵܐ ܕܐܲܪܥܵܐ ܘܕܩܲܒܠܵܐ ܟܠܵܗܿ ܡܬܼܥܲܡܪܵܢܝܼܬܵܐ ܛܵܒܼܬܵܐ ܘܒܘܼܣܵܡܵܐ ܘܬܟܼܝܼܠܘܼܬܵܐ ܐܵܡܝܼܢܵܐܝܬܼ.

215

216

217
الأستاذ روبين بيت شموئيل يحاضر في السويد

بدعوة من الاتحاد الآثوري في السويد ، سيقـْدِم الأستاذ روبين بيت شموئيل القادم من العراق بإلقاء عدد من  المحاضرات  في الأندية التابعة للإتحاد على ضوء البرنامج المشار اليه ادناه.

1. يوم السبت المصادف 3 شباط 2007 وفي تمام الساعة الرابعة في النادي الثقافي  الآثوري بمدينة سودرتاليا.
2. يوم الأحد المصادف 4 شباط 2007  وفي تمام الساعة السابعة في نادي آشور / فيتيا
3. يوم الخميس المصادف 8 شباط 2007 وفي تمام الساعة السادسة في نادي ميسوبوتاميا بمدينة لينشوبينغ.
4. يوم السبت المصادف 10 شباط وفي تمام الساعة الخامسة في نادي بابليلون الآشوري بمدينة يونشوبينغ.
5. يوم الأحد المصادف 11 شباط وفي تمام الساعة السابعة في نادي حمورابي / فرولوندا.

عناوين المحاضرات:
ــ  القضية الآشورية في المحافل الدولية.
ــ  المدارس الآثورية الأهلية في العراق.
ــ  ثقافتنا ورموزنا القومية.
 

بقي أن تعلم بأن الأستاذ روبين بيت شموئيل نشر العديد من الكتب عن الأدب الآشوري باللغتين الآشورية والعربية اضافة لمسؤوليته كخبير في المجمع العلمي العراقي / هيئة اللغة السريانية  ومحاضراً في كلية اللغات  بجامعة بغداد ، وحالياً يواصل الدراسة الجامعية  بقسم الدراسات العليا في  جامعة لايدن بهولندا إحدى الجامعات الأوربية العريقة التي تأسست عام 1575.

Shlomo myakre
 
H&auml;r har ni f&ouml;rel&auml;snings tider med ROBIN Beth- Shmuel
 
 
ARS har bjudit in Malfono myakro Robin Beth- Shmuel fr&aring;n Irak och har anordnat f&ouml;r honom en rad  serie f&ouml;rel&auml;sningar om det assyriska spr&aring;ket dess undervisning i assyriska skolorna i Irak.
Robin &auml;r l&auml;rare i assyriska spr&aring;ket vid Bagdats Universitet.
 
F&ouml;rel&auml;sningarna kommer att ske enligt f&ouml;ljande:
1.   L&ouml;rdagen den 3 febr kl 16:00 i Assyriska Kulturhuset i S&ouml;dert&auml;lje
2.   S&ouml;ndagen den 4 febr kl 19.00 i Asur f&ouml;reningen i Fittja
3.   Fredagen den 9 ferb kl 18:00 i Mesopotamiska Kulturcenter i Link&ouml;ping
4.   L&ouml;rdagen den 10 febr kl 18:00 i Assyriska Babylon f&ouml;reningen i J&ouml;nk&ouml;ping
5.   S&ouml;ndagen den 11 febr kl. 19.00 i Hamorabi f&ouml;reningen/ v&auml;strafr&ouml;lunda-G&ouml;teborg[/b][/font][/size]

221
مـن اجـلـنـا ... ولكـن ضـدنا
[/color]

بقلم :
ميخائيل ممو

رئيس تحرير مجلة حويودو في السويد


لنرمي الكرة مباشرة في مرمى حماة حاميتنا ، وهم يعمدون في الوقت ذاته بطريقة مخادعة ومموهة بتبريرات مزيفة من عدم القدرة على صد ضربات خصمهم ، لمساومة خفية لا يستدركها المنافس من اصحابهم ، طالما كلفت الخصم تلك المساومة ما يُدري بالنفع لهم  ولأتباعهم ، وللحامي المتمثل بيهودا اسخريوطي المعاصر في الحقل السياسي والقومي على ارض الرافدين ، وما اكثرهم في عصرنا الذي انقلبت فيه المقاييس وتخلخلت فيه الموازنات بإسم حرية الرأي المقيد ، وبصفات ديمقراطية العنف القاتل.

وكما نوهت في البدء ، لنرمي الكرة ، عمدت من ذلك الولوج مباشرة في جوهر الموضوع، دون اية  رتوش تأويلية ومقدمات تأملية كما اعتدنا ، لكون الساحة العراقية اليوم احتدم واقعها الديمقراطي المزيف بالصراعات التي لا طائل منها ، وبلغت ذروتها من جراء تطاولات ضعفاء النفوس واستغلال النفعيين المصلحيين للوضع الراهن المشين الذي يبعث الأسى والحزن في نفوس من إرتجّ النقاء والصفاء في ذواتهم.

لا يخفى علينا بأن ابناء الشعب الآشوري بكافة نعوته التسموية التقليدية والمستحدثة وأينما تواجدوا وحطت بهم الأقدار ، تراهم يحملون في كل خلية من خلايا تكوينهم الجسماني مشاعر الإنتماء القومي والإعتزاز بوجودهم ، متأملين تاريخهم ، ومستمدين منه الدروس والعِبَر بغية مستقبل مشرق ، حالهم حال الشرفاء من أطياف الشعب العراقي وممن يؤمنوا بواقع التآخي في خلق المجتمع المدني ، لا كالذين بلغت بهم الحمية ليستحوذوا على ناصية الحكم والسلطة وينيطوا العنان للتحكم بمصائر الغير ليكونوا بمثابة الأوصياء للإشراف على شؤون القاصر ، وليمحوا من صفحات سجلات التاريخ الحقائق الدامغة وشرعية امتلاكهم الفعلي لما ورثوه عن الآباء والإجداد بغية الإستحواذ اللاشرعي على ممتلكات الآخرين الذين خدموا الوجود العراقي ، وآخوا عناصر تكوينه وذادوا عن أصالته.

هكذا تتضح الأمور علناً وخفية ، وهكذا نعيش الواقع ونلمسه يومياً عن كثب. ومتى ما تساءلنا عن الدوافع لقيل لنا : نعم ، هكذا تستحب تنظيماتكم ، وهكذا تستخلص مؤتمراتكم، وهكذا يجسد اعلامكم.
ونحن بدورنا لا نحجم ونحجب الطرف عن مثل هذه التجاوزات اللاشرعية واللاقانونية طالما هناك من يقوم بدور حامي حامية واقعنا على شاكلة ما نوهنا عنه في البدء ، مثلهم المثل القائل : ( ليس للإمور بصاحب من لم ينظر في العواقب) وبالتالي ( لا نجني من الشوك العنب). اذن فليكن في عرفنا بأن الأمثال لم تورد وتقال اعتباطاً وإنما لنتعظ بها ونقتفي طريق الهداية.

ان من لم ينالوا العنب عادة ما يبخلوا بالحصرم ، ومتى ما ذاقوا طعمه ، اطلقوا الآهات وانفسهم ، ليتناسوا الإعتراف بالخطأ ، وليموهوا وجه الحقيقة ارضاءً لصاحب الأمر ليكون الحامي طوع يده بحجة التغافل عن بني جلدته.
بربكم ، ما حكم هكذا أناس؟! أوليسوا علة بداية النهاية لوجودنا كشعب ذو شأن؟!
اذا كان الأمر يضمر لنا هذه النهاية وأمام ابصارنا ، فمن واجبنا التساؤل: أين هي العقول النيرة والفضلاء من تلك المواقف المجحفة؟ أين هي مواقف مرجعياتنا الدينية من مفاوضاتها الإرشادية والإعتبارية؟! وأين هم عمداء الكتل السياسية من مضامين الدساتير المطروحة على طاولة البحث ومن اهداف انظمتها الداخلية؟!

ألم تحن الفرصة للمبادرة على جمع الشمل والإقدام على إجتثاث بذور العفن من رياض الساحة الآشورية ، وإيقاف الصراع على حلبة المصالح الذاتية والفئوية والحزبية الضيقة اضافة للمذاهب الكنسية التي تزيد من شقة الخلاف والإستبعاد والإبعاد.
 اذن دعوا دورانكم في دوامات فاضية ، فليس لنا سوى بادرة واحدة هي طاولة الحوار بروحية صفاء النية وتأنيب الضمير من أجل ابراز جوهر القضية دون وجل وخوف أو تردد واهمال.

حتام نبقى نمرّغ رؤوسنا في مؤتمرات ولقاءات المشاحنات الإنعزالية ، ليكيل كل واحد الصاع صاعين وأكثر ونرمي بأنفسنا في عقبة كأداء يصعب ارتقاؤها وتجاوزها لتدعنا نتراوح في مكاننا ونطلق الصيحات في أجواء برية لا يستجيب لصداها سوى السراب في ارض يباب.[/b][/font][/size]

223
اسلحة الدمار بمثابة أغصان زيتون العصر الحديث



بقلم: ميخائيل مـمـو

 ان حالة الشؤم والاستنفار والحيرة الدائمة التي طغت عالمنا الشرق أوسطي من جراء سياسة التغييرات التي شملت قسماً من دول المنطقة بغية التغييرات الجذرية والإنفتاح الشامل على المستوى الديمقراطي ، انعكس دورها الإيجابي المنتظر لحالة يرثى لها ، حيث أنه جعلت نتائج مفعولها السلبي يسري في نفوس من كانوا يحلمون بمستقبل أفضل وحياة أكثر دعة بعد حرمان طويل من حياة السكينة والطمأنينة والراحة بما أفرزته حالات التعسف والإضطهاد والتهجير التي دام آمدها عقوداَ عديدة ، وبشكل خاص في بلد الرافدين عراق اليوم ، ولتمتد بالتالي تلك المأساة محفوفة بالقحط والعوز والتشريد لتشمل بلاد الارز ، لبنان السلام والآمان ، وبضراوة لا مثيل لها ، وكأن عالم اليوم وفي عصر بلغ قمة التطور ، يجد سعة ولين العيش في عمليات التهديد والإقتتال واشهار المعارك والحروب الطاحنة باستئناسه على اغتصاب ما لا يُقـَر شرعاً وقانوناً ، ليعيش الأنسان شريعة قانون الغاب بإسلوب مستحدث، مستخدماً أشهر وأحدث وسائل الهتك والتخريب والدمار ، كأنها أغصان زيتون العصر الحديث كرمز للسلام الذي لا يضاهيه سلام التسامح والتفاهم والسلم.

ان ما آلت اليه الأحداث والأوضاع المأساوية التي لم تكن في الحسبان ، كالاحداث المروعة من قتل وسلب ونهب واغتصاب وتشريد وتدمير وكل ما هو شبيه لهذه الأفعال ، ومن الاوضاع غير الآمنة التي سببتها صفات التعالي والتبختر والمصالح الذاتية وطموح أطماع السيطرة ، لم تكن مناداة صدفة للمتأمركين والبراغماتيين طالما يشهد التاريخ البشري القديم بحفظه للصفحات السوداء بحق الإنسانية. ولكن أن نعيش هذه الحالة في عصر النهضة العلمية المتألقة التي لا مثيل لها في أي عصر من العصور ينـمّ عن اعادة كتابة التاريخ بوحشية الإنسان البدائي الذي عمل جاهداً على نبذ حالات الجهل والتخلف ، والارتقاء بمستوى الإنسان من خلال ارساء اسس الحضارات لخدمة تجمعات الشعوب والقبائل والدول التي يشكل عالم اليوم امتداداً لها ، بفضل العقل البشري الذي نشوه صورته عمداً ودون حياء.

لو القينا نظرة على عالمنا الحديث في القرنين الاخيرين منذ عصر النهضة الصناعية  وبشكل خاص في الفترة الزمنية لأنبثاق الوعي القومي المثمثل بالشعور الجماعي الدائم ، ومن ثم اتساع رقعة مضمونه بوحدة الدولة القومية وبالمفهوم الرسمي لمصطلح القومية لشعوب المنطقة ، ومن خلال ما عاشته شعوب القوميات الأثنية المسماة بالأقليات، وما عانته من مجازر وأحداث مأساوية ، لوجدناها وقد اصيبت بسهام الحقد والكره والإستخفاف لتنجرف في تيار العزلة احياناً ، وبمطامع الإستغلال النفعي بوعود وهمية كاذبة أحياناً أخرى ، وأبرز ما يمكن ذكره هنا ما عاناه الشعب الآشوري على أرض ميلاده، وبين أنقاض عوالم حضارته ، ومناطق سكناه الشرعية في القسم الشمالي من بلد النهرين الخالدين وجباله الشامخة الشماء وقراه في منطقة حكاري في العهد العثماني بدلالة نصوص وثائق ومعاهدات الدول التي خاضت هيجان الحربين العالميتين وما تضمنتها من فقرات تنص منح الحقوق القومية للشعب الاشوري على ارض اجداده لقاء نضاله ومواقفه التي لا زالت مآثرها محفوظة على رفوف عصبة الأمم وفي خزائنها وبين صفحات امهات المصادر التاريخية التي تزخر بها مكتبات العالم.

ان ما يثير العجب في مسيرة الشعب الآشوري منذ سقوط سلطة امبراطوريته قبل الميلاد  ولحد تشرده واعتصامه في مناطق سكناه ، ومن ثم ايمانه بتباشير الديانة المسيحية ، تعرض ايضاً لأبشع أنواع الزجر والإضطهاد.. ورغم كل ذلك بقي حياً ، مؤمناً بعقيدته ، مناضلاً بديمومته ، ومصمماً اثبات وجوده رغم كل المصاعب والمصائب التي انتابته في مسيرته التاريخية الحديثة ومنها مجزرة سميل وصوريا ، والأخيرة منها التهجير القسري والأغتيالات التي تعم ابناء شعبنا من منطلق طائفي متزمت وعنصري مقيت تحت راية الجمعية الوطنية التي تمثل الوطن بكامل حدوده وأطياف شعبه وبحكم دستوره الذي على أساسه تتم الضمانات المنطقية لكل فرد عراقي بغض النظر عن انتمائه القومي والمذهبي.   

   ميخائيل مـمّـو
كاتب اشوري عراقي
رئيس تحرير مجلة حويودو في السويد
mammoo20@hotmail.com[/b]

224
فلسفة الرأي رأي الفلسفة في علم المنطق

بقلم : ميخائيل ممو / السويد

ان عملية الحدس والإستقراء التي دعت الفيلسوف الفرنسي ديكارت (1596 ـ 1650) يطلق مقولته الشهيرة " انا افكر اذن انا موجود " ليسمو بالذات الإنسانية الى أعلى درجات التذهن ، مقرونة بوجود حسي متميز، برهن بيقين على انه موجود طالما كان يفكر. وما أن شاءت هذه المقولة تثبت وجودها ، ويتسع أفق فحواها ، جعلت الكثيرين في عالم الشرق والغرب أن يفندوا صياغتها بإستعاضة الفعل " أفكر " بأفعال أخرى مغايرة بحكم علم المنطق الذي يرمز للتفكير الصائب، معتمداً الإحساس والتأثر والادراك مشحوناً بعنصر اللغة أو الألفاظ  بغية الوصول الى النتيجة الحتمية التي مفادها إما الإثبات أي الإستدلال أو النفي .
نبغي من هذه التقدمة بأن فلسفة الرأي هو ما يختاره الفرد في ابداء رأيه وما يرمي اليه ، وهنا يكون قد اعتمد على ما يحدده الفكر المقرون بفلسفة خاصة داخل اطار علم المنطق.

نعم.. هذا ما يفرضه ويوضحه واقع التأمل الفكري ، لينطلق كل انسان مهما بلغت درجة وعيه وثقافته وإدراكه راسماً على على صفحات عقله ما يمليه عليه الحدس الذهني من جراء المعايشة اليومية والتراكم الرؤيوي المبني على واقع الأحداث واسبابها ونتائجها ، وبالتالي ما تخلفه من مؤثرات مزدوجة ، ينحصر جوهرها في دائرة الإيجابيات أحياناً والسلبيات أحياناً أخرى، ليكون مؤداها خلق مجموعتين متفاوتتين في الرأي ، إنطلاقاً من أرضية الإدراك والوعي الفردي المعتدل من جانب ، ومن الجانب الآخر إحتساباً من منطلق الإنتفاع الشخصي المادي المقيت ، أي دافع الإعتصام بالرأي وتجاوزه لدرجة الإستهجان والإستخفاف.

ان حالة المجموعة الأولى عادة ما تستمد بذور رؤاها وتحليلاتها وأحكامها من عمق المفاهيم الحكمية التي نادى بها الأولون كمعرفة عقلية تستوعب العلوم البشرية بأشكالها المختلفة ، رغم تفاوت المصدر الأساسي المنحصر بالتفسير اللاهوتي والأخلاقيات والطبيعة ، ناهيك عن التفسيرات التي حددتها الإعتبارات المذهبية للديانات السماوية محصورة بالوجود الإلهي كمصدر ومنبع وأساس لكل شئ وبشكل خاص سلوكيات الفرد في تعامله وآفاق تصوراته.

أما حالة المجموعة الثانية فإن منطلقها يتحدد في تحرر الفرد واستقلاليته من تأثيرات الإنتماء الجماعي في استنباط ما يرنو اليه بحكم التطور الحضاري والنبوغ أو الإرتقاء الفكري ، متخذاً من مصطلح الفلسفة صفة خصوصية تمنحه شرعية التعبير المتميز ، وتسمح له التحكم بفرض ما يرمز له من أفكار ومعانٍ بقصد أو غير قصد ، ملتزماً نزعة ما يفرضه التأمل العقلي وسعة التجربة للفكرة المقصودة  والمستوحاة من التخمين والتصور الذاتي.

نستنتج من الحالتين بأن الفرد بطبيعته وبحكم غرائزه يقدم للوقوف على ظواهر الكون وسبر عوالم حقائقها ، وليترنح فيما بعد على هواه مجتهداً ، مُقرراً ، مُحللاً  ، مُرتأياً ، ناصحاً  ومُعللاً  بما يحلو له  بقناعات شخصية وبتفلسف ذاتي ، متخذاً مما يعمده فلسفة حياتية خاصة ومتميزة ، وكأن لهذه التسمية التي يتوسم بها سترفعه وتتألق به الى مصاف من يجعل ادوات وآليات عقله الإنساني مجمل الأفكار النيرة لتبدبد ظلمات الجهل ، ونشر الشعاع في آفاق المعرفة ، تيمناً بالمعنى الحرفي لكلمة الفيلسوف او الحكيم التي مفادها " محب الحكمة " ، ليكون من يتلون بهذه التسمية " المخلص الجديد " و " القائد المبجل " و " الراعي الصادق " وما يرادفها من مصطلحات وكلمات مركبة لا تقل شأناً عن فحواها الإستعلائي.

نعم.. لا يخفى علينا بأن لكل انسان فلسفته الخاصة بمسار حياته ، ولكن شريطة أن لا تكون مستلة من رياض أماني السذاجة أو من منابع عبادة الذات ، طالما يتعلق الأمر بفلسفة علوم رفيعة ترفع من قدر وقيمة الإنسان ، ومنها فلسفة الجمال والأخلاق والقانون والتاريخ وغيرها من العلوم الإنسانية ، وبشكل خاص ما نرمي اليه  السير على هدي ما تمليه الأخلاق ، والتحلي بما يفرضه المنطق والإلتزام وبما تحتمه شرعية القانون ، مروراً بما يثار في الحقل السياسي وعلاقته بها ، لكون السياسة  " علم وفن ".  علم تتفاوت عناصر تكوينه عن علوم الطبيعة يمتثل للمواصفات الإنسانية والإجتماعية  ، وفن تُحدد ركائزه اساليب التصرف بما يتلائم وينسجم مع ادارة دفة الحكم أي العلاقات السلطوية ، وما تنص عليه القواعد القانونية والنصوص الدستورية. وهنا ينبغينا القول ـ إذا ما جاز لنا التعبير ـ أن نمنح مصداقية صفة فلسفة التعبير السياسي ، لكل سياسي يحلو له أن يتمنطق بما يشاء ، نكون قد انجرفنا في تيارات اللامصداقية ، طالما نضفي الصفة الفنية التي تؤطر علم السياسة من خلال منهجية الأحزاب التي تطرح في برامجها ما لا يضاهيها من أفكار بغية كسب الرأي العام ، وانجرافها فيما بعد في وادٍ لا نسمع من خلاله إلا الصدى ، ولتظل النصوص الرفيعة الصياغة تشكو التكبل بين قضبان سطور انظمتها الداخلية ، ولتتآكل بمرور الزمن كما آلت الحالة لسلطنة الحزب الواحد الأوحد الذي انكشفت هويته بعد مرحلة التحرير والإحتلال.

ان الموجة الجارفة لمثل هذه النظرة السياسية للصفوة الحاكمة تزيح بموجاتها خارج حدود التزاماتها ومناداتها لتكبل وتحجز كلمة " الديمقراطية " وترميها في زنزانة الإنعزال ، جاعلة من " الحرية " أن يصيبها الإرتجاف ، ومن " المساواة " الهلع والخوف ومن " العدالة " حالة من اليأس اللاشعوري. وهنا تضيع القيم لتسبب فقدان الأسس العامة التي تتحلى بها مفردة " حكم الشعب " لكون الشعب بمثابة الجذور لتركيبة الدولة ، ومن يهيمنوا على عرش السلطة بمثابة الإغصان المتفرعة ، ومن يتربعوا من القادة البرلمانيين بتسمياتهم السياسية المتفاوتة هم الذين يجعلون تلك الغصون مورقة ومثمرة. وإذا كان الأمر عكس ذلك فما جدوى الشجرة الجرداء الخالية من تلك الصفات النافعة؟!

نعم.. عراقنا اليوم بشماله وجنوبه ، شرقه وغربه ، يعيش هذا الواقع ، ويئن من فلسفة المراوغات السياسية ، ومغالطات التنكيل المباشر و" الضحك على الذقون " دون أن تأبه تلك الأحزاب والتكتلات السياسية والتجمعات العرقية التي لا تحصى بإقدامها على هدر الحقوق الديمقرطية لمواطني البلد. ودون أن تلتزم بمبادئ الأخلاق السياسية ، ولا حتى ما تقره في برامجها من اعتبار للعادات والتقاليد المرعية.  ترى " الألف " يتحالف مع " الباء " والباء يناهض بصلابة مع من يتآلف مع " الألف " وهكذا دواليك مع التجمعات المستحدثة ، وفيما بين الأحزاب القومية والصغيرة منها على وجه الخصوص. وفي الوقت ذاته لتتناسى الكبيرة منها وبمشيئة الظروف المؤاتية  من استهجان ما لا يحلو لها لغاية في نفس يعقوب.

من المتعارف عليه ان القوى المهيمنة بتألف الأحزاب الكبيرة القائمة على اساس عرقي أو اقليمي وبحكم كثافتها السكانية عادة ما تتحكم بمصائر أحزاب الأقليات القومية المحدودة العدد والمنشطرة على نفسها لأسباب عشائرية أو خلافات شخصية في القيادات أو المطامح والمطامع المستقبلية. وهنا تكون قد استبعدت من مناداتها المفهوم الديمقراطي الصحيح ، لتوصمك بمقولة " إن لم تكن معي فأنت ضدي " متناسية الحقوق القومية ، ومبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ودستور البلد الأصلي. ومتى ما نزلت الرحمة والرأفة في قلوب قادتها تفتح أمام القسم منها باب الولوج المحدود ، وربما أيضاً لأسباب ضمنية غير صريحة مع محدودية المشاركة في النظام.
رحم الله ديكارت الذي تيقن بالشك ، حينما كان يشك بما يشك ، ليتوصل الى ما انفنا اليه في المقدمة ، وليحذو حذوه البعض من قادتنا السياسيين بتقليد مغاير وبتخمينات لا يشوبها المنطق الصريح وهم يرددون وأنفسهم : أنا أناضل ، أنا أحارب ، أنا أغاير ، أنا أشاكس ، أنا أرغب ، أنا أنتقد ، أنا وأنا وأنا .. اذن أنا موجود. آه وألف آه من هذه " الأنا " في عصر يزاحمها الإنسان الآلي المتمثل بالحاسوب.

رئيس تحرير مجلة حويودو
mammoo20@hotmail.com  [/b]

225
حياة  الإنسان  تحددها
جملة  ضوابظ  وركائز موضوعية


ميخائيل مـمّـو  / السويد

ان من لا ينظر لعالم الغد وتأملات المستقبل برؤيا يقينية ، محاولاً رمي خطوات التواصل بإمعان مع رحلة الزمن ، بغية نيل وتحقيق ما يصبو اليه ، يكون قد اكتوى بآلام الماضي ، ويصبح كمّن يحاول الهرع مسرعاً ومضطرباً ليلتحق بقافلة النجاة ، متناسياً صفة هواجس الندم من عملية تمايده في الإتزان أو التوازن في جريه وملاحقاته لما يهدف اليه. وهنا يضطره الحدس أن يواكب المسيرة ليعيش تحت ظلال وذكريات الأمس التي بعينها تحتم وجود المستقبل ليُنظر لها بمنظار تشوبه  صيغة التفاؤل ، طالما الأمل هو الوسيط والسبيل للنظرة المستقبلية التي تحتمها وتفرضها عناصر الحاجة في أي مجال يبغيه الإنسان ، انطلاقاً من بديهية الثوابت الحسية ومعايير الإرتقاء نحو الأفضل ، شريطة أن لا يتناسى الناظر ديمومة المراوحة في محطات المبادئ والنظريات وتجارب الأحداث ، بتجاوب امعان النظر في دقائق الأمور.

ان ما يجعلنا نتوقف عند محطات الإنتظار ، لنتراوح في محيط الدائرة المقصودة ، وعلى شاكلة دوران الأرض حول نفسها ، هو تركيز الرؤية بعين واحدة ، واقتصار الحدس الذهني لعملية التحليل كما هي وكما نظنها ويحلو لنا ، لا كما ينبغي ان تدعنا مواصفات متابعة التوصيات والاليات للمطابقة الفعلية والعملية.

هناك الكثير ممن يقدم على تسفيه دعاة الأمور الداعية لمواجهة الإفتراضات المصاغة بقالب ايجابي ، وبمنظور تحليلي صائب ، وذلك بإعتمادهم مواقف ما تطويه مقولات شريحة من الناس ، وبإسلوب خال ٍ من همسات المنطق العقلي أو العقلاني ، أو الحكم القويم والعادل الذي لا مساس فيه ، ولا اي نوع من الشك او الالتباس.
ان مثل هذه النظرة ، عادة ما يكون مبعثها غريزة حب الذات التي مؤداها حتمية انفرادية الشخص في تفسير الأمور على هواه ، وتغاضيه عن كل ما تحدده الفرضيات والنظريات والإجتهادات الصائبة ، أو الأنظمة والقوانين المألوفة والمعتمدة لإثبات ما يمكن التوصل اليه وتبيانه بمفهوم المنطق الإنساني والإعتبار الواقعي.

من هذا المنطلق نفهم بأن حياة الإنسان تحددها جملة ضوابط وركائز موضوعية ، وتجعله يلتزم بها وفقاً للأنظمة والقوانين المرعية ، ولكنه متى ما حاد عنها ، وحاول هدم الجدار والتقليل من علوه بغية تسهيل اجتيازه ، يكون والحالة هذه قد تجاوز مفهوم النظام وجعله مبتوراً في عُرف من هم ادرى وادرك بواقع الإلتزام.

ومتى ما توغلنا قليلاً حالة الإقدام على مثل هذه السلوكيات نستنتج من جعل الصعب سهلاً والسهل صعباً ، ومن الخطأ صحيحاً، والصحيح خطأ ، ونتناسى بأن ابراز وإثبات الأهمية لا تتأتى بفعل التضاد من أجل التضاد ، وانما بمفهوم الموازنة والمنافسة المُثلى التي تعتمد البُعد الديالكتيكي لمسيرة التطور والتقدم وإعلاء شأن ما يُهدَف اليه ، سواءً على مستوى صراع الأحزاب والمؤسسات أو الحالات الفردية. هذا ما اثبتته الشواهد التاريخية وأقرته العقول الواعية الهادفة لخدمة الأنسان في محيطه ومجتمعه انطلاقاً من الظروف التي تتحكم به ، والإحتياجات التي يستوجب توفيرها واعدادها وفق امكانات الحالة الإقتصادية والمستويات الثقافية والمفارقات الإجتماعية.

                   رئيس تحرير مجلة حويودو      mammoo20@hotmail.com[/b]

226
وداعاً ايها الشاعر الفذ كمال سبتي


كمال .. اكتب هذه المفردة التي تهديني لأتمم ما يتبعها بإسم سبتي ، ولأخاطب روحك بعد أن فاجأنا هول النبأ المفجع برحيلك الأبدي. أقولها وفاءً لك أن مفردة الأدب قربتني منك ، وجعلتنا نقترب من اليعض عبر الأثير لتدعوني اللقاء يومياً لدردشة استثنائية عبر غرفة "البالتولك" التي عودتنا عليها كل مساء  وعلى مدى طويل من الأشهر، بإقدامك على تولي مسؤوليتها لحين أن يكتمل الجمع من ذوي الرؤية الأدبية والشعرية والثقافية ، ولتعلن الترحيب بهم بصدق كلماتك الطيبة الممزوجة بشفافية نادرة وكأنك تدعوهم لزيارتك حيث تأوى بغية أن تبدد وحشة الإنفرادية التي لازمتك في ديار الغربة. نعم الغربة التي جعلتك تصاحب القلم وليطاوعك على دبج ما كان يدور ويتراقص في مخيلتك.
 
كمال .. ليتك عرفت واستدركت ما كان يلاطف ويخالج روحك الطاهرة بمناداة اجبارك على الرحلة الأبدية ، وليت أناملك التي عشقت القلم والتي ارتعشت في تلك اللحظات كانت قد قويت وانتفضت وبادرت على صياغة عبارات الوداع.. وليت صوتك الجهوري الذي شنفت به أسماعنا قد دوى عالياً وتسرب عبر الجدران ، ليسمعك محبوك ويمطروك بكلمات الوداع الأخير.
انه مهما طالت سلسلة مفردات ليت ولعل والترجي والتأوه لم تعد تجدي نفعاً ، طالما باغتتك اللحظة الحاسمة في الفترة التي كنت تنتظرها احتفاءً ببلوغك العقد الخامس من رحلة العمر وليحتفي معك اقرانك الذين زاملوك وشاطروك السراء والضراء.

ولكن ماذا نقول لشبح الموت؟! هكذا شاءت ارادة القوة الخفية ان تبجل ذكراك بموكب حزن ، يرثيك فيه من عرفوك عن قرب وعن بعد ، ومن خلال تلك دواوينك الشعرية التي تحتضنها رفوف المكتبات التي ستكون بمثابة يديك لنصافحك من خلالها ، ونثني على الجهد الذي بذلته بأتحاف مكتبة الشعر بشعور مرهف وفكر ثاقب.
وفي الختام ليس بوسعنا إلا أن  نتضرع الى الباري عز وجل أن يلهم روحك الطاهرة شأبيب رحماته الواسعة ، ويلهم أهلك وذويك ورفاقك الصبر والسلوان.

ميخائيل ممو / السويد
كاتب اشوري عراقي[/b]

227
لنتعظ من الماضي وسلبيات نتائجه الاليمة



بقلم : ميخائيل ممو / السويد

ان انبثاق الثورة الصناعية في عصر النهضة الاوربية أتاحت فرصة التألق والإبداع الفكري في شتى حقول العلم والمعرفة ، وفي مجالات عديدة من حياة الإنسان الذي كان يعاني من شظف العيش والإستغلال الأرستقراطي والهيمنة الكنسية ، فعمد رواد النهضة على محاكاة رجال الفكر وابداعاتهم من خلال النظريات التي حفظها التاريخ أمانة لمطالب واحتياجات الزمن.
كما وان الإرادة الجماعية التي اعتمدت الأفكار التنويرية بإعتماد مدونات التاريخ كمصادر موثوقة ومحفزة لتبيان الحقيقة  الى جانب ما يفرضه واقع التأمل في نتائج ظروف معايشة عوامل تزايد سكان المعمورة ، والتفاقم الإقتصادي وتدني الحياة الإجتماعية قد مهدت الدرب لطرق أبواب جديدة ، وصهرعوامل السلب وإزاحتها من قواميس القوى السلطوية المتزمتة. وهذا ما حصل في منتصف القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر وديمومة ذلك في القرن الذي نعيشه ، والذي شهد العديد من التغييرات الجوهرية في الحياة العامة والوظيفية بتغيير الأنظمة المتحكمة والمنفردة بمسار السياسات المتبعة ، وبروز المصطلحات السياسية المستحدثة التي تشمل ضمان حقوق الفرد والشعوب على حد سواء ، عبر برامج دعاة العولمة والمجتمع المدني ، وكل ما يمت بصلة لإحترام وتقدير الذات الفاعلة ، لشذب وجود الشجرة بغية اظهار جماليتها عن كثب.

ان مثل هذه الأمور لا تخفى على أحد في حالة تسلحه بالوعي ، ومفهوم المسؤولية وادراك اهمية العمل الجاد ، لكون القدرات الذهنية والمهارات العملية والكفاءات التخصصية آليات محفزة لردع ومحو التفاعل الإختزالي لظواهر السلبيات التي تتعايش عليها زمر النفعيين والإنتهازيين والوصوليين والإحتكاريين من مرضى النفوس.

في اليوم الذي استبشر ابناء ما بين النهرين بالخير بإسقاط السلطة الحاكمة ، وهيمنة القوى الأمريكية على ادارة دفة الأمور في العراق الجديد ، بإسلوب مغاير فيه من ضمنية التعبير والخفايا المبيتة ، استنهض الوطنيون المخلصون واستدركوا الواقع الذي توشح بوشاح التحرير ، وفي الوقت ذاته انبثقت مجاميع من التيارات المعارضة ، منها بتوجيهات القوى المحررة ، ومنها بإرادة القوى التكفيرية والقسم الآخر ممن انتزعت منهم الهيمنة السلطوية.

من جراء هذه التصورات انبثقت المشاحنات والتحديات ، وانتشرت على الساحة العراقية لدرجة التمادي بزرع بذور فتنة الإضطراب ، بحيث اختلط الحابل بالنابل واحترق الأخضر باليابس معلنة اختفاء مبادرات الأتفاق والوفاق والمصالحة بغية الوصول الى حلول تستهدف المصلحة العامة للمواطن العراقي الذي هو ضحية من نعنيهم من ذوي العقول المتصلبة سياسياً ، ان كانوا من التجمعات الحزبية الكبيرة أو الصغيرة او التي تميل الى جهة معينة أو تتمايل بين هذا وذاك.
من هذا المنطلق نقول: ان كانت الفكرة الأساسية ممارسة المفهوم الديمقراطي في تكوين العراق الجديد وطمأنة مواطنيه ، ينبغي ان يضع ـ من يهمهم الأمر ـ نصب اعينهم الأمن والإستقرار قبل كل شئ ، انتشال حالة الفقر والجشع والمرض ، واعادة تشييد وترميم البنى التحتية واستقراء عملية معايشة ظروف المواطن البرئ بتحقيق مآربه وبكل شرائحه ، وان لا يتم تفضيل شريحة على اخرى ، أو مجموعة على ثانية ، أو مواطن على آخر بحكم انتمائه المذهبي والقومي او الديني ، طالما نادت كافة مكونات الشعب العراقي بهدف واحد وموحد ، ولطالما تجذرت اصوله من اصالة تلك الأرض التي نشأ وترعرع عليها ، وارتوى من ماء نهريها ، وتنسم عبق هواءها ، وبنى بساعديه معالم حضارتها التي يشهد لها التاريخ والعالم أجمع. اذن لنتعظ من الماضي واحداثه الأليمة ، ولنستبشر بالخير في طريق الهداية بإعتماد تجارب الشعوب كأمثلة حية للنهضة الجديدة في عراق الحضارات.
رئيس تحرير مجلة حويودو
mammoo20@hotmail.com[/b]

229
السنة الآشورية
مأثرة تاريحية مستنبطة من الفضائل المتوارثة

من يتصفح ويتفحص تاريخ شعوب العالم منذ الخليقة ولحد تاريخ اليوم ، يجد الأنسان الذي هو العنصر الديناميكي لأستمرارية التدرج الحضاري المتطور قد سعى جاهداً لنيل ما هو الأصلح والأنفع للفرد والمجتمع الذي ينضوي تحت لوائه. ومن جراء جهوده ومحاولاته ، ارتقى الى درجة الإبداع بما يشهد له التاريخ ، حيث زخرت صفحات أمهات الكتب والرقم الطينية من الألواح الفخارية بما لا يحصى من الأساطير أي الميثولوجيا والملاحم والمعتقدات المدونة بلغات متفاوتة ، تؤكد مدى ايمان وقناعة تلك الشعوب بمحتوى مضامينها الفلسفية والـتأملية ، مجسدة الأفكار التي ترمز لمعايير المبادئ الثنائية المتضاربة كالخير والشر ، النور والظلام ، الجهل والمعرفة ، الضعف والقوة ولكل ما يتصف به الإنسان ويميز مظاهر الطبيعة بمكوناتها المتفاوتة ، ومن تلك الشعوب على سبيل المثال السومريون والآشوريون والبابليون والفراعنة والهنود واليونانيون والصينيون وغيرها من الشعوب الأفريقية والأوربية لحد عهد تاريخ النهضة الفكرية الحديثة ، اضافة للعديد من الشعوب التي لا زالت ترزخ وتعيش تحت وطأة حياة البداوة وانعزال المجتمع عن تقنيات العصر الحديث.

ان ما نعمد اليه هنا هو تلك المأثرة التاريحية المستنبطة من الفضائل المتوارثة للشعب الآشوري منذ اكثر من ستة آلاف عام ، والمتمثلة برأس السنة الآشورية الحالية 6756 في الأول من شهر نيسان ، وعلى ضوء ما نصت عليه ملحمة الخليقة الموسومة " الينوما اليش" أي بما معناه " عندما في السماء" اضافة لملاحم ومدونات أخرى ترمز للمناسبة ذاتها ومنها المتعارف عليها بإسم " اكيتو" تيمناً بمذبح قرب بابل نـُقل اليه تمثال الإله مردوخ " الشمس الحديثة السن" في احتفال سنوي وعرف بمعبد "ايزاكيل" اي " ذو العتبة المرتفعة " من الطابق السفلي لمستوى الأرض ، حيث جرت العادة بأن يحمل الكهنة الرموز الإلهية ويطوفون بها شوارع المدينة ، ثم يعودون بها الى مكانها في هيكل المعبد لمباشرة المراسيم والطقوس لمناسبة السنة الآشورية الجديدة التي كانت تستغرق لاثني عشر يوماً متتالية ، متضمناً كل يوم شعائر خاصة يشارك فيها عامة الشعب الى جانب ما يقوم به رئيس الكهنة والكهنة والملك من تلاوات وجولات وعرض تمثيلي وتقديم الأضحية.

ان فكرة انبثاق رأس السنة الآشورية تتحدد في ايجاد مقاس للزمن بإعتماد التنجيم والفلك والكواكب للمعرفة المستقبلية التي تتوارثها الأيام بديمومة الحياة البشرية. هذا ما جرى اثباته واستمرارية اعتماده على مدى طويل من القرون وحتى يومنا هذا ، وكما هو الحال في حدث السنة الميلادية لدى المسيحيين في العالم أجمع ، والسنة الهجرية لدى المسلمين وغيرها من الديانات أو الشعوب التي اختلقت واعتمدت لنفسها مثل هذه المناسبة.

ومتى ما تمعنا جوهر مراسيم أيام السنة الآشورية التي يحتفى بها سنوياً نلمس فلسفة خاصة ، لها أبعادها المتمثلة في جملة أفكار تجسدها  تلك المراسيم والشعائر الخاصة المستوحاة من النصوص والمعتقدات السائدة آنذاك ، وربما لا تقل شأنا عما هو عليه اليوم رغم الفارق الزمني  ورغم التطور الحضاري.
ولكي نكون اكثر مقربة من تلك المفاهيم نورد أدناه ما كان يستنبط منها متمثلة بما يلي:

1.  تحديد الفترات الزمنية للأحداث.
2. جمالية وروعة بداية الخير والسلام على الأرض.
3.  تجديد الطبيعة لظواهر حلتها بالزهو والخصب والعطاء.
4.  أهمية ادارة دفة الحكم في حالة التشويش والإنفلات الأمني.
5.  تفعيل ظاهرة الصدق في حياة الشعب.
6  دلالة تكاثر النسل بزواج الملك في اليوم المخصص للإحتفاء به.
7.  مركزية العمل السياسي والديني دلالة الهيمنة.
8.  ربط الأحداث بالحكمة الإلهية لتبدو واقعية.
9.  انتصار عنصر الخير على قوى الشر.
10. ارتقاء الأساطير لتفسيرات غدت مؤثراً حضارياً.

ولا ننسى هنا بأن أغلب المضامين المشار اليها أعلاه ، تبنتها العديد من الشعوب وبشكل خاص تلك المجاورة لسكنى مناطق الآشوريين ، وتجاوز ذلك للدول الأوربية التي عدلت عنها فيما بعد، وبقاء البعض من آثارها في المناسبات الدينية المتفاوتة والظاهرة للعيان في دور العبادة وبشكل خاص تذكارات القديسين وعيد القيامة في شهر نيسان  وغيرها من المناسبات والأحداث التي مناها الله بالخير والبركة.
 
بهذا لا يسعنا ونحن نستقبل العام الجديد من السنة الآشورية في خضم الأحداث المريرة والقاسية في الموطن الأم الذي ولدت فيه هذه المأثرة الفضلى ، وحيث لا زال ابناء شعبنا يحتفي بها ، نرفع أجمل آيات الحب والمودة وباقات من زهور التهاني اينما تواجدوا ، وعلى أمل أن يحل الأمن والسلام في كل بقعة ويرفل الجميع بالخير والسعادة والطمأنينة على الدوام.
                  ميخائيل مـمّـو/ رئيس تحرير مجلة حويودو      mammoo20@hotmail.com[/b]

230
هذا هو عراق اليوم
بقلم : ميخائيل ممو
رئيس تحرير مجلة حويودو الآشورية

ألدينا في العراق ما يبهر العالم؟!  نعم ، لدينا .. لدينا في عراق الحضارات من الثروات التي هي محط انظار العالم أجمع ، ومن الثورات والإنقلابات التي لم  تضاهيها في اية  دولة كانت ، ومن المنازعات العشائرية والطائفية والمذهبية التي ليس لها اي منازع ، ومن المعاناة والتجاوزات والإنتهاكات بما لا يحصى عددها ، وزد على ذلك بما يحلو لك وبما هو شبيه ومقارب لمثل هذه المواصفات التي نشهدها يوميا عبر القنوات الإعلامية بأشكالها المتفاوتة من قريب ومن بعيد.

يومياً .. وتلتقط اصابع الصحافة الداخلية أو المحلية في العراق بصمات مفردات وتركيبات لغوية لم نعهدها في تاريخ العراق الحديث ولا العهد الظالم الذي طويت صفحاته بأسلوب لا يصدق ، ولتمحى آثاره بالقتل والتدمير والترهيب ، وبالهدم والتخريب ، وبشكل خاص تلك المؤسسات الرسمية ذات الجدوى العامة ، وأبرز نموذجاً لذلك وأثمنه المتحف العراقي والمكتبات التراثية، وكأن التاريخ يعيد نفسه لأيام الحملات المغولية التي جعلت مداد خزائن الكتب النفيسة تحول مياه النهرين الى لون الحداد ، ولتولد بالتالي الزمر الإرهابية والتكفيرية لتعبث في الأرض فساداً بأبخس الأثمان ، وذلك بهدر القيم الإنسانية ، والتطاول على الإغتصاب وهتك الأعراض ، واختطاف الأطفال الأبرياء ، والتجاوز على الشيوخ من كلا الجنسين واغتيال العقول النيرة أعمدة البناء الحضاري والفكري اضافة للقتل الجماعي المباغت وبدون اي ذنب أو مبرر منطقي معقول..
كل هذه التطاولات والتجاوزات تزداد رقعة مساحاتها يومياً ، ولا زال من ينادوا بالديمقراطية والإيمان وحرية الإنسان ضمائرهم عطشى للمزيد من هذا الانتهاكات ، حيث تراهم ينادون بإسم الإيمان المذهبي والشرع الإلهي ليتجاوزوا تلك افعالهم المشينة ويعمدوا علناً وخفية حتى على قتل من تراه رافعاً يديه متضرعاً للإله الواحد الذي يتبجحون بإسمه وكأن الله وجد حصراً  لزمرة معينة ، وربما تيمناً  بمناداة اليهود وتحدياً لهم في مقولة " شعب الله المختار ". 
فإن كان الأمر كذلك فأن الله لم يرشد أياً من البشر ومن اي دين كان بأن يقدم على تفخيخ وتفجير الكنائس والجوامع والمساجد ودور العبادة الأخرى التي يلجأ اليها الأبرياء والمؤمنون ليلبوا نداء ربهم بما جاءت به تعاليم الرسالات السماوية وركنت مفاهيمها في عقولهم وقلوبهم. والأدهى من كل ذلك ما يصيب ملائكة الخالق من الأطفال الذين لا يعوا من الحياة شيئاً.
هذا هو عراق اليوم.. أجل وهذه هي أزمة بلاد ما بين النهرين ، بطوله وعرضه ، وعلى مجرى دجلته وفراته .. ان أزمة عراق اليوم ليست الديمو ــ  قراطية  ، وليست ازمة فصل ونثر حروف مفردة الحرية ، كما يحلو لأي من شاء أن يعمل ما يشاء ، متذرعاً بالمفهوم السلبي لكلمة الحرية وبمعناها الساذج ، وكما يقول الفيلسوف اليوناني افلاطون : (( اننا لا نعي بالحرية، حين تقع تحت وطأة الرغبات )) ولذلك فالذين أعمتهم بصيرتهم ينضوون تحت سقف مؤثرات شاذة ليكونوا عبيداً للقوى التي تستحوذهم وبالتالي تفقدهم حريتهم ووجودهم لكون الحرية بمفهومها الفلسفي تجسيد للوجود نفسه ، وليست عملية استغلال الإنسان للظروف التي اتيحت له ليجاهر بما يتسنى له بأبخس الثمن وأرذل الأفعال.
ان أزمة عراق اليوم هي أزمة لم يشهد لها مثيلاً  تاريخ العراق على مدى الحقب السلطوية التي مرت عليه منذ العهد السومري والأكدي والبابلي والأشوري وما تعاقبت عليه من سلطات الشعوب الأخرى قبل الميلاد وبعده ، ولا حتى فترة مجئ الإسلام وبسط نفوذه وسيطرته على العراق من شماله الى جنوبه  قياساً بالأعمال اللاإنسانية التي لم يكن لها شبيهاً في تلك العصور ، ومقارنة بهذا العصر الذي بلغ فيه الإنسان قمة التطور ، وبلوغ الحضارة والثقافة ذروتها القصوى والمثلى.
ان ازمة اليوم هي ظاهرة المطامح والمطامع ، ظاهرة السلطة والمتسلط ، ظاهرة الصراع المذهبي والطائفي ، ظاهرة الإنتماء العشائري والأثني ، ظاهرة الأرض التي تخزن وتخفي الثروات والأرض القاحلة الجرداء وبالتالي ظاهرة التعنت في توزيع الغنيمة التي هي بحوزة وأمانة المتسلط غير الشرعي ، لا يتغافل ويتغاضى عنها ما لم تصبه حصة الأسد إن كان الأمر عنوة أو برضى وقناعة الأطراف المتنازعة. وهذه حقيقة لا تخفى على النابهين من أبناء الشعب العراقي بكافة شرائحه ، ولا حتى على المغفلين والمتغافلين منهم.
اذن ما جدوى كل تلك ظواهر السلب اذا كانت النتيجة واضحة وجلية للعيان بهذا الشكل المبان؟!
ان الأحزاب والمذاهب والطوائف والعشائر والأثنيات والقوميات وبما فيها من الإنتماءات الفرعية اصبحت لا تعد ولا تحصى، واختلط الحابل بالنابل..
كلها تدعي الشرف وتعلن الحس الوطني وتبرز الفكر القومي وترفع راية الشرع والحكم السماوي وتتأول بالمفاهيم الإنسانية ، وبالتالي نرى النتيجة ذاتها كما اشرنا اليها ، لا يسعفنا الحظ على التمييز بين الصالح والطالح ، أو بين قوى الخير وقوى الشر.

هذه هي الحالة القائمة اليوم .. والمصاب لا يسثنى .. وظروف الحياة المعيشية حدث عنها ولا حرج ، يموت الأطفال جوعاً ، الأمهات الأرامل يلتحفن الأرصفة ، الفتيات يبيعن اجسادهن في سوق الدعارة ، المقت بلغ درجة الوحشية ، العواطف مزقها الحقد الأعمى ، وزاد كل فعل مشين عن حده في عراق العز والخير والمحبة .. عراق نور الحضارات .. وبما لا يقاس حتى بما أقدم عليه هتلر في المانيا ، وبما أقدم عليه ستالين في روسيا  وغيرهما في العصر الحديث.
ماذا بقي من حضارة العراق حينما تفجر الكنائس والمساجد والجوامع ؟! وماذا بقي من شرف اهل العراق حينما يتم اختطاف الأطفال الأبرياء والاعتداء الفاحش على العذارى من شريفات العراق؟! وماذا بقي من فكر جهابذة العراق حينما يتم اغتيال البارزين من أعمدة العلم والثقافة العراقية ؟! وحينما تحرم الأم الثكلى من حقوقها ؟! حينما وحينما...

ومما زاد في الطين بلة بما يتعلق بالأحداث الأخيرة في العراق بشكل خاص والعالم العربي والإسلامي بشكل عام ، هو ما اقدمت عليه صحافة بعض الدول الأوربية وفي مقدمتها الدنمرك بنشرها صوراً تمس النبي العربي الكريم والدين الإسلامي متناسية وربما جاهلة أو متجاهلة بما نص عليه القرآن من آيات توصي بالنصارى والمسيحيين ،  وبما جاء في الوثيقة المحمدية الموقعة من الخلفاء الراشدين والقادة والأمراء المسلمين البالغ عددهم ثلاثة وثلاثون موقعاً ، وهي بمثابة وصية انسانية نبيلة بشأن المسيحيين مدونة في الشهر الرابع من العام الرابع للهجرة والمحفوظة لحد اليوم بمدينة اسطنبول.
فإن كانت هناك جماعة صغيرة تشذ عن قاعدة المجموعة الكبيرة ، فهل معنى ذلك حكم الإساءة لقائد تلك المجموعة الكبيرة ؟! بالطبع يكون الجواب بالنفي القاطع.
ولكن كيف الحال في اتباع الدين الإسلامي والمسيحي الذي تولدت عنهما جماعات متفاوتة لأنتماءاتها المذهبية من منطلق التفاوت في الأجتهاد والتفسير والتأويل ، ومتى ما خرجت إحداها عن الطريق القويم بإجتهاد شخصي لا يتناسب والمفهوم العام ، وكما هو الحال اليوم في العراق كجماعة الزرقاوي وفي افغانستان كجماعة بن لاذن ، فهل معنى ذلك ان نطلق العنان في حكمنا على النبي كونه اول من نشر رسالة الإسلام؟
أو أن ندين المسيح عيسى بن مريم فيما اذا شذ جماعة عن تعاليم الدين المسيحي؟ حتماً سيكون الجواب بالنفي القاطع أيضاً ، طالما الأمر هو خارج حدود المنطق العقلاني.

mammoo20@hotmail.com[/b][/size][/font]


231
[font=Arial]الضاحك الباكي في غرفة الأدباء والفنانين في البالتوك
يتحدث الفنان طارق هاشم عن "الضاحك الباكي" في الفن المسرحي والسينمائي في غرفة الأدباء والفنانين في البالتوك.
يوم الجمعة 3-2-2006، الساعة العاشرة مساءً بتوقيت برلين.
الساعة التاسعة مساءً بتوقيت لندن.
عنوان الغرفة:
Iraqi Writers and Artists
يتم الدخول إليها عبر لغات الشرق الأوسط. عربي:
Middle east\ arabic
مع التقدير]

232
ܚܘܝܕܐ ܕܚܘܕܪ̈ܐ ܐܬܘܪ̈ܝܐ ܒܣܘܝܕ

ASSYRISKA RIKSFORBUNDET
احياء لذكرى المعلم والكاتب الأشوري نعوم فائق
Datum och lokal: Lo 4/2-2006  Assyriska Turabdin Foreningen i Jonkoping   

Till minnet av assyriska larare och forfattare

ܠـــܕܘܟܼܪܢܐ ܕܡܠܦܢ̈ܐ ܘܣــܝـܘܡ̈ـܐ ܐܬܘܿܪ̈ܝܐ

Tema: Naum Faiek
   
?-02-1868  --  05 - 02- 1930 
                     

ܡܠܘܐܐ:ܢܥܘܡ ܦ̮ܐܝܩ
 ܚــܘܪܙܐ
Program
15.30    Samling
16.00  Inledning
16.10  Sang
16.20  Dikt av malphono Michael Mammoo
16.30  Dikt av malphono Sleiman Galle
16.40  Sang
16.45  forelasning av malphono Dinho Ozman om Naom Faiks liv och ideér.
17.20  Dikt av Eleio Dere
17.35  Dikt av malphono Ashour Odisho
17.40  Sang
17.45 Avslutning

15.30  ܛܘܝܒܼܐ ܕܥܡܐ
16.00  ܦܘܬܚــــܐ ܒܝܕ ܡܠܦܢܐ ܐܠܝܐ ܕܪܐ
16.10  ܙܡܝܼܪܬܐ ܐܘܡܬܢܝܬـܐ
16.20  ܡܐܡܪܐ ܕܡܠܦܢܐ ܡܝܼܟܼܐܝܠ ܡـܡـܘ
16.30  ܡܐܡܪܐ ܕܡܠܦܢܐ ܣܠܝܡܢ ܓܠــܐ
16.40  ܙܡܝܼܪܬܐ ܐܘܡܬܢܝܬـܐ
16.45  ܬܘܪܓܡܐ ܕܡܠܦܢܐ ܕܢܚܐ ܐܘܙܡܢ ܠܚܝܐ            ܘܪ̈ܢܝܐ ܕܢܥܘܡ ܦ̮ܐܝܩ.
17.20  ܡܐܡܪܐ ܕܡܠܦܢܐ ܐܠܝܐ ܕܪܐ
17.35  ܡܐܡܪܐ ܕܡܠܦܢܐ ܐܫܘܪ ܥܒܕܝܼܫܘܥ
17.40  ܙܡܝܼܪܬܐ ܐܘܡܬܢܝܬـܐ
17.45  ܚـܘܬܡܐ
Arrangorer: ARS med Ass. Turabdin & Ass. Babylonfor. i Jonkoping i samabete med ABF[/b][/size][/font]
 




233

أديبنا الصائغ  "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"
[/size]
(مهداة للأديب الدكتور عبد الاله الصائغ)




بقلم : ميخائيل ممو
رئيس تحرير مجلة حويودو الآشورية

 
وأخيراً استجاب القدر لمشيئة الإنسان الذي ضحى بحياته من أجل إحياء الحرف وشروق الكلمة الحرة لتتلألأ في سماء واجواء بلد النهرين الخالدين لتساير مسارهما ولتكون امتداداً للخلود الكلكامشي على مسار الزمن.. ذلك الإنسان الذي عصفت به الرياح العاتية وهو في ذروة عطاءه الفكري بين اهله وخلانه وأبناء جلدته ليتجاوز حدود الأرض التي ترعرع عليها بأن يَـقـْدم على احتضان معالم الغربة بطرق أبواب الأوطان التي لم يحلم بها يوماً ، متنقلاً بين بلد وآخر ، متأملاً مستقبله في محطات عديدة ، مستضيفة أياه بغية أن يتنفس الصعداء ، ويستنشق نسائم الحرية والراحة النفسية ، تثميناً لما اغترف من مناهل العلوم والمعارف ، وبما جسده يراعه في كافة الحقول الأدبية وعلى مدى نصف قرن.

أجل.. استجاب القدر لأرادة الإنسان المثقف ، لعزيمة الأديب الثر ، لصيحات الشاعر الفذ ، ولألحان وألوان الفنان المعطاء.. امتزجت اصداء الكلمات بالألوان والألحان وشكلت شعلة من نور لتلفت انظار من هم في غفلة من رواد وبناة الحضارة والمدنية لبلدهم الأم وأينما تواجدوا وبالتالي للأنسانية جمعاء.

بالأمس القريب ويوم أن فاجأنا من ينتمي للتشكيلة النخبوية لمنظمة " أدباء بلا حدود العالمية " والأمين العام السابق لها وأحد النوادر من المبدعين العراقيين في مجال الشعر والأدب والنقد والمخزون الثقافي والفكري العراقي والعربي والعالمي بحكم تدريسه في العديد من الجامعات البروفسور عبد الاله الصادق دق نواقيس الخطر منذراً بإطلاق صرخته من على فراش الرحيل الأبدي مستنجداً ومستغيثاً من حالة داء الشلل الذي داهمه وشل اصابعه التي خطت ملايين الأسطر وعشرات الكتب التراثية والنقدية والشعرية والمعرفية وغيرها من المشارب الأدبية التي يدوي صداها على رفوف المكتبات العامة والخاصة والرسمية.
!
نقولها هنا بكل جرأة وصراحة: ان صرخة الصائغ واستغاثته للضمائر الخامدة بإسعافه مادياً لنجدة واسعاف حياته من معاناة يتسنى للأختصاصيين تبديدها لم تكن خوفاً من شبح الموت ــ طالما كل نفس ذائقة للموت ــ وإنما توجسه هو من ان يخمد عقله ويضيع ذلك المخزون من منهله الفكري الذي ما فتأ ينضح بما يثري الأجيال القادمة ، اضافة لأسفه على وداع اصحاب واصدقاء وزملاء له بمعاشرتهم لهم يومياً من القريبين منه والبعيدين عنه والذين لم يكونوا على معرفة به فعاشروه وجاملوه وتعرفوا عليه فوضعهم في اعماق قلبه بفضل الأستحداث التكنولوجي وبشكل خاص من خلال غرفة " الأدباء والكتاب العراقيين " وغرفة " الأدباء والفنانين العراقيين " في البالتولك التي لاصقته واصبحت مقهاه ومنتداه وملاذه الدائم الزيارة ليمطرنا بأحاديثه الشيقة ونوادره الظريفة وتعليقاته النقدية ومداخلاته المجدية وكل جديد يستنبطه من تجاربه القيمة ، واكبر دليل على ذلك النداء الذي وجهه لعدد من رواد الغرفتين الى جانب العديد من اصحابه القدامى من العراقيين بمذاهبهم المختلفة والعرب ايضاً.

ان مضمون النداء بما يحتويه من نصوص مثيرة للأستغراب من أديب وكاتب وناقد له مكانته في سماء الأدب تنم عن مصداقيته لكشف استمرارية واقع الحال المتردي الذي يعيشه المثقف العراقي المبدع سواء في الوطن أو في الغربة بعد زوال قيود سلطة تحديد الأفق الثقافي. فكانت لعباراته صدىً بدويّ لا مثيل له بين اوساط الادباء والشعراء والمثقفين متمثلة بسراج من نور يبدد الظلمة عن طريق الذين تلبدت ابصارهم بالقصر الثقافي، وعن الذين يشهروا سلاح وأد دور المثقف الواعي والاديب المبدع والفنان البارع في عصر تجلت فيه الحضارة والمدنية وبلغت اسمى ادوارها التطورية.
بهذا فلا عجب إذا اتسمت عباراته بالحصافة وعمق المغزى ، وامتزجت بأوجاع الندب والبكاء ، وكأنه يقول لنا: ان لم تـُـقيمني بوردة تكريم في حياتي ، فلا داع لأكاليل الورود على قبري في مماتي .. هذا ما تضمنته فحوىعبارته القائلة: ( رفاق الكلمة ... انني اموت ... الصائغ يقول لكم ابكوني حياً ، فإذا مت فتوقفوا عن البكاء ، لأن لعنة الصائغ حين يموت هواناً سوف تلاحق كل من يبكيه بعد أن تخلى عنه ، وبعد أن رأى علامة الخطر التي نشرها الصائغ أمام الجميع ). وفي مكان أخر في خاتمة النداء ما أجمله حين يقول: ( الصائغ ابن أثرى بلد في العالم يموت فقيراً لأنه غير قادر على دفع تكاليف العملية! ).

بهذا الصوت الحزين الكليم الأليم ، وبأصوات من هز مشاعرهم من المثقفين والأدباء ، وبوحدة الكلمة والرأي انطلقت الأصوات تنادي بإسمه من على الفضائيات ووسائل الأعلام ، وراحت الأصابع تعصر مداد الأقلام لتنطق وتدبج هي الأخرى قائلة : اسعفوا من هو حياً ، قبل أن تأسفوا عليه ، ودعوا صاحب الكنوز الدفينة يكشف عن الدر المكنون ووو...
وعلى أثر هذه الأصداء المدوية في عباب السماء ، لم يستجب القدر هذه المرة ، وإنما استجاب صوت الحق ، صوت الشعور بالمسؤولية ، صوت الذهب الأسود ، صوت حفيف النخيل ، صوت خرير النهرين ، صوت الثقافة الأنسانية وصوت العراق الحر بشكل عام من خلال النداء الهاتفي من لدن رئيس مجلس الوزراء العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري بمكالمته المباشرة مع الصائغ ومفاج! ئته بتحمل كافة نفقات العملية الجراحية وما يتبعها من شؤون أخرى. كما أصدر السيد رئيس الوزراء توجيهاته بمتابعة وضعه الصحي وموافاته بآخر التطورات فور وصوله. وقد عين لجنة خاصة لمتابعة هذا الموضوع تعمل على مدار الساعة في بغداد والولايات المتحدة الأميركية، اضافة لتعليماته بتشكيل فريق طبي لمتابعة حالته الصحية في الم! ستشفى الذي ستجرى به العملية، سائلاً المولى عز وجل أن يمن عليه بالصحة والعافية والعودة الى وطنه.
كما وأن السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية، وصندوق التنمية الثقافية أبانا بأنهما سيتكفلان بقضية علاجه، وسيتم الاتصال به لغرض ايصال المساعد! ة المقدمة من قبل رئيس الجمهورية ، ومساهمة صندوق التنمية الثقافية، وعلى شكل عاجل.

في خاتمة المطاف ما اود ذكره! واستشهد به ما قاله يسوع المسيح للشيطان حينما طلب منه الشيطان ان يخاطب الحجر بتحويله الى الخبز. فرد عليه يسوع قائلاً : " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة من الله ". أجد هنا بأن الداء الذي داهم الصائغ قد تقمص روح الشيطان وراح يخاطبه بأن يجعل من الفكر الثقافي الذي آمن به سبيلاً للنجاة من مرضه ، فأصر الصائغ وأعلن نداءه لتستجيب له الهة الثقافة العراقيين من الكتاب والشعراء والفنانين، وعبر هؤلاء الرسل ، رسل المحبة والإخاء استجابت السلطة العراقية متمثلة بشخصية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بتلبية نداء الصائغ بمد يد المساعدة لإنقاذه من محنته ومعضلته. أملين للأخ الصائغ الشفاء العاجل.

[17-01-2006]
[/font][/b]

234


عصرنا أكثر ظلامية من العصور المظلمة!


بقلم: ميخائيل ممو
رئيس تحرير مجلة حويودو

رحم الله الأسلاف من حملة الأفكار النيرة ، ومن مُـرَبي القلوب الطيبة ومن خالقي الأحاسيس المرهفة ، بإقدامهم على استنباط الثالوث الإنساني النبيل المتمثل بالأفكار النيرة المجدية ، والقلوب الطيبة الصادقة والأحاسيس المرهفة الرؤوفة ،  ليكون مصدر التأليه الروحي والنفسي في معبد الحياة. هذه الشموع الثلاث خلفوها لنا لتكون خالدة خلود الزمن ، مقدسة كقدسية الكلمة ، ومتميزة كميزة الجوهرة النادرة ، لا يشوبها الذوبان رغم اتقادها الدائم. اودعوها لنا أمانة في محراب التاريخ لنستضئ بنورها الوهاج ، لننتشل ذواتنا من دياجير الإنطواء ، لنشذب اساليب سلوكياتنا من مثالب الغفلة ولنهشم تراكمات السلب العفوية بجدلية النهل من المعين المعرفي ، بغية العناية بكيان شجرتنا الحياتية بتقليمها من الشوائب وصيانتها على الدوام ، لتكون أكثر عطاءً ، أقوى رصانة وأجمل هيبة.

أجل.. هكذا أراد المبدعون.. هكذا علمنا المفكرون.. وهكذا قصد اؤلئك الأوائل أن نكون ، اولئك الذين نتبجح بأسمائهم ومآثرهم.. ولكن أن تكون كينونتنا أشد وأوسع وأعمق... وأن نرث جيناتهم بروح الصدق والإيمان ليتسنى لنا خلق جينات تتماشى ومحفزات العصر، خالية من رياح العواطف وسراب المشاعر، لتكون بالتالي ملتهبة كالجذوة البالغة الأثر ، وأن لا يتم حصرها في عالم الندب على الأسلاف الجهابذة ، أو التمجيد والتبجيل لهم كدوي قرع الطبول في البراري القاحلة ، كحالة من حالات التعويض النفسي لإثبات الذات على حساب امتدادنا لهم في العالم الذي نعيشه ، والزاخر بما لا يمكن قياسه وتلك الفترات والمراحل التاريخية المحدودة الأفق في أجواء التكهنات والصراعات على ابتلاع الشعوب لبعضها البعض. انه رغم بلوغ عصرنا ذروة المجد والعلى فإن تلك الصفات ما فتأت متأصلة جذورها بما لا يقل شأناً عـمّـا عاشه  الأولون من أمجادنا ، نتشبث بها لتكون ذريعة برفع شعار الأصالة كواجهة للإنتماء القومي والإعتزاز بالمآثر الفكرية والشواهد التاريخية.

احياناً نجد انفسنا ونحن سارحون في اعماق تلك البحار قد اعيانا الرحيل الساذج وكأننا عائمون ننشد الخلاص بمن هو أقوى على العوام ، مبعدين عن مداركنا صفة الحياء أو الإعتراف بما لا يقبل الشك من زيف الحدث ، جاعلين العقل الباطن يرتقي الى ذروة التخمينات والهواجس بإستلطا ف نرجسي يبعدنا من حقيقة الإستخفاف عمداً بعواطفنا ، وفي الوقت ذاته تضخيم رؤانا المستقبلية على ارضية هشة لا تتناسب وجوهر ما يفرضه الواقع ، متناسين ان قيمة الإنسان لا تتمركز أو تتصف بمحدودية ما يبلغة ، بل باستمرارية التوق لما ينوي بلوغه واستهدافه مهما بلغت درجة وعيه وادراكه وارتقائه ، وذلك تماشياً مع مبدأ النشوء والإرتقاء ، وتلحليل دقائق الرقي بالبصر والبصيرة ، بحيث لا تحدهما اية آفاق أو غشاوة الإهمال ، انطلاقاً من مفهوم الكلمة الحقة التي تحمل بين طياتها حرية التجاوز لصياغات أبلغ أثراً على رقي الإنسان وانتشاله من واحات الأوحا ل التي يتناساها وهي متمثلة بتمنطقه لقول شئ ما تبتغيه منه شهوة التمنطق ، أي أن يفسر الماء بالماء ، وليشير الى النجوم المتألقة في أجواء السماء ومن غير أن يدرك جوهرها أو كينونتها ولا مناهل الجمال والشموخ وهي في برجها الفضائي المتعالي كعلو أي طائر متبختر بقوة جناحيه.

متى ما سبرنا أغوار أدب الحكمة والأحاديث المأثورة ونصوص الكتب السماوية بما شرعه الله وسنّه للناس وما آلت اليه المعاهدات الدولية بما فيها حقوق الإنسان ، نجدها لا تخلو قط من عبارات تمجيد الإنسان وتحليه بصفات تشم من خلالها رائحة الكرامة والمحبة والفضيلة والحنان والرأفة والإحسان والعدالة والمساواة ومئات الصفات التي تحفزه للإستئثار بها ليثبت انسانيته ويدع الآخرين يتمثلون بها بغية التكافؤ في الإقدام على نشر الطمأنينة وراحة البال وروح السكينة والآمان بمنطق التفاهم والإنسجام والتآخي والإحترام.
أما من لا يقوى على اقتحام هذا العالم ويخشى التلذذ بتـنسم شذا هكذا مسك والعناية بمثل هذه الزهور الفواحة العطر في روضة المجتمع الإنساني ، تجرفه الأمواج الى سواحل هشة أو صحارى جرداء لا يُستعصى فيها على النبا ت الشائك والمسموم من الإنبات والنمو لملاطفة الكثبان الرملية التي تشذ بدورها على اكتساحها وردمها. هكذا هو الحال لمن يمتثل لصفات الرذيلة والأثم والكره والغيرة والأنانية والخيانة وكل صفة عارية متفرعة من وجود شجرة يتيمة جرداء تدعه بعيداً من الوجدان المرهف والشعور الإنساني.

ان كنا حقاً من المؤمنين بما سنه الله وبما جاء به رسله.. اين نحن اليوم من تلك السُـنن واحاديث الانبياء التي توصي بما فيه الخير للبشرية جمعاء ومن دون استثناء ومهما كانت صفة الولاء أو الإنتماء مذهبياً أو عرقياً أو قومياً؟!

إن كنا حقاً من الراسخين في موضعنا تحت سقف فلاسفة الحكمة ومشاهير الفكر.. أين نحن اليوم من تلك افكارهم الإنسانية النيرة لإنتشال البشرية من الخواء الفكري والتزمت العقائدي وربقة الظلم ؟!

وإن كنا حقاً من الملتزمين بمبادئ حقوق الإنسان في عالمنا الصاخب بدوي الرعب والإرهاب.. أين نحن من مواد الدساتير والأنطمة التي صاغت نصوصها أصابع الرحمة من دعاة الإيمان بإنسانية الإنسان ، ومن الطليعة الواعية المتربعة على أعراش الأحزاب والتجمعات الراكنة مفاهيمها بين دفتي الأوراق الصفراء؟!

على ما يبدو لنا ان نظرة " البقاء للأصلح " لم يعد لها تلك الفاعلية في عصر المخالب النووية ، وأن قانون " شريعة الغاب " حل محلها  " شريعة الألقاب "  كامتداد شرعي وبحلة جديدة مغايرة لما عرفه الإنسان في العصور المظلمة.
وهل كل هذه الإساليب ليصبح عصرنا الحالي أكثر ظلامية من تلك العصور الظالمة المظلمة؟ّ!!


235
متى نصحو من غفوة التجاهل الديمقراطي؟!



ميخائيل ممو
رئيس تحرير مجلة حويودو

وأخيرا انجلت واتضحت معالم الصورة الحقيقية بملامحها الدقـيـقة والمخفية بحكم تعاقد الألوان الصارخة بعضها علناً في وجه التاريخ الأصيل ،  والباهتة منها بتعاليها على الألوان الأصيلة التي أضفت سحراً وجمالاً  وبهاءً وأصالة على الشكل والمنظر العام لطبيعة عراق الحضارة. أجل انجلت وبانت بعد أن أزيح عنها نموذج السـتارة المرقعة والمطرزة بفرز التركيب اللغوي لأحرف الــ ( د ي م و ق ر ا ط ي ة ) الجديدة لبناء العراق الجديد ، وذلك انطلاقاً من مفاهيم مبادئ " الإحتلال " ، ومن رؤيا من ولدوا من رحم القوى النفعية المتمثلة بالدول المُحَررة ، وفي ذات الوقت من التيار المعاكس المتمثل بالدول المناهضة لها المُستغلة لتواجدها بغية تسللها خفية أحياناً ، وعلناً أحياناً أخرى بدوافع وحجج الوازع الديني كذريعة للتغلغل بين اسراب المرجعيات الطائفية الرجعية التي تحدد خطوات الإنسان العراقي المتطلع لغد أفضل ، وحصر تطلعاته في حدود دائرة مقيدة هدفها الهيمنة الكلية وفرض التبعية المقيتة ، متناسية ومتعمدة على ازاحة ولاء وانتماء المواطنة الحديثة المتميزة بنظرة التكافؤ والمساواة والعدالة ووحدة الشعب العراقي الذي عانى الأمرين ، واستعاضتها بمفهوم المواطنة التقليدية الأثنية والطائفية المحصورة نظراتها ورؤاها بتركيزها على الغصن الكبير المورق والبارز بحمله المكلل الثقيل ، وفي الوقت ذاته ربما من منطلق التعمد أو التجاهل للإستغناء عن الشكل العام للشجرة المثمرة والتغاضي عن جمالية الفروع الأخرى التي تشكل وحدة متكاملة للوجود الكلي لا الجزئي لحضارة بلد النهرين الخالدين لكون الجزء عنصر حتمي لِهَيبة الكل.

اذا كانت حقاً تلك الديمقراطية المُـنادى بها نابعة من منظور القوة الإساسية المتمثلة بحكم الشعب أو السلطة الشعبية العامة في انتقاء  عناصر هيكل التمثيل الحكومي أو البرلماني ، ينبغي والحالة هذه أن يتم صياغة المبادئ على أسس مستمدة من مفاهيم الديمقراطية الإجتماعية اي العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين واستبعاد اية تفرقة أوتمييز بين مواطن وآخر طالما يتمتع كل واحد منهم بذات الحقوق وعليه ذات الواجبات التي يقرها دستور المساواة على ضوء المعنى الليبرالي للديمقراطية الذي يمنحهم فرص اختيار السلطة الحاكمة بإرادة حرة والإشراف على مسارها السياسي في كل ما يتعلق بإدارة دفة الحكم دون تحكم مشاعر التمييز العنصري والطائفي. اذن فلا محالة والحالة هذه ان تتوافر برامج تعددية الأحزاب والكيانات السياسية  والمنظمات الجماهيرية من منطلق المصلحة العامة شريطة ان لا تتجاوز ما تنص عليه مبادئ حقوق الإنسان طالما جميع المواطنين متساوون أمام القانون.

وفيما اذا تمعنا قليلاً وتفحصنا المضامين الجوهرية لما اشرنا اليه آنفاً وقسناها مع الواقع التطبيقي والفعلي لتجربة الدورة الإنتخابية الثالثة لوجدناها بعيدة كل البعد عن الواقع الموضوعي وخلوها من الشفافية المعهودة في التعليمات المنصوصة عليها رسمياً.  ان هذه الظاهرة بانت بوادرها منذ أن تولت اللجان الفرعية المشرفة مسؤولياتها على المراكز المخصصة للتصويت ، وذلك قبل وبعد العمليات الإنتخابية وبما أكدته جملة كبيرة من الشكاوى الموجهة الى المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ، وتم نشرها في العديد من الوسائل الإعلامية والتصريح بها علناً وبشكل خاص المواقع الألكترونية بلغات مختلفة والإذاعات ووسائل التلفزة ، متضمنة تجاوزات القوى السياسية المهيمنة على تلك اللجان بإقدامها على تقييد الحريات الشخصية في الوصول الى المراكز الإنتخابية ، إضافة لحصر نسبة المراقبين والمشرفين بشكل كبير على مسؤولي القوائم العديدة التحالف من الكيانات السياسية وإهمال القوائم المستقلة وبشكل خاص الآشورية منها رغم تحالف بعضها مع تنظيمات وجماعات أخرى ، كما حصل في تركيا وبعض البلدان الأوربية والعديد من المناطق الإنتخابية في ارجاء الوطن. كما وان نقص صناديق الأقتراع واستمارات التصويت في بعض المناطق ظاهرة أخرى في العديد من المحافظات على ضوء التصريحات  ، وملازمة التصدي المتعمد في بعض المناطق على منع مؤيدي وأصحاب بعض القوائم من الصاق لوائحها ودعاياتها والإقدام على مصادرة منشوراتها وإتلافها بقوة اشهار السلاح بوجوه ممثليها ، وكأن هذه الحالة نوع من التهديد والتنديد المباشر بإسم ديمقراطية فرض الرأي " ديمقراطية ان لم تكن معي فأنت ضدي " ، ناهيك عن العديد من الخروقات والتجاوزات والإنتهاكات داخل الوطن وخارجه حصراً في يوم الإنتخابات بإطلاق العيارات النارية بمقتل بعض المرشحين واغتيال العديد منهم والأعتداء على عدد من رجال السلطة الرابعة المتمثلة  بالصحافة والإعلام حيث وصل التجاوز لحد كسر وإتلاف كاميرة أحد المصورين من مجموعة الطاقم الإعلامي ، اضافة للتهديدات المبطنة للناخبين من بعض عناصر الميليشيات وبشكل خاص في مناطق سهل نينوى كتلك التي تعرض لها الناخبون في مدينة كركوك وأدت لحالات القلق واعتصام الكثير في بيوتهم خوفاً من الغدر المباغت ، كما وفوجئ الكثيرون عن عدم تواجد اسمائهم في الإستمارات الرسمية التي هي بعهدة الإداريين والمراقبين رغم مشاركتهم في التصويت على الإنتخابين السابقين. نكتفي هنا بهذا القدر من السلبيات التي هي بمثابة غيض من فيض.
ان هذه الدلائل لم تطلق اعتباطاً طالما يدعمها القياس العقلي وبإعتبارات ملموسة ومستندة على ما يدل المراد به ، واكبر دليل على ذلك ما أكدته المفوضية من تجاوز العديد من الكيانات على خرق فترة الصمت الإعلامي ومئات الشكاوى التي وردتها وأعلن عنها.
ان المرحلة الإنتخابية الجديدة في عراق اليوم ايقظت المواطنين الصالحين المنتمين لكيانات متفاوتة أن يلتزموا استراتيجية التغيير بالتفافهم حول المحور المركزي المتمثل بإسم " الديمقراطية " وبنزاهة مطلقة لإرضاء الشعب والعيش بكرامة وراحة البال والطمأنينة. أما أن يقدم البعض من تلك التكوينات السياسية على خرق المفهوم السياسي للديمقراطية بإسم فن سياسة التجاوز والمغالطة والتعالي ولأعتبارات ذاتية فأن ذلك جناية بحق الشعب ككل ، وخيانة للمبادئ الإنسانية وتهميش لقدسية الديمقراطية الحقيقية.
اذن كيف لنا ان نمنح ثقتنا المطلقة لمثل هكذا تنظيمات يتولى قادتها سلوكيات فنون التزييف والتشويه والتغييب ، وأشهار التحدي والرعب والعنف وبالتالي تحريف المبدأ الديمقراطي الى هلوسة فكرية وغوغائية مقيتة رغم الوعود المغرية المدبلجة انياً على ألسنتهم وما تضمنته سطور مشاريعهم المستقبلية التي لامثيل لها.
اذا كانت كل هذه المغالطات والتجاوزات تبدر عن الكيانات الكبرى الفارضة لوجودها سلفاً والقابعة في كهف الآمان ، كيف يكون الأمر لتلك الصغرى التي تسعى لدعم الوحدة الوطنية بغية الحفاظ على وجودها التي لا تقل شأناً بفكرها النير وتطلعاتها الإيجابية لبناء عراق ديمقراطي موحد. 
أليس من حقنا التساؤل: اين هي مبادئ العدالة والمساواة في المجال الانتخابي على ضوء ديمقراطية المناسبات؟
أوليس من حقنا التساؤل في نهاية المطاف: حتام نظل نلوب في دائرة التطاول لنتجاوز على طلب العظم الذي في يد غيرنا رغم تواجد اللحم بين ايدينا؟!
اذن متى نصحو من غفوة التجاهل الديمقراطي؟! ومتى نحذف من قاموسنا المستحدث مصطلح ديمقراطية اللاديمقراطية؟!
 
  [/b]

236

مشاحنات جوفاء وانتهاكات عمياء وتجاوزات حمقاء


بقلم: ميخائيل مـمّـو
رئيس تحرير مجلة حويودو
mammoo20@hotmail.com

ونحن على أبواب استقبال اطلالة أعياد الميلاد المجيدة ، وإشعاءات نور السنة الجديدة نترقب مثل هذه الأيام العتيدة الوطيدة مرة كل عام لنمحي وننسى آلام ومآسي الماضي القريب ،  ونفرز صفحة ناصعة ليشهد لها التسامح والغفران وقد حلّ في كل قلب من قلوب بني الإنسانية.. وحيث نحن متألقون وسارحون وفحوى هذه المفاهيم نقف نحن من بني الرافدين ويقف معنا العالم بأجمعه ومن بعيد متفرجاً على ما يحويه ملعب العراق الجديد من مشاحنات جوفاء وانتهاكات عمياء وتجاوزات حمقاء من لدن من لا يشعروا بقيمة الولاء أو الإنتماء للوطن الأم وبما فيهم من الغرباء أيضاً بممارساتهم اللاإنسانية. 
وهنا ليس من الغرابة أن يترقب العالم ويتتبع مستغرباً دور المواطنة التي تتحلى بها  فرق الكيانات السياسية المرشحة في دورة منافسات المباريات المحلية ، والتي تمثل بطولتها فرق الأحزاب والتجمعات والتحالفات السياسية والدينية المؤلفة من عناصر رواد الرياضة السياسية بإدارة وإشراف أبرز فقهاء التحكيم ممن انتقوا وهيئوا الساحة لهم ، ووضعوا التعليمات الواجب اتباعها ، بغية أن تتبوأ فرقهم مرحلة الدور النهائي وما يخفيه هذا الدور من نتائج غامضة يشوبها الكثير من المفاجآت في الخامس عشر من شهر كانون الأول أي بإسبوعين قبل حلول العام الجديد ، ليبقَ الأمر محسوماً ومحسوباً على خلفيات ومغالطات ارشيف العام نفسه إذا ما تم تجريده من الأسمال البالية ، ليهب بالتالي الجمهور المحلي مشمراً عن ساعديه في الهجوم المباغت وليطلق العنان عن لسانه بدوي من صرخات الإنتقام والتهكم احتجاجاً على حكم الإنحياز وما حيك خلف الستارة التي ملت هي الأخرى من أحاجي اللعبة السياسية.
هكذا تتراءى لنا ساحة المباريات والمبارزات بملاعبها المتعددة المتفاوتة حيث يتحلي المتخاصمون بروح الرياضة السياسية التي تجعل من الخصوم زملاء اللعبة أحياناً ليُشعروا المتفرجين بأنهم بعيدون عن لغة المراوغة ودبلوماسية الأكاذيب لغاية في نفس يعقوب ، غير آبهين ليقظة الجماهير المتعطشة لسقف الآمان ، والتي باتت تميز قطرات السم المدسوس في زجاجات العسل المغشوش ، ناهيك عن وسع ونتوء حدقات رؤيا العيون الجاحظة من جراء الإفتقار والعوز المادي والمعنوي الواسع الإنتشار بسبب شيوع عوامل البطالة والرشاوي والإستغلال المقصود الى جانب المحسوبية والمنسوبية واللصوصية وهي تستشري في اروقة الفساد الإداري مجسدة نتائجها السلبية ، وناشرة أياها بين من تلزمهم فاقة المعيشة على التسول في الشوارع جبراً ، وبين من لا يجرأ ويقوى على كشف أو ازاحة الستار عن ظاهرة شظف العيش وعسر الهضم ، وما تخلفه شحة الضرورات اليومية للحياة الأعتيادية من عواقب سلبية مؤداها القلق الفكري والتوتر النفسي والسقم الجسدي وبالتالي الإنهيار العصبي الذي يقود للهذيان والإنتقام من الحياة ذاتها.
اذن كيف بالإنسان العراقي والحالة هذه أن يتجاوب وصراعات مباريات المبارزة الإنتخابية التي يقودها من يهرول لاهثاً في دائرة التبجح والتطاول والتزييف والوعود الكاذبة من أجل مقعد أو كرسي مهزوز تحت قبة المجلس الوطني أي البرلمان  الجديد؟!
كيف به أن يضع قدميه على عتبة الباب ليدلي برأيه وصوته لديمقراطية نشر الفقر وحرية تقييد الحريات ومبدأ سماح التجاوز وظاهرة العنف والإرهاب.
بغية أن نؤطر الصورة السلبية أعلاه بعكس ما هي معلقة اليوم بهذه الألوان الشاذة على جدران كل بيت عراقي أصيل ينبغي توفير الضمانات الكفيلة لسلامة المواطن العراقي بكافة أطيافة وانتماءاته الفكرية وعلى وجه الخصوص اولئك الذين هم خارج نطاق حدود الحماية الأمنية المشددة ، وتسليط الضوء الساطع على كل تلاعب ينال من هيبة التصويت الديمقراطي الحر ، والأخذ بعين الإعتبار مواقع تواجد مناطق الأقتراع وبشكل خاص بلدان الأغتراب التي يتواجد فيها الملايين من اطياف الشعب العراقي  تلافياً للأخطاء والصعوبات والإشكالات التي صاحبت الدورة الإنتخابية السابقة.[/b][/font][/size]

237
تراثنا وادبنا وثقافتنا مرايا ناصعة لأهمية اثبات وجودنا


بقلم : ميخائيل مـمّـو/ السويد
 رئيس تحرير مجلة حويودو



بين فترة وأخرى ربما لا تتجاوز الأيام أو الأسابيع تطل علينا أخبار انعقاد المؤتمرات والندوات والأماسي الأدبية والثقافية في الوطن الأم وفي بلاد المهاجر (بفتح الميم) والإغتراب لتطرح موضوعات متفاوتة ذات صلة بوجودنا وتراثنا القومي سواء بلغتنا الأم أو لغات البلدان التي يقطنها أبناء شعبنا المشتت في أرجاء العالم.. وفي ذات الوقت تتضاعف المواقع الألكترونية لتقف جنباً الى جنب مع زخم تلك المناسبات التي لها أهمية في نشر الوعي والتثقيف لكل من يشعر بحاجة لمثل هذا التسلح.

ان ما يدفعنا للقول بهذا الشأن هو الصراع الفكري الحاد واليقظة القومية التي انفجرت بعد انهيار حكم الطاغية وزوال الكابوس الذي كان يخيم على الشعب العراقي قاطبة بما فيه القوميات المتآخية التي غمط حقها ، ومن جراء كسر تلك القيود المتصدئة وانعتاق الإرادة من سلطنة القيد والقمط الفكري لأكثر من جيل وعلى مدى ثلاثة عقود مظلمة لم يتسنى لأي من كان من استنشاق نسيم الحرية ، ولا حتى أن يذوق طعماً للراحة النفسية ، وكأن الفرد يحلم للعيش في غيبوبة تبعده عن وساوس حالات الهذيان والهلع والخوف ، ناهيك عن الذين قضوا نحبهم بين ليلة وضحاها ليكونوا ضحية جرأتهم وتحديهم لكل ما هو باطل ، ولكل ما يدنس عفة الأعراف والتقاليد والقوانين المرعية وحقوق الإنسان ، وذلك انطلاقاً من صدق ايمانهم ونزاهة أفكارهم والتزامهم بمبادئهم ليدخلوا التاريخ من أبوابه الواسعة ولتسجل اسمائهم بأحرف من نور على صفحات التاريخ الناصع ليكون بذاته الشاهد الأكبر والأهم.

لذا عمد العديد ممن حفظوا هذه المآثر في خزائن عقولهم على كشفها علناً وبسطها دون وجس أو تردد ، فكانت دافعاً لهم للتقارب والإلتئام في الإقدام على قطف الثمار التي حرموا منها. ومن هذا المنطلق عمدوا على تشكيل المنتديات والجمعيات الأدبية والثقافية واصدار الكتب والمجلات وتنفسوا الصعداء من خلالها.. ومن ثم تجاوز الأمر الى أبعد وأوسع من ذلك متثملاً بفئات متفاوتة من ذوي الإهتمام السياسي  بتشكيل أحزاب لا تتناسب مع حجم كثافتنا السكانية ، ولا مع الظروف الأنتخابية لتمثيلنا في الجمعية الوطنية والمراكز الحكومية في العراق الجديد الذي يضمن دستوره الدائم حقوق كافة أطياف المواطنين العراقيين. ومن جراء ذلك التزمت والتناحر اللامجدي بانت تلك العواقب التي لم يرتضي بها ابناء شعبنا بتغييب العديد من حقوقنا المشروعة في الدستور الجديد.

ونحن نعيش مخاض هذه الحالة المتأزمة تلزمنا نقطة البداية لأن نكتفي بهذا القدر من الأشارة للنتائج السلبية التي لا زلنا نلمسها ونعيشها يومياً ومن غير اعتبار لواقع المستقبل الذي سيكون حتماً أسوأ حال مما نحن عليه اليوم والشواهد كثيرة على ذلك.. لنعود اذن لنقطة اليداية التي أشرنا فيها لنهضتنا الأدبية والثقافية المستحدثة ونثمن تلك الجهود التي تسعى دوماً لتطل علينا بما يعكس ويجسد ويحيي تراثنا وادبنا وثقافتنا لكونها مرايا ناصعة لأهمية اثبات وجودنا وفرض رأينا بغية التفاعل مع الصراع الحضاري والإرتقاء بمصاف من بلغ القمة بفخر واعتزاز ، لا على شاكلة من يحاول تشويه الحقائق وتزييف التاريخ والإدعاء بأحقية شرعيته على حساب من يتعمد على أن لا يدرك حقيقته ويعترف بها لمصلحة آنية تجعله مستقبلاً ومتى ما استجاب القدر أن يعض ويقضم أصابع الندم.

وهنا ينبغيني أن اتمسك بنقطة البداية دون الإنجراف على السواحل الفرعية الهشة التي يدركها من يؤمن بالتحليل المنطقي ويتغاضي التعكير والتبرير.. 
بالأمس بالقريب وبعد سقوط الصنم وحاشيته من الأشباح المخيفة ، دقت أجراس الفرح في كل حدب وصوب وتبسمت الأقلام الحزينة لحامليها فحفزتهم على مداعبة الأوراق المسالمة برمز بياض لونها ، فتشكلت الاتحادات الادبية ، ولكن هي الأخرى أصابتها عدوى التشكيلات الحزبية الوليدة العهد ، لتتشتت الجهود والقدرات هنا وهناك .. ورغم كل ذلك يستأنسنا القول بأنها تسعى للأرتقاء بما يرفع من شأننا من خلال الحرف النير والكلمة الصادقة والعبارة المشعة والمقالة الهادفة والكتاب الذي يحمل بين دفتيه كل ما يخدم الأنسانية عبر مراحل التاريخ..

فهنيئاً للعقول التي شاركت في المؤتمر اللغوي  وندوة احياء الصحافة الآشورية  في نوهدرا، ومؤتمر الأقليات في بولونيا ومؤتمر الأدب السرياني لأتحاد الأدباء في بغداد ويوم الثقافة الآشورية في الدنمرك ومهرجان الشعر الآشوري الأول لأتحاد الأندية في السويد وغيرها من المناسبات المتوالية يومياً.

mammoo20@hotmail.com[/font][/b][/size]

239
وحدتـنا القومية ومهازل التراتيل الفضفاضة


بقلم : ميخائيل ممو
رئيس تحرير مجلة حويودو
[/font]

 
خلق الله الكون ليكون الأنسان ظله على الأرض ، ويُكـِّون صورة مماثلة لصفاته مؤطرة بتعاليمه التي أوحى بها لرسله بغية تعميمها على البشرية جمعاء ومن دون إستثناء.
من هذا المنطلق الواضح والصريح تحدونا أحداث العصر لأن نوجه منظارنا في وقفة تأملية نستجلي من خلالها ما أمِـرنا (بضم الألف المهموزة) به وما توصلنا اليه وما استنتجناه في عالمنا الخاص الذي نعيشه اليوم ونستأنس به تلبية لمشاعرالغرابة المحفوفة بنظرات ملؤها الحقد والكراهية والحسد واستصغار ما لا يتقبل التصغير ، أو تعظيم ما لا يناسبه التعظيم ، وكأننا ما فتأنا نعيش في عصر من عصور الجهالة لا الوعي والعدالة. نعم .. وكأننا نطارد الغزلان في الغابات المهجورة منذ عصور الأنسان الأولى التي كانت تتحكم فيها الحيوانات الكاسرة والمكشرة الأنياب لتصارع  ذلك الأنسان الذي يتسلح بأبسط وأضعف وسائل الدفاع عن النفس.
أما اليوم .. فدعونا نتساءل ، أين نحن من تلك الأعتبارات في مطلع الألفية الثالثة التي بلغت شأواً بعيد المدى من عالم التطور والتقدم ، يتحكم فيه جهاز صغير بإدارة اصبع واحدة صغيرة وواهنة لا تتناسب وضخامة جبروت الأنسان وفكره النير الذي هو وليده. أجل.. أوصل الإنسان التكنولوجيا الى قمة التطورخدمة لكل فرع من فروع المعرفة ، وبقي هو يتراوح في مكانه يحتضن أعماق الحضيض بتزمته الفكري المشوب بعنصرية التأمل ، وقاحة الخبث وعنجهية مبـالغ فيها. ومتى ما تساءلت بما مفاده: لمصلحة من؟ ومن المُـنـتـفـع؟  وما الدافع؟ لأستلمت أجوبة تهديك لمتابعة الأفلام الكارتونية التي لا يطيقها حتى الأطفال ومعززة بنغمات تراتيل فضفاضة وهشة شبيهة بنقيق الضفادع الجائعة التي لا تعرف للحياء معنىً مهما جعلتها تمتثل للسكون والهدوء الذي لا يجدي نفعاً ، ولتضطر بالتالي لإستعمال اسلوب البصاق في وجهها ، ولتقول لك علانية : ما نفع بصاقك في الوجه الذي لا يقبل الحياء.
وأنا مسترسل في الكتابة هذه إنتابتني نوبة " آخ " وتلتها  سلسلة من " الآخات " التي نتداولها في عرفنا الشعبي من التظلم  مجسدة شارات الحسرة والتأسي والحزن على من هم أحياء ولا يدركون بأنهم يشدون على رقابهم حبال الموت ، وعلى من هم موتى الضمير ولا يدركون معنى صوت الله في الأنسان ، وعلى من هم قادة الجبهات ولا يفقهون من فحواها شيئاً .. ليتساءلوا: أهي جبهات الوجه؟! جبهات الجهات؟! أم جبهات القتال؟! وحبذا لو كانوا قد استدركوا فحوى جبهات القتال.. لكانوا قد عرفوا معنى التعاضد والاتحاد وفاعلية ذلك في كسر شوكة من تُسوّل له نفسه على نشر بذور الفرقة والشقاق والنفاق.
حتام تشهرون سيفكم في وجوه من يلتحفهم الفقر والجهل والقهر والغباء؟ وحتام تلعنون من هم اساسكم من المثقفين والمدركين والملافنة الذين من خلالهم تبوأتم مراكز الأمر والنهي ، ولتثبتوا فيما بعد تغاضيكم عن رضاعة  التوجيه والإستقامة ، ولتشكلوا أبراج الفخفخة الفارغة ، لا قلاع الصمود والتحدي.
أين أنتم من الصفات الحقيقية يا من توسمتم بصفة الأوصياء على التعاليم الالهية ؟ أين أنتم من نصوص الوحدة الكنسية؟ أين أنتم من مبادئ الوحدة القومية؟ أين أنتم من قواعد الأعتراف بالواقع وأين وجهتم نظرتكم الأنسانية لإنتشال أبناء الشعب الواحد من مهاترات ضعفاء النفوس ومن الوصوليين والنفعين الذين بمعرفتهم ارتموا بين أحضان من يدس السم في العسل؟
يبدو أن ديدنكم هو نشرعدوى داء الدوار ليستقر بهم الأمر في مشفى برنامج " قومية الدين " لِـنـَحْـل تعاليم جديدة اساسها التقوقع الأعمى ، وفلسفتها سفسطة الأنعزال والإبتعاد ومن ثم الإلتحام والإنضواء تحت لواء وراية كل ما يتماثل وينصاع لتعاليم بناء الذات النرجسية الفوضوية والإحتكارية الممقوتة.
ان عصر العولمة طرح مفاهيم عصرنة الأنسان ليتسلح بمنطق العلم وبكل ما تمليه تجارب وثقافات شعوب العالم بغية التغييرالمثمر وإلقاء نظرة التأمل لقمة الجبل الشامخ لا للسفح المائل ، ولأبعاد الآفاق من ارضية الصياغة المعرفية والمنهجية المبنية على المنطق العلمي لأثبات واقع مفاده " أنا أفكر اذن انا موجود " لا على اعتبار مفاده انا موجود اذن دعني افكر، لكون التواجد حالة زمنية ومرحلية ، ولكون معين الفكر أحداث الساعة على الساحة ، وجولات تمليها الأجواء الملبدة بالغيوم ، وفي احيان أخرى متى ما أفرغت تلك الغيوم حملها الثقيل.
فدعونا اذن يا حملة أسفار الكتب السماوية ، ويا مُـسنـّي مواد الأنظمة الداخلية  ويا مُشرّعي نصوص وفقرات الدساتير الدائمية ، ويا واضعي بنود القوانين العرفية التي تفوح منها رائحة التعصب العشائري والنزعة العنصرية ، نفرغ من خزائن العقول أثقال فكر التزمت وآراء التصلب الأعمى التي عادة ما تقود الى الهاوية.

ان المرحلة الآنية بأحداثها المؤلمة الموجعة والتي تشوب واقعنا المرير تدعونا لأن نكون صريحين وصادقين في تعاملنا لنثبت وجوداً موحداً متكاملاً وفاعلاً حتى وإن كان نسبياً ، لا أن نصاب بعمي الألوان من قوة الدولار. ولنعلم جميعاً ونضع على بالنا بأن وحدتنا حالة طارئة في المرحلة الراهنة لا مراهنة عليها طالما نستدرك بأننا اليوم أمام محنة كبيرة ومؤامرة مبيتة ، وإلا لنقرأ الفاتحة على وجودنا  كما قرأ شعب بابل على وجوده بتآمره الخياني مع الفرس الميديين ضد بني جلدتهم من الشعب الآشوري وبالتالي خيانة الفرس لهم  وزوال السلطتين من الوجود آنذاك. وكما قرأ الفاتحة دعاة الوحدة القومية أمثال مار بنيامين وآغا بطرس ويوسف مالك وبرصوم الأول وغيرهم ممن حضروا وشاركوا في مؤتمرات عالمية ضمن عصبة الأمم والدول المعاضدة للمعضلة الآشورية في الحربين العالميتين وبالتالي فشل كل محاولاتهم ، وضياع جهودهم عبثاً ، وطوي ملفات نداءاتهم وصرخاتهم وايداعها على رفوف النسيان يغازلها الغبار وذلك من جراء إقدام شرذمة على استنكار وجودهم كممثلين شرعيين لحل المسألة الآشورية التي تبنتها بعض الدول وايدتها دول أخرى.
لنتعظ من هذه التجربة التاريخية ، لكي لا يعيد التاريخ نفسه بحلة هذه السليبة ومن ثم سحب البساط من تحت أقدامنا ، طالما ندرك التآمر الذي يبدو واضحاً وجلياً من تجاوزات الغرباء من جانب ومن الارهابيين والتكفيريين من الجانب الآخر والشواهد لا تحصى ولا تغرب عن البال.
نعم لنتعظ من تجارب الشعوب وأن تكون تجربة الشعب الكردي الحديثة العهد عبرة لنا بتقارب وتآزر الحزبين الكرديين الرئيسيين حين وضعا الأهداف الرئيسية والجوهرية فوق كل اعتبارشخصي ، وما توصلا اليه اليوم على ارض الرافدين مهد الحضارة الآشورية التي أصبحت مأوىً ومرتعاً وطنياً لكافة مكونات الشعب العراقي دون تفاوت.
اذن لنكن متسلحين بالحذر ، ونعيد قراءة تاريخنا وواقعنا وما آلت اليه مواقفنا من هشاشة بيقظة تامة وعين ثاقبة وضمير حي ، وأن لا نبتسم لأنياب الأسود والذئاب والثعالب البارزة من منطلق الظن بأنها تبتسم ، وكما قال الشاعر المتنبي :
إذا رأيتَ نـُيـوبَ الـلـّيـث ِ بارزة ً      فـلا تـظـنَّ أن الـلـّـيـثَ يـبـتـسـمُ





240
الى / سكرتير الحركة الديمقراطية الآشورية

برقية استنكار وتعزية

بإسم اتحاد الأندية الآشورية في السويد وهيئة تحرير مجلة حويودو نشجب ونستنكر الهجوم الإجرامي والإرهابي الذي تعرض له موكب الوزيرة السابقة السيدة باسكال ايشو ورده ، والذي أدى الى استشهاد أربعة من عناصر حمايتها وجرح  عنصرين منهما ظلماً وبهتاناً.
نطلب لكوكبة شهدائنا أن يمطرهم الرب بشأبيب رحمتة الواسعة وأن يسكنهم فسيح جناته ،  ويلهم عوائلهم وذويهم ورفاقهم الصبر والسلوان ، وللجريحين الشفاء العاجل ، كما ونحمده على نجاة السيدة باسكال المستهدفة من هذا الحادث الإجرامي الشنيع.
وفي الوقت ذاته نتقدم بقلب تعصره الألام والأحزان بتعازينا الحارة الى ابناء شعبنا والى قيادة الحركة  الديمقراطية الآشورية وقواعدها ، ونعاهدكم على المضي قدماً في مسيرة بناء الوطن الحر من أجل عراق ديمقراطي ترفرف على أرضه راية الحرية والإخاء والمساواة ، وأنه مهما طالت الأيادي الآثمة ، غائرة في غيها وطائشة في غياهب الجهل والحقد ، لن تنال من ايماننا وعزيمتنا وثباتنا وديمومة وجودنا الأزلي على أرض مهد الحضارات بلاد ما بين النهرين الخالدين تيمناً بخلود كلكامش والأنسان العراقي المؤمن بمستقبل نير.
المجد والخلود الأبدي لشهداء شعبنا ولكل من يجعل حياته قرباناً على مذبح الحرية والديمقراطية والآمان من أجل عراق موحد يجمع في روضته كل أطياف ومنونات الشعب العراقي.


         ميخائيل ممو                                                            شمعون بارمانو
رئيس تحرير مجلة حويودو                                          رئيس اتحاد الأندية الآشورية
   




241
أدب / بإسم إلــه الكون
« في: 05:44 04/07/2005  »
بإسم إلــه الكون
( الى الذين يجعـلون من الحقيقة كالحرباء وكأنبلاج الوان قوس القزح )

ميخائيل ممو

 ( 1 )

بإســم إلــه الكون
توَشـّحـوا
بـلبـاس الـزعامه

بإسـم رب الكون
إئـتـمـنـوا
مِـقـلاد الأقــامـه

وبإسم من آمـنوا
أعلنوا
شــرع الإستقامه

وعلى حين غـرة
تغافلوا
عن حُكم القيامه

يوم أن تـنـكروا
وتـنـاسـوا
فحوى الكــرامـه

وليس بالحسبان
أن يعلنوا
فِـعـل الـنـدامـه

وكأن الأفـــواه
تـلـثـمـت
وتلجمت بالغِـمامه

بالله عليكـم
أيُـدان من
آمن بعز السلامه؟

الأيمان صدق
فأين انتم
من صدق الفخامه؟

والزهد عبادة
فأين أنتم
هل بلغتم تمامه؟!

أجدوى زهدكم
بنتش ريش ٍ
من جناح الحمامه؟

أبغفلة التعمد
تبنون
أبراجاً من الـملامه؟

أم أنكم تتناسون
مزجكم
للجسد بدم الـلآمه.

( 2 )

بإسـم الـه الكون
عـمّـذونــا
نـاولـونــا
أقـنعـونــا

بإسـم الـه الكون
مزّقـونـــا
شتتـونـــا
أبعدونـــا

وفي أرجاء الكون
قـسّمـونـا
عَصّبونـا
حيّـرونـا

وفي أجواء الكون
تيجاناً توّجونا
ملوكاً نصبونا
آمـالاً ألبـسونا
لنكون
بـناة مجـدٍ جديد
حُـماة اسم فـريد
دعاة حزبٍ وليد
حكمهُ
التهديد والتـفـنيد والتبديد
لمبدأ التوحيد
للأرث المجيد
وأصالة التاريخ التـليد.

***
من أبراجهم العاجية
عادوا...
فـدعـونــا
 وأرشدونا
نحن أبناء الرعية
أن نؤمن بالقضية
أن نكون تلامذة الوصية
أن نمعن الأسماع
أن نـقـدّس النـزاع
أن نـوقـد الـمواقـد
بلهيب من جمر الصراع
و
بـنار من سحـر الخـداع.

***
فإن قلنا آشور
أنكرونا ،
وإن قلنا كلدو
كـذ ّبونا ،
وإن قلنا سريو
سَـخـّرونا
وأنكرونا
ليبعـدونا
عن كل اسـم نـبـيـل
عن كل لوح أصيـل
من وجودنا المُضاع
من ثـراثـنا الـمُـبـاع
لغاية ٍ
سـموها في عُـرفهم
سياسة التضييع والضياع

***
ما هذا الدعاء المشوب بالطلاء؟!
ما هذا الهُـراء؟
ما هـذا القـضاء الزائـف الـنقاء؟!
بالله عليكم
دعونا نستحلفكم
بإسم الديانات وكل الوصايا
وبإسم من قال:
" أنا في الأب والأب فيّ "
أين هي المزايا؟
أين هي السجايا؟
من صدق النوايا
في
كشف آثار الخطايا
وفي
صهـر أرزاء البلايا
هل هي سرٌ من أسرار الرّزايا؟!
أم هي عنصر من عناصرعصرالخبايا؟

***
بالله عليكـم
أهو حق أن نـَفـتـَرق؟
أم هو صدق كي نحترق؟
أهو وفاء للحق والصدق كلام الرياء؟
أم عقيدة
 أن لا نـَعْـتـَنِـق
درب الأخاء والوفاء،
أن لا نـأتـلـق
كنجمة الهدى
في الـلـيـلة الظلماء
أم سُـنة من سُـنن الكبرياء؟!

***
أجل...
حيرتمونا
عذبتـمونا
فرقتمونا
وبإسم الـه الكون
لا زلتم
ترشدونا
وتمقتونا
والإله منكم براء
على الأرض وفي أعالي السماء
طالما جعلتم
من الغربال للشمس كساء.

***
في ختام الكلام
نناشدكم بإسم السلام
برب المحبة والوئام
أن تكشفوا سر الظلام
أن تزيحوا السبات عن النيام
وأن تنشروا نورالمسيح الصحيح
بإيـمان صريـح
وخطاب فصيح
علـّـنا جميعاً
وسوية ً
نحيي الموتى الأحياء
من عاصفة الهـباء
ومن نشـوة الإغفاء
في عمق الضريح
ضريح الدّنى الفسيح
لننادي
بإسم الإخاء
بإسم الوفاء
وبإسم الإباء
وحدتنا رمز قوة لدرب السناء
قوتنا سـيـف حق على القضاء
وحقنا بيرق يرفرف في العَلاء

mammoo20@hotmail.com
01.07.2005



243
تغيير موعد محاضرة الاستاذ هرمز ابونا الى يوم  الجمعة 17/6/2005


لقد تم تغيير موعد محاضرة الاستاذ هرمز ابونا التي كان من المزمع اقامتها يوم السبت 18/6 الى يوم الجمعة المصادف 17/6 وذلك في تمام الساعة العاشرة بتوقيت اوربا وفي غرفة الكتاب والادباء العراقيين Aliraq Iraqi writers Aliraq

اهلا بكم

244
اليكم أنتم الذين تستلذون بوقوفكم على سفوح التلال
[/size][/color]

بقلم : ميخائيل ممو / رئيس تحرير مجلة حويودو

mammoo20@hotmail.com


يطل علينا في كل عام صيف الفقراء بحلته التي تدعنا نعد العدة لرسم خطط الأستمتاع والأستئناس بعيدين عن متاعب ومشاق العمل ، حيث ندع جانباً ما يحمينا من برد الشتاء بما يثقل أجسادنا ، ويكون همنا الأكبر أن نستغل أفراح وزهو الطبيعة التي هي الأخرى تودع ضجيج الرعود ، قساوة الجليد ، حملات الأمطار وركام الثلوج لتستقبل النِـسام اللينة العليلة التي تبعث الدفء الذي يغازل النفوس ، والبراعم التي تبشر بالأمل ، وجمالية الزهور التي تنشر الأنشراح ، وتجعـل حتى أسراب الطيور تهيم في أجواء السماء حرة ،  ناشرة التغاريد لتحاكي الطبيعة المخضوضرة والأنسان الهائم.
هذا ما نتأمله على مدار السنة ، ونعيشه واقعاً ملموساً عنوانه خدمة الأنسان لفترة زمنية يزدحم فيها التواصل برفاهية وطمأنينة. ونحن نعيش هذه الأشراقة الساطعة ينبغينا التساؤل هل يدع ذلك الأنسان في مخيلته أن يمتثل بتخمينه العقلاني لهذا التجديد انطلاقاً من ظروف التغيير التي تطرأ على الحياة ؟ وهل يحاول أن يضع في كفة الميزان ما يقدم عليه في تعامله مع الآخرين؟ وهل يلقي نظرة فاحصة على ماضيه ليراجع نفسه ويحدد مواقفه المستقبلية؟ وهل يعتبر مسؤولياته في أي حقل من حقول الخدمة القومية والأنسانية عنوان القدسية الدائمة لخلق ما يخدم التواصل الدائم؟
تظل هذه المفردة التساؤلية " هل " تتردد لتتألب والمفردات الحائرة  وتفرض نفسها لتقتات على معانيها حين لا تجد من لا يعيرها اهمية. كما وتظل شاخصة تحاكي بإستئناس وحيرة مفردات القرابة المتمثلة بكيف ومتى وحتام وغيرها من مفردات  مكونات العبارات التساؤلية الهادفة. وحين لا تلق الجواب الذي تؤطره أطـُر الصراحة،  وتعطره معاني الفصاحة ، يضطرها الأمر على تجسيم الأشارة وإبعاد التباس الدلالة الى القول :
أنتم الذين تستلذون بوقوفكم على سفوح التلال وتشخصون رؤياكم لقمم الجبال استفيقوا من غفلتكم وراجعوا انفسكم علّكم تضعون حداً لنرجسية الذات ، ولعلكم تواكبون مسيرة الإبداع والأنتصار في العصر الذي بات معظم رواده يقدمون على نخر جدران الأصالة، وهدم أسوار الحضارة ، وتعميق هُـوّة الضياع. 
دعوكم من مهاترات التبجح الأعمى الذي عادة ما يقود الى الهاوية .. دعوكم  من الأصطياد في الماء العكر باستثئاركم الذي ينحصر في دائرة مغلقة .. ودعوكم من تلويث السنتكم بما يُملى عليكم بغية التشويش والتأثير على قوة الجذور التي تحدّت صلابة الأرض وما  أحاطها واعتراها من شوائب ، لم يتسع لها من ايقاف مسيرة امتدادها ، وتوسع انتشارها وتماسكها ، فشاع شأنها في بلوغها العلى المتمثل بالعطاء  وبما أثمرت  به النتائج.

دعونا نضع حداً ـ قولاً وكتابة وفعلاً ـ لكل من تسوّل له نفسه أن يسرح ويمرح في حقل الممارسات الوطنية والقومية التي أعيد حرثها وتشذيبها من كل ما يعيق العطاء المثمر في عصر الثورة التقنية التي لا يُخفى عليها أي سر وأي مضمون ضمني مغلف بالتوجس والاعتبارات السلبية المقصودة والغامضة غموض من لا رأي له ، ومن لا يستدرك اقاويله واعماله وتصرفاته.     

صفحات: [1]