1
المنبر الحر / أمة آشور في النصوص المنحولة لمار افرام النصيبينيّ... قراءة نقدية
« في: 15:40 05/11/2020 »
أمة آشور في النصوص المنحولة لمار افرام النصيبينيّ... قراءة نقدية
جورج ايشو
الأشخاص الذين درسوا التاريخ الكنسي يعرفون جيدًا ان عملية نحَل وتحريف النصوص الادبية كانت ظاهرة شائعة في بُلدان كثيرة من العالم وذلك منذ عصور خلت. هناك الكثير من الكُتب والمخطوطات المختلفة اكتُشفت بانها منحولة بعد دراستها ومقارنتها بالنسخ الاصلية في عملية النقد الأدبي (Literary Criticism). الكِتاب المقدس نفسه وصلت الينا منه الكثير من الاسفار او النصوص او الآيات المنحولة ولم تقبل بها الكنيسة. بالطبع، الغاية من هذا التزوير كان لتمرير أفكار غير سائدة من خلال كاتب او كِتاب ذائع الصيت، كما كان الامر مع القديس مار افرام النصيبينيّ.
كتبَ مار أفرام مجموعة متنوعة من الترانيم والقصائد والمواعظ في الشعر، بالإضافة إلى التفسير الكتابي النثري. كانت لهذه الأعمال اللاهوتية تأثيرًا كبيرًا على بنيان الكنيسة في تلك الأوقات العصيبة. شاعت اعماله بين جميع الكنائس بصورة كبيرة، وتمت ترجمتها الى عدة لغات.
لكن، هذا لم يمنع ان تكون هناك أيضًا كُتب منحولة باسمه. يقول كين باري وهو أحَد مؤلفي كِتاب The Blackwell Dictionary of Eastern Christianity ان بَعْد مماته ولعدة قرون، كتبَ الكثير من الكٌّتاب المسيحين مئات من الكتب المنحولة باسمه.
في مقدمة كِتاب (تفسير سفر التكوين المنسوب الى القديس افرام السرياني) يقول الاب يوحنا ثابت: "هناك مخطوط رابع ينتمي الى التقليد عينه، لكنه غير ماروني بل يعقوبي" أي كتاب منحول باسم مار افرام النصيبينيّ تم تأليفه من قِبل أحَد الأشخاص في الكنيسة السريانية.
وهذا ما تؤكده أيضًا الباحثة Margaret Dunlop Gibson والتي ترجمت عَمَل العلاّمة القديس مار أيشوعداد في تفسيره الكِتاب المقدس بقولها: "ان المؤلفين السريان اليعاقبة منهم ديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي، قاموا بنسخ اعمال النساطرة ووضعوها باسماهم." وهناك ايضًا من يقول ان قراءة تفسير ابن الصليبي للكِتاب المقدس، يعني قراءة أيشوعداد. هذا غير الكُتب الأخرى التي قاموا بنسخها مثل اعمَال مار تيودور المصيصي ووضعوها باسماء أخرى، كما فعلوا ايضًا بكِتابات القديس مار إسحاق اسقف نينوى ومار يوحنا الدلياثي ومن قبلهم مار افراهاط ومار افرام النصيبينيّ وغيرهم من الكُتاب في كنيسة المشرق.
وكذلك الحال مع قديسي كنيسة المشرق، يقول مار ادي شير في كِتابه تاريخ كلدو واثور: "ان النساطرة لم ينسبوا إليهم قديسين يعقوبيين بل بالعكس نرى اليعاقبة عزوا الى نحلتهم كثيرين من القديسين النساطرة منهم اسحق أسقف نينوى وإبراهيم الكبير وباباي النصيبيني ويحنا بربنكايي ويوحنا دالياثا وإبراهيم نثبرايا."
على هذا النحو أيضا في النسخ اليونانية، يقول الأب جورج في مقالته Saint Ephraim the Syrian ان تأملات مار افرام العميقة في الإيمان المسيحي وموقفه ضد البدع جعلته مصدر إلهام شعبي في جميع أنحاء الكنيسة لدرجة أن هناك مجموعة ضخمة من الكُتب المنحولة لمار افرام. بعض هذه المؤلفات مكتوبة في شكل شعر، وغالبًا ما تكون هذه النسخة من مقطع قصير او مقطع سباعي. معظم هذه الأعمال مؤلفة لاحقًا إلى حَد كبير باللغة اليونانية.
في الكُتب المنحولة المنسوبة لمار افرام النصيبينيّ، والتي يستشهد بها الاخوة من الكنيسة السريانية، هناك نصوص تنقل الفكر العدائي الذي يحمله مار افرام تجاه الأمة الآشورية. في النص المنحول يقول مار افرام عن الآشوريين هذا القول: “ان الجحيم مليء بالسدوميين والآشوريين" وأيضًا في قصيدة أخرى يقول: " آشور الدنسة ام العاهرات، مصدر الزنى."
لدحض هذين النصيين المنحولين، علينا ادخالهما في عملية النقد الادبي، لنحاول استخلاص الأفكار الغير اللاهوتية والغير روحانية التي تتنافى مع أسلوب وفهم مار افرام للكُتب المقدسة ومع حياته النسكية.
الاسكتولوجية Eschatology
علم الاسكتولوجي هو فرع رئيسي في الدراسات اللاهوتية المسيحية، يتعامل مع الاحداث الأخيرة، سواء كانت نهاية حياة فردية أو نهاية العصر او نهاية العالم أو طبيعة ملكوت الله. بصورة عامة، علم الاسكتولوجي المسيحي يشدد على المصير النهائي للأرواح الفردية والنظام المخلوق بأكمله، بناءً على النصوص الكتابية في العهد الجديد. يتطلع إلى دراسة ومناقشة أمور مثل الموت والحياة الآخرة، الجنة والجحيم، المجيء الثاني ليسوع، قيامة الموتى، الضيقة، نهاية العالم، الدينونة الأخيرة، السماء الجديدة والأرض الجديدة في العالم الآتي.
في الفكر الاسكتولوجي لمار أفرام النصيبينيّ ما قصده الله للبشرية منذ البداية تحديد مفاهيم الشرْكة المباركة مع الثالوث الإلهي في الفردوس؛ وايضًا مقاصد الله الخلاصية للبشرية طوال التاريخ، وكيف حققها الله في تجسد المسيح الخلاصي، الموت، والقيامة؛ وما أتاحه الله للبشرية في الكنيسة؛ وما سوف يتممهُ في الاخر. وهكذا الفكر يمكن فهمه في مسيرة الانسان مع الله على أنّه تاريخ طويل من خلاله يحاول الله الرحيم مصالحة البشرية مع نفسه وإعادتها إلى عدن. وفي هذا الصدد، نرى الفكر الاسكتولوجي لمار افرام مليء بالاهتمامات الأخروية منذ البداية إلى النهاية. تصب اهتماماته على فكرة انّ الله يريد ان الجميع يخلصوا والتمتع بحضرته في الفردوس.
كان مار افرام حريصًا جدًا على ان تتوافق افكاره الاسكتولوجية مع التعاليم الكتابية. إذا راجعنا النصوص الاسكتولوجية في العهد الجديد سنجد تركيزها ليس التبشير بالدينونة، بل إدراك عَمل النعمة والحرية للخلاص.
زد على هذا، المفهوم الاسكتولوجي في الكِتاب المقدس المتعلق بالموت والدينونة والجنة والجحيم لم يحدد هوية الشعوب او الأشخاص الذين يتعذبون في الجحيم؛ لا يوجد عالم لاهوتي من آباء الكنيسة الأولى تحدثوا عن مصير الأمم او الطغاة بعد الموت، فكيف يُوقع مار افرام نفسه في هذا الخطأ بالقول: "ان الجحيم مليء بالسدوميين والأشوريين" زد على هذا، كان يجدر بكاتب النص ذكر البابليين بدل الآشوريين، لان خطيئتهم تجاه اليهود كانت أعظم من التي اقترفها الآشوريين.
كما قلتُ، طرح المفاهيم الاسكتولوجية لا يجب ان تتعارض مع المفهوم المسيحي. نعم، هناك حديث لمار افرام عن الجحيم والفردوس، تنطلق صياغتها على أساس اسكتولوجية السيد المسيح. على سبيل المثال، يقول مار افرام في كِتابه أناشيد الفردوس:
"يجلس أولاد النور في ذروة الفردوس. يرون خارجه الغني في الهاوية. فيرفع هذا طرفه لشاهد في الهاوية. فيرفع هذا طرفه ليشاهد لعازر ويستغيث به..... تتضرع الام الجاحدة الى ابنها...وخادمتها وابنتها المضطهدين من اجل الايمان. يسخر هناك المضطهدون بالمُضطهدين والمعذبون بالمعذبين.. (ترجمة المطران كوركيس كرمو).
هذه هي الفكرة الكِتابية في علم الاسكتولوجي التي لا يمكن تحديد هوية الأشخاص المعذبين في الجحيم هي نفسها التي صاغها السيد المسيح للتلاميذ، لان زمن الدينونة لم يأتِ لكي يُعذب مار افرام السدوميين والاشوريين في الجحيم. لذلك، إما انّ مار افرام لم يفهم هذا الشيء، او ان النص منحول وليس لمار افرام، والأخير أقرب الى المنطق. علاوة على هذا، السيد المسيح نفسه قال عن السدوميين ان حالتهم ستكون اهون من ذلك الجيل اليهودي الذي عاصر السيد المسيح ولم يؤمن به؛ ومار افرام ادرك هذا القول جيدًا ولم يتجاوز على قول السيد المسيح كما تدعيهِ هذه النصوص المنحولة بان السدوميين في الجحيم. يقول في كتاب أناشيد الفردوس عن الأشخاص الذين لم يُحدد هويتهم هذا القول: "في عدن من يودهم وفي شيول من يكرههم. تكون هناك أكثر وطأة من سادومه." لذلك، النص الذي تستخدمه الكنيسة السريانية منحول لأنه ببساطة يتنافى مع تعاليم الكتاب المقدس، بل يطعن في مصداقية تعاليم السيد المسيح الاسكتولوجية.
خطيئة الدينونة
بالرغم من ان مار افرام كان شاعرًا كنسيًا ومدافعًا لاهوتيًا ضليعًا الا انه كان روحانيًا متصوفاً. لم يكن من السهل، او من شبه المستحيل، ان يُوقع نفسه في خطيئة الدينونة على حساب شيء أخرى. لنعد بالنص الثاني التي فيها يقول " اشور الدنسة ام العاهرات، مصدر الزنى."
الم يكن يدرك مار افرام النصيبينيّ ان هذا القول يتنافى مع التعاليم الكتابية. اليست آشور بقية شعب الله الذي سيرجعها مع مصر... وتكون سكة لبقية شعبه التي بقيت من آشور كما كان لإسرائيل يوم صعوده من ارض مصر.. ثم يأتي الاشوريين الى مصر والمصريون الى آشور، ويعبد المصريون مع الاشوريين ويكن إسرائيل ثلثاً لهما؟ اليس الاشوريون هم صنعة يد الرب، فيكف يتجاوز مار افرام على هذه الصنعة التي هو نفسه قال عنها في احدى مياميره:
"بواسطة مُرسليه استعبدَ احاز نفسه لآشور (اثور) وقد خضعوا لك ]أيّ الاشوريون[ من قبل مُرسليهم وسجدوا لقضيب شبل الأسد (المسيح)... لك أيها المسجود سجدَ الاشداء الذين كانوا يُسجد لهم." (مروج النزهية)
وفي موضع اخر يقول مار افرام عن صوم أبناء نينوى (الآشوريين) هذا القول:
"حتى الجبابرة ترتعب من صيت اشور العظيم. نحن الذين انتصرنا على اقوام مثيرة، أيغلبنا هذا العبراني. ان زمجرة صوتنا تخيف الملوك، كيف يقلقنا صوته؟ لقد سحقنا بلدانا كثيرة، كيف له ان ينتصر علينا في بلادناّ؟"
بالطبع، بسبب ان هذه النصوص لا تشتم الامة الآشورية سوف يعتبرها البعض منحولة اذ انها تتقيد بمبادئ تعاليم الكتاب المقدس.
التاريخ
في الزمن الذي عاش فيه مار افرام الشماس، عاصرَ اضطهادات كثيرة ضد المسيحين من قِبل الفرس. الاضطهاد الفارسي على يد شابور الثاني كان الأسوأ في تاريخ الكنيسة، فهل يُعقل ان يغفل مار افرام الفرس الذين اضطهدوا المسيحين امام عينه بصورة بشعة ليصب جام غضبه على الاشوريين او على اشور؟ أيضًا هل يُعقل ان لا نسمع مار افرام يتكلم عن مصير الهراطقة في الجحيم أمثال المانويين، والأريوسيين، واتباع أبوليناريوس اشد اعدائه، لكننا نراه يشتم ويطرح الأشوريين في الجحيم بسبب انهم آشوريين. اين المنطق؟
النصوص في كنيسة المشرق
وفي المقابل، لو كانت، كما يزعم البعض، قومية أبناء كنيسة المشرق سريانية او آرامية، فلماذا اذاً نجد هذه النصوص الافرامية المسيئة للآشوريين في كنيسة السريان فقط ولا نجد لها أثرًا في كنيسة المشرق؟ ان كنا سريانًا لكنا نهجنا النهج اليعقوبي نفسه في الإساءة للآشوريين وطرحناهم في نار جهنم بغض النظر عن الاختلافات العقائدية التي بين كنائسنا، فبطبيعة الحال عدونا واحد وهو آشور. لكن، لكي يدرك القارئ الكريم بان هذه النصوص منحولة، لن تجد أثرًا لها في كتابات الآباء الذين سبقوا مار افرام النصيبينيّ ، كأفراهاط الحكيم على سبيل المثال.
الخاتمة
لذلك، من المستحيل لقديس نظير مار افرام ان يخالف التعاليم الكتابية ويخطئ الى الله بشتمه للامة التي باركها الله. ولا يمكن لهذا القديس ان تتعارض أفكاره الاسكتولوجية مع التعاليم المسيحية. كما قلت أعلاه، ان مناقشة أمور الموت والحياة الآخرة، الجنة والجحيم، موجودة في صلب الكتاب المقدس، لكن، تحديد هوية الأشخاص المعذبين ليست كتابية، ولا اعتقد بان مار افرام النصيبينيّ كان يجهل ذلك. من ناحية أخرى، ان ما قاله في هذه النصوص التي تسيء الى الامة الآشورية، لا تُسيئ فقط الى سمعته كعالم لاهوتي وروحاني متصوف، لكنها تسيئ ايضًا الى تعاليم الكتاب المقدس بصورة عامة. لذلك، اقولها مرة أخرى، هذه النصوص منحولة ولا تمت لمار افرام النصيبينيّ باي صلة.
جورج ايشو
الأشخاص الذين درسوا التاريخ الكنسي يعرفون جيدًا ان عملية نحَل وتحريف النصوص الادبية كانت ظاهرة شائعة في بُلدان كثيرة من العالم وذلك منذ عصور خلت. هناك الكثير من الكُتب والمخطوطات المختلفة اكتُشفت بانها منحولة بعد دراستها ومقارنتها بالنسخ الاصلية في عملية النقد الأدبي (Literary Criticism). الكِتاب المقدس نفسه وصلت الينا منه الكثير من الاسفار او النصوص او الآيات المنحولة ولم تقبل بها الكنيسة. بالطبع، الغاية من هذا التزوير كان لتمرير أفكار غير سائدة من خلال كاتب او كِتاب ذائع الصيت، كما كان الامر مع القديس مار افرام النصيبينيّ.
كتبَ مار أفرام مجموعة متنوعة من الترانيم والقصائد والمواعظ في الشعر، بالإضافة إلى التفسير الكتابي النثري. كانت لهذه الأعمال اللاهوتية تأثيرًا كبيرًا على بنيان الكنيسة في تلك الأوقات العصيبة. شاعت اعماله بين جميع الكنائس بصورة كبيرة، وتمت ترجمتها الى عدة لغات.
لكن، هذا لم يمنع ان تكون هناك أيضًا كُتب منحولة باسمه. يقول كين باري وهو أحَد مؤلفي كِتاب The Blackwell Dictionary of Eastern Christianity ان بَعْد مماته ولعدة قرون، كتبَ الكثير من الكٌّتاب المسيحين مئات من الكتب المنحولة باسمه.
في مقدمة كِتاب (تفسير سفر التكوين المنسوب الى القديس افرام السرياني) يقول الاب يوحنا ثابت: "هناك مخطوط رابع ينتمي الى التقليد عينه، لكنه غير ماروني بل يعقوبي" أي كتاب منحول باسم مار افرام النصيبينيّ تم تأليفه من قِبل أحَد الأشخاص في الكنيسة السريانية.
وهذا ما تؤكده أيضًا الباحثة Margaret Dunlop Gibson والتي ترجمت عَمَل العلاّمة القديس مار أيشوعداد في تفسيره الكِتاب المقدس بقولها: "ان المؤلفين السريان اليعاقبة منهم ديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي، قاموا بنسخ اعمال النساطرة ووضعوها باسماهم." وهناك ايضًا من يقول ان قراءة تفسير ابن الصليبي للكِتاب المقدس، يعني قراءة أيشوعداد. هذا غير الكُتب الأخرى التي قاموا بنسخها مثل اعمَال مار تيودور المصيصي ووضعوها باسماء أخرى، كما فعلوا ايضًا بكِتابات القديس مار إسحاق اسقف نينوى ومار يوحنا الدلياثي ومن قبلهم مار افراهاط ومار افرام النصيبينيّ وغيرهم من الكُتاب في كنيسة المشرق.
وكذلك الحال مع قديسي كنيسة المشرق، يقول مار ادي شير في كِتابه تاريخ كلدو واثور: "ان النساطرة لم ينسبوا إليهم قديسين يعقوبيين بل بالعكس نرى اليعاقبة عزوا الى نحلتهم كثيرين من القديسين النساطرة منهم اسحق أسقف نينوى وإبراهيم الكبير وباباي النصيبيني ويحنا بربنكايي ويوحنا دالياثا وإبراهيم نثبرايا."
على هذا النحو أيضا في النسخ اليونانية، يقول الأب جورج في مقالته Saint Ephraim the Syrian ان تأملات مار افرام العميقة في الإيمان المسيحي وموقفه ضد البدع جعلته مصدر إلهام شعبي في جميع أنحاء الكنيسة لدرجة أن هناك مجموعة ضخمة من الكُتب المنحولة لمار افرام. بعض هذه المؤلفات مكتوبة في شكل شعر، وغالبًا ما تكون هذه النسخة من مقطع قصير او مقطع سباعي. معظم هذه الأعمال مؤلفة لاحقًا إلى حَد كبير باللغة اليونانية.
في الكُتب المنحولة المنسوبة لمار افرام النصيبينيّ، والتي يستشهد بها الاخوة من الكنيسة السريانية، هناك نصوص تنقل الفكر العدائي الذي يحمله مار افرام تجاه الأمة الآشورية. في النص المنحول يقول مار افرام عن الآشوريين هذا القول: “ان الجحيم مليء بالسدوميين والآشوريين" وأيضًا في قصيدة أخرى يقول: " آشور الدنسة ام العاهرات، مصدر الزنى."
لدحض هذين النصيين المنحولين، علينا ادخالهما في عملية النقد الادبي، لنحاول استخلاص الأفكار الغير اللاهوتية والغير روحانية التي تتنافى مع أسلوب وفهم مار افرام للكُتب المقدسة ومع حياته النسكية.
الاسكتولوجية Eschatology
علم الاسكتولوجي هو فرع رئيسي في الدراسات اللاهوتية المسيحية، يتعامل مع الاحداث الأخيرة، سواء كانت نهاية حياة فردية أو نهاية العصر او نهاية العالم أو طبيعة ملكوت الله. بصورة عامة، علم الاسكتولوجي المسيحي يشدد على المصير النهائي للأرواح الفردية والنظام المخلوق بأكمله، بناءً على النصوص الكتابية في العهد الجديد. يتطلع إلى دراسة ومناقشة أمور مثل الموت والحياة الآخرة، الجنة والجحيم، المجيء الثاني ليسوع، قيامة الموتى، الضيقة، نهاية العالم، الدينونة الأخيرة، السماء الجديدة والأرض الجديدة في العالم الآتي.
في الفكر الاسكتولوجي لمار أفرام النصيبينيّ ما قصده الله للبشرية منذ البداية تحديد مفاهيم الشرْكة المباركة مع الثالوث الإلهي في الفردوس؛ وايضًا مقاصد الله الخلاصية للبشرية طوال التاريخ، وكيف حققها الله في تجسد المسيح الخلاصي، الموت، والقيامة؛ وما أتاحه الله للبشرية في الكنيسة؛ وما سوف يتممهُ في الاخر. وهكذا الفكر يمكن فهمه في مسيرة الانسان مع الله على أنّه تاريخ طويل من خلاله يحاول الله الرحيم مصالحة البشرية مع نفسه وإعادتها إلى عدن. وفي هذا الصدد، نرى الفكر الاسكتولوجي لمار افرام مليء بالاهتمامات الأخروية منذ البداية إلى النهاية. تصب اهتماماته على فكرة انّ الله يريد ان الجميع يخلصوا والتمتع بحضرته في الفردوس.
كان مار افرام حريصًا جدًا على ان تتوافق افكاره الاسكتولوجية مع التعاليم الكتابية. إذا راجعنا النصوص الاسكتولوجية في العهد الجديد سنجد تركيزها ليس التبشير بالدينونة، بل إدراك عَمل النعمة والحرية للخلاص.
زد على هذا، المفهوم الاسكتولوجي في الكِتاب المقدس المتعلق بالموت والدينونة والجنة والجحيم لم يحدد هوية الشعوب او الأشخاص الذين يتعذبون في الجحيم؛ لا يوجد عالم لاهوتي من آباء الكنيسة الأولى تحدثوا عن مصير الأمم او الطغاة بعد الموت، فكيف يُوقع مار افرام نفسه في هذا الخطأ بالقول: "ان الجحيم مليء بالسدوميين والأشوريين" زد على هذا، كان يجدر بكاتب النص ذكر البابليين بدل الآشوريين، لان خطيئتهم تجاه اليهود كانت أعظم من التي اقترفها الآشوريين.
كما قلتُ، طرح المفاهيم الاسكتولوجية لا يجب ان تتعارض مع المفهوم المسيحي. نعم، هناك حديث لمار افرام عن الجحيم والفردوس، تنطلق صياغتها على أساس اسكتولوجية السيد المسيح. على سبيل المثال، يقول مار افرام في كِتابه أناشيد الفردوس:
"يجلس أولاد النور في ذروة الفردوس. يرون خارجه الغني في الهاوية. فيرفع هذا طرفه لشاهد في الهاوية. فيرفع هذا طرفه ليشاهد لعازر ويستغيث به..... تتضرع الام الجاحدة الى ابنها...وخادمتها وابنتها المضطهدين من اجل الايمان. يسخر هناك المضطهدون بالمُضطهدين والمعذبون بالمعذبين.. (ترجمة المطران كوركيس كرمو).
هذه هي الفكرة الكِتابية في علم الاسكتولوجي التي لا يمكن تحديد هوية الأشخاص المعذبين في الجحيم هي نفسها التي صاغها السيد المسيح للتلاميذ، لان زمن الدينونة لم يأتِ لكي يُعذب مار افرام السدوميين والاشوريين في الجحيم. لذلك، إما انّ مار افرام لم يفهم هذا الشيء، او ان النص منحول وليس لمار افرام، والأخير أقرب الى المنطق. علاوة على هذا، السيد المسيح نفسه قال عن السدوميين ان حالتهم ستكون اهون من ذلك الجيل اليهودي الذي عاصر السيد المسيح ولم يؤمن به؛ ومار افرام ادرك هذا القول جيدًا ولم يتجاوز على قول السيد المسيح كما تدعيهِ هذه النصوص المنحولة بان السدوميين في الجحيم. يقول في كتاب أناشيد الفردوس عن الأشخاص الذين لم يُحدد هويتهم هذا القول: "في عدن من يودهم وفي شيول من يكرههم. تكون هناك أكثر وطأة من سادومه." لذلك، النص الذي تستخدمه الكنيسة السريانية منحول لأنه ببساطة يتنافى مع تعاليم الكتاب المقدس، بل يطعن في مصداقية تعاليم السيد المسيح الاسكتولوجية.
خطيئة الدينونة
بالرغم من ان مار افرام كان شاعرًا كنسيًا ومدافعًا لاهوتيًا ضليعًا الا انه كان روحانيًا متصوفاً. لم يكن من السهل، او من شبه المستحيل، ان يُوقع نفسه في خطيئة الدينونة على حساب شيء أخرى. لنعد بالنص الثاني التي فيها يقول " اشور الدنسة ام العاهرات، مصدر الزنى."
الم يكن يدرك مار افرام النصيبينيّ ان هذا القول يتنافى مع التعاليم الكتابية. اليست آشور بقية شعب الله الذي سيرجعها مع مصر... وتكون سكة لبقية شعبه التي بقيت من آشور كما كان لإسرائيل يوم صعوده من ارض مصر.. ثم يأتي الاشوريين الى مصر والمصريون الى آشور، ويعبد المصريون مع الاشوريين ويكن إسرائيل ثلثاً لهما؟ اليس الاشوريون هم صنعة يد الرب، فيكف يتجاوز مار افرام على هذه الصنعة التي هو نفسه قال عنها في احدى مياميره:
"بواسطة مُرسليه استعبدَ احاز نفسه لآشور (اثور) وقد خضعوا لك ]أيّ الاشوريون[ من قبل مُرسليهم وسجدوا لقضيب شبل الأسد (المسيح)... لك أيها المسجود سجدَ الاشداء الذين كانوا يُسجد لهم." (مروج النزهية)
وفي موضع اخر يقول مار افرام عن صوم أبناء نينوى (الآشوريين) هذا القول:
"حتى الجبابرة ترتعب من صيت اشور العظيم. نحن الذين انتصرنا على اقوام مثيرة، أيغلبنا هذا العبراني. ان زمجرة صوتنا تخيف الملوك، كيف يقلقنا صوته؟ لقد سحقنا بلدانا كثيرة، كيف له ان ينتصر علينا في بلادناّ؟"
بالطبع، بسبب ان هذه النصوص لا تشتم الامة الآشورية سوف يعتبرها البعض منحولة اذ انها تتقيد بمبادئ تعاليم الكتاب المقدس.
التاريخ
في الزمن الذي عاش فيه مار افرام الشماس، عاصرَ اضطهادات كثيرة ضد المسيحين من قِبل الفرس. الاضطهاد الفارسي على يد شابور الثاني كان الأسوأ في تاريخ الكنيسة، فهل يُعقل ان يغفل مار افرام الفرس الذين اضطهدوا المسيحين امام عينه بصورة بشعة ليصب جام غضبه على الاشوريين او على اشور؟ أيضًا هل يُعقل ان لا نسمع مار افرام يتكلم عن مصير الهراطقة في الجحيم أمثال المانويين، والأريوسيين، واتباع أبوليناريوس اشد اعدائه، لكننا نراه يشتم ويطرح الأشوريين في الجحيم بسبب انهم آشوريين. اين المنطق؟
النصوص في كنيسة المشرق
وفي المقابل، لو كانت، كما يزعم البعض، قومية أبناء كنيسة المشرق سريانية او آرامية، فلماذا اذاً نجد هذه النصوص الافرامية المسيئة للآشوريين في كنيسة السريان فقط ولا نجد لها أثرًا في كنيسة المشرق؟ ان كنا سريانًا لكنا نهجنا النهج اليعقوبي نفسه في الإساءة للآشوريين وطرحناهم في نار جهنم بغض النظر عن الاختلافات العقائدية التي بين كنائسنا، فبطبيعة الحال عدونا واحد وهو آشور. لكن، لكي يدرك القارئ الكريم بان هذه النصوص منحولة، لن تجد أثرًا لها في كتابات الآباء الذين سبقوا مار افرام النصيبينيّ ، كأفراهاط الحكيم على سبيل المثال.
الخاتمة
لذلك، من المستحيل لقديس نظير مار افرام ان يخالف التعاليم الكتابية ويخطئ الى الله بشتمه للامة التي باركها الله. ولا يمكن لهذا القديس ان تتعارض أفكاره الاسكتولوجية مع التعاليم المسيحية. كما قلت أعلاه، ان مناقشة أمور الموت والحياة الآخرة، الجنة والجحيم، موجودة في صلب الكتاب المقدس، لكن، تحديد هوية الأشخاص المعذبين ليست كتابية، ولا اعتقد بان مار افرام النصيبينيّ كان يجهل ذلك. من ناحية أخرى، ان ما قاله في هذه النصوص التي تسيء الى الامة الآشورية، لا تُسيئ فقط الى سمعته كعالم لاهوتي وروحاني متصوف، لكنها تسيئ ايضًا الى تعاليم الكتاب المقدس بصورة عامة. لذلك، اقولها مرة أخرى، هذه النصوص منحولة ولا تمت لمار افرام النصيبينيّ باي صلة.