المحرر موضوع: في شجون القضاء الوطني والدولي  (زيارة 594 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1289
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في شجون القضاء الوطني والدولي
عبدالحسين شعبان
2009-07-20
طرحت قضية دارفور والانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها السكان الأبرياء العزّل مسألة ملاحقة المرتكبين، لاسيَّما بشأن توصيف الجرائم، موضوع القانون الدولي الإنساني والعلاقة بين القضاء الوطني والقضاء الدولي على بساط البحث، خصوصاً بعد دخول نظام محكمة روما الأساس «المحكمة الجنائية الدولية» حيّز التنفيذ العام 2002، وما تركته من ردود فعل متباينة، لاسيَّما للنظر إلى وسائل وآليات تحقيق العدالة الدولية.
فما الذي يستهدف القانون الدولي الإنساني؟ وما السبيل لتطبيقه؟ سؤال طالما يُطرح حين يواجه المجتمع الدولي انتهاكات سافرة وصارخة لحقوق الإنسان، لاسيَّما خلال النزاعات الدولية المسلحة، وإذا افترضنا النقص أو القصور في القوانين الوطنية، فإن الرغبة انصبّت على استكمال ذلك عبر القانون الدولي الإنساني، وبشكل خاص عبر القضاء الدولي.
والجواب عن السؤال يتطلب البحث في دائرة ونطاق اختصاصات القانون الدولي الإنساني، فهو يستهدف أولاً وقبل كل شيء حماية الضحايا، الأمر الذي تكرّس دولياً بإقرار اتفاقيات جنيف في 12 أغسطس 1949، أي بعد 4 سنوات من التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو في 25 يونيو 1945، وقد استكملت اتفاقيات جنيف عام 1977 بإبرام بروتوكولين إضافيين ملحقين بها، وهما البروتوكول الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والبروتوكول الثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية غير المسلحة.
جدير بالذكر أن اتفاقيات جنيف وملحقيها تعتبر محور القانون الدولي الإنساني وبخاصة إزاء حماية الضحايا، ولربما هذا هو الذي أكسبها الصفة الرمزية والاعتبارية؛ حيث صادقت عليها جميع دول العالم البالغة 194 دولة، وسيحتفل العالم بالذكرى الـ60 للتوقيع عليها خلال الأيام القريبة المقبلة، علماً بأن إسرائيل كانت قد عارضت بشدّة عقد اجتماع للأمم المتحدة «المقر الأوروبي» في جنيف بمناسبة الذكرى الـ50 لإبرامها وتذرَّعت بأن هذه الاتفاقيات لا تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيكم عمَّا ذهب إليه البروتوكول الأول من منح الحق في مقاومة المحتل، واعتبار الاستيطان جريمة ضد السلم والأمن الدوليين، وهو ما ذهبت إليه اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية.
ولم يكن للحكومة السويسرية (المودعة لديها الوثائق) إلا الاعتذار من الضيوف المدعوين بمن فيهم بعض خبراء المجتمع المدني، بعد 10 دقائق من إعلان افتتاح الاجتماع الاحتفالي، ولم يكن ذلك بالطبع بمعزل عن ضغوط الولايات المتحدة ومساعيها لإلغاء الاجتماع، الذي كان كاتب السطور يحضره بصفته الحقوقية، ولعمري تلك إحدى السوابق الدبلوماسية الدولية الخطيرة التي لم يكن للأمم المتحدة عهدٌ بها؛ إذ لم يصادف أن تدعو إلى اجتماع وتحضّر له بضعة أشهر، ثم تقوم بإلغائه بعد وصول المدعوين وبعد إعلان افتتاحه بـ10 دقائق.
أما العنصر الثاني فيتعلق بقانون الحرب، أي تنظيم وسائل وأساليب القتال وبالتالي حقوق وواجبات الدول في هذا الميدان، في حين ذهب العنصر الثالث للاختصاص بالجزاء والإجراءات والوسائل التي يمكن اعتمادها لمساءلة ومقاضاة المرتكبين، لاسيَّما للانتهاكات الجسيمة، وهو ما ذهبت إليه اتفاقيات جنيف حين تحدثت عن الضحايا والمعاهدات والاتفاقيات الدولية عن سير العمليات الحربية، إضافة إلى القواعد القانونية التي يمكن بواسطتها إنزال الجزاء بالمرتكبين. وكان ذلك موضوع بحث معمق من جانب الخبير الدولي في اللجنة الدولية للصليب الدكتور عامر الزمالي، في ندوة نظمها اتحاد الحقوقيين العرب في صنعاء بالتعاون مع اللجنة الدولية، وحضرها خبراء عرب ودوليون.
وقد حددت اتفاقيات جنيف نوعين من الانتهاكات: الأولى حين تركتها من دون وصف، وجاءت على نحو عمومي وغير محدَّد. أما النوع الثاني فهو يتعلق بالانتهاكات الموصوفة تحديداً، والتي تستوجب منعها ووضع حدٍّ لها وتجريم مرتكبيها وفقاً للمعايير القانونية والقضائية الدولية والوطنية. وقد حددت اتفاقيات جنيف هذه الانتهاكات حصرياً وذلك بإعادة تكرار مادة مشتركة بالاتفاقيات الأربع (المادة 50 بالاتفاقية الأولى والمادة 51 بالاتفاقية الثانية، والمادة 130 بالاتفاقية الثالثة، والمادة 147 بالاتفاقية الرابعة).
وإذا كانت الانتهاكات الجسيمة تتعلق بالجرائم ضد السلم والأمن الدوليين وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مثل جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم العدوان، فإن الانتهاكات غير الجسيمة أو غير الموصوفة، تتعلق ببعض التصرفات التي تنال من حقوق أسرى الحرب، ورغم أن هذه الانتهاكات مُدانة فإن حجيتها القانونية لا ترتقي إلى الانتهاكات الجسيمة الموصوفة.
وقد كان أمام المشرّع الدولي الذي وضع اتفاقيات جنيف، كخلفية فقهية النظامين الأساسيين لمحكمتي نورنبيرغ وطوكيو، وبعض أعمال المؤتمر الدبلوماسي للجنة الدولية للقانون الدولي، والأمر يتعلق بتحديد وتوصيف الجرائم، فضلاً عن البحث في آليات الجزاء، وقد حددت اتفاقيات جنيف قائمة بالأعمال التي تعتبر جرائم حرب وهو ما ذهب لتوسيعه وتعميقه في البروتوكول الأول الملحق بها الخاص بالنزاعات الدولية المسلحة، وهو ما حددته المادة 85 بوصف الانتهاكات الجسيمة، وقد استكملت المادة 11 من البروتوكول الأول قائمة إضافية لكي تندرج ضمن الانتهاكات الجسيمة، وقد انعقدت محكمتا يوغسلافيا ورواندا 1993 و1994 وفقاً لنظام خاص وقرار من مجلس الأمن الدولي بملاحقة المرتكبين للانتهاكات الجسيمة وتقديمهم للمحاكمة، علماً بأن المحكمتين ستنتهيان خلال العامين المقبلين.
والفرق بين الانتهاكات الجسيمة وغير الجسيمة كما ذهب إليه البروتوكول الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية هو أن الانتهاكات الجسيمة تتطلب إنزال العقاب بالمرتكبين، في حين أن الانتهاكات غير الجسيمة تذهب إلى تأكيد التحريم دون التجريم. وإذا كان الوضع الدولي، لاسيَّما فيما يتعلق بالجانب التعاقدي قد طرأ عليه تحسن نسبي منذ 60 عاماً، فإن هوة سحيقة لا تزال تفصل القانون عن الواقع، والواقع عن العدالة، الأمر الذي يتطلب تكييف القوانين الداخلية «الوطنية» لكي تنسجم مع القوانين الدولية، وسن تشريعات بهذا الخصوص، لاسيَّما الالتزام بمساءلة المرتكبين بالملاحقة والتسليم، فضلاً عن التعاون مع القضاء الدولي في حال عدم تمكّن القضاء الوطني من متابعة إجراء إنفاذ العدالة.