المحرر موضوع: عندما تسقط الاقنعة: الكنيسة الكلدانية ومار باوي - القسم الاول  (زيارة 4541 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الخوري عمانوئيل يوخنا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 418
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عندما تسقط الاقنعة...
نقاش هادئ للحركة الانشقاقية لنيافة الاسقف مار باوي

الجزء السادس: القسم الاول
الكنيسة الكلدانية ومار باوي

لقراءة الجزء السابق، انقر على هذا الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,47417.0.html

المشهد الاول:
لم يكن ينقضي اكثر من شهرين على مشاركة كاهن الكنيسة الكلدانية في شيكاغو الخوراسقف ادور بيكوما في العشاء الاحتفائي بالذكرى السنوية لرسامة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع، بطريرك كنيسة المشرق الاشورية ورئيس مجمعها السنهاديقي المقدس، حيث جاءت مشاركته ثالثا في تسلسل ضيوف المادبة بعد الخوري ابرم دي باز (خوري القلاية البطريركية) والخوري اويقم بثيو (راعي كنيسة المشرق القديمة في شيكاغو) (ص8 من مجلة قالا من مدنخا عدد ت1 – ك1 2005)، ولم تكن تنقضي عدة اسابيع على قرار المجمع السنهاديقي المقدس وباجماع اعضاءه وبرئاسة قداسة البطريرك مار دنخا بايقاف الاسقف مار باوي بعد اصراره على رفض كل الخيارات والتوافقات الاخرى، قام الاب بيكوما بفتح ابواب كنيسته ليستقبل فيها استقبال الفاتحين نيافة الاسقف مار باوي وهو يخطو اول خطواته التصعيدية ضد كنيسة المشرق واول حملاته التاليبية لدعم التمرد والانشقاق في الكنيسة، وهي الخطوة المتمثلة بالدخول الى الابرشية البطريركية واقامة الخدمات الكنسية فيها في خطوة لها مغزاها واهدافها التي شاركه فيها الاب بيكوما بكل قناعة وارادة ووعي بفتح ابواب الكنيسة والرعية للاسقف الموقوف والاحتفاء معه وبه اسقفا في كنيسة رسولية في تحد واضح للمجمع السنهاديقي المقدس لكنيسة المشرق.
ان ابسط المعايير والالتزامات السلوكية، على الاقل الشخصية منها تجاه قداسة البطريرك مار دنخا، لا تبرر للقس بيكوما فعلته.

المشهد الثاني:
بعد ستة اشهر من قرار المجمع المقدس بايقاف مار باوي، وبعد اصرار الاخير على التمرد واعلان شق الكنيسة والانشقاق عليها، وكجزء من حملة التبشير بكنيسته الجديدة وانجاز الفتوحات لها سافر نيافته الى استراليا بهدف معلن هو زيارة عائلته، وهو حق له وللجميع، وليدشن هناك حملة تقوم عناصرها على عدة عوامل منها: العلاقات العائلية والعشائرية، الدعم الكامل من كنيسة المشرق القديمة، المواقف المتعلقة باحداث سابقة بين الجالية في سدني، الدعم الاعلامي والسياسي المعروف وغيرها، وبهدف واحد اوحد هو شق الكنيسة وبلبلتها قدر الامكان. ولهذا الهدف وظف نيافته العوامل السابقة وحاول توظيف الكنيسة الكلدانية ايضا فالتقى بالاب زهير راعي الكنيسة الكلدانية في سدني طالبا منه اقامة القداس في الكنيسة الكلدانية، ولياتيه الجواب صاعقا بالرفض القطعي اعتمادا على حقيقة ان ما يهم الكنيسة الكلدانية ورعيتها في سدني هو علاقات الاحترام والاخوة مع ابرشية كنيسة المشرق الاشورية والتي لا يجوز التفريط بها بسبب اسقف موقوف زائر.

المشهدان متناقضان تماما ويثيران حيرة المتابع لهما خاصة وانهما يصدران عن الكنيسة الكلدانية وهي مؤسسة نتوقع منها ان تكون متجانسة ومتناغمة خاصة وهي الكنيسة-المؤسسة التي يشهد تاريخها بعمل مؤسساتي ملتزم ومنضبط. كما يثيران سلسلة من الاسئلة عن كلا المشهدين وخلفياتهما واهدافهما ونتائجهما وغيرها.

اي الموقفين يمثل الكنيسة الكلدانية؟
اكثرية مشاهدي المشهدين يميلون الى اعتبار المشهد الاول على انه الاقرب الى موقف المؤسسة الكنسية اعتمادا على حقيقة وجود مرجعية اسقفية للاب بيكوما، ويمثلها نيافة الاسقف مار ابراهيم ابراهيم في ديترويت، والتي لا يمكن الاعتقاد ان الاب بيكوما وافق على فتح ابواب كنيسته دون استشارتها وموافقتها.
اضافة الى اهمية وحساسية وخصوصية رعية شيكاغو التي يدركها الاب بيكوما والتي على اساسها لا يمكن ان يكون قد حدد موقفه دون الرجوع الى مرجعيته الاسقفية.

المشهد الثالث:
على اية حال فان افتراض مشهد ثالث قد يضع النقاط على الحروف ويقدم اجابة يقينية.
بالتاكيد ان جميعنا لم ولا ولن يتمنى هذا المشهد الافتراضي الذي نطرحه فقط للتوضيح.
المشهد الافتراضي يقول ان المجمع المقدس للكنيسة الكلدانية وباجماع اراء اعضاءه وبرئاسة غبطة البطريرك يقرون ايقاف احد الاساقفة الكلدان بعد رفضه جميع الخيارات التي يقدمها له المجمع لتلافي ما للاسقف من اشكالات مع ابرشيته ومع مرجعيته الكنسية ومع مواقف الكنيسة ككل. وليعلن الاسقف رفضه للقرار السنهاديقي والتمرد عليه ووضع اليد على ممتلكات الكنيسة الكلدانية في ابرشيته وللاستمرار في ممارسة صلاحياته المنزوعة منه والتعبئة الجماهيرية ضد الكنيسة والاساءة الى اباءها، وغيرها..
تقوم، افتراضيا ايضا، كنيسة المشرق الاشورية بفتح ابواب كنائسها للاسقف الموقوف والاحتفاء به واستقباله استقبال الاباء الاجلاء رغم امتعاض ورفض الكنيسة الكلدانية لذلك.
ماذا كانت ستكون مواقف الكنيسة الكلدانية ابتداء برعيتها المعنية الى الابرشية الى السدة البطريركية الى المرجعية البابوية وسفراءها في الدول المعنية.
اجزم يقينا ان جميع القراء قد تصوروا صورة لما كان سيحصل.. وهو كان سيكون حقا مشروعا للكنيسة الكلدانية ومرجعيتها المتمثلة في الكرسي الرسولي.
قال الحكماء: التاريخ يكتبه المنتصرون..
ونضيف بالقول: المعايير يفرضها الاقوياء..


ما هو دور الكنيسة الكاثوليكية في تمرد مار باوي؟
سؤال يفرض نفسه على المشهد الكنسي وحركة التمرد والانشقاق القائمة. وليس محتما على الكنيسة الكلدانية ان تجيب عليه كونه يتضمن افتراضا لا اجماع عليه عن وجود هذا الدور المفترض اساسا.

كثيرون، ويمكن القول انهم الاكثرية، بين اكليروس وابناء كنيسة المشرق الاشورية يعتقدون ويكادوا يجزمون بان الكنيسة الكاثوليكية كان لها دور في دفع مار باوي لايصال الامور الى ما وصلت اليه.
تبني هذه الاكثرية نظرتها على ان تاريخ الكنيسة الكاثوليكية وتعاملها مع الكنائس المسيحية يقوم على قضم هذه الكنائس كل ما كان الى ذلك سبيلا. وانهم لا يرون اختلافا بين اليوم والامس عندما انشقت الكنيسة الأم والتحق جزئها الاكبر مع الكنيسة الكاثوليكية، حتى ان هناك من يسمي مار باوي بيوحنا سولاقا الثاني.
ويضيفون ان ذلك ليس خاصا بكنيسة المشرق الاشورية بل هي "عادة" و"طبيعة" متاصلة في النهج والعقيدة الكاثوليكية وممارساتها مع جميع الكنائس الرسولية، القبطية، الارمنية، السريانية، وغيرها..
ويعتقدون ان المسالة هي مخطط بدأ مع رعاية مار باوي ودراسته الكاثوليكية حيث عملية "غسل الدماغ" وزرع القناعة العقائدية عنده بان الالتحاق مع الكرسي الرسولي هو شهادة لا بد منها لاثبات مسيحانية الكنيسة المشرقية واتمامها للوصية الربانية في المحبة والاتحاد، وانه من دون هذه الشراكة والاتحاد الكامل مع الكرسي الرسولي فان الكرسي البطريركي المشرقي، وبقية البطاركة، لا يمتلكون الشرعية والاهلية الكاملة. (راجع رسالة نيافته الموجهة الى المجمع السنهاديقي المقدس..
انقر لقراءتها:
http://www.capiraq.org/111/MarBawaiLetter.pdf

وما يبرهن على صحة معتقدهم، كما يرون، هو المخطط الذي التزمه مار باوي وعرضه على الكهنة الدارسين في روما والهادف الى الاعداد والتاهيل الاكليروسي والاداري والشعبي لالحاق الكنيسة المشرقية الاشورية بالكرسي الرسولي خلال عشرة اعوام ابتدات بعد اسبوعين من مؤتمر بغداد القومي عام 2003 وبغض النظر عن قبول او رفض مجمع كنيسة المشرق لذلك.
(انقر لعرض الوثيقة-الخطة بالانكليزية: http://www.capiraq.org/111/Mar_Bawai_Plan.pdf
بالعربية (ترجمة): http://www.capiraq.org/111/Mar_Bawai_Plan_Ar.pdf

وتتعزز قناعة هذه الاكثرية بادخال البعد القومي في القضية، حيث ان اكثرية هذه الاكثرية هم اناس قوميون اشوريون يؤمنون بالوجود القومي والحقوق القومية والسياسية للشعب الاشوري، وهو امر طبيعي ومشروع.
الا انهم وفي مواجهة ما في واقع العمل القومي من احباطات واخفاقات من جهة، وبحكم التاثر الكبير، كعموم ابناء الشرق وشعوبه، بنظرية المؤامرة التي تسمح لحامليها ومروجيها بتنزيه الذات عن الخطأ وتزكيتها من الضعف وتصويرها ضحية افعال تامرية كيدية ليس إلا، فقد تبنى هؤلاء ان مار باوي ومن وراءه الكنيسة الكاثوليكية (الرومانية والكلدانية) كانوا جزءا من هذه المؤامرة لشق الشعب الاشوري وتشتيت جهوده واضاعة فرصه والهاءه بمشاكل لم تكن موجودة لولا هذه المؤامرة، ومن بينها بل وفي مقدمتها موضوع التسمية!!
الكثير من ابناء شعبنا يزيح نظره عن حقيقة واقعنا القومي وما فيه من مواطن ضعف وخلل ذاتية موروثة وتراكمية وعوض ذلك يتبنى نظرية المؤامرة القائلة بان هذا الشعب لم يكن ممكنا لـ "عظمته" و"تفوقه" و"تاريخه" و"قوته" ان يعيش هذه الاخفاقات والاحباطات لولا تآلب المتامرين الذين يبتداون من تل ابيب (انتقاما من سنحاريب ونبوخذنصر!!) مرورا باربيل (حيث الاخوة الاعداء!!) الى واشنطن ولندن (حيث الامبريالية العالمية!!) دون ان ننسى الفاتيكان (حيث مطبخ الموامرات!!)، فهؤلاء جميعا وبغض النظر عن التقاء او تقاطع اجنداتهم وبغض النظر عن الواقع السياسي الدولي وتهديدات العصر المختلفة فانهم يلتقون في العمل للقضاء على الشعب الاشوري الذي يقض مضاجعهم، وتقسيم كنيسة المشرق هو المؤامرة الكبرى بين مؤامراتهم!!
بين هذه الاكثرية وتحت خيمتها ايضا يحتمي من يلتزم مواقفا ظاهرها حماية كنيسة المشرق الاشورية والذود عنها وباطنها الانتقام والاساءة الى الكنيسة الكلدانية بسبب موقف مرجعياتها من موضوعة التسمية القومية.
(مثلما هناك (كما سنرى) بين الكنيسة الكلدانية وابناءها من يقف مع مار باوي في مواقف ظاهرها دعم توجهاته وفي باطنها ومنشأها مواقف من قضية التسمية).
حقيقة الامر ان موضوعة التسمية وصراعاتها انعكست بشكل واضح في تمرد مار باوي والموقف منه دعما او رفضا.

وهناك قليلون من الاكليروس وابناء كنيسة المشرق، وبينهم كاتب السطور، ممن يؤمنون ان الكنيسة الكاثوليكية بريئة من توجهات مار باوي ومخططاته ومواقفه.
الكنيسة الكاثوليكية اليوم، وتحديدا من بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، كنيسة تعيش عصرها وتتحمل مسؤولياتها، وتعي تماما حقيقة المخاطر والتهديدات التي تواجهها الكنائس المسيحية في شتى انحاء العالم وتحديدا الكنائس المسيحية الرسولية في الدول الاسلامية حيث يتعرض الوجود المسيحي لخطر الفناء والزوال مع تصاعد الاسلام الاصولي والسياسي ومع ما تعيشه هذه الدول من حروب وعدم الاستقرار السياسي والتخلف الاقتصادي والثقافي والتراجع الكبير فيها لقيم التسامح والشراكة الوطنية مما دفع مسيحيوها، وهم اقوام اصيلة لهذه الاوطان وليسوا جاليات طارئة فيها، الى الهجرة نحو الغرب والمنافي.
الكنيسة الكاثوليكية تدرك وتعلن ذلك صراحة ان هذا الواقع وهذه المخاطر تتطلب العمل المشترك لمواجهة مصير القارب المشترك لمسيحيي هذه الاوطان وهم يتعرضون لامواج هذا البحر الهائج.
مثلما هي كنيسة تعيش عصرها المسيحاني والروحي لجهة قبول الاخر والاعتراف به وبخصوصيته.
الكنيسة الكاثوليكية اليوم لم تعد تفرض اطارا عقائديا واحدا وتشترطه دليلا وبرهانا على مسيحانية غير الكاثوليك.
بل وخطت خطوات اكبر في هذا السياق، منها اعترافها باخطاء الماضي وتقديمها الاعتذار عنها.
ان كنيسة يرشدها ويهديها الرح القدس بهذا الشكل الذي يتلمسه الجميع، مؤمنين وغير مؤمنين، مسيحيين وغير مسيحيين، كاثوليك وغير كاثوليك لا يمكن لها، كمؤسسة، ان تعمل من اجل قضم وتفتيت كنيسة رسولية شقيقة هي كنيسة المشرق الاشورية، بل وعلى العكس فان ما نتوقعه، وما هو حاصل فعلا، ان الكنيسة الكاثوليكية معنية بتقديم الدعم لكنيسة المشرق لحماية ذاتها ووجودها واصالتها.
ولعل ما كشف عنه لقاء وفد كنيسة المشرق مع الدوائر المعنية في الفاتيكان بعد ايقاف مار باوي يعطي الكثير من الحقائق والمدلولات التي تؤكد ما نقوله.
http://assyrianchurchnews.com/index.php?modul=news&iy=13

لا يمكن لاحد انكار حقيقة توجهات ورغبات مار باوي في ضم كنيسة المشرق الاشورية الى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فهذا امر تؤكده العديد من المؤشرات، بدءا بخطة العمل التي تبناها نيافته والتي وضع اطارها وتفاصيلها في نوفمبر 2003 وانتهاء بمضمون وفحوى الرسالة الموقعة من نيافته الى المجمع السنهاديقي الاخير ومرورا بمحطات عديدة اكثرها تعليمي وتبشيري بمواقفه العقائدية.
ولكن ليس في الوقائع ما يبرر تاويلها على انها خطة ومؤامرة وتدبير من الكنيسة الكاثوليكة.
حقيقة الامر انها مواقفه ورؤيته وخطته هو، ولا يجوز تحميلها على الكنيسة الكاثوليكية الرومانية او الكلدانية. فعندما يكون الرجل بابويا اكثر من البابا، فان البابا لا يتحمل التبعات.

وصحيح ايضا ان توجهاته العقائدية ومواقفه العملية خلال فترة ما قبل الايقاف وبعده والممتدة الىاليوم هي توجهات ومواقف مدعومة من قبل بعض الاساقفة كلدان، ولكن ذلك ايضا لا يحمل مسؤولية الامور على المؤسسة الكنسية الكلدانية بقدر ما هي مواقف وتوجهات للاساقفة المعنيين ليس إلا.
خلاصة القول ان الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكلدانية لم يكونا لهم دور في دفع مار باوي وتبنيه لخطط وبرامج عمل لضم كنيسة المشرق الى الكرسي الرسولي، ولم يكونا لهم دور في دفعه الى التمرد والعصيان على كنيسته ومحاولة شقها، بل هي جميعا توجهات ومواقف التزمها واعتمدها نيافته بناء على قناعاته العقائدية من جهة وعلى قراءته الشخصية لواقع الكنيسة من جهة اخرى، وعلى مشاركته (من منطلق التقاء المصالح والحاجة المتبادلة) مع توجه سياسي معروف، اجتمعت جميعا مع طموحاته الشخصية.
نيافة مار باوي، والاساقفة الكلدان الذين دعموه بصفتهم الشخصية، والتوجه السياسي الذي شاركه التخطيط والتنفيذ هم وحدهم يتحملون المسؤولية التاريخية في دوافع ومظاهر ونتائج هذا التمرد.
ولا يمكن، برايي، باي حال من الاحوال تحميل المؤسسة الكنسية الكلدانية هذه المسؤولية.

ما هو موقف الكنيسة الكلدانية من تمرد مار باوي؟
بعكس السؤال السابق، فان هذا السؤال هو مشروع لا بد للكنيسة الكلدانية ان تجيب عليه من حيث الممارسة العملية وليس بالضرورة من خلال موقف او بيان معلن رغم ان ذلك يكون الخيار الافضل لتوضيح الرؤى والمواقف بعد ان قام راعي الكنيسة الكلدانية في شيكاغو بالاحتفاء بمار باوي بكل ما يعنيه ذلك من موقف له معناه لجهة عدم الاعتراف وعدم الاحترام لمقررات المجمع المقدس لكنيسة رسولية شقيقة، بل ويصبح طلب تحيد الموقف، عمليا او رسميا، مطلبا اكثر الحاحا بعد ان قام الاب يوشيا صنا بتقديم شهادته في المحكمة في مسالة ممتلكات الكنيسة ووضع مار باوي يده عليها، وبعد ان وجهت كنيسة المشرق الاشورية رسالة الى بطريركية الكنيسة الكلدانية طالبة فيها توضيح الامور.

الموقف المبدئي والمنطقي يقول بان على جميع مؤسساتنا ومرجعياتنا الكنسية الرسولية ان يحترم بعضها الاخر.
ومن اول مظاهر ومترتبات هذا الاحترام ان تحترم وتقر بشرعية المؤسسة المرجعية للكنائس الشقيقة وبخاصة مجامعها السنهاديقية المقدسة ومقررات هذه المجامع.
ان احترام كنيسة رسولية تدرك المعنى العقائدي للمجمع السنهاديقي لمجامع الكنائس الرسولية الشقيقة انما هو احترام للذات قبل ان يكون احتراما للمقابل.
والاساءة، باي شكل من الاشكال، الى المجامع السنهاديقية للكنائس الرسولية الشقيقة هو اساءة الى الذات قبل ان يكون اساءة الى الاخر.
هذه برايي مواقف مبدئية كنا نتوقع، وما زلنا نتمنى، ان يتم التزامها من قبل كافة كنائسنا الرسولية المقدسة (الكلدانية، المشرق الاشورية، المشرق القديمة، السريانية الارثوذكسية، السريانية الكاثوليكية وغيرها).
ان التفريط بهذا المبدا وتبني مواقف داعمة، باي شكل من الاشكال، لشخص (ايا كانت رتبته الكنسية) على حساب الكنيسة الشقيقة انما هو موقف غير مسؤول مهما كانت تبريراته.
ما يفرضه علينا ايماننا وعقيدتنا ككنائس رسولية، ما يفرضه علينا واقعنا كمجتمعات، هو ان نقف مع المؤسسة الكنسية في محاولات الاساءة اليها وشقها واستنزاف قوتها.
فلا حياد تجاه الانقسام والتشرذم.. ولا حياد تجاه التمرد والعصيان.. ولا حياد تجاه استنزاف الجهد والطاقات.. ولا حياد تجاه نشر الخصومات والكراهية..


واذا كان واقع حال بعض مؤسساتنا ومرجعياتنا واكليروسنا الكنسي بسبب ضعف الادارة او الفوضى المؤسساتية او الانتقام او التنازل عن القرار لصالح جهات سياسية يمنعها من اتخاذ مواقف مبدئية واضحة من التمرد والانشقاق فان الحياد وعدم التدخل هو اضعف الممكن.
ومن المؤلم ان يكون البعض في كنائسنا اضعف من يتبنى هذا الموقف الاضعف.
وقد تناولنا في القسم السابق الموقف غير المبرر لبعض رعيات كنيسة المشرق القديمة، والموقف ذاته ينطبق على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في بعض رعياتها وبعض مواقفها التي نتمنى ان تكون شخصية فردية بحتة مثلما نتمنى ان تتم معالجتها بما يليق بالشراكة الاخوية للكنيستين الشقيقتين وان كانت المؤشرات لا تبشر خيرا.

ادناه ثلاثة مواقف لا تتوافق مع حقيقة العلاقة الاخوية المسيحية بين الكنيستين الكاثوليكية الكلدانية والمشرق الاشورية اللتان تشتركان بذات التقليد الرسولي:

اولا:
لا يمكن وتحت اي نوع من الذرائع تبرير قيام الاب بيكوما بفتح ابواب الكنيسة الكلدانية في شيكاغو للاسقف مار باوي، وبخاصة مع ما تحمله شيكاغو من قيمة اعتبارية كونها الابرشية البطريركية مما يمنح لخطوة مار باوي بالدخول اليها وخطوة الاب بيكوما بدعم مار باوي مدلولات ومغزى ابعد واعمق.
لقد سبق لنا اسقاط المبررات المعلنة من قبل كنيسة المشرق القديمة في فتح ابواب كنيستها في شيكاغو لمار باوي، فكم بالاحرى مع الكنيسة الكلدانية التي ليس لكاهنها او مرجعيته الاسقفية تبريرات مماثلة.
التبرير الوحيد القائل بان ابواب الكنيسة مفتوحة امام الجميع هو تبرير مرفوض ولا يمكن قبوله، ويكفي ان نكرر اختصارا ماذا لو كان الاسقف الموقوف هو اسقفا مارونيا او سريانيا كاثوليكيا او سريانيا ارثوذكسيا.. فهل كان الاب بيكوما سيفتح ابواب كنيسته له ويحتفي به؟
سؤال نتركه للقارئ، وان كنا نسمع صدى الاجابة الان في قلوب وعقول القراء.

وكما تساءلنا عن اسباب عدم مشاركة الخوري اويقم في تقديم تهاني عيدي الميلاد والقيامة الاخيرين (بعد فتحه باب الكنيسة لمار باوي) لسيدنا البطريرك مار دنخا، فاننا نطرح ذات السؤال على الاب بيكوما الذي كان في مقدمة ضيوف شرف مادبة العشاء للذكرى السنوية للرسامة البطريركية (قبل ايقاف مار باوي).
الا يقول هذا شيئا؟ اليس لسان حال الاب بيكوما (كما الخوري اويقم) يقول انه اساء الى علاقة الاحترام التي كانت قائمة وسائدة مما يجعله محرجا حتى في المشاركة بتهاني عيدي الميلاد والقيامة.

ثانيا: مار باوي بعد ايقافه وتمرده وخروجه على مرجعيته الكنسية اقدم على خطوة هي سابقة في تاريخ الايقافات الاسقفية عندما وضع يده على ممتلكات الكنيسة (كنائس، قاعات، دور كهنة، وعقارات اخرى) التي اوقفه مجمعها السنهاديقي ووجه رسالة تحريرية بهذا الغرض الى الكنيسة محذرا اياها من التقرب الى هذه الممتلكات لانه يستدعي الشرطة لحمايتها وطالبا من الكنيسة المطالبة بها عبر القضاء الامريكي.
وهي عملية لا يمكن توصيفها الا بالسرقة.. سرقة الممتلكات.. سرقة الضمائر.. سرقة النوايا.. سرقة ايمان ابناء الكنيسة ممن تبرعوا لهذه الممتلكات التي شيدتها الكنيسة حتى من قبل رسامة مار باوي اسقفا فيها، والكثير منهم انتقلوا الى الحياة الاخرة قبل الازمة.
لن نناقش هذا المحور لاننا سنخصص له مقالا خاصا.
ما يهمنا هنا هو انه بحسب اجراءات المحاكم الامريكية فان طرفي القضية يحق لهم تقديم شهادات لخبراء لدعم مواقفهم في المحكمة.
كنيسة المشرق قدمت شهادة لكاهن كاثولكي امريكي هو الاب الدكتور كودا (Paul Joseph Goda) وفحواها الاساسي هو ان كنيسة المشرق الاشورية هي كنيسة يقوم بناءها على التنظيم الهرمي للرتب (hierarchical church) التي يخضع ما دونها لما فوقها وصولا الى البطريرك الذي هو رأس الهرم الكنسي وتخضع له بقية الرتب الكنسية الاخرى.
بل ويستشهد بان الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لا تعترف بكنيسة اخرى ما لن تكون كنيسة هرمية الترتيب، وان اعتراف الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بكنيسة المشرق يعني اعترافا صريحا وكاملا بانها كنيسة هرمية الرتب الكنسية. وليصل الى الاقرار بان كنيسة المشرق الاشورية ومن خلال مجمعها السنهاديقي برئاسة قداسة البطريرك له السلطة على كافة اساقفة واكليروس الكنيسة وبضمنها سلطة ايقافهم من رتبهم الكهنوتية.
انقر هنا لقراءة الشهادة الكاملة: http://www.capiraq.org/111/Father_Goda.pdf

بالتاكيد، نحن ابناء كنيسة المشرق الاشورية، وفي المقدمة منا، نيافة مار باوي ندرك هذه الحقيقة وان كان نيافته لم يلتزم بها عندما تمرد على هذه السلطة وشكك بها وهو امر مفهوم في سعيه لتبرير تمرده.
ولكن ان يتقدم الاب الدكتور يوشيا صنا لتقديم شهادة في المحكمة يسعى فيها لدحض شهادة الاب الدكتور كودا فانه امر مريب حقا ومرفوض حتما. لماذا؟
لان شهادة الدكتور كودا كانت لاقرار حقيقة البناء الاداري والتنظيمي الهرمي للكنيسة. وهذه حقيقة ساطعة يدركها الاب يوشيا ايضا. في حين ان الاب يوشيا نصب نفسه حاكما وقاضيا في مسالة هل ان قرار الايقاف كان قانونيا بحسب القوانين السنهاديقية لكنيسة المشرق ام لا. وهذا امر لا يحق لاحد اقراره سوى المجمع السنهاديقي وليس اي احد اخر.
الاب يوشيا ينصب نفسه حاكما على مقررات المجمع السنهاديقي المقدس لكنيسة المشرق ناسيا او متناسيا ان القوانين السنهاديقية التي يدعي استناده عليها ودرايته بها تقول ان لا سلطة اخرى على سلطة المجمع السنهاديقي.
الاب يوشيا يصدر حكمه وشهادته على ضوء درايته بالقوانين السنهاديقية التي ينسبها الى مجموعة قوانين مار عوديشو الصوباوي (القرن 13).. ناسيا او متناسيا ان القوانين الكنسية لم تتوقف عند الصوباوي بل هي قوانين يتم تعديلها والاستزادة فيها مع كل مجمع سنهاديقي.
ام تراه فعل ذلك عمدا للتعبير عن رسالة مفادها ان كنيسة المشرق من بعد الصوباوي لم تعد تمتلك شرعية اقرار قوانين سنهاديقية جديدة لانه بعد اتحاد الجزء الاكبر من ابناءها بالكرسي الرسولي (القرن 16) واستحداث الكرسي البطريركي الكلداني فان بطريركية كنيسة المشرق غير المتحدة باتت تفتقر للشرعية وبانها باطلة وما يؤسس على باطل فهو باطل.
والانكى من ذلك انه يتجاهل اسباب الايقاف عندما يحصرها حصريا بتوجيه مار باوي لرسائل شخصية الى قداسة البطريرك.. الاب يوشيا ينسى او يتناسى ان المجمع السنهاديقي بعد مناقشة مستفيضة ومتشعبة ومطولة مع الاسقف مار باوي ومواقفه ومراسلاته قرر ايقاف مار باوي بعد ان رفض الاخير مقررات السنهادوس والخيارات التي قدمها له واحدا تلو الاخر، ابتداء بنقله الى ابرشية روسيا وايران.
هل يتفضل الاب صنا ويكرمنا ماذا سيكون موقف اي مجمع سنهاديقي لاية كنيسة رسولية (وبينها الكنيسة الكلدانية التي ينتمي اليها) من اسقف يرفض الانصياع والالتزام بقرار او توصية يتخذها المجمع بالاجماع؟
وهل يتكرم علينا الاب صنا ويقول لنا ماذا سيكون موقف الكنيسة منه لو انه كتب الى اسقفه ليقول له: انك طردت المسيح من الكنيسة!! الن يستدعيه المجمع لنقاشه واذا اصر على موقفه ورفض كل الخيارات الن يعاقبه المجمع؟
قد تكون الكنيسة الكلدانية قد خولت الاب يوشيا للتحدث باسمها، ولكن هل كنيسة المشرق القديمة خولته ايضا ليقول في الصفحة الثالثة من شهادته انها لا تقر بقانونية ايقافه ولذلك فتحت له ابوابها لاقامة الخدمات الكنسية، وهو امر لم يقله قداسة البطريرك مار ادي الثاني في المقابلات التي اجريت معه بشان الموضوع.
وحتى بافتراض هذا الامر، فهل ان عدم قبول او اعتراف الكنيسة الكلدانية والمشرق القديمة بقرار ايقاف مار باوي يعني ابطال القرار؟ فهل الكنيستين وبطريركيهما هما سلطة تسمو على السلطة التي يمتلكها المجمع السنهاديقي لكنيسة المشرق الاشورية على اساقفته واكليروسه؟
لقراءة النص الكامل لشهادة الاب يوشيا صنا انقر هنا:
http://www.capiraq.org/111/Yoshia_Sanna.pdf

السؤال الذي يبحث عن الاجابة هو هل ان شهادة الاب صنا في المحكمة هي الاخرى تصرف شخصي منه؟ ام انه بدراية وعلم وموافقة من مرجعيته الاسقفية (لكي لا نقول البطريركية)؟
فان كان كلا فتلك مصيبة، وان كان نعم فالمصيبة اعظم.
على اية حال فان ما تسرب من انباء حول ترشيح المجمع السنهاديقي الكاداني للاب يوشيا صنا للرتبة الاسقفية (على الاكثر بدعم من الاسقف مار سرهد جمو) وتكليفه ابرشية استراليا تحديدا يثير العديد من التساؤلات التي لا يمكن لكاتب السطور الجزم بها.


ثالثا: بناء على الموقفين السابقين من الاب بيكوما والاب صنا فقد بادرت كنيسة المشرق الاشورية بتحرير رسالة رسمية من سكرتير مجمعها السنهاديقي، نيافة الاسقف مار ميلس زيا، بتاريخ 14 شباط 2006 الى المرجعية البطريركية الكلدانية للاعراب عن اسفها من موقف الابوين بيكوما وصنا ومستفسرة بروح المحبة والاخوة المسيحية والكنسية عن اجابة من الكنيسة الكلدانية من هذين الامرين.
انقر هنا لقراءة الرسالة:
http://capiraq.org/111/ACOE_Letter_CC.pdf
رغم انقضاء حوالي ستة اشهر، ورغم انعقاد المجمع السنهاديقي الكلداني فان كنيسة المشرق الاشورية لم تتلق اية اجابة او اي رد لا من قريب او بعيد، وهو مؤشر سلبي وبالغ الحساسية ومن الممكن ان يكون له تداعياته على العلاقة بين الكنيستين وابناءهما.
فابسط السياقات البروتوكولية تقول بضرورة الاجابة (بغض النظر عن مضمون الاجابة) احتراما للجهة التي وجهت الرسالة، وفي هذه لحال هي كنيسة رسولية مقدسة شقيقة.
هناك من يعتقد، وعلى قاعدة السكوت علامة الرضا، ان عدم الاجابة هو اقرار بان موقفي الابوين بيكوما وصنا كانا بعلم ومباركة الكنيسة الكلدانية او على الاقل مرجعيتيهما الاسقفيتين.

امام هذه الشواهد الثلاثة يفرض السؤال نفسه:
لماذا تقدم الكنيسة الكلدانية دعمها لمار باوي في تمرده على كنيسة المشرق الاشورية ومحاولته شقها؟
وهذا ما سنجيب عليه مع امور اخرى مثل:
هل سيلتحق مار باوي بالكنيسة الكلدانية؟ وهل ستقبله الكنيسة الكلدانية؟ وتحت اية ظروف او شروط؟
وهل هناك توافق بين الاساقفة الكلدان في هذه المسالة؟ ام هناك اكثر من موقف محتمل؟
وما هو موقف ابناء الكنيسة الكلدانية ومثقفيها ومؤسساتها من المسالة؟
وغيرها..


فالى اللقاء..

القس عمانوئيل يوحنا[/size][/font]